حواري مع الحجر متعة فنية تمنحني الثقة بنفسي - النحات أيمن فرغلي يسعى لتصدير حرفة النحت على الحجر خارج أسوار مصر
- لا تملك إلا أن تتوقف أمام هذا الشاب المصري «القعيد»، وهو يحفر بأنامله إحدى لوحاته أو تصميماته على الحجر الهاشمي الرملي، لتتأمله وهو يمارس حرفته متحديا إعاقته في أطرافه، ولتكون النتيجة في النهاية لوحات وتصميمات حجرية، المتابع لتلك اللوحات يشعر وكأن هذا الفنان قد طبع عليها روحه الإبداعية المميزة، رغم أنها لا تحمل توقيعه.
تتولد المهارة في أيدي الثلاثيني أيمن فرغلي، لتستمد قوتها من روحه التي تغلب عليها الإرادة والرغبة في تغيير ما حوله، حيث يحمل بداخله حلما بتحويل حرفة النحت على الحجر إلى حضارة فنية خاصة تغزو العالم.
يقول أيمن: «أعتبر نفسي فنانا تشكيليا تلقائيا، فالحرفة ورثتها عن أبي وجدي، اللذين تخصصا في النحت والبناء المعماري بالحجر الهاشمي الرملي، ولكني اتجهت لنحت أعمال تشكيلية تستخدم في ديكورات المنازل، سواء لوحات أو تكوينات كتلة، وأعمل جاهدا على تطوير تلك الحرفة، بإضافة تشكيلات فنية مختلفة، وهدفي الذي أسعى إليه هو أن يكون لي دور رائد في بناء حضارة معمارية خاصة بي ولمجتمعي، من خلال تقديم شكل فني مختلف وحديث يؤثر في الثقافة العالمية».
وعن رحلته الفنية، يقول: «تعرضت للإعاقة في أطرافي وعمري 19 عاما، لكني لم أستسلم لها لإحساسي أني أحتاج لدور في حياتي ومصدر رزق، لأبدأ منذ عام 2005 الاتجاه إلى الرسم الزيتي وبالقلم الرصاص، ثم عمل تشكيلات بالخزف والطين، إلا إنني لم أجد نفسي إلا في النحت على الحجر الذي وجدت فيه نفسي كنوع من التحدي لإكمال مشوار حياتي وجني النجاح».
يكمل أيمن، الذي درس التخطيط والكومبيوتر: «أخذت على عاتقي تطوير الحرفة، خاصة أن كافة أعمال النحت الحجري تنصب على العمارة الخارجية والداخلية، ومعظمها يدور في شكل واحد مستمد من العمارة الرومانية، وهنا حاولت استلهام عناصر فنية جديدة من الحضارة الفرعونية والإسلامية ومن البيئة المحيطة خاصة البيئة الريفية، وكانت أولى لوحاتي، لوحة تعبر عن الريف بعناصره المتعددة، وعلى رأسها النخيل الذي أعتبره بتفاصيله شديد الصعوبة بطل الزخارف النباتية في هذه اللوحات».
وبلغة الخبير، يبين أن الحجر الهاشمي هو أحد العناصر الطبيعية في أعمال النحت والزخرفة المعمارية، وتم استخدامه في جميع حضارات البشرية، حيث يمكن تطويعه لعمل كثير من الأفكار والتصميمات. ويوضح أن الحجر الهاشمي في مصر يتم جلبه من جبل السويس (شرق القاهرة) على هيئة كتل كبيرة تقطع بواسطة ماكينات خاصة إلى مقاسات مختلفة داخل الورش التي تنتشر في منطقة البساتين التي تعد أصل حرفة النحت والبناء المعماري.
ويتابع أيمن: «الكتلة الصلبة يتم تشريحها بواسطة آلة ميكانيكية (صاروخ) لتكون ملساء، ثم يبدأ عملي بحديث صامت بيني وبين الكتلة الصلبة، لأرسم بعدها ما وصل إليه خيالي بالقلم الرصاص، ثم التأثير في الكتلة من خلال ما أملكه من رؤية فنية وموهبة، حيث أضيف جماليات ولمسات خاصة عليها عبر مطرقة صغيرة (شاكوش) ومجموعة من (الأزاميل) تختلف مقاساتها وحدتها، لتتشكل في النهاية لوحة فنية». وبخلاف اللوحات، يتعامل أيمن مع الكتل الحجرية بفن النحت بمفهومه التشكيلي، يحذف منها ويتعامل مع أبعادها وتعرجاتها، ولا يتقيد بشكل بعينه، لتخرج في النهاية تكوينات فنية تريح العين عند رؤيتها.
يعود أيمن للحديث عن تجربة التطوير في حرفته، فيقول: «لم يكن الأمر سهلا، فالتجربة جديدة على المتلقي، الذي اعتاد على أعمال بعينها من الحجر، ومع التطوير تغير المتلقي، وحتى أغير ثقافته كان ذلك أمرا صعبا، لدرجة أن لوحة الريف مكثت لدي فترة طويلة حتى تم تسويقها، ثم بدأت أنفذ لوحات أخرى مماثلة حتى أصبحت مميزا بهذه اللوحة». لم يكتف أيمن بما يملكه من مهارة في حرفته، حيث يدرس حاليا بمركز الخزف والحرف بالفسطاط، من خلال مشروع «باب رزق جميل»، فيدرس الحفر على النحاس والخشب القشرة، والزجاج المعشق والخزف، كما ينوي دراسة الرسم الهندسي الإسلامي. ويقول: «أحاول أن أكون ملما بكل أشكال الفنون من حولي حيث أطور حرفتي منها، بما يعضد هدفي في الحفاظ على تراثنا الحضاري وتقديمه بشكل جديد».
خلال السنوات السابقة، تخلص أيمن من قيود كرسيه المتحرك بالمشاركة بأعماله في كثير من الأنشطة الفنية والفعاليات الثقافية كالمعارض وورش العمل التشكيلية، التي تنظمها جهات حكومية مثل الهيئة العامة لقصور الثقافة ومراكز الشباب الرياضية، كما شارك في مهرجانات تراثية، وأخرى لذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جانب بعض المعارض التي تقيمها مراكز ثقافية خاصة، والتي وجد فيها احتفاء من الجمهور لموهبته، ونال من تلك الجهات تكريمات لمجمل أعماله. كما انطلقت أعماله للخارج مؤخرا بعدما عرضت في أرمينيا خلال فعاليات الأسبوع الثقافي المصري بتنظيم من قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية.
المشاركات المتعددة كانت طريقا للنحات الشاب، لأن يحاضر في كلية التربية الفنية، حيث يعقد ورشة عمل لتعليم النحت على الحجر لطلبة الكلية. يقول: «هذه الورش أفادتني بشكل كبير، فاحتكاك الفنان الحرفي بالفنان الأكاديمي يكون مفيدا على الجانبين، حيث تعلمت منهم كثيرا عن التكوينات والكتلة، وعلى الجانب الآخر استطعت أن أنقل لهم الكيفية التي تتم بها الحرفة وتعليم أصولها». من أكثر الأمور التي يفضلها أيمن خلال مشاركاته في المهرجانات والمعارض هي عروض النحت المباشر أمام الجمهور، الذي لا يملك إلا التوقف لرؤية أنامل أيمن وهي تعبث بالكتل الحجرية في مهارة. يقول: «النحت المباشر يجعلني أتفاعل مع جمهور من مختلف فئات المجتمع وطبقاته وألتقي به وجها لوجه، مما يجعلها فرصة لكي يستوعب هذا الجمهور لدقائق كيف تتم الحرفة، كما يجعلني قادرا على توعيته بتراثنا، من خلال إعطائه معلومة ثقافية سريعة بشكل واقعي وحيّ، مما يجعلها مؤثرة فيه، وهو الهدف الذي أسعى إليه دائما في التعريف بحضارتنا الفنية الثرية».
محمد عجم
الشرق الأوسط : 2012/11/4