محمد عز الدين مصطفى حمودة
- عز الدين حمودة مصور يعتبر من الفنانين الرواد لفن البورتريه فى مصر وتأثر بالفن الأسبانى والزخرفة البيزنطية وقد بدأ حياته الفنية كمصور واقعى فرسم كثيراً من الشخصيات والمناظر الطبيعية وإن كان دائم البحث وراء قيم فنية جديدة فى اللون والشكل والتكوين .
د. صبحى الشارونى
من أناقة الصورة الشخصية إلى تعبيرية فن المنظر
- الوجه الإنسانى ملىء بالمشاعر والأحاسيس مسكون بالانفعال من الحلم والرومانسية إلى الوداعة والهدوء ومن النبل والوقار إلى الفرح والشجن وحتى الضراعة والمرح والسخرية .
- ومن هنا كان فن البورتريه أو الصورة الشخصية مساحة متسعة فى الإبداع بطول التاريخ بدءا من وجوه الفراعنة ووجوه الفيوم إلى الفن البيزنطى وعصر النهضة والعصر الحديث الذى شهد تحولات عديدة فى هذا الفن من التأثيرية والتكعيبية وفن البوب أو الثقافة الجماهيرية إلى الصورة الإلكترونية .
- وقد تألق فن البورتريه فى الفن المصرى الحديث على أيدى رواده الأوائل من أحمد صبرى ويوسف كامل ومحمود سعيد وجاءت العلامة الثانية بلمسة بيكار وعز الدين حمودة وصبرى راغب ..ويعد أوسطهم حمودة علامة شديدة الخصوصية فى هذا الفن والذى اتخذ من المشاعر الإنسانية مادته الأولى ..وخاصة أنه قال ` الإبداع خلق ..وما أصدق لحظات الإبداع حيث يصل الاندماج النفسى لدى الفنان إلى الذروة والفكر والالهام كلاهما يتحولان إلى ناتج مجسد لحمل خصائص الإبداع المتفردة ` .
- ولهذا ظهر اهتمامه الشديد بكل عنصر من عناصر اللوحة وأيضا بوضع الموديل وجلسته واختياره لأجمل الأزياء والحلى والمراوح والدانتيلات ومن بين ما يميز أعماله استخدامه رقائق الذهب الخالص والفضة كخلفيات للوحاته حتى يعطى اللوحة مساحة من الاناقة أناقة التعبير ورهافة الأداء .
أناقة واعتداد
- عاش عز الدين حمودة معتدا بنفسه كأستاذ أكاديمى واثقا من موضع خطاه منضبطا صارما شديد الصرامة لا يتورع فى إعطاء درجات تقل عن الصفر ` بالسالب ` إذا اكتشف بعض الاهمال أو اللامبالاة من الطالب .
- وأصبحت المرأة موضوعة المحبب وتصوير البورتريه هو الإطار الفنى لمعظم أعماله التى تنتمى لطراز خاص فى الإبداع طراز ارستقراطى من السمو والرفعة ومعظمها وجوه من نساء السلك الدبلوماسى الأجنبى مثل زوجة السفير البريطانى فى الخمسينات من القرن الماضى وأيضا نساء الطبقة الارستقراطية مثل مدام حسين ناوتى وفى فترة الستينات بدأ يبدع لوحات لوجوه الممثلات وبعض جميلات الطبقة الجديدة وتميزت الوجوه التى رسمها بانتمائها إلى طرازه الخاص فى التعبير وتفرد بتكوين معمارى متكامل وبناء محكم بما جعل لوحاته أشبه بالتصوير الإيطالى المبكر قبل عصر النهضة من حيث تدرج الألوان والظلال والأضواء والخطوط المحددة للمساحات اللونية.
وعز الدين حمودة لا يستهدف فى تصوير النساء والحسناوات جمالا ظاهريا بل يستهدف الروح والقيمة فى التقاط شئ أساسى وجوهرى داخل رقائق الذهب الخالص وكذلك الفضة خلفيات للوحاته وهو أول من أدخل هذه الخامات فى الفن التشكيلى المعاصر .
- وكانت معايشته للصورة الشخصية تستمر فى بعض الأحيان لستة أشهر وربما سبعة حتى يمكن الوصول إلى كنه الشخصية وأدق سماتها وطبائعها يقول :` أذكر أننى مرة كنت أرسم سيدة أمريكية تجلس فى مركب ومن خلفها مجموعة من الأسطح الخشبية بها بعض الالتواءات والتجازيع ولاحظت علاقة بين الحركة فى تموجات الشعر والحركة فى حذايا الخشب ..ورغم تقارب لون الخشب بلون شعرها إلا أن الشعر كان يهتز مع حركة الهواء وحركة الرأس أما الحركة على الخشب فظلت ساكنة ، وقتها كان كل ما يشغلنى التعبير عن ديناميكية الحركة التى تنساب بتلقائية من الشعر مع التعبير عن الحركة نفسها وهى فى حالة جمود..وهنا يقف حموده شامخا بما يضيف على كل بورتريه من تفرد وتميز يمثل عمق فقه التصوير ونادرا ما نجده عند فنان أخر سوى قلة قليلة خاصة أستاذه أحمد صبرى وهو لا يصور وجه النموذج فقط بل يرسم الشخصية متكاملة مع العناصر والأشياء التى تضيفها إليها والجو المحيط من جميع النواحى وبالتالى يؤكد على روح العصر وطبيعة اللحظة التى نعيشها وما يتبع ذلك من مفردات تعكس الظروف الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية للنموذج وكانت أمنيته قبل رحيله أن يرسم جارة الوادى الفنانة فيروز لما تحمل من جمال الروح وذلك لأنه يقول :` أنا استشعر وهى تغنى للقدس بحزن العرب وبكائياته ومرثياته وفى عيون هذا الكائن الملائكى يتجمع الحزن حتى وهى تغنى لغير القدس` .
وصور الرجال
- أما عن الصور الشخصية للرجال فنادوا ما رسمها لكن يظل البورتريه الرائع لصديقه وزميله المثال جمال السجينى والموجود بمتحف الفن الحديث صورة حقيقية للأداء الأنيق والتعبير العميق والروح التى تفيض بالتأمل رغم التلخيص الشديد الذى يذكرنا باللمسة التعبيرية عند موريليانى .
- ويمثل المنظر عند حمودة إضافة جديدة فهو يعيد صياغة الطبيعة بروح الأرابيسك الإسلامى وسطوح الفن البيزنطى تتسم فيه تعبيرية تجسد الشرق الفنان وهو يتناوله بأسلوب يقترب من الزجاج المعشق من تلك الفواصل والتحديدات السوداء والتى تفصل المساحات التى تغنى بألوان شاعرية صارخة تبدو فيها الأبنية المعمارية كائنات حية وتتألق الحدائق فى عوالم أسطورية مسكونة بالتباين المثير .
- فى عام 1990وقبل رحيله عن دنيانا جاءت لوحة الفنان الكبير الأخيرة ` له الملك سبحانه ` قمة النضج الفنى وهى تمثل أصدق تعبير لمعنى الاستمرارية والأبدية التى تؤدى فى النهاية إلى ` الخالق سبحانة وتعالى ` وتبدو فيها مهارة استخدام الألوان والسطوح والتجسيم والضوء والظل مع تناغم التكوين العام ورصانة المعمار .
بقلم : صلاح بيصار
جريدة القاهرة - 2009
|