أحمد فؤاد عبد الفتاح يوسف سليم
ـ الفن والقانون من سمات الابداع الفنى التشكيلى وكذلك مقومات شخصية الفنان أحمد فؤاد سليم ـ بالقدر الذى تتمتع به أعماله من خصوبة الرؤية وحرية التعبير والأخذ بمعايير الجمال والابداع والتشكيل الا أنها تتميز بحبكة العدل والحق والقانون ومن ثم فأعماله تأخذ مجرى الصدق والبحث والتدقيق والتوضيح وهو بذلك يغوص بإبداعاته فى عوالم عدة من تأثيرية الى تجريدية الى رمزية الى واقعية جديدة دون خلل فى تأكيد صفة العارف والباحث نحو الحقيقة غير المعروفة . ـ جهوده فى طُرق تكوين وإثراء الفن المصرى المعاصر واضحة وملموسة ومؤكدة أن اعماله التشكيلية نهايات مطاف إبداعى وفكرى تروى بلغة التشكيل رابطة الفن بالعقل والحكمة والقانون. ـ الفنان أحمد فؤاد سليم خصب الفكر وصاحب قدرة على النقد والتحليل والحكم الموضوعى بعيداً عن ذاتية الرؤية القضائية ولكنها محملة بذاتية الابداع .
رمزى مصطفى
ـ الفنان أحمد فؤاد سليم من الفنانين المعاصرين الذين ساهموا بفكرهم وابداعهم فى إثراء وتدعيم الحركة الفنية المصرية ، والفنان نموذج فريد حيث نرى فيه الفنان المفكر الفنان المثقف الفنان المنظر ويعد من الفنانين القلائل الذين يحملون على أكتافهم مسؤولية التصدى للقضايا الهامة ذات التفاعل الاجتماعى رغبة فى مد جسور الابداع التشكيلى الى أرجاء وأعماق المجتمع وذلك خلال فترة تزيد على ثلاثين عاما .
أحمد نوار
ـ صعقت من أول وهلة للتجانس والتحكم فى أعماله الى هذا الحد أعماله شديدة الحداثة وشديدة التفرد وطبعا هناك أحيانا لوحات تراها مبهرة ثم تفقد سبب إبهارها بعد وقت ولكن فى حالة أعمال أحمد فؤاد سليم كنت أذهب وأجئ ثلاثة ايام كاملة ولعدة زيارات كنت أكتشف أكثر أثناء التمحيص أن إبهارها يزيد ويزيد واتضح لنا إن أعمال هذا الفنان مؤثرة وذات قيمة وأن إبهار الوهلة الاولى كان فى مكانه .
خوليان جاييجو
ـ يكتل سليم الخطوط فى تجمعات وتتفرق على السطح كخلايا حية تخرج عن إطارها المألوف وتتحرك نحو مراكز جذب متفرقة حيث يتصاعد البث الانفعالى لها من خلال منهج حركى يختلف عما فى نسيج السطح . ـ فى تلك الحالة تصبح الحركة مدركا يتم التعبير عنها على مدى الصورة بأكملها وذلك عبر المستويات اللونية المتوالية .
فاطمة اسماعيل
ـ ان مفتاح عالمه التشكيلى لا ترد إحالاته ـ مباشرة ـ من التصوير العالمى ذلك أن نقطة أصالته تقع فى تفرده التنزيهى بل إن مفتاحه كما جرى معى يقع فى الفن الأشد تنزيها ً فى البناء الموسيقى فالمقامات المتماسكة المشيدة من تناغمات متفردة من التهشيرات الجرافيكية تعكس أنماطا من التكسرات الإنفاعلية الحادة التى تضع العين فى برزخ متوسط ملتبس ما بين عالم ` الهارمونى ` وعالم التدمير الذاتى من هنا تبدو ` حداثة ` أو بالأحرى ` مابعد حداثة ` بحثه سيعثر على هذا المسار الملتبس فى موسيقى بيللا بارتوك BELLA BARTOK التى تصدح ابداً مع لوحاته فى محترفى وهنا يمتد جسر الشمولية التوحيدية التى تاسرنى فى عمله منذ ان التقيته فى المرة الأولى .
أسعد عرابى
ـ ولأن ` الخروج ` ` لوحات الخروج ` فى أعمال سليم كان نحو فضاء ` الكولاج ` من حيث هو البلورة للبعد الإنشائى والبناء لفعل التكتيك ولا نهائية التركيب تصبح فى ` الكولاج ` عوداً للامتناهى ، ولكنه عود للعناصر لا للمكان إذ المكان بدون العناصر هو فراغ يمثل نقطة الصفر للمعنى أى حين تتفاعل طبيعتها العنصرية مع البعد العلائقى المترتب على صياقها المكان .
ـ وعليه فقد كانت لوحات ( الخروج ) باللامركز تقريباً حتى يكاد يتم ضمنها إلغاء ` ثنائية ` ( الهيئة ) و ( الخلفية ) كما أن وتيرة تموضع الالوان لاتبدأ قالبياً لفرط غياب اى أثر للمكانيكية للأنتظام فى انتشارها وتوزيعها . هو إذن ( خروج لمعاثرة المغايرة المطلقة لا للانسحاق السوفى حيالها ولايستعابها بغرض تغذية الحمامية ولكن ( لزخرفة معنى المغامرة الوجودية ) زخرفة تكشف عن أن ما سمى ( ابن سينا ) ( بانقلاب العين ) إنما مبدؤه تجربة فى تزامن الروافد المتفارقة والمتباينة
محمد بن حمودة
ـ أن يصبح الوشم شفوياً يعنى إنه عائد ليتحرك المدون من جديد على جلد العالم ليكون هناك بداية جديدة لنهاية وليكون فى برهة ما بين العقل والعاطفة وأمراً لاغنى عنه فى تطبيقات المعرفة خاصة للزهنية منها وشقها البصرى بالذات لتكون فى التركيب فعلاً وفى التأليف مغايراً وبين النماذج صعوداً وللمألوف إزاحة يتواكب فيها الخروج وأبعاد الاتجاهات والانواع وكامل النظم وأشباهها الهندسية والفلكية والعضوية وتفكيك بعض الإنشاء ، لا تنعدم فيه العناصر ولكن تفتح علاقات جديدة فى سبر مجاهل الجمال تأخذ الآخر فى سياقات المكان والزمان إلى اللامتناهية حيث يكون البدء كاملاً من جديد والنهاية صفراً والعكس صحيح لكليهما معاً كى تصطفى الثنائيات بالوانها دون غياب المطلق أو الحكم التاريخى للإنسان وإبداعاته بكل روافده وتبايناته ساحة تتكسر عليها المقامات لشدة التوحد بالعمل وهاجس الفن والتضاد والخروج عن المعانى والتيارات المسبقه بالشهود والمعالم ( الرموز والدلالات ) . ـ إنه تخيل قديم العشق لدوام الاستحالة والقفذ خارج المألوف والانبثاق فى مجاز التصوير والشكل والحرية إذ تتهافت وتتضافر نار الممارسة وتأجج الفكر والمعرفة والبصر فى حالة الواقع والفن والتاريخ لتفقدها المسكون والمشابه وتزرع ( كمسمار ) إبهار الدهشة والسؤال . ـ تشاهد وكأنك لاتشاهد وتعود لتشاهد أحمد فؤاد سليم من مصر أخرج مختزل العالم ثم عاد به . إنه لا يعيد تشكيلاً ولا يلامس الواقع من جهة تنظيماته بل يصور من ثقافته وذاكرته البصرية الآتية بتدفق غير معد وتحويلات متشابكة التضاد فى اللحظة الراهنة ليصل الى عمل له قانونه الخاص ونظامه الأحادى وعقلة المنفصل وحواره الشامل ( بوحده متماسكة التضاد ) . ـ جذب ونبذ ما بينهما ضرباً سليم بلونه عمله متوازنا فى جوهر مغناطيسية ابداعاً فيه كل شئ وبالوقت ذاته لا شئ وهذا سوء انه يؤرق المساحة بشكل يشبه التجريد وليس بالتجريد بالسكن والذاكرة والصورة وليست هى كذلك .
عبد اللطيف صمودى
ـ سليم فنان عرفته الستينات وظلت تجربته تعطى أطروحتها المختلفة خلال السبعينات والثمانينات والتسعينات تلك الأطروحات التى تمثل فى نهاية الامر صيغاً لنظام يأتى من باطن العمل . ـ يقدم لنا ` سليم ` اليوم هذا المعرض الذى قد يراه البعض خروجا عن النظام ويراه الآخرون أمل الفنان فى التخلص من هذا النظام وقبل ان نحاور الفنان فى حقه فى الخروج وقبل ان نعطى للتجربة الهرمية أى التجربة ذات السياق التراكمى الفاعلة الى نسق التجربة المركزية التى تضمن للا ستقرار قيمته مع القبول بانظمة مختلفة تتفاعل مع بعضها البعض وتأتى وحدتها من انتسابها جميعها الى فنان واحد ـ نقصد هنا المعرض فينحى بالتجربة الى الطابع التشخيصى هل يريد سليم بهذا المعرض أن يتخلص من التجريد لصالح التشخيص ونحن نجيب بالشك فإن تجربة سليم لم تكن تجريدا خالصاً فقد بدأ سليم تجربتة بالتشخيصية منذ الستينيات حين رسم متواليات تصويرية لانطباعاته البصرية حول مسرح ( يونيسكو ، وبيكت ، والحكيم ) ثم من عالم الموسيقى والعازفين الى التناول المتنوع للجسد العارى وغيره فنذكر بذلك لوحات ( الدويتو والتربو والاوركسترا والعازفين الشعبيين ) كذلك لوحات ` مارسيل متى ` عازفة البيانو المعروفة وزوجته كما نذكر لوحات الجسد العارى شديدة التنوع . لم يتناول سليم تلك الموضوعات من منظور واقعى مدرسى وإنما قدمها لنا مع أسلوب فنى خاص يتفق مع زمن التناول بالنسبة لتربة الفنان. ـ ومع أواخر الستينات نما نزوع قومى عند سليم للخروج من طابعة التشخيصى الى الهندسى التوازنى ثم فى أول السبعينات كان مبحثه المعروف فى الكاليجرافى حيث تعامل سليم بمفهوم تجريدى شديد الخصوصية مختلفا فى ذلك عن أقرانه الذين أخذوا نفس التوجه وقد أكد امتلاكه لمهارات التجريد فى إحساسه بالفضاء المساحى واللون والنسيج وعلاقات العناصر . ـ على الرغم من ذلك ثمة ما يدعونا الى الاعتقاد بأن تلك الفترة كانت تفصح عن تشخيص داخل البناء التجريدى فهناك دائماً حركة لجسد إنسانى أو لطائر أو لشكل عضوى لا يتم تعيينه بصرياً إلا بعلامات ورموز تنسج مع الخطوط والفضاءات فتصبح بين الحضور والغياب كالتهويمات الاثيرية . ـ ثم من جديد عاد الحنين للفنان لممارسة الرسم التشخيصى والذى بدأ مع الستينات فى نفس الموضوعات مع وجود مثير فى حياة الفنان وهو مولد ابنته كنجمة أوبرا ` سوبرانو ` الفنانة ` أميرة سليم ` ووقوفها على المسرح تمثل أدوار روزيتا وبربرينا وأوسكار وغيرها ـ السؤال الآن هل قدم سليم رسوماته تلك مختلفة عما سبق فى الستينات بعد تلك التجربة الطويلة مع التجريد. ـ فى البداية نسجل إحترامنا لإصراره على وجوده كمصور وهو ما يميزه على أقرانه من الفنانين فقد أخلص للتصوير واحترافه وظل مؤكدا على وجوده فى تجربته . ـ بالنسبة للوحات الموسيقى والأوبرا سنعتبرها لوحات تسجل لحظة الزمن الداخلى للعمل ويذكرنا بعضها بفنانى الثغر أدهم وسيف وانلى اللذين واهتمامهما بعالم مغنيات الأوبرا الخارجى بأسلوبهما التعبيرى . ـ ماذا أفاد سليم من تجربة التجريد فى التجربة الشخصية الحالية ؟ ـ لم يهتم سليم فى تلك الاعمال التشخيصية بالرسم كمهارة كما لم يهتم بها فى السابق وإنما إستعارة منطقة الحركة والحضور بالمفهوم التجريدى على اللوحات كأننا نستشعر الحس التجريدى من داخل اللوحات التشخيصية أصبحت فكرتا ` الحركة والحضور ` ودورهما فى اللوحة هو ما يثير الفنان . ـ فمثلاً حضور المغنية لا يتجسد بالخط line بقدر ما يتجسد من خلال حركتها لحظة تصويرها ويأبى الفنان أن يكون هذا الحضور بسيطا او شيئا قائما بذاته بل هو حضور قوى يشغل زمن اللوحة ويتعداه . ـ ماذا يعنى ` الحضور ` فى اللوحة عند سليم : ـ للوهلة الأولى قد يعنى الحضور الوجود المادى للعناصر التى تتشكل منها اللوحة أى وجود الشخصى ولكننا نجد أن هذا الوجود الشخصى الذى يمثلة الخط والفورم وعلاقة الشخصى بالمسطح ليس هو الذى يعنى الفنان كمكونات أساسية للوحة رغم هذا قد يكون مقنع وكاف للعين حين يقدمه فنان آخر معنى بقضية الرسم فى الأساس عند سليم ثمة مشكلة تنشأ حين نتعرض لتفسير العمل فهذا الوجود المقنع بصريا نكتشف انه غير كاف فى ذاته إذ انه يعتمد فى وجوده على علاقات مختلفة مسندة فاذا تحدثنا عن علاقة الشخص بالمكان وجدنا انفسنا أمام علاقة اخرى موازية وهى علاقة التشخيص بالتجريد فالمكان هو الفكرة المجردة التى يحتفظ بها الفنان من تجربته الخاصة . ـ اما العلاقة الزمنية فهى مركبة حيث تمثل لحظتين زمنيتين مختلفتين لحظة تسجيل الفنان للحدث ولحظة رؤية المتلقى له قد يكون هذا هو المنطق المعتاد الذى يصر فيه الفنان على توحيد اللحظتين هذا أيضاً ما يستفيده سليم من التجريد الشخصى فالثلاثة عازفين هم فى حقيقة الامر شخوص ثابته ولكن الفنان يقرر أن نشاهد تلك الشخوص متحركة فى كل لحظة من لحظات التلقى وبالتركيز على حالة حضور العازفين فان الحركة حاضرة وهى أيضاً العنصر الحقيقى فى بناء اللوحة . ـ وعلى الرغم من أن سليم يقدم شخوصه فى لحظات زمنية حاضرة إلا انها تحمل آثارا من الماضى والمستقبل وبذلك فنحن نشاهد العازفين بالرجوع قليلا الى لحظات ماضية وأيضاً بالتوقع لما تصير اليه حركة العازفين من ثم فإن الحضور فى لوحات سليم هو حضور الحركة التى تخلق حواراً جديدا مع الزمن كبعد أساسى فى العمل الفنى لذلك فنحن لا نجد فارقاً بين ما يقدمة سليم فى المعرض من لوحات موسيقية وأخرى عارية فالموضوع ليس هو بيت القصيد ولا الشخوص وإنما الشخوص فى بعدها الحركى فالعاريات تتصف بنفس البعد الدرامى الذى تتصف به لوحات الموسيقى وتستمد حيويتها من التعارض المشكل بين الحضور و الغياب فنحن نتلقى تلك الحركات الجسدية للعاريات مع تصورات اعتمدت على أحداث سابقة وتوقعات لأشكال التجسد فى اللحظات التالية بما يفترض وجوده فى الترتيب الذهنى المكتمل . ـ إن معرض سليم هذا الذى يقام بمجمع الفنون بالزمالك هو حالة من حالات الارتواء بالتصوير فى كل صورة تشخيصية كانت أم تجريدية.
فاطمة اسماعيل
لم يكن مجمع الفنون قاعات عرض عادية هذه المرة ( وهو لم يكن كذلك ابداً ) .. خصوصا فى احتفاليته باليوبيل الفضى الشهر الماضى وهو انجاز تاريخى للحركة الفنية فى مصر .. يقوده فنان كبير يجمع بين الثقافة الرفيعة والنضال الجاد والتفعيل المخلص للطاقات الإبداعية هو الفنان المايسترو أحمد فؤاد سليم الذى طرح مع أثنين من كبار فنانى مصر د. مصطفى الرزاز وحلمى التونى رؤية جديرة بالتأمل من خلال معرض فى تجربة الاختلاف فهم متحدون روحيا وقد يكونوا مختلفين فى وسائطهم ورموزهم التشكيلية التى تتسم بالماديات .. ولكن الطرح الفارق والمؤثر فى أن يجمعوا أعمالهم والتى شاهدنها من قبل من خلال مساحات لونية مختلفة تربطها وتقودنا الى رؤية جديدة مبهرة . هذه المعارض .. فى حد ذاتها حدث تجاوز الأعمال والفنانين أصحابها .. وشكل طرح جديد لفاعليات العرض بحيث تخرج غير ما دخلتها .. تدفعنا للاستمرار والتواصل .. ولا مانع من أن نظل مختلفون حياتيا ولكن نبقى دائما متحدون إبداعياً .. وشكرا لهؤلاء الفرسان .. ولمجمع الفنون مفجر الطاقات الإبداعية فى زمن ساده الصمت .. فهل هناك من يسمع .. ومن يرى .. ومن يتكلم .. هل هناك من يتجاوز الخلافات الى الصفح والتسامح والمحبة سعيا لجمال الإبداع وروعته ونبضه الحيوى فى استمرارنا فى الحياة .. وهل يمكن أن نعمل جميعاً كل فى مجاله مفجرين لطاقاتنا الإبداعية .
عصمت داوستاشى
- هو من الفنانين المعاصرين الذين ساهموا بفكرهم وابداعهم فى أثراء و تدعيم الحركة الفنية المصرية والفنان نموذج فريد حيث ترى فيه المفكر والمثقف والمنظر وبعد من الفنانين القلائل الذين يحملون على أكتافهم مسئولية التصدى لقضايا هامة ذات التفاعل الأجتماعى رغبة فى مد جسور الأبداع التشكيلى إلى ارجاء واعماق المجتمع وذلك خلال فتره تزيد على ثلاثين عاماً.
الفنان يعد من الفنانين الذين تناولوا دراساتهم الفنية بشكل حر مستمداً هذا الرصيد من اطلاعه ودراسته الدقيقة لمجريات حركة الابداع الفنى فى العالم ومن خلال نشأة الفنون الحديثة فى مصر والفنان دارس للقانون مثل الفنانين العملاقين محمد ناجى ومحمود سعيد فالقاعدة الأساسية للإبداع الحقيقى هى المقومات الفكرية والابتكارية الكامنة داخل الإنسان وأعمال الفنان تعبر عن عمق الفكرة التى تحسها وتستشعرها خلف ماهو مرئى ونرى عمق العلاقة بين التعبيريه والهندسية الخطية ذات المرونه والحركة بعنصرين أساسيين فى صناعة الرؤيه الفنية والبعد البنائى لأعمال الفنان يعتمد على منظور مساحى متعدد العناصر ومتعدد الروافد وتضيف للبعد اللونى ذى النسيج المتعدد المقومات عمقا تعبيريا هاما واللون الواحد عند الفنان بين المد والجزر قيمة بنائيه ذات خصوصية قضائية
والفنان من الفنانين الممارسين للإبداع فنا وفكرا .
( د / أحمد نوار )
أحمد فؤاد سليم .. الأشجار تموت واقفة
- أليس هذا نهاية فعلى ولا هو بداية فعلى بل أعرضه لأنحيه وأبدأ من جديد بهذه الكلمات قدم أحمد فؤاد سليم لمعرضه الإستيعادى الذى أقيم قبل شهور من رحيله وعلى الرغم مما تحمله هذه الكلمات من أجواء للتفاؤل إلأ أن سليم بدأ حينها كمن يتأمل بشجن تجربته الإبداعية ومساره الفنى وسنوات عمره التى تخطت السبعين وما تخلل ذلك من نجاحات وإحباطات ومعارك خاضها وخذلان من قبل الأصدقاء وغيرها من الأشياء التى أسر بها وأعلنها ممزوجة بالأسى فى حواراته وأحاديثه الأخيرة .
- غير أن ما كان يعزيه هو ذلك الشموخ النبيل الذى اتسمت به أعماله وتجربته خلال الخمسين عاما المنقضية والتى عاشها مبدعا ومجددا ومحاربا عنيدا أيضا وإن اختلف حولها بعضهم أو اتفق معه البعض إلا أنهم جميعا لا ينكرون قيمته كمثقف ومبدع وناقد من الطراز الأول مثل رحيله خسارة لحركة التشكيل المصرى الحديث .
- حيث كان أكثر الشخصيات التشكيلية المعاصرة إثارة للجدل ومحفزا على النقاش والحوار واقتحام للمجهول ومحطما للتابلوهات والثوابت التى تعوق حركة التغيير وسواء اتفقت أو اختلفت معه فلابد أن تكن له كامل التقدير والاحترام فسليم كما كان يحب أن يوقع لوحاته فنان نشط غزير الإنتاج صنع حياته الفنية بنفسه ترك دراسة القانون ليصير أحد المؤثرين فى حركة الفنون دائم التعبير بصوت عال عما يجول بخاطره آراؤه صريحة وواضحة وأيضا جارحة فى بعض الأحيان فهو ناقد صريح لاذع يعتمد على أسس فنية عالية عمادها الأسس الحديثة والمعاصرة الغير تقليدية وبعيدا عن العواطف عندما تراه دون تجمل خالعا قناع الجدة والرزانة تجده شخصا آخر طيب القلب قلقا متوترا تغلف وجهه مسحة من الحزن فهو أديب وشاعر وفنان باختصار كان كيانا إنسانيا معاصرا ومحاصرا بالأفكار الذى آمن بها طوال حياته وبالحدود الذى وضعها لنفسه أو التى كانت تفرض عليه أحيانا.
- ولم يكن أحد يعلم بما يعانيه إلا بعد أن دخل فى غيبوبته الأخيرة حينها عرف الجميع أنه كان يعانى المرض ويتجرع الألم فى صمت وكبرياء دون شكوى لأحد وظل يمارس عمله ويمارس فنه ويخوض معاركه ويكتب مقالاته ويطرح أفكاره للنقاش إلى آخر لحظة من عمره دون أن يشعر أحد به أو بألمه فالأشجار العملاقة تموت دائمة واقفة ومتجهة دائما إلى أعلى ترفض التراجع أو الانحناء حتى عند لحظة الموت أو أمام لحظة النهاية.
* بداية الطريق :
- والفنان سليم هو من مواليد مدينة دمياط عام 1936تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة وعلى الرغم من أن بداياته كانت بعيدة عن مجال التشكيل إلا أنه أحدث تغييرا جزريا فى مسار حياته عندما ترك عالم القانون وقرر دراسة الفن فاتجه إليه بجوارحه وأحاسيسه وبعد أن أنهى دراسته فى كلية الحقوق التحق بمعهد ليوناردو دافنشى الذى كان يديره المركز الثقافى الإيطالي فى القاهرة ومثل نقطة التقاء بين مصر وإيطاليا فى الستينات والسبعينات كان واحدا من أهم معاهد الفن فى مصر يتبنى المناهج نفسها المعتمدة فى أوروبا وأمد الحركة الفنية المصرية بعدد من الأسماء البارزة غير أن سليم كان أبرزهم جميعا .
- وقد أهلته الظروف ومكنته ثقافته الواسعة وقدرته على الابتكار من خوض التجربة الثقافية والفنية بقوة بدءا من عمله كمشرف ومنسق للمعارض فى المركز الثقافى التشيكى فى القاهرة منتصف الستينات وابتكاره لما عرف حينذاك بمسرح المائة كرسى حتى توليه منصب المشرف العام على متحف الفن المصر الحديث فى القاهرة مرورا بدوره الكبير فى تنظيم بينالى القاهرة الدولى وإشرافه على مجمع الفنون وسواهما من المحطات الأخرى .
- ولم يكن أحمد فؤاد سليم فنان تشكيلى فحسب ولكنه مبدع ومحلل وناقد ومنظر وباحث وفوق كل ذلك خبير فى تنظيم العروض المتغيرة والمتحفية وقد بدأ سليم طريقه الفنى بكتابة الشعر ثم جاء إلهام الفن ليختطفه ويستحوذ عليه تماما كان ذلك فى منتصف الخمسينات وحاول تعلم الرسم والوقوف على قواعده وقوانينه وأسراره ولكنه لم يشأ أن يدرس الفن على صورته التقليدية بل بدأ فى تحطيم القواعد والأطر الكلاسيكية متأثرا بعالم الفنان الكبير سيف وانلى عندما تعلق فى البداية وفى منتصف الستينات بدأت الرموز والأساطير تتخلل أعماله التى استقاها من التراث الشعبى حيث تتوزع عناصرها متصلة أو منفصلة لتفلت هاربة بالزخارف والألوان البهيجة كما كانت تداعبه الأفكار التجريدية بشكل دائم وهى التى ميزت تجربته الفنية التى تأرجحت بشكل عام بين التجريدية والتجريدية التعبيرية حتى وصلت التجربة إلى فنون ما بعد الحداثة التى بشر بها وسعى إليها ومارسها .
- وقد كانت بدايته الفعلية عندما شارك بلوحة فى معرض عن أفريقيا عام 1957 ثم أقام أول معرض له فى عام 1963 فى أتيليه القاهرة وشارك طوال مسيرته الفنية فى أكثر من 70 معرض ما بين الخاص والجماعى والمحلى والدولى كما نال العديد من التكريمات والجوائز أبرزها جائزة التكريم من وزارة الثقافة 1997الجائزة الأولى الخريف الثانى الأعمال الفنية الصغيرة 1998 الجائزة الأولى تصوير لبينالى الإسكندرية لدول حوض البحر الأبيض المتوسط الدورة العاشرة 1974 وسام الفنون بدرجة فارس فى الفنون والآداب من الحكومة الفرنسية 1986 ميدالية الفن من ملكة الدانمارك 1986 الجائزة الكبرى وأوسكار بينالى القاهرة الدولى الثالث 1988.
* شهادات ما بعد الرحيل :
- من الواضح أن للموت قوة وهالة كبرى تستطيع أن تجمع وتؤلف القلوب التى باعدت بينها الأيام حيث تسابق الجميع فى رثاء الرجل بعد رحيله ولو قيل هذا الكلام من قبل لشعر سليم ببعض الراحة والسعادة قبل أن يودعنا لكن من أن تأتى متأخرا أفضل من أن لا تأتى كما تقول الحكمة الشهيرة وقد عبر معظم الفنانين والنقاد الذين تعاملوا معه عن قرب عبروا عن رؤيتهم وتقيميهم لتجربة الرجل ومشواره الفنى والفكرى الطويل .
- أما الفنان مصطفى الرزاز فقد وصفه بالفارس عندما قال لا أبالغ عندما أقول إنه فارس من فرسان الحركة الفنية منذ 50 عاما فقد كان يحاور ويعطى ويختلف ويخالف ويصرح بفكره حتى يبدع ويتفرد ليحدث تطورا ونهضة للفن والفنانين فالنهضة فى أي دولة من الدول لم تحدث إلا بوجود اختلافات فى الرأى وقد تعرض للعنف البشرى والاعتراض وكثيرا من الهجوم وهذا دليل على حيوية مفاهيمه وفاعليته التى أحدثت توترا فى الساحة ولكنها فى النهاية كانت لصالح وجودنا على الخريطة التشكيلية محليا وعالميا فهذا الرجل ثبت على قيمته ومبادئه من يفهمه جيدا يعلم أنه بحق فنان لا يعوض فهو وحده يمكن أن نطلق عليه مؤسسة مصرية متكاملة لما له من طاقة استثنائية .
- وقد وصفه الفنان أحمد نوار بالتفرد لما له من تجربة خاصة ومنهج مميز حيث وصفه بأنه ناقد موضوعى وصاحب أسلوب منطقى فى قراءاته لأعمال الفنانين وتحليلها وتقييمها متفرد فى خبراته الفنية وفى إدارته للمؤسسات الثقافية المعنية بالفنون وله العديد من الإسهامات فى وضع الفن التشكيلى فى مكانه داخل المجتمع المدنى لأنه يدرك قيمة العمل العام من خلال الفنون واستطاع من خلال البحث والجهد الإيجابى أن يحدث حالة من التوهج فى الحركة الفنية على المستوى العالمى والمحلى فهو حالة افتقدناها ولن تتكرر .
- أما الفنان محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية سابقا الذى وصفه بأن السلطان سليم لما كان له من مكانة وقدر رفيع كما وصفه بأنه سلطان الخلاف الجميل وقال عنه لم تشهد الساحة التشكيلية فى مصر خلافا مثلما حدث مع الفنان أحمد فؤاد سليم الذى رحل عن عالمنا وترك لنا الملل فهو المثقف شديد الحضور فى مجتمعات المثقفين والفن التشكيلى لم يكن ذلك لمجرد أنه فنان مخضرم مرت عليه أحداث وأجيال ومتغيرات بل لأنه مثقف حقيقى وصاحب رسالة تنوير دافع عنها بشراسة أحيانا ولذلك شهدنا خلافات وصلت إلى زروتها بين سليم وعديدين وهو الأمر الذى كان إيجابيا فقد تسبب كثيرا فى بعث الحراك الفكرى بين المثقفين بل إنه ألهب هذا الحوار بينهم عن عمد وقد تساءل الفنان حلمى التونى هل كان سليم آخر القلاع التى تهاوت أخيرا ؟ هل كان آخر رموز زمن عشناه منذ الستينات وتكاد تغرب شمسه فى أوائل هذا القرن ؟ وقال عاش سليم طوال حياته يحمل شمس التنوير والتحضر حملها مرفوعة من علم ومشى يغرس علمه فى مواقع يفتحها كنوافذ ليدخل منها ضوء الفن .
* لمسة أخيرة :
- وعندما فاز سليم بالجائزة الكبرى والذهبية فى بينالى القاهرة الدولى الثالث عام 1988 كتب الناقد الأسبانى المعروف خوليان جايجو عنه يقول لقد صعقت من الوهلة الأولى لهذا التجانس أو التحكم فى أعماله الشديدة الحداثة والشديدة التفرد فهناك لوحات تراها باهرة ثم تفقد سبب إبهارها بعد وقت لكننى أمام أعماله كنت أذهب وأجئ ثلاثة أيام كاملة وفى زيارات عدة كنت أكتشف أكثر وأكثر من خلال النظر إن إبهارها يزيد ويزيد واتضح لى أن أعمال هذا الفنان مؤثرة وذات قيمة وأن إبهار الوهلة الأولى كان دائما فى مكانه .
د.خالد البغدادى
القاهرة - 12/ 2/ 2013
|