التصوير الحديث فى مصر حتى عام 1961
- الفنان إبراهيم شهدة رسام طموح، أحس أنه منتزع الجذور عن وسطه الخاص منذ وقت مبكر جداً. كانت روحه تنشد أغنية السحر الجلى للطبيعة، ولكن حساسيته لم يكن فيها إلا الأسود والبنى والرمادى القاتم. إبراهيم شهدة أستاذ شاب من أساتذة حساسية الظلال الموحية، وقد استطاع أن ينوع الخطوط الأولية للتكوين، وأن يبث فيها حياة أصيلة ثم إن اللون هو الذى فتنه بتنغيماته العارمة الوحشية الصاخبة والشجية.
أيميه آزار
إبراهيم شهدة فنان مهم
أنا الغريب .. ملامحي بلون الطمي .. اللون يبكيني وأنا المتيم بالحكايات القديمة .. أحلم تقريب المسافات فتبعدين .. أرسم لوحاتي بين عشقي وذكريات الطفولة تظهر ملامح للبلاد التي سكنتني .. إنفعالات فرشاة أم ملامح حزن تلك التي أطبعها على وجوة للغرباء .. البلاد التي سكنتني لم أكن ساكناً فيها .. أنا الغريب الوحيد التائه في بحور من الألوان .. عشقت باريس رامبرانت وفان جوخ وسيزان .. ولم يعشقني إلا المرض والكمد .. ورحل إبراهيم شهدة دون أن يشعر به إلا القليل القليل .
كان إبراهيم شهدة يمتلك موهبة كبيرة بها من الخبرات التي إكتسبها من عمالقة الفن أمثال ( رامبرانت ، جويا ، فان جوخ ، وسيزان ) ، ومن ثقافته التى زود بها من مصر فتميزت لوحاته التي نفذها بالألوان الزيتية والباستيل بالجرأة والقوة والحداثة سواء في تناوله للأشخاص أو المناظر الطبيعية ليكون له أسلوبه الشخصي المبني على مفاهيم المعرفة وليس التقليد . فعرف ضمن من عاصروه من المبدعين بأنه يمتلك أسلوب خاص يتميز بالقوة والإتقان والأصالة ويتمتع بحالة من الصدق المرتبط بأسلوب التشكيل والتلوين الذي به قدر كبير من التلقائية والروحانية والتعبير عن حالته وظروفه الخاصة التي ظهرت في معظم لوحاته التى تناولها فإنطبعت المعاناته التي واجهها في غربته بملامح شخوصه وبإنفعالات فرشاته في تناول اى موضوع فتجد ألحان موسيقية حزينة في العديد من اللوحات ، كما انطبعت ملامح الحزن والشرود والمعاناة على والوجوه التي تناولها رغم تجاوزه فكرة إظهار التفاصيل التقليدية المتبعة أثناء التعبير عن الحالة الخاصة للشخصية . لقد كان للعوز والمرض الذي تعرض لهما دور واضح في هذه التأثيرات .
أنظر إلى كل الوجه التي تناولها شهدة تأملها جيداً لتجد قدر كبير من الحالة الذاتية للفنان نفسه ، فلا أعتقد أنه لم يصادف إنسان ملامحه فيها تفاؤل . أو ربما لم يتناول إلا هذه النوعية من البشر التي تحمل بداخلها هموم البشر ، وسواء كان هذا أو ذاك فهذا يؤكد صدق إختيار الفنان للنوعيات التي تعبر عن آلامه ومعاناته هو شخصياً . أيضاً تتبع خبطات الفرشاة الثورية الغاضبة سواء في تلوين تلك الشخصيات أو في تناوله للمناظر الطبيعية . الألوان بها حدة وغضب وغموض تشعر أيضاً أنه يبحث عن المجهول ، هنا تكمن القيمة وأهمية تلك الأعمال التي طلع فيها الفنان حالته بكل صدق وشفافية .
ولد إبراهيم شهدة بالعزيزية بمنيا القمح شرقية ، وألتحق بالفنون الجميلة عام 1947 ، وبعد ثلاث سنوات من تخرجه أى في عام 1955 قرر السفر إلى باريس ليحقق حلمه بعد فوزه في إحدى المسابقات الفنية وتقدم كطالب حر يدرس في إحدى كليات الفنون بباريس ، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن حيث تدهورت حالته المادية ليجد نفسه وحيداً وبدون موارد ليستجيب على الفور لدعوة صديق فرنسي للعيش معه بجنوب فرنسا. ولا يتوقف الفنان عن ممارسة الفن ليفوز بجائزة من مؤسسة كالفيت في أفينيون لوحتين له ( المرأة السوداء ، وصور ذاتية له ) عام 1958 ، فاز أيضاً بجائزة الرسم لمدينة إيكس إن بروفنس . وتوجد له أعمل بكنيسة الكلية في المدينة كاربيتراس ، ولا يتوقف حلمه في الإقامة بباريس فيعيد التجربة عام 1963 ثم يزور إيطاليا وبلجيكا وأسبانيا وهولندا ، ويعرض في المركز الثقافي المصري في أفينيون ، ومعرض بإحدى قاعات مدينة كابنتراس بمرسيليا عام 1975 ، ويتسلل إلى إبراهيم شهدة المرض وينقل إلى المستشفى في أفينيون ويشعر بأنه لا بديل عن إنتزاع العمل من مضي الوقت ، فيبدأ في تناول زملائه الفنانين مثل الرسام ميشيل بونود أو الكاتب بيير أوتين - جرينير - وصور ذاتية ، وجميعاً رسم زيت أو باستيل . ويتم تنظيم معرضين في كاربينترا في عام 1981 وعام 1984 . وتدهورت حالته الصحية مرة أخرى في عام 1985 ، وتستمر معاناته ومقاومته للمرض لتسقط آخر أوراق الخريف في مستشفى إكس إن بروفنس ليودعنا عام 1991 دون أن يعرفه أحد في مصر .
د- سامي البلشي
مجلة الإذاعة والتليفزيون 2019/9/8