النضال فوق جدران لا تعرف الإرتباك
- أشباح ليلية تتسم بالنضال، تعرف طريقها جيدا، تتسلق الحوائط، ترشها بدماء أكيدة لا تعرف الجدال، لا ترى النور بينما هم علاماته الثقات، اقترب كيفما شئت من حوائطهم الملونة، لامس أساطيرهم البارزة على الجدران، ولكنك في كل الأحوال لن تستطيع المساس، حتى ولو أزلت رسوما مؤقتة، ألوانا مؤقتة، فهناك الملايين من الأشهاد، مليارات العيون الكاشفة، سجلت بالفعل لوحات هي الأعظم، لمناضلين كالأرواح المتوهجة، ستستيقظ يوما ما وتجد الحائط كئيبا تلك المرة، وحيدا شاحبا، ولكنك ستكون واثقا، أن كل تلك النقوش الممسوحة، والفنون المزالة، كونت بالفعل شوارع أخرى متسعة، جدرانا أخرى أكثر رحابة، فى أفق أكثر عدلا، وعالم يجدر به الاتساع لإنسان آخر .
- لم تشأ الفنانة هبة حلمى، مصممة الجرافيك، وصاحبة رؤية وإخراج كتاب ( جوايا شهيد ) الصادر عن دار العين للنشر أن تدعك وحيدا تحاول التقاط تلك المشغولات الثمينة التي تظنها رحلت، هي تؤكد بكل وضوح أن كل ماهو ثمين ليس قابلا للتفاوض بشأن قتله، انتهاك الأشياء الحقيقية لم يعد متاحا بعد تجليات انتفاضة على حوائط ليست للبيع، كتاب ( جوايا شهيد ) الصادر حديثا قامت فيه هبة حلمي بتوثيق ( فن الشارع ) ، أو جرافيتي الثورة المصرية، ذلك الفن الذي ولد من رحم انتفاضات جليلة، الفن الذي يحارب حتى تلك اللحظات من قبل الدولة، وتنفق الأموال الباهظة لمحوه، قررت مخرجة العمل أن تأخذ على عاتقها البدء بالمحاولة، يعرض الكتاب إبداع فن الشارع المصري بترتيب زمني منذ بداية الثورة حتى الدعوة إلى الإضراب 11 فبراير 2012، يتخلل الترتيب تيمات محددة نون النسوة، جدران تغزو المدينة، المشير من التأييد إلى الإعدام .
- يطالعك اللون الأخضر بآلامه العابثة، في غلاف محاك ليلتقط صورة الفنان `عمار أبو بكر`، وتصوير أسامة بشري، (جوايا شهيد ) تطفو تماما على السطح داخل شارة سوداء لا يفصل بينها وبين الوجه المتسع إلا نضالات أخرى، تتسم باليقين، تردد هبه حلمي في إهدائها كلمات واثقة الخطو إلى فناني الجرافيتي، هؤلاء الذين هم `ضمير الثورة الذين أخرجوا الفن من القاعات إلى الشارع، وجعلوه جزءا من حياتنا اليومية السياسية والاجتماعية، تحملوا مضايقات الشرطة وتحرش أبناء النظام، المجد للمشاغبين`، جنود آخرون تشكرهم مخرجة العمل، ممن ساعدوها على تحقيق الكتاب وإخراجه بهذا الشكل، من مصورين وفناني جرافيتي ورسامين، وكل من دعموها لإنجاز مشروعها الضخم.
- ( تضيق نافذتي ويتسع الجدار ) جملة سميح القاسم ترقد فوق خلفية حمراء قاتمة، تضعها هبه حلمي كتصدير، فى كل الأحوال سيتسع الجدار، اتساعا يضمن باحتواء عبقرية أخرى للنضال، كلما ضاقت النوافذ على أعين النبلاء، يمكن للحوائط أن تحقق الفضول الكافي للضمائر المكبلة، يمكن للعيون أن تتقافز على حوائط متسعة، لترصد اليقين، فتعيش للأبد.
- `لقد كانت معركة طويلة ومستمرة حتى استطعنا تحريره` بهذه الكلمات تتحدث المصممة عن الشارع وعن ظهور فن جرافيتى الثورة المصرية كالمارد الخارج من القمقم، يحول حيطان المدينة إلى معرض عام، يكلم المارة ويتحاور معهم، ويقدم نفسه كإعلام بديل،عن أبواق ماسبيرو ومنابر الجوامع، والكنائس، ويؤرخ دون قصد للثورة المصرية، وفي مقدمة مصاغة بحرفية فنية تتحدث عن فن الشارع، بمراحله المختلفة، بداية ثورة الجرافيتي في نيويورك في السبعينيات والثمانينيات بظهور ثقافة ( الهيب هوب )، وخلال تلك السنوات التي أصبح الجرافيتي جزءا من الثقافة الشعبية، ، صوت رفض السلطة، الهوية الخاصة، وانتشار الظاهرة في بلدان أخرى غير أمريكا، مثل بريطانيا وفرنسا، ترصد هبة حلمي في مقدمتها عن فن الشارع تلك الظاهرة، التي هي صوت الجماعات المهمشة، والشباب الذي يجاهد لإسماع صوته، في مقابل من يملكون إعلاما قويا، إعلام الدولة، هؤلاء `المطبقين` أيضا، ممن يقومون بقص التصميم ورشه على الحوائط، وكيف كانت دوريات الشرطة تطاردهم، وماحدث مع علي الحلبي، عندما قام برش استانسل الرقص على أنغام الثورة، فتم اعتقاله في أكتوبر 2011، وتحت عناوين `الجرافيتي كإعلام بديل`، `شكل وأدوات فن الشارع`، `الخطاب البصري والمدلول الثقافي`، `إنه الفن المتحرك الزائل`، ترصد هبة حلمي اللحظات الأولى لولادة فن الشارع، كيف تبنته القوى المهمشة، كيف كان ملازما للحظات أكثر نضالا، نابعا من قلوب ثورية متأججة.
- ( كن مع الثورة ) شعار أول صممه محمد جابر في 2008، يتصدر بداية لوحات الكتاب، تم تصميمه على خلفية أحداث إضراب عمال غزل المحلة في 6 إبريل، ليبدأ بعدها الترتيب الزمني لأقسام الكتاب، وتبدأ الثورة في `18 يوما` من 25 يناير حتى 11 فبراير، صورة تمثال قصر أسد النيل، وقد كتب أحدهم على قاعدته رسالة لمبارك `اللعبة انتهت`، في نفس الوقت التي كانت الأدخنة فيه تتصاعد من المقر المركزي للحزب الوطني، كانت صور الشهداء من أوائل ما ظهر في شوارع المدينة، لذلك توسطت صفحات أولى صور لجرافيتي صور وجوه الشهداء كريم بنونة، وأحمد بسيونى، ومصطفى الصاوي، يصرخ بعدها عمرو البحيري قائلا `أنا في السجن الحربي لأني شاركت في الثورة` في جرافيتي أول بعد اكتشاف تحويل المدنيين إلى محاكم عسكرية، وفي الصفحة المقابلة الشعار المعروف `لا للمحاكمات العسكرية` في تصميم الصفحات لهبة حلمي تتجاور التعليقات مع لوحات الجرافيتي حاكية مايوازيها من لحظات وألم، تعلق في قصص موازية وتسترجع الشخوص واللحظات، كل تصميم جرافيتي له حكاية أعظم، تستمد التصميمات قيمتها من أرواح رساميها المناضلين، تسرد هبة عنهم، ويسردون عن أنفسهم، تماما كما يردد علاء عبد الهادي: كاذبون: قالك الجيش حامي الثورة `عن طالب الطب الذي قتل في فض اعتصام مجلس الوزراء`.
- ( تقوم الثورات لتحول مقرات التعذيب إلى متاحف، لا لتحول المتاحف إلى مقرات تعذيب)، عبارة أكيدة وضعت فوق صورة جرافيتي سميرة إبراهيم وهي تردد : مش هتقدروا تكسروني يا عسكر، تملأ تلك التفاصيل صفحة أخرى من صفحات المأساة أثناء فض اعتصام التحرير في 19 مارس 2011، الشرطة العسكرية تعتقل من في الميدان، يتحول المتحف المصري إلى معتقل للتعذيب، رامي عصام مغني الثورة وسميرة إبراهيم، بعدها بأيام تصبح سميرة واحدة من سبع فتيات أجري لهن كشف العذرية بعد تعرضهن للضرب والإهانة، يقدم الجرافيتي تحية إعزاز وإجلال لسميرة إبراهيم بنت الصعيد، وفي صفحة مقابلة، يقدم الجرافيتي وجهها وتحته مقدم طبيب أحمد عادل الموجي الذي أجرى لها كشف العذرية، تعيش هبة حلمي كي تلتقط الصور، كي ترسم الوجوه، كي تصمم النضالات وتعلقها مع جنود آخرين في ذمة التاريخ، فتفضح أحمد عادل الموجي، `مغتصب عروض بناتنا` في الجرافيتي الذي صممه اسبراي.
- وعندما يرسم كايزر صورة امرأة تهدد `خافي مننا يا حكومة`، وتصور هبة حلمي ستانسل `مصر جابت ستات` يمكننا جيدا أن نخوض تجربة مثيرة في جزء آخر من (جوايا شهيد )، بعنوان ` نون النسوة، فيفاجئنا المصممان مشير وعادل رضوان بسعاد حسني `البنت زي الولد، وأم كلثوم` أعطني حريتي أطلق يدي`، وشادية `أنا اللي فتحت الهاويس`، نون النسوة، قسم متوهج في الكتاب، يلمع بامرأة مناضلة شامخة، ، بينما ست البنات، تلك الشابة المصرية التي واجهت القمع، وتعرضت للضرب والتعرية في الشارع، تتصدر المشهد في رسم آخر لهناء الديغم، يلتقطه أسامة بشري ليؤكد شيئا عالقا في الصدور . وتحت عنوان `تطهير الداخلية` يمكننا أن نستكمل الحكاية، في 6 يونيو 2011، ذكرى عام على مقتل خالد سعيد، يمكننا جيدا أن نقرأ على حائط وزارة الداخلية: `هل يصير دمي بين عينيك ماء، أتنسى ردائي الملطخ بالدماء؟، ويقرر كايزر في حسم ( العدل النهاردة يا عادلي`، الذي وضعها في تصميم صنعه في أول أيام ذهاب العادلي للمحكمة، جنزير وكايزر وإيفيانو والتنين وزفت والمشير، أسماء مستعارة استخدمها فنانوا الجرافيتي خوفا من البطش بهم في أي وقت، قرروا دوما أن تظهر الحوائط أولا ببطولات مطلقة، أن تختفي أسماؤهم لتنير المشاهد على الطرقات، فتطاردهم الشرطة في الشوارع ، لجأو إلى التخفي في ظلام الليل وراء ماسك فانديتا الشهير، يحاربون للسيطرة على الجدران ، تزال الرسومات، لتخلق مساحات أخرى جديدة للرسم، لكنها مساحات أوسع .، نون النسوة تستمر في فرض يقينها الكامل، وتردد سندريلا الشاشة في حسم ( أنا نازلة .. 8 يوليو )، فحتى تاريخه لم يظهر مبارك خلف القضبان، وتردد هند رستم `هنجيبك من شرم ياسونة ياخاين .
- (غازك منور إسرائيل انزل) تلك الدعوة في 9 سبتمبر 2011، قتلى جدد، بينما تلتقط لنا هبة حلمي ` لا تصالح `، وخصوصا وأنك تهدم ذلك الجدار الذي يحمي السفارة الإسرائيلية.
- عند ماسبيرو، لا يمكنك أن تفرق بين جندي وسفاح، في الليل تختلط الوجوه فتصير الضحايا كثر، ويصبح هناك `مينا دانيال`، ويردد محمود عبده `محمد . مينا، ليه الثورة جميلة وحلوة وانت معايا` ،ويصبح شعار المرحلة `مينا دانيال مات مقتول والمشير هوه المسئول`، ونصبح تماما `كلنا مينا دانيال`، بعد مذبحة أكيدة، صمم قبلها جنزير وساد باندا تحت كوبري 6 أكتوبر، تلك الدبابة التي تواجه بكل عتادها، دراجة موصل أرغفة العيش الشهير في شوارع مصر، لتتأكد الرؤية تماما، بعد حدوث المذبحة، ليتغير التصميم ونشاهد دماء الشهداء تحت الدبابة، ويصور رافاييل بلوتان عبقرية أخرى `أنا موجود، من بكرة أنا بوش جديد، وش كل شهيد`.
- حوائط عظيمة،في مدينة ميتة الأركان، بلا فواصل ولا فراغات، قررت هبة حلمي أن تمارس معها لعبة أبدية، عبر أوراق تحتمل الكثير من المناوشات، مطاردات وشهداء وأبطال ونضالات، عيون تلتقط، ودماء تسيل، وأنات أخرى دفينة في وجوه مكبلة، ليظل مشروع كتاب `جوايا شهيد`، يحاول جاهدا، خلق معركة جديدة داخل الأطر.
- وبصورة جرافيتى أخرى، مستخدمة شعار النظافة، ومستبدلة القمامة التي يمسكها الشخص بجهاز التليفزيون، ليلقي به في سلة المهملات، يبدأ قسم `في مواجهة ماسبيرو`، ذلك المبنى الذي تحولت غرفه وأدواره إلى أداة قمع وتعذيب، ففي غرفة من غرف المبنى اعتدوا على المواطنين بالضرب الوحشي ليغرقوا في دمهم وبولهم على أرضية تلك الغرفة السفلية، وفي الغرف العلوية، كان الإعلام يناهض الثورة علنا، ليصمم جرافيتي جهاز التليفزيون وبداخله بينوكيو، وجرافيتي آخر لمبنى ماسبيرو ولكن يتبدل جزءوه الأعلى بغسالة، ويكتب تحتها باللغة الإنجليزية maspiro brain washing `ماسبيرو غسيل مخ`، ويصمم كايزر ويصور رافاييل بلواتن وجوه باسم يوسف، ويسري فوده، اللذين استطاعا أن يكشفا للجمهور بجرأة ذلك الذي يدور على الجانب الآخر عندما كان المناضلون بالميادين، ويصمم اسبراي وجه توفيق عكاشة وتحته `منافق` في شارع محمد محمود.
- (حين تصنع من موتك حياة تصبح الثورة فنا ) وبصورة لرجل جمع فوارغ خراطيش القنابل ليصنع منها كلمة `الله أكبر`، تبدأ هبة حلمي رصد معركة مجمع التحرير، واعتصام 18 نوفمبر، بجداريات رسمت على حوائط مجمع التحرير، وبرسائل حاسمة مثل `لن تقتلوا ثورتنا`، `رسالة رقم 1 من الشعب المصري إلى مجلس العسكر : ارحل`، `المجلس العسكري مزبلة التاريخ`، `الشرعية من الميدان` كانت الرسومات تنطق بتحد آخر .
- في يوم 19 نوفمبر، تظهر عينا أحمد حرارة في جرافيتي لتذكرنا متى فقئت عيناه وحول وجهه قصيدة أمل دنقل `أترى حين أفقأ عينيك، ثم أثبت جوهرتين مكانهما، هل ترى ؟ هي أشياء لا تشترى`، يصممها المشير ببراعة، بألوان وخطوط حاسمة . تماما كما رسم عمار أبو بكر تلك الفكرة التي فعلها أحدهم واعتلى أسد قصر النيل ليضع ضمادة على عين من عيون الأسد، فيحولها عمار أبو بكر إلى لوحة تشهد على ما أصاب الثوار من قناصي العيون `حتى لو خسر عينيه الاتنين، برده اسمه أسد`، ويرسم جداريه عيون الحرية في شارع محمد محمود، وتحتفظ كاميرا جيجي إبراهيم بوجوه ثمينة، لم تفقد كرامتها .
لا يؤرخ كتاب `جوايا شهيد` للثورة، لا يحكيها، لا يرصد يومياتها، بل يكررها بكل انحناءاتها، يعيد لها الحياة عبر ألوان أزيلت، ورسوم انتهكت، وجسارة حاربتها الدولة والإعلام، ستمسك بالصفحات كأنها الحوائط، وستعاين الجرافيتي كأن اللحظة لم تمت، لحظات كتلك يملؤها المناضلون بالحيوات الموازية، لا يمكن أن تفنى، لا يقتلها رحيل، ولا يميتها زمن .
- `الثورة فن` وخصوصا وأنت تشاهد جغرافيتي `لا أسمع لا أرى لا أتكلم`، على خلفية أحداث اعتصام مجلس الوزراء ديسمبر 2011، يستشهد عماد عفت، ويحرق المجمع العلمي، ومع حلول يوم 23 ديسمبر يرتفع عدد الضحايا إلى 17 قتيلا و1917 مصابا، لتتسائل هبة حلمي `ماذا يحدث في عقل وقلب هذا الذي يستحل حرمة جسد آخر؟، ماذا قالوا لهؤلاء الجنود حتى استطاعوا أن يجدوا بأنفسهم كل هذه الوحشية ؟ كيف استطاعوا أن يزرعوا في قلوبكم كل هذه الكراهية ؟ . وبينما الإخوان المسلمون يذهبون إلى صناديق الاقتراع، يردد المشير في جسارة `انتخبوا الثورة، رمز قناع الغاز`، وتحل نون النسوة مرة أخرى ليصممن جنزير جرافيتي `بنات مصر، خط أحمر` تعليقا على مشهد `ست البنات`.
- على الحوائط معركة أخرى، تحد آخر، عاشه فقط زوار الليل كالأشباح، ليطلقوا أصواتا تطلق الجبن، وترفض الاستسلام، حتى ولو بنوا الجدران، فسيحولها الفن إلى شوارع، تماما كما حدث مع حملة `مفيش جدار` عندما فتح الشباب الجدار الذي تم بناءه في شارع الشيخ ريحان، فتحوه بالرسم والمنظور الذي يكمل رصيف الشارع، ليكتمل الشارع رسما بداخل الجدار، وتقتل المحاولات لإبادة الفكرة .
وفي ذكرى ثورة 25 يناير الأولى، كان هناك تأكيد ما `الحرية جاية للأبد، كونوا واقعيين واطلبوا المستحيل` في شارع يوسف الجندي، هذا التأكيد الذي تحول لمذبحة في ذكرى معركة الجمل 1 فبراير 2012، عندما `مرة واحد راح يشجع مات`، ليرسم علاء عوض `الندابات`، ويمتلئ سور النادي الأهلي وشارع منصور وشارع الهرم بوجوه شهداء بورسعيد، ويرسم لنا علاء عوض جداريه `المعركة في شارع محمد محمود، جداريه تستبدل جداريه في انتفاضة أخرى، لتردد أخي` أنسى اللي مات وخليك في الانتخابات . `الجدران المراوغة تقاوم وتناضل` هكذا تردد هبة حلمي وهي تحكي كيف كان عمال النظافة يمحون اللوحة لترسم أخرى، تفاصيل محو لوحة `اللي كلف ما ماتش` وأثناء إعداد هذا الكتاب محى عمال النظافة مرة أخرى جداريه الشهداء كلها وذهب الفنانون ليرسموا مرة جديدة، رسم عمار أبو بكر `امسح كمان يا نظام جبان`، كما كتب آخرون `احترس الحيطان مفخمة`، `النهضة شدة وتزول`، ، تقول مصممة الكتاب `لن تفهم السلطة اللعبة، اللعبة هي أن محو الرسم معناه مساحة جديدة، صفحة بيضاء لمزيد من الفن`.
- `المشير، من التأييد إلى الإعدام` صفحات أخرى رصدت فيها هبة حلمي مسلسل الخداع العظيم الذي مارسه العسكر تجاه الثورة، عبر صورة `فيلم الفساد، الجزء الثاني، بطولة المشير` وآخر لإيفيانو `تسقط دولة مبارك، ويصمم جنزير تحية خاصة مختلفة للشهداء هذه المرة، تحية باليد اليمنى بالإشارة العسكرية، واليد الأخرى تقتل الآخرين بالسلاح، وترصد `التغيير على وساخة بيجيب تسلخات` من على سور حديقة الحيوان ، و`ديك أم المشير` من شارع محمد محمود .
- تلاحق الحوائط بعضها البعض في شوارع `جوايا شهيد`، لن يمكنك التوقف عن السير، مساحات تتسع لنضالات أكثر حدة، وعيون تلمع في الظلام لتهبك المزيد من الحياة. الدعوات إلى إضراب 11 فبراير للإضراب العام كانت واثقة النبرة، في المدارس والجامعات وعلى الفيسبوك وتويتر، `عصيان مدني علشان نرجع الجيش سكناته`، `علشان الشلة لسه حاكمة`، `اعتصم في جامعتك`، `عمال مصر أين أنتم ؟`، وتلتقط الكاميرا صورة على جدار `عجلة الإنتاج اشتغاله` مستبدلة كلمة `عجلة` بصورة العجلة نفسها .
- يصور حسام الحملاوي هذا الرسم الرائع للبيريه الأحمر والكلابشات رمز القمع والتعذيب في الذهن البصري لفناني الجرافيتي، وجوه عساكر الشرطة العسكرية بالكلابشات ترتدي البيريه الأحمر وعليه نسر الجمهورية، ويصمم جنزير `خطر`، الذي حور فيهما علامة الخطر `الجمجمة والعظمتين إلى سيفين كرمز للإخوان المسلمين من فوقهم بيريه الشرطة العسكرية وكتب تحته `خطر`، ويلتقط الحملاوي أيضا جرافيتي المعادي `بكرة الثورة التانية تقوم، مش هتسيب ع الكتف نجوم`، ويؤكد كايزر في تصميم آخر `حزب الحرية والعدالة، الكدب هو الحل`، بينما يرسم عادل رضوان نانسي عجرم `واللي عم يكذب على أهلة شو بنقولو .. شاطر شاطر`.
- `إحنا القائد اللي كنا منتظرينه `بجملة أكيدة يصممها كايزر تضع هبة حلمي صفحات أخيرة لحدث عظيم تعرفه هي، ويعرفه الشرفاء تماما، تلك الحوائط التي خرجت من صمتها لتصرخ بالحقيقي من الكلمات، ألوان لا تعرف الارتباك ولا الخضوع ولا الهرب، تركت الجبن خلف ظهورها وقاومت ومازالت، يمكن تماما لصفحات كتاب `جوايا شهيد` أن تمتد عبر الشوارع والمدن، يمكن لتلك الصفحات أن تناضل للأبد، بما حوته من عقول مناضلين لم يعرفوا إلا وجوها أكيدة للحياة، تلك الوجوه التي تناضل من أجل بقائها، كتلك التي للشهداء، الذين تماما يشبهون تلك الثريا المتدلية بمكوناتها السوداء من السقف بينما تحمل المزيد من الشموع، وخلفها تفاصيل حائط يعلن عن حياة ترفض المحو بينما كتب تحتها ( نورهم عمره ماهينطفي ) .
تامر عفيفى
أخبار الأدب - 31/ 3/ 2013