جودة الخط العربي انعكاس للحالة النفسية والمزاجية للخطاط
في شهر يوليو من عام 1983 تقدم الباهي أحمد محمد إلى امتحان القبول بمدرسة تحسين الخطوط، ولم يكن يحمل سوى قلم جاف، ولم يكن قد تعرف بعد على أقلام الباست أو الفلوماستر، فخرج إلى الشارع ليبحث عن طريقة للكتابة غير قلمه الجاف، فإذا بفكهاني وبجواره عدد من الأقفاص الفارغة، أخرج منها بعض الجريد وظل الباهي يبريها بالقاطع بأحجام مختلفة، فأصبح لديه 4 أقلام فأدى الامتحان وتم قبوله بالمدرسة واستمر حتى أصبح معلماً بها.
عن بداية علاقته بالخط العربي يقول الباهي أحمد أنها بدايات مبكرة ومتأخرة في آن واحد، وكان آنذاك في الصف الثاني الابتدائي حيث أحس به أستاذه للغة العربية الشيخ طه السيد ودائماً حينما كان يصحح له تلك المادة كان يقول “أنت خطاط”، فلفت نظره إلى الخط وهو على جودة خطه لم يكن متخصصاً في الخط العربي، ولم يدرك الباهي تلك الكلمات إلا بعدها بسنوات حين كان المقرر الثقافي للفصل، وبذلك أصبح مسؤولاً عن مجلات الحائط والإرشادات الزراعية وغيرها.
وقال إن يوم 8 فبراير عام 1984 كان يوم الفصل بالنسبة له، حيث وقف إلى جوار شيخ الخطاطين محمد عبد القادر الذي يتعامل مع الخط بانفعال وتفاعل من دون أن يعلق الأمر على مجرد الخامات وأن ذلك اليوم كان هو الأول في تعامله المباشر معه بعد أن أخرج له كراسة الخط بتردد ليصححها، وكانت عادته حينما ينظر إلى كراسة أحد الطلاب يبادره بالسؤال عن صفه الدراسي، وعلم فيما بعد أن ذلك كان ليخاطب كل طالب على قدر علمه ومستواه. ويقول الباهي إنهم كانوا 94 دارساً في السنة الأولى، صعد منهم 30 فقط، وكان ترتيبه الأول عليهم.
وقال إن فن الخط به قدر من المزاجية، فأحياناً يأتيه خاطر سيئ فتفشل بعض الحروف، فهناك ارتباط نفسي، إضافة إلى وجوب الاقتناع بالنص الذي يكتبه، وهو ما يخرجه من الحرفة إلى الفن.
وأشار إلى أن فن الخط أثر على سلوكه العام حيث كان سريع الغضب، وبمرور السنوات الست الأولى في مجال الخط تغيرت طباعه وأصبح أكثر هدوءاً، حيث تحتاج الكتابة إلى تركيز وتأمل، خاصة حينما يتعلق الأمر بالدين، ولديه بعض اللوحات التي كتب آياتها من خلال سماعه للشيخ مصطفى إسماعيل، فكانت لوحته الخطية بمثابة المعادل للوحة القارئ الصوتية.
المدرسة التركية
أوضح الباهي أحمد أنه قديماً في المدرسة التركية كانت اللوحة الخطية عبارة عن دائرة أو شكل بيضاوي، مكون من سطر في خط الثلث وتحته سطران من خط النسخ، وتحيط بذلك زخرفة، ثم تطور الأمر فأصبحت الأبناط تتعدد في اللوحة ويتغير شكل الكلمات بين الكبير والصغير في تركيبة تخدم المعنى.
وقال إن الفن ليس ابناً لمكان، فحركة التأثير والتأثر لا ترتبط بالمكان، وهو ما يحدث التطوير المطلوب، حيث يكون التأثير في الملامح العامة، وربما لم يتطور الخط الكوفي في تركيا لأنهم لم يعيروه اهتمامهم، حيث حاولوا تطوير الخطوط اللينة، ولا أحد ينكر عليهم تطويرهم لخطي النسخ والثلث، وإضافاتهم على خطوط الرقعة والديواني وابتكارهم للطغراء، والعمل على تعديل بعض القواعد القديمة للخطوط، وقد أخذت الخطوط رونقها على أيدي أساتذة الخط لديهم مثل عبد الله الزهدي وشفيق وشوقي أحمد العارف ومصطفى عزت ومحمد نظيف ومصطفى راقم ويتميز الأتراك بوجود معلم فن الخط، ومعلم فن اللوحة الخطية، وذلك لاختلاف اللوحة الأكاديمية ذات السطر والسطرين، عن اللوحة الفنية التي بها المعنى يرتبط بالإخراج، ومن الصنف الأول نجد شوقي وأحمد العارف أما الذين يجمعون بين الصفتين فهم راقم ومصطفى عزت وعبدالله الزهدي والأخير هو من كتب أختام وأسماء محطات سكك حديد مصر فترة الخديوي إسماعيل، إضافة إلى أسماء الشوارع، الذي هو فن من اهم فنون الخط، حيث ثبات المساحة والبُنط مع تغير أحجام أسماء الشوارع مثل “درب سعادة وحارة الفرن وأمير الجيوش البراني والمعز لدين الله الفاطمي” ويظهر من ذلك إمكانية الخطاط وقدرته على الابتكار في التكوين، كذلك قام الزهدي بكتابة سبيل أم عباس” أم الخديوي عباس”، كما قام بكتابة 4200 متر في الحرم النبوي، وكسوة الكعبة.
اللوحة الخطية
عن بداية علاقته باللوحة الخطية كفن قال إنه في عام 1998 أعد معرضاً تحت اسم “تواصل الأجيال” فأخذ معلمهم الخطاط الكبير محمد إبراهيم من الجيل القديم، وأحمد البشلي - صاحب كتابات مسجد الفتح - من جيل الوسط، وأحد التلامذة ممثلاً لجيل الشباب ثم اتبع ذلك في معرض عام 2000 بفكرة “جيل جديد” لفتح آفاق جديدة لشباب الخطاطين والذين أصبحوا يتصدرون الآن مسابقات الخط في تركيا والخليج وإيران. وأضاف أن القليل من لوحاته منفذ بخامة الحبر، فاغلب كتاباته ينفذها بالجواش الذي يحاول من خلاله تجسيد المعنى باللون مع الاهتمام بإبراز معنى الآيات في تكوينات موحية للحروف وعلاقتها ببعضها، كما في لوحته “سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين”، والتي ظهر فيها حرف الـ “د” المفرد ذو النهاية المرسلة من دون استعمال القاعدة، حيث تقاس الحروف مثل الأليف بالنقطة، لكن نقطة الثلث غير نقطة النسخ أو الديواني، فنقطة الرقعة نصف معين في حين أن نقطة الديواني ¾ معين، ونقطة النسخ معين كامل، ونقطة الفارسي معين مستدير قليلاً، نقطة الثلث تجمع خطي الديواني والرقعة بحيث تعطي ¼1 .
تصريفات وأشكال
إن لكل خط تصريفات وأشكال متنوعة، إضافة إلى تداخل بعض القواعد من أنواع معينة من الخطوط مثل الفارسي وتأثره بالنسخ فيما انتج عنه `النستعليق`، وعلاقة الرقعة بالديواني وغير ذلك مما يعطي حيوية وجمالاً للخطوط خاصة العربية منها كالنسخ والثلث والكوفي، أما الخطوط ذات الأصل الأعجمي مثل الديواني والفارسي والرقعة فهي ذات سمات أخرى خاصة في علاقة حروفها بالسطر، فعلى سبيل المثال كلمتا `عجمي وقمح ` تجد أن حرف الياء في الأولى وحرف الحاء في الثانية فقط يلامسان السطر، ولهما شكل سيئ، وهي من مشكلات عدم التطوير والمعالجة لقواعد تلك الخطوط منذ ما يقرب من 100 عام.
فالرقم `7` ذو دلالة لم نستطع حتى الآن تفسيرها، فهناك 7 أرضين و7 سماوات و7 أيام، ولذلك أخذ في لوحاته الشكل الدائري الدال على الاستمرار، وكان لمرض ألم به السبب الرئيسي في إخراجه للوحة `انت الشافي وانت الكافي وانت المعافي` وجاءت مستوحاة من شكل المفروكة الإسلامية التي تزين أبواب المساجد.
مجدى عثمان
جريدة الاتحاد - الإثنين 01 أغسطس 2011