محمد ثروت ذكى البحر
يقظه كونية فى لوحة فجرية
- أقام الفنان ثروت البحر أخر معارضة بقاعة جرانت.. فيه لوحات جديدة.. ولوحات لإعادة الرؤية.. ولوحة جدارية أكثر ما شدتنى فى معرضه ولم أفلت منها حتى الآن ..أمامها قال لى الفنان إن ( جاكسون بولوك ) قال عن الفترة التى عاشها مع الهنود الحمر فى أمريكا : (رأيتهم يدورون حول أنفسهم ويلقون على الأرض لا أعرف ماذا أريد أو لماذا أدور ؟) .. ويكمل ثروت البحر قائلا : ( لكن مولوية جلال الدين الرومى حين يدورون منذ ثمانمائة سنة كانوا يتمثلون مع الحركة الأجرام السماوية، وكانوا يعرفون ماذا يفعلون وماذا يريدون ) .. وها أنا وقد أضاء لى الفنان زاوية رائعة للولوج إلى جداريته بأكثر استمتاعا وإدراكا لما وراء السطح الأكريليكى الذى به فتحت أرضه على سمائه، وأرسلت السماء عبر أجرامها فى دورانها الأبدى إشارات ورموزا تغلفها همهمات مرسلة ومستقبلة حتى تخترق الوجدان .. وهذا ما حدث لى وهو تماما كمشاعرى بعدما فرغت من قراءة (ساحر الصحراء) للعالمى ( باولو كويلهم ) .. فالعالم يتكامل ويتلاقى مصادفة فى أماكن متفوقة.. يتكامل فى نقاطة سريعة ومؤثرة وسريعة التحول.. وما يتبقى منه هو مجرد حالة عاشها فنان أو روائى أو مشاهد لبيقى داخلنا ذلك الصدى البديع المروع برهبة الكون الذى ينتهج بنفس منهج أعنف شهب ينفلت من جاذبيته المدارية، وأرق عشب ينفلت من جاذبيته الأرضية.. فلكليهما نفس الطاقة الكامنة والقوة والتأثير فى نفس التى ترى وتتأمل.. وفى لوحه ثروت البحر - أمامنا - هناك رسائل من أعلى السماء لأسفل والعكس .. ودوامات طاقة.. وذرات تتفجر من شدة تصادمها وحاجز الفراغ المفرغ من الزمن والمادة.. هذه الشرارات لا تذهب عدما.. هى تخترق فراغا إلى المروع إلى سماء دنيا لتتواصل مع نبت أخضر يشرئب بطاقة الدفع لأعلى ليتلقى إشارات الحياة تأتيه من مجرات أبعد مما يمكننا تصوره.. ولتنعكس فى صورة الطاقة بقعا بيضاء مشعة بذاتها تنعكس فوق سطح لامع لبحيرة راكدة تلامسها بالطاقة، وتعكس فوق سطحها صورته المتفجرة داخل غور أعمق المجرات.. إن العالم بيد الله يتواصل.. يتلاقى مثلما تتواصل أجسادنا فيما بين عالمى قبل الموت وبعده الذى يبعد عن تصورنا كالبعد بين لحظة الحاضر والأبد.. ورغم الإشارة والعلامات المرسلة ندر من استطاع التقاطها، فالغموض وجهلنا الأرضى لا يمكننا من إدراك كنهة الإشارات التى قد يأتى بعضها مارا بملايين السنوات الضوئية .
- ورغم هذا .. وهى محاولة وجدانية من فنان هناك الحرية فى لوحات ثروت البحر حرية الاستقبال والتلقى والإرسال والتواصل بوجدانية مجردة قد تمكننا من لمح الزمن فى تدفقه الرهيب ورسالاته المشفرة، وإن لم نستطع تفسيرها.. وتجعلنا لوحته نتساءل : لماذا تلقى الشموس بنفسها فى قاع الماء.. ولماذا يشرئب الزرع بلهفه تجاه السماء؟.. هل علينا أن نتابع فى لوحته قدر شفافية تغير وتبدل الرمال فى طبقات متداخلة.. وقدر عمق صحراوات لوحاته..وقدر تواصل العلامات؟
- إن لوحته وإن لم ندرك لا نحن ولا هو ماهية الرسائل الكونية نجدها بالإحساس لوحة فجرتة .. مشهد كونى قبل استيقاظ البشر.. مشهد تبادلى لطاقة مشفرة بين السماء والرمل والماء والحشائش.. إنها لوحة توحى بالصحوة الكونية بمعالجة تشكيلية غابة فى الرمزية وسيرالية المناخ .
فاطمة على
القاهرة 13 /5/ 2003
- الفنان المصور ثروت البحر .. متعدد المواهب.. ويحلق دائماً فى افاق التجربة ويحاول تأصيلها.. ويشارك بفاعليه فى توجيه مسارات الحركة الفنية منذ زمن بعيد .
- أنشأ جاليرى فكر وفن بمعهد جوته الألمانى بالإسكندرية ويسهم فى تأسيس مشروعات فكرية وثقافية تترك صداها فى مصر والخارج تستهويه عناصر الطبيعة وعلاقاتها بالشكل والوظيفة.. يجد فيها قيماة فنية متميزة .
- وهو يقدم فى لوحاته حوارا مع النخيل وحركة الهواء معه.. أو كما يقول المصور ( النور الذى يشرق فينا حين ندرك ذلك فى الطبيعة.. لا النور الذى يسقط على الاشياء ) .
- تكتسب اشكاله نوعان من الشاعرية والحيوية.. ويكمن سرها فى روح وفكر الفنان وعلاقته بالاشياء والكائنات من حوله .
د. أحمد نوار
ثروت البحر ..`سلامتك `
الاسكندرية .. مدينة مفتوحة على كل الحضارت وكل البشر ..خليط من الجريج والارمن والطلاينة .. والفنار علامة من علاماتها ومعها شاعرها `كفافى` ومحمود سعيد مبدع `بنات بحرى` وخالد الذكر سيد درويش ..وهى نافذة مصرية على المدارس الادبية والفلسفية ..وكتابها المفتوح يطل بالصور والحكايات من زيزينيا والانفوشى والرمل ..الى المنتزه وابى قير وراس التين .
الاسكندرية وثروت البحر احد فنانيها الكبار شاعر وكاتب مسكون بتاريخها ..تتاكد فى اعماله وحدة الفنون ..مابين التعبير بالكلمة والريشة .. تقترب من روح الشعر ..تتنوع فى ثراء ..تشدو بسحر الهرم يتجلى نورعلى نور بابتهالات الضوء .. وسمو النخيل يسمو بالتيجان والاصالة والاعتداد ..لذا كانت اعماله انغام واشعار تشكيلية ..تجيب على معنى الاصالة ومعنى الخصوصية والمعاصرة.
والفنان السكندرى ثروت البحر يمر منذ فترة طويلة بازمة صحية ..ونحن نتذكر لوحته `تضرع وابتهال ` فى فضائها شجرتان فى صحراء ..لكل منهما خمسة فروع كيدين تتجهان للسماء باوراق قليلة على شكل هرم ..وكما يقول :انه التضرع والدعاء ..ونحن ندعو له بالشفاء التام ..والعودة سريعا لفنه .
الشعر والرسم
ولد ثروت البحر بعروس المتوسط فى فبراير من عام 1944 لاب شاعر معروف هو محمد زكى البحر ..واسرة تجيد الابحار فى دنيا الكلمات والغوص فى منابع الانغام والالحان ..وفتح عينيه على هذا المناخ الذى يدعو الى الابداع ويحفز على الابتكار.. مابين اللوحات الفنية التى تكسو جدران المنزل ..و المكتبة الضخمة التى تزخر بمجلدات كتب التراث والمخطوطات.. من الاغانى للاصفهانى وابن سينا وابن عربى والرازى والفارابى وابن رشد ..الى امهات كتب الشعر للمعرى وابى تمام والبحترى ...وكثيرا ماكان يقف متاملا لوحة من اللوحات ثم يصف مايراه نظما باناقة وشاعرية خاصة..وبدا يكتب الشعر وفى سن السابعة جاءت رسومه تجسد ماحوله بحب وتوق وشغف ..يرسم البحر والناس و نجوم واهلة وشموس واقمار ..وكان اختياره منزل الاسرة ليكون اول قاعة يعرض فيها اعماله وهو فى العاشرة..ولايتجاوز جمهوره بضعة اشخاص : والداه واخواته وزملاؤه بالمدرسة .
ومن هنا تعلق بالرسم والشعر معا ..يرسم فى الليل والنهار..ولاتكف الالوان عن جريانها على سطوح الاوراق ..وحين يلتقط انفاسه يلجا الى الشعر ..فهو العلاج من القلق والحيرة والمعادل النفسى الحقيقى المفتوح على الحرية..ومع كل هذا كثرت قراءاته فى التراث العربى ..والادب الاوروبى ..يمتلىء بعوالم بعيدة وغريبة ..ممتعة ومدهشة ..من روائع الاعمال لتولستوى وديستوفسكى وهمنجواى وسومرست موم وجوركى وتورجنيف وتشيكوف .
وهو يقول : ` احتجت الى هذا الزمن كى اسكن فى حال.. وهو الا اسكن على حال ..وكما قال لى الاستاذ الفنان سيف وانلى :` الفن لايعرف الكلمة الاخيرة وحقيقته كامنة فى اضافاته المستمرة عبر الزمن` ..لكن الحالات جميعها كانت تتشكل فى المقاومة وتاخذ اشكالها تباعا لما يدور وعيا او حدثا ..احيانا ماكان الشعر يسعفنى واحيانا المقال والقصة ..وغالبا ماكانت اللوحة ونادرا الوحدة والتناسى هى المسعف المتاح نفسيا وجسديا ..لكنها تحولات الاحوال مع ثبات على مبدا واحد غالبا مايتم دفع ثمنه ..كل التحولات كانت فى دائرة الابتكار فلا يوجد طريق مقلد او سبق طرقه `.
ومن فرط تعلقه بالرسم بدا يتردد على مرسم الاخوين ادهم وسيف فى سن صغيرة وقبل ان يتجاوز الثانية عشر ..كان قد درس عليهما وتاثر بقيم الاداء وصور التعبير .. بالانغام والالحان اللونية ..واللمسة الجريئة والسطوح التى تموج بسحر الحياة..من الخطوط والمساحات .. تنبض وتتنفس على السطح التصويرى .
وبعد ان تشكل عالمه وتاكدت رؤاه ..كان مرسمه المرافا والسكن يتردد عليه ويظل يرسم حتى فاضت دراساته واسكتشاته ..وتنوعت اعماله فى ايقاع جديد ..يمتزج فيها الشكل الهندسى بالخط العربى ......تبتهل الحروف وتنثنى فى رشاقة.. وتتحاور مع سطوح واشكال وخطوط تجريدية ..كما قدم اشكال خالصة فى الخط العربى.. تمثل مسحة من الحروفية العربية التى سكنت اللوحة التشكيلية ..بمثابة اضافة لما قدمه رواد هذا الاتجاه.. مثل يوسف سيدة وماهر رائف.. مؤكدا على ان الحرف العربى له دور فى خلق تشكيلية جديدة .
الهرم وتوهج التراث
يقول ثروت البحر : ` حين نتكلم عن الثقافة الاصيلة ..فلا ينبغى استعادة امجاد او احياء للتراث ..بمثل ما ان المعاصرة لاتعنى التشبه بالحضارة او الثقافة الغربية ..فالثقافة هنا تعنى كنس مابلى من الاوراق ..ومراجعة الموقف مع الحياة نحو خلق وحدة معرفة نابعة من الذات تكون ..ايجابية وصالحة للمجموع ` .
وهنا جاء الهرم اشبه بتميمة ثروت البحر ..وهو وحدة تراثية مخبوءة بالاسرار يمثل شاهدا على عمق الحضارة المصرية القديمة ..وقد جاءت احدى لوحاته فى هذا الاتجاه بمثابة مشهد سيريالى ياخذنا الى افاق الحلم .. جسدالهرم فى همس شاعرى متوحدا مع الارضية والافق ..يعلوه هالة ضوئية ..والمشهد هنا يجمع بين منظر داخلى واخر خارجى فى نفس الوقت ..حيث تبدو وحدة اضاءة عصرية معلقة فى الافق فى ايقاع هندسى ..وكانه يجمع بين الماضى والحاضر فى زمن شعرى شديد الحساسية ..يتالق بالنور المتمثل فى هالة الضوء .
واعمال البحر تلتقى بالفعل مع الشعر ..فهى اعمال تنقل روح الطبيعة المصرية فى مشاهد رمزية حالمة مع فرط حيويتها ..وربما كانت لوحته `مع الطبيعة ` من بين اجمل لوحاته .. تشتمل على اربع مستويات راسية ..من تلك الزروع والنباتات الداكنة المشوبة بالبنفسجى ..ثم تتدرج الى اعشاب خضراء ..وتنتقل بعد ذلك الى مساحة رملية صفراء اشبه بالكثبان ويمتد الافق ..بالبنفسجى المضىء الهادىء والذى يتقابل مع المياه فى قاع اللوحة ..وتتالق الاهلة والاقمار من اعلى واسفل تنعكس على المياه ..وثروت البحر هنا يريد ان يجسد طبيعة مصر وماتشتمل عليه من مياه وسهول وكثبان رملية ..و اللوحة رغم خلوها من الشخوص تعد مساحة من الحركة.. والشاعرية والسلام والطمانينة .
يقول : ` حين انظر الى سطح اللوحة الابيض تنتابنى او تنتاب نفسى حدة المشاعر ..التى يطالع بها البحر والسماء والصحراء ..سجين خرج لتوه الى الحرية فالرؤية هنا لاتستخدم سوى الحلم ..فهو انسب وسيلة للتحول والسير بحرية ....له القدرة على الاتحاد بالخيال.. ينطلق من كل فكر بما يحويه من دلالات ..والخيال هو قدرة من قدرات الوعى وليست تجارب غيبية ...بمثابة السباحة فى الزمن الماضى والاتى محملا بالامال `.
فى اعماله يؤكد على شاعرية الحياة والفرح بالطبيعة ..حيث يتناول عناصر تتالق بلمسة الرقة والعذوبة ..وربما كانت النخلة رمزا اخر من رموز فناننا مثل الهرم ..وفى احدى اللوحات جسد السعف الاخضر بامتداد اللوحة عرضا وطولا ..وهنا يطل النخيل ..ونرى السعف فى تقاطعات افقية وراسية .يبدو اشبه بفتحات المشربية ..وتتوهج اللوحة بالضوء الابيض فى حوارية مع الازرق والبنى .
مصر النور
وقد جاءت لوحته `مصر الانتظار ` التى جسد فيها شخصية مصر بهيئة فتاة نورانية الوجه ...بوجه عصرى من اعلى ..ومن اسفل يلجا الى الايهام فتبدة بهيئة مومياء ملفوفة الجسد ..ومايوحى بزجاجة مياه غازية ..فى نفس الوقت وعلى الصدر نطالع كلمة `كوكا كولا` بالابيض ..على مساحة حمراء بنفس احساس العلامة التجارية ..وكانه يشير الى العولمة و الهيمنة ..واللوحة حافلة بالعناصر والرموز والمستويات ..فنطالهع الهرم مضاء من اعلى ووجه من السلويت ..ونافذة مغلقة ونافذة ولوحة صغيرة داخل اللوح ومايشبه البيت ..وهو يخرج على الاطار التقليدى ويشكل اطار ا يشتمل على مستطيل يعلوه ..مستطيل فى اطار واحد..وهى تتوهج بالضوء الذى يشكل حوارا.. مع الظلال الداكنة الزرقاء .
ولاشك ان لوحات الفنان الكولاجية والتى تتعدد فيها الاشكال الدائرية والمربعة والمستطيلة ..مع تلك التصاوير التى تضم جموعا بشرية وكتابات تمثل مساحة تصويرية ترفض الهيمنة او العولمة .
وثروت البحر يجسد النبتة الصغيرة فى نورانية شديدة ..فتطل بالاوراق الخضراء والحمراء والسوداء .. تقتحم افق لانهائى بالاهلة التى تكاد تتحرك من فرط نحافتها ..يختلط فيه الازرق من اعلى مع البيج والابيض فى عالم شاعرى هامس .
ولوحات الفنان فيما يتعلق بمناظر البحر تمثل مساحة شديدة النقاء والطزاجة ..تلتقى فيها زرقة البحر مع زرقة الافق ..وتنساب الامواج بالزبد وتختلط الرمال من فرط الحركة والحيوية .
ومع روح الطبيعة ينتقل بنا الى دنيا جديدة ....حين يصور طيات الملابس فى ايقاع ينافس فيه الاحمر مع الفوشيا ..وهو ايقاع ميتافيزيقى يفيض بالتموجات والانكسارات والطيات.. ويحفل بالهمس والسكون.
ونطل فى اعمال اخرى على مساحة من التعبيريةالتجريدية او التصوير اللاشكلى ..والذى يمتد فى عناصر من موجات ومساحات واشكال تجريدية قوسية ومسطحة .
فى ثلاثية لونية من الازرق البحرى والاخضر البهى والابيض البرىء ..يريد هنا ان يؤكد على الموسيقى البصرية التى تنساب من الايقاع التجريدى الخالص مثلما شبه `كاندنسكى` الالوان بالانغام وجعل من فضاء التصوير .. مايشبه درجات السلم الموسيقى .
وله واحدة من اعماله ..لوحة `الضباب` حصلت على الجائزة الاولى فى بينالى الاسكندرية باجماع لجنة التحكيم على كل الاجنحة مقاس `180 -200 سم ` جسدت و عاصرت فترة قبل العبور ..والتعبير فيها رمزى لاجسام مليئة بالحيوية لكنها بلا سواعد واقدام وملامح .
فى واحدة من لوحات ` البحر` .. لوحة ليلية يغلب عليها الدرجات اللونية الداكنة ..من الاخضر والكحلى والبيج .. مع مساحات صغيرة ومحدودة من الاحمر النارى ..وبقع بيضاء تتناثر هنا وهناك.. وقد جرد الطبيعة ووصل بها الى اعمق اعمالقها ..من تلك الاوراق والوريقات الصغيرة التى جاءت بمثابة حالة رمزية ..تعكس معنى الحلم ومعنى النقاء فى التصوير ومايمس حال الانسان المعاصر.. ومايهفو من مرفا او وسادة يرتاح عليها من ظروف الحياة الضاغطة .
وثروت البحر يصل بنا الى درجة من الشاعرية تلتقى مع كتاباته كما فى ديوانه `احاديث عائلية ` ومؤلفه فى الشعر والادب والفن `الناس والصحراء `.
وكما ان له بصمة وتاريخ كبير فى الابداع له دور كبير فى الثقافة ..فقد قدم لاكثر من عشر سنوات اجندة ` وجوه من مصر ` فيها الف شخصية مصرية من رموز الادب والفن والثقافة والاقتصاد والعلوم والفلسفة .
صلاح بيصار
صحيفة القاهرة فى `29- 12-2020`
ثروت البحر.. فنان سكندرى يتحدى الألم بالألوان
- فنان تشكيلى وشاعر ونراه أحيانا محللا سياسيا واجتماعيا، يعشق الإسكندرية وبحرها وميناءها وشوارعها مهما اكتظت بالبشر، فهم بالتأكيد يشاركونه حبه للثغر وبحرها. ولكن ثمة ظاهرة جعلت الفنان التشكيلى والشاعر ثروت البحر يتألم على أيام مضت عندما كان كل سكان البحر ومن خلفهم يرون مياهه الزرقاء، فحجبت الأبراج السكنية المرتفعة وهج البحر الذى طالما يفتقده فيذهب إليه مرارا حتى لا يغيب عن أمواجه وأسماكه.
- ثروت البحر، الذى عقد مؤخرا معرضا فنيا ويستعد لاستعراض مجموعته الفنية فى معرض آخر فى مرحلة ما بعد انحسار الفيروس المستجد، يؤلمه ما حل بمصر خلال فترة ظلام احتل فيها أصحاب الفكر المتزمت البلد، ما جعله يندفع إلى محرابه ليرسم أحد أشهر لوحاته لسمكة محاصرة بين أسلاك شائكة وسط البحر، تعبيرا عن العام الأسود الذى حكم فيه `الإخوان`مصر. ورغم عشقه للسمك ،الذى انتزع من ريشته رسومات عديدة، إلا أن قلبه لم يحتمل ظلامية الذين يرتدون مسوح الدين ويغشون باسمه شعبا بأكمله.
- فيقول عن تأثره بهذه المرحلة التاريخية: `نحن لدينا الدين واللغة والأرض المشتركة بتاريخها وجغرافيتها وثرواتها، مصر التى ناقشت كتاب (مستقبل الثقافة فى مصر) للدكتور طه حسين فى ثلاثينيات القرن العشرين، ارتدت فى نهاية القرن لتناقش هل الموسيقى والرسم حلال أم حرام؟.. وعادت تكفر هذا وذاك`. ويعبر البحر فى `السمكة المحاصرة`عن أولئك الظلاميين الذين قرروا تغطية تمثال `نهضة مصر`بالنقاب، فتألم بشدة لما حل ببلده صاحبة الحضارة والتاريخ والمعرفة، من سواد وتخلف وجهل.
- البحر يترك فنه أحيانا ليصرخ السياسى الذى بداخله فى كتابه `الناس والصحراء`، ويري، وفقا لتصريحاته للأهرام، أن: `الدين حين بدأ كان حرية وعدالة ورحمة وسماحة وحكمة وقناعة واعتدال، وثورة وقوة دفع وعمل ونمو ومنهج حياة متجدد ونسيج كونى يظلل الجميع`.. والسبيل الوحيد لتحرير الخطاب الدينى هو تحرير العقل الإسلامي.
- الألوان فى ريشة البحر تماثل آلات العزف الموسيقية. يتمكن منها كالمايسترو القابض على ريشته، ويحلم بغد قريب تسعفه صحته على حمل الريشة فى يسراه مجددا، و `بالتة` الألوان فى يمناه.
لا يستطيع ثروت البحر التحكم فى تعددية هواياته، الرسم والشعر والكتابة، فكل مواهبه حيوات تتطاير بينهم روحه الوثابة التى تمنحه الأمل، توقفت يده اليسرى - وهو أشول ليستعيض عنها مؤقتا بسرده للأحداث وإلقائه أبياته، أما إذا سألته عن رأيه فى الحالة الفنية الراهنة، فسرعان ما تجد إجابته يفصح عنها فى كتابه `الناس والبحر`، فيجادل بأن مصر على مر التاريخ مستهدفة بصورة دائمة بحكم موقعها وكونها مركز الثقل فى المنطقة وتمتلك أكبر رصيد حضارى وبشري. وعندما تشهد الصحوة تتفجر فيها كل الطاقات الإبداعية للمجتمع ثقافيا وسياسيا واقتصاديا. أما فى فترات الضعف أو غياب الإرادة، فالفن والأدب والحياة الاجتماعية يأخذون شكل التقليد، فنكون جيدين بقدر محاكاتنا، وهو ما عبر عنه مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون: `إن المغلوب يميل إلى التشبه بالغالب`.
- لم تفرغ جعبة ثروت البحر بعد، فعشقه للصحراء، ظهر فى لوحات الكثيرة ومنها الواحات، واعتمدت هذه اللوحات على امتزاج الألوان مع بعضها لتعبر عن رؤيته للصحراء كمنبت للأديان الثلاثة. كما أنه يرى أن الصحراء أصل العمارة أيضا،وأنها، وفقا لتجربته، دفعته لاكتشاف مكنون نفسه من سعى وقوة لكى يصور نورا، ليس النور الذى يقع على الأشياء ويجعلنا نراها منيرة، بل النور الذى يستشرق بداخلنا. ومن هنا يستلهم ثروت بحر نوره الداخلى ليتحدى به توقف نبض يده اليسري، فطالما هى تعانده فيرد عليها بتوهجه فى الشعر عبر ديوانه `أحاديث عائلية`ليستلهم من `أبريل` شهر الربيع هذه الكلمات:
- `كان أبريل يعرى نهود الحدائق/ يبخر بقية الشتاء ويوقظ حنان الأمهات ويصفق/ حول المعابد التى تلقح أزهار الصيف/ وتقيس عبق البهجة وانسجام العيون/ يفجر نافورات من اللبن الدافئ كفرحة مكتومة/ نافورات غسل النسيان عن العيون وتوقظها/ تجعلها تري..تدعها تري`.
- أعمال البحر إجمالا تكشف تأثرها واضحا بريشة أبيه الروحي، الفنان الراحل سيف وانلى ابن الإسكندرية أيضا، فجمعهما نفس الميناء وزرقة البحر ذاته. ولا تقف ريشة أو قلم ثروت البحر عند فصل بعينه أو زمن محدد، فخياله دائم الطواف، يقرأ الماضى ليفسر به الحاضر، ومن كليهما يستقرأ المستقبل، أما عن الفصول الأربعة، فالشتاء عشقه، ففيه تتولد فنونه وإبداعاته، وعليه أن يقتنص فرصة أشهره القليلة ليخرج كل ما فى جعبته من مواهب ووهج.
محمد أمين المصرى - سناء عرفة
الأهرام 2020/4/15
|