فرغلى عبد الحفيظ محمد
فرغلى عبد الحفيظ والبنية الجديدة
ـ يكشف فرغلى عبد الحفيظ عن البنية الممكنة للجمال من خلال المواجهة العنيفة التى يقدمها لنا بين البسيط المتمثل فى جريد النخل وبين الخيالى المتمثل فى تجاوز الواقع إلى المستقبل وفى السابق فإن فرغلى عبد الحفيظ كان يقدم لنا مشاركات مرجأة حين كان الخيالى والمستقبلى يمثلان إشارات متواصلة للفعل الجمالى .
ـ وآنذاك كان فرغلى قد دفع بمتتابعات للعروس من خلال تجهيزات مجسمة على فراغ معد غير أن فرغلى عبد الحفيظ هذه المرة أعد لنا مجموعة من المشاركات غير المرجأة ، مشاركات فورية فى حقيقتها استباق للوقائع فى ذاتها كما أنها أيضا استباق للتجربة الواقعية ، ذلك أنها هذه المرة وعلى خلاف السابق عند فرغلى ـ ترجح كفة `الفعل `على تحليل الفعل وترجح الكشف الفورى للواقع على وصف الواقع .
ـ إن فرغلى يقدم لنا حدثاً أو ` فرضية هى فى حد ذاتها ربما تكون ` قيد التحقيق ` من حيث أنها تمثيل للعفوية التى هى تقترح نفسها لحظة التعبير بينما يتحد المشاهد فى صميمها كله حال حضورها فوق شبكية العين الناظرة .
ـ ومن هذه الزاوية فالعملية الفنية قريبة فى بعض عناصرها من روح ` الحدث ` بمعنى الـ HAPPENING وقريبة فى عناصرها الأخرى ` القصدية ` الى ما نطلق عليه تجهيزات معدة فى الفراغ INSTALLATION تلك التجهيزات التى هى بنيوية والتى هى صالحة لخلق محتوى `بيئى ` للعملية الفنية بكاملها ENVIRONEMENTAL ART .
ـ إن ما يقدمه لنا فرغلى عبد الحفيظ هذه المرة هو بمثابة رهان على صحة التجربة الفنية وهو رهان من حيث تتعرض هذه التجربة للصدمة المجهولة ولغير الممكن ومن حيث هى استباق للمستقبل برغم أنه `حالى ` واستباق للخيالى برغم أنه واقعى واستباق للفعلية الجمالية برغم فظاظة العناصر المركبة حين ننسبها إلى ينابيعها الاصلية
ـ إن ` جريد النخل ` عند فرغلى عبد الحفيظ قد تمثل الآن فى خلاصة مجملة من إشارات لبنية جديدة إلى علامات للتنبؤ .
أحمد فؤاد سليم
سجل إنسانى للنيل .. بريشة فرغلى عبد الحفيظ
- فى معرضه الجديد الذى يستمر حتى السابع من ابريل المقبل بقاعة الزمالك يؤكد الفنان د. فرغلى عبد الحفيظ ريادته فى فن التصوير ففى هذا المعرض يكسر فرغلى عبد الحفيظ توقعات الجمهور بدءا من عنوان المعرض وموضوعه وانتهاء بالتغيير شبه الكلى لباليتته اللونية التقليدية اختار الفنان فرغلى عبد الحفيظ فى معرضه الجديد `النيل` عنوانا وموضوعا ليستمر فى شغفه بالاحتفاء بالمكان دون ان يستمر فى سلسلة معارضه التى تتناول المدن والتى استمرت على مدار السنوات الماضية اسطنبول ، اسوان، القاهرة ، لندن ` ليستدعى النيل حالة لونية مختلفة غير معتادة فى معارض عبد الحفيظ التى عادة ما تسيطر عليها ألوان البنى والأصفر والرمادى الى جانب مساحات البياض الواسعة التى تتراجع فى معرضه الاحداث تماما تاركا للأسود والأزرق ودرجات الأحمر غير الصريح حق السيطرة .
- يعتمد د.فرغلى عبد الحفيظ فى المعرض على خامات تقليدية ليقدم من خلالها `كعادته` صورا غير تقليدية فباستخدام مزيج من ألوان الزيت والاكريليك على القماش ، يصور فرغلى عبد الحفيظ النيل مجردا من صوره التقليدية حيث المراكب والأشجار وتلك الصور الرومانسية ليرى زائر المعرض النيل من خلال من يحيون على ضفافه ، والمعزولين عن هذه الضفاف المحرومين منها من خلال الألوان تنتقل حالة الشخوص التى تتحول فى اللوحة الى جزء من تكوين النيل وكأن النيل هو من يحيا بهم `معكوس الفكرة التقليدية، بل والجملة التقليدية مصر هبة النيل`.
- فى اللوحات يبدو الاهتمام بالحالة أكثر من المكان فلم يكن الانبهار بالطبيعة وعناصرها وجغرافيا المكان مما يجذب انتباه عبد الحفيظ فى كل معارضه التى تحمل عناوين أماكن بل الحالة الانسانية فى هذه المدن ففى لوحة The humanity أو الانسانية تبدو اللوحة كاستكشاف لتاريخ يحيط بالنيل حيث تجلس ام نوبية تحمل رضيعها جنبا الى جنب مع سيدة شقراء تحمل ثيابها اشارات لزمن مضى تتسامران وتتبادلان هدايا ما، التضاد بين الاصفر الزاهى فى لون وثياب السيدة الثرية ، والأسود المسيطر على لون وثياب الأم النوبية يشير إلى ما يشيعه النيل من سماحة وامكانية للتعايش بين البشر مهما كانت تناقضاتهم وفى لوحة اخرى تحمل عنوان الروحانية يستعيد عبد الحفيظ عناصره اللونية التقليدية مصورا شخوصا فى مراكب محلقة فى سماء تتراوح بين الأصفر والبنى ، لا تبدو السماء سماء بل السماء والأرض أفق واحد تحلق فيه هذه الكائنات بخفة لافتة فى حين يطل من مقدمة اللوحة وجه لإمرأة تتطلع للرائى متخلصة أو غير قادرة على الوصول لهذه الحالة فلا تبدو اللوحة منفصلة تماما عن عالم الرائى بل تفتح له بوابة تواصل مع عالمها ومقاييسها الروحانية الخاصة. هذه الروحانية التى دفعت الناقد كمال الجويلى ليقول عن فرغلى عبد الحفيظ : هو حين يجرد الواقع من سماته المباشرة يعكس عالم وجدانه الخاص فى بساطة مركبة تأتى بسيطة ولكن من خلال معاناة فى البحث وهو لا يقصد الى السهل فى ذاته بل يصل إليه وبه بعد مطاف شاق يربط فيه بين الحلم والواقع `. هذا المزج بين الحلم والواقع يظهر فى العديد من لوحات المعرض من بينها لوحة تحمل اسمه `النيل` تبدو فيها عروس النيل النوبية شديدة السمرة وقد احتل جسدها وانتشرت ضفائرها فى فضاء اللوحة وفى خلفيتها مراكب نيلية صغيرة وبسيطة تتخذ شكل المراكب الشمسية الفرعونية القديمة يضىء عليها مفتاح الحياة الذى ارتدته عروس النيل السمراء فى عنقها، فى هذه اللوحة لا يظهر اللون البنى الذى صار من السمات الفنية لأعمال فرغلى عبد الحفيظ فى بقعة صغيرة كجندل نيلى كتلك المنتشرة فى جنوب أسوان ، الخلط بين الواقع والحلم أيضا يبدو فى لوحة من أجمل لوحات المعرض وحملت أيضاً اسم النيل 36 رقم اللوحة تتناقض اللوحة تماما مع اللوحة السابقة عليها `لوحة عروس النيل النوبية السابقة الاشارة اليها` ففيها يرصد فرغلى عبد الحفيظ ابن اسيوط الذى تربى على ضفاف نيل أكثر بساطة، ازدحام النهر بالفنادق العائمة الفخمة وأضوائها التى تضفى على النيل روحاً اخرى اكثر تعقيدا وأقل بساطة فى حين تقزم اميران فى مقدمة اللوحة وقد أوليا ظهريهما ووجهيهما لنهر لم يعد لهما .
-النيل فى معرض عبد الحفيظ ليس مكانا، ولا نهرا ، ولا عنصرا بيئياً وجمالياً ، بل يستشف عبد الحفيظ من النهر ما يمنحه ويستمده من سكان ضفافه من حياة، وتبدو لوحات معرضه كسجل للتاريخ الإنسانى للنيل .
عزة مغازى
جريدة الأهرام المسائى - 2010
باريس فرغلى
- قدم الفنان الكبير فرغلى عبد الحفيظ مجموعة من أعماله الفنية التى أنجزها فى باريس بقاعة الزمالك للفن، وقد أتت الأعمال كباقة ورد على صدر الحركة التشكيلية المصرية وسط صخب وضجيج ومشكلات المجتمع المصرى بعد ثورة يناير حتى أننى عندما قمت بزيارة المعرض راودنى شعور رائع بالحنين إلى شوارع باريس الجميلة وتخيلت أن الفنان قد يقصد بهذا العرض فى هذا التوقيت الساخن أمنية يدعو الله أن تتحقق وتصبح مصر بعد الثورة مثل باريس بعد الثورة الفرنسية وبعيدا عما يقصده الفنان وبصرف النظر عن الأمانى.
- ففرغلى أحد أهم المصورين المصريين المهمومين بقضايا الوطن والمتحمسين لتطوير مصر وهو يؤدى دوره هذا من خلال وجوده فى طليعة الفنانين المصريين المجددين مع تمسكه بالقواعد الرصينة للتصوير،فأعمال فناننا الكبير تعد درسا مهما لشباب الفنانين فهى تحمل الكثير من الأستاذية فى التكوين وبراعة التلوين وهما أهم أدوات المصور على الإطلاق، فلا نكاد نلاحظ فى أعمال فرغلى عبد الحفيظ أى خطأ فى التكوين الفنى رغم عدم اعتماده على نظريات التكوين المتعارف عليها فقد شعرت أمام أعماله بمدى براعته فى السيطرة على مسطح الصورة وحرفيته فى استخدام أصابع الباستيل بشكل معاصر تدعو إلى الدهشة واستطاع الفنان أن يأخذنى فى رحلة إلى جميع أحياء باريس ومشاهدها دون أن أتكبد عناء السفر بل حمل إلى وسيطا بين اللوحة وبينى كمشاهد وأستطيع أن أقول إننى تمنيت أن أصاحبه فى رحلة مماثلة لأرى كيف يتعامل هذا الفنان الكبير مع مشاهدات قد لا تستوقف المشاهد العادى وكيف يزاوج بين المشاهد وبين العمل الفنى وتذكرت أحاديثه إلينا ونحن ملتفون حوله يحادثنا عن الفن والتاريخ وعلاقة الفنان بالمجتمع وهو إلى اليوم معين لا ينبض فما إن سألته فى إحدى القضايا الفنية أو المجتمعية حتى أجابنى بكل الود والحب الذى يذكرنى بأساتذتى زكريا الزينى وحامد ندا، وفى ختام زيارتى للمعرض تمنيت أن ينتقل هذا العرض إلى باريس ليرى الجمهور الفرنسى التواق إلى الفن كيف شاهد أحد عمالقة التصوير المصرى المعاصر مدينتهم العظيمة من منظور فنان مصرى متشبع بالتاريخ والحضارة وممتلك الأستاذية التصوير، وأخيراً أدعو كل الفنانين وخاصة الشباب منهم لزيارة هذا المعرض المهم لما يمثله من درس عبقرى فى التصوير المعاصر.
د.رضا عبد الرحمن
نهضة مصر - 5 / 4 /2012
عبد الحفيظ : المرأة ( قوة المجتمع ) لذلك تسعى الأنظمة المستبدة لتدميرها
- الفنان فرغلى عبد الحفيظ، صاحب مشروع فنى واضح، يعزز فيه من قيمة مصر صانعة الحضارات ومن المرأة.. بدراسة تاريخ عبد الحفيظ الفنى نجده دائما ما يطور من أدواته فى التعبير عن مصر محتفيا بملامحها ومكوناتها الحضارية التى تبدأ مع الحضارة المصرية القديمة أو الفرعونية كما عرف عنها مارا على النوبة والصعيد.. بأسلوب تعبيرى وملخص، لم يحاول التمرد على خامة ألوان الزيت أو الأكليريلك وعلى لوحة الحامل ذات البعدين، لأنه يرى أن تغيير الشكل أو التمرد عليه ليس هو الهدف بقدر الحفاظ على الهوية وعلى التواصل المجتمعى من خلال الفن، اليوم عبد الحفيظ بكل حزم يقول فى معرضه الجديد `مصر التى أعشقها لا تموت`! لمن هذه الرسالة وكيف يصيغها فنيا فى معرضه الجديد.. أسئلة يجيب عنها فى السطور التالية.
* لمن ترسل تلغراف `مصر التى أعشقها لا تموت` ؟
-هذا المعرض يعبر عن مصر التى أعشقها والتى لن تموت، لأن الحرب القائمة الآن والأحداث تشير إلى أن هناك نزاعات كثيرة جدا تفترض أنها قد تؤثر على جاذبية مصر التى أعشقها، تحديدا منطقة `الإبداع` وهى الخاصة بالجانب الروحانى والإنسانى هو المهدد بالخطر والمهدد بضرب الروح المصرية، وهى روح فنانة، حرة، مبتهجة، طيبة، محبة، ولها صلة قوية بالمستقبل، كل ذلك يصب-فى النهاية هما علامتان ورمزان في كل أنواع الفنون وهذا هو الممثل للحرية، فالناس يتحدثون عن `الحرية` بشكل مجرد! لكن الحرية هى حرية الإبداع وحرية الاختيار وحرية التفكير، إن منحتني هذه الثلاثية فهذا يكفينى وما عداها افعل فيه ما شئتى.
* حدثنا عن مصر التى تعشقها والمتمثلة فى ` مصر النوبة ` و`المراكب النيلية`.. والمرأة التى تستوحيها دوما من ملامح نفرتيتى؟
- سأحدثك عن هذين الجانبين تحديدًا،هناك جانب فى أعمالي يرصد المنظر العام أو `Landscape` الذى يعبر عن زرقة النيل وتجاوره تماما صفرة رمال مصر، هذه التركيبة اللونية لها حضور مهم عندى وخصوصية، فالمعرض فيه جزء يخص جغرافيا مصر التى أساسها هو النيل والصحراء، لذا فإن المراكب واللون الأزرق هما علامتان ورمزان تشير إلى مصر،أيضا من ناحية التقنية ستجدين كثير من الرمال والطين مختلط مع اللون فى اللوحات وذلك لأن أرض مصر فى الأصل هى صحراء رائعة وشيقة اخترقها النيل فخلق حولها مساحة زراعية خضراء، هذه التركيبة منحت جغرافيا مصر خصوصية وتميزاً أعشقه.
- الجانب الآخر باللوحات هو شخوص معينة عبرت عنها بصورها الشخصية وهى رموز وأعلام مصرية شاركت فى صنع الحضارة المصرية الحديثة فى كل المجالات العلمية والثقافية والسياسية والفنية والاجتماعية، وهدفى من ذلك هو توصيل الرسالة بسرعة بصورتها المباشرة والواضحة، وهى أن هؤلاء عاشوا الحرية لذا خلقوا حضارة، بينما ما يحدث الآن نتيجة غياب الحريات والذى بدوره قتل الإبداع والفن أدت لما يحدث الآن على أرض مصر، لأنه ليس هناك عامل مشترك بين الناس الآن.
* حتشبسوت ونفرتيتي الحاضرتان دوما فى أعمالك ما حكايتهما ؟
-هاتان المصريتان أعشقهما جدا..فحتشبسوت هذه المرأة القوية أول ملكة مصرية..هذه الشخصية الفذة هى أول امرأة عظيمة فى التاريخ، وفى معرض المرأة المصرية عززتها جدا فى رسمها فى لوحة ضخمة خصصتها لها، أيضاً نفرتيتي هذه المصرية الجميلة اعتز بها جدا ولها حضورها الدائم فى الكثير من اللوحات، فالمرأة هى أساس قوة المجتمعات لذلك الأنظمة المستبدة والمتخلفة أول شئ تفعله هو هدم المرأة والقضاء عليها، انظري لكل المجتمعات المتقدمة ستجدين المرأة تنعم بحقوقها بينما المجتمعات المتخلفة ستجدين المرأة فيها مقهورة ومسحوقة.
* بدأت الاهتمام بألوان ودرجات لونية جديدة مثل اللون الفيروزى والأصفر الفوسفورى والروز الفاقع التى تجرأت بها فى لوحة كبيرة كاملة..لماذا تمردت لونيا ؟
-هذا صحيح فعلا.. السبب فى تقويتى للألوان وإنها `عليت ` لتكون أكثر عنفا، حتى تكون رسالتى عن مصر التى أعشقها أكثر وضوحا وحزما وقوة، فالأصفر أضفت إليه جرعة فسفورية ليكون أصفر مضيئاً، أيضا لون التركواز أو الفيروزى وهو من الألوان المصرية القديمة.
* لماذا تهتم دوما باستخدام الأقلام الزيتية لتحديد عناصر العمل؟
-غالبا ما تكون هذه الأقلام مثل الباستيل الطباشيرى بمعنى أنها تعطى ملمس أكثر نعومة وأخف، لأنها مع إضافة زيت الرسم لتخفيفها تصبح حدودها فيها اهتزازات وهذا هو ما أريده فى تخطيطاتى.
* فى معرضك `مصر التى أعشقها لا تموت` أكثرت من عجائن اللون المخلوطة مع الرمال وممكن الطين أيضا وفردها على مساحات كبيرة من لوحاتك؟
- ألوان الأكليريلك عجنتها برمال مرسى مطروح البيضاء التى لا تغير الألوان لكنها خلقت سمكا وملمسا مختلفاً على سطح اللوحة،الهدف من ذلك هو مزيد من التعبير وتعميق الإحساس بالعنصر، لأن هذه العجينة اللونية بالرمال `حرشة` وتخلق ملمساً خشناً به بروزات ونتوءات، حين سقوط الضوء عليها تخلق ظلالا وأضواء مثيرة بصريا.
* ماذا تعنى لك دهشور ولماذا اختيارك لها كمرسم خاص لك؟
- دهشور هذه أجمل المناطق وأكثرها مصرية،فهى تلخص مصر التى أعشقها لأن فيها زرقة النيل والخضرة حولها والرمال الصفراء...أول ما أصل دهشور أهدأ تماما وأصبح صافى الذهن، وأنسى كل كراكيب القاهرة .
* كم استغرق تحضيرك للمعرض؟
- حوالى سنة ونصف...
* يعنى قرأت ما سيحدث من لخبطة فى مصر منذ عام ونصف!
- لا أبدا اللخبطة حدثت منذ سنتين!.. فأحسست أننى لابد من أن أدافع عن مصر التى أحبها...فمن هى مصر التى أحبها؟ والتى يجب ألا تموت؟.. لذا فاردت أن أنبه كل الشباب الذين لم يروا مصر الحقيقية سوى بالصور والأفلام القديمة...إلى أن مصر لايجب ولن يحدث أن تموت، لأن مشكلة هؤلاء الشباب أن علاقتهم بالفن صفر! وهنا أنا أشير إلى الجميع وإلى كل القوى ليس فصيلاً بعينه، أيضا رؤية البعض إلى أن الفن حرام قدمت لهم أبو الهول والأهرامات وملامح الفن المصرى القديم الذى هو شرف الإنسانية كلها، وتعزيز لمقدرة الله الذى يخلق بشرا لديهم هذه القدرة الإبداعية التى بنت الإنسانية كلها، لأن المصريين هم أول من رسم وكتب على جدران معابده، فانظري لكل الحضارات رسموا ونحتوا فقط، لكن المصريين رسموا ونحتوا وبنوا وزرعوا وكتبوا.
* لماذا اخترت كوبرى قصر النيل ضمن لوحاتك؟
- لأنه مكان رومانسى جدا وباعتقد فيه جدا...لماذا ؟ لأن النيل فى هذه المنطقة وبهذه الكيفية فى غاية الرقة!... لذلك اهتم به موسيقار الأجيال عبد الوهاب وشوقى كتب فيه أشعاراً...فهذه المنطقة فيها أعلي درجات الرومانسية...فكل شعوب العالم حين تصل لهذا المكان يعيشون حالة من الصفاء والهدوء النفسى ومن الممكن أن تتعايش كل الإنسانية فى هذا المكان،فهؤلاء الشباب الذين يكسرون فى هذا المكان ويدمروه ليس لهم أي علاقة بمصر ولا يعرفون قيمتها ولا قوتها..أحسب أن النيل غاضب جدا علينا الآن.
* ما أسباب عزوفك عن العرض بقاعات وزارة الثقافة خاصة وأنك لأكثر من خمسة عشر عاما لم تشارك بالمعرض العام؟
- العزوف كان بسبب سوء إدارة هذه القاعات التى لم تكن قيمة بالشكل الكافى، أيضا الأعمال اللى تعرض ليس لها أى علاقة بمصر لأن الشباب أصحابها لا يعرفون مصر، فليس معنى أننى اشتريت سيارة مرسيدس أننى أصبحت متحضرا ! فلا أفهم ما معنى أن نمسك بالكاميرا وجوب الشوارع ونصور ثم نعرض ما يسمى الفيديو آرت؟! لماذا لا يعرض بقاعات السينما؟!...فأين الفن الحقيقى الموجود بمصر؟ هذه الأساليب المستحدثة خلقت فجوة كبيرة بين الأجيال، لهذه الأسباب وجدت أنه ليست هناك أرض مشتركة بينى وبين القائمين على تنظيم الفعاليات والمعارض، فلا بد أن تكون للمعارض رسالة ولديها القدرة على تحسين علاقات الناس ببعضها.
* فى الثمانينيات كونت مع الراحل النشار والدكتور أحمد نوار والدكتور مصطفى الرزاز جماعة `المحور`..لماذا لا نرى مثل هذه الجماعات الفنية الآن؟
-الفن هو القادر على توحيد الناس وهو ما غاب الآن، جماعة المحور نشأت ما بين عامى 1980، 1981 لكنها سرعان ما تفرقت، لأن الرابط الفنى بين أعضائها ضعف، وهذا بالضبط ما حدث مع الجماعة المصرية، لذا حين أتينا للإطاحة بمبارك كنا مجتمعين على هدف بعد أن تحقق أصبحنا `نعض` فى بعض، لأن الفن ضعف كثيرا فى السنوات السابقة، فالمسرح هبط والسينما والفن التشكيلى والغناء وكل شئ بشكل عام...فصالون الشباب حين تدخليه تشعرين بأنك موجودة فى أى مكان آخر من العالم، فمصر ليست موجودة وليست هناك شخصية للفن المعروض.
* ما السبب فى ذلك؟
-هذا التفتت أهم أسبابه هو الإغراق فى الذاتية والهموم الشخصية وأن أجعل من ذاتى محور الكون.
* كيف تستطيع توصيل أفكارك هذه لتلاميذك بالتربية الفنية؟
- من خلال مناقشاتى المتنوعة معهم فى الجوانب الفلسفية والاجتماعية والعاطفية، لأننى لا أدرس فقط تكنيك رسم إنما أسلوب حياة كامل، لأنها تخلق مخزوناً حقيقياً وتنمى العقل.
- أفهم من ذلك أنك لا تعترض على الأساليب الجديدة فى الفن التشكيلى؟
- بالتأكيد لا أعترض، إنما ما أقوله هو أن تكون لدى شخصية وهوية واضحة تميزني، وليس مجرد اللهاث خلف الجديد من أجله، لا بد أن يخدم مشروعى الفنى الذى لا ينفصل عن مصر، فما نراه هو تحريض خارجى للبعد عن هويتنا وشوشرة من أمريكا التى ابتكرت كل هذه الأساليب التى تبعدنا عن الفن الحقيقى وعن مصريتنا، ولقد حذرت من ذلك منذ نحو ثمانى سنوات بنقابة التشكيليين..حذرت من أن نتحول لماكينات آلية !
* ما الموسيقى التى تصاحبك أثناء تحضيرك لمعرضك ؟
- فى العموم أنا أعشق موسيقى الجاز جدا، لكن فى هذا المعرض تحديدا كنت أسمع طوال الوقت عبد الحليم حافظ ! لأستحضر مصر الجميلة التى أعشقها والفترة الفخمة من تاريخها الحديث.
* هل خططت لمعرضك المقبل؟
- معرضى المقبل سيكون اسكتشات عن المدن التى زرتها مثل البتراء وفلورنسا وباريس وطبعا مصر... والحقيقة أريد أن أعزز من قيمة الاسكتش التى تناساها الكثيرون.
تغريد الصبان
روزاليوسف - 27 /3/ 2013
مصر التى يعشقها فرغلى عبد الحفيظ .. لا تموت
- اختار الفنان التشكيلى فرغلى عبد الحفيظ عنوان مصر التى اعشقها لا تموت ليعبر عن إيمانه المطلق بأن الأزمات التى تمر بها مصر الآن لن يكون لها أثر بالغ أو فاعل فى تاريخها بالغ النصاعة الذى يحاول البعض تلويثه أو طمسه بالتعامل مع مصر وكأنها بلد لا تعرف الأديان ولا محاسن الأخلاق ويحاولون كتم أنفاس أبنائها والتناحر من اجل إبطال طاقاتهم الإبداعية الخلاقة وكأننا نبدأ من العدم ويؤمن الفنان بأن مصر أعظم من كل هذه التوجهات السلبية التعيسة الظالمة والمظلمة فمصر لن تموت لأنها خالدة أزلية .
- هذه الرسالة استطاع الفنان توصيلها إلى رواد معرضه المقام حاليا بقاعة الزمالك للفن والذى صور فيه مصر تحتضن أبنائها المبدعين فى الفن والاقتصاد والعلم والسياسة وكل المجالات مصر بنيلها وخيرها مصر الباقية على مر الزمان القادرة على تجاوز المحن ومواجهة الفوضى والأزمات .
- والفنان فرغلى عبد الحفيظ من مواليد ديروت أسيوط عام 1941 وهو من رواد الفنانين التشكيليين حصل على بكاليوريوس التربية الفنية عام 1962 ودبلوم أكاديمية الفنون الجميلة فلورنسا إيطاليا 1968 وهو أستاذ بقسم التصميم بكلية التربية الفنية جامعة حلوان وقد شارك د. فرغلى فى أكثر من 20 معرضا محليا وعالميا كما ساهم فى تأسيس جماعة الفنانين الخمسة عام 1963وجماعة المحور عام 1981ومن أعماله تصميم ديكورات أوبرا عايدة براغ 1994 وقد حصل على جائزة أولى ببينالى القاهرة الدولى الثالث تصوير 1988 وحصل على جائزة لجنة التحكيم ببينالى القاهرة الدولى الخامس 1995وحصل على جائزة بينالى الإسكندرية لدول البحر الأبيض المتوسط فى الحفر على الجناح المصرى 1970 وحصل على جائزة الدولة التشجيعية فى الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية عام 1976 وحصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى .
- ينظم ندوة عن تجربة الفنان الدكتور فرغلى عبد الحفيظ بقاعة السينما والمحاضرات فى السابعة مساء يوم الثلاثاء القادم .
- تقول إيناس حسنى مدير مركز الجزيرة للفنون التابع لقطاع الفنون التشكيلية عنه : إنه مغرم بالأماكن التى لها مكانة مميزة فى ذاكرته ووجدانه وتجربته الفنية فهو قد سبق وأن تناول مدينتى الإسكندرية وفلورنسا فى معارض سابقة.
- وأضافت أن الولع بالبحث فى ذاكرة الأماكن والبلدان عند فرغلى عبد الحفيظ تسانده تجاربه الخاصة ومعايشته الذاتية فكل مكان عنده لديه مذاق خاص وذكريات بعينها تتحول لديه مع الوقت إلى مفردات وعناصر بصرية لا يهدأ باله ولا يستقر إلا بعد أن يسجلها بطريقته الخاصة التى بدت فى الفترة الأخيرة من مشواره الفنى أكثر عفوية وتلقائية .
- وعن أعماله يقول الناقد الدكتور أحمد نوار ` فرغلى نشأ فى قلب الحضارة المصرية وتمركزت فى ذاكرته روافد الحضارة غير المسبوقة بين حضارات العالم القديمة بل تعد تجربته `الإنبثاق ` نهجا جديدا وصياغة غير مسبوقة فقد اعتبر الفراغ الكونى جسدا ملموسا باستدعاء العناصر المنبثقة من داخل هذا الكيان.
- وقد استطاع الفنان أن يرسم ملامح الإنسانية فى أعماله خلال رحلته بين أروقة الفن التشكيلى التى قاربت نصف قرن من الزمان وفى تجربة الدكتور عبد الحفيظ أشياء وملامح شتى تستحق الرصد والتسجيل ولكن أهم ما فيها أنها بحق شهادة إنسانية فريدة على عصر يمور بالأحداث والمستجدات التى لا تتوقف فقد استطاع هذا الفنان أن يلفت النظر لتجربته الفنية بصفاء ولعل انتماءه للصعيد المصرى وامتزاجه بالحضارة الأوربية ألغيا كل مسافات بين الإنسان والإنسان هناك لتتجسد لغة الحضارة الإنسانية وأن تعددت صورها وأماكنها وأزمانها لنكتشف سرا من أسراره وهو اختزال المسافات الزمنية للإلتقاء فى نقطة الأصل التراب .
نجوى العشرى
القاهرة - 16 / 4 / 2013
فرغلى عبد الحفيظ - العشق لا يزال فى قلبى
- هو فنان مولع بتراث مصر، حضارتها ودورها التاريخى، وفى الوقت نفسه شديد التعلق بمستقبلها الذى يصر على أنه سيحمل الكثير من الإبداع والعطاء للإنسانية، رغم الانتكاسات والأحزان التى تعاقبت على مصر.
وفى معرضه الجديد المقام الآن بجاليرى الزمالك للفن تحت عنوان `مصر ستعاود العطاء` يقدم لنا الفنان فرغلى عبدالحفيظ، مجموعة من روائعه الفنية المشرقة بالأمل والتفاؤل واليقين بقدرة مصر على تجاوز كل الهموم والأزمات.
يأتى عنوان المعرض وموضوعه الصريح المباشر انطلاقا من فكرة أن الظروف الحالية للوطن تستدعى ضرورة أن نذكر الجميع كما يقول `عبد الحفيظ`، بأن مصر أعطت الكثير فى الماضى ليس لأبنائها فقط إنما للإنسانية كلها، فى مختلف مناحى الحياة وفى مقدمتها الرسم والعمارة والموسيقى والأزياء والطب والفلسفة والفلك والزراعة والكيمياء وغيرها، واستمر ذلك لعصور كثيرة.
وأضاف أنه أثناء ذلك حدثت انتكاسات وفترات اضمحلال ضعف فيها العطاء، لكنها كانت تقوم من جديد أكثر قوة وحضورا لتواصل عطاءها، فمصر هى أول من أعطى وأول من رسم ملامح التحضر لكل العالم شرقا وغرباً، لذلك على سبيل المثال فى إيطاليا تضم كتب الأطفال فى المرحلة الابتدائية بدايات المعرفة بمجالاتها المختلفة وفى كل مجال يذكر اسم مصر، أى يعرفون الأطفال حقيقة أن أول البدايات فى كل المعارف هى فى مصر.
ويضيف أن مصر ستستطيع التقدم ومواصلة إبداعها، وأن المتأمل للوحات المعرض يكتسب قدرا كبيرا من التفاؤل وتصله رسالته فى بث الأمل الضرورى لتحدى المرحلة الراهنة، موضحاً: `لا أرى أنه ينبغى للفن أن يكدر المتلقى، أو أن يفقده الثقة فى نفسه`.
فى اللوحات يظهر واضحا الاهتمام بالشخوص.. مشاعرهم وأحوالهم وتواصلهم مع بعضهم البعض أكثر من اهتمام الفنان بالمكان على العكس من معظم معارضه السابقة، فهو لا يعنيه هنا الطبيعة أو الجغرافيا فى حد ذاتها، إنما يهتم بالكيان المصرى.. الشعب وعلاقته بوطنه وحضارته وماضيه ومستقبله.
ومن هنا تجد فى لوحاته حالة من التواصل الجميل بين شخوصه التى تمثل أحيانا حشوداً أو مجموعات فى فضاء اللوحة فى رمز للإرادة الجماعية والالتقاء على حلم واحد هو استعادة مصر لمكانتها وعافيتها لتواصل عطاءها وإبداعها، وتلاحظ أن الاختلاف الواضح بين ألوان الشخوص ما بين الأصفر الزاهى والوردى القوى والأسود القاتم على سبيل المثال إنما يوحى أنه مهما كثرت الاختلافات والتناقضات والاتجاهات بين المصريين فإنه يمكن التعايش والتواصل والتعاون من أجل ذلك الهدف.
وتلاحظ أيضا الحضور القوى للمرأة فى اللوحات كشريك أساسى فى العطاء للمجتمع وفى منحه القدرة على الإبداع والتقدم، ويأتى ذلك تماهيا مع التقدير المعروف الذى يكنه فرغلى عبد الحفيظ للمرأة واحتفائه بدورها فى الحضارة الفرعونية.
وتسكن اللوحات وعددها 34 لوحة رموز وتفاصيل مصرية عديدة فى مقدمتها الآلات الموسيقية خاصة الهارب فى رمز لضرورة إعادة انتاجها باعتبارها اختراع مصرى بدلا من استيرادها، وريشة الأخلاق والعدل، أى ريشة (ماعت) التى كانوا يزنون بها قوة الإنسان، ومجموعة من الرسوم الفلكية باعتبار أن المصريين هم أول من قسموا السنة والشهور والأيام.
ويعلق الفنان على ما يردده البعض من أن نترك الماضى ونتجه للمستقبل وحده قائلاً: `لا يوجد حاضر أو مستقبل دون اهتمام بالماضى واستيعابه، خاصة عندما نكون بصدد الحضارة المصرية لأنها حضارة إبداعية لا حضارة تأثر أو نقل، واستخدم الفنان ألوان (الإكريليك) التى عجنها بالرمال لتصنع سمكا وملمسا مختلفاً على سطح اللوحة، الذى يمنحها مزيدا من العمق والتأثيرات القوية وتسمح حين يسقط الضوء عليها بخلق ظلال وأضواء جاذبة للبصر.
وكعادته يلجأ إلى الميديا المركبة من عناصر وخامات مختلفة فبالإضافة إلى الرمل وألوان (الإكريليك) يستخدم الزيت الجاف، ويواصل الفنان استخدامه للألوان القوية الحادة شديدة الزهو مثل الوردى او الأصفر ليحمل لوحاته رسالة قوية واضحة مفادها أنه لا استسلام أو كسر للإرادة إنما سيبقى التفاؤل موجودا تجاه الغد الأفضل.
أما اللون الفيروزى ولون الطمى فهو يستعين بهما كألوان مصرية قديمة فى عودة وتواصل مع الماضى الذى يرى أنه دونه لا يمكن أن نعرف طريقنا الصحيح تجاه المستقبل، كما أنه يمثل استلهاما من الطبيعة فعندما ننظر إليها نجد الطمى تخرج منه زهور ذات ألوان قوية مبهجة، فالله صانع لهذا التناقض الجميل والتناغم فى الوقت ذاته، ما يجعل الإنسان أكثر قوة ورغبة فى النضال بدلا من حالة الاكتفاء التى تتسبب فى انكماش طاقته الإبداعية.
ندى على
المصريى اليوم : 25-3-2017
فرغلى عبدالحفيظ فارس التعبيرية المصرية
الفنان حرص في أعماله على أن تعكس ملامح بيئته الأصلية وهويته التي ارتبط بها.
ولد الفنان فرغلي عبدالحفيظ عام 1941 في صعيد مصر. حرص الفنان في أعماله على أن تعكس ملامح بيئته الأصلية وهويته التي ارتبط بها مرورا بآخر معارضه الخاصة بجاليرى الزمالك للفن `إلهام اللون الأصفر` في شهر مارس/آذار 2021، وما قبلها من معارض سابقة مثل، إيحاءات اللون الوردي، مصر ستعاود العطاء، روما ... فرغلي، أثينا فرغلي، مصر التي أعشقها لا تموت، باريس فرغلي، النيل، لندن فرغلي، وغيرها من المعارض العديدة سواء كانت معارض خاصة أو جماعية أو دولية، وغيرها كلها كانت تعكس رؤى وقناعات الفنان المصرية، وتعكس بشكل واضح ومباشر الملامح والمعتقدات الخاصة بالفنان من خلال أعماله، فمنذ نشأته في ديروط صعيد مصر ولدت البداية التي شكلت الإنطلاقة الأولى لتجاربه الفنية، وحددت رؤيته التشكيلية بحثا عن جذوره الفنية في التراث الشعبي، وفي البيوت النوبية والريفية في مصر منقبا وباحثا عن جماليات وخصائص بالغة الخصوصية والإنفراد من بين جنبات البيئه المصرية، ويؤكد الفنان على أهمية تتبع الفن الشعبي والمحافظة عليه ودراسة تاريخه وكيفية الإستلهام منه بشرط أن يضيف إليه، وهذا ما حرص عليه الفنان من خلال أعماله الفنية الشعبية، حيث بحث وتعرف على معاني ودلالات وطبيعة الموضوعات الشعبية، وكيفية التعامل معها وإسقاط الدلالات بعد التعرف عليها، والتعامل مع جماليات الفن الشعبي، ويتجلى الطابع الشعبي في أعماله من خلال تأثره بالملامح والزخارف والأشكال الشعبية حيث أكد على العنصر الآدمي المستوحى من البيئة النوبية والذي يتصدر مقدمه المشهد التشكيلي في أعماله الفنية الشعبية، كما اكتمل وتبلور أسلوب الفنان في استخدام الإتجاه والطابع الفطري القريب من السمات الشعبية في التعبير حيث صاغ موتيفاته التصميمية بأسلوب مبسط وتلقائي بعيدة عن الدراسات الواقعية حيث استثمر الفنان رحلته إلى النوبة قبل إغراقها بمياه السد العالي وتأثر بأسرارها الفنية والروحية وبالمناظر الطبيعية للنوبة وقوة الضوء في تلك المنطقة فعبر عن الإنسان بشكل مجرد كالعروس وعلاقتها بالبيئة من بيوت وأرض ومساحات شاسعة تغطيها الشمس بضوئها القوي، وقد اختزل الصياغة الآدمية الأنثوية في بعض أعماله التشكيلية لتأخذ شكل العروسة وتحتل مساحات كبيرة في معظم أعماله، حيث تدور معظم لوحاته حول رحلة انبثاق العروسة وعلاقتها بالبيوت النوبية في مضمون تجريدي رمزي يعبر عن الإنسان وعلاقته بالبيئة، وقد صبّ الفنان كل ما في الطبيعة النوبية ولخصه في تلك العروسة الهندسية الطابع بصياغاتها المتجددة في لوحاته معبرا بها عن حالات من التلاحم بين الفن والطبيعة، حيث يجمع بين جمال الطبيعة في مصر وجمال الفن.
صاغ الفنان الشمس بشكلها المستدير حيث تؤثر في كل العناصر الطبيعية، كذلك شغلته الموتيفات الآدمية متخذا إياها أداة للتعبير لينتج لنا شكل العروسة مصاغا بتنوع وتلخيص في مساحات مختلفة ما بين المثلث ونصف الدائرة والمستطيل والمربع في ترتيب تناغمي يدل على الوحدة والتنوع، ففي صياغات وموتيفات الفنان لعنصر الرجل يكون الجذع عبارة عن مستطيل والرأس دائري أو نصف دائري أو مثلث كما ميز صياغات وموتيفات جسم المرأة الذي ركبه في عناصر هندسية مختلفة في شكل مثلثين متساويين ومتقابلين عند الزاوية.
الخط الهندسي المكون لصياغة العروسة لدى الفنان وتلخيصه الشكلي أدي إلى وظيفته في تلخيص الشكل والتعبير عن هيئته في رمزية شديدة داخل بناء العمل ككل، وهكذا تميز الفنان بمعالجاته التشكيلية لعناصر وخامات البيئة التي تنبثق من رحم خبرات الفنان ومعرفته بالطبيعة ومن تآلفه مع الخصائص الفطرية لتراثه القديم وعشقة الجم له، المعالجات التشكيلية لموتيفة العروسة التي تاخذ طابع الرجل والمرأة في أعمال الفنان حيث تميز أسلوب بناء الموتيفه عند الفنان بأسلوب التفكير المتنامي لصياغاتها، مستحدما التفكير العميق والمتأمل في استخدام وصياغه أسلوب التجريد الهندسي مستخدما أشكالا هندسية كالدائرة ونصف الدائرة وربع الدائرة والمثلث والمربع والمستطيل في صياغاته لهذا العنصر، كما لجأ إلى صياغة الرأس بنفس العناصر وترتيب باقي نسب الجسم من تداخل هذه الأشكال الهندسية، فعبر عن الأرجل بمثلث مقلوب يخترق مساحة هندسية، ليحولها إلى جزأين أسفل جسم العروسة، أما المنطقة الصدرية فقد صاغها الفنان من مربع أو مستطيل تخترقه خطوط متقاطعة تؤدي إلى تقسيمه إلى مثلثات، والجزع صاغه الفنان عبارة عن نقطة تقابل بين منطقة الصدر والأرجل ليظهر الجذع في هيئة نحيلة ليجسد به شكل المرأة، أو في شكل مستطيل إنسيابي ليجسد شكل الرجل، كما مارس الفنان بعضا من المعالجات التشكيلية التي رسمت معالم أسلوبه الفني مثل أسلوب الضغط أو الاستطالة لتناسب عنصر العروسة، كما وظف الفنان الموجب والسالب لتظهر العروسة مرة كشكل أو كأرضية مساحة بين صياغتين تؤدي إلى صياغة ثالثة وهكذا استطاع أن ينوع ويعدد في صياغاته لعنصر العروسة وصاغها بأسلوب بديع وتقنية فريدة، كذالك موتيفة البيت التي تشكلت من خلالها صياغاته وموتيفاته لهذا العنصر عند الفنان بشكل مبسط لا يحاكي الواقع ولكن يعبر عنه في إيجاز شديد فهي هيئة دائما مربعه أو مستطيله بها فتحات تمثل الأبواب والشبابيك وصيغت هذه البيوت دائما بشكل مسطح من الأمام والوجهة ومثل صياغات بعض العرائس على الأبواب والشبابيك في علاقة تكاملية مثلت تكوين أغلب الأعمال، والفراغ المسطح له بعدان يتكون من خلال خطوط هندسية تمثل صياغات لعنصر العروسة وعلاقته بالبيوت، مما نشأ عنه ميلاد علاقة متبادلة بين العناصر والموتيفات المصاغة ساهمت هذه العلاقة في استحداث جدلية تبادلية في بعض الأحيان أو متداخلة في أحيان أخرى.
PreviousNext
في بعض الصياغات مثلت العروسة الموجب والسالب كما عبر الفنان عن الشفوفية في علاقاته أو الاختراق أو علاقة الشكل والأرضية، وفي علاقة الصياغات التصميمية كجزء وبناء العمل ككل حيث مثلث تلك الصياغات هيكل بناء العمل، كما مثلت المحاور الأفقية والرأسية والمائلة والمنحنية أساس بناء ترتبت عليه كل الصياغات حيث نلحظ في أسلوب الفنان أنه اتسم بتأملات فلسفية من خلال تحاور العروسة مع البيئة المحيطة بها وما تخفيه من قوى تعبيرية كامنة لدى الفنان كما إستحوذت الطبيعة على إهتماماته الأولى في هذه المرحلة، فتعامل معها بموقف جمالي وفكري تعدت حدود الطابع الإستعراضي أو الحدث التمثيلي ليكشف عن مكنونات وأسرار هذه البيئة، أما من الناحية التشكيلية فقد ازدادت علاقة الشكل بالأرضية حيث لا تقف الأرضية موقف الخلفية، ولا يقف الشكل موقف العنصر المحاط بالأرضية، فالأرضية تنمو كما ينمو الشكل تماما، فلا يبدو الشكل ملاصقا ولكنه يبدو متعانقا مع الأرضية.
يتعامل الفنان مباشرة مع الحيز والمسافات والفراغات التي توفرها قاعة العرض لتحقيق البعد الثالث الحقيقي، كما ظهرت قدرة الفنان في استخدامه للظل تجسيما لإختلاف الأبعاد على أرضية اللوحة مما زاد التقارب بين الشكل والأرضية كما زاد الترابط بين أجزاء الشكل المختلفة، وتبقي العروسة بالرغم من عصريتها مصدر الرؤية الشعبية المستلهمة من الشكل التقليدي للعروسة الشعبية، مما يؤكد انتماء الفنان للتراث وشغفه بالفن الشعبي، كما اهتم الفنان بتقسيم مسطح العمل الفني وظهر في العديد من أعماله التقسيم الهندسي للسطح حيث ظهرت الخطوط أو التقسيمات الأفقية وانتظام الأشكال الرأسية عليها، إلى جانب استخدام الفنان للخامات الطبيعية كعنصر أساسي للبناء العام في العمل الفني، ويتجلى ذالك في الكثير من أعمالة متخذا أسلوبا فريدا يتسم بالعمق والتعبيرية عن الهوية المصرية العاشق لها الفنان ويعتبر أحد فرسانها.
أمجد عبد السلام عيد
ميدل إيست اون لاين 2021/5/4
|