نبض الخشب يقيم حواراً هادئاً مع الفراغ
* 70 عملاً فى المعرض الأخير لمحمد موسى فى الإسكندرية ..
- الخشب من أقدم الخامات التى استخدمها الإنسان استعانة على أعباء الحياة ومظاهرها على سطح الأرض، وقدماء المصريين من الشعوب القديمة التى اهتم فنانوها بهذه الخامة العريقة، ولهم علاقة حميمة بها ..فالفن المصرى القديم زاخر بأعمال فنية تدل على هذه العلاقة الحميمة مع الخشب، والفنان محمد موسى أحد الفنانين القلائل الذين يتعاملون مع مادة الخشب فى الفن التشكيلى الحديث والذين بعثوا الحياة فى هذه المادة الحياتية المفتقدة للمعنى، فقد برع فى تطويعها وصياغتها صياغة فنية عالية بمنطق تشكيل هذه الكتل الخشبية.. سبغ عليها قيما فنية مغايرة لم تكن لها وطبعها بطابعه الإنساني، وشكلها حسب رؤيته الإبداعية معبرا بها عن قيم تشكيلية تخاطب الوجدان الإنساني وتتفاعل معه، وهذه القيم جميعها لم تكن موجودة قبل أن يتعامل معها هذا الفنان المتألق..
- وأعمال محمد موسى النحتية تقوم على منطق تشكيل جذوع الأشجار المختلفة: أشجار التوت - البرتقال - الليمون .. الجوافة... السنط - المرسوع - الجميز وأنواع أخرى كثيرة من الأشجار الطبيعية تقوم على الحذف والإضافة المحسوبتين بحذر إضافة إلى مفهوم الكتلة كقصيدة نحتية منذ أيام أجداده الفراعنة.
- وكل منحوتة خشبية قدمها الفنان محمد موسى فى معرضه الأخير فى الإسكندرية كانت مثالا واضحا لقطعة متوحدة فى تكوينها ..مختلفة فى ألوانها متضامنة فى تشكيلها مليئة بالحركة والتفاعل والديناميكية..تحاور الفراغ ببلاغة تشكيلية..وان كانت تعتمد فى بعض الأحيان على عنصر الصدفة لكن الفنان طور هذا العنصر وأعطاه قيمة تشكيلية مغايرة حتى تشعر أن هذه المنحوتات تحتضن الفنان بين جنباتها وفراغاتها.. فهو يتدخل بأدواته تدخلا رقيقا.. حنونا ...حذرا بالغ الرهافة والحس التشكيلى العميق .
- يقول عنه الفنان والناقد جرجس بخيت..فى أعمال محمد موسى ذلك الشعور الخفى الجميل والحوار الهادئ الذى يبرز مهارته كفنان تشكيلى صاغ بهذه المنحوتات الخشبية الجميلة ذلك الحوار مع الفراغ بحذق ومهارة ..قادر على إثارة الدهشة فى أعماقنا فى زمن سئمنا فيه من القوالب الجامدة والنماذج المكررة والتقليد الرتيب.. فنحن أمام أعمال فطرية فى صياغتها وتحليلها بطزاجة عفوية تعتمد على ما خلفته الطبيعة من كتل خشبية تحتاج إلى من يزيل عنها الزوائد ويكتشف قيمتها التشكيلية كما هو الحال مع فناننا الذى اهتم بالمخطوطات والكتب الدراسية كما اهتم بالقدر نفسه بالكشف عن القيم الفنية داخل هذه الكتل الصماء بوعى فنه معاصر لا يغيب عنه المنجز النحتى القديم والحديث واستيعابه لهذا كله ليحقق صيغ جديدة وهذا الإنجاز اللافت بأصالة معاصرة فى الفن التشكيلى الحديث.
- ويقول عنه الفنان محمد فايد: أعمال الفنان محمد موسى المعروضة بقاعة أتيليه الإسكندرية متكاملة البناء الفنى.. ومعالجته لمادة الخشب بتفهم ووعى كاملين وهى جميعها حصيلة للفكر الإنساني فى أرقى صوره.. وهو يعتمد على الطبيعة مضافا إليها الحس الفنى الذى يتمتع به فالفنان هضم قانون الطبيعة الغامض بوعى فنى وفكرى احتفظ بمهارته الإخراجية دون الإخلال بالمعايير الفنية الرفيعة .
الناقد/ جرجس بخيت - الفنان/ محمد فايد
جريدة السياسة - 8 / 3 /1999