إيمان عزت عبد المجيد الشاذلى
إيمان ضوء الفكرة
- الفنانة إيمان عزت الشاذلى من مواليد 1972 - وحاصلة على بكالوريوس كلية التربية النوعية العام 1995- وأسهمت فى كثير من المعارض منها صالون الشباب وقد أقامت عدة معارض خاصة فى الأعوام 1997-1998-1999-2003، كما شاركت فى بعض المعارض الدولية بكل من بولندا -مقدونيا-بلغاريا-تايوان-سراييفو- أسبانيا- وحصلت على عدة جوائز نذكر منها الجائزة الثالثة فى فن الجرافيك بصالون الشباب الدورة الحادية عشرة ، وجائزة شهادة الصالون الدورة الثالثة عشرة ، واستطاعت الفنانة اختزال مجموعة من الإجراءات التقنية التى تبهر المتلقى واعتمدت بساطة الآداء وعمق الفكرة الفنية، والاختزال ناتج عن خبرة مسبقة ليست طويلة زمنياً قياساً بعمر الفنانة وهذا دال على قدراتها الشعورية والذهنية فيما يتعلق بعملية بناء المفردات والأشكال داخل منظومة محكمة ومحبوكة تشكيلياً فالفراغ المساحى تتصدره شريحة شفافة وكأنها إحدى رقائق الروح.. وتتعامد وتتوازى الدوائر الصغيرة والمصفوفة مناصفة للمساحة الكل فى إيقاع بليغ البناء والشفافية آتية من الملمس التراكمى لخلايا الملامس والتهشيرات الرقيقة والمكثفة بما يشبه تهشيرات صور أشعة X ، وكأن الفنانة استطاعت بمشاعرها وطاقتها الحسية أن تخترق وتتوغل داخل الإنسان للكشف عن ذاته ورقائقه الإنسانية مكتشفة ومتلمسةً شفافية الروح ، فالضوء فى هذه اللوحة ليس آتياً من الشمس أو القمر أو من مصدر صناعى ولكنه آتٍ من الطاقة الشعورية للفنانة الباحثة عن الكيان الجمالى فى جينات الأشكال ، وبطبيعة الحال فالتعبير عن الأشياء والرؤى باختلاف مصادرها وأنواعها لا يأتى مجرداً الهوية أو مبعثراً بل يأتى من كوامن متراكمة فى العقل الباطن للفنان .. من جراء مخزون الذاكرة الداخلى ، فشفافية الشكل المكنون رأسياً ومائلاً فى العمل الفنى قد يكون على هيئة ورقة نبات، أو شريحة من الرئتين أو القلب وخالياً من التفاصيل المعتادة فى أعمال الفنانين الجرافيكيين والتخلص منها يعادل الإقدام عليها - ولكن النتيجة غير متعادلة - فمعظم الأحيان تتعاظم القيمة التشكيلية والجمالية فى الأعمال التى حولتها الخبرة البصرية والحسية إلى ما يسمى بالأشكال المدمجة والمختزلة أى تكثيف المكون الجينى للأشكال بتفاصيلها فى حيز الناتج المرئى النهائى فتتلاشى التفاصيل وتتهاوى عناصر الإبهار السطحى وتتأكد عملية التشوق والإبهار الحسى الغامض الذى يجذب الروح إلى الداخل وتتواتر المشاعر وترتجف الأحاسيس جراء عملية التفاعل بين المرئى واللا مرئى بين الواقع والخيال بين الملموس والمحسوس ، فالضوء هنا يتدفق من ينابيع الفكرة وكأنه آتٍ من جينات المصدر الطباعى التى ولدت الإحساس بالشفافية الضوئية والعمق الغامض للفكرة والاثنان محفزان لطاقة بصرية مرئية ملموسة .. وأيضاً لطاقة شعورية مكنونه . فضوء الفكرة أبلغ بكثير من الضوء المباشر المصنوع أو الطبيعى .
أ.د. احمد نوار
جريدة الحياة - 2005
جدائل صوفية
- يعبر كل منا عن صوفيته بإتباع طريقة من الطرق . أو الإتيان بطقس من الطقوس . أو تلاوة ترنيمة من الترانيم . أو أداء حركات جسدية تعكس صدق التوجه وعمق العقيدة وأهمية القضية ..أما أعمال إيمان عزت فتعبر عن صوفيتها من خلال تلك الرماديات . والتى تلف متلقى عملها بتلك الحالة من التأدب فى التناول . والمصحوبة بلحظة التأمل الطويلة .والتى تأخذنا لتلك الدقائق الساحرة . من ميلاد الفجر أو أفول الغروب .وما لهذه الدقائق من تنويعات رمادية . تطغى على غيرها من ألوان الحياة . فيغمرنا فيها الشعور بتلك الموجات والتحركات التى يسبح فيها اللون الرمادى . ولا نرى فيها تلك الدرجة الباردة والباهتة . والتى تنعكس فى أذهاننا عند ذكره .
- لقد إستطاعت إيمان عزت أن تستحضر سخونة تلك الرماديات فى مباغتة سهلة فى أدائها .وعميقة فى تناولها . جمعت فيها إنطباعاتها عن تلك اللحظات وعكست فيها إحساسها بها .فأوجدت فى نفس المتلقى تلك التدريجات اللونية . دون أن تصبغ لوحاتها بها .وأكتفت بتلك الدرجة الرمادية المضروبة فى الأمثال والحكم والتى تتأرجح بين النقيضين الأبيض والأسود . لقد أدخلتنى فى ذلك العالم الذى أستطيع من خلاله إجترار وإستحضار الكثير من رؤيايى ومناماتى . والتى لا اذكر من ألوانها سوى تلك الرماديات .فالأحلام لدى البشر فى معظمها مجردة الألوان . تلعب الرماديات فيها دور الرسول الحامل للأمانة . أو دور النذير المحذر من نازلة . أو دور البشير بقدوم خير . فمع المصاب لا أهمية لتفصيلة أو درجة لون ..
وكذلك مع الناسك لا أهمية لإرتدائه فاخر الثياب من رثها . فالغاية منها الستر. والغرض من الرسالة العلم بما تحتويه .
- فقد جائت أعمالها والتى صاغتها فى مسطحات ليست بالصغيرة . ونفذتها بتقنية الحفر البارز على الخشب . والذى أتى بتأثيرات ثمرة الخشب فيه . والتى لعبت دور البصمة فى قوالبها الطباعية . والتى حرصت على إبرازها من خلال رمادياتها الشفافة . والتى مثلت عنصرا لتكامل المفهوم لديها . ورغم بساطة العمل فى ظاهره وخلوه من مفردات وتفاصيل . كان لابد من تفتتيته وتحليل مفردات نسختها الطباعية . والتى رغم وضوح التقنية بها إلا أنها توصلنا الى نوع من الإحساس بمشهد التصوير المختزل . والذى يحمل درجة من التجريد المغلف بالإقتصاد وعدم المبالغة .
- فقالبها الطباعى تم إنتقاؤه بحرص شديد . وحمل درجة من درجات التناغم والخلو من تشوهات المعالجة الصناعية لسطحه . وحمل موجات جاء تأثيرها ليبرز تضاريس مشهدها إن قصدت به أرضا . أو صفاء وتلبد فضائها إن قصدت به سماء. أو تموجات و حركات إن قصدت به مسطح ماء .أو تجاعيد وملامس إن قصدت به بناء.. إلخ من توظيفها لذلك القالب . والذى جاء بمثابة خامة نبيلة نابضة . خلت من ذلك السكون الممل .
- أما تكويناتها فقد جائت متفاوتة ومتباينة . وأدخلت على اليقين بتناولها لموضوعات تمس الشعور والحس . والأمنية والحلم . وجاء تجريدها غاية فى البساطة الناطقة بتلك الدراما . التى تصاحب التصور لدى خيال كل منا . وجعلت من تراكمية المفاهيم لديها عن الاشكال ذخيرة تستخدمها للهيمنة على مسطحها . لإحداث تلك السيطرة . والتى تؤدى فى النهاية إلى خدمة إسقاطها وإيصال رسالتها .أو تسجيل ما يجيش بداخلها من إنطباع . وقد جائت مشاهدها وثيقة الصلة بهموم وإهتمامات نتشارك فيها جميعا . ولعبت الدائرة دورا فى لوحاتها كغيرها من الفنانين والذين تناولوها كل بمفهومة وبما يخدم إسقاطه . إلا أنها تميزت فى مشهد إيمان عزت بإبراز مركز الدائرة وتقاطعات أقطارها وإشعاعات مركزها ..ويلاحظ إبتعادها عن فكرة الأوتار الخارجة عن المرور بمركز دوائرها ..وكنها لا تعترف بتلك الخطوط التى لا تمر بالمركز . وأشعرتنى برفضها لفكرة الأوتار فى دوائرها وعوالمها . فالأقطارهى من موجبات الوجود لأنها تنبع من المركز أو من الأصل أما الأوتارفهى من البدع لا يأتيها إلا المارق محدثا منها حيلة الوصل .. أما تناولها للخطوط سواء كان طوليا أو عرضيا فقد جاء فى تضافر سلس غير معقد وكأنها تفند العلاقات بين البشر بعضهم البعض . أو بين البشر ومشاعرهم . أو بين المشاعر بعضها البعض فى داخلهم . وشعرت فى خطوطها بتلك العلاقات التى تربط بين الأشياء والمخلوقات بشرا كانوا أو حجر .
- أما اللون فى أعمالها والذى جاء مخلوطا بشفافية متفاوته وصلت لديها فى بعض الدرجات إلى الرقة والنعومة والصفاء . وفى بعض الدرجات إلى الخشونة والجمود والتعكير . وما بينهما من درجات لا تحصى من التدريجات . وكذلك جائت درجاتها لتبث لدى المتلقى ذلك الشعور المتفاوت بين النسمات الباردة العليلة . وبين سخونة رياح السموم الحارة الحارقة . ولكن أجمل ما ميزها هو عدم خروجها من تلك الحالة الرمادية ونجاحها فى توظيف درجاتها لتخدم مشهدها وتظهر تفاصيله داخلنا بألوانها التى لم تستخدمها . إلا أنها نجحت وتفوقت بإشعارنا بها وأعتقد اننا سنشهد فى عرضها القادم فى الرابع من ديسمبر بالاسكندرية بمركز الإبداع . مواصلة لتلك التجربة الدسمة والرخيمة والتى أحدثت لدينا تلك الطمئنينة بأننا لدينا إمتدادا فى التناول المعاصر لأصالتنا . لقد نجحت إيمان عزت فى قرع دفوف فن الحفر الراقى والموظف والمواكب لتلك التناولات الحداثية للموضوعات والأفكار . والإرهاصات والمشاعر . التى تجيش بداخلنا وتعتمر عقولنا وتستولى على مشاعرنا وقلوبنا . لقد عالجت صوفيتها بتلك الجدائل والتداخلات اللونية . والتجريد الرشيق من غير مبالغة . وفى إطار إضاءة تعكس أجواء الخشوع النابع من منسكا صوفى .لا يأبه سوى بطقوسة التى يتأتاها فى محبة مطلقة غير انتظار لنيل درجة من درجات الرضاء .
- لقد تركت لى إيمان عزت مساحة من الحرية فى انتقاء ساعة المشهد . ولم تدفعنى نحو إجبار بالإقرار بساعة ميلاد الفجر. وما تحمله من مراسم البدايات وما يلحقها من طقوس وعادات .وكذلك لم تدفعنى نحو الإستسلام لساعة الأفوال المغتربة . وما يصاحبها من مراسم النهايات والإنتقال . لقد جدلت ضفائر الحياة معا لتصنع مشهدا يعكس طبيعة تلك الحياة وحالها ويصف ذلك الخليط . وجمعت فيه النقيض بجانب النقيض ..فإنتصارنا يعنى خسارة غيرنا ..وخسارتنا تعنى إنتصار غيرنا . ولا يبقى لنا سوى التطلع إلى المشهد عله يصدر إلينا هذا الهدوء وتلك السكينة التى تدفعنا لنجدل صوفيتنا فى خشوع وسلام نفس .
بقلم / ياسر جاد
2014
|