رباب أحمد نمر
- وجود التوائم فى حياتنا شئ مألوف.. توأمان، أربعة، خمسة ... ولكن مئات التوائم تنجبهم سيدة واحدة ؟؟ هذا ما لم نسمع عنه أو نشاهده إلا فى لوحات الفنانة السكندرية (رباب نمر) التى تقيم لأول مرة معرضاً منفردا فى القاهرة تصاحب فيه توائمها الذين حشدتهم فى حوالى أربعين لوحة زيتية يطلون منها فى براءة طفولية كأنهم محشورون فى حجرات مدرسة من مدارس رياض الاطفال..
- توائم بلا أعمار... كلهم نسخة ( كربونية ) متشابهة ( مونوتيب )فيهم - سذاجة الاطفال ، وشقاوة الشياطين ...
- ورغم سكونية الوضعات، واستاتيكية النظرات، الا أن هناك صخب ينبعث من داخل كل اطار .. صخب صامت .. لأنهم جميعا بلا أفواه ولا شفاه .. صخب حركى مبعثه تزاحم الأجسام وتكاتفها فى الحيز الضيق الذى لا يتكافأ مع احتياجهم من الأكسجين الفراغى الذى يتعادل مع كثافة المحتوى ....
- الوجوه دائرية ملساء دائما... بلا آذن.... كأنها أرغفة مقددة.. والعيون شاخصة فى اندهاش وتساؤل ..الأجسام كأنها قصاصات ورق .. مفصلة ` كالبترونات` فقدت كثافتها وثقلها المادى... تنتهى بأذرع ذات زوايا حادة، وكفوف نمطية مثل أسنان المشط ..
- ويأتى دور اللون لكى يضع اللحن المناسب لهذه القصائد المحكمة النظم ، فيتناغم البارد والساخن فى تفاهم ودى حميم، وتتجاوز الاشتقاقات اللونية او تتباعد حسب خطة لحنية حكيمة ، تملك زمامها الفنانة مثل المايسترو الحاذق الذى يدير اللحن السيمفونى بحكمة واقتدار ...
- وللألوان دسامة وحلاوة، حلاوة ليست سكرية سريعة الذوبان، وليست مركزة بحيث لا يستسيغها الذوق، ولكنها حلاوة معتدلة، منضبطة بإحكام وحسن تصرف وذوق رفيع ولا يصبح اللون هنا عنصرا ثانويا أو مكملاً او تجميليا، وانما يصبح عنصرا تعبيريا تارة وتارة وأخرى عنصرا وعضويا وبنائيا يقتضيه التصميم والنسق والنسيج العام .. واول ما تستجيب له العين هو ذلك التخطيط والتصميم المحكم الذى يوحى بالاستقرار والصلابة والثقل. وقد يتعارض هذا الوصف مع ما ذكرناه من عذوبة التناول ورقة المعالجة غير أن الثقل هنا معنوى ايحائى، مبعثه صراحة المفردات وانحصارها داخل حدودها الهندسية المغلقة، دون أن تفقد الحس الانسانى وشاعرية العلاقة الحميمة التى نشأت من معايشة الفنانة الطويلة لتوائمها، حتى أصبحوا يكونون عالمها الخاص الذى يميزها عن زميلاتها ، وأكسبها ذلك الأسلوب المتميز .. مخلوق أنصاف دمى ، وأنصاف آدمية .. عرائس عرفت الفنانة كيف تحركها فوق مسرح اللوحة بذكاء شديد. وبوعى هندسى يحقق التعادل المنشود بين العناصر الحية والجوامد ...
- وفى شئ من تحدى الذات واختبار طول النفس، تختار الفنانة هذه (التيمة) التى تتكرر فى لوحاتها منفردة تارة، ومتعددة تارة أخرى.. تصيغها فى كل مرة صياغة متجددة، مختلفة النسق والإيقاع، ومختلفة النغم اللونى أيضاً... وهى إذ تنثر ` توائمها النمطيين ` فوق مسطح اللوحة، فإنها توزع العناصر الهندسية التكميلية بوعى شديد ليتم الحوار الجدلى بين الطبيعتين المتناقضتين، مع مراعاة الممرات التمهيدية ومناطق العبور التى تنزلق فوقها العين فى تجوالها عبر المساحة الملونة ، متنقلة من مساحة لأخرى... وكذلك مراعاة الحدود المغلقة المسدودة التى تصطدم بها العين لكى ترتد أو تتوقف لتبدأ رحلتها من جديد ...
- وينسكب الاحساس الأمومى والأنثوى الرقيق فى حنان بالغ ، وفى صمت بيلغ من فرشاه الفنانة فوق هذه الكائنات ` المريخية ` فتلمسها برفق شديد، فينقش السطح المفلطح الهزيل الذى فقد كثافته نتيجة للتحريف المقصود ، ويبدأ فى التنفس شهيقاً وزفيرا، ليعلو وينخفض مع اللمسلت الرهيفة، فيها يشعر الملتقى `برقائقية ` الجسام ولا ` بورقية الهياكل ....
- وفى مناخ هذا الاسلوب الشيق الذى ابتدعته الفنانة ، والذى لا تخطئه عين تنتقل العين من لوحة لأخرى دون أن تصيبها ملالة التكرار ، أو لجمود `الرتابة ` التى قد ينزلق فيها الفنان نتيجة التزامة `بلازمة ` يفرضها دون مبرر أو منطق - وهى ظاهرة افلاسية - وهذا يؤكد طول باع الفنانة فى استحداث نسق جديد فى كل رحلة يشعر فيها المتلقى أنه يجتازها ولو مرة دون أن يفقد حرارة المفاجأة .... وتتسلل إلى لوحات الفنانة بعض المفردات المتطفلة ، مثل القطة والسمكة أو الطائر.. ولكنها لا تطيل البقاء وسط هذا الصخب الطفولى ، فتبرح مكانها لتفسح المكان للتوائم الكثيرين جدا ، لكى ينشدوا أناشيدهم الجماعية فى صمت وقور وكأنهم ` كورال` يغنون فى احتفال مهيب .. أصواتهم همهمة، وأنغامهم أطياف ألوان شجية، تطرب يحتفلون بعيد ميلادهم؟؟
أم يحتفلون بالمعرض الأول لأمهم الروحية `رباب نمر ` ؟؟
بيكار
استوحى أعمالى من وجه البسطاء
- لا أساطيرها لا تفصل المشاهد عن الواقع الإنساني فصدقها فى التعبير عن الطابقات البسيطة من المجتمع كالصيادين وبائعى السمك وصلت لوجدان المشاهد بأسلوبها المميز وأصبحت زرباب نمر واحدة من أكبر الفنانات المصريات واسمها أصبح يتردد كثيرا دوليا .. الفنانة الدكتورة رباب نمر عرفت منذ بدايتها بعشقها لحى الأنفوشي السكندرى العريق الذى نواه دائما بأفلامها ذات السن الدقيق تنسج لنا تكويناته من إحساسها مباشرة على اللوحة لتتلقاه أعيننا بانسجام شديد وكأننا فى حوار مستمر مع اللوحة بوجداننا , دفء لوحاتها يتسلل إلينا سريعا لنستوعب تلك الإنسانيات التى ترصدها بعمق فهي تعبر عن الأسرة بإحساس متفرد ولها خصوصية في ذلك كما تهتم بتلك الطبقة البسيطة بما تحملة وجوههم من معان تعبيرات كثيرة حزن وفرح وخوف وطمأنينة قلق وغيرها من التعبيرات الإنسانية التى تستشعرها تنبع من أشخاصها .
حدثينا عن تجاربك الفنية وأسلوبك منذ البداية ؟!
- فى البداية كانت أعمالى أبيض وأسود بالحبر الشينى ولم أستخدم الألوان وأقمت عدة معارض بالأبيض والأسود نجحت بها كثيرا وتركت بصمة ثم اشتهرت كرسامة ضمن الحركة التشكيلية وبعد إقامتى عدة معارض شعرت بأننى تشبعت من هذه المرحلة وهذا ما يحدث عادة مع الفنانين ففكرت في إدخال اللون للوحاتى وكان فى البداية على اسحياء كما كان الأسود هو بطل الأعمال .
سافرت للعديد من بلدان العالم وشاهدت الطبيعة الجميلة , لمذا لم تتأثرين سوى بمصر في أعمالك وبخاصة مدينة الأسكندرية والبحر المتوسط ؟!
- أنا حينما أسير بالشارع أنظر للناس جيدا كيف يتحركون وكيف تسير حتى الحيوانات من قطط مثلا ويجلس الكلب في الشارع والغريبة أنه من كثرة عشقي للأنفوشي بدأت تظهر أشياء غريبة على مثل أن ألون المراكب بألوان معينة في لوحاتى وأجد الصياد قد طبقها في الواقع ودونما اتفاق بالطبع وتحدى فى لوحاتى موتيفات مصرية قديمة وإسلامية ومشربيات وأيقونات ولا يعني هذا أننى انقلها من الآخرين إنما نبعث نبعث من وجدانى بأسلوبى الخاص .
هل الفنان يجب أن يحتك بالأشخاص الذين يقوم برسمهم ؟!
- جميع الصيادين الذي كنت أرسمهم في الأنفوشي كانوا يزوروننى أنا وزوجي في القصر وكنت ملتصقة بحياتهم ومن هنا عرفت مثلا حالة البائع الذى يمتاز بالصبر الكبير لكي يجلس وأمامه مشنه السمك بعد أن كان وجهه عابسا .
بماذا تشعرين عندما تحصل على أجازة ؟!
- أنا في بينالى الاسكندرية لحوض البحر المتوسط الماضى اقمت تجربة جديدة فى خمس لوحات بمثلون موضوعا واحدا عن الأنسان ومعاناته مع الحياة فحمدا لله أنها بشهادة المصريين والأجانب كانت أفضل الأعمال المعروضة وعندما نلت الجائزة سعدت جدا لأننى شعرت أن الجهد الذى بذلته له تق دير وحصلت على العديد من الجوائز منها في بينالى القاهرة والشارقة للفنون .
أنت من الفنانات اللاتى وصلن للقمة فإلى أي مدى كان زوجك الفنان الدكتور مصطفي عبد المعطي مؤثرا بنجاحك وهل ساعدك كونه فناناً مثلك في ذلك ؟!
- د.رباب : لا يشترط أن يكون زوج الفنان فنان لكى يساعدها على النجاح فزوج الفنة المصرية الكبيرة جاذبية سرى ليس فنانا ومع ذلك يشجعها على العمل الفني , إلا أن زواج الفنانة التشكيلية حينما يكون من شخص في مجالها أفضل بكل تأكيد لأنه سيساهم في فهمه لظروف حياتها وعملها وأحيانا اضظر للاستغراق في اللوحات من الصباح حتى المساء وانسي الطعام والوقت ولا أن زوجى يقدرني ويناقشني في أعمالى يشجعني لم أكن لأصل , اعتبره استاذ لي يحق .
من أكثر النقاد الذين أثروا فيك بكتاباتهم ؟!
- كثير من النقاد شجوني ولكن لا أنكر دور الرائد العظيم د.عبد الوهاب المسيري والذي عان عاشقا لأعمالي ولم يترك لى أى معرض إلا وشاهدة ودائما كان يقتنى منى أعمالا وأتخيل دائما أنه مازال - رحمه الله - يزور معارضى بابتسامته كما أنه من أكثر النقاد الذين كتبوا عنى وكان يقول لى دائما انتى هتعلمي فينا ايه أكثر من كده .. فى يوم قمت بزيارته فى منزله وفوجئت بأعمال فنية كثيرة لى وسألته كيف حصلت على كل هذه الأعمال كان يقول هو أنا لازم أوللك فى آخر معارضى حضر وأراد أن يقتنى لوحه وفوجئت بوفاته بعد المعرض فقررت ألا تباع هذه اللوحة فرحمة الله كان من أكثر مشجعيي ودائما اتطلع للأفضل ودائما أشعر أن شيئا ما ينقصنى لم أفعله ولا أعرفه .
ما ريك فى الفنون الحديث كالفيديو أرت والميديا التى ينتجها الشباب ألم تفكرى فى ممارسة تلك الفنون ..؟!
- د.رباب لم يكن اتجاهى مطلقا أما عن الشباب فهو متعجل كثيرا ولا أعلم فهل هم يهربون من الأكاديميات لينتجوا هذه الفنون فأين المعارض التى حين ندخلها تشم رائحة الزيت والعمل نفسه وشباب الفنانين يضيعون بالحجرى وراء الجوائز وقليل منهم من ينتج فنا للفن .
ما رأيك فى الحركة التشكيلية المصرية حالياً ..؟!
- جميلة جداً ولدينا فنانين على أعلى مستوى وأى فنان تشكيلى فى مصر لو عرض بالخاج يفوق الفنانين الأجانب وترى ذلك الفرف واضحا في البيناليات فالحركة جيدة خاصة أن الفنان وزير الثقافة فاروق حسنى متهم بالقاعات الجديدة التى تفتتح , والجوائز التى يقيمها والمقتنيات ومنحة التفرغ تساعد بتشجيع الفنان ولدينا قاعات كثيرة جداً للعرض وبكل المحافظات ودلالة على ذلك وجود المعارض بصفة يومية .
الحياة 14 /10 /2008
من بحرى .. وبنحبوه
بحر إسكندرية ، الصيادون ومراكبهم ، حلقة السمك .. مفردات شديدة الخصوصية تقدمها الفنانة ` رباب نمر ` بتكنيك جديد جرئ فى أحدث معارضها لنستقبل معها بشائر الصيف ونسيمه .
- هذا الأحساس العميق بأهل الأنفوشى يصل إليك من خلال أعمالها إلى حد أنها تجعلك تشعر كما لو كنت قد تسللت إلى داخل اللوحة نفسها ، لتشارك الصيادين عملهم داخل مراكبهم ، تتبادل معهم الحوار والغناء والقفشات ، ثم تنتقل إلى حلقة السمك حيث تكاد أن تشترى من الصيادين وقد تلفت نظرك فتاة سكندرية ` دلوعة ` ترتدى ملابس زاهية ، باكسسوارات براقة تخفف من حدة الوجوه الكادحة فى لحظات تحتشد بالحركة والدراما .
- فى لوحاتها تستوقفك بعض المفردات والرموز التى تشكل فى مجملها هارمونية تشكيلية ذات دلالة ، تحسها عندما تتأمل تفاصيلها ، فتأخذك كفوف الصيادين الضخمة إلى دلالة للعمل المستمر الذى لا مجال له للأيدى الناعمة ، وذلك الطائر الذى يشبه النورس يجعلنا نشعر بالأمان والسلام أينما نراه ، وأجسام بشرية تتكاتف فى حيز ضيق وترابط شديد يدفعهم إليه جذور وظروف وأهداف حياتية مشتركة ، ربما لذلك يدور بينهم حوار تحاول أن تسمعه دون جدوى لأنه حوار صامت لغته هو نظرات عيوانهم الشاخصة .
- تجسد رباب ذلك كله بتكنيك جديد تعد من الفنانين القلائل الذين استخدموه فى مصر ، وتعتمد فيه على استخدام أقلامها ذات السن الرفيع الدقيق على مساحات كبيرة مما يصعب معه استخدام ألوان الحبر الشينى لملء الفراغات الدقيقة فى تجربة تقول عنها .
نادية عبد الحليم
مجلة البيت - 2010
رباب نمر قيمة الحياة
- إذا بحثنا عن فلسفة الحياة ومعانيها السامية بين البشر فلنبحر إلى شاطئ الفنانة رباب نمر لننعم بجنة إبداعاتها مع أنغام ألوانها وخوطها التى تحرك وتستنطق المعانى الإنسانية النبيلة ، فهى تعبر عن قيمة الحياة فى مجمل أعمالها التى تتوغل داخل وجدان ومشاعر وفكر المتلقى لتطرح داخله إعجابا وإصراراً وحماساً ينبعث من نسيج موضوعاتها وتعبيراتها التى تصل بهما الفنانة لمرحلة الانصار الكامل مع العمل الفنى ، بالإجادة ودقة الأداء والاداء والاستيعاب لتفيض بأنبل المعانى والأحاسيس التى عبرت عنهما بحميمية التقارب والتلاحم بين شخوص لوحاته فى منظومة حب وأمل وهمة وشهامة تزأر بصوت جهورى بالسواعد والأكف الطموحة ، من أجل مستقبل أرحب يجلب السلام والطمأنينة ورغد العيش للإنسان وعلى الرغم من صمت الوجوه البادى فى لوحاته إلا أنهم يتكلمون بلغات العالم مرسلين إشارات ومعانى قادرة على فك شفرات لغز الحياة .. إنه التحدى الذى يحسم قضية الإنسان المستحق للحياة الكريمة فجاءت خطوطها وألوانها تشع حرارة ينضح بها العقل والقلب معا ، فالتعبير عن الناس هو بطل التقنية التشكيلية لأعمالها ، يسيطر على شخوصها ومفرادتها من بحر وفلك وطيور وأسماك وأكف البشر .. تتعانق جميعها مرتلة أناشيد الأمل والعطاء والرخاء .. فالبحر عندها هو المستقبل البعيد .. عمق البحر الآتى بالأحلام تحملها الفلك السابحة ، والطيور هى نذير زغاريد الأفراح القادمة والسمك هو رغد الحياة ورخاؤها والأكف هى قوة الإيمان بالعمل والحزم والإخلاص والتأخى .. إن مكانة الفنانة رباب الفنية الجامحة بثراء واستيعاب خاص تتكافأ مع قوة تعبيراتها اللونية والخطية التى تكشف عن ميلها للاتجاه التكعيبى لتكتمل أهرامات منظومتها بإيقاع مارش القوة والصلابة الموروث لديها من جذورها الحضارية .
د. مريم المهدى
الهلال - سبتمبر 2010
( رباب نمر تجدد رؤيتها للبحر والصيادين ( فى حب الإسكندرية
- ربما لو أن معرض الفنانة رباب نمر `فى حب الإسكندرية ` سمى باسم `غواية إسكندرية ` لكان أقرب لتصوير الحالة الروحية والتجانس الخفى ما بين الطبيعة الفنية لرباب نمر وبين طبيعة الإسكندرية.. تجليات سكندرية لا نهائية فى معارض نمر، إنما هذا المعرض تحديدا له ملامح خاصة إحساس خاص... تتجدد رؤية لحياة إسكندرية البحرية فى صياديها ونسائهم، وحياتهم البسيطة، لكنها تفيض بالخير والعطاء المتمثل فى `السمك` الذى اجتاح معظم لوحاتها، كذلك الطيور التى تعيش بالقرب من البحر، التى استطاعت الإمساك ببعضها وإبقائها واقفة بلوحاتها وتكون بمساحاتها المثلثة هندسيا تكاملا مع عناصر اللوحة مختلفة المساحات والأشكال الهندسية.
- لازالت نمر محتفظة بشخصيتها التقنية فى لوحاتها من حيث استخدام مساحات لونية فى الأرضية ثم مرة أخرى تبنى فوقها بالريشة والحبر الشينى كتلها المتنوعة ما بين شخوص وأسماك وطيور فى صبر طويل، وتبدأ فى تجسيد هذه الكتل بانكسارات الضوء عليها التى تحدد هى الأخرى مساحات هندسية جديدة على سطح العناصر المختلفة، كذلك اهتمامها الواضح بالأشكال الدائرية للأزرة مع عيون السمك الدائرية والتى ربما تهدئ من لان هائيتها عيون الشخوص المثلثة ومعالجة المنطقة المحيطة أيضا للعيون بمساحات ضوئية مثلثة، لتحقق هذه الدوائر الصغيرة نوعا من الاتزان فى اللوحة وخلق خطوط حركية غير مرئية إنما تستشعرها العين اللماحة، كذلك الترديد ما بين المساحات الضوئية المنيرة وتقاطعاتها مع نظيرتها المظللة أو الخافتة البعيدة عن الضوء.
- من أبرز لوحات المعرض لوحة الشابين المحبين تحت الشجرة الوارفة يستظلان بها والتى تغطى أوراقها معظم مساحة العمل وتتخللها ثمار التوت الصغيرة الحجم لتبدو وكأنها عيون ناظرة للمحبان،أيضا فى لوحة أخرى حيث وجه امرأة بنظرتها الأبدية مرتدية الكردان وعلى رأسها تقف طيور البحر يناجيان بعضهما البعض يكونان معا قوسا أو هلالا محيطا برأس سيدة العمل، فى لوحة أخرى نجد السيدات يحتضن بعضهن البعض وكأنهن فى حالة شجن أو نحيب فى تكوين متماسك تماما لونيا وهندسيا فى توزيع المساحات المختلفة المتكسرة والمكونة للكتل المختلفة باللوحة.
-فى إحدى اللوحات صورت نمر وقفة احتجاجية للصيادين حيث مراكبهم فى الخلفية خاوية تماما وهو يقفون فى أمامية اللوحة بوجوه حاضرة ناضرة تعبر عن الغضب الحكيم لهان فهى تقف فى صمت وسلمية مثل كل الأفعال الثورية الحرة، بينما فى اللوحة البطل بالمعرض وهى علم مصر وأمامه جموع الشعب صورتها نمر بالأبيض والأسود وكأنه إجماع للأمة المصرية على التغيير وتأكيدا على أن الثورة مستمرة.
- تهدى نمر معرضها `فى حب الإسكندرية ` لصديقها المفكر الدكتور عبد الوهاب المسيرى الذى كتب لها مقدمة معرضها فى 2008 قبل وفاته مباشرة، وكان دائما ما يحفزها على التطور والإبداع دون أن تقف يوما، وهو ما أكدت عليها فى كلمتها بمقدمة كتالوج المعرض المستمر بقاعة الفن بالزمالك حتى السابع من مايو المقبل .
تغريد الصبان
روزاليوسف - 17/ 4/ 2013
فى حب إسكندرية .. رؤية للفنانة رباب نمر
- (فى حب إسكندرية ) عنوان معرض الفنانة رباب نمر المقام حاليا ًبقاعة الزمالك للفنون، ويضم 25 لوحة مرسومة بالحبر الرابيدو، تعبر عن البحر والصيادين من وحى الانفوشى وميدان التحرير والذى افتتحة د. محمد صابر عرب وزير الثقافة الاسبق ود/ صلاح المليجى رئيس قطاع الفنون التشكيلية .
- والمعرض يعبر عن مشاكل الانسان من فقر وجوع وزحام وعيون حائرة فموضوعات الفنانة رباب نمر جميعها تخص الشعب والبيئة، وهى واحدة من أكبر الفنانات المصريات ويتردد اسمها كثيرا على المستوى الدولى وقدعرفت منذ بدايتها بعشقها لحى الأنفوشى السكندرى العريق الذى ترسمة دائما بأقلامها ذات السن الدقيق، وتنسج تكويناته من أحسيسها مباشرة الى اللوحة لتتلقاه أعيينا بانسجام شديد، وكأننا فى حوار مستمر مع اللوحة بوجداننا ويرجع عشقها لحى الانفوشى الى أنها تعيش فى الإسكندرية، وكانت تقول دائما : من يريد الرسم فليذهب للاسكندرية، فهى تعشق حى الانفوشى وتهوى مشاهدة الصيادين الجالسين والناس تشترى السمك منهم وتتابع الصيادين وهم يذهبون للمقاهى ليلعبوا الكوتشينة .
- وهى فنانة قوية الملاحظة ولها ذاكرة فوتغرافية تدربها كثيرا بمتابعة الناس بعين الفنانة فحينما تسير فى الشارع تنظر للناس والحيوانات وكل الكائنات جيدا وتتابعهم فى حركاتهم وسكناتهم، والغريبة أنها من كثرة عشقها للأنفوشى بدأت تلون المراكب بألوان معينة فى لوحاتها وتجد بعض الصيادين قد طبقوها فى الواقع ودونما اتفاق بالطبع وكان هناك حالة من توارد الخواطر والاتفاق فى الذوق العام وتوحد حب الالوان .
- والانفوشى بصفة خاصة له خصوصية المكان عند الفنانة وهى التى تميزها فهى من طينة مصرية ومع أنها تتردد على القاهرة تقريبا ثلاثة أيام فى الاسبوع لظروف عمل زوجها الفنان الدكتور مصطفى عبد المعطى بالجامعة، إلا انها لم تؤثر فيها مثل تاثير الاسكندرية عليها حتى أنها ملكت عليها تفكيرها واختصت بمعظم إبداعاتها، وربما ساعد فى ذلك أنها تتاثر بما تشاهدة من الخارج أننى سافرت بعد أن تكونت فنيا وكنت أكبر فى السن دون معايشته كما فى الاسكندرية .
- والحقيقة أن العلاقة التى تربط الفنانة بالصيادين لم تعد سطحية وانما تربطها بهم علاقات مودة واحترام وصداقة حتى ان جميع الصيادين الذين كانت ترسمهم فى الانفوشى كانوا يزورونها هى وزوجها فى القصر الذى يعيشان فيه، وكانت ملتصقة بحياتهم وتعرف عنهم أدق تفاصيل حياتهم والصعاب التى يمرون بها وكيف يتجاوزونها وكيف تؤثر على تعبيرات وجوههم ومن هنا كانت تعرف مثلا حالة البائع الذى يمتاز بالصبر لكى يجلس وأمامة مشنة السمك وينتظر بيعها وتشعر كيف يسعد بيع السمك بعد أن كان وجهة عابسا، لهذا نشعر بدفء لوحاتها يتسلل إلينا سرعا لنستوعب تلك الانسانيات التى ترصدها بعمق .
وقد تأثرت الفنانة كثيرا بزوجها الفنان مصطفى عبد المعطى لانهما يعملان فى مكان واحد، وكان من الطبيعى ان يتأثر عملها به لكنها بدأت الخروج من هذا التأثر مبكراً .
- أما عن طبيعة رسومها وأبطالها فتقول الفنانة : هى فورمات، فأنا لا ارسم القطة التى تسير بالطريق العادية بل ارسم قطتى أنا كما أتخيلها وأتصورها، وقد أقمت معرضين للحيوانات التى رسمتها بالابيض والاسود ، ولا أعتمد على عمل اسكتش للشخوص قبل نقلها على اللوحة بل اضع القلم والفرشاة مباشرة عليها من اول وهلة .
- والفنانة تعبر أيضا عن الاسرة بإحساس متفرد، ولها خصوصية فى ذلك كما تهتم بالطبقة البسيطة بما تحمله وجوههم من معان وتعبيرات كثيرة : حزن،فرح، خوف، طمأنينة قلق وغيرها من التعبيرات الانسانية التى نستشعرها تنبعث من شخوصها .
- ويوجد فى لوحات الفنانة رباب نمر موتيفات مصرية قديمة وإسلامية ومشربيات وأيقونات تنبع من وجدانها بأسلوبها الخاص .
- وعندما بدأت الفنانة مشوارها الفنى كانت أعمالها فى مجال التصوير، واستمر ذلكحوالى أربع سنوات، ثم فكرت بأن ترسم ووجدت تشجيعا كبيرا من الفنانين والنقاد، وفى البداية كانت أعمالها ابيض واسود بالحبر الشينى ولم تستخدم الالوان، واقامت عدة معارض بالبيض والاسود نجحت فيها كثيرا، وتركت بصمة ثم اشتهرت كرسامة ضمن الحركة التشكيلية، وبعد إقامتها عدة معارض شعرت بأنها تشبعت من هذة المرحلة، وهذا ما يحدث عادة مع الفنانين ففكرت فى إدخال اللون للوحاتة وكان ذلك فى البداية على استحياء كما كان الاسود هو بطل الاعمال . وبعد ذلك تجرأت الفنانة أكثر بأن وضعت اللون بشكل أكبر، فاصبحت النتيجة أفضل، وذهل زوار المعرض من استخدام الحبر الشينى الملون بأرفع سن من أقلام الرابيدو على الورق الفيبريانو :لأنها أعمال تصويرية، لدرجة أن البعض اعتقد ان أعمالها طباعة من إتقانها .
- ومع أن الفنانة كانت مسئولة سابقا عن الفنون التشكيلية فى الثقافة الجماهيرية الهيئة العامة لقصور الثقافة حاليا فلم يؤثر العمل الإدارى على إبداعها ولم يحدث خلط بين ايداعها وعملها الإداري، وكانت قادرة على الفصل تماما بينهما حتى يخرج كل منهما بكفاءة عالية واستطاعت ان تقيم معرضين وهى فى الادارة، وبالفعل فقد استفادت من جولاتها بالقصور وفنانيها.
نجوى العشرى
القاهرة - 23 /7/ 2013
رحلة فى عالم رباب نمر
أى فنان تشكيلى تكون له تجربته الخاصة .. وعمله فى عالمه الخاص الذى يحتوى ويسيطر علية . ويتعايش معه .. وينصهر فيه . فالانسان هو العنصر الاساسى فى عالم رباب نمر وأحياناً تشترك معه عناصر أخرى وهى لا فرق بينها وبين أى عنصر آخر يوجد باللوحة . لأنه يأخذ نفس الأهمية من التعبير والشحنة الفنية .
ومن أجمل معارض الفنانة رباب نمر آخر معارضها ـ الذى أفتتح الشهر الماضى بقاعة الزمالك للفنون .وكان يحتوى على كثير من الأعمال ذات القيمة الفنية الرفيعة المستوى .التى تنم عن خيال واسع ورؤية فنية مثقلة بفكر وأسلوب خاص جداً بالفنانة ، وكان المعرض تحت اسم ` أبيض ـ أسود ـ ألوان `
وهنا تضع الفنانة رباب نمر الألوان فى لوحاتها المدروسة جيداً بالأبيض والأسود تضع الألوان بحرص شديد وكل لون فى مكانه المحسوب بعناية شديدة لأنه من المعروف أن الفنانة تستخدم الأبيض والأسود بشكل قوى بلوحاتها وهذا يجعلها بالطبع قوية فى وضع اللون فى اللوحة بطريقة مدروسة أيضاً ومن المعروف أن الفنانة خريجة كلية الفنون الجميلة ـ جامعة الإسكندرية 1963 وكان لها الكثير من الزيارات التى طافت بها العالم عن طريق معارضها ، أثرت كثيراً وأضاقت لتجاربها الفنية لتترك أثراً قوياً وبصمة واضحة وأصبحت علامة من علامات الفن المصرى المعاصر .
وهى حاصلة على درجة الأستاذية أيضا فى الفنون فى أكاديمية سان فرناندو لجامعة مدريد ـ بإسبانيا لعام 1977 وهى معادلة للدكتوراه التى تمنحها الجامعات المصرية . وهذا أدى بدوره الى فوزها بجائزة الاستحقاق فى التصوير فى المعرض العام لفنانى مصر فى دورتى1981-1982. ومن المعروف أن المعرض العام لفنانى مصر هو أقوى معرض يقام دولياً لأكبر وأهم فنانى مصر ـ من الجيل القديم والحديث معاً ـ ولا يبقى ويقدر إلا الكفاءات الفنية فقط . لأن الفن يتحدث عن نفسة كما حصلت أيضاً على عدة جوائز دولية أهمها جائزة تقديرية فى بينالى الشارقة ` رسم ` لعام 1994 وأيضاً جائزة لجنه التحكيم فى بينالى القاهرة الدولى الثامن سنه 1998 . كما تميزت رباب نمر بوحدة التكوين ووحدة العمل . أعنى أنا عندما ترى عملاً للفنانة لأول مرة . تجد نفسك أمام لوحة ثرية بالافكار والتكنيكات المختلفة لدراسة دقيقة متميزة لجميع عناصر لوحاتها . المليئة بالخيال والواقع معاً فنستطيع أن ندرك أسلوب رباب نمر الفنى تحت أسم الواقعية التعبيرية لأنها تعبر عن كل مايدور فى عالمها الخاص . ومجتمعها الغنى بالأفكار الجميلة والجديدة التى أضافت إلية حينما رأينا معرضها الأخير بجاليرى الزمالك . الذى احتوى على أكثر من عشرين لوحة كبيرة الحجم طولية وعرضية ذات موضوعات مصرية شعبية وإسكندرانية وبحرية . فهى فى أغلب لوحاتها الجديدة تعبر عن المراكب والصيد والبحر والسمك كأنك تشم رائحة البحر بأعمالها . حينما تراها . لأنك تتعايش مع اللوحة بأسلوبها الدقيق وتشدك إلى عالم خيال خاص بها عن طريق أشكال تعبيرية جميلة مدروسة دراسة وافية . حقاً فهى فنانة تحترم وتقدر أعمالها .
وقد اقتنت للفنانة رباب نمر كثير من المتاحف الفنية العالمية بعض أعمالها مثل متحف العالم العربى - بباريس - ومتحف تيتوجراد ـ بيوغسلافيا ومتحف فنانى العالم الإسلامى بالأردن . ومجموعة المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب ـ بالكويت فيا لها من رحلة غنية دسمة فى عالم رباب نمر المتحرك داخل أعماقها وأعمالها ذات طابع متميز يفسر رحلتها الطويلة مع الحياة ومع الفن لكى تخرج لنا خبرة كبيرة وطويلة فى تجسيد روح رباب نمر الفنانة المصرية القوية الملامح . التى تعد الآن من أقوى الفنانات المصريات على الساحة الفنية على الطلاق .
فرباب نمر ـ بمثابة مثل يحتذى به فى الصبر والمثابرة على إخراج العمل الفنى فى صورة كاملة فيبادلها المشاهد والناقد نفس الكم من الاحترام لتقدير عملها كفنانة واعية ذات خبرة متميزة . ومثل جميل بحتذى به لفنانات مصر . كتب عنها الكثيرون من النقاد والآدباء وقد أعجبنى كثيراً وصف الكاتب الروائى ` صالح مرسى ` لكائنات رباب نمر الذى تزخر به لوحاتها . من بين هذه الوجوه الكثيرة التى باللوحات ستجد دائما وجهاً يقف وحدة . مبتعداً خائفاً من عيون الآخرين الإنسان عند رباب نمر محكوم بقوانين قدرية لا حيلة له فيها .. والمتأمل فى اللوحات سيجد أن هناك خمسة عناصر هى الخارجة عن الانسان عندها ـ هذه العناصر الخمسة هى ـ القطة والسفينة والحمامة والسمكة والهلال . فالقطة مثلاً .. لاتوجد إلا إذا وجد الرجل والمرأة سواء أكانت العلاقة بينهما بالسلب أم بالايجاب فلابد من وجود قطة .. حيوان أليف .. وربما يدخل مع القط فى الاحساس بالبيت وجه لطفل بلا ملامح محددة وفى إحدى اللوحات نجد هذا الطفل فى الصدارة ويحتل جزءاً كبيراً من التكوين . كأنه يفرض نفسة فرضاً لا على الرجل ولا المرأة بل على العمل نفسة . لكنك بلوحة أخرى سوف تجد هذا الطفل بعيداً ويكاد يكون كوكباً فى السماء . وهو فى هذه الحالة مجرد وجه بلا جسد وأنه ليس سوى حلم وهذا يدل على ان الفنانة لها حس أسطورى كبير يدور بداخل عالمها ويكمل نقده لأعمال رباب نمر قائلاً إن اكتشاف لغة العيون فى لوحات رباب .. سوف تكتشف شيئاً يبعث على الحيرة وهو شئ لا يمكن بأى معنى نفسى أو فنى أو عقلانى ، أن يكون مقصوداً من الفنانة فسوف تكتشف أن كل وجه عالم قائم بذاته . وكان صاحبه ينظر الى الداخل لا الى الخارج سوف يرى البعض بكل تأكيد أن المبالغة راحت تزغرد فى كلماته التى يصف بها لوحات الفنانة التى حازت على ذهوله وإحداها كانت لوحة المشنوق .
وإذا كانت الحمامة هى رمز السلام أردنا أم لم نرد ، فكيف جاءت لتقف فوق رأس المشنوق ومعها الهلال ؟ كما وصف الكاتب صالح مرسى الهلال فى أعمال الفنانة يكون رمزاً لليالى الصافية ، وهو هنا بالذات وفى هذه اللوحة يضيف إلى الحمامة معنى آخر علينا أن نبحث عنه لأن لغة الفنانة هنا تصل إلى درجة من التركيز تبعث على الحيرة حقاً ، وإذا كان المشنوق بحمامته وهلاله يحتلون نصف اللوحة تقريباً فإن النصف الثانى يمتلئ بكم من البشر يوحى بتكاثر رهيب والنظرة السريعة ربما أن يقصد المتعالية . سوف توحى بأن هؤلاء البشر يتفرجون على المشنوق ولكن هذا غير حقيقى بالمرة ففى اللوحة سبعة وخمسون وجهاً . وبالتالى ففيها مائة وأربع عشرة عيناً .. وبالتالى فليس هناك وجهة يتجه إلية إن كل هؤلاء ـ الناس مشغولون بعوالمهم ـ لايريدون إقحام انفسهم فى مشكلة المشنوق حتى لو كان سبب موته الرغبة الشديدة فى السلام فى ليلة ناعسة .
والسلام عند الفنانة وأعنى به الحمامة طبعاً ، ليس سلاماً مجرداً ليس سلام والسلام ، لكنه سلام يحمى البناء فما من لوحة وجدت فيها الحمامة الا كان التكوين بوضوح يدعو الى بناء شئ ما يحملة الإنسان .
وعندما تدقق النظر جيداً سوف تنتبه فقط أنها حمامة كما أحبت تعبيره عن الحزن فى لوحاتها بقولة : إذا كان الحزن قاعدة فى عبرة أبطال رباب فإن لكل قاعدة استثناء وآخر فى العناصر المساعدة الخمسة .. فليس فى لوحات رباب نمر كلها عناصر خارجة عن الإنسان ..سوى للقط والسمكة والسفينة والهلال والحمامة.
وأعتقد أن هذا التحليل النقدى للوحات الفنانة رباب للأستاذ صالح مرسى جيد لدرجة أننى شخصياً أعجبت به . لأنه نقد متدقق وتفصيلى حيث حضرت معرضها الاخير . وكانت فعلاً العناصر التى تفضلها الفنانة هى ما زالت أغلبها ساكنه الى الآن باللوحات مثل السمك والصياد والمراكب وهذا راجع لحب الفنانة رباب نمر للإسكندرية وعشقها لبحرها وسمائها .كادت تحوز على أغلب لوحاتها بالتشخيص الدقيق لكل عنصر من عناصر اللوحة ، مع اختلاف ان اسم المعرض أبيض ـ أسود ـ ألوان لأن اللون هنا محدود . وله مكانه المخصص باللوحة ولهذا كما ذكرت فهو يوضع بعناية قوية ، يدل على تحكم الفنانة فى العمل من ناحية الأسلوب والتكوين والعناصر معاً .
وكل هذا يجمع على أن الفنانة تجمع بين قوة الاسلوب ووضوحة وهى مستمرة فى العطاء لفنها . فى رحلة حياة طويلة وصعبة . فهذا هو الطريق الصعب . طريق النجاح طريق الفن .
نجلاء فتحى
المحيط الثقافى- 2005
- بالنسبة للفنانة (رباب نمر) وإبداعاتها فى مجال الرسم والتصوير، نجد أن اهتمامها بفن الرسم قد تزايد كثيراً فى السنوات الاخيرة من الثمانينات عن التصوير وخاصة بعد أن رافقت زوجها الفنان مصطفى عبد المعطى إلى إيطاليا للاشراف على الاكاديمية المصرية بروما لعدة سنوات، ثم عادت معه الى مصر مرة ثانية بعد ان انهى المدة المقررة.. لتواصل بحثها فى هذا المجال دون انقطاع خلال التسعينات.لقد كانت للسنوات القليلة التى امضتها فى روما، تأثير ايجابى على انتاجها فى الرسم وهو ما يمكن ملاحظته عند مقارنة رسومها السابقة فى السبعينات والثمانينات بالرسوم التى انجزتها فى التسعينات، إن التغير الذى حدث يمثل تطوراً طبيعياً فى مسار ابداعها بشكل عام، واضافة حقيقية من حيث الرؤية وتنوع الموضوعات والتكوينات، والطاقة التعبيرية وبلاغة الايحاء بالرمز والاستخدام الحساس لتقنية الرسم بالاسود والابيض بقلم الحبر الاسود (الرابيدو جراف). لقد استطاعت رباب ان تبرهن لنفسها ولنا على قدرتها فى صياغة عالم فنى خاص بها وهو فى جميع الاحوال خليطاً من الواقعية والخيال والعقل والانفعال والتخطيط والدافع النز واتى، عالم قوامه `الإنسان والنبات والحيوان`.. من ابتكارها هى تفرض فيه تلك الاشكال والكائنات الغريبة التى تشبه الكتل النحتية فى معالجتها - لنفسها بقوة تعادل قوة الاقناع التى تعمل بها الحقيقة اليومية او تزيد عليها، فهى تقدم لنا ما هو اكثر رعباً وشراسة وصلابة، وأكثر بريقاً وفطرة ورقة وأكثر تحديداً من اى مخلوقات طبيعية لها قوة وفعالية وسيطرة على الذاكرة لم يتصف بها اى نموذج حى، لتظل فى مخيلتنا لا تبارحها. ان رسوماتها تبعث فينا شعوراً بحالة من الوجود الحقيقى فالاشياء التى تدركها تندمج فينا فتصبح شيئاً حقيقياً يتصف بنفس طبيعة مشاغلنا وادراكاتنا لها. ان `رباب` ارادت ان تعبر عن نفسها فى بساطة وقوة وعندما ارادت ذلك لم تعن فى كثير من الاحيان بمستويات العقل الشعورية الظاهرية، بل بمستويات واحلام اليقظة اللاشعورية، وشبه الشعورية، إنها أرادت أن تبحث عن اندفاع مفاجئ يجئ من الداخل حين تشرع فى الرسم على الورقة البيضاء، لا يجيد فهمه إلا هى، ومن يحس به وهى فى سبيل تحقيق ذلك ربما تنزع الى القصص الخيالية او التنقيب فى سجلات وبقايا الرغبات والانفعالات البدائية غير المهذبة `الغرائز` كما هو الشأن فى الخرافات القديمة والخزعبلات وحكايات الاسرار الخفية والسحر ودنيا الشياطين، فكل شئ فى صدرها يبعث المعتقد القريب والوهم الذى يتمثله الخيال، فهذه الكائنات الخرافية التى نراها تتكرر وتتشابه فى صورها القطط، الضخمة، والثعابين والزواحف الصامتة والوجوه الانسانية القلقة الفزعة وغيرها.. أنها توجد فعلاً داخل طبيعة الكائنات البشرية `الانسان` لا داخل بيئاتهم الطبيعة وحسب، وعلى اعتبار أنها كائنات موضوعية تعبر عن واقع حقيقى يرمى الى التمييز بين الافكار والاشياء وبين التعبيرات الرمزية والمجازية، المعبرة عنها كما لو أننا نعيش مرحلة مبكرة من الحياة القبلية العصرية كالتى كانت فى الماضى البعيد خالية تماماً من كل طمأنينة ومحفوفة بالمخاطر من حيث موارد الطعام والأمن ومن شر الأعداء والكائنات الخرافية المتوحشة. ومع أنها لم تعد موجودة بالفعل اليوم ويوجد ما هو اكثر واسوأ، ويجعل من تلك الحياة التي نعيشها إحساسا متناما بالقلق والخوف من المجهول، لهذا صارت صور الكائنات الحية في وضعاتها على هذا النحو المرئي كأنها طواطم أو أرواح شريرة إما معادية أو واقية. فلا القارب الصغير يمكنه الإبحار بمن فيه. ولا المرأة الفزعة تستطيع أن تحرك ساكنا من مكانها لأن الثعبان العملاق يرقبها وعقارب الساعة تتحرك ببطء وبغير انتظام، ولا جدوى من الانتظار فى الزمن الضائع، وصار القط الهائل يطأ امرأة مسجاة ليغتصب حلمها العذرى. والدجاجة الجبلية تنقض على السمكة لا لتأكلها ولكن لقهرها.. والطائر صغير يقف على مقربة من وجه امرأة يقاوم وحشا ديناصورا.. وعاشقان يستظلان بشجرة عتيقة وفى أعلاها طائران يتغازلان... وامرأة تمتطى ظهر قط عملاق يتحرك وامرأة طائر وعاشقان وطائر فى وضعة شاعرية وامرأة مستلقية اسفل شجرة وطائر..غير تكوينات الطبيعة الصامتة.. التى لم تعد صامتة- وهى تحتوى على مجموعة من الأوانى الفخارية تنبت منها أنواعا مختلفة من نباتات الظل مثبتة على ترابيزت مختلفة التصميم.. إلى آخره.. (إن موضوعاتها تقوم على فكرة المجابهة والتحدى بين الكائنات الحية (الإنسان والحيوان).. أو (الطيور والإنسان أو الطيور والحيوان).. أي بين الألفة والافتراس والحرية والقهر، الوداعة والشراسة، الوهمي والحقيقي، بين الصراع الأبدي للخير والشر، وهى موضوعات رغم دراميتها لكنها تتسم بالطرافة والفانتازية، وعلى النقيض منها فى المقابل توجد موضوعات الطبيعة الصامتة التى تتسم ببلاغة الأشياء في حيز المكان وتتبلور فيها خلاصة مشوار صعب قطعته الفنانة كرست فيه الساعات الطوال والصبر اللا محدود في ترويض التهشيرات في تكاثفها الذرى عبر رموز وتكوينات مطلسمة) إن جميع المواضيع والتكوينات التى عالجتها الفنانة، تجمع بينها سمات جمالية وتعبيرية وإنسانية، حيث تجدها كلها ممثلة بصورة ما بعد أن يكون الشعور قد غير من هيئتها الطبيعية بقليل آو كثير من التحريف لتصبح لها ملامحها الخاصة بها، وتكرار التيمات الرئيسية وتشابهاتها وتقابلاتها فى وضعات حوارية ساكنة إما بين شكلين أو ثلاثة أشكال، علاقة التبادل والتوافق بين الاشكال الساكنة والمتحركة التى تمنح العمل نبضا حيا، سعة الخيال الشعري والتناسق التشكيلى والإيقاع الدينامى بين مختلف عناصر الاشكال الرمزية التوافق المزاجى وتكثيف الحالة الشعورية بمضامين رمزية شديدة التعبير، التأكيد على الصفات النحتية للشكل من حيث الحجم والثقل المادي والصلابة. إن الأشكال التى أبدعتها (رباب نمر) ستظل دائما محتفظة بقوتها وقدرتها على التأثير الساحر مثل أعمال (البدائيين) تماما لأنها تنبع من إيمانها الفنى وآلامها وخوفها وحبها وشوقها وآمالها.. ولأن استخدامها على هذه الهيئة لا يمكن إلا أن تكون محملة بالحقيقة ومثقلة بالمحركات العاطفية وبالادراكات الحسية وبالألفة والمودة والحميمية.
د. رضا عبد السلام
من الرسم المصرى المعاصر
الحب صعب المنال
- عندما طلبت منى الفنانة رباب نمر ان أكتب عن معرضها الاول هذا ، أصابنى الفزع .. ذلك أنى - بداية - لست ناقدا ، النقد له أصوله وأساتذه وناسه ولست منهم فى كثير أو قليل ، ثم أنى لست متخصصا ، أنا لا أفهم فى الفن التشكيلى كما يفهم استاذ كبير وفنان راسخ القدم مثل حسين بيكار مثلا ... ولقد ترددت بينى بين نفسى كثيرا ، وكنت قد شاهدت لرباب بعضا من أعمالها .. ولكنى عندما شاهدت اللوحات كلها زال جزء كبير من ترددى فلقد لمحت فيها - فى اللوحات كلها - قدرا هائلا من التلقائية وافتقاد لذلك التنظيم الصارم الذى يفرضه الفنان ` المحترف ` على نفسه ثم ... عندما علمت ان الاستاذ بيكار سوف يكتب ، زال ترددى نهائيا ، فعلى كتفيه ألقى عبء التقيم الفنى وعلى أن أنقل احساسى بأعمال هذه الفنانة التى تعرض لاول مرة ، مجموعة من اللوحات تزخر بالآف الانفعالات التى اجتذبتنى أمواجها عند مشاهدتى لها للمرة الثانية ...
أكثر ما لفت نظرى فى أعمال الفنانة رباب نمر هى تلك الوحدة الصارخة فى بنيان الجسد الانسانى ، فالانسان عندها قوى البنية جسده -لابد- راسخ ، وعنق عظيم يحيلك فورا الى تماثيل قدماء المصريين الضخمة ، ثم أطراف تقوى على حمل الاثقال ... فلماذا ؟!
أقول الحق ، لقد حيرنى هذا طويلا حتى عثرت فى زحام الوجوه التى تزخر بها لوحات رباب ، على عينين حزينتين ، انى الآن لا اذكر اللوحة ولا صاحب العينين غير انى- حتى الآن - لم أتخلص من طوفان هذا الحزن فى العينين ... ورحت أعبر الوجوه والأجساد وتلك القوة البادية فيها. الى العيون، كل العيون فى عشرات الوجوه فاذا بى اكتشف شيئا غريبا ... أن هذا البنيان الضخم للجسد الانسانى عند رباب نمر ضرورى لملاقاه جحافل الحزن والضياع والضعف الرغبة الملحة فى الحب الحب .
فى مسرحية الجحيم التى كتبها الفيلسوف الوجودى الفرنسى جان بول سارتر يقول البطل فى لحظة انكشاف الحقيقة : ان الجحيم هو عيون الآخرين .
لوحات رباب نمر ، تصرخ بهذا المعنى كنغمة رئيسية . وربما تكون وحيده !
ففى وسط الزحام الهائل التى تزخر به اللوحات ، ستجد دائما وجها يقف وحده ، مبتعدا خائفا من عيون الآخرين .
الانسان عند رباب محكوم بقوانين قدرية لا حيلة له فيها ... والمتأمل فى اللوحات سيجد ان هناك خمسة عناصر هى الخارجة عن الانسان عندها - هذه العناصر الخمسة هى : القطة والسفينة ، والحمامة ، والسمكة ، والهلال .. وهذه العناصر وجدت كى تنقل الينا معنى ما ..
فالقطة مثلا ، لا توجد الا اذا وجد الرجل والمرأة .. اينما كانت العلاقة بينهما بالسلب او الايجاب . فعلا بد من وجود قطة ، والقطة حيوان أليف ... وربما يدخل مع القط . فى الاحساس بالبيت . وجه لطفل بلا ملامح محددة .
ففى احدى اللوحات ستجد هذا الطفل فى الصدارة يحتل جزءا كبيرا من التكوين وكأنه يفرض نفسه فرضا لا على الرجل والمرأة ، بل على العمل نفسه .. لكنك فى لوحة أخرى سوف تجد الطفل بعيدا . يكاد يكون كوكبا فى السما ...
فهو فى هذه الحالة مجرد وجه بلا جسد ، انه ليس سوى حلم !!
وباكتشاف لغة العيون فى لوحات رباب ، سوف نكتشف شيئا يبعث على الحيرة ، وهى شىء لا يمكن بأى معنى نفسى أو فنى أو عقلانى ، ان يكون مقصودا من الفنانة . سوف نكتشف ان كل وجه عالم قائم بذاته ، وكان صاحبه ينظر الى الداخل لا الى الخارج !
سوى يرى البعض ـ بكل تاكيد ان المبالغة راحت تزغرد فى كلماتى ، غير انى وقفت مذهولا أمام لوحة المشنوق !...
وإذا كانت الحمامة هى رمز السلام أردنا أو لم نرد ، فكيف جاءت لتقف فوق رأس المشنوق ومعهما الهلال ؟ ...
والهلال فى التفسير الدارج له ، هو رمز لليالى الصافية ، وهو هنا بالذات وفى هذه اللوحة ، يضيف الى الحمامة معنى آخر علينا ان نبحث عنه لأن لغة الفنانة هنا تصل الى درجة من التركيز تبعث على الحيرة حقا ، وإذا كان المشنوق بحمامته وهلاله يحتلون نصف للوحة تقريبا ، فان النصف الثانى يمتلىء بكم من البشر يوحى بتكاثر رهيب ، والنظرة السريعة - ربما كنت أقصد المتعالية سوف توحى بأن هؤلاء البشر يتفرجون على المشنوق ، ولكن هذا غير حقيقى بالمرة ، ففى اللوحة سبعة وخمسون وجها ، وبالتالى ففيها مائة وأربعة عشر عينا ... والغريب فى الامر ، ان ليس فى عشرات العيون هذه عينا واحدة تنظر الى المشنوق ، وبالتالى فليس هناك وجه يتجه اليه ... أن كل هؤلاء الناس ، ملايين الناس ، مشغولون بعوالمهم ، لا يريدون اقحام أنفسهم فى مشكلة المشنوق ، حتى ولو كان سبب موته الرغبة الشديدة فى السلام فى ليلة ناعسة !
والسلام عند رباب وأعنى به الحمام طبعا ، ليس سلاما مجردا ، ليس سلام والسلام ، لكنه سلام يحمى البناء فما من لوحة وجدت فيها الحمامة الا وكان التكوين بوضوح يدعو الى بناء شىء ما ... ارتبط البناء فى ذهن رباب بالسلام لدرجة انى ظننت الحمامة . فى أحدى اللوحات مسطرين بناء يحمله انسان ، ولم أنتبه الى انها حمامة الا عندما دققت النظر وامعنت فى اللوحة .
وإذا كان الحزن قاعدة فى عيون ابطال الفنانة رباب نمر فان لكل قاعدة استثناء والاستثناء هنا فى ذلك لوجه الذى تبرق فيه العينان بالتفاؤل والفرح . وهى لوحة مليئة بالأدوات الهندسية كالمثلث والهرم المسطرة حرف T.
وإذا كان هذا الاستثناء فى الموضوع ، فهناك استثناء آخر فى العناصر المساعده الخمس ... فليس فى لوحات رباب كلها عناصر خارجة عن الانسان ، سوى القط والسمكة والسفينة والهلال والحمامة ... ماعدا لوحة واحدة - ايضا - تخلو من كل هذه العناصر وتنفرد بعنصر جديد هو ` الصقر `.
وهو صقر مخيف ، نظراته تنبىء عن شر مستطير وفى مواجهته يقف انسان امتلئت عيناه بالرعب والشلل معا .
لكن الغريب ان عنصرا آخر من العناصر الخمسة لا يعطى سوى معنى واحدا لا يتغير وبلا استثناء هذا العنصر هو السمكة فهى دائما للأكل دائما فى طبق حتى فى تلك اللوحة التى رسمتها رباب للسمكة فقط كانت فى طبق .
وإذا كانت ضخامة الجسد والتكوين المادى للانسان قريبة كل القرب من تماثيل قدماء المصريين الضخمة ، فان الانسان فى كثير جدا من لوحات رباب هو ` ابو الهول ` لقد تكرر وجه ابو الهول فى اللوحات كثيرا ، وكانت النظرة فى عيون هذه اللوحات كلها صامته !
الصمت عند رباب لغة تؤكد حديث الانسان الداخلى هو منفصل عن الموضوع الخارجى تماما ، الى الداخل هذا لا بد يعطيه عند رباب نمر ، نوع من الديمومة فالانسان عندها لايموت ابدا ... يؤكد هذا المعنى تلكما اللوحتين اللتين تضمان أجسادا ملفوفة بأربطة التحنيط عند قدما المصريين وإذا كان التحنيط يعنى الخلود ، فالجسد فقط هو الذى يموت ، تطوف به الأربطة دون الرأس ... فالرأس غير ملفوف ، ولكنه أيضا بلا ملامح على الاطلاق ، انه وجه ذهب الى هناك فقط أنه حى رغم ان ملامحة زالت من العالم المحسوس .
والحياة عند رباب رحلة ... هذا واضح تماما من وجود القارب يركبه أحيانا مجموعة من الناس وغالبا يبحر باثنين فقط هذين الاثنين اللذان يتكرران فى لوحات رباب بوضوح . قد ارتبط مصيرهما ارتباطا أزليا ابديا . ومهما اختلفت المعانى فى العيون ، حتى اذا وصل الأمر الى السجن ... فمصيرهما واحد ... دهشت وانا اقف أمام لوحة يقف فيها رجل وامرأة فى هيكل قارب ، لا فى قارب مكتمل البناء . ولكن الهيكل لا يعطيك سوى احساسا واحدا ومباشرا ، هو انه قضبان !! عارضنى بعض الأصدقاء فى هذا التفسير حتى رسمت رباب آخر لوحاتها ، تلك اللوحة الوحيدة التى أعطتها اسما هو ` ترقب وانتظار ` فالناس جميعا يقفون خلف قضبان تمنعهم من الحركة ، فوقهم بقعة ضيقة من سماء زرقاء ، تعلوها وفى الجزء الأعظم من اللوحة ، سماء شديدة السواد ، سماء معتمة تماما !
ولكن الخطوط فى كل لوحة نضم رجل وامرأة تفصح عن شىء آخر ، هو ليونة الخط ان صح التعبير ، ان الخطوط عند رباب محدودة وحادة الزوايا، لا تلك اللوحات التى تضم ذكر وأنثى ، فلسوف تكتشف فيها نعومة الخط وانسيابه ... يبدو هذا فى ذروة المأساة ، عندما يجمع القدر رجلا وامرأة خلف قضبان ما ، فان الوجهين فى اللوحة التى يقفان فى هيكل سفينة ، ينضمان بحنان لا حد له ، وكأن الازمة والسجن يفجران حنانا ضروريا فى أعماق كل منهما نحو الآخر .
الحب عند رباب ، هو الخلاص الوحيد !
والحب عندها صعب المنال !
صالح مرسى
1984/3/8
لوحات تضج بالعذوبة.. وانهمار الخيال-
- فى الجيل الحالى، تحتل الفنانة رباب نمر موقعاً مرموقاً فى الحركة التشكيلية المصرية، وها هى تقدم لنا باقة ما تميزة من لوحاتها المدهشة فى معرضها الذى أقيم مؤخراً بقاعة ` خان المغربى` بالزمالك.
- تعالوا أقول لكم أهم الملامح التى تميز أعمال رباب نمر، أول ما يلفت الانتباه أن الفنانه لم تشغل بالها ولا بالنا بعلم الألوان الطازج والمشتعل وربما الضبابى والمخادع ، وقنعت بالتعبير عن خواطرها التشكيلية باستخدام اللون الأسود على سطح الورق الأبيض ، مما يعنى ضمناً، النزعة نحو تحديد الأشياء والعناصر والمشاعر بقوة وعدم طمسها بضباب الألوان- أو جرأتها- وخداعها، أما الشئ الثانى الواجب الالتفات إليه ، هو إصرار الفنانة على إعادة الكرامة المجروحة لقيمة ` الموضوع ` أو المعنى فى العمل الفنى ، بعد سنوات من الهجر والصد لقيها من قبل العديد من الفنانين- ويبقى ثالث الأمور الهامة فى أعمال رباب نمر ونقصد به ذلك الانحياز التام إلى المعنى الذى احتفى به الكاتب الأمريكى موفور الشهرة ` ارنست هيمنجواى` فى روايته ذائعة الصيت` العجوز والبحر`، وهو وحدة الكائنات الحية، سواء كان الإنسان، الطيور، الأسماك، الحيوانات وحتى الأشجار كلهم فى أعمال رباب إخوة ، ويجب الترحيب بوجودهم على سطح العمل !!
- ففى لوحة `ثنائيات`- تسمية اللوحات من عندنا تيسيراً على القارئ- نفاجاً بكتلة من البشر- لا تفصح رباب فى الغالب عن طبيعة الجنس، فلا فرق عندها بين الرجل والمرأة، والكل إنسان - تمثل اثنين ملتصقين أسفل يمين اللوحة ، بينما تنهب شجرة مورقة ذات أفرع متعددة الجانب الأيسر ويتمدد حتى أكثر من منتصف اللوحة العلوى إن بساطة المشهد لا تخفى عمق الدلالة، والتى تلوح فى هذا الدفء ، الذى ينبعث من تلاقى كائنين ، سواء كانت الكتلة البشرية، أو الطائرين اللذين يتناجيان أعلى الشجرة ( أرجوك أن تلاحظ معى ثنائيات الأفرع التى تخرج من الجذع الرئيسى للشجرة ) !! لا تحفل رباب نمر كثيراً بالقوانين الأكاديمية فى الرسم واتباعها، فقد أطاحت إلى حد كبير بانضباط النسب التشريحية ، فى خصام واضح مع محاكاة الواقع، عندما رسمت بطلى اللوحة ، كذلك زهدت فى عمل المنظور، أو البعد الثالث حتى يتجلى المشهد كاملاً ولا يتوه فى ضبلاب الخداع البصرى ، ومع ذلك فإن الفنانة احتفلت إلى حد كبير بالفورم، مع إصرار حميد على عزف موسيقى الظل والنور بحكمة مبراعة، خاصة وأنها تستخدم قلم الرابيدو وبسنة الدقيق مما يستوجب حساسية مفرطة فى التعامل معه والسيطرة عليه.
- من المعروف أن مهارة الفنان تكمن أساساً فى مقدرته على تحطيم المألوف والمكرور والرتيب ، وابتكاره لعوالم جديدة ومثيرة فى عالم الفنون الجميلة تثير الأسئلة وتمتع العين، والفنانة رباب نمر تقدم من خلال لوحاتها المتعددة خطاباً بصرياً مغايراً يخاصم الشائع وينشد الفرادة.
- ففى لوحة ` غرام فى المركب ` تدهشنا هذه العلاقات التى تكونت بين البشر والسمكة والطائر، إنها هنا تذكرنا بقول الشاعر الفلسطينى محمود درويش` لو أستطيع أعدت ترتيب الطبيعة ` ذلك أن رباب نمر أخرجت السمكة من البحر، ووضعتها فى سياق مسالم على القارب الصغير ، فى حين وقف طائر- لا نستطيع تحديد هويته لأن الفنانة تنفر من محاكاة الواقع وتستمتع بإعادة صياغة الكائنات- على أعلى نقطة فى القارب يحمى العاشقين اللذين لاذا بالزواية البعيدة داخل ذلك القارب.
- أى رقة.. وأى عذوبة فى هذا المشهد الفاتن؟ وكعادتها دوماً قامت الفنانة بتبجيل الصراع الأبدى اللذيذ بين مناطق الظل النور ، مع انحياز واضح نحو صنع درجات ظلية مندرجة تيسر الانتقال من المناطق ناصعة البياض إلى المساحات المعتمة .
- لأن رباب نمر نالت حظها من الدراسة الاكاديمية - تخرجت فى الفنون الجميلة بالاسكندرية عام 1963 قسم الديكور، ثم حصلت على الدكتوراه من اكاديمية سان فرناندو بمدريد- فرنها تعرف جيداً أصول الصنعة وإمكانية الحفاظ عليها ، دون أن تنسى نصيبها من إنهمار الخيال .
- ولعل لوحة `حوار فى أحضان شجرة ` تؤكد صواب ما ذهبنا إليه، حيث نلمس متانة البناء ، وقوة التصميم من خلال هذه الشجرة عديدة الأفرع والتى قامت بالسطر على معظم مساحة سطح اللوحة، فى حين راحت امرأة راقدة بحنو فى حوار صوفى مع طائر، تحت هذه الشجرة.
- لو دققت معى فى هذا العمل المدهش لاكتشفت مدى الدأب والمثابرة التى تتحلى بهما الفنانة. حيث راحت بسن ذلك القلم ترسم عناصرها بدقة بالغة وصبر أيوب، حتى تشكلت هذه العلاقة الصوفية بين المرأة والشجرة والطائر.
- يصف الفنان الدكتور محمود عبدلله أعمال الفنانه بأنه: (عالم رباب نمر ذو الصبغة الرومانتكية هو عالم خاص، تأتى خصوصيته من كونه عالمها هى، وتأتى خصوصيته من قدرتها هى على الحلم فوق مسطح الورق الأبيض.. )
- رباب ابنة كريمة لجيل الرائدات من الفنانات المصريات، ذات خيال غزير.. عاشقة للحياة بكل عناصرها وكائناتها، لذا لا عجب ولا غرابة أن تأتى لوحاتها عامرة بما لذ وطاب للعين والإحساس والخيال.. نتشع بالحس الصوفى ومصالحة النفس والعالم.. امتكلت مهارة لافتة وصبر بحار قديم، فأنجزت أعمالا متينة البناء ، متسقة التصميم.. لا ارتباك فيها ولا عتامة بل تفيض بالخير والعذوبة، ومثيرة للتأمل ، وهذا أقصى ما يسعى إليه الفنان أو الفنانة .
بقلم : ناصر عراق
من كتاب ملامح وأحوال
|