شفافية اللون عند الفنان محمد الطلاوى
- العناصر التشكيلية والدلالات الموضوعية :
- يقيم الفنان محمد الطلاوى علاقات حميمية بين عناصره محاولاً كشف ما بينها
من تشابهات واشتراكات فى الإيحاء الجمالى ، وما توحى به من دلالات ومعنى ،فنراه يقيم علاقة تشكيلية بين المرأة كعنصر دال على الجمال الشكلى ، وبين الفرس كعنصر جمالى أيضا .
- ويتجلى اهتمامه الخاص بالمرأة فى أغلب اللوحات فهو يصورها أو يصور جزءا منها أو ما يوحى بوجودها الدائم بداخله فمثلاً صدر المرأة أو شعرها أو وجهها ..إلخ
- وكأنه لا يستطيع الفكاك من أسر هذا العنصر الأثير لديه ، وربما كان تعبيره عن هذا العشق وهذا الولع بجسد المرأة محسوساً بارزاً فى تجربته لرسوخ وأصالة هذا الإحساس بداخله.
- كما أن ربط جسد الأنثى بجسد الحصان كما يعود لرؤية الفنان الجمالية يعود أيضاً لرؤيته التشريحية من حيث التشابه بين الجسدين فى الليونة والتناسق والجمال والجاذبية والرونق الأنثوى وبمعنى آخر سحر الأنثى ، ونلحظ دائما أن الفنان يرمز للمرأة باستخدام الألوان المبهجة كالأبيض والأخضر والسماوى ، ويرمز للرجل بالألوان الداكنة كالأسود والبنى ، كما نلحظ فى جزء آخر من التجربة هذا التشرذم البشرى والتداخل بين القطع البشرية وكأن هؤلاء الناس قد تفككوا وتشابكوا فى دراما عالية من التفاعل الإنسانى .
- تتضح جرأة الفنان محمد الطلاوى فى التعامل مع اللون فى عدة مستويات ، فنجده مثلاً يمزج البنى الزيتى بجرأة وشجاعة دون خوف من هروب اللون ، دون اعتماد على وسيط آخر فى درجة النصاعة اللونية ، كالأبيض أو الأصفر مثلاً ، وهى الألوان التى تقوم بالوسيط اللونى بين الداكن والداكن ، ويحدث هذا بلا إزعاج بعدى للعين مما يؤكد قدرة الفنان على السيطرة على مجموعته اللونية وإقامة العلاقات المتشابكة بينها وفى مستوى آخر نراه يقيم اشتباكاً وجدلاً بين الألوان الساخنة والألوان الباردة ويجعلها تتداخل وتتوغل فى بعضها البعض وكأنه لا فاصل بينها، كما نلحظ اهتمامه بالتعامل مع درجات اللون نفسه لإعطاء الإحساس المتباين نسبياً ولإقامة جسر من التفاعل الهادىء مع المتلقى ، كما تتجلى هذه الجرأة فى استخدامه الكثير للون الأسود بلا رهبة من سيطرته على اللوحة وإعطاء إحساس مغاير ، فالمعروف عن اللون الأسود أنه لون مسيطر وقوى ولكن الفنان هنا يتعامل معه بحرص شديد سيطر على انطباعاته النفسية والبصرية ، وهذا الكلام ينطبق على اللون البنى أيضا ،وهذا يؤكد أن لكل لون أسراراً وأبعاداً مختلفة تكتشف وتتضح فى التجارب الفنية المتميزة ، ومن هذا المنطق العكسى نجده فى بعض اللوحات يلون السماء باللون الأسود مثلاً ، والأرض بالأبيض وهكذا ، وهذا المنطق العكسى يتضح تماماً فى مجموعة الأبيض والأسود بالتحديد ، وأيضا تتقاطع الألوان مع بعضها البعض دون الاعتماد على تكوين كتل لونية وكأنه يؤكد عدم استقلالية اللون الواحد داخل النسيج التشكيلى ، فليس هناك لون بطل فى هذه التجربة بل البطولة للدلالة والإيحاء الموضوعى.
- الليونة فى الخط وتداخل الكتلة والفراغ :
- سمة أصيلة فى تجربة الفنان محمد الطلاوى هى الليونة فى الخط التشكيلى بدرجة كبيرة فلا توجد صلابة ولا حدة أبدأ ، ويعتمد فى رسم الشكل ` الفورم ` على النعومة والتحوير والتدوير مما يجعل أشكاله ناعمة الرؤية ، ويتضح هذا فى الرسم بالقلم الأسود ، وهذا الجزء تكثر فيه التفاصيل ويزدحم المسطح بالعناصر التشكيلية كالوجوه البشرية والطيور والشجر وغيرها من العناصر كتعبير عن قدرة الفنان على الرسم مع مراعاته للنسب التشكيلية ، والحفاظ على أبجديات الرسم بالمنطق الكلاسيكى الذى لم يعد الكثير من الفنانين قادرين عليه الآن ، بعد الانغماس فى الطرق والمنطلقات الجديدة والعكس فى مجموعة الرسم حيث تقوم العلاقة التشكيلية بالتبادل على اعتبار المسطح هو الأسود والرسم الأبيض بمعنى جعل الكتلة فراغاً والعكس .
- التأكيد على الدلالات بالعناصر :
- يقدم الطلاوى فى لوحاته مدينة جميلة ذات ألوان مبهجة وجذابة للغاية ولكنها خارقة تماماً من البشر ، بما يعنى الغياب الفعلى للإنسان وسط هذه المبانى الشاهقة والضخمة والقاهرة للإنسان ويصور الشجر خاوياً من الفروع ، ولكن يخرج منه بشراً فى أشكال مختلفة مؤكدا على خروج الحركة من الثبات وإيمانه بأن هذا الجدب المتمثل فى الشجر غير المورق ، تخرج منه حياة وكائنات قادرة على الوجود ، كما يكرر مشهد المهد لطفل فى أكثر من لوحة تأكيداً على الإيمان بالتواصل البشرى رغم كل الجفاف المحيط ، وأن عملية الخلق لا تنقطع أبداً .
- وتبقى مسألة فى غاية الأهمية فى تجربة الفنان الطلاوى هى محاولته للاستفادة من ثقافته ومعرفته بالمناهج الفنية المختلفة فى تعبيره عن تجربته فمثلاً فى بعض اللوحات يصور الشجرة الجرداء تخرج منها وجوه بشرية وكائنات مكتملة وغير مكتملة مستفيداً من المنهج السريالى ،كما يقدم تداخلات لونية تجريدية فى لوحة أخرى تخرج من فوق رأس إنسان .إذن فالمسألة ليست فى أسلوب الإبداع أو منهجه ولكن تتوقف على طريقة الأداء الفنى ، والصدق الإنسانى .
مجلة : إبداع ( 1-5-1999)