محمد عزت مصطفى
د. محمد عزت مصطفى تبنى فكرة قومية الفن
- الفنان محمد عزت مصطفى ( 1907 ـ 1969 ) أحد أعلام الفن التشكيلى المصرى كمصور متمكن ومؤرخ وكاتب وناقد وهو كذلك صاحب أياد بيضاء على الحركة التشكيلية المصرية والفنانين، ومن خلال توليه مناصب عدة، كان أخرها وكيلا لوزارة الثقافة وقد عمل وكيلا للإدارة العامة للفنون الجميلة والمتاحف ومديرا للخدمات الفنية بمصلحة الاستعلامات وكان أول مدير لقوافل الثقافة ومديرا لمتحف الفن الحديث وعمل أيضاً مدير الإدارات الفنية بدار الكتب وأثرى المكتبة الفنية بالعديد من الكتب التى نشأنا فى كنفها، وبين صفحاتها تتناول الدراسات التاريخية والفلسفية فى الفن وكذلك ترجمات عديدة من الإيطالية والفرنسية.
- رحل الفنان محمد عزت مصطفى عن عالمنا فى الخامس من أبريل عام 1969 بعد رحلة عطاء حافلة على الصعيد الإبداعى فى مجال الفن التشكيلى كاتبا ومحللا وناقداً ومؤرخاً ليخلف لنا أعمالاً فنية خالدة وتراثا يثرى المكتبة التشكيلية حتى اليوم .
- وقد أقيم معرض لأعماله الفنية بعد رحليه بثلاثة أعوام فى قصر ثقافة قصر النيل افتتحه سعد الدين وهبة فى 22 أبريل عام 1972.
-على الجانب التشكيلى تتميز أعمال الفنان محمد عزت مصطفى بالطابع الأكاديمى واختياره موضوعات الطبيعة الصامتة والمناظر الخلوية ومن أشهرها ميدان التحرير والتى رسمها عام 1953وكان يجوب القرى والريف والمدن ليلتقط بحسه الجمال الكامن فى هذه الأماكن من خلال الزوايا الذكية وحيوية ألوانه وطزاجتها والتى تميل نحو الاتجاه الانطباعى والواقعى ويسجل الأماكن التاريخية فى القاهرة القديمة والفاطمية فى باب الفتوح وباب النصر ومدرسة قلاوون وخان الخليلى بالإضافة الى الوجوه والأشخاص والتى تتميز بوعيه بمفردات التشكيل وقد كان اهتمامه بالتكوين واضحا فى أعماله العديدة من خلال هندسة التشكيل ويضم متحف الفن الحديث مجموعة من لوحاته التى خلد فيها مشاهد الحياة اليومية المصرية وأنتج الفنان عدة لوحات تمثل الأحداث الوطنية بعد ثورة يوليو وقبلها ، أشهرها لوحة الشهيد .
- ولد الفنان محمد عزت مصطفى فى السابع من يوليو 1907فى حى باب الفتوح بالقاهرة وقد كان لنشأته فى هذا الحى أثر فى تكوين وجدانه ومسار فنه فى تصوير تلك الأماكن القديمة والتى تجمع الأهالى والناس والشوارع والآثار يرسمها بحس مرهف ومشاعر صادقة ذات شحنة تعبيرية .
- التحق بمدرسة الفنون والزخارف عام 1922 منضما بذلك الى الحركة الفنية المصرية ليحصل على دبلوم النسيج عام 1926 ليواصل دراسته مبتعثا للدراسة فى الأكاديمية الملكية بروما عام 1927 ليحصل على إجازة الأكاديمية فى التصوير عام 1931 وهى المعادلة لدرجة دكتوراه الفلسفة فى العلوم وقد أشرف عليه الفنانان ( كلفاتيا دورو)، ( كرومالدى) ويعين فى نفس عام تخرجه فى الأكاديمية أستاذاً لمادة تاريخ الفن بكلية الفنون التطبيقية ليكون أول من أرسى وأسس قواعد النقد الفنى فى مصر ويقوم بتدريسه فى المعهد العالى للفنون المسرحية والمعهد العالى للسينما ويعتبر أستاذاً لأجيال عديدة من الفنانين الذين هم نجوم الحركة التشكيلية الآن .
- وعلى الجانب النقدى والتاريخ فقد قدم العديد من الكتب والمراجع الهامة أهمها قصة الفن التشكيلى على ثلاثة أجزاء أولها يتناول العالم القديم وثانيها يتناول العالم الحديث. أما الجزء الثالث فيتناول عصر النهضة ومن أهم كتبه أيضا الترجمة المصرية للكتاب الإيطالى ( كيف نفهم التصوير ) لمؤلفه ليونيللو فنتورى وشارك فى العديد من الدراسات وقد أصدرت جمعية محبى الفنون الجميلة كتابا عن أثره فى الحركة الفنية المصرية شارك فى تحريره وتقييم لوحاته الفنانون : سعيد الصدر وشفيق رزق ويوسف همام ويضم مجموعة أعمال الفنان فى التصوير ويعد مرجعا لحياته وأعماله والحركة التشكيلية المصرية خلال فترة حياته .
- يؤمن د. محمد عزت مصطفى بأن الفن إذا كان إنسانيا بطبيعته فإن الإنسان اجتماعى بفطرته ومن هذا كان للفن وظيفة اجتماعية تهدف الى النهوض بالمجتمع والى تهيئة السبيل لرفع مستواه وصقل أذواقه ومشاعره فإذا ما هدف الفن الى إثارة الغرائز كان عملاً هداماً وإذا ما اقتصر على تسجيل أشكال الناس والظواهر الكونية دون تبصير بمبادئ الحق والخير والجمال كان جسدا بلا روح، وإذا ما تركز على إبراز المهارات كان حرفة وصناعة ، أما حين يكون عرضا للخبرات وغرسا لمبادئ الحق ونتاجا مصطبغا بالحيوية وتحليلا دقيقا لمشاكل الإنسان متميزا بنفاذ البصيرة وإحياء للقيم الروحية السامية وداعيا للهداية والسلام ، حين يكون أمره على ما تقدم كان فنا إنسانيا بحق !
- يقول الفنان الراحل : يجب أن نضع مبادئ فننا من وحى قوميتنا وتاريخنا وأمجادنا ونضالنا وأمالنا لا أن نأخذ بما يأتى به الغير إلينا دون بصر بنتائجه، ولست أقصد بهذا أن نصد كل آت إلينا من أفكار أو أن نغلق المنافذ عل أنفسنا أو نغمض أعيننا عن تجارب غيرنا، بل أقصد بها حماية ذاتيتنا من أن تذوب فى المحاليل السامة ومن أن تتلاشى فى التيارات الجارفة الضارة فمرحى بالنسمات المنعشة تهب علينا من كل مكان وبالأزهار الفاتنة تنمو على أرض الكنانة من كل الألوان وبالألحان يترنم بها الإنسان بكل لسان .
- ويؤمن الفنان أن الفن عمل له بنية يبتدعها الفنان من وحى تجاربه وعلاقاته ويعبر فيها عن انفعالاته ويحملها رسالة الى شركاته فى الحياة الى الناس والى التاريخ مع تسليمه بأن الفن تجربة نفسية تفصح عن نفسها من خلال التعامل مع القيم الفنية بأسلوب خاص يحدد طريقة التناول ومواجهة المشاكل وكذلك بأنه الشحنة الوجدانية التى يفرغها الفنان فى انفجار طاقة وضعت الفنان وجهاً لوجه أمام قوى الكون الأولية .
- يعتبر الفنان د. محمد عزت مصطفى من أبرز الثانى فى الحركة التشكيلية المصرية وقد تبنى عام 1932 فكرة قيام رابطة من الفنانين المصريين تهدف الى تخليص الحركة الفنية من كل المؤثرات الاجنبية وذلك من خلال فكرة قومية الفن وكانت هذه الرابطة هى أول تجمع فنى مصرى فى ذلك الوقت .
- لقد تنوعت جهود الفنان فى مجال خدمة الفن فى ميادين عدة فقد أسهم فى الترميم لبعض القصور الأثرية وكذلك مثل مصر فى العديد من المحافل الدولية فى معارض فنية فى السودان عام 1952 وفى الصين عام 1956 كما سافر الى سوريا لحضور اجتماعات اليونسكو عام 1947 وقد رسم العديد من المناظر والمشاهد فى تلك الأماكن بالإضافة الى إيطاليا التى ابتعث إليها ولبنان والجزائر .
- ستظل أيادى الفنان محمد عزت مصطفى البيضاء على الفن والفنانين فى مصر خالدة من خلال تنوع إسهاماته فى هذا المجال والتى تجعلنا نحنى قاماتنا لهذا الفنان .
د. محمد الناصر
مجلة نصف الدنيا 2003
فى الذكرى المئوية لميلاده والثامنة والثلاثين لرحيله محمد عزت مصطفى .. كانت حياته فن وفنه حياه
- تحل الذكرى الثامنة والثلاثين لرحيل الفنان الكبير محمد عزت مصطفى فى الخامس من هذا الشهر ، كما تحل الذكرى المئوية لميلاده فى يوليو المقبل ، وهو اسم لمع فى سماء الفن التشكيلى فى مصر مع بزوغ شمسه المصرية فى أوائل القرن مبدعاً وعلى مسطح القماش بفرشاته المليئة بالمشاعر والحيوية وعلى مسطح الورق بقلمه ناقداً ومحللاً وفيلسوفاً ومفكراً ومترجماً ومؤرخاً وقد كان يؤمن أن العمل هو القيمة الحقيقية للحياة وأن رقى الأمم يقاس بتقدم فنونها كما كان يؤمن بأن الحياة فن والفن أقدم من الحياة فقد طبع الله الإنسان على غريزة حب الجمال وصاغ الله الكون على الجمال ودعا إلى التأمل فيه وتمثل معانيه ومن هذا المنطق كانت إبداعاته.. - إنه صاحب مسيرة جعلت من حياته فناً ومن فنه حياة ، مسيرة حافلة بالإبداع الحقيقى فهو يمتلك مشاعر فياضة وظفها فى خدمة الفن والفنانين بحكم مناصبه المتعددة التى شغلها ، فقد كان وكيلاً لوزارة الثقافة وقام بمتابعة المعارض الفنية وافتتاحها كما عمل وكيلاً للإدارة العامة للفنون والمتاحف ومديراً للخدمات الفنية بمصلحة الاستعلامات ومديراً لمتحف الفن الحديث ومديراً للإدارات الفنية بدار الكتب وكان لإجادته اللغتين الإيطالية والفرنسية والصينية كذلك أثر كبير فى حركة الفن المصرى فقد قام بترجمة كتب مهمة يستعين بها الباحثون فى مجال الفنون التشكيلية مثل قصة الفن التشكيلى فى ثلاثة أجزاء وكذلك كتاب ` كيف نفهم التصوير لمؤلفه الإيطالى ` ليونيللو فنتورى ` وترجم عن الفرنسية التذوق الفنى وقام بكتابة ` ثورة الفن التشكيلى ` الذى أهداه للرئيس جمال عبد الناصر ، وكان عزت مصطفى أول مدير لقوافل الثقافة ، كما ترك عدداً من المخطوطات لكتب أخرى كان يعدها للنشر قبل وفاته ومن أهم إنجازاته - إلى جانب أنه أحد مؤسسى جمعية محبى الفنون الجميلة - أنه تبنى فكرة إقامة رابطة للفنانين المصريين استهدف منها تخليص المراكز الفنية الرئيسية من القوى الأجنبية المتحكمة فى قضايا شباب الفنانين ، ونادى فى ذلك الوقت - عام 1932 - مع العديد من زملائه من الجيل الثانى بفكرة القومية فى الفن ، وهذه الرابطة كانت شراره التجمعات والجماعات الفنية التى تلتها بعد ذلك وكانت له جهوده فيها مع الفنانين : عبد العزيز فهيم وحسن محمد حسن والمثال أحمد عثمان والخزاف سعيد الصدر والتى كان لها أكبر الأثر على حركة الفن التشكيلى منذ ذلك الحين وحتى الآن فهم باكورة الفنانين المصريين الذى حملوا شعلة الفن التشكيلى بعد أن شغلوا أماكن الأجانب كأساتذة فى مدرستى الفنون الجميلة والفنون التطبيقية ، وقد لعب الفنان محمد عزت مصطفى دوراً تنويرياً فى نشر الوعى الفنى والثقافى بين الجماهير من خلال مؤلفاته وندواته ومحاضراته ترك من خلالها أثراً جليا لتظل أياديه البيضاء ممتدة على حركة الفن التشكيلى حتى اليوم . -عين الفنان أستاذاً لتاريخ الفن بكلية الفنون التطبيقية بعد عودته إلى مصر عام 1931 بعد ابتعاثه عام 1927 للحصول على إجازة الأكاديمية الملكية بروما فى تخصص التصوير وهو ما يعادل درجة دكتوراه الفلسفة فى العلوم وذلك بعد تخرجه وحصوله على المركز الأول على دفعته فى كلية الفنون التطبيقية عام 1926 . - وقد أرسى محمد عزت مصطفى قواعد النقد الفنى ليصير أستاذاً لمادتها فى المعهد العالى للفنون المسرحية والمعهد العالى للسينما ، وقد ظل فناننا كأستاذ فى كلية الفنون التطبيقية عاما كاملا وتتلمذ على يديه نجوم الحركة الفنية الآن مثل فنان الباستيل محمد صبرى وسعيد خطاب ونازك حمدى وعزت جمال الدين ومحمد عبد الله الجمل ، كما أسهم فى ترميمات القصور الأثرية والتى تتطلب وعيا وموهبة يمتلكهما الفنان . - ولد محمد عزت مصطفى بالقاهرة فى 7 من يوليو عام 1907 فى حى باب الفتوح الزاخر بالمؤثرات الشعبية والمصرية فرسم باب الفتوح وخان الخليلى ومدرسة قلاوون فى الستينات ورسم ميدان التحرير عام 1953 وشارك بهذه اللوحة فى معرض الفن المصرى المعاصر الذى أقيم فى الصين وافتتحه رئيس وزراء الصين آنذاك شو إين لاى عام 1956 وضم المعرض أعمال مجموعة كبيرة من الفنانين المصريين منهم محمود مختار وأحمد عثمان وجمال السجينى وجاذبية سرى وسيد عبد الرسول وعبد السلام الشريف وسيف وأدهم وانلى وأحمد صبرى ونبيلة حافظ وسعد الجرجاوى وحامد عويس وحامد ندا ويوسف أحمد وسعيد الصدر ، كما رسم عزت مصطفى العديد من الأعمال فى الطبيعة الصامتة تميزت بالأسلوب المتفرد فى استخدام الألوان وعجائنها ذات الملامس المتنوعة فى فهم ووعى بالشكل وإظهاره من خلال اللون ومن هذه الأعمال آخر عمل قام بإبداعه رسم فيه أدواته التى كان يستخدمها فى الرسم وملابسه وكأنه أحسن بخاتمه المطاف فأراد أن يعبر عن وداعه بأغلى ما يملك من وسائل الإبداع والتى رافقته مشوار حياته والتى كان لها أكبر الأثر فى إبداع أعماله التى عبرت عنه وخلدت اسمه فى عالم الفن التشكيلى العربى ، وله العديد من المناظر التى رسمها فى ايطاليا والصين وسوريا ولبنان والجزائر ، وكذلك الوجوه التى رسمها لأفراد أسرته : زوجته وأشقائه وابنائه وسجلت لوحاته العديد من الوقائع والأحداث الوطنية التى مرت بها مصر مثل ثورة يوليو ونكسة 1967 وحرب الاستنزاف، ويقتنى متحف الفن الحديث بالقاهرة أربعة أعمال للفنان محمد عزت مصطفى : منظر من الجزائر عام 1958 ، ساحة فى مدرسة قلاوون عام 1967 داخل المسجد 1968 ، ابنة الفنان ` رفيدة ` رسمها عام 1969 وعن أعماله يقول د . ثروت عكاشة : ` كانت الطبيعة أستاذ عزت مصطفى ، فاضفت على أعماله نضارة صمدت أمام الزمن وبقيت حتى اليوم نابضة بالحياة على مدى الأيام ، كان بوسع هذا الفنان أن يقنع بما لقنه عن مهنة التصوير والنسيج فى المعاهد المصرية ، ولكنه كان ينظر إلى إيطاليا بوصفها الينبوع الثرىً للفن فآثر أن يواصل مهمة التحصيل فى موطن الحضارات الكلاسيكية القديمة التى كان يعرفها حق المعرفة فيما طالعه من مؤلفات. وما من شك فى أن هذا الفنان المتميز حين كشف عن ذاته فى لوحاته كشف من حيث لا يدرى عن كل تجاربه فى المجتمع الذى يعيش بين ظهرانيه ، غير أنه مهما بلغ تأثره ببيئته فإنه لا يأخذ منها إلا المادة الخام الضرورية التى لا يلبث أن يطبعها بطابعة الخاص قبل أن يحيلها إلى إنجاز مرئى. كان يتطلع إلى العالم من حوله على أنه خليط ضخم من أوراق الأشجار والأزهار وجداول المياه والحقول ، وبما ينطوى عليه من قنوات ذات ضفاف مخضرة ومياه صافية وشفافة ، فلقد كانت ملاحظته الدقيقة للطبيعة ومعارفه العلمية لا تتركان له فرصة اللجوء إلى الخيال وإن أكسبته حساً مفارقاً ، ومع ذلك كان يلجأ بين آونة وأخرى إلى الواقعية حين لا يجد مناصاً منها ، ويعدل عنها حينما يجد ما يفرض عليه هذا العدول ، وكان يحاول أن ينظر إلى العالم نظرة جديدة كأنه يراه للمرة الأولى . - وتشهد أعمال عزت مصطفى - غير ما ذكرت - على ابتهاجه بحياة الناس، ولا سيما تصوير أفراد أسرته التى تشمل السيدة قرينته وأبناءه وبناته ومن يتطلع إلى تلك البورتريهات الحميمة المؤثرة يفطن على الفور إلى سيال روحى يتدفق جيئه وذهاباً بين الفنان ونماذجه يحتشد بشحنه جارفة من الشوق والحب والحنان ولوعة الفراق المحتوم، فإذا هو يجتر فى ذاكرته مقولة ` نيكوس كازنزاكس ` الأديب والمفكر الشامخ خلال القرن العشرين : ` حين نقف مبهورين أمام جلال عمل فنى نحس أن متعتنا يتهددها فراق أبدى يحوم حول رءوسنا ، وندرك أننا لا نملك غير لحظة واحدة من الخلود ألا فلنسرع إذن باغتنام هذه اللحظة قبل أن ينتزعها منا الفناء ، فليس ثمة شكل آخر الخلود `. - لقد كانت أعماله مزيجاً من الواقعية والتأثيرية وتميزت بهندسة التشكيل وحبكة التصميم وحيوية الألوان وشرقية الطابع وظل يعمل ويكتب ويبدع ليمثل مصر فى العديد من المعارض الدولية ، وفى اجتماعات اليونسكو حتى رحل فى الخامس من أبريل عام 1969 ، وأقيم معرض لأعماله بعد رحيله فى قصر ثقافة قصر النيل افتتحه سعد الدين وهبه فى الثانى والعشرين من أبريل عام 1975 وكرمته وزارة الثقافة المصرية العام الماضى كأحد رواد الفن الراحلين وبهذه المناسبة قام متحف الفن الحديث بالقاهرة بعرض مجموعة من أعماله التى يقتنها وهو المتحف الذى تولى محمد عزت مصطفى إداراته فترة غير قصيرة .
نصف الدنيا 1/ 4/ 2007
د. محمد الناصر
الضوء والشكل المعاكس ..
عندما نتحدث عن الضوء يتعين علينا تحديد مصدره ونوعه ومدى تأثيره على اللون وموجاته التى تأتى للعين بفعل الضوء وحجمه وقوته ولونه وإن كان طبيعياً أم صناعياً ، فالضوء فى أعمال الفنان الراحل `محمد عزت مصطفى 1907-1969 ` ضوء آتٍ من السماء المفتوحة بفعل أشعة الشمس الضاربة فى كافة أنحائه ، تخرج الفنان من مدرسة الفنون والزخارف المصرية العام 1926، وبعد ذلك درس فنون الزخرفة والتصوير فى روما الذى عاد منها العام 1931ومنذ ذلك العام قام بتدريس مادة تاريخ الفن فى كلية الفنون التطبيقية حتى العام 1948. ثم عين فى مراقبة كلية الفنون الجميلة كمدير مساعد لإدارة الفنون الجميلة، انتمت معظم أعماله الفنية إلى فنون المنظر والوجه بأسلوبه التأثيرى، لذا كان للضوء فى أعماله محورُُ أساسىُُ فى صياغته ومعالجاته اللونية لاعتماد هذا الاتجاه فى المقام الأول على تأثير الضوء المتغير والمتحرك فى الطبيعة ، وفى لوحته `منظر طبيعى` الأفقية الوضع نتأمل جزءا مركباً من عناصر مختلفة فى قلب نيل مصر الحى فنشاهد المراكب الشراعية ذات الصوارى الممتدة للسماء لتتقاطع مع نهاية اللوحة من أعلى كأنها تنطلق خارجها إشارة لجاذبية السماء المفتوحة ببلاغة وخيال خصب تاركاً للخيال أبعاده ومشيراً لإعمال العقل فى تكامل غير مرئى، والضوء الحانى على المياه المنبسطة والتى تكاد تعكس كل شىء فى كونياتها بفعل سكون الرياح ليجعلها سطحاً زئبقياً عاكساً حالماً، ويضيف بعداً وعمقاً يستدعى فينا الخيال والبهجة عندما نشاهد السماء والسحب والأشجار والمراكب الشراعية، كلها معكوسة بفعل السطح الأملس الساكن للمياه ، وجدير بالإشارة هنا أنه عندما تأتى الرياح بقياسات سرعة مختلفة تتنوع معها قياسات المشهد المعكوس فى المياه .. كلما زادت سرعة الرياح كلما قضت على السطح الزئبقى وبالتالى يختفى ويتموج ويتفتت معها المنظر المعكوس .. وكلما تباطأت سرعة الرياح كلما زاد وضوح العناصر المعكوسة على سطح المياه .. وكل حالة من هذه الحالات تحدث تأثيرات جمالية تثير دهشة الفنانين وولعهم بهذا التنوع المتحرك والمتزامن مع حركة الضوء وقوته وضعفه، فالضوء هنا فى أعمال الفنان محمد عزت مصطفى ضوء حقيقى والآخر تمثيلى معكوس فى توحد وتكامل عند السطح الزئبقى للحياة تتفاعل من خلالهما درجات عليا من الشفافية الروحية والعمق الذهنى ، وعندما يتلاقى سطح النيل بالضوء الذهبى تتلألأ الروح وتتنامى الحياة وتتألق الذاكرة البصرية .
أ.د./ أحمد نوار
جريدة الحياة - 2004
فى ذكرى رحيل أحد رواد الفن التشكيلى المعاصر.. محمد عزت مصطفى تبنى فكرة إقامة رابطة الفنانين المصريين
- محمد عزت مصطفى أسم لمع فى سماء الفن التشكيلى فى مصر مع بزوغ شمسه المصرية أوائل القرن الماضى مبدعاً على مسطح القماش بفرشاته المليئة بالمشاعر والحيوية وعلى مسطح الورق بقلمه ناقداً ومحللاً ومفكراً ومترجماً ومؤرخاً .
- كان الفنان الراحل يؤمن بأن العمل هو القيمة الحقيقية للحياة وأن رقى الأمم إنما يقاس بتقدم فنونها كما كان يؤمن بأن الحياة الفن وأن الفن أقدم من الحياة - فقد طبع الإنسان على غريزة حب الجمال وصاغ الله الكون على الجمال- ودعا إلى التأمل فيه وتمثل معاينه ومن هذا المنطلق كانت إبداعاته .
- تبنى محمد عزت مصطفى فكرة إقامة رابطة الفنانين المصريين التى كانت شرارة الجماعات الفنية التى تلتها بعد ذلك والتى كان لها أكبر الأثر على حركة الفن التشكيلى منذ ذلك الحين وحتى الآن .
- لعب الفنان الراحل دوراً تنويرياً فى نشر الوعى الفنى والثقافى بين الجماهير من خلال مؤلفاته وندواته ومحاضراته ترك من خلالها أثراً جلياً لتظل أياديه البيضاء ممتدة على حركة الفن التشكيلى حتى اليوم .
- عين الفنان أستاذاً لتاريخ الفن فى كلية الفنون التطبيقية بعد عودته إلى مصر عام 1931 بعد ابتعاثه عام 1927 للحصول على إجازة الأكاديمية الملكية بروما فى تخصص التصوير وهو مايعادل درجة دكتوراه الفلسفه فى العلوم وذلك بعد تخرجه وحصوله على المركز الأول على دفعته فى كلية الفنون التطبيقية عام 1926 .
- تولى الفنان الراحل خلال مسيرته الفنية مناصب عدة كان آخرها وكيلاً لوزارة الثقافة فى عهد الوزير الدكتور ثروت عكاشة حيث عمل وكيلاً للإدارة العامة للفنون الجميلة والمتاحف ومديراً لمتحف الفن الحديث ومديراًَ للإدارات الفنية بمصلحة الاستعلامات وبدار الكتب وكان أول مدير للقوافل الثقافية، كما مثل مصر فى العديد من المعارض الدولية، وفى اجتماعات اليونسكو، بالإضافة إلى إسهامه فى ترميم بعض القصور الأثرية.
- أرسى محمد عزت مصطفى قواعد النقد الفنى ليصير أستاذاً لمادته فى المعهد العالى للفنون المسرحية والمعهد العالى للسينما وقد تخرج على يديه نجوم الحركة الفنية الآن مثل فنان الباستيل محمد صبرى وسعيد خطاب ونازك حمدى وعزت جمال الدين ومحمد عبدالله الجمل وغيرهم .
- سجل الفنان الراحل أعمالاً فنية عن الواقع والأحداث الوطنية التى مرت بها مصر والتى خلدت أسمه فى عالم الفن التشكيلى العربى بأسلوب مزج فيه الواقعية بالتأثيرية وأمتاز بهندسة التشكيل وحبكة التصميم وحيوية الألوان وشرقية الطابع .
- كما أثرى محمد عزت مصطفى المكتبة الفنية المصرية والعربية بالعديد من الكتب والترجمات لعل أهمها ( قصة الفن التشكيلى ) فى ثلاثة أجزاء : العالم القديم والعالم الحديث وعصر النهضة ، كتاب ( ثورة الفن التشكيلى ) والذى استعرض فيه أهم ما شهدته حركة الفنون التشكيلية من أحداث، منذ أن استلب السلطان سليم الأول وآل عثمان أمجاد مصر وما عاناه الفنان العربى من أثار حملة نابليون على مصر وحتى قيام ثورة 23 من يوليو 1952 .
- كما ترجم الفنان الراحل كتاب ( كيف نفهم التصوير ) لمؤلفه الإيطالى ( ليونيللو فنتورى ) وكتاب ( التذوق الفنى ) عن اللغة الفرنسية، وألف كتاب ( ثورة الفن التشكيلى ) والذى أهداه إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وجاء بمقدمته :
- (البطل الذى حلمت به طفلاً وتمنيته على الله شاباً وأحببته من الأعماق رجلاً وسأظل أسيره وأسير معه ما بقيت أنفاسى تتردد بين أضلعى ) .
- وقد أحتفظ ( متحف الفن الحديث ) بعدة لوحات طبيعية أبدعها الفنان من وحى الحياه اليومية فى مصر وخلد فيها عدداً من مشلهد الأحياء الشعبية مثل باب الفتوح وباب النصر ومسجد قلاوون ومسجد الحاكم بأمر الله وبعض المناظر الطبيعية بحديقة الأورمان والريف المصرى ( وميدان التحرير ) فضلاً عن بعض المشلهد فى بلاد زارها أو عمل بها مثل إيطاليا والصين وسوريا ولبنان والجزائر.
- ولم يكن عزت مصطفى فناناً منعزلاً عن مجتمعه بل كان متفاعلاً معه، متأثراً بقضاياه، مؤمناً بقيمه حيث سجات لوحاته الكثير من الوقائع والأحداث التى مرت بها مصر ، لاسيما ثورة 23 من يوليو 1952 وزعيمها ثم نكسة يونيو 1967 انتهاء بحرب الاستنزاف حتى وافته المنية فى صباح 5 من أبريل 1969 .
- كما سجل ( عزت مصطفى ) بعض أحداث حياته الخاصة لاسيما تصوير أفراد أسرته التى تشمل زوجته وأبناءه وأشقاءه وأقاربه فى لوحات معبرة عن أغوار النفس البشرية.
- وقد شعر الفنان الراحل فى أيامه الأخيرة بتعطش شديد للألتقاء بفرشاته وألوانه فحمل أدواته وأتجه إلى الأحياء الشعبية مرة أخرى ليبثها حنينه بعد أن رفعت عن كاهله أعباء الوظيفة وظل يبدع ويرسم فأنتج فى تلك الفترة القصيرة أعمالاً خالدة أجمل ما يميزها أحاسيس الشوق إلى عبق الماضى البعيد .
ابنته / نجوى عزت
مجلة نصف الدنيا - يوليو 2011
من ذاكرة الفنون كيف ننهض بالفنون الجميلة ؟
- تمر هذه الأيام الذكرى الخامسة بعد المائة لميلاد الفنان الراحل محمد عزت مصطفى (1907 - 1969) وهو من الجيل الثانى وأحد أعلام الفن التشكيلى فى مصر والوطن العربى . تقلد العديد من المناصب فى وزارة المعارف كان آخرها مدير عام الفنون الجميلة ، وقد كان مبدعا فى التصوير والتاريخ والنقد ، وله العديد من المؤلفات فى الفن أثرى بها المكتبة العربية وكذلك المحاضرات والمقالات نختار منها هذا المقال المهم الذى يمس كل المصريين الغيورين على الوطن فى هذه الأيام العصيبة التى نمر بها ، وقد عنون المقال بسؤال نحن فى أمس الحاجة لمعرفة الاجابة عنه ، ألا وهو ` كيف ننهض بالفنون الجميلة ` ؟ والاجابة كتبها فى هذا المقال منذ اكثر من نصف قرن ، وكأنه يتحدث عما نعيشه اليوم فيقول : ` ان الفن لا يزدهر الا بتشجيع الأثرياء والحكمة معا، فقد قامت نهضة الفن الحديث فى إيطاليا على أكتاف كثيرين من النبلاء الذين خلدهم التاريخ ` ويتحدث الفنان والمؤرخ عن على إبراهيم باشا الذى ترك أعظم مجموعة فى فن السجاد وفن الخزف بها قطع نادرة لا يوجد لها مثيل فى المتاحف العالمية الكبرى وكذلك مجموعة محمود محمد خليل بك صاحب أكبر مجموعة فنية من أعمال التصوير والنحت فى الشرق ، وتحدث أيضا عن حكام مصر الذين قاموا بتشجيع الفنون الجميلة منذ عهد الخديوى اسماعيل وحتى عهد الملك فاروق الذى يعتبره من أهم رعاة الفنون فى ذلك الوقت ، ويؤكد محمد عزت مصطفى دور الحكومة فى نهضة الفن فيقول: `ولا شك أن الحكومة المصرية مقصرة فى حق الفن ، فبعض الحكومات قد أنشأت مجالس عليا استشارية للفنون الجميلة واختصاص هذه المجالس هو دراسة المشروعات الجديدة من الناحية الفنية، فاذا ما فكرت تلك الحكومات فى انشاء مبنى لوزارة أو مدرسة أو مستشفى كان للمجلس الاستشارى رأيه فى اعداده وتزويده بالطرائف الفنية ذات الأثر فى جمال المبنى ، والمدارس بنوع خاص فى أشد الحاجة لحسن التنسيق ذلك لأنها البيئة التى يتعلم فيها النشء ، ولو شب كل طفل على رؤية هذه الطرائف الفنية فى مدرسته لانتقلت هوايتها الى منزله، واعتقادى - يضيف عزت مصطفى - أن لتأخر الفنون الجميلة فى بلادنا صلة بالفوضى التى تشيع فى تخطيط الشوارع والميادين وانشاء المبانى وتنسيق الحدائق ، وعلى الحكومة واجب الاهتمام بأدخال عنصر الجمال فيما تقدمه من اعمال .
- تتواكب هذه الآراء مع ما يعانيه الفنانون التشكيليون منذ سنوات - ومن خلال نقابتهم - فى اقرار قانون الـ2.5% الشهير الذى يقرر هذه النسبة للتجميل خصما من تكلفة أى مبنى لتجميله.
- ` وأنه لا يليق أن يبقى حالنا على هذا الوضع الذى لا يؤدى الى ما ننشده لبلادنا من العزة والسؤدد فى الوقت الذى تقاس به الحضارات بما تحققه الأمة من العلم والفن ` رحم الله الفنان والمؤرخ محمد عزت مصطفى الذى كانت له رؤية ثاقبة طرحها قبل ما يقرب من خمسة عقود وكأنه لا يزال بيننا يعيش حالنا ويعايش أحوالنا!.
د. محمد الناصر
جريدة الأهرام 17 أبريل 2012
لوحة (بوابة المتولى) الهدوء الشعبى عند عزت مصطفى
-عندما أنهى الفنان `محمد عزت مصطفى` دراسته لفن التصوير فى روما، وعاد إلى مصر عام 1931، وجد نفسه محكوماً بمجموعة من الأجانب المتسلطين على الحركة الفنية، فتبنى فكرة تكوين رابطة من الفنانين المصريين تهدف إلى تخليص الحركة الفنية من كل المؤثرات الأجنبية، منادياً بفكرة قومية الفن. قبل ثورة 1952، عندما كان المجتمع يغلى سياسياً، رسم `عزت` عدداً من اللوحات أبرزها لوحة الشهيد عفيفى.
- ظل `عزت` فناناً مخلصاً، أحب رسم المناظر الطبيعية بالأسلوبين التأثيرى والواقعى، وكان لنشأته فى حى شعبى تأثير واضح فى الكثير من إنتاجه، كما كان حنينه إلى تلك الأحياء يدفعه إلى تصوير مناظرها بما تحويه من بيوت قديمة، مثل لوحة `بوابة المتولى` التى يصور فيها تفاصيل البيوت والشارع والناس بهدوء فى الحركة، والاحتفاء المعروف عنه بمصدر الضوء الطبيعى الذى يأتى عادة من السماء، ليظهر تفاصيل المشهد الهادئ الذى اعتمده فى معظم لوحاته حتى لوحات المراكب والأشجار والمناظر الطبيعية، فهو يتعامل فيها مع يد الطبيعة الحنونة على الأشياء،فتظهر التفاصيل بوضوح إنسانى جمالى.
- ولد `عزت` فى 7 يوليو 1907، وتخرج فى مدرسة الفنون والزخارف ` كلية الفنون التطبيقية`عام 1926، بترتيب الأول، وساهم فى تأسيس عام 1936 رابطة الفنانين المصريين، وأسهم فى الإشراف على ترميم القصور الأثرية، وشارك فى العديد من المؤتمرات والمعارض المحلية والدولية محاضراً وفناناً ومحكماً، كما أنه أحد مؤسسى جمعية محبى الفنون الجميلة، ومثل مصر فى العديد من المعارض الخارجية وفى اجتماعات اليونسكو، وعمل أستاذاً فى كل المعاهد الفنية فى مصر، وطور مادة تاريخ الفن وجعل منها لأول مرة مادة ثقافية.
إسلام حامد
المصرى اليوم 16/ 5/ 2013
|