مرجريت نخلة
- تمارس الفن التعبيرى وتسجل الأثر المباغت الذى ينجم عن الرؤية السريعة و النظرة الفاحصة وقوة الملاحظة وتحليل العوامل التى تتأثر بها النفس بعد أن تطبع صور الأشكال عليها و القدرة على إخراج هذه المشاهدات بألوان وخطوط سريعة التنفيذ أشهر لوحاتها ( البورصة ) بمتحف الفن المصرى الحديث .
- تعتبر من أهم فنانات الجيل الثانى بعد جيل الرواد فى الفن المصرى الحديث فهى أستاذة أجيال تألقت من بين الفنانات المصريات .. أسلوبها فى الرسم يصور الواقع بلمسات تأثرية ( انطباعية ) فيه مذاق فطرى يحقق الإحساس بقوة التعبير .. لها شخصية فنية واضحة ومنذ بداية حياتها الفنية عرفت بقدرتها الفائقة فى تناول الموضوعات التى تتسم بالحركة مثل سباق الخيل و السوق .. فهى تعطى لكل شخصية تعبيرا خاصا فى الحركة وقسمات اللون - إن عنايتها بمفردات لوحاتها يجعل الشخوص تعبيرية تقترب من الكاريكاتير ... وهى تميل الى التكوين المروحى و الاشعاعى مما يحقق ترابطاً قوياً .
د. صبحى الشارونى
تعبر لوحات مرجريت نخلة عن التجمعات البشرية بمنتهى الدقة واحيانا بسخرية فلوحاتها عن البورصة تصور تكالب البشر المذهل على المال مع ملاحظة ان هذه التعبيرات قد صورتها من الطبيعة ولكن بتصرف الفنان الواعى ، فلقد كانت فنانة تملك جميع وسائل الصياغة والصفة الفنية الراقية ، وفى ذات الوقت كانت تملك فكرا مستنيرا ووعيا انسانيا راقيا .
مكرم حنين
` ذاكرة الفن ` تصدر دراسة عن التشكيلية ` مرجريت نخلة `
عن سلسلة ` ذاكرة الفن ` التى تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب لتوثيق اعمال الفنانين التشكيليين المغمورين ومن توارى منهم فى طى النسيان صدرت مؤخرا دراسة عن الفنانة التشكيلية (1908 - 1979) تحت عنوان ` راهبة الفن ` دراسة الفنان التشكيلى عصمت داوستاشى .
` نخلة ` التى اعتبرها النقاد احدى شهيدات الفن فى مصر ، فقد نهبت محتويات منزلها ومرسمها عقب وفاتها مباشرة ولم يظهر من لوحاتها وأوراقها المسروقة أى عمل الى اليوم ، لا نملك من تراثها الا القيليل من لوحاتها فى المتاحف وبعضا من الصور الفوتغرافية أغلبها بالابيض والاسود عن طريق ` نيجاتيف ` حصل علية الفنان عصمت داوستاشى منها شخصيا قبل وفاتها بست سنوات حيث اقترب منها فى سنواتها الأخيرة وأقام لأعمالها معرضا فى متحف محمود سعيد بالاسكندرية واعتمد ` داوستاشى ` فى دراستة على سرد حياتها منذ دخولها عالم الفن الجميلة فى اوائل القرن العشرين مع دعوة هدى شعراوى لاشتراك النساء فى الحركة الوطنية السياسية ، كما شاركت ` نخلة ` فى المظاهرات ضد الانجليز دون علم أسرتها وخطت أول خطواطها الفطرية تصور هذه المظاهرات ، ومن هنا بدأ عشقها للرسم فى تصوير المجاميع فى معظم لوحاتها وكانت من ابرع من صورها من فنانات وفنانى مصر ، فنانات جيلها حظى بالشهرة مثل عفت ناجى وتحية حليم وانجى افلاطون وجاذبية سرى ، إلا أن ` نخلة ` لم تأخذ حظها من الشهرة إلا القليل ويرجع ذلك اساسا لندرة اعمالها المتاحة .
عن اعمالها الفنية المبكرة كتب ` داوستاشى ` هى فنانة تميل الى الانطباعية كأسلوب فى تناول الضوء واللون ، وذلك فى لوحاتها التى عبرت فيها عن الحى اللاتينى بباريس ، ثم عادت القاهرة واقامت معرضا فى ممر بلهر فى طلع حرب بعنوان ` اللوحات الباريسية ` وعادت مرة أخرى الى باريس عام 1948 لدراسة الجرافيك وعشقت الالوان ، فى ذلك الوقت كانت قد بلغت الاربعين ولا احد يعرف إذا كانت تزوجت ام لا ، مع الوقت علمنا أنها وهبت حياتها للفن وظلت راهبة فى محرابه حتى رحيلها وحيدة منسية ويحكى ` داوستاشى ` عن مراحلها الفنية ومشاركتها فى بينالى الاسكندرية عام 1955 وكان هذا اول دورات البينالى على مستوى العالم ، فقد عرضت ` نخلة ` لوحة لوكسمبورج ولوحة ` لورد ` وتوالت مشاركتها فى كل دورات البينالى فتألقت شخصيتها الفنية بموضوعاتها الانسانية وألوانها المبهجة وتكويناتها الثرية ، منحتها مصر منحة التفرغ عام 1965 ومع تفرغها اتجهت الى الاعمال الدينية وزاد طلب الكنائس على لوحاتها وكلفتها الكنيسة بعمل 12 لوحة ذات طابع دينى ، مع السنوات عرفت ` نخلة ` انها رسامة وملونة تأثيرية لانها تعلمت من المدرسة الباريسية ومن اشهر لوحاتها المجاميع المحتشدة بالزخم المصرى والروح الشعبية ، واتجهت الى المدرسة التعبيرية ونجحت فى رسم المجاميع فى معظم لوحاتها بأدق التفاصيل واتبعت قانون الدائرة التى تجمع داخلها عناصر الموضوع وسط الصورة فى تدرجات لونية بهجية دافئة ، ابدعت ` نخلة ` روائع لوحاتها من الموضوعات التى احبتها وعشقتها ، وفى كتابة يعلن ` داوستاشى ` اسفة على انه لم يهتم أحد بتوثيق اعمال الفنانة وانه مهما كتب فلن يكون ذلك حقها فقد عاشت حياتها كلها للفن والإبداع .
سوزى شكرى
روز اليوسف- 2014
فنانة عاشت حياة غامضة ورسمت المسيح المصرى
أنثى روحانية الألوان مدينية التكوين
بالرغم من أنها عاشت حياة عزلة غامضة فإن مرجريت نخلة كانت تنظر إلى سنة ولادتها بتفاؤل وهى تفكر بما جلبته تلك السنة من تحول عظيم على مستوى التفكير فى الفن بمصر.
لقد ولدت الفتاة التى ستصبح فى ما بعد واحدة من رائدات الفن فى مصر فى السنة نفسها التى أنشأ فيها الأمير يوسف كمال من ماله الخاص أول مدرسة أهلية للفنون الجميلة بمصر.
ألا يعد ذلك قال خير جلبته ولادة فتاة فى عائلة لبنانية مهاجرة إلى الإسكندرية ؟
شهيدة الفن المصرى
أصولها اللبنانية لم تقف عائقا بينها وبين الأنغماس عميقا فى حياة المصريين ، وهو ما انعكس بقوة على فنها الذى لا تخطىء العين ملامحه المصرية .
يبدو الطابع جليا فى لوحات ابنه الجيل الثانى من الفنانين المصريين التى نفذتها بتكليف من كنيسة العذراء فى القاهرة عام 1967 .
كانت مشاهد تلك اللوحات مستوحاه من قصص الكتاب المقدس ، غير أن الفنانة أزالت من ذاكراتها الصور التى أنجزها فنانو عصر النهضة مستلهمين القصص ذاتها لتحتفى بالحياة من حولها ولتقتبس من تلك الحياة صور الناس العاديين وتضفى على وجوهم مسحة من نور لذلك لا تذكر لوحتها ` العشاء الأخير ` بلوحة دافنشى الشهيرة .
كان المسيح وحواريوه مصريين . وهو ما كان قد جرب الخوض فى غمارة فنان مصرى آخر هو راغب عياد الذى ترك الكثير من لوحاته فى كنائس وأديرة مصر .
وإذا كانت ولادتها قد جلبت حظا سعيدا للفن المصرى فإن وفاتها وحيدة عام 1979 قد فتحت الباب على مصير تراثها الفنى الذى ضاع جزء كبير منه فلم يبق إلا القليل من لوحاتها وبعض الصور التى تذكر باللوحات المفقودة .
ما لم تفصح عنه مرجريت نخلة فى حياتها أخذته معها أعمالها الفنية التى غابت بغيابها ، فلم يبق أمام نقاد الفن المصريين سوى أن ينعوها باعتبارها واحدة من شهيدات الفن فى مصر .
بين باريس والقاهرة
ولدت مرجريت نخلة عام 1908 فى الإسكندرية لعائلة لبنانية هاجرت إلى مصر من أجل العمل فى التجارة أواخر القرن التاسع عشر منذ السادسة من عمرها انهمكت فى تزيين دفاترها بالورود والزخارف والنقوش ، وهو ما أهلها حين بلغت سن الثالثة عشرة أن ترسم المناظر الطبيعية وصور الأشخاص ، الأمر الذى رأى فيه والدها نوعا من الموهبة المبكرة وهو ما شجعه على أن يزج بها فى محترف الفنانة الايطالية مدام كازاناتو التى هاجرت هى الأخرى إلى الإسكندرية .
بعد ذلك بدأت الفتاة التى تفتحت موهبتها فى إطار تعليم مدرسى منضبط فى الاشتراك فى المعارض العامة وهو ما دفع بها إلى الواجهة حين فازت لوحتها ` تكوين فرعونى ` بالميدالية الفضية لمعرض القاهرة الصناعى عام 1931.
وحين بلوغها سن السادسة والعشرين التحقت مرجريت بالمدرسة الأهلية العليا للفنون الجميلة بباريس وذلك عام 1934 بعد أن تخرجت من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة مكثت هناك خمس سنوات لتحصل بعدها على دبلوم إعداد المعلمين عام 1939.
فى باريس درست الرسم بين يدى معلم الرسم الفرنسى ساباتيه وكانت توقع أعمالها يومها برسم نخلة فى إشارة رمزية إلى اسمها فى بداية الأربعينيات كانت نخلة واحدة من معلمى المعهد العالى للفنون الأكاديمية للمرأة يومها تتلمذت على يديها فنانات ستكتب لهن الشهرة فى ما بعد من أمثال بدور لطيف وصوفى حبيب و صوفى ويصا واصف.
حين عادت نخلة إلى باريس بعد سنوات قليلة كانت امرأة أخرى لقد اكتسبت من الخبرة والدربة ما أهلها لأن ترسم المشهد الفرنسى بأسلوبها الخاص تمكنها الأكاديمى لم يخف نزعتها التعبيرية وبالأخص فى لوحاتها ` حديقة لوكسمبورغ فى باريس و ` ميدان بيغال ` و تويلرى ` .
شغفها بباريس جعلها تتردد على عاصمة النور بين حين وأخر ، فكان أن توزعت حياتها بين القاهرة وباريس وهو ما ألقى بظلال تأثيره على فنها . فالمرأة التى عرفت بغزارة نتاجها كانت تبدو أحيانا انطباعية الهوى فى محاولة منها للانسجام مع هواء باريس وفى أحيان أخرى تبدو فطرية ، كما لو أنها تعجن لوحاتها من طين القرى المصرية .
من المؤكد أن مرجريت نخلة اللبنانية ، لم تكن معنية كثيراً فى أن يكون فنها جزءاً من التراث الفنى القبطى المصرى كانت تجربة الرسوم الدينية محاولة منها لاختراق فضاءات عامة جديدة ، لم يكن الفنانون يجرؤون على العرض فيها أو التماس بجمهورها .غير أن قدرا من نوع غريب هو الذى حفظ جزء من تراث الفنانة من غير أن تخطط بنفسها لذلك وتمثل ذلك القدر فى حصول متحف مار مرقص القبطى فى كندا على عدد من لوحات الفنانة الدينية لتكون جزءا من مقتنياته إلى جانب الأيقونات والصلبان والمخطوطات والطوابع والعملات والأنسجة .
وحكاية حصول ذلك المتحف على أعمال نخلة تستحق أن تروى يقول مؤسس المتحف الذى فتح أبوابه للجمهور عام 1999 أى بعد عشرين سنة من وفاة مرجريت ، إنه أهتدى إلى الفنانة عن طريق أخيها انطوان الذى كان يقيم يومها فى مونتريال .
وبتشجيع من الأب بيير دى بورجيه الذى كان يعمل يومها رئيسا لقسم الآثار المصرية فى متحف اللوفر ، وكان قد تعرف فى وقت سابق على الفنانة .
صلاة أنقذت تراثا
توجه الرجل إلى مصر لمقابلتها فى بيتها فى الإسكندرية من أجل إقناعها ببيع إحدى لوحاتها من أجل أن تعرض فى المتحف.
حسب روايته ، فإن المال لم يكن متوفرا بين أيديهم ليتمكنوا من شراء اللوحات التى حثهم الأب دى بورجيه على اقتنائها ` لوحة واحدة تكفى ` كان ذلك هو القرار الذى سبق مفاوضات مع الفنانة انتهت إلى الفشل بسبب إصرار الفنانة على أن رسالتها فى الفن تضيق بتلك الخصوصية.
قبل أن يعود القمص إلى كندا حاملا خيبته ، اتصل بالفنانة يائسا فإذا بها تخبره انها صلت كثيرا من أجل أن تصل إلى قرارها الأخير .وكان ذلك القرار واحدا من أعظم المفاجأت السارة فى تاريخ الفنانة ، لقد قررت أن تهب لوحاتها إلى المتحف القبطى بكندا من غير مقابل .ذلك القرار حفظ جزءا من تراث فنانة تعرضت أعمالها للإهمال الرسمى عام 1940 رسمت مرجريت نخلة لوحتها ` مشهد البورصة ` . فى تلك اللوحة التى تعد الأشهر من بين لوحات الفنانة اجتمعت كل العناصر التى تشكل عالمها الفنى فعلى مستوى الأسلوب مزجت الفنانة بين الرؤية التعبيرية بجانبها الساخر وحس فطرى قلل من تأثير المهارة الأكاديمية المتكلفة ، ليبدو كل شىء كما لو أنه يحدث فى حلم.
أما على مستوى التكوين الذى جاء دائريا، فقد نجحت الفنانة فى نقل حالة الهلع التى يعيشها أبطالها وهم يتكدسون فى دوائر متراصة هى أشبه بدوائر الراقصين .
وبالرغم من طابعها المدينى فإن تلك اللوحة تذكر بطريقة أو بأخرى بمشاهد الأعراس الريفية ، حيث تختلط الأجساد بعضها ببعض .
كما فى كل لوحاتها فإنها فى لوحة البورصة التى يمكن النظر إليها باعتبارها خلاصة لتجربتها الفنية لجأت الفنانة إلى تقنيات المرزوق القديم.
هناك الكثير من التصرف الدقيق بالمفردات وهناك أيضا محاولة لافتة لضبط الايقاع من خلال حركة الأشخاص داخل اللوحة .تلك الدقة والانضباط كانا انعكاسا لرغبة الفنانة فى عدم تغليب الجانب الجمالى البحت على المعانى الروحانية التى ينطوى عليها فعل الرسم .كانت مرجريت نخلة ترسم بقوة الأنثى عالماً يتسيده الرجال.
فاروق يوسف
العرب 17-4-2016
|