ريم أحمد حسن أحمد ابو الداكر
الفنانة ريم حسن والعزف بالألوان
- ريم حسن فنانة شابة من الإسكندرية .. واحدة من بين كوكبة من الفنانات السكندريات.. ممن أكدن خطواتهن فى الإبداع التشكيلى.. وهى أيضا واحدة من نجوم جيل التسعينيات فى اتجاخات الحداثة .
- وقد قدمت عدة تجارب فى الأعمال الفنية المركبة أو التشكيلات المجسمة .. كما تعد أول فنانة تقدم عملا فى فن `البيرفورمانس`أو الأداء الحى الذى يعتمد على الإيحاءات والحركات والسكنات على خلفية عناصر تشكيلية بمبادرة من الفنانة الناقدة الراحلة فاطمة اسماعيل أواخر التسعينات.. ولريم أيضا تجارب عديدة فى التصوير الزيتى المتسع المساحة.. فهى تتعامل مع المسطح اللونى الكبير منذ مشروع التخرج من كلية الفنون الجميلة عام 1994 .
-فى قاعة مشربية تألقت أعمال ريم التصويرية فى معرضها الثانى بنفس القاعة والذى ضم أحدث أعمالها المفعمة بالحيوية والتى تنتمى للتجريدية التعبيرية .. تؤكد على قيمة النغم المرئى فى مقابل النغم المسموع.. بتعبير رائد الفن التجريدى فاسيلى كاندنسكى .. بمعنى أخر هذا العالم المسكون بشاعرية الأداء والذى يمتد بدنيا من الخطوط والمساحات وثراء الألوان.. فى افجارات لونية وكريات وخطوط مستقيمة ومتعرجة ومربعات واستدارات وانحناءات ونقط متقطة فى معزوفات مرئية أو سيمفونيات .
- جاءت أقرب إلى السلم الموسيقى النغمى، وأعمال ريم عموما تجمع بين الوعى الشديد والتلقائية.. فهى أعمال تجسد لحظات انفعالية يهيمن فيها اللون الأسود بجرأة شديدة فى مساحات متسعة مع الأزرق البحرى الداكن .. ودنيا من الألوان تتجاور وتتواصل.. تهمس وتشدو.. وتتوهج من الأحمر النارى والأصفر المضىء والاوكر والأخضر الزرعى والعشبى الداكن والزيتونى والبرتقالى والكريمى والرمادى.. فى أناقة شديدة تنتفى فيها قتامة الاسود الابنوسى الفاحم .. حيث يتحول إلى ايقاع ليلى ينساب بالمطرزات اللونية فى جسارة شديدة .. وربما نجد فى أعمال ريم تلك الصور والأخيلة للعقل الباطن والواعى فى نفس الوقت.. نجد فيها تذكارات الفنانة مع الماضى والحاضر .. اللحظة الراهنة والتاريخ.. كما نجد فيها عناصر شديدة الاختزال توحى بالطبيعة من وديان وخلجان وشواطىء بلا حدود وطرق وعلامات تمثل تكثيفا شديدا للحياة المعاصرة.. وقد نلاحظ وراء هذا العالم بصمات الانسان وخرائط للوطن كل هذا على خلفية من روح مدينة الاسكندرية.. تلك المدينة العالمية التى تحمل روح البحر المتوسط حيث تعيش ريم .
صلاح بيصار
مجلة حواء - 2010
أشجان مجردة
-عندما قررت الكتابة عن معرض الفنانة ريم حسن فكرت فى العودة الى قراءة سابقة لى منذ سنوات لمعرض لها بقاعة المشربية إلا اننى عدلت عن فكرتى طمعاً فى رؤية جديدة لأعمال الفنانة ربما تتفق قراءتى هذه مع السابقة، وربما تختلف رؤيتى البصرية والنقدية تأثرا بحوار جديد من مفردات.
- تتميز الفنانة ريم حسن فى معرضها الجديد بأنها تواجه الواقع دون أن تتحرر منه تحررا كاملا لإهتمامها بقضايا المواطن واحلامه إنها تتفاعل مع مفردات الواقع متجاوزة الدراسة التقليدية لتتحول هذه المفردات إلى خطوط وأشكال ومساحات لونية بالغة التأثير مرتبطة بروحها وحالتها المزاجية التى ترتبط أحيانا بحدة الخطوط فى لحظات الإنفعال وأحيانا بهدوئها المحفوف بالتمرد فى حالة من التعايش الموضوعى مع ما تشاهده وتحس به وتطرح تفاعلاتها على جسد اللوحة التى تتشوق بدورها إلى الإكتمال بألوانها الصريحة التى تدعو الناظر إليها إلى حوار ممتد محاط بصدق الإنفعال والهدوء مع رؤية المشاهد.
- ويأتى تأثر الفنانة بالمكان فتترجم هياج البحر وامتداد الصحراء كرمزين للإنفعال والهدوء بخيال فيه عشق يتاكد من الصراحة اللونية التحليلية الموحية التى تستقر بعد حالة القلق التى تسبق التلوين تاركة عنصر الحركة المتواترة التى تولد مع التفاعل وتعيش فى جسد اللوحة فى حالة من الصعود والهبوط ترتبط أيضا بحالة المشاهد لتلك الأعمال .
- فحركة الخط وأبعاد المساحات اللونية محاطة بالحس المعرفى لدى الفنانة التى تنفذه فى حالات مختلطة بمزاجها المتغير ويلفه الغموض والفلسفة الخاصة بالفنانة المتربصة دائما للحظة التفاعل والتمرد مترجمة رؤيتها البصرية للواقع من خلال تحليل المصدر وتهيئته لإستيعاب أفكارها والتعايش مع واقعها تشعر بألفة مساحتها المجردة قريبة ألوانها المشرقة من روحك لإرتباطها بالطبيعة من خلال قوة الضوء الذى يشعرك بأن الألوان تشع نورا يدخل بها الحياة والحركة التى تسعى الفنانة من خلالها إلى المغازلة البصرية وإن كانت مغازلة مهمومة.
- تعيش ريم بالإسكندرية وهى من مواليد 1971 وتشغل وظيفة أستاذ مساعد بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، أقامت العديد من المعارض الخاصة والجماعية بمصر وهولندا وألمانيا وبعض الدول العربية وشاركت فى عدد من الورش الفنية كما حصلت على عدد من الجوائز منها جائزة الرسم بصالون الشباب عام 1994، 1996وجائزة لجنة التحكيم من أجل المتوسط 1997 والجائزة الكبرى من سيناء 2001 وجائزة خاصة ببينالى الدولى بالقاهرة 2001 ولها مقتنيات بمتحف الفن الحديث وتونس وبرج دبى بالإمارات العربية وعدد من الشخصيات بالدول العربية والأفريقية والأوربية .
د. سامى البلشى
الإذاعة والتليفزيون - السبت 19/ 5/ 2012
الفنانة ريم حسن : المركزية فى إدارة الحركة الفنية تعوقنا.. ولا أتوقع حلا لمشاكلنا
- ثائرة وجريئة فى آرائها كما هى فى اعمالها، عانت الكثير فى بداية مشوارها الفنى كمعظم ابناء جيلها إلا أنها تحدث الصعاب واستطاعت أن تثبت اقدامها وتأخذ مكانا فى الساحة الفنية، وساعدها فى ذلك استكمال المشوار الاكاديمى بحصولها على الدكتوراة والذى لم يأخذها من اعمالها ومعارضها داخل وخارج مصر .
-الفنانة د. ريم حسن التى تعد وجها مميزا من وجوه الفن التشكيلى فى الاسكندرية ومصر بشكل عام، وجها له طابع خاص ارتسمت ملامحه وتأثير واضحا فى كثير من اعمالها .
* إذا بدأنا بمشوارك الفنى كيف كانت البداية وأهم المحطات حتى الآن ؟
- اولى المراحل كانت فى بداية التسعينات فى اتيليه الاسكندرية حيث كانت الفرصة متاحة أمامى كغيرى من فنانى جيلى من الشباب والرعاية والاهتمام اللذان لاقيناهما من أساتذتنا خاصة الفنان الدكتور فاروق وهبه وطبعا هذه تكون اصعب فترة يمر بها الفنان لانه فيها إما ان يكون يكون نفسه طويلا ويستمر او انه يجد الصعوبات التى تواجهه فينحرف عن طريق الفن ويشتغل بأى مجال اخر، بعد ذلك جاءت مرحلة الدراسية واستكمالها خارج مصر الماجستير والدكتوراه ثم العودة والدخول لمجال الادارة حيث اصبحت عضوة فى العديد من المؤسسات النية كعضو مجلس ادارة لأتيلية الاسكندرية والمشرفة على سمبوزيوم البحر والذى جاءت فكرته عندما كان الفنان محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية واقترح فكرة أن الفنانين تتاح لهم فرصة انجاز اعمالهم فى القلعة واستمرت الفكرة وخلال كل هذا بالطبع المعارض الخاصة والمشاركات فى العديد من المعارض الدولية والصالونات والفعاليات الفنية .
*هل تعتقد انك اخترت الاتجاه الصحيح بدخولك مجال الفن ؟
- بالنسبة لى كان هذا اختيارى الذى احببته لكن لو كان لى ان اعيد الاختيار لن اختار الفن التشكيلى .
* لماذا ؟
- لاننا بلد لا يقدر شيئاً اسمه فن او بالاخص الفن التشكيلى واذا اراد ابنى ان يختار نفس المجال لن اسمح له بذلك سأقول له ارسم كما تشاء من بعيد لكن سور الكلية لن تقترب منه، كفاية ما عانيته فى مشوارى لا تتخيل حجم المعاناة التى يلاقيها الفنان عندنا خاصة فنانى الاقاليم على الرغم من ان البعض يغضب من ذلك الوصف ويقول ان الاسكندرية عاصمة مصر الثانية لكن الواقع شىء ثانى.. تتخيل أنى لابد أن أعانى حتى يقام لى معرض فى القاهرة او أن يهتم بنا أحد لاننا بعيدون عن الاضواء وكل هذا بسبب المركزية واطالب المسؤلين بالوزارة ان يكون هناك قطاع خاص بكل اقليم وتتغير سيسة وعقلية الادارة القائمة على الوزارة واذا لم يحدث ذلك يلغوها احسن.. فلا فائدة ترجى منها.. من فى مصر غير طبقة الفنانين وبعض المثقفين من يعرفون قيمة الفن التشكيلى.
* نشأتك فى الاسكندرية وحياتك فيها هل تمثل عائقا امام شهرتك كفنان؟ وهل توجد عقبلت تواجهها أو يواجهها فنانو جيلك بصفة عامة وفنانو الاسكندرية بصفة خاصة ؟
* كما قلت لك المركزية شىء خطير جدا على فنانى الاقاليم لابد ان يكون هناك شىء من الاستقلال وايضا الدعم المادى فمتى استطيع ان اشارك فى سمبوزيوم اسوان او بورسعيد الذى توقف اصلا دون معاناة وغيرى من الفنانين المشاكل والصعوبات لا يوجد اكثر منها ولا اتوقع حلولا قريبة لها .
* خلال السنوات العشر التى سبقت الثورة تخيل البعض أن الفن التشكيلى شهد فترة ازدهار لم يسبق لها مثيل فى عهد الوزير فاروق حسنى؟ ما تعليقك على ذلك .
*عن أى شىء تتكلم .. يعنى ايه ازدهار ؟ معارض وصالونات ومسابقات ؟ أن الفن والفنانين من الناس؟ حد يعرف عننا حاجة غير المثقفين؟؟
* وكيف تقل تلك الفجوة بين الفنان والجمهور؟
- لا اعرف ولا اتصور حلا لها اذا استمر هذا الوضع .
* كيف تنظر للمواطن المصرى هل نلقى باللوم عليه لانه لا يتذوق الفن ولا يتفاعل معه كما ينتظر الفنان ؟
* بالعكس المصرى غلبان ومطحون والله يكون فى عونه.. ماذا سيفعل اضافة على ان تذوق الفن ليس بالاكراه كيف يتذوق الفن وهو لا يجد لقمة عيشه تذوق الفن تربية.. كيف نتوقع أن يتدرب المواطن المصرى والطفل علىذلك فى ظل ظروف مأساوية يعيشها ؟!
*التواصل بين اجيال الفنانين كبار وصغار.. هل موجود بالدرجة التى تثرى الحركة الفنية ام هناك عزله من جانب كليهما كل حسب نظرته لنفسه واعماله وظروف عصره ؟
* التواصل موجود وكما ذكرت لك ان استاذنا د. فاروق هبة وغير وقفوا بجانبنا وشجعونا وساندونا فى بداية مشوارنا.. لكن وماذا بعد؟
* ثورة يناير ماذا تمثل لك ؟
-انا كنت رافضة للثورة فى اولها والان انا أرى أنها رغم انها كانت ضرورية الا انها لم تحقق ما انتظرناه .
* هل الفن التشكيلى تأثر بتلك الثورة وأثر فيها ؟
- البعض يرى انها اثرت فى احداث الثورة لان الصورة التى نقلت الاحداثوحمست الناس هى من انواع الفن وايضا ما ظهر من رسومات واشكال فنية ايام الثورةاستطيع ان اقول انه كان رد فعل وليس تأثر بالثورة .
* وما رأيك وتوقعاتك المستقبلية للحركة التشكيلة فى الاسكندرية ومصرعموما؟
- مازلت ارى انه سواء فى الاسكندرية او مصر كلها لابد من عقليات تجدد وتغير ومنظومة متكاملة تعيد للفن قيمته وتشجع الناس على تذوقه.
* النقد.. ماذا تمثل لك تلك الكلمة وماذا تنتظر منه وماذا تأمل من نقاد الفن التشكيلي؟
* لا أشعر بوجوده اصلا أين الحركة النقدية ؟ أين النقاد أم اننا لبعدنا عن القاهرة يتجاهلوننا ؟
إيهاب عطا
القاهرة - الثلاثاء 5/ 2/ 2013
ترانيم ريم حسن اللونية فى جاليرى العاصمة : حقول من فانتازيا اللون
- مقام حاليا بجاليرى العاصمة بحى الزمالك عرض كبير للفنانة السكندرانية`ريم حسن`فى عدد لوحاته وفرادتها..ضم العرض اتجاهين فى المعالجة الفنية بين لوحاتها الصغيرة وهى تجريدية تماما وبين أحجام كبيرة بدت كمجال مسرحى متسع لعرض فانتازيا اللون وتفريعاته كموسيقات إيقاعية لحركة الخط واللون فى جدلية بين الزخرفى والعضوى .. لوحاتها كبيرة الحجم هى المحرك الأساسى لتوجه الرؤية داخل قاعتى العرض.. فقد بدت لى كجيوب للطاقة .. وبدت كحزم دقيقة عنقودية رفيعة متحركة من نقطة لأخرى تعمل وتقود اللوحة التى قد تبدوللبعض من النظرة الأولى كأنها منمنمات تعايشت بين ثناياها الحركة الظاهرة والطاقة الكامنة .. ورغم صغر حجم النقاط العنقودية الواحدة على شكل زهرة نجمية وتمددها فى كثير من اللوحات نراها عزلت حركتها الذاتية عن مناخ اللوحة التى أصبحت حركتها رغم الازدحام حركة معظمها لحجم فراغى دقيق يطفو فى فراغ كمستوى أول دون تشابك وعناصر اللوحة.. وهذا العمل على مسطحين متخيلين بدا رائعا لرؤية الفنانة فى التعامل ومسطح العمل أحدهما متماسك والآخر سائلى..
- وتقود الطاقة فى لوحاتها رسوما رفيعة بالقلم كنافورات دقيقة تنبع من نقطة واحدة ترتفع فى انحناءة لاتجاهين لتعود بهما للأرض حيث انسحاب الطاقة والتفافها حلزونيا.. تلك الخطوط الحلزونية الرفيعة تفور فى خطوط منحنية كنافورة طاقة من ذرات مرئية رأيناها فى لوحات 2014وامتدت إلى لوحات 2017.. يكمل هذه الرؤية للطاقة طاقة أخرى ذات النفس القصير لزهور مغلقة على شحنتها الداخلية بالكامل.. فهناك لوحة مهمة تضم ورودا خمسا ما كادت تتفتح تتصدر أعلى المشهد ورغم ما يموج أسفلها تحت السطح إلا أنها بدت ساكنة حتى أننى للحظة تصورتها بفعل الشحنة الزخمة أسفلها ستتفجر إلى الخارج لأعلى بدفع مسارها الداخلى وما هيئته الفنانة أسفل بزوغها من حركية شغلت ثلثى اللوحة حتى كدت أتوقع أن إحدى الزهرات أو كلها ستسير حذو انطلاقة زهور `جورجيا أوكيف` المتمردة .. لكن لا أعرف لماذا توقفت هذه الطاقة عن التوهج الجسدى للورود دراميا وبقت فى مكانها كجزء من تكوين شبه زخرفى لكنه مبهر وأكثر ما يشد اليه ويميزه أنه ليس جزءا من عالم قائم لتحقيق توازن بين عناصر زخرفية فهناك كثير من الطاقة وقد اتخذت لنفسها مسارات تجول اللوحة.. وفى مساحة محدودة ينفد الخط ليكمل المسار منسابا يشكل ويحيط بالعناصر وأحيانا يضع حدود اللون فى اتجاهات متشابكة عدة ..
- أثناء التجوال بين حقول الطاقة واللون الفانتازى بلوحات العرض.. بدت لى حسيا خاصية علمية لهيزنبرج تسمى`مبدأ عدم اليقين` وهذا اليقين من عدمه لا يرجع لذكائنا أو قصور فى أجهزة تلقينا وأذكر هذا لتقريب ما رأيته وأحسسته نسبيا فى عناصر لوحات 2014 للفنانة ريم فعندنا أحدق بدقة فى لوحاتها أجد نفسى أركز على مشاهدة العناصر والجزئيات ومراقبة اتجاهها وعملها بذاتها داخل جسم الجزيئى أو العنصر.. وكنت عندما لا أحدق أو أراقبه وأحاول الانتقال من جزء من اللوحة لجزء آخر أو للوحة أخرى أجد هنا طاقة موجبة أو حسية متحولة من جزء لآخر داخل اللوحة بل ومنسحبة من لوحة لأخرى.. كأن المشهد يتحرك أمامنا من داخل لوحة لأخرى ولسنا نحن الذين نتحرك من أمام اللوحة لأخرى..ولاحظت أن عينى لا ترى كل الأشياء بتفصيلها مجتمعة لكن كان فى مقدور ذهنى أن يوحدها.. أيضا كما فى لوحاتها الجدارية المؤلفة من مستويات متجاورة بتركيبها المشهد خارج إطار العمل ذاته بانتظام وحدات متجاورة تكون فى مجملها بتفاعلاتها الداخلية لوحة مكونة من أربعة أو ستة أو عشرة أجزاء دون الاعتماد على المنظور أو الظل والضوء قدر اعتمادها على حركة العنصر اللونية والعضوية فى ربط الوحدات ذهنيا ونفسيا معا كقطعة موسيقية تتكامل جملتها فوق الجدار المجزأ.. لذلك لوحات `ريم`وهى فنانة كبيرة تملك ذكاء وجدانيا تتيح للمشاهد أن يتلقى عمل اللوحة من أكثر من زاوية رؤية.. وأكسبها هذا مظهرا جدليا فى التلقى بين الذهنى وأيضا الإلهامى الشاعرى.. - بدا واضحا أيضا أن التصوير عند `ريم ` يعتمد دائما على البناء المسطح للعمل كالنبات اللبلابى منجزا بدرجة كبيرة وشاعرية على بساطة الخط وهو فاعلها الأدائى الرئيسى فى أعمالها.. ويعمل الخط مكملا فى بعض لوحاتها بما يقترب من المفردات القديمة الصوفية بين إيحاء الشكل المستدير أو المنحنى والدائرى داخل مربع خارجى ربما هو بحث عن علاقة بين اللانهائى والمحدود.. ولافتراض أن ما نراه هو واحد فقط للحظة ممكنة متشعبة ممتدة يمكن ان نراها مفتوحة ومغلقة فى الوقت نفسه مما يطرح العديد من الاحتمالات الشكلية لجسد اللوحة المادى وفى مناطق نراها صيغ بسيطة أقرب للفسيفسائية الذهنية وليست البصرية التقنية..
- وأراها ترسم عناصرها ومفرداتها أو جزيئات لوحاتها بدفع ذاتى من كل جزيىء داخل مسار اللوحة الداخلى كفعل مستمر فى طمأنينة من اللون الفانتازى المبهر والخط المرن الحيوى .. لذلك تميزت الفنانة بايجاد نوع له خصوصيتة من الفن التصويرى البصرى لحقول اللون الفانتازى .. والغريب أنها تعمل على التجريدى والعضوى زهورها والزخرفى معا ويعملان جنبا إلى جنب على المسطح دون الاستعانة بخدع المنظور.. وإلى درجة ما ربما نسج اللون الفانتازى فى اللوحات الكبيرة وعناصره من منمنمات وقد استنفذ التصوير من نفسه .. ثم نراه يتجه وفى نفس القاعة متعطشا لتجرد اللون وهيئته الذاتية من الفانتازيا اللونية ودون عناصر ليفترش مساحات صغيرة الحجم كجرعة لونية مركزة .. ثم وفى حركة مكوكية سرعان ما يهرب منها إلى لوحاته الضخمة حيث التنفس وحرية الحركة أو سهولة الحياة ..
- الفنانة `ريم` لديها فرصة رائعة تجيد التعامل بها بموهبة إبداعية فى تعدد المساحات واللون وحرية الحركة لإظهار اتجاهها الفنى الخاص بها والتقدم فيه إضافة لخاصية الرسم .. وفى محاولة استخدام العناصر بطريقة مميزة لا يمكن تمثلها بطريقة اعتيادية لتحقيق هدفها المثالى للمشهد الشاعرى والفانتازى .. فالفنانة لديها رغبة قوية فى اعادة بناء العناصر النباتية والتركيبية بشاعرية أيا كانت هويتها البصرية وفقا لرؤيتها هى واحساسها بنعومة ونغمية الخط فى مجال حركته الجديد وفى تنقله متمددا من مجال لمجال بنبض متغير الايقاع دون أن يتنافى مع حياته الداخلية بل يتوحد ومجاله الجديد ليعيد بناءه ويقم نفسه وفق نظرة جديدة كلية متخذا من مفردته وضعا مثاليا لشكله الجديد..مع تمكنها باقامة بنية اللوحة ذاتها بعيدا عن قواعد المنظور الخطى.. فالفنانة تهتم بالحركية داخل حقول المساحات غير المنتظمة الملونة بأشكالها الدافئة فى توازن مع التقنية وآثار الخط العفوية القصدية الدقيقة رغم مظهرها العفوى..
- الفنانة المهمة فى ترتيبها الذهنى والحسى `ريم حسن` لا ترتبط بعنصرى الزمان والمكان وان كان المكان محددا لكنه لا يحمل سماته المادية بل يبدو المكان عندها كخريطة بصرية للفانتازيا فقط.. كأنها ترغب فى الهروب من مظاهر الواقع إلى حقيقة مثالية تتخلص فيها ذاتها من قسوة اتباع الواقع ومهادنته فتسمو إلى أجواء من الحرية والفانتازية بعيدا عن العلاقة الزمانية المكانية المعقدة لتؤلف بذلك مفردة جوهرية جديدة أو صيغة معايشة بين الخط ومساره وهوية اللون كأنها تكشف عن مثل وقيم كامنة فى الطبيعة...
بقلم : فاطمة على
جريدة القاهرة : 23-10-2017
منمنمات ريم حسن بين التجريد والتشخيص
-`خلف كل هذا الوجود والعدم توجد حديقة غناء مليئة بالحب، سنلتقى هناك..!! مولاى جلال الدين الرومى`
- لقد ظلت فكرة البحث عما يوجد خلف هذا الوجود ملحة وقائمة منذ أن خلق الله هذا الكون وحتى الآن ولعل الفنانين والفلاسفة والمتصوفة هم أقرب الفئات التى تبحث دائماً فيما وراء الكون، في محاولة لإيجاد إجابات للأسئلة الغائبة عما يحدث هناك خلف هذا الوجود اللامع بعكس العلماء الذين يبحثون في ظواهر الطبيعة الموجودة أمام أعيننا فقط.
- وعندما يستعير الفنان عين المتصوف لينظر بها الى الأشياء التى حوله، هنا نستطيع أن نأمل أن هناك شيئا ما جديداً ومختلفاً يتشكل فى الأفق. ولعل هذا ما تحاول أن تفعله الفنانة ريم حسن فى المرحلة الأخيرة من تجربتها الفنية، وتقدمه فى هذا المعرض
- تحاول ريم حسن رؤية الأشياء بشكل مغاير، والبحث عن العالم الغامض المفقود خلف مظاهر الطبيعة التى حولنا، وهى هنا تعيد الإعتبار لفن الزخرفة وعالم الزخارف الإسلامية التى تعد عالم فنيا وفكريا قائما بذاته، وتستلهم عناصر الطبيعة وقيم الدين الروحية وتصنع منهم مزيج فنيا خاصا وخالصا فى محاولة لصنع عالم موازى من الزخرف المبهج المتكرر بشكل لا نهائى، والذى يظل يتمدد ويتمدد حتى يغطى الكون كله، فى حس صوفى بصرى قائم على التأمل العميق للطبيعة، والنظر فى جوهر الأشياء وماهيتها، وتلخيصها من التفاصيل والشوائب العالقة بها ثم إعادة تشكيلها وصياغتها فى رؤى كلية غائية للكون والحياة، وهى نفس المراحل التى يمر بها العارف الصوفى: مرحلة التحلى ومرحلة التخلى ومرحلة التجلى.
- المنمنمات.. فن التصوير الإسلامى
- التفكير الرياضى المجرد هو أعلى درجات التفكير، هكذا اتفق معظم الفلاسفة والمفكرين لأنه تفكير في الجوهر والقيم الكلية وليس في الجزيئات، وهذا ما تحاوله أن تقدمه الفنانة ريم حسن حيث تحاول إلقاء نظرة جديدة على الزخارف الإسلامية والفن الإسلامى الذى يعتمد بشكل أساسى على التجريد الرياضى.
- إنه ليس مجرد تكرار جامد لشكل هندسى، لكنه يحمل طاقة كامنة داخله، طاقة فنية وبصرية، طاقة شكلية وتشكيلية تنطلق من الخط الذى يبدأ من نقطة لكنه لا ينتهى ولا يتوقف، ويظل مستمراً إلى ما لا نهاية، يتحرك ويتلون ويتشكل مع الزهور والطيور والخيول، إلخ.
- إنها تحاول تقديم رؤية حديثة للمنمنمات الإسلامية تجمع ما بين التجريد والتشخيص وتمزج ما بين الزخارف والمبانى، تستلهم عناصر الطبيعة من أوراق وأشجار وزهور وسماء ونجوم وتدمجها مع الزخارف الإسلامية، وفى هندسية وطبيعية تجمع بين تقنية الكولاج والديكوباج في مزج خاص حيث تلتقى العديد من العناصر والمفردات سواء بشكل متجاور أو بشكل متراكم في رؤية فنية وبصرية معاصرة.
- وقد انبثق فن المنمات في الأساس من فنون الكتاب وبالتحديد من الرسوم التوضيحية التى ترافق في العادة بعض النصوص الإبداعية الأدبية أو العلمية لتزيد من توضيح ما تطرحه من أفكار وموضوعات وصور متخيلة وتزينها في آن واحد، فالمنمة هى رسوم مصغرة تحلّى الصفحة وتضئ النص المكتوب وتحاول إيضاح ما التبس منه بغية الوصول إلى غايته.
- ثم أضيف لها بعد ذلك الوظيفة التعبيرية والوظيفة الجمالية أيضاً لأنها تقدم لوحة فنية تحمل المفاهيم الجمالية والصياغات التعبيرية للفكرة فهى تُجمل المخطوطة وتوفر للقارئ متعة بصرية تساعده في استيعاب المعلومات والتواصل مع النص ويتميز هذا النوع من التصوير الإسلامى بخصائص مميزة تشمل الجوانب التقنية والأسلوبية والوظيفية التى يطمح إليها هذا التصوير.
- وتربط فلسفة التصوير في الإسلام بين العالم المادى والعالم الروحى وبين الإنسان والكون في إطار عرفانى ينزع إلى الكمال ويجعل من أعمال الفن وكأنها نوع من ممارسة طقس دينى ثم أصبح هذا اللون من الرسم والتصوير فناً قائماً بذاته يمكن اعتباره نوعا من التصوير الإسلامى. فالعمل الفنى هو ذاكرة الناس وعقلهم الباطن الذى يحفظ موروثهم الثقافى والحضارى والقيمى، لذا فقد حاولت ريم حسن أن تقدم مفهوماً جمالياً خاصاً نابعاً منا لقيَّمبشر بها الدين الإسلامى يرتبط بالوحدانية ويرد كل أشكال الجمال الظاهر إلى مفهوم جمالى واحد، فالجمال هنا هو الجمال الأزلى الذى يكمن خلف كل جمال مرئى وظاهر.
بقلم : د./ خالد البغدادى
جريدة : القاهرة 20-12-2022
|