أشرف رسلان محمد محمد سراج
- قلة من الفنانين قد يعدون على الاصابع منهم أشرف رسلان أصروا على الدراسة البناءة الدؤوبة وبناء العمل الفنى بالطريقة التقليدية التى استمرت منذ مئات السنين وستبقى مستمرة رغم كل الاتجاهات التى تذهب ويجئ غيرها بصور أخرى متكررة، سيظل هناك فنانون جادون يواجهون الفن والتعبير عن جزء من الحياة الباقية المتجددة وعن مظاهر تلك الحياة وهذا بالضبط ما فعله الرجل البدائى .
- إذاً نحن هنا بصدد أعمال أشرف رسلان التشخيصية التى تتشابه مع أعمال بعض فنانى مدرسة الثلاثينيات الايطالية التى يطلق عليها ` NOVECCEUTO ` مثل كارلو اكارا.. أرتورتوزى.. ماريو سيرونى وخصوصاً فليتشى كازاروتى . من يعلم، ربما يكون رسلان لا يعرف شيئا عن هذه المدرسة وربما لم ير أعمالهم، لكن أحياناً يكون الوضع الاجتماعى والصراع الأيدلوجى والعامل الاقتصادى كلها ظروف تنم بالبعض وتجعل أعمال الفنانين فى بلاد مختلفة متشابهة دون أن يعلم بعضهم عن البعض شيئاً.. أجل إنه يتشابه معهم فى المعالجة والبحث .
- أشرف رسلان يحاول بدأب وجدية فى ظروف لا تفرض سوى الفوضى التى فشل الكثير من فنانينا فى التعبير عنها.
- أنا شخصياً أنحنى لمحاولات أشرف، وأفضله عن فوضى عشوائيات عمت الفن لدينا..على الأقل هو يقف على أرضية صلبة ولو استمر بنفس الجدية وبدأب أكثر، سيقف مرفوع الهامة وسط فنانى المنطقة عامة .
الفنان / حسن سليمان
أشرف رسلان قلق العصر..بين حديث الاوانى ودراما الوجه الانسانى
- اشرف رسلان فنان ينتمى لجيل التسعينيات هذا الجيل الذى استشرف افاق الالفية الثالثة ونحن فى عقدها الثانى ..وهو فنان له لغته التعبيرية الخاصة مع ادائه التشكيلى الذى لاتخطئه العين من فرط التميز.
- بعد تخرجه من الفنون الجميلة عام 1994 اختار ان يكون الفن حياته `ليس له شغلانه غيره ` بالتعبير الشعبى وهو يعيش مقيما بمرسمه من اجل فنه ..يقول :`لا اطمع الا فى الفن وحده.. كم تساوى الحياة بدون تجاوز ومحاولة اسقاط الحاجز بين الممكن والمستحيل ..محاولة ان يحيا الفن فينا ان نعيشه ليتنسمه المتذوق من اجل حياة افضل` .
- هكذا اراد لنفسه.. جاء هذا ارتباطا بشخصيته من ناحية ومن ناحية اخرى عمق ارتباطه باستاذه حسن سليمان خاصة فى الفترة من عام 2005 حتى رحيله عام 2008 و الذى يقول عنه : تعلمت منه مالم اتعلمه بالكلية وتتلمذت علي يديه قيم الاداء مع هذا الصراع الذى لاينتهى من اجل ترويض التشكيل .
- وحسن سليمان صاحب فلسفة الداب فهو فى `حرية الفنان` يشير الى ان :` الانسان ان لم يكن قويا ويسيطر على كيانه كاملا ..لن يحقق افكاره بالكيفية التى ترضيه وتقنعه ..حينئذ هو لايملك شيئا والاحجام عن ان يحقق كل مايختلج فى نفسه عن الحقيقة يتساوى مع تزييفه لها ..والفنان ان لم يكن صادقا تمام الصدق فى ممارسته لفنه فمحاولاته حينئذ لاتعدو سوى احباط لحياته وعواطفه وحريته `.
- تمتد اعمال رسلان بين الرسم والتصويروالكولاج والنحت مع توليف من الخامات التى تعلى القيمة وتسخو فى الفضاء التصويرى.. بروح مشاكسة والتمرد هو الاساس ..التمرد على الشكل من اجل اقتناص حالة القلق الذى نعيشه والالم الذى يعانيه البشر الم الحياة اليومية ومواجع الامراض فى عالم تخفت فيه فكرة العدل الاجتماعى فتخفت الروح وتتلاشى الا من ارادة حديدية ارادة بين التواصل والتاقلم والاستسلام والتحفز بوشاح شفاف من الرمز .. فاصل خفيف بين الوهم والحقيقة ..مع مايجعل الفنان صادما مقتحما للبصر والوجدان .
الوجه الانسانى
- ومن هنا تبدو الصور الشخصية عند اشرف رسلان ليست ككل الصور ..قد يبدو رمزيا واحيانا سيرياليا وفى احيان اخرى يحمل روح الفنتازيا وفى كل الاحوال احداث تلك الحالات الدرامية التى نتوحد معها من عمق المشاعر مشاعر الحزن والخوف والشجن وحالات الاستسلام القهرى ..وجوه بيضاوية منمقة بعيون متسعة وشفاه ممتلئة تحمل ذكاء فطريا ولكنها تحولت الى ايقونات موصوله بايقونات الفن القبطى وهو يسيد الانسان المعذب بالالم يضع فى شرايينه الصفاء بهالة عند الراس كهالات القديسين التى نراها فى وجوه الفن القبطى ..والقداسة هنا تعيد للانسان انسانيته كما فى لوحة تلك الفتاة حليقة الشعرالمتوجة بالالم وهالتها الدائرية ..ترتدى قرطا ورداء بكول عريض وتحمل على الصدر علم مصر..اشارة الى الانتماء الى الوطن المعذب والمعذب `بالكسرة والفتحة `..وفى بعض الاعمال تجد الانسان عاريا تماما متجردا حتى من الشعر كما فى تلك اللوحة لفتاه تحمل زهرة قرنفل حمراء بساق طويلة ممتدة من منتصف الجسد الى نهايته تحمل روح الامل بمسحة من الشفافية والتضرع الداخلى .
- وفى وجوه رسلان روح قلقة تسرى رغم المرح البادى احيانا فى بعضها وهو ينتصر لانسانية الانسان البسيط ..الانسان الذى يجابه صور الحياة اليومية يجعل منه اسطورة فنه واسطورة الحياة.. والانسان هو الانسان من عمق التاريخ الى مانعيشه حاليا ..وهنا ينقلنا فى لوحة `المتاملة` المسترخية فى جلستها بمسحة من التفاؤل والسماحة برداء مشجر بين الاحمر والابيض والازرق الليلى الفاتح ..الاحمر الذى يسرى فى زهور القرنفل داخل الزهرية فى الخلفية مع تلك الالوان البهية الهامسة من الاصفر الذهبى والاخضر الزرعى فى المنضدة .
- وجالسات الفنان فى لوحاته فى الصور الشخصية الكاملة غالبا ماتحمل الصورة موضوعا من الحياة مثل `عازفة الربابة` و`الفتاة والمحمول `و`الفتاه والقناع والتفاحة` رمز الخروج والتمرد والحب وازدواجية مانعيشه من صدق وزيف بروح سيريالية تاخذنا الى ماوراء الحياة العابرة ومانحن فيه الى عالم اخر من الذبول والانطفاء الى التوهج والاشتعال.. او موضوعا تتكاثف فيه المشاعر كما فى المتاملة ذات الرداء الابيض على المقعد الابيض `وكانها تحية لماليفيتش فى لوحته مربع ابيض على ابيض مع فارق الهندسى والعضوى `.
فى لوحة `ادم حواء` يبدو هامسا وصارخا من خلال تلك المسطحات اللونية العرضية للخلفية والتى تبدا من الاصفرالجهورى الى الازرق والبنفسجى فى النهاية فى الافق وادم وحواء بقصة ذيل الحصان .. جالسان اقرب الى جلسة اليوجا وبينهما طبق بخمس تفاحات اليد الشمال فى الشمال مع تفاحة ..هل جلسا يسترجعا معنى الخروج والغواية ومكابدة الحياة فيما بعد؟ .
- ويتنافس الابيض والاسود مع الالوان فى عالم اشرف رسلان ودنياه التشكيلية كما فى هذا الوجه النورانى لفتاه تبدو فى التشكيل بهيئة القديسين تحمل قرصا دائريا ..واللوحة تشتمل على تقسيمات دائرية توحى بالحركة رغم الثبات والاستقرار فيها ثناية الروح والمادة .
- الطبيعة الصامته
تحمل الطبيعة الصامته فى لوحات اشرف رسلان حالات وافاق درامية يلعب فيها اللون مع التكوين دورا بالغ الاهمية من اثارة الدهشة والخروج على المالوف والمعتاد مثل لوحة ` الرمانات الخمس ` ثلاثة فى طبق ازرق واثنتان على المفرش الابيض وبين الاحمر والابيض مع الدورق الازرق يسود الازرق الهادىء فى حديث من الصمت .
- ويطغى الاخضر الزيتونى بدرجاته مع لمسات هندسية من الاحمر الطوبى فى لوحة ` التفاح الاخضر ` وتبدةو السكين بنصلها اللامع ومقبضها الاسود سيدة العناصر فى اللوحة متفردة فى اللون وصرامة التشكيل .
- ويصل فناننا الى ذروة اعماله فى الطبيعة الصامته من خلال اوانى`الجاز ` من الزك .. اوانى فى ثلاثة اشكال دورق وقمع وانية تنظيف جاء بهما من الجمالية ليتهامسا وبذكاء شديد فى التشكيل يغلب على العمل اللون البترولى وفى الخلفية نقوش من الارابيسك العربى ..انه النفط الذى يعكس لحركة الحياة فى صعودها وهبوطها وتارجحها ..وبعيدا عن الرمز تتجلى اللوحة باشراقاتها اللونية ومايحكمها من علاقات تشكيلية .
ويبقى وجه اشرف رسلان` رليف` بارز ساطعا ومتحفزا رغم تاكله بروح رومانية قديمة تخفق بالتواصل.. تواصل الانسان فى مسيرة الحياة من الحاضر الى التاريخ باتساع الزمان والمكان .
- تحية الى اشرف رسلان فنان من مصربعمق لغته فى التشكيل وعالمه .
بقلم : صلاح بيصار
جريدة القاهرة : 1-8-2017
|