حليم يعقوب ميخائيل
- انطلق الفنان حليم يعقوب كالفراشة الدءوب متنقلاً بين مختلف أنواع الإبداع الفنى مثل الديكور والتصميم والحفر على الصلب لطباعة البنكنوت وطوابع البريد وانتقل الى التمثال المعدنى المسبوك وأشغال الخزف والمينا ثم اشترك مع الفنان الراحل صلاح عبد الكريم فى إقامة الصروح المعدنية بمدينة جدة بالسعودية،فنواحى الإبداع متعددة عنده هذا للتدفق الإبداعى مع الالتقاء المعملى بخبرة التعامل مع الخامات المختلفة، والعين الفاحصة هى العمود الفقرى لإنتاجه الأخير فى فن النحت، وما يلفت النظر التمثال الصغير والمينى تمثال الذى لا يزيد ارتفاعه أحيانا على 30 سم فهو يشكل تماثيله قبل سبكها بالإيبوكس أو البولى استر، وكل ما نراه من تضاريس نحتية ماهى إلا بصمات، والأصابع منفردة ومجتمعة باليد الواحدة أو بكلتا اليدين وهذا هو السر فيما تنقله إلينا تماثيله من تجاويف وتماوجات تبعث فينا الإحساس بالحركة من جهة وبانسيابية الملمس من ناحية اخرى .
الفنان / مكرم حنين
حليم يعقوب 00 وفن تمثال الصالون
- الفنان حليم يعقوب هو المثال الوحيد - حسب علمى - الذى ترك مختاراً أدوات النحت والتجسيم واكتفى بالأدوات التى وهبه الله إياها : الأصابع والبصمات. واختار لها خامة تعبر عن صاحبها بنفس القدر الذى تعبر به عن موضوعاته المختارة . اختار مادة الشمع لأنه يستجيب لحرارة اليد فتزداد ليونته ويستجيب لضغط الأصابع والبصمات. ويتجسد الشكل بأقل ما يمكن من لمسات بارعة وحاسمة فى آن واحد .
- وهو دائماً شكل إنسانى أو حيوانى .اختار من الإنسان أنثاه واختار من الحيوان الخيل ، يلتقط منها ما يوحى بعطر الانوثة . لهذا تحفل كتله بالخطوط المتموجة المفعمة بالحيوية ، تاركاً لمصادفات اللحظة أن تسهم بدور سياق العمل الفنى .
- الانتماء إلى الجسد
- وهو ينأى بفنه وشخصه عن المشاركات الدعائية والحزبية التى يرحب بها بعض الفنانين ويرون فيها وصولاً سريعاً إلى جمهور عريض ، كما ينأى عن صناع الاعلام ونقاد الفن لهذا يبدو أقرب إلى شخص الناسك المتعبد المنعزل . ومثلما يضطر الناسك إلى العزلة الصامتة حتى لايتعكر صفو نفسه بأى مؤثر ، يلوذ فناننا بخامته الرقيقة. يختضنها بإحدى قبضتيه وبلمستين أو ثلاث يكون الشكل قد تحقق. وهو يبدأ العناق : عناق العاشق بغير سابق تدبير ويترك للوهلة الخاطفة والمصادفة السعيدة أن تسوقه لذروة الاكتمال !
- ولأنه عاشق لتلك الوهلة المشتعلة فإنه يحرص على أن يحتفظ بها ليظل حضورها متجدداً فينقلها إلى مادة أثبتت تحديها للزمن وأبقت داخله ولاتزال ، تحفاً فنية من كل ثقافات العالم ؛ إنها خامة البرونز. وإذا كان حليم يعقوب يشبه - فى جانب من جوانبه - الناسك المتعبد فهو يشبه - فى جانب أخر - كائنات منحها الله القدرة على أن تبدع بالغريزة مثل النحل والطير !
استجابة .. ثم اعتراض !
- تثور بين حين وحين موجه من الخلاف بين الشكلانيين الذين ينحازون إلى التجريد وبين الباحثين عن المضمون الانسانى الذين ينحازون إلى التشخيص ، ويبدو أن حليم قد تأثر بدعوة الشكلانيين فأقام معرضاً كاملاً سنة 1992 بالمركز المصرى للتعاون الثقافى الدولى . ضم معرضه تجارب متنوعة فى التكوين الشكلى المجسم والمجرد ، دون أن يتنازل عن الأداء العفوى الذى يميز أسلوبه الشخصى .استعان بشرائح عشوائية من الورق شكل بها علاقات استعرض بها مهاراته فى اصطياد الدرجات الظلية والضوئية وغطاها بسائل الدريتون الصمغى ، ثم غطاها أخيراً بالبوليستر ليحتفظ بتضاريسها مثبتة فيخالها الرائى -للوهلة الأولى - مجسمات جصية لم يكرر حليم هذه التجربة ولم ينتج من الأعمال بعد ذلك ما يمكن إدراجه فى إطار التجريد الخالص لأنه - أى التجريد - يفتقد إلى ما يحرص عليه حليم - حسب تعبيره - وهو المضمون الانسانى. - مساحة للحلم
- بحكم الخبرة وحكمة الزمن يدرك حليم يعقوب أنه لا وجود لأسلوب فنى جامع مانع ، لهذا اختار لنفسه ما يمكن وصفه ، مجازاً ، بطريق البين بين حيث يتشعع الشكل المرئى بالتحولات المستمرة التى لا يتيحها إلا الحلم ، فنرى المهر وقد تحول بالإيحاء إلى ما يشبه الطائر وما يشبه الثعلب فى آن واحد . ويتحول الفارس المسيطر إلى فارسة ، أما الفرس ذاته فإنه ينتظر منا أن نستكمله ، كما فى تمثال ` فارس ` على سبيل المثال . إن تماثيل حليم الصغيرة التى تصلح تماما للأماكن المغلقة أرى أن بعضها يقدم نماذج أولية لافتة لتماثيل الميادين . وفى سياق ` التحولات ` و ` البين بين ` يمكن للمشاهد اكتشاف كثير من النماذج منها على سبيل المثال ما يشبه محاولات الجمع بين الأجزاء المجردة والكليات المألوفة وكأنه - نظرياً - يحاول أن يثبت لنا مقولة : ` إن الكل ليس مجموع أجزائه `.. ففى تمثال ` طائر ` تشكلت أجزاؤه من شرائح معدنية مقوسة لا تفضى بالضرورة إلى الشكل الذى طالعنا به . وفى عمل آخر تتلاحق موجات أشبه بطيات الملابس . فى صعودها تنتهى إلى ذروة هى إيحاء برأس وفى هبوطها تمتد - فى لحن مفرد - صوب قاعدة التمثال . وليس مهماً بعد ذلك أن ندرك أن هذا الصوت المفرد ساق لامرأة ، وحقيقة الأمر أن الفنان أراد لنا ما أراده لنفسه وهو أن نرى لحناً راقصاً يتجسد فى هيئة طيف امرأة ثبتها الفنان فى مادة البرونز المصقول ونتمنى لها نحن أن نخاطب حواس الناس فى فضاء متسع ، إن وجد فى مدينة القاهرة !
موضع على الخريطة
لو تأملنا حركة الفنون الجميلة بمصر، منذ 1908 حتى الأن - بمنظور عين الطائر - فسنجد تيارين متعارضين أو متكاملين - إن شئت - أولهما يمثل إبداعاً متأثراً - بدرجات متفاوتة -بالمنجز الجمالى للإبداع المصرى القديم . ويتسم هذا التيار بالميل إلى البناء ووضوح معالم الشكل .أما التيار الثانى فيرجح - بشكل عام المعنى على المبنى حتى وإن بدا المظهر خشنا . من رموز البناء : محمود مختار ، جمال السجينى ، محمود سعيد ، آدم حنين وبيكار وحسن سليمان وغيرهم ، ومن محطمى البناء الفنانون : راغب عياد و كمال خليفة ومنير كنعان و زكريا الزينى وفاروق حسنى ... أما حليم يعقوب فإنه وإن كان أقرب إلى التيار الثانى فإنه يتميز بأناقة تيار البنائين . فى لقاء أخير معه بادرنى - دون سبب مباشر - بالحديث عن عظمة النحت المصرى القديم وأطلعنى على مجموعة من التماثيل التى إستلهمها من النحت المصرى ، محتفظاً - كعادته - بدور اللمسة والبصمة وحرارة العجالات وعفويتها فى التشكيل . بدت لى تلك الأعمال وقد كسرت هيبة الصروح القديمة وخلعت عنها أسطوريتها وانتقلت إلى منطقة الغناء السهل البسيط ، تلك البساطة التى يتسم بها حليم يعقوب شخصياً .
بقلم : محمود بقشيش
مجلة الهلال.. نوفمبر 1998
تجربة رائدة فى فن النحت
- الفنان ( حليم يعقوب ) مصمم ديكور يعمل مديراً لإدارة الرسم والتصميمات بمطابع هيئة البريد . ولكن نشاطه يطفو لكى يغمر حياته بالطموح للانطلاق إلى أبعاد جديدة ، تؤهله لها خبرة فردية واعية وذوق رفيع يمد فروعه فى أكثر من اتجاه .. وهو يقدم لنا نماذج من نشاطه المتعدد فى المركز المصرى للتعاون الثقافى الدولى بالزمالك .
- ولقد بدأت تجارب الفنان ` حليم يعقوب ` بتخطى مراحل التصميم على الورق إلى التطبيق على خامات مستحدثة استطاع بذكائه أن يطوعها ويؤلف بينها ويخلق منها زواجا سعيدا من رقائق النحاس والزجاج الملون المنصهر . ثم بعد أن وفق فى هذه المصاهرة بين هاتين الخامتين وتخطى مرحلة التجريب انطلق فى تأليف تراكيب هندسية شطرنجية النظام يقوم فيها الزجاج المنصهر بدور البطولة وهو يتناغم بألوانه الدسمة التى تتخللها الاكاسيد والفقاقيع والتضاريس العشوائية وكأنها ذوب فصوص من أحجار كريمة اغترف منه الفنان وراح يشكل به هذه المقطوعات الرفيعة الذوق .
- وتتمخض هذه التجربة عن فتح آفاق جديدة فى فن الصياغة ذات الطابع الإقليمى فيتفنن فى عمل عقود وأساور وحلى تنضح بالذوق المصرى الأصيل وتعمل على اثراء هذا الفن الذى نأمل أن يتأصل دوره ليصبح معلما من معالم واقعنا الحضارى ..
ويقدم الفنان أيضا تجربة جديدة فى فن النحت الفراغى مستوحاه من الحروف العربية ، وقوامها أشرطة نحاسية تتلوى وتتضافر تتداخل فى اتجاهات لولبية مخترقة الفراغ فى رشاقة الخط الثلث ومرونة الخط الديوانى ورقة الخط الفارسى .
- حركات راقصة تهتز إذا ما لامستها يد .. وتكتسب حركة فعلية إلى جانب حركتها التشكيلية . ولقد قام بتطعيم هذه التماثيل بالزجاج المنصهر فكان إضافة يهنأ عليها الفنان المبدع الذى نأمل أن تخرج أعماله إلى الخارج ليرى العالم تجربة رائدة من فنان مصرى أصيل . والكلام هنا للمسئولين فى هيئة الفنون .
بقلم : حسين بيكار
من كتاب أفاق الفن التشكيلى
|