فرق التوقيت
- قد يخدعك عنوان المعرض ` فرق توقيت ` لذا لا تبحث فى لوحات الفنان التشكيلى ` شعبان الحسينى ` عن إشارات أو علامات تخص وصف أدوات القياس العلمى للوقت ، الأمر تخطى المعالجة النمطية لمفهوم الوقت ، يجادر ` الحسينى `الفلاسفة حول مفهوم الزمن ويطرح تساؤلات تشكيلية بصرية مصدرها أن الزمن إحساس يخص كل إنسان، استند فى لوحاته على مجموعة لقطات ومشاهد ومواقف حياتية شكلت ` مسرح الحياة ` انبثقت التكوينات من وجود العناصر الإنسانية تؤدى دورها المفروض عليها أو اختيارها فى مكان بلا عنوان وزمن معدوم الوقت ، التكوينات فى لوحاته تشير إلى أكثر من معنى أبرزها أن الزمن والوقت كلاهما عملية لا رجع فيها ، ولا يوجد زمن واحد للكون كله ، وأن كلمة ` الآن ` تخص لحظة لا تتكرر مع إنسان آخر.
- المعالجة والصياغية التشكيلية للعناصر الإنسانية فى لوحاته أقرب إلى شكل المنحوتات قوية البناء المتماسكة ، والقيمة الجمالية للتعبير بأسلوب المنحوتات توحى بأن العلاقات ثابتة ومتوازنة سيكولوجياً، على سبيل المثال اتضح هذا المعنى فى لوحة بها ` ثلاثة فتيات ` مترابطين جسدياً وأيضا تشابك معقد فى ` خصلات الشعر ` هنا تظهر رمزية المضمون الإنسانى والاجتماعى ، هى علاقات مشحونة بدفىء المشاعر والحميمية وأيضا فى لوحة ` امرأة ورجل وبينهما طفل ` ، ولوحة امرأة تخشى على طفليها الإثنين فجعلتهما يختبئان بين تفاصيلها ، ولوحة أخرى لامرأة تحاول الهرب بطفلها خوفاً عليه من وحوش زمنه.
- ربط ` الحسينى ` الزمن الغير معلوم بالمكان وبالكون بكل ما فيه من عناصر ، فإذا كان الفيلسوف ` أوغسطين ` قسم الزمن إلى أبعاد زمنية ثلاثة ` الماضى والحاضر والمستقبل ` وبحسب آرائه الفلسفية ` الماضى والمستقبل لا وجود لهما ` ، والماضى فرض سيطرته على البعض ، ويرد عليه الحسينى تشكيلياً فى العديد من لوحاته أن ليس كل ما فى الماضى سىء ومؤلم ، قد يكون فى ذكريات الماضى مصدر طاقة وحيوية للحاضر ويمكن استدعائه .
- استفاد الفنان من طاقة الماضى وعبر عن حالة التمنى والشوق بأن نعود إلى الماضى لولا ` فرق التوقيت ` ، وإن بعض الذكريات حاضرة ولازالت تنبض فى أنفاسنا بل وتسحبنا إلى مستقبل مجهول ، ففى لوحة رجل يجلس وحيداً على كرسى عتيق ، أمامه ` فاز زهور ` ، ملامحه ضبابية تلاشى تفاصيله كلما حاولت الاقتراب منه ، وجود عنصر ` الرجل ` فى المنطقة اللونية الرمادية المحايدة ، دلالة على أن إحساسه نتج من معطيات شعورية لا توحى بالسعادة ، ولكنها تبوح بفقدان لحظة مهمة لا تعوض ، وكأنه كان يتحدث عن ذاته بجملة شهيرة اعتدنا ترديدها وهى ( اللحظات الجميلة تمر بسرعة واللحظات المؤلمة تمر ببطىء ) ولكن نحن لا نملك وحدة قياس لمدى سرعة السعادة ونتائجها فى مقابل قياس بطىء الألم وآثره ، إنها مواقف حياتية لا تقبل القياس ولا مرجعية لها إلا صاحب التجربة ، وهذا المفهوم الفلسفى للزمن طرحه ` أرسطو ` وأكده تشكيلياً ` الحسينى ` .
- وفى لوحة أخرى تمثل زمن افتراضى ذهنى ليس له وجود موضوعى يستند إلى المعيار الذاتى والانطباعات الحسية للزمن المفقود ، نجد فى اللوحة كرسى فارغ ،أين صاحبه هل سوف يعود أم انتهى زمنه ؟ ، و زهور خافتة الضوء تنحنى قليلا بخشوع إلى أسفل وكأنها تصلى ، وتترقب وصول الغائب بلهفة الأزمنة كلها، وطاولة حزينة بائسة تواسى نفسسها بأنها تمتلك بعضاً من أدوات الغائب الخاصة وهى أوراق الحظ الكوتشينة - علب سجائر - آثار القهوة التى كان يتذوقها ..
- كما طرح فى لوحاته زمناً آخر غير معلوم توقيته يمثل بوجود العلاقات الإنسانية مرتبة انتباها شعور بالظلم والغدر من ألاعيب البشر باستخدامه بعض المساحات اللونية تعبيراً عن أرضية لعبة ` الشطرنج ` ، وهى لعبة تتشابة مع المفارقات الحياتية التى يعيشها الإنسان مع الآخر ، إما خسر ، وإما انتصر ، إلا أن النتائج الفنية جاءت عكس اللعبة ` لا خاسر ولا منتصر ` ، كما فى لوحة تمثل امرأة جميلة القامة تحيطها زهور رمادية تقف وبجانبها رجل يخفى نفسه عنها ، وبالتدقيق النظر وجدت المرأة أن الرجل يخفى ملامحه لأنه أحد ` لاعبى شطرنج الحياة ` فاستمرت ببقاءها بجانبه حفاظاً على ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، ومنحته زهرة وردية لعلها توقف اللعبة ، ولكنها على ما يبدو إنها تأخرت فى قرارها حقاً إنه فرق التوقيت .
بقلم النافدة : سوزى شكرى
من كتالوج فرق توقيت 2018