أيمن عبد القوى سعداوى عبد القوى
حواديت مصرية.. وعمق الجذور التاريخية لهوية الوطن
- بالقاعة المستديرة بنقابة الفنانين التشكيليين بدار الأوبرا قام كل من الدكتور أحمد نوار والدكتور حمدى أبو المعاطى نقيب التشكيليين بافتتاح معرض النحت للفنان أيمن سعداوى والتصوير للفنانة شيرين عبد الجواد وكان من المقرر افتتاح هذا المعرض فى شهر نوفمبر إلا أن الظروف التى تمر بها البلاد من ميدان التحرير حالت دون افتتاحه فى الموعد المحدد .
- والفنان أيمن سعداوى فنان فطرى مواليد البحر الأحمر 1967 وخريج دور المعلمين ويعيش حاليا بمدينة الفيوم يعد من الفنانين القلائل الذين لا يجيدون لغة الحديث عن أنفسهم ويترك أعماله التى تلقى صدى كبيراً عند المتلقى لما تتميز به من لغة تعبيرية نابعة من الحس الفطرى الصادق الذى يجد مريديه بين متاهات المعاصرة والحداثة ليؤكد على أثر الهوية وتأصيلها كأحد الأسباب الفاعلة للوصول نحو العالمية.
- وتتنوع أعمال سعداوى من خامة البرونز بين الشكل الإنسانى ` ابن البلد ` و ` بنت البلد ` و ` الرجل العجوز ` و `عازف الناى ` و` نظرة تأمل ` و ` يجمع بين كل هذه الأشكال لحظات المعاناة التى لا تمنع أصحابها من ممارسة لإنسانيتهم الحاضرة رغم صعوبة الحياة ويفرض المضمون الوجدانى على الفنان الاهتمام بتفاصيل الأشكال سواء ملامح الوجوه أو ثنايات الملابس ومن حركة الأصابع عند العازف إلى حركة اليد والقدم عند الرجل المستلقى ولم ينس الفنان الكائنات الحيوانية التى تحتوى على قيم جمالية مشحونة بحس تعبيرى فطرى كالضفدعة والحصان والخرتيت والثور والسمكة ليلتقط جماليات الحركة وفى لحظة سكون تضيف بعداً زمنياً مرتبطا بذاكرة الماضى وتبدو فى سمات تلك الكائنات تعابير الفرح والحزن والغضب من خلال الحركة والملامح ويستخدم الفنان بجانب الخامات الأخرى خامة الشمع فى مرحلة الإعداد للشكل الذى يمر بعد ذلك بعملية الصب داخل قالب البرونز .
د.أحلام فكرى
القاهرة - 7 / 2 /2012
أيمن السعداوى والصورة الذهنية
- افتتح الفنان أيمن السعداوى معرضه بعنوان النيل فى جاليرى الزمالك وهو فنان عصامى وجاد فى مشروعه الفنى . يعتمد على فطرته بالإضافة إلى المهارات فى إخراج هذه الأعمال الجميلة والمتميزة . النحت يطرح أسئلة والنحاتون يطرحون أسئلة من خلال النحت ، الذى يشغلنى ، ما هى الأسئلة المطروحة وكيف يجيب النحاتون عنها ؟ .. يطرح الفنان أيمن السعداوى أفكارا وتصورات ذهنية عن النيل لدرجة أن كل القطع تدور حول هذه الفكرة ولأن النيل وفروعة من بحيرات وغيرها مرتبط بطريقة ما بحياة الناس بحكم معيشتهم أو ارتباطهم بالنيل بحكم الزراعة وبحكم العمل .
يستعمل الفنان أيمن السعداوى فى معظم الأعمال القارب كوحدة لأنها مرتبطة بالنيل وكأنها فى الوقت نفسة قاعدة للتمثال ، فهى مركب ولكن من زاوية أخرى قاعدة للتمثال . قاعدة لأشخاص يقومون بحركة أو أفعال ما ، مثل الصيد أو التنزة على المركب .. كأننا فى داخل فكرة المياة والنيل ، نتخيل أو نتوهم صورة ذهنية عن النيل .
والفنان أيمن السعداوى بطريقة ما بتصور ذهنى يقدم عالما ناعما .. الصورة الذهنية عادة تكون تصورا للفنان عن شئ ما ، حياة ما ، فعل ما ، ويعيد صياغته ويقدمه كواقع مختلف ، كواقع رومانسى أحياناً . مثال : تمثال (( صيد العصارى )) يقدم قاربا ناعما جداً وجميلا ورقيقا مع شاب صغير يحاول أن يرمى بسنارته فى الماء بحركة ناعمة ورقيقة حتى التمثال له نوع من اللطف والنعومة والشخص لديه شئ من الرشاقة والليونة . يصنع صورة ذهنية عن الصيد قبل الغروب فى مركب متخيل فى نيل متخيل وواقع متخيل . أى ليس واقعيا بالمعنى التقليدى .. على عكس هذا التمثال هناك تمثال آخر يسمى ((غفوة )) عبارة عن شخص ثمين ، بدين ، ينام باسترخاء داخل إحدى المراكب الكبيرة ولكن المضحك فى الموضوع وهناك مساحة من السخرية حيث يمسك بمركب صغير وهو نائم . هل النائم يحلم بالمركب لأنها أمنية أو أنه هو فى مركب ويحلم بها .. هى قطعة ساخرة لكنها تعكس هى والقطعة الأولى ((صيد العصارى )) ما قلناه عن الصورة الذهنية التى ينتجها النحات فهو يفكر تخيلا معينا أو فكرة ويتفاعل معها ثم يعيد إنتاجها بطريقة فيها نوع من إعادة الصياغة والنعومة والرقة أو السخرية . ويحاول من خلال قطعة التى كلها مرتبطة بالقارب والسمك وصيد السمك فهى قريبة من معنى الصيد أكثر من قربها من فكرة الزراعة ، أو النيل كمكان للصيد . فذلك يعكس وجهة نظر الفنان ونظرته واختياراته وفكرته الذهنية عن النيل . هناك قطع كثيرة عن الصيد والمراكبى والمجداف وعودة الصيادين على البر مثل تمثال ((بائعة السمك)) .
هناك قطعة عبارة عن ثلاثة ضخام الجثة يمسكون بحب ثقيل وهم فى حركة متضادة وفيها قوة كأنهم يسبحون مركباً أو يسبحون شباكاً من النهر (( الصيادون الثلاثة )) هى قطعة قوية وفيها تضاد ولها مركز والحبل القوى هو الذى يربط الثلاث شخصيات معاً بحركة الأيدى وحركة الأرجل كأنهم على سطح مركب يسبحون شبكة .
وفى قطعة أخرى لها علاقة بالحياة حول النيل مثل : الأطفال الذين يستحمون فى النيل ، الطفل يقفز من الجاموس الأسود ليهبط إلى النيل ليعوم فى النيل والجاموس نفسه معه فى النيل يسبح بشكلة الضخم والطفل يقفز من ظهر الجاموس ليعوم . نحن لا نرى الماء ولا نستطيع أن نلمسه ولا نستطيع أن ننحته . الفنان إيمن السعداوى بصورة ما يحاول أن يعطينا ذلك الإحساس بأننا نرى الماء وهو ليس موجوداً . الحركة والكتلة تعطينا الإحساس بالماء وهو غير مرئى ، أو غير موجود . وهذا الإحساس فى معظم قطع معرض الفنان أيمن السعداوى ، لأن القارب تقوم بنفس الدور ، بمعنى أننا نعرف أن هناك ماء ولكننا لا نراه . من هنا لو افترضنا أن النيل هو الماء (( العنصر فى حالة السيولة )) والماء لا يمكن إمساكه أو تحجيمه إلا بتحويله إلى ثلج (( العنصر فى حالة صلابة )) فالنيل كما فكرة المعرض هو الغائب الحاضر . فهو غائب تماماً عن النحت لكنه اكثر حضوراً فى المعرض أكثر من أى شئ ، مع غيابه كشئ ملموس . فالنيل هو الموضوع الغائب الحاضر ، وحضوره يؤسس لهذه العلاقات الإنسانية مثل فكرة الصياد القادم من النيل ومعه كلب ينظر إلى الشاطئ وبائعة السمك او شخص يستريح فى ظل شجرة على النيل أو مراكبى يسحب شبكته ، فهذه الكتلة من الماء ــ لو اعتبرنا النيل كتلة نحتية ضخمة ــ فهى تؤسس لعلاقات اجتماعية إنسانية وحتى تاريخة من خلال استحضار الفنان للميراث المصرى القديم فى قطعتين : (( عروسة النيل ، أنوبيس )) ويستحضر أيضاً قوارب على أشكال فرعونية من الميراث المصرى القديم .
ومن أجمل قطع المعرض التى تروقنى جداً قطعة الفنان أيمن السعداوى المسماة (( السنارة والقطط )) وهى عبارة عن شخص يصطاد سمك وحوله قطط تتعلق به لكى تحصل على نصيبها مما يصطاده من السمك . الجميل فى هذه القطعة هو استعمال قاعدتين فى التمثال ، قاعدة أولى (( القاعدة الأصلية للتمثال الاساسية )) قاعدة ثانية (( التى يجلس عليها الشخص )) مع حركة السنارة التى هى عبارة عن قوس جميل وحركة القطط حولة . أرى أنه عمل مميز للفنان أيمن السعداوى ، وفيه قدرة على التخيل للفنان . ومجموعة العلاقات المبنية بين الصياد والقطط والسنارة .
الفنان يستعمل أسلوب مدرسة (( الأرت ديكو )) : وهى مدرسة أو أسلوب فنى ظهر فى فرنسا قبل الحرب العالمية الأولى حتى 1930 وهو أسلوب فى العمارة والتصوير والنحت والزخرفة . فى النحت يعتمد على الحركات القوية والعنيفة أحياناً . حركات الجسم الإنسانى العنيفة والقوية والمرحة أحياناً وأشهر فنانين هذه المدرسة : الفنان الفرنسى ` أرستيد مايول ` . وأشهر تماثيل هذه المدرسة : التمثال الضخم المنصوب فى مدينة ريو دى جانيرو على قمة جبل للسيد المسيح فى البرازيل . وتشتهر أيضاً هذه المدرسة بفكرة تطعيم خامتين مختلفتين عن بعضهما كمثل خامة النحاس أو البرونز مع خامة الجرانيت أو الرخام ، وأحيانا يكون التطعيم باستخدام معادن مختلفة فى القطعة نفسها . معادن مختلفة القيمة ، اللون ، الملمس ، وأحيانا أحجار كريمة مع القطع وتستعمل الزخرفة أحيانا داخل النحت .
يعتمد الفنان أيمن السعداوى على هذه التقنية واللعب بها فى أعماله . يقوم الفنان باللعب على خامة البرونز يقوم بتغيير درجات البرونز اللونية فيفصل ألوان الجسم على الملابس وعلى الاشياء . يهتم الفنان أيمن السعداوى بتغيير لون الملابس وملامسها ولون المراكب وملامسها والأدوات على ألوان الشخصيات . تكون الشخصيات كأنها أقرب إلى لون الذهب ، وهى فكرة ذهنية جداً وخيالية جداً لأنه يحول الأشخاص إلى كيانات غير واقعية أقرب للحلم والخيال فليسوا واقعيين بالمعنى الذى نعرفه . وأن تكون الملابس أغمق درجة قليلا وتكون بقية الأدوات أغمق وتأثيرات مدرسة الأرت ديكو فى استعمالها الألوان الذهبية بكثرة واستعمالها تطعيم خامتين داخل بعض مثلما استعمل الفنان أيمن السعداوى فى القوارب المأخوذة من التراث المصرى القديم استعمل التطعيم بين الحجر والبرونز امتداداً لأفكار مدرسة الأرت ديكو .
هذه نظرة على أعمال الفنان أيمن السعداوى وما يطرحه من أفكار وفهمه لفن النحت وأسئلته التى يطرحها من خلال أعماله النحتية .
محمد الجنوبى
القاهرة : 9-1-2018
|