نازلى مدكور
الوجوه الصحراوية لنساء .. نازلى مدكور ..
- لبطل رواية ساحر الصحراء للبرتغالى باولو كويلهو مقولة قال فيها : يكفى أن تتأمل ذرة واحدة من الرمل وستكتشف فيها كل عجائب الخلق .. فتلك الذرة الرملية هى لحظة من الخلق قضى الكون ملايين من السنين لصنعها .. هذا الحس الكونى الذى أراه يقترب من التوحد فى فكرة عمل الكون آراه يقترب إلى درجة ما من حس الرؤية لدى الفنانة نازلى مدكور حين وقوفها بلوحاتها امام المشهد الصحراوى ككون مصغر تنهل منه لتقدم فى وجوه بورتريهات نساء صحراوات لوحاتها الأخيرة حالة خاصة للوجه البشرى .. ونازلى مدكور تقدم منذ سنوات طويلة الوجه البشرى خاصة لنساء الصحراء والبادية كمشهد مكثف للوجود الانسانى لتكتشف بوجوه نساء وفتيات لوحاتها عن طبولوجيا المكان كدراسة بشرية وليست فقط مكانية أو وصفية سريدة .. ارتبطت الفنانة برسم وجوه نساء الواحات الصحراوية ولتكشف بوجوههن عن آثار لغة تعامل الرياح ورمال الصحراء وملمس وتجاعيد الوجه البشرى وأيضا ملامح الأرض الرطبة والوجه فى تلك العلاقة الندية بين الانسان ومحيطه .. حيث يتجلى فى وجوه نسائها أثر الطبيعة وتحولاتها .. وكأن جينات نساء لوحاتها هى جينات صحراوية التواجد والحس وقد تنامى فيهن التواصل والمكان كفعل جينى طبيعى الى داخل النفس لتكشف وجوه لوحاتها عن الجزء المرئى من التوحد الكونى والانسان وليس مجرد الوصفى كأنه جوهر مادة الوجود . - مادة من لون طمى وملمس أرض خشنة نشترك وعناصر تكوين معدنها الارضى وبنسب مختلفة .. ولتكشف وجوهها عن تلك الترسبات أسفل المظهر الخارجى كأن حركة فرشاة الفنانة هى رياح تزيح الزائل لتبقى على الجوهر ناقيا .. وهذا مافعلته ايضا ألوانها بالوجه الانسانى ليبدو فى مقاطع كوجه خضع لكشط سكينى فكشف عن تضاريس اسفل الوجه الحقيقية الممتزجة بملامس الطبيعة ليكشف بعمق عن مادة الكائن إلى ذات الأصل المتحد وطبيعة الأرض وليصبح الأنسان المادة هو الاكثر حضورا من الانسان المحدد الهوية أو المسمى ونساء نازلى مدكور حدث لهن تفاعل والزمن فمن صعب فصل نسائها عن دورة فصول الزمن فيبدون كأنهن مقطع زمنى كنساء لهن ديمومة الوجوه أو هن وجوديات الحس والادراك حتى يصعب على المشاهد للوحاتها أن يلتقط الى أين تتجه نظرات نسائها كأنهن ينظرون الى الداخل وليس الخارج فى عمق لا يمكن ادراك مداه .. ونجد فى اعمال سابقة كانت تعتمد الفنانة على مصدر ضوء خارجى وليصبح الان مصدر الضوء نفسيا داخليا وهذا اثرى كثيرا تداعيات عدة للضوء ليس كرمز وكمصدر فقط الاضاءة ولكن كمدلول وقبلا بدا انسان لوحاتها متوحد مع الطبيعة خارجيا بينما نراه الان صورة من مادية الطبيعة ممتزجا بوجهة نظر الفنانة تجاه الانسان والوجود لتجعله ملتحما به حاملا جنياته الارضية متواصلة عبر الوجوه كأنها كلمات تتواصل معا فى جملة تفسيرية للطبيعة .. رغم هذا تبدو نساؤها الأرضيات المجلس والتكوين وحيدات ضائعات فى عالمنا هذا رغم كونهن جزءا عضويا تمثل دورة التكامل فى الوجوه بكل تراكمات الزمان والمكان واثار معاناة التواجد والذى جعل كثيرا من ألوان الوجوه وسماتها حتى ولو كن لفتيات صغيرات تبدو متآكلة فى طبقاتها كأنها طبقات أرضية اخذة فى التأكل والنحر الذتى .. حتى قد تبدو الوجه كمشهد لجيولوجيا أرضية يحمل فى طياته على قدر قدرة معاناة الحياة .. وهذا تحديدا ما أراه تفعله عيون ووجوه نساء نازلى صحراويات المزاج والتكوين فى مواجهة رياح الحياة والزمن .
بقلم : فاطمة على
جريدة الأخبار - 2010
نازلى مدكور التى لا تشبه أحداً
نازلى مدكور فنانة متفردة .. لها مبادئها التى تحترمها كفنانة مبدعة جعلت لنفسها مكانا متميزا لتصبح من أهم فنانى مصر والمنطقة العربية .. بدأت أعمالها بالاهتمام بتلوين الأماكن وحتى آخر معارضها بقاعة الزمالك ، ابتعدت عن المكان لتبدع خارجة كآلة الاستكشاف التى تتأمل إمكانية جديدة داخل مساحات مغلقة هاجسها اللون ومساحات من ضربات فرشاة سريعة مغلقة بالغنائية والتوتر وبالفوضى المنظمة التى تفتح بها خصوصية جديدة دون أن تجعل من نفسها حاملة لمعنيين غير ذاتها التعبيرية حتى ولو ألصقت بمعرضها عنوان .. نازلى مدكور أعطت لمعرضها عنوان ` عشتار ` ورسمت زهورها كفنانة أصبح من اليسير عليها ودون افتعال أن تدرك أن زهور لوحاتها ` العشتارية ` هى تجربتها تقنيا وفنيا وأن الاسطورة تبدو كأسطورة الفنانة الذاتية التى لن نفهمها إلا من خلال نازلى التجربة .. ولم استشعر تماما فكرة عنوان معرضها ` عشتار ` بل استولت على تقنية وتعبيرية نازلى وليس موضوعها .. وأعتقد أنة لايوجد هنا فصام وجدانى .. أو الحاق معنى مزدوج لشيئين يعبر أحدهما عن الأخر .
فنازلى بإقتدار جعلت التعبير عن كل شئ ممكن دون لى ذراعه . فزهور معرضها وورودها على السطح ليست سوى تعبير عن طاقة اللون .. وقدرة جعل السطح متوترا للإفراج عن طاقة اللوحة ومعطياتها .. لتمس لوحاتها القلب بشئ أعمق بكثير من وحى زهور ` عشتار ` فما يميز معرضها هذا هو شكل اللون وتشكيله .. ومثلما هناك لدى ` التجريدية التعبيرية ` التعامل وحقول اللون أرى نازلى وقد ألقت زهورها فى حقول الفراغ ربما تستهدف تصوير قهر الفراغ وإذابة ما فى ذلك الفراغ من أشياء .. وقد أوحت الفنانة فى بعض اللوحات بالمدى البعيد فى لوحاتها وهو فى الوقت ذاته شعور بتاريخ الاسطورة فى الفراغ ـ الزمنى ـ ليصبح داخل المدى البعيد زمانا .. ورغم أن الزهور عادة هى زهور ربيعية فى الزمان إلا أننى وسط زهورها شهرت اننى داخل حديقة فصل متأخر .. حديقة النهاية الوشيكة .. حديقة تتصارع فيها أوراق الورد .. فرأيت فى بعض تلك اللوحات الاشياء بصورة عضوية الواحد فيها فوق الأخر أو جنبا الى جنب أو أحدهما وراء الأخر دون محاولة تأكيد المرئى بأن ما نراه زهرة .. لذلك لوحاتها لاتشبة الزهور لكنها عن الزهور الاسطورية وعشتار فهى واقعية وآسطورية معا وهى تشبهها ولا تشبهها وهى فارغة وممتلئة معا وهذا أروع ما لدى نازلى فى كثير من أعمالها فإن بدت مباشرة إلا أنها لا تفصح صراحة عن نفسها حتى ولو أعطت لمشاهد لوحاتها عنوانا ومفاتيح لكنها تظل ذات عقل يحجب نفسة خلف العمل حتى يدركة المشاهد بنفسة ليرى مالم يبصره لأول مرة فيفصح له عن غير المتوقع .. لذلك فى نازلى التى لا تشبة احدا .
كما تفاجئنا فى ` عشتار ` الأسطورية بزهور تفجرها من الداخل تخلق بها نسقا جديدا لا يشبة شيئا .. ففى أعمال تحول نظامها إلى فوضى وفى أعمال أخرى تحول فوضاها إلى نظام كأن هناك تداعى أفكار فى مجمل أعمالها بين شكل اللون ومواقعة وتربطها بأخرى مثل الانسان الذى فى حركتة يعدل الاشكال التى تحيط به فأقل حركة تعيد تشكيل التكوين بكامله .. وفى معرضها أيضا نراها تميل إلى أن تمحى وتفقد التفاصيل فى سيولة .. وفى لوحات أخرى أرى أنه لاشئ هناك إلا وكأنه ضائع .. وفى أخرى بدت لى زهورها كدوائر ليست أمام أعيننا مباشرة ولا هى مخيفة بدت متحولة كأنها مصنوعة من ماء وهواء .. وفى أخرى بدت زهورها كأنها النار .. وفى معرضها أيضا ندرك زهورها دون ان نراها بوضوح لكننا نراها كفكرة وندرك بهجة وتفتح الزهور كما ندركها داخل رءوسنا .
ومن لوحة لاخرى تتعاقب زهورها كتعاقب الأفكار فى أذهاننا.. فهى مرة أخرى كنازلى مدكور لا تشبه أحدا .. وفى لوحات بجدارة كانت ألوانها الغامضة أو المعتمة تطمس معالم تفاصيل .. ويتوالى بذلك التصوير لأشياء متجانسة من منهل أسطورى واحد لتصبح زهورها كأسطورتها أشكالا لا يلمسها أحد ولايمكن ملاحقتها بسهولة .
زهور معرضها هذا ` متوحشة ` ترتبط كثيرا بمرحلتها الصحراوية ولا أستطيع أن تحقق من انعدام وجه الشبة فى الجوهر بين المحلتين وان المركب العضوى واحد .. رغم أن لوحاتها تولد مرة واحدة وليس مرتين .. وفى ميلادها الزهرى هذا ـ وفى برهة قصيرة بين حركتين ـ تأتى زهورها عاصفة محملة بقوة الطبيعة إنها كعصف بسطح اللوحة ذاته .. لذا هى معدومة الديمومة والاتجاه وغير مرتبطة بالمستقبل والماضى اللحظى سواء بسواء .. ورغم عدم ارتباطها بالماضى اللحظى والمستقبلى تظل زهور نازلى مدكور البرية فوق أسطح لوحاتها اعترافا تاريخيا بقوة الوجود فى ذاته لحيوية التوحش النباتى ودفق الحياة عبر اللوحات .
وقد عصرت الفنانة عناصرها لتصل الى الجوهر المندفع بالجمال الوحشى .. أيضا هى تدرك جوهر اللون حتى حين تنتهى من لوحاتها يبدو كأنه مجرد نفاث تزفر فوق السطح .. ألوانها أكثر الأزرق وهو لون مرئى ودائم الارتباط بالقائم واللاواقعى وهو لا ينضغط داخلا علينا بل يجرنا خارجا إلى البعيد لذلك كثير من أعمال نازلى تخرج من الفراغ وأحيانا إلية .. بينما الأزرق والأخضر فى العمل الواحد يوحيان بالتوحد والهم وهما لونان مرتبطان إلى ماضى ومستقبل فهما لونا مصير ولهما قوة مذيبة للقريب ولم يعنيا فى بعض لوحاتها سوى تحد سيطرة مقدمة اللوحة .. كذلك أخضر لوحاتها الغبش لون مصير .
المعرض بكاملة مستوحى من أسطورة ` عشتار ` لكن داخل المعرض بالفعل لم أفكر فى عشتار ولا الاسطورة فقد اكتفيت بصبغة لوحاتها الوحشية عنيفة الحضور كزهور برية صحراوية ربما كانت ` نبت أولى ` فى لوحات الفنانة من عدةسنوات لذا لم أرها تختلف عن روح أعمالها الصحراوية ولا صلة لها بعشتار فزهورها تتمدد فى فضاءات أرض صحراوية على اتساعها .. لتقدم نازلى زهورا غير مقروءة الجينات فتلك الوريقات الصغير البريئة غير مفهوم نطاق حياتها .. هكذا هى زهور نازلى العشتارية .. لتبدو لى الأسطورة بسيطة للغاية على اتساع مجهول زهور نازلى .. ربما لأنها منحت زهورها الاسم لكن عقلها كان يعالج مأزق ظاهريا آخر بطريقة ضربت به الاحساس ضربا .
هناك رؤية حيرتنى فى زهور ` عشتار ` فنازلى مدكور كانت تكسى ـ تقريبا ـ ورودها بضربات اللون كى تبرز مفهوم الجسدى وفى لوحات أخرى حاولت إخفاء هذا المفهوم فبدا أكثر موسيقية ككريشندو نهائى لمرحلة قصيرة من الحياة .. كأن زهورها استهلكت نفسها فى اتمام اللحظة بين مفهومى الإفصاح والأخفاء او التجسد والتبخر .. وبوفرة تلك الوريقات المتحشرجة التى تدخل أو تخرج من وإلى الحياة بدت مهارة الفنانة فى محاولة التحكم على ضوء تلك البرهة الحرجة أعتقد من متابعتى عبر مراحل عدة للفنانة الجادة أنها مراقبة ممتازة على نفسها .. تراقب وتحرص على خبرتها وكيف تتغير ومنها تتعلم .. حتى اانى أشعر أنها تتواضع أمام خبرتها لدرجة أنها تتحاشى فى لوحاتها أن يعتقد أحد أنها تدرك مالم تدركة .. لذلك هى فى عمل دائم لتفاجئنا بما أدركته من نفسها .
د.فاطمة على
جريدة القاهرة 2014
فى معرضها فى قاعة بيكاسو بالزمالك : زهور ونساء (( نازلى مدكور )) محملة بملمس لحاء الصبار
- معرض الفنانة نازلى مدكور المقام حاليا بجاليرى بيكاسو بالزمالك هو امتداد لمعرضها بعنوان `عشتار` الذى أقامه منذ عامين .. امتداد فى تناولها للزهور كمبحث بصرى فى امتزاجها انطباعيا بمادة اللون .. وجعل معالجات السطح تدعيم لمبحثها من تهشيرات اللون والخط وتسيلات وتنقيطية فرشاة اللون فى بعض اللوحات .. فما زالت فى معرضها هذا تستكشف قدرة زهورها على تحمل مادتها الانطباعية التى نراها منتفضة تحت تأثير إلحاح اللون وسحقة لوريقاتها أو بتلاتها .. فهى كالفنانين الحديثيين تحاول بإلحاح اكتشاف حدود المادة وما يمكن أن تؤديه فوق سطح .. كما ركزت فى عرضها على جعل المشهد دائم التحول والاحتمالات فوق السطح المرن الهش وأحيانا الصلب فى دينامية متواصلة تحركها تجريديتها الانطباعية الحرة معتمدة على تقطير الحالة وليس فقط تجريدها ألوانا وتشهير مادتها حتى لو جرحت زهورها لتخرج ما بداخلها الزهرة والتوال معا.
هذا الإلحاح يكشف عن فنانة شديد الذاتية تريد الكشف عن صور لا محدودة تشكل الحقيقة الداخلية لعناصر الطبيعة بعد تجريدها من زينها الوقتية البراقة الزائلة .. لتقدم رؤيتها الذاتية الخاصة فى رغبة تحرير الأشياء كحرية صحراوات لوحاتها الأولى ممتزجة بالخط كتعبير يبدو كخطو فى رمال صحراوية محرك لمجال اللوحة ووجودها التهشيرى الحر .. وهذا البحث زادها افتتانا بالسط ونسيجه والمادة اللونية المهيمنة بجرأة .. أعتقد أن دفق حرية الفنانة وهى تلون بمعاجينها سرعان ماتتحول من فكرة لأخرى كرمال صحراتها القديمة المتحولة بذاتها من شكل لأخر بلا توقف وفى حلول غير متوقعة .. فنازلى فنانة حهورية ليس لألوانها ضجيج الصوت المرتفع الرنان لكن لها قدر على نبش السطح واستصراخ خرفشاته من أزير الخدش وتوتراته لأنها تعمد أن تقيم عمارتها الداخلية على مجموعة من الذبذبات والخدوش والانفعالات الكامنة .
تحطيم الصورة الذهنية للزهور
لوحات نازلى مدكور أراها منذ عرضها السابق كمفردات من النشاط الذهنى الوجدانى أكثر من كونها تنتهى إلى تقديم زهور لوحات كوجود مستقل فى ذاته .. فربما تحاول تحطيم الصورة الذهنية للزهور كجزء من عالمنا له ذاكرته الخاصة الجمالية المخملية لتتوحش به داخل العمل كأنها زهور صبارية عطشى تنبثق فجأة ومن أى مكان فى اللوحة .. تبثق كفوضى تتحول إلى فورة وجدانية حسية .. لذلك أراها أحيانا تعتمد على عجينة التعبيرية على حساب التجريد وأحيانا زهورها هى حالة ذهنية تنهض من داخل القماشة كالنبض الذهنى الموجع غير المستقر لتستحضر بألوانها صورة ذهنيه مستقاه من عالم الزهور إلى عالم من الإتساع والرحابة الذهنية بين إنسان وزهرة مستكشفه لرحيقها وقوة وجوده .
وفى هذا العرض الفنانة نازلى تحاول تحقيق حقل واسع من الرؤية رغم تجزئ معطياتها بتلاقى وتداخل العديد من الإيماءات البصرية والذهنية التى تتواجد عن طريق الانتقال المتصاعد للوجدانية التلقائية .. إلى درجة أن تتحول زهورها إلى جزء من فعل الفنانة بالإيماء عن وجودية الزهرة دون أن تكون صورة لزهورها بل تصورا عن إمكانات الزهرة الحيوية الايمائية .. لترسم تصورها عبر شاشة مموهة كجزء من مفردات الوجود فإيماءات وجود زهورها لا ندركه فى اللون أو التقنية وتتاليات عمل الفرشاة بل يتضامن مغزى وجودها وتاريخ الفنانة بأعمالها الأولى بنبتها وإنسانها الصحراوى ..
ولأن صحراواتها الأولى مفتوحة الجوانب لذلك يمكن رؤية لوحات زهورها من آى جهة للإطار فكأنها تدور داخل جهات وجود الأطر الأربعة دون تحديد حافاتها أو وضعية الرؤية من أى زاوية .. لذلك ظل مكانها غامضا هائما لتحوم فى تمازج داخل فضاء ضحل يحمل قدرا مضغوطا من نبضات السطح وهو نفسه فيما أعتقد ينتشر كبؤر استقطاب عين المشاهد .. ومن داخل لوحاتها حيث ضيق أو انعدام الحيز الفضائى نرى الفنانة استعاضت عنه بالإيقاعية الداخلية ونبضات القماشة ذاتها التى تعيد ترتيب إيقاعها من جانب لآخر كى تنتظم لكنها لا تنتظم وتزداد نبضا وتتسارع فى حيوية وإيمائية شديدة مبتعدة بنفسها عن محدوديات المكان الضيق داخل نطاق مادة وعجينة اللون والفرشاة المهشرة بلا حدود .. مع ملاحظة أن لوحات صحراواتها الأولى كان فضاؤها رحبا مفتوحا واللوحة تتسعه لكنه ضاق الآن داخل اللوحة فقد أرادت لوحة تحت سيطرة حركة عناصرها الداخلية وليس تحت سيطرة الفضائى .. ليبدو منهجها الانطباعى إلى درجة مايتمثل بين التراكمى الكمى والتلقائى المتدفق فى لامكانية .
زهورها وجينات نساء صحراواتها
زهور لوحاتها اليوم هى تصور عن زهر الصحراء قدمتها الفنانة بصرامة صحراوية لتصبح نساؤها وزهورها مُحملات بملمس لحاء الصبار وطعمه .. وهنا رغم الفارق .. هناك توازن رقيق يغمرها يتقدم ويعلو ويتراجع أحيانا لذلك لا نحس مطلقا أن التشبيه مفروض علينا بل يجيئنا بسحر نسائها والزهور بصورة لها طبيعية خاصة بسبب تلاعب شكل ضد شكل ومنطقة لونية ضد أخرى .. فزهورها اقتفت تطورا شكليا موازيا ومعدلا بتجاربها المختلفة لنساء لوحاتها الصحراويات خشنات المظهر متحديات الوجود وقسوته وعطشه النفسى كتخريجات نفسية يدركها المشاهد من خشونة الملمس ومن إشارات كونية شاردة .. لنرى بذلك منهجها ما بين رحلتى النساء والزهور يتطلع للأمام والخلف وفى كلاهما مُحمل برائحة صحراواتها القديمة بنسائها وفى حرصها على وجودهن فى هذا العرض ولو بأحجام صغيرة .
مادة جسد اللوحة
عملت الفنانة على المادة وإعادة طرحها فى فترات زمنية مختلفة .. مع تنشيط هيئة اللون ومجاله وملمسه فى تداخل وضربات اللون المادى بين أوراق وبتلات زهورها .. فتقنيتها لها مزاج حيوى يتجاوز كل اعتبارات الأسلوب داخل علاقة متناقضة بين طبيعة وشكل الزهرة وطريقة معالجتها حتى أن اللون لا يلون ورقة الزهر بل يتخللها تماما ويمتزج بعصارتها لتقدم الفنانة فيما يبدو رؤية لخاصية الامتزاج مادتين مختلفتين فوق سطح ذاته .. ومُحاولة تقديم سلسلة لوحات من جسد الزهرة كمدخل للون والملمس والفرشاة الخشنة والمعجون لتعجل تعزيز رؤية إحدى لوحاتها يتم بوجود الأخرى وهكذا هو العرض بكامله ..
مادية انطباعية نازلى أراها اعتمدت على تأثير عصارة أوراق الزهور على اللون وسحقه .. واعتقد انها لا تجرب تقنيات بل هى تحلل هذه اللغة المستخدمة داخل محدودية سطح اللوحة ليصبح المكان المادى والتقديرى كبيئة زهرية ومادية للعمل فى الوقت نفسه .. ولتصبح لوحاتها فعل ديناميكى إلى درجة كبيرة متزنة بين ما هو مادى وما هو نفسى .. وما هو كمى وما هو كيفى بمعالجتها أشكال قائمة لديها قبلا من خلال سحق اللون فوق أوراق الزهور لتنشق الزهرة عن جلدها الخارجى كانفجارات صغيرة كأن سطح التوال بكاملة ينشق عما بداخلة ليكشف عن أحراش وطرق وعرة ورمال وخيوط تنساب من بطن المشهد وتتداخل فى ديناميكية جعلت مواد الرسم تتداخل وسطح اللوحة فى حركة غير متوقفة تجذب معها الخطوط او تخلفها وراءها كآثار المرور .. فنازلى توظف الطبيعة كعالم عضوى فى عمليات تشكيلها الفنى معتمدة على مفهوم المكان فى لوحاتها الصحراوية الأولى النابعة من المنظر الطبيعى الممتد للافق الصحراوى .. وباستخدامها هنا لإحدى مفردات الطبيعة جملها تعمل داخليا بتوتر وطاقة نموذجيان للحالة الطبيعية .
نازلى مدكور تعمل بإصرار على تفكيك التراكيب البصرية حتى تصل لأن تمنح نفسها هيئة مجردة فى هيكلها البدائى المفهوم .. ويمكننا الاستدلال على حدود عمل نازلى الإبداعى من قدر وعيها الذاتى وجعل عملها يحمل تأويلا ودلالة كامنة لا تعبر عن الزهور بل بالتأويل خارج منطقة الزهر كسمة ووجود متصل داخل عالم أخضعته لجبروت الطبيعة وتوحش حب البقاء داخل اللون وعجينته فلا يمكن إنكار توحش جمال زهورها الصحراوية .. هذا التوحش هو ما أصبغ على لوحاتها هالة وحالة من التوهج والطاقة تتعدى محيط مادة اللون والسطح ..
فاطمة على
القاهرة : 2017/4/4
الربيع والطبيعة بريشة نازلى مدكور
- تعرض الفنانة التشكيلية نازلى مدكور 35 لوحة من أحدث أعمالها بقاعة بيكاسو بالقاهرة حتى 14 أبريل 2017، وتقع أعمال الفنانة بين التشخيص والتجريد وفيها تغوص فى عالم يستلهم الطبيعة والمرأة المصرية ، وهى دائمة البحث عما تحويه الخامات من قدرات وامكانيات تسهم فى توليد المعانى وتجلياتها من خلال تنوع وثراء الخط واللون والملمس.
وتعتبر ` نازلى مدكور ` واحدة من أصحاب التجارب المميزة فى حركة الفن التشكيلى المصرى ، وفى هذا المعرض تواصل توغلها فى عالم داخلى مستوحى من المناظر الطبيعية والزهور ، والنباتات والبورتريهات أيضا ، وتبدو لوحاتها ذات ملامس مختلفة معتمدة على لغة الألوان البصرية وعلاقاتها ببعضها لتصنع منها علاقات جمالية ، ونستطيع القول إن الطبيعة تتحول فى لوحاتها إلى أحاسيس ومشاعر وموسيقى وخصوصا فى اللوحات التى استخدمت فيها الألوان المبهجة التى تعبر عن الربيع وترمز إلية بعناية ودراية.
وقد بدا نضج ووعى الفنانة ــ التى تمارس الفن بإخلاص ودأب منذ أكثر من ثلاثين عاما ــ فى هذا المعرض خاصة بعد أن تركت فكرة تحضير الاسكتشات المسبقة للوحة والرسم مباشرة إلى سطح اللوحة ، وهى تعترف أن خبرتها تتبلور مع كل لوحة جديدة تقبل عليها.
وأكدت نازلى مدكور أنها فى كل معرض تحاول تقديم شئ جديد مختلف عما قدمته من قبل موضحة أن الأشياء الجديدة التى تصيفها ليس للمتلقى فقط بل لشخصها من أجل الاستمتاع بما تقدمه.
وأضافت أنها اقتحمت ألوانا وملامس مختلفة وجديدة لم تقدمها من قبل ، برغم أنها مازالت تعتمد على المرأة والطبيعة فى لوحاتها.
هدفها مختلف
ويرى الناقد العراقى فاروق يوسف أن نازلى مدكور فنانة تحررت من الوصفات الجمالية الجاهزة ويمكنها أن تستمر فى رسم الربيع إلى ما لا نهاية ، من غير أن يتكرر المشهد الذى ترسمه ، فما من ورقة وما زهرة وما من شجرة ترسمها إلا وتظهر مرة واحدة من لوحة إلى أخرى ولا شئ يتكرر ، وإن كان الموضوع واحدا .
ويضيف أن نازلى تكمل الطريق الذى بدأه أسلافها الانطباعيون غير أنها تنحرف بالانطباع إلى هدف مختلف وهو ما يؤهلها أن تكون الفنانة العربية الوحيدة التى تنتمى إلى تيار الانطباعية الجديدة . وهو تيار حداثى يكسر الحدود بين التشخيص والتجريد ، ذاهبا إلى ما هو أبعد من المشهد الطبيعى من غير أن يجرده تماما لذلك تستلهم نازلى مدكور حريتها من علاقة يقيمها الرسم بالطبيعة هى مزيج من الشغف المجنون بالجمال الطبيعى والرغبة فى أن يتحرر ذلك الجمال من صورته الجاهزة ، ليخلص إلى جوهره.
زين إبراهيم
صباح الخير : 2017/4/4
|