.. جنة آنا
- أبت الفنانة آنا بوغيجان أن تقف على حافة الحياة المصرية لمجرد كونها أرمينية ولدت فى مصر ، بل تغلغلت بين تفاصيلها لتطل علينا بمجموعة لوحات جديدة جاءت لتجسد حدائق مصر العامة وما تحويها من قيم جمالية غابت عن أعين الكثيرين منا .
- استطاعت الفنانة من خلال 20 لوحة أن تعبر عن عالم اعتبرت نفسها أول من حاكته بفرشتها، مما أوحى لها بإطلاق ( حدائق مصر ) عنوانا لمعرضها الجديد بجاليرى سفرخان، والذى رصدت من خلاله أشجاراً ونباتات نادرة وتماثيل متناثرة هنا وهناك تتدلى عليها أفرع تلك الشجيرات وتستأنس بها نباتات أخرى معبرة عن حضارات خضراء إسلامية وأخرى يونانية ورومانية .
- ( حدائق مصر ).. حالة منحت آنا الفرصة لتسجل واقع الإنسان المصرى فى حالة من السكون نابعة من استجمامه واستمتاعه بهذا الجمال الذى تحويه تلك الحدائق وبعيدا عن رصد واقعة وسط زحام الشوارع الذى طمست وضاعت معه ملامحه الحقيقية .
- أين أنت يا حدائق المنتزه.. أين أنت يا حدائق الأندلس، عندما احتضنت معرض النحات الإنجليزى العالمى هنرى مور ؟ وأين أنت يا حدائق الأزبكية ؟ وأين حفلاتك الموسيقية ؟ وأين كشك الموسيقى الذى كان يقام بين جنبات أشجارك إبان العصر الملكى ؟ تساؤلات خرجت بها لوحات الفنانة وكأنها رحلة بحثية فى حدائق مصر العريقة التى كانت ترتقى فى يوم من الأيام الى العالمية .
- إنها دعوة من الفنانة لكل من يقطن مصر للخروج الى تلك الحدائق والاستمتاع بها وبما تحويه من نباتات وأشجار نادرة.. دعوة للتنزه والاستنشاق فى أماكن لا يعادلها أى مكان آخر.. أماكن تمنح من يرتادها لحظات صفاء وجدانى ضنين لا يحصل عليها أى منا فى أماكن غلب عليها الزحام والتلوث وغاب عنها كل ما هو أخضر .
- وفى مجموعة مكونة من 12 لوحة جاءت بمقاس 50 سم × 50 سم، برعت آنا فى إظهار زهور مصر وبالأخص ( الوردة البلدى ) حيث استخدمت مكوناتها الطبيعية فى إبراز جمال تلك الزهرة مع الاستعانة بخلفيات من الرمال والشمع وضعت ( بتلات ) هذه الوردة عليها بشكلها الطبيعى لتظهر وكأنها كائن حى، بل إنها نثرت تلك الوردة فى لوحاتها الراصدة لحدائق مصر مانحة إياها رونقا خاصا . رؤوس لأناس يريدون قبعات صيد وأخرى من القش تتمايل فى حالة من الاستمتاع بحدائق أنطونيادس والمنتزه بالإسكندرية وجدائل من أشعة الشمس ترمى بظلالها بين تفريعات أشجار الصنوبر وبراعم للنباتات نادرة.. مكونات لعبت بها آنا لإبراز وتأكيد عامل الزمن على تلك الحدائق .
- ولم تغفل فى تيمتها المرأة المصرية وحالة هروبها من عناء يوم طويل وشاق لتصبح تلك الحدائق الملاذ الحقيقى لها للاستجمام والاستمتاع بكل ما هو أخضر ونسمات حملت رائحة هذا اللون بريشة فنانة عالمية شكلت روحها الحاسة الطفولية والبدائية واحترافية أدواتها التعبيرية .
عصام بدوى
مجلة البيت - نوفمبر 2010