مهندس عمارة الجمال
جمال عامر
هو واحد من الرهبان فى محراب العمارة التقليدية أو البيئية أو التراثية التى تطبق معايير المنفعة والجمال فى آن واحد ، وواحد من عشاق الفنون الثرية التى تنطق بها العمارة العربية أو عمارة المجتمعات الإسلامية كما يفضل هو أن يطلق عليها . تلك العمارة التى جمعت بين متطلبات العقيدة ومفردات الجمال حين نظر المعمارى المسلم إلى السماء وإلى الارض وخلق حلقة اتصال بين الإنسان وربة من خلال فناء البيت الفسيح المكشوف على السماء وحين صنع ملاقف الهواء تكييفا طبيعيا لأهل الدار ... ومدخلا منحنياً يراعى حرمة نسوة من فى البيت فلا يهتك سترهم الرايح والجاى من المارة .. الدار كانت سكنا وأمنا ومتعة للناظرين .
المهندس جمال عامر عرف طريقة من خلال كتاب ` عمارة الفقراء ` لشيخ المعماريين العرب حسن فتحى ووجدت سطور ذلك الكتاب صدى فى نفسة العاشقة للفن التشكيلى الذى تربى علية صغيرا فى زياراته لجامع السلطان حسن وجامع الرفاعى وجامع محمد على وفى مشاهداته للبيوت الإسلامية ، حيث الجمال سيد الموقف والتشابيك العنقودية فى خرط الأرابيسك والحروف العربية فى تعانقها وتباعدها وحيث اللوحات الجصية والتشكيلات الرخامية فى المنبر ومقابض الأبواب النحاسية الضخمة والحليات هنا وهناك تشكل لوحا بديعة من الفن التشكيلى لا تحتاج عين خبير بيتذوق جمالياتها .
وفى سنوات الدراسة بالكلية ساقة القدر إلى أستاذه حسن فتحى حيث كان يساعدة فى تجيير الرسوم ، وعمل معه فى مشروعات عدة وعايش أفكارة عن قرب حتى قرر الاستاذ أن يمنح تلميذه الفرصة كى يحلق فى آفاق الابداع عندما قدم له مشروعا فى شرم الشيخ ليقوم بتصميمة وتنفيذه ولينطلق بعدها جمال عامر متبنيا مشروع أستاذه الذى تعد أفكارة فلسفة خاصة للبناء من البيئة وللبيئة . لقد نظر أسفل قدميه ـ كما كان يقول دوما ـ ليستخدم فى البناء ما تجود البيئة به من طين أو صخر أو حجر ثم نظر إلى الإنسان فى علاقته بالأرض والسماء فجاء الناتج إنسانيا واقتصاديا وللسبب الأخير هاجمه حزب المنفعة فالخامات البيئية ستهدد عرش الأسمنت والخرسانة والمسلح وجاءت التجارب الناجحة لحسن فتحى خارج مصر خصوصا فى القرية التى شيدها للجالية الاسلامية فى الولايات المتحدة فكانت من أهم اسباب اختيارة من افضل معماريى القرن العشرين . لكن شاء القدر لفلسفته أن تحيا فى قلوب تلامذته وأعمالهم ومنهم جمال عامر الذى جدد قرية باريس التى تفذها استاذه 1967 لتأوى 250 عائلة . ثم صمم مركزى الخزف والحرف التقليدية بالفسطاط . تلك المنطقة التاريخية التى كان له فيها تاريخ كبير حين اختارها ، لتكون البطل فى مشروع تخرجة ثم واتته الفرصة أن يضع بصمته بها حيت ارتفعت قباب مركز الخزف الجديد ليكون خلفا للمركز القديم الذى شيده شيخ الخزافين سعيد الصدر 1958 والذى كان عبارة عن أتيلية يضم فرنا واحدا حتى قررت الدولة تحويله إلى مركز ضخم يضم العديد من الأفران والمعدات والأجهزة ، فقام جمال عامر بتصميم المبنى الجديد مستلهما عمارة حسن فتحى ثم شيد مركز الحرف التقليدية ليكون مركزا فى سماء الفسطاط أول عاصمة لمصر الإسلامية منظومة الفنون الإسلامية .
مازال جمال عامر يضع تصميماته اللافته للنظر وفى يقينة أن فكر حسن فتحى مازال صالحا مع بعض التغيرات التى تستدعيها مستجدات العصر لأنها عمارة إنسانية وقريبة من الانسان الريفى وتلبى الاحتياجات المناخية ، ففيها البيوت دافئة شتاء وباردة صيفا جميلة الشكل متناسقة تثير فى النفس الراحة والسكون فكان حسن فتحى يقول ` ينبغى أن نعطى كل بيت قطعة من السماء ` فكان صحن الدار المكشوف تماما كما كان فى بيوت الهراوى والسحيمى وزينب خاتون ليستمتع الفلاح بليالى القمر وصفحة السماء صيفا . ومازال النموذج قابلا للتطبيق المهم استلهام الفلسفة ففكر حسن فتحى يمكن تطبيقة بلا قباب وأقبية بل بإرتفاع دورين وثلاثة ، فوكاله الغورى أنشئت فى القرن السادس عشر على خمسة أدوار .. المسألة فى يقين جمال عامر فى الفلسفة وأن نجعل البشر يتنفسون برغم الكثافة .
فلسفة البناء تعنى مراعاة البيئة والإنسان ، الجمال والمنفعة ، الوظيفة والشكل لنحافظ على الهوية فى نهاية الأمر وهو يستشهد دوما بما جرى فى مطلع القرن الماضى ، حين قدم البارون إمبان نموذجا مثاليا لتجمع عمرانى مصرى معاصر يستلهم روح التراث عندما أسس مصر الجديدة، لقد بدأ بتوصيل الخدمات إلى مدينته لتكون عامل إغراء للسكان تجذبهم إلى هناك ، ثم جاء تصميم المبانى بطابع مصرى إسلامى عثمانى وبرغم أن كل مبنى له طعم ولون فإنها جميعها فى النهاية تمتلك الروح والطراز نفسيهما .
لا يفضل جمال عامر استخدام مصطلح العمارة الإسلامية ويرى أن الأدق هو تسميتها عمارة المجتمعات الإسلامية ، مؤكدا أن عمارة حسن فتحى امتزجت فيها عناصر معمارية من عهود مختلفة ، فالقباب تنتمى إلى العصر البيزنطى والقبوات نجد لها نظيرا فى آثار الأسرة الـ 18 فى العصر الفرعونى . فقد نهل حسن فتحى من تراث معمارى ثرى وكان أول مالفت نظره إلى هذا التراث أهالى النوبه عندما كان فى رحلة مع رمسيس ويصا ومنير كنعان وآدم حنين . فى هذه الرحلة شاهد كيف يبنى الأهالى بيوتهم بتلقائية شديدة وبأسس هندسية دقيقة ، مما يدل على أنهم سلالة البناءين العظام الذين توارثوا عبقرية هندسة البناء وكل ما فعله حسن فتحى أنه أزال القشرة ووضع معايير معمارية جديدة وبرغم أنه بنى بالطين كان أكثر المعماريين معاصرة وهذا ما وصفه به معماريو الغرب لأن المعاصرة لا تعنى التنكر للقديم بل المحافظة على الجذور ومواجهة الاحتياجات فى اللحظة ذاتها .
سهير عبد الحميد
الأهرام العربى - 2014