ساركيس ايليا طوسونيان
! فى معرضه بقاعة سفرخان..سركيس طوسنيان وتماثيل بروح الإسكندريةّ
-فى قاعة سفرخان بالزمالك جاءت أعمال المثال ساركيس طوسونيان مساحة جديدة فى النحت المصرى.. مساحة تألقت بسحر التشكيل وثراء اللمسة وهى أعمال من البرونز تملثت فيها حوارية ثنائية شديدة الشاعرية من اللمسات التأثيرية والحوشية الخشنة من البازلت الأسود.. واللسمة الصريحة الناعمة بصفائح الذهب الملساء.. والعجيب فى أعمال طوسنيان تميزها الشديد عن غيرها من منحوتات مصرية معاصرة.. بتلك الروح الآسرة.. روح الإسكندرية وكأنها تمثل امتدادا لتلك اللمسة التي شكلت مدرسة الإسكندرية والمسكونة بطابع النحت الإغريقى والرومانى مع هذا الفارق الجوهرى والذي يؤكد انتماءها للنحت الحديث ..
التشكيل بالجبس المباشر
- ولد الفنان ساركيس طوسونيان عام 1953 بمدينة الإسكندرية.. ومن الطفولة شغف حبا بفن النحت .. كان ذلك مع بداية السنوات الأولى لالتحاقة بمدرسة الأرمن أبو غصيان حيث التقى هناك بأستاذه همرهبرسونيان والذى أشعل فيه روح النحت من خلال التشكيل بالجبس المباشر على هياكل ضغيرة من السلك .. وحين تأكدت موهبته التحق بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية قسم النحت وهناك تتلمذ على اثنين من أستاذتها ..
- الفنانين عبد الرزاق السيد وجابر حجازى.. وفي فترة الدراسة عكف على زيارة المتحف اليونانى الرومانى وتشبع بقيم الأداء الرفيعة التي حفل بها النحت الإغريقى من مثالية نسب الجسم والجمال الكلاسيكى مع دقة التشكيل والتعبير في النحت الإغريقى مع الأهتمام بالتفاصيل وسمو وأناقة التعبير الإنسانى وكان يتأمل بعين المحب الواعي تماثيل أرسطو وسقراط والإسكندر وكليوباترا .
- ومن هنا جاءت أعماله حافلة بروح الإسكندرية وهي مدينه (كوز موبولتيتانية)عالمية ظلت لأكثر من ستمائة عام عاصمة للعالم قبل وعد الميلاد وقد تعاقبت عليها حضارات عديدة .
تجسيد الحياة اليومية
- وإذا كان شاعر الإسكندرية كفافى قد غني للمستقبل بقوله : (أيام الغد تقف أمامنا مثل صيف من الشموع الصغيرة.. شموع ذهبية وحارة شموع مفعمة ) فقد شكل سركيس ملحمته العصرية بطابع الإسكندرية من خلال تماثيلة الصغيرة الدقيقة المنمقة والتى تألقت في 28 قطعة نحتيه بالمعرض بارتفاع بين 70 سم ، 25 سم وهى تماثيل جسدت صورة الحياة اليومية بتلك الشخوص التى تعيش بيننا ونطالعها كل يوم مثل: بائع متجول صغير- فتاة مراهقة صغيرة - عروس .. لكن قدم سركيس أيضا أعمالا أخري حملت أسماء تمثل امتدادا لحضارة الإسكندرية بفلسفتها كما في تمثالى: درس فى الهندسة وشاب بجناح واحد وغيرها.. وجاءت تشكيلات عديدة تشخيصية بأسماء معنوية كما في جلسة تأمل ضغوط في تمثالين .. وكل هذا الاتساع فى التصور بدقة فى الإداء بلمسات أشبة باللمسة التأثيرية وأخري حوشية أكثر خشونة..يتناغم فيها الضوء ويتحاور مع انسيابها وحين تنفرج بشكل عرضى.. تخرج على استطالتها أفقيا مما يساهم فى ثراء التعبير بالقاء الأفقى والرأسى والجميل هذا الحوار الشاعرى الذى ينساب بين الصلابة والقوة المتمثلة فى البازلت الأسود وتلك الشرائط والأخرمة مع السطوح الملساء لصفائح الذهب والتي تساهم في تأطير الكتلة وبقائها وكبح ثرثرات الانفعال ..فهي تقوم بدور تعبيري مع جمال التشكيل كما تعطى تلك الصفائح قدرا كبيرا من الأناقة والسمو تسبغها على منحوتاته عموما والتى تبدو أشبة بالتذكارات والإيقونات المعاصرة وتحمل تماثيل سركيس رؤوسا دقيقة بالغة الرقة مسكونة بالصمت والغموض.. حافلة بتعبيرات هادئة .. تأخذنا إلى أفاق وتجليات كونية بروح سكندرية من أعمق أعماق الماضي والتاريخ إلى أفاق الحاضر ومت نعيشه حاليا من حياة معاصرة .
تحية إلى لمسة الأناقة وجمال التشكيل
الناقد / صلاح بيصار
جريدة القاهرة 3 /2 /2009
- ما بين هدوء البحر فى عصارى ربيع.. وبين صمت الشط فى مشارف صبح خريفى .. وكما سكينة الموج على صدر البحر تجئ أعمال هذا الفنان.. التى تقترب من الصوفية الإبداعية صمت .. هدوء سكينة مصالحة مع الذات.. وبمعنى آخر هى اعمال تحمل سمات السكوت المعبأ بالقول.. الألم .. والأمل وحب الحياة !
` ساركيس طوسونيان `
- فنان سكندرى من جذور أرمينية فتحت تلك المدينة الكريمة صدرها لتضم كل جنسيات العالم .. ليذوبوا فى شخصيات الأسرة .. تلك الشخصية التاريخية .. فرعونية رومانية إسلامية لهذا فإن اعمال معظم فنانيها تجاوزت سمات الحضارة الواحدة إلى تعددية ما عاشته، لكنها فى شكل متآخ يجمعها كلها.. فى واحد.. سيد درويش.. بيرم التونسى.. محمود سعيد.. سيف وانلى وهم نماذج لمبدعين مصريين عظماء.. واليوم نتحدث عن ساركيس طوسونيان كأنه `كافافيس` شاعر ببلده وناسه شخصيات هذا الفنان يلفها غموض تاريخى وأسطورى.. دون ملامح فى الوجوه يدعك تضع أنت تفاصيلها.. ممشوقة القوام لها ثبات حركة ظاهرة .. وباطنها ديناميكية رائعة.. الملابس تتوافق مع الملامس وكل مسافة محسوبة تجد خشونة ترد عليها مساحات ناعمة مصقولة فى حوار بين الصخب والصمت أو جدال بين الحركة والسكون.. الشخصيات كلها مفعمة بهدوء الذين يتعبدون صلاة فى خشوع يسبح بتراتيل ودودة.. إن هذا الفنان صورة واضحة للسكندرى المرتبط والذى تلخص أعماله تاريخ هذه المدينة التى هى تمثل نظرة مصر الأولى على الدنيا من شباك بحرها الجميل.. تحية لقاعة سفرخان وتحية لفنان خلوق مهذب.. ورائع .
إبراهيم عبد الملاك
صباح الخير -2009
عن تماثيل سركيس طوسونيان والفنانين الأرمن فى مصر
- للأرمن فى مصر حضور قوى فى مجالات ( الفنون والحرف الفنية ) منذ منتصف القرن التاسع عشر وخاصة فى مدينة الإسكندرية .. كانوا روادا فى التصوير الفتوغرافى وورش الطباعة وخاصة الطباعة على الحجر لأفيشات السينما والمطبوعات الملونة والزنكوغراف واشغال الذهب وغيرها من الحرف التى تحتاج إلى الموهبة الفنية .. ومنذ هجرة الشعب الارمنى إلى مصر عقب المذابح التى تعرضوا لها من الأتراك عام 1896 ووصول الفنان يرفاند دميرييان كأول فنان ارمنى مصرى .. تشابك إبداعهم الفنى مع ابداع الفنانين المصريين فى نسيج واحد.
- وتؤكد تماثيل الفنان السكندرى المصرى سركيس طوسونيان الارمنى الاصل ان هذا المزج الجمالى بين ما هو مصرى وما هو من أصول غير مصرية نتج عنه ابداع اتسم بالعالمية .. كنا نرى هذه العالمية فى أعمال فنانين مصريين من أصول يونانية وايطالية وفرنسية وغيرهم فى فترة ازدهارهم بالإسكندرية من الثلاثينات إلى الستينات من القرن الماضى وتأكدت هذه المدرسة السكندرية فى دورات بينالى الإسكندرية لدول البحر المتوسط .
- فى معرضه الاستعادى الكبير بأتيليه الإسكندرية قدم الفنان القدير سركيس طوسونيان ( 58 عاما ) فى .. منحوتاته المنفذة بخامة البرونز المفرغ من عام 2003 وحتى الآن .. وقبل هذا التاريخ كانت تماثيله البرونزية مصمتة .. وتتألق فى كل أعماله المرأة التى تمثل حالة ارمانيا الجريحة حتى الآن .. وفى ناحية أخرى تمثل الإسكندرية البحر متوسطية التى عاش وتعلم فيها الفنان .. والثنائية الجمالية التى ينتهجها طوسونيان فى تماثيله هى تلميع أجزاء من التمثال وترك بقيته بتأثير خامة البرونز كأنه عمل فنى قديم عثر عليه الفنان .. يقوم بتلميع أجزاء لتأكيد مضمون العمل وإبراز جماليات نسائه البرونزية التى بلا ملامح .. الجديد فى آخر إبداعاته الاهتمام بتفاصيل الوجوه وتركها بتلقائيتها وكأننا اكتشفناها فى التو واللحظة واستخرجناها بأتربتها من الحفريات وجوه لملامح بنات الصعيد وبحرى هذه المرة وجوه مصرية أصيلة .. فى معرض جديد ثرى حول قضية الإنسان ومعاناته .. بين قتامه الحياة ولمعان ذهب الاحلام والامانى فى الماضى والحاضر والمستقبل .
- سركيس طوسونيان الآن واحد من أهم نحاتى مصر وأعماله الميدانية تتألق فى مطار القاهرة .. حديقة الحرية بالقاهرة .. مكتبة الإسكندرية .. السفارة والبطريركية الارمنية .. ونوادى الارمن بمصر وفى العديد من المؤسسات .. تخرج فى كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1979 وتفرغ تماما للعمل الفنى .. شارك فى سمبوزيوم أسوان الدولى للنحت على الحجار الصلبة وغيره والتى أبدع فيها العديد من الأعمال .. وشارك فى معارض الفن المصرى المعاصر فى مصر والخارج .
- كتب عنه الفنان الارمنى ( هرابت كشيشيان ) فى كتابه إلهام الذى أرخ فيه الفنانين الآرمن فى مصر .. وقال ( آميه إزار) فى مؤلفه الشهير ( التصوير المصرى الحديث ) لا يمكن فى تاريخ التصوير المصرى الحديث أن نغفل إسهام الفنانين الارمن .
بقلم : عصمت داوستاشى
جريدة أخبار الأدب 6 مايو 2012
رؤى حديثة ..موغلة فى الزمن !
سركيس طوسونيان
هذا الفنان السكندرى نتابعه منذ سنوات طويلة من خلال تماثيلة البرنزية السوداء التى تتقاطع معها فى مناطق مختلفة شرائح ذهبية براقة ، فتنقلنا عبر الزمن إلى خبيئة مقبرة توت عنخ أمون بتماثيلها التى تكتسى باللون الأسود وتتحلى فى غطاء الرأس والصدد بشرائح الذهب ، فتضفى عليها ذلك الغموض السحرى والرهبة التى تدق لها القلوب .
تماثيل طوسانيان - ( لعله سليل الفنانين الأرمن فى مصر الذين صاروا مصريين قلبا وقالبا على امتداد القرن الماضى - تحمل الكثير من نبل تماثيل الفراعنة ، ومن غموضهم أيضا ..عبر الشموخ والمهابة والرفعة والتوحد مع الذات والقوى الكونية ..لكن قد يبدو أسلوبة أقرب إلى النحت اليونانى والرومانى فى الاسكندرية بما يتميز به من اهتمام بالتشريح العضوى - وإن كان بدرجة مبسطة - والوقفات المسترخية قليلا، وقد نلاحظ تأثره أيضا بالنحات الفرنسى جياكومتى الذى تأثر بدوره بالفن المصرى القديم .
قد يجعلنا ذلك - منذ الوهلة الأولى - ندرجه فى إطار الكلاسيكية الجديدة أو الاتجاهات المحافظة المناوئة للحداثة ، لكن الحقيقة غير ذلك فهو أميل خلق تضاد بين الشكل التقليدى والشكل الحداثى عبر الشرائح الذهبية العريضة فى أماكن غير متوقعة من مساحة الجسم السوداء ، وقد لا تكون لهذه الشرائح وظيفة عملية كأشكال للزينة أو الأزياء ،إنما لعلها أقرب إلى البحث عن مفارقة وجودية للإنسان القديم .. الوحيد ( المتوحد) فى مواجهة حضارة عصرية مبهرة بقيمة المادية التى يرمز إليها بريق الذهب ، وقد يكون دافعة هو إيجاد هذه المفارقة الشكلية فى حد ذاتها دون اهتمام بمغزى فلسفى .
على أية حال فما يعنينا هو ما يضفيه على تماثيله السوداء من بصمة شخصية عبر لمسات تعبيرية تميل إلى التأثيرية العفوية المبسطة وما يسقطه فى النهاية من إيحاء بمدرسة الاسكندرية بحضارتها البحر أوسطية ..وأخيرا فلعله ينفى التناقض المزمن فى حركتنا الفنية المعاصرة بين الأصالة والحداثة ..فليس كل من يحترم شكل وقيمة الانسان فى أعماله تقليديا وليس كل من يلغى الانسان ويميل إلى التجريد حداثيا ..فثمة قيمة معنوية للشكل المجرد قد تمتد إلى جذورنا وثمة عروق من الحضارة القديمة قد تمتد إلى تيارات الفن الحديث .
عز الدين نجيب
القاهرة 17-5-2016
|