آخر الفرسان.. الريشة تبكى فى وداع ساحر الكاريكاتير
- لن ينسى الكاريكاتير المصرى الأيادى البيضاء للراحل جمعة فرحات، الذى منح هذا الفن قُبلة الحياة، فى مرحلة كان قد بدأ التوارى نسبيًا عن المشهد الصحفى، ليقوده `جمعة` ويحافظ على مكانته، فى موجة صعود جديدة، بعد الموجة الأولى التى قادها المؤسسون الكبار: `عبدالمنعم رخا وصاروخان ورفاقهما`، ومن بعدهم صلاح جاهين ومن معه، وصولًا إلى آخر الفرسان جمعة فرحات.
- بصحبة الريشة التى تبكى عليه اليوم، بعد رحيله عن عالمنا، أمس الأول، قطع الأستاذ الجليل مسيرة طويلة فى بلاط `صاحبة الجلالة`، اُختتمت وسط أحزان محبيه وتقديرهم لتلك المسيرة التى تزيد على نصف قرن، أثرى فيها `جمعة` الحركة التشكيلية والصحفية والفنية المصرية.
- زاد شعبية الفن ببرنامجه `جمعة كل جمعة`.. وجسد هموم `المهمشين`
- ولد جمعة فرحات فى 24 أبريل 1941، وحصل على درجة البكالوريوس من كلية التجارة عام1964، ومنذ ذلك التاريخ التحق بالعمل فى مؤسسة `روزاليوسف`، وواصل مسيرة العطاء من داخلها طوال ما يقرب من ? عقود، ثم عمل رسامًا فى صحيفة `الأهرام ويكلى` التابعة لمؤسسة `الأهرام`، منذ صدورها عام 1990، وبدأ نشر أعماله فى جريدة `الأهرام` قبل ما يقرب من 22 عامًا.
- تُوج `جمعة` بالعديد من الجوائز، منها جائزة `على ومصطفى أمين`، وجائزة نقابة الصحفيين مرتين عامى 1986 و1989.
- قال الفنان التشكيلى صلاح بيصار إن جمعة فرحات ساعد فى زيادة شعبية فن الكاريكاتير بين الأوساط العامة، خلال مرحلة حرجة ودقيقة من تاريخ هذا الفن، كما أنه كان صاحب نظرة ثاقبة فى الكاريكاتير السياسى، خاصة فى كتابه `سلام الدم`، الذى ناصر فيه القضية الفلسطينية ودافع عن المسجد الأقصى بالكاريكاتير، حتى اتهمته إسرائيل بـ`معاداة السامية`.
- وعن دوره فى الكاريكاتير الاجتماعى، بيَّن `بيصار` لـ`الدستور` أن `جمعة` كان `رسام الإنسان العادى والمطحون`، لذا أبدع فى رسومه الكاريكاتيرية التى جسد فيها هموم موظفى الدرجة الثالثة، ومن فاتتهم العلاوة ونسيهم السلم الوظيفى، وأصحاب المعاشات، والمهمشين من أصحاب الحرف.
- وأضاف: `ما قدمه جمعة فى أعماله هو مجموعة من أجمل الرسوم المصرية وأكثرها واقعية، بتلك الخطوط المستديرة والمنحنية المتكسرة والمتآكلة، كما جاءت وجوهه وصوره الشخصية لنجوم السينما أكثر تعبيرًا عن الصور الواقعية، لما تحمله من روح الشخصية.
- وأوضح أن `جمعة` اختار 6 من نجوم الزمن الجميل `الأبيض والأسود`، واستدعى لكل نجم أشهر تعبير مصاحب لشخصيته، فنرى ستيفان روستى مع `نشنت يا فالح`، ونجيب الريحانى مع `إفيهه` الشهير: `أنا كدا حظى كدا`، بينما تردد مارى منيب: `مدوباهم اتنين`، وعبدالفتاح القصرى يقول: `يا صفايح الزبدة السايحة`، وزينات صدقى `كتاكيتو بنى`، وإسماعيل يس `جتك نيلة وأنت شبهى`.
- واختتم `بيصار` بالقول إن رسام الكاريكاتير الكبير صاحب البرنامج التليفزيونى الشهير `جمعة كل جمعة` نجح فى تحويل ريشته الذكية إلى رسول يعكس هموم الإنسان المصرى فى واقعنا المعاصر، توازيًا مع هموم السياسة والصور الشخصية، كما أن برنامجه التليفزيونى نجح فى فتح آفاق جديدة للكاريكاتير المصرى شعبيًا.
- زملاؤه فى `روز اليوسف والأهرام`: `متواضع وبسيط.. وصاحب قضية`
- صنع جمعة فرحات المجد ما بين مؤسستين عريقتين من أركان الصحافة العربية، هما: `روزاليوسف` و`الأهرام`، وتذكر الكاتب والفنان التشكيلى محمد بغدادى أيامه فى الأولى، قائلًا عبر `فيسبوك`: `رحل آخر فرسان جيل الوسط فى مدرسة المشاغبين المصرية بمجلتى (روزاليوسف) و(صباح الخير)`.
- وأضاف `بغدادى`: `التحق جمعة بمؤسسة (روز اليوسف) فى منتصف الستينيات، بعد تخرجه فى كلية التجارة، وبرع فى رسم البورتريهات الكاريكاتيرية، وقدم الكاريكاتير السياسى والاجتماعى على مدى ? عقود فى المجلة`.
- وواصل: `وواظب أيضًا على تقديم رسومه الكاريكاتيرية فى (الأهرام ويكلى)، و(الأهرام) اليومى، وقدم برنامجًا تليفزيونيًا فى القناة الثالثة، تناول فيه بالتحليل الرسوم الأجنبية، كما شارك فى تأسيس (الجمعية المصرية للكاريكاتير)، حتى تولى رئاستها منذ سنوات، بعد رحيل الفنان مصطفى حسين`.
- وأكمل: `أمضينا سنوات ذهبية مجيدة فى صداقة دائمة، عندما انتقلت من مجلة (صباح الخير) لأتولى مسئولية المدير الفنى لمجلة (روزاليوسف)`، مختتمًا بقوله: `فقدنا فنانًا جميلًا أعطى حتى آخر يوم فى حياته، وعاش محبًا للبشر، وفنانًا صاحب قضية متواضعًا وبسيطًا، خالص العزاء لأسرة الكاريكاتير المصرى الكبيرة ولأسرته الصغيرة وأولاده`.
- على الجانب الآخر فى مؤسسة `الأهرام`، تذكر جلال نصار، رئيس التحرير السابق لـ`الأهرام ويكلى` `المسيرة الأهرامية` لـ`جمعة`، قائلًا فى نعيه عبر `فيسبوك`: `منذ اليوم الأول والعدد الأول وقبلها الأعداد الزيرو لـ(الأهرام ويكلى)، كانت ريشة الأستاذ جمعة من الملامح الرئيسية لصفحة الرأى للجريدة، ولم ينقطع أبدًا عن تلك المساحة الشهيرة إلا فى ظروف مرضه التى منعته لبعض الوقت`.
- وأضاف: `العمق فى قراءة المشهد الداخلى والإقليمى والعالمى، كان أهم ما يميز خطوط الأستاذ جمعة`، مشيرًا إلى أن الراحل العظيم الأستاذ حسنى جندى، رئيس التحرير المؤسس، والأستاذ سمير صبحى، صاحب `الماكيت` الأصلى وما لحق به من تطوير، كانا يريان أن `جمعة` هو الأفضل داخل مصر والوطن العربى فى رسم الكاريكاتير دون تعليق مصاحب، وهو ما يناسب ذوق قارئ `الأهرام ويكلى`.
- تشكيليون: صاحب مسيرة لـ60 عامًا.. ووزيرة الثقافة: من أبرز الفنانين
- بحجم الخسارة كان الحزن كبيرًا بعد رحيل جمعة فرحات، وفق الفنان التشكيلى الدكتور حسن فداوى، الذى نعاه عبر حسابه على `فيسبوك` قائلًا: `إلى رحمة الله المشاغب والصديق الجميل جمعة فرحات، هتوحشنى يا جمعة العزيز. عمومًا نلتقى عن قريب لنتبادل النكات ونغرق فى الضحك`. وقال الكاتب الصحفى شريف عارف، فى وداع فنان الكاريكاتير الراحل: `جمعة فرحات واحد من جيل الرواد فى فن الكاريكاتير، عرفته عن قرب وأجريت معه حوارات طويلة، واستمتعت بفنه وقفشاته وضحكاته، كما استمتعت لسنوات طويلة برسومه الساخرة`. وأضاف: `جمعة واحد من الجيل الذى خاض معركة الوطن بريشته، وقدم صورة للمجتمع بشكل بليغ لا يقل عن قوة مقالات كبار الكتاب.. جمعة رحل عنا وعن عالمنا قبل دقائق، لكن أعماله ستظل مع الخالدين.. سلامًا إلى روحك يا جمعة، والبقاء لله تعالى`.
- ووصف الجرافيكى خالد المرصفى الراحل بأنه `آخر فرسان فن الكاريكاتير المصرى`، بينما قال الدكتور فتحى عبد الوهاب، رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية، إن `جمعة` كان يحمل ريشة كاريكاتير صادقة، وعبر فى أعماله عن الكثير مما يختلج فى مشاعرنا، برؤية خفيفة الظل، تركت أثرًا عظيمًا وجعلته واحدًا من كبار رعيل هذا الفن.
- وعبر الدكتور خالد سرور، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، عن حجم الخسارة لرحيل الفنان الكبير آخر عمالقة رسامى الكاريكاتير المصريين، مشيرًا إلى أن مشواره الفنى ورصيده الإبداعى استمرا قرابة 60 عامًا، وسيظل حاضرًا وملهمًا لأجيال وأجيال.
- وقال التشكيلى الأردنى عماد حجاب، عبر `تويتر`: `أحزننى رحيل هذا المبدع الذى كان غاية فى التواضع وحسن الخلق، ومن جيل رائع صاغ للكاريكاتير المصرى هويته المميزة، رافقته عدة مرات فى زيارات وأعمال فنية مشتركة فى الأردن ومصر`.
- بينما وصفت الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة، الراحل بأنه أحد أبرز فنانى الكاريكاتير فى مصر والوطن العربى، والذى نجح برسوماته الساخرة فى تناول الكثير من القضايا الاجتماعية.
بقلم : مصطفى طاهر
جريدة : الدستور ( 25-9-2021 )