`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
إيهاب شاكر انطون شاكر
مظاهر الحياة والعادات الشعبية انعكست .. على رسومه ولوحاتها التصويرية
- اهتم الفنان ايهاب شاكر بالتعبير الابداعى، الى جانب الكاريكاتير كرسام بارز فى دار روزاليوسف، بالتعبير من خلال التكوينات القائمة على الخط فى التكوين الانسانى لحواء واظهار جمالياتها بطابع شرقى كلى. ثم طور أسلوبه فى الاعوام الاخيرة بأسلوب تعبيرى جمالى يعتمد على الكتلة واللون بإرهاف شديد .
الناقد/ كمال الجويلى

الفنون الجميلة بين الشكل والمعنى
- معظم الفنانين يمكن تصنيفهم إلى فئات تتشابه فى المنهج وأسلوب الأداء، فبعضهم لا يحاكى الطبيعة (تجريدى) والآخر يعتمد على المبالغة (تعبيرى)، والثالث يرتب عناصره فى غير منطق (سيريالى).. الخ . ومنهم من نصنفه وفقا للمحتوى أو المضمون .فالبعض سياسى والآخر اجتماعى والثالث عاطفى أو جنسى والرابع أخلاقى أو دعائى .
- لكن هذه المضامين وغيرها تختفى فى أعمال غالبية الفنانين حيث يتركز الاهتمام على المظهر دون الجوهر كمنفذ للهروب من إبداء الرأى أو لعدم الكفاءة التعبيرية. لكن رسوم ولوحات: إيهاب شاكر من طراز نادر فى حركتنا المرئية، لأنها تتميز بأبعاد خاصة ومعايير مستحدثة ومداخل تشكيلية مختلفة بالنسبة إلى الاتجاهات المعروفة. بالإضافة إلى المضمون الإنسانى النابع من الأعماق المحلية ذات المحتوى الفلسفى، مما يضفى على إبداعه سحرا وحيوية يجتذبان عين المتلقى ومشاعره، ويعكسان ثقافة الفنان المتشعبة بين الدراسات الأدبية والفلسفية والفنية .والثقافة كما نعرف كالأجنحة ، كلما امتدت واتسعت إرتقت بموهبة الفنان إلى أجواء يعجز عن بلوغها الذين لا يعرفون سوى الشكل والأسلوب والحيل والخامات والصنعة.
- لا تنطبق على رسوم ولوحات إيهاب شاكر المفاهيم الخاطئة التى تقول بأن العناصر المشتقة من الطبيعة أو تحاكيها، تحول اللوحة المرسومة إلى عمل أدبى مقروء . فضلا عن أن المنطق الذى يصور به عناصره ويصممها فى علاقات شكلية، لا يسفر عن قصص وحكايات وإن بدا كذلك. فهو يصور مثلا بومة تملأ فراغ اللوحة تلتقى أمامها نعامتان متماثلتان فى تكوين زخرفى يهمل قواعد المنظور ولا يوحى بأى أحداث. لكن الشاعرية التى تتمتع بها لوحاته ، وإحساسه بموسيقية الخطوط والألوان والمساحات، وخبرته الطويلة فى إعداد الطابع الأسطورى وهى لا تفترق فى منطق تشكيلها عن التجريد المطلق، الذى يبحث صاحبه عن المتعة الشكلية السطحية، مع فارق واحد هو أن مساحات إيهاب اللونية تتقمص هيئة العنصر المقروء، كأنما ليوفر على المتلقى البحث فى ذاكرته عن شىء شبيه بالشكل الذى يراه. لكن هذا لا ينفى أن لوحات إيهاب ذات مضامين اجتماعية وسياسية وعاطفىة، أما انتشار صور الطيور والحيوانات والنباتات فيقربها من قصص ` كليلة ودمنة ` التى تروى الحكمة على لسان كل الكائنات، خاصة أن الفنان رسام قصص أطفال وصور متحركة ويضرب بجذوره عميقا فى تراث الفنون الشعبية والأفريقية.
- بالرغم من القصص والحكايات التى تبدو فى لوحات إيهاب وإيحاءاتها الاجتماعية والإنسانية، فهو يسير فى طريق واحد مع الرسامين التجريديين الرياضيين مثل المهندس `محسن شرارة` الذى يصمم تشكيلاته وفق قواعد حسابية دقيقة ، تشحذ فكر المتلقى وتمتع عقله وتفعل بنفسه ما تفعله الموسيقى الرفيعة وكلاهما يتفق مع منطلقات الفنان المجرى فيىكتور فازاريلى (1908 -00000) رائد الفن البصرى (أوب آرت) ومن قبله الرسام الهولندى بييت موندريان (1872 - 1944) صاحب فكرة الفن النقى. أعمال هذين الفنانين لا تمت إلى `مظاهر` الطبيعة بسبب بينما تتفق مع جوهر النظام الكونى الطبيعى. ويتفق إيهاب شاكر معهما فى أساس الإبداع، وإن أختلف فى أنه يشكل لوحاته من وحدات تذكرنا بكائنات نعرفها ، لذلك توحى بنوع من التعبير والمعنى تفرضه على عقل المتلقى وخياله، وتضيف إلى موقفه الجمالى المستمد من موسيقى التكوين. إنها رؤية الأحلام التى عاشها أثناء عملية الإبداع ، ولا طائل من الاسترشاد بالعناوين التى يطلقها على موضوعاته للتوصل إلى مضمونها، لأنها لاتشير إلى أى معنى فهو يضع اسم ` أسد ` أو `حمامة ` على صورة تشبه الأسد أو الحمامة. ومن هنا ينبغى للمتلقى أن يبذل الجهد فى التفسير والتحليل، وأن يدرك أن التذوق عملية إبداعية بدوره، وليس مجرد استقبال بسيط كما أن إيهاب يختلف عن الفنان السويسرى: ماكس أرنست (1891 - 1976) الذى كان يعتمد على الصدفة فى تشكيل آثار تهشيرات قلمة على ورق موضوع على منضدة خشبية، وحين تظهر تعاريج سمار الخشب يعالجها بتأكيد بعض أجزائها فتشكل كائنات جديدة على حد تعبيره فتشكيلات إيهاب مؤلفة من وحدات مرسومة عمدا، وإن كان لا يقصد معناها. كل ما يعنيه منها هو الخط الذى يحدد فراغا ذا قيمة جمالية.. والتصميم المحكم والبناء المعمارى المؤسس على اتزان الاتجاهات الرأسية الأفقية والملمس. واللون ذو المذاق المحلى تلك هى العوامل الأساسية فى صياغة الموضوعات التى ينظمها .. أو يعزفها لتسفر عن مضمون لا يمكن التعبير عنه بلغة الكلمة كما فى الشعر أو النغمة كما فى الموسيقى، أو الحركة كما فى الرقص. فأبجديات الرسم الملون لغة مختلفة يحدثنا بها إيهاب شاكر. وإذا كان تجريديا من حيث التصميم والتلوين فعناصره التى نراها ونقرؤها، ليست سوى أشياء عارضة غير مقصودة لذاتها. فهو يخرج بإبداعه على نطاق التعبير المجرد الذى ابتكره الروسى فاسيلى كاندينسكى(1866 - 1944)، وإن كان يتفق معه فى الإيمان بالعلاقة الحميمة بين الرسم والتلوين والموسيقى وقد قام إيهاب بدراسات مستفيضة حول هذه العلاقات وحاول تطبيقها بتحويل الأنغام إلى أشكال مرئية فى سلسلة من اللوحات.
- ... الفنانون لا يأتون من فراغ إنما تسبقهم ارهاصات تشير إلى مواهبهم وتضئ لها النور الأخضر، لتمضى إلى غايتها وتصب إنجازاتها فى نهر الثقافة الإنسانية. ولا جدال فى ضرورة توافر الصدف السعيدة حتى تزدهر وتؤتى أكلها ويظهر الفنان على مسرح الحياة. ولكن ينبغى للموهبة أن توجد قبل حسن الطالع وإلا استحال على المرء أن يصبح فنانا مهما تضافرت من حوله الصدف والإمكانات. قد يتحول إلى نجم اجتماعى تتلقفه أجهزة الإعلام ، ولكنه لا يكاد يمضي مع الزمن حتى ينساه الناس كأن لم يكن. فالمنجزات الحضارية من صنع أفراد قلائل تفجرت عنهم الحياة وساعدتهم الصدف الحسنة، فبصموا التاريخ بخاتمهم وتوقفت عندهم صفحاته. وقد وصف `رومان رولان` مكسيم جوركى` أديب روسيا العظيم الذى صعد من الحضيض بأنه كالنبتة البرية التى أخطأتها أقدام المارة، حتى ترعرعت وصلب عودها!
- ولد إيهاب شاكر فى القاهرة سنة 1933 أيام أن كانت الدنيا دنيا. فى ضاحية عزبة النخل حيث كانت الحقول تترامى على مدد الشوف وتفتح غابات النخيل مراوحها نحو السماء ، تشكر الخالق على النعمة والاستقرار. فى بيت تحفل مكتبته بمؤلفات فرنسية فى شتى العلوم والفنون. وما كاد يشب عن الطوق حتى اختلف الى المدارس الفرنسية طوال التعليم العام. حين اكتشفت الأسرة شغفه بالرسم والتلوين - ولما يزال فى الرابعة عشر أرسلته سنة 1947 فى أوقات الفراغ إلى استوديو ` كارلو مينوتى` الإيطالى الذى يزخرف أسقف قصور السادة. وأثناء قضائه للسنة النهائية فى تعليمه الثانوى تردد على مدرسة ليوناردو دافنشى بعد الظهر ليشبع رغبته فى الرسم والتلوين ولم ينقطع عنها إلا بعد قبوله طالبا فى كلية الطب سنة 1952. سلسلة من المصادفات عملت على توجيهه وإعداده ليلعب دوره فى حركتنا الثقافية . تمثلت فى أسرة لا تمانع فى أن يجتاز ولدها ما يشاء من هوايات، بل وإن يترك كلية الطب التى يطمع فيها أولياء الأمور ليلتحق بالفنون الجميلة. وشقيق أكبر يهوى الرسم والتلوين هو `ناجى` فنان العرائس المعروف. ووالد يحتفظ بمجلات الفن الفرنسية فينشأ الطفل الموهوب على النظر فيها . وتعليم فى مدارس أجنبية متقدمة الأسلوب والمناهج وبيت فى ضاحية تتمتع بجو ريفى هادئ ثم اكتملت المصادفات حين التقى - بعد حصوله على شهادة التوجيهية - فى معسكر للشباب فى أحد المصايف ، بأحد الموجهين شاهد رسمه وألوانه فنصحه بترك كلية الطب. والتحق بالفنون الجميلة فى عهد آخر الأستاذة الكبار `عبد العزيز درويش` أعظم الملونين، وحسين بيكار عملاق الاتجاه الأكاديمى وعبد السلام الشريف رائد فن الإخراج الصحفى فى العالم العربى ` قبل أن تنحدر الدراسة إلى هذه الركاكة والسطحية ` وكان الطالب إيهاب فنانا صاعدا، فعمل منذ البداية كرسام محترف فى جريدة الجمهورية حتى تخرج سنة 1957 فالتحق بمؤسسة روزاليوسف ، رسام أغلفة وصور إيضاحية ورسوم كاريكاتورية ...
- ثمانى سنوات قضاها إيهاب فى فرنسا (1968 - 1976).وضع خلالها بحثا فى القيم الثابتة بين مختلف الفنون وزار المتاحف والمكتبات والمعارض الدورية التى تكتظ بها قاعات باريس. وعاين الصيحات الفنية والبدع ورأى روائع كبار فنانى العالم وجها لوجه، وليست صورا مطبوعة فى الكتب والمجلات بالإضافة إلى المعارض الدولية لمختلف الشعوب والبلدان فضلا عن الحياة الاجتماعية فى ثقافة أولى خالية من عوامل الإحباط والتخلف.
- بعد أربع سنوات من إقامته (أى سنة 1970) استقر على أسلوبه التصويرى الراهن أسلوب التكوينات الأسطورية فى منطقها وعناصرها وتسطيحها مع غلالة شرقية ونفحات من الهند والصين واليابان، وضرب من التماثيل يذكرنا بتماثيل بوذا، وتحويرات مبالغ فيها وكائنات كالحيوانات والطيور، لكنها ذات مسحة إنسانية عاقلة، تدخل فى صلب الصورة كعناصر أساسية تلعب دورا فى التعبير وبلورة المضمون، وليست مجرد كشف عن هويته تماشيا مع فكرة الألمانى ` رورشاخ ` وبقعة الحبر. فحين يجرى المرء بريشته على آثار بقعة الحبر، ليبرر ما يتراءى له من أشكال، إنما يعبر عن دخيلة نفسه ومكنون خواطره.
- إستلهم إيهاب شاكر جوهر التراث المحلى الكلاسيكى. لم يأخذ الأشكال السطحية كالعيون اللوزية المنظورة من أمام فى الفن الفرعونى وأشكال الخشب المخروط فى الفن الإسلامى والحروف الهجائية وإنما استلهم الجوهر الفنى كالطابع الميتافيزيقى المصرى القديم ورمزيته وعناصره المهجنة ، واستخلاص سلالات جديدة من الكائنات المخترعة. وطابع الاستمرار اللامتناهى فى الفن الإسلامى .حتى لتبدو بعض لوحاته كأنها مرسومة بالفسيفساء والاستمرارية الإسلامية تتمثل فى تصميمات التوريق والتفريع والرقش الإشعاعى الذى يسميه الأوربيون أرابسك .وإن كان مضمون الفن المصرى القديم يشير إلى الأساطير والمعتقدات الدينية وقوى الخير والشر والثواب والعقاب، فأساطير إيهاب تنم عن مفاهيم اجتماعية وإنسانية تشير إلى الحب والسلام والرخاء بين الكائنات ، مستوحيا قراءته لآراء المتصوف الكبير ` ابن عربى ` التى تعرف عليها فى باريس مترجمة إلى الفرنسية ، ثم عاد لدراستها فى لغتها الأصلية العربية . وتتبدى حداثة أسلوبه فى استخدام خامات مختلفة فى آن واحد ، تتراوح بين الأحبار والأقلام الملونة والباستل والأكريليك وكل ما يخطر على باله ويساعد على التعبير الصادق، ولا يلجأ إلى الألوان الزيتية إلا نادرا. إلا أنه يبتعد عن المساحات الصرحية التى ابتدعها الأمريكيون فى الخمسينيات وقلدهم فيها معظم فنانى العالم الثالث ويتجه إلى الأحجام المتوسطة التى تبدو كأنها قصائد شعرية ، وتسمح له بالعمل فى التفاصيل وإحكام الصياغة بالملامس والألوان.
- قد تزدحم تكويناته بالتشكيلات الداخلية الدقيقة والرموز والإشارات التى تثير فضول المتلقى وتدعوه إلى التجوال بينها والتعرف عليها وإدراك مغزاها الذي تكسوه غلالة من المظاهر الخادعة. قد تكثر هذه الرموز وتفترش أنحاء السطح المتاح، وقد تتجمع فى كتلة محددة كأنها تمثال بسبب الطابع البنائى المعمارى الذى يعمد إليه أحيانا لكن مهما تغير شكل التكوين أو صغرت مساحته، توافرت له دائما مقومات الأعمال الفنية الكبيرة ، يكشف عن انتهاج الفنان لأسلوب واضح ينمو ويتطور من داخله وليس تقليدا لأحد. بالرغم من أننا نستشف جسورا تصل إبداعه بعدد من الفنانين، فهو يطرح معايير فنية جديدة ولا يكترث بالقواعد التقليدية كالمنظور والظل والنور ووحدة المكان والزمان. وتتسم أعماله بالحركة والغرابة وعدم التآلف بين العناصر المرسومة، بينما يشعر المتلقى بالألفة نحوها جملة وتفصيلا ،مما يوحى بشكل من أشكال الهوية المحلية ذات النفحات الشرقية. ذلك أن موضوعاته تنطوى على مضمون وفلسفة ، سواء فى الشكل أو المحتوى. بعكس ما يجرى فى أعمال معظم فنانينا وفنانى العالم الثالث من افتقار إلى المنهج والقوام الفكرى والثقافة المستقلة ، هؤلاء يهتمون بالشكل فقط . وإذا سألتهم عن المضمون قالوا أنه ` المضمون الشكلى` وفسروا الماء بعد الجهد بالماء! وهو المنهج الذى انتهجه الناقد الإنجليزى والمؤرخ `هربرت ريد` فى تحليله للأعمال الفنية ، متفقا مع فلسفة الأمريكى `جون ديوى` التبريرية ` (البراجماتية)، التى ينطبع بها بعض خريجى الكليات الفنية، ويظنون أن الأعمال التشكيلية تتحول إلى فن إذا استطاعوا تبريرها بالغريب من المصطلحات. لكن لوحات إيهاب تتميز بالشكل الفنى والمضمون الإنسانى معا نلمس فيها ثقافته وإمكاناته ومهاراته المنوعة، خاصة تلك التى اكتسبها من رسم أفلام الكرتون أثناء إقامته فى باريس، وما تستلزمه من التحكم فى نظامها الزمنى وعلاقة الإيقاع الموسيقى وتوافق الأنغام بتصميم الموضوعات والتكوينات والخطوط والألوان . الأمر الذى جعل لوحاته من الأعمال المرئية النادرة التى تقف جنبا إلى جنب مع فنون الشعر والأدب والموسيقى والرقص. يدعم هذا القول ما يلاحظ فيها من ثراء وعمق ينبعان من ثراء ثقافة الفنان وصدق تعبيره وإيمانه برسالته. وفى الثقافات الأولى - فى روسيا وأمريكا ودول أوربا - يهتم الفنانون بالمضمون الإنسانى والتعبير عن رأيهم فى المجتمع والحياة ولو أدى ذلك إلى التضحية ببعض جماليات الشكل.
- فى مارس 1988 أقام إيهاب معرضه الأول بعد صمت دام ثلاثين عاما، قضاها فى البحث والتجريب والقراءة منذ تخرجه فى قسم الرسم والتلوين فى كلية الفنون الجميلة. أحس زائر المعرض للوهلة الأولى أن كل لوحة من اللوحات التى جاوزت الأربعين عددا ، تثير فى خياله شتى الخواطر والأفكار، إحداها تصور أسدا يضم سيدة وجهها مستدير أبيض كوجه القمر شعبية اللون والطابع يحيطها خط أسود، حاجباها متصلان وعيناها كحيلتان لكن الأنف غائب ربما لفرط دقته. ولوحة أخرى لحصان يضم سيدة بجسده الملتف حولها فى رقة ملحوظة. صورها سنة 1987 بألوان الأكريليك التى تجف سريعا، وتتيح تكثيفها بوضعها طبقات فوق طبقات، وتختلف عن ألوان الزيت أو الماء. والسيدة فى الحالتين تطمئن لحماية الحيوان، مما يسفر عن مضمون السلام والإخاء والمحبة بين الكائنات جميعا سواء منها المستأنس والوحشى.
- الأسد.. والحصان... والسيدة ذات الوجه القمرى والطيور والأسماك، التى تنتشر فى أعمال إيهاب ، تضفى على إبداعه جوا شعبيا وهوية محلية لأن الرسوم التى يتداولها العامة مع المواويل والألحان الدارجة والحكم والأمثال هى البقايا الحية من تراثنا الكلاسيكى ومن بينها رموز: السمكة والأسد والكائنات التى ترتسم على الصدور والأذرع بالوشم، والعلاقات الحميمة واضحة بين `روح الوشم` وبين لوحات إيهاب شاكر. كما تتأكد شعبيتها فى صراحة الألوان ونوعيتها وقرابتها من النظم اللونية فى عربات الكارو والكشرى. كما تتبدى فى قوة الخطوط وصرامتها وانسيابها عبر اللوحة، لتربط جميع الأجزاء فى وحدة صلبة.
- كل ذلك يضفى مذاقا شعبيا وعبقا تاريخيا وأصالة محلية على إبداع إيهاب بالرغم من التعقيدات الفكرية العصرية التى تتخلل تكويناته، والتى تخفف من حدتها موهبته كرسام كاريكاتورى ويمتلك القدرة على التعبير بالخط والملامح .ولو نظرنا إلى رسومه الإيضاحية فى كتب مثل ` قصص القرآن` أو حكايات شعبية من مصر، تبينا أنه لا يفرق بينها وبين لوحات المعرض، لفرط استقلالها وإحكام صياغتها وهى من هذه الزاوية تذكرنا بمنمنمات ` يحيى بن محمود الواسطى` `من القرن الثالث عشر، التى يمكن نزعها من مقامات الحريرى لتصبح لوحات قائمة بذاتها.
- وفى سلسلة لوحات بعنوان `ثنائيات` صور الطيور فى تعبير عن الحب من حيث هو امتزاج روحى ومادى بين اثنين. عبر عن فكرته بتشابك الخطوط والعناصر التفصيلية للطائرين فى تكوين موحد متكامل نكاد لا نتبين فيه أحدهما من الآخر فضرب مثلاً لوحدة الشكل والمضمون، وهو لا يفرق بين مدركات الرسم والرسم الملون والزخرفة، إذ يستخدمها مجتمعة لتجسيد خياله مسايرا مفموم الحداثة الذى يخطط بين اللوحات والتماثيل..
- وربما المسرح والموسيقى أيضا كما فى الهابننج آرت أو فن الحدث (بفتح الحاء والدال).
بقلم : مختار العطار
من كتاب ( رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر والعالم العربى)

- منذ أن أنهى دراسته الأكاديمية بالفنون الجميلة مع مطلع الخمسينات، وهو عبر ما يقترب من نصف قرن من الزمان يبحث وينقب فى اتجاهات فنية شتى ، من الرسم الصحفى للكاريكاتير ، ومن رسوم كتب الأطفال للرسم والتصوير بمفهومهما التقنى والتعبيرى ، وقد حقق فى كل منها بالجدية والوعى درجة عالية من التفرد والقيمة معاً ، لم يبتعد فيها لحظة عن مصر الواقع والظروف ، يتناولها بالنقد الإيجابى تارة وبمداعبة المحب أخرى ، وها هو ذا فى تجربته الأخيرة ينهل من تراثها العربى الاسلامى ، مستعيراً إيقاعات زخارفه المتعددة فى صياغات مستحدثة لعلاقة الإنسان بالموسيقى ، فقد عمد إلى استلهام الأصوات والإيقاعات بتأثيراتها المختلفة فى تصوير عوالم مشحونة شحناً بالحركة الصاخبة تارة ، أو المنسابة رقراقة ناعمة أخرى جاعلاً من أشكال العازفين وآلاتهم وما تصدره من نغمات مثلثات ودوائر وأقواسا وخطوطا تنحنى وتنثنى وتلتف فى عذوبة ، أو تنطلق مهاجمة متقاطعة متشابكة فى صخب حاد و كأنما قد استحالت الأصوات أشكالاً نراها بالبصر والسمع معاً . هى تجربة أقرب إلى التجريد - برغم الإبقاء على ملامح الشخوص والآلات الموسيقية - تجريد هو تجرد عن المباشرة ، يتوالد التحوير فيه كالاستطراد أثناء فعل الفن ، مرتبط بأثر الأصوات الموسيقية وقالبها اللحنى على حركة الأشكال وهيئاتها وطرائق نموها وتلاقيها وتداخلاتها معاً .
- وبرغم الاقتراب من التجريد الكامل هنا - بالمفهوم الاستطيقى - فقد ظلت أشكال آلات الطبل البلدى والمزمار والقانون والعازفين والمنشدين فى الموالد والأفراح الشعبية المصرية ، حاضرة فى قوة بعد أن تحورت مستجيبة للصياغة التشكيلية ، وكأنما قد تزاوج التجريد والتشخيص معاً فى واحد حميم دون تنافر .
- لقد بدأ ` إيهاب شاكر` وقد أخذه سحر التوافق الجميل بين الأصوات المجردة والإيقاع المجرد لحركة الأصابع على الآلات ، وكذا حركة الأجساد ، وقد تجاوز هيئاتها الطبيعية بالمفهوم التسجيلى نحو توليف تركيب أشبه ` بالصوت مرئى ` إن جاز لنا هذا التعبير ، وذلك هو ` التجريد - التجرد ` بعينه ، حتى وإن بقيت أصداء واضحة من ملامح الشخوص .
بقلم : د. فاروق بسيونى
مجلة الهلال. أكتوبر 1998
لوحات تنحاز إلى عصر الطرب بألوان الخشب
- تقاس عادة قيمة الفنان التشكيلى بمدى مقدرته على اقتحام سموات الابتكار، واصطياد موضوع أو ` تيمة ` لم يقترب منها أحد من قبل، ثم تقديمها فى صياغة جمالية فريدة تفيض بالعذوبة وتسر الخاطر هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، يلعب الوسيط أو الخامة التى يستخدمها الفنان لتنفيذ هذه الصياغة دوراً محورياً فى تفرد إبداعة ، حيث تكشف سيطرته على الخامة وتطويعها لمتقضيات الموضوع الذى يلح عليه.
- ومنذ بداية ظهور فن الرسم والتصوير قبل قرون وحتى الأن ، والخامات الشائعة تنحصر فى ألوان الزيت ، المياه ، الأكريلك، التمبرا، والحبر الأسود، أما أقلام الخشب الملونة فلم يجرؤ فنان حتى الأن- بإستثناء واحد سنذكره حالأ- أن يقدم معرضاً يضم عدداً من اللوحات المرسومة بهذه الألوان، حيث سيلجاً الفنان إليها عادة لعمل بعض الاسكتشات السريعة أو الدراسات التشريعية البسيطة ليس أكثر.
- إيهاب شاكر- 1933 - هو الفنان الوحيد الذى قدم أكثر من 140 لوحة متوسطة الحجم (50×70سم) منفذة كلها بأقلام الخشب الملونة فى الفترة الأخيرة .
تخرج إيهاب فى كلية الفنون الجميلة بالقاهرة قسم تصوير زيتى عام1957، وعمل بالصحافة حتى وصل إلى مستشار فنى لمؤسسة روز اليوسف، ورغم أنه نال حظه من الشهرة كرسام كاريكاتير فى مجلة صباح الخير تحديداً، إلا أن اللوحات التى عرضها على الناس انفصلت عن فن الكاريكتير وصالحت فن التصوير إلى حد بعيد .
- تعالوا نرى ماذا قدم إيهاب شاكر فى تجربته الأخيرة ، فى لوحة ` عازف الساكسفون` يبهرنا هذا التكوين المتفرد حيث يحتل العازف الذى يأخذ وضع المواجهة بآلته، كل مسطح اللوحة تقريباً ، أول ما يلفت الانتباه فى العمل تحطيم الفنان للقوانين الأكاديمية التى تضبط العلاقات التشريحية للجسد الإنسانى، فبطل اللوحة صاحب جسد ضخم، ووجه منبعج متخفف من الرشاقة، توحد مع الآلة الموسيقىية التى يعزف عليها، فلا يمكن لنا أن نحدد أين تنتهى الآلة، وأين يبدأ الجسد، وكأن الموسيقى المنبعثة من هذه الآلة تخرج من أحشائه دلالة على مدى استغراق الرجل فى العزف والهيام به.
- لايلهث إيهاب شاكر خلف الاحتفاء بمحاكاة الواقع ، من خلال تعظيم المنظور أو تبجيل الفورم بل يحافظ على موروث الفنان الشرقى والعربى دوماً عندما يرسم، إذ تتبدى الأشكال والعناصر ذات بعدين اثنين فقط ، حتى لا تخضع لعبث المنظور الذى يخفى أشياء ويقلل من حجم أشياء أخرى .
- قسم الفنان ملابس الرجل- الذى يبدو أنه ينتمى إلى فرقة حسب الله الشعبية ذات الصيت الوافر فى الأوساط الفقيرة- إلى مساحات هندسية غير منتظمة ، تفصل بينها خطوط حادة، ربما ليتجاوب هذا التكوين أو التحليل مع الإيقاعات الموسيقية المتباينة التى تخرج من الساكسفون.
- لقد جاء استخدام ألوان الخشب مبهراً فى هذه اللوحة ، حيث تمكن الفنان من كبح جماح تمردها.. والصبر عليها حتى تفصح عن هذه النعومة والرقة.
- ` أرجو أن تلاحظ الدرجات الظلية المتعددة للأحمر والموزعة بحكمة على معظم سطح الورق الأبيض`.
- وإذا كان إيهاب شاكر قد احتفل فى هذه اللوحة بنغمات لونية عديدة مثل الأحمر الطازج، والأخضر المستكين واشتقاقاتهما ، فإن فى لوحة `عازف التشيللو` قد زهد فى هذه الوليمة اللونية الثرية، وقنع باللون البنى الهادئ ودرجاته، إن النزعة نحو تداخل الآلة الموسيقية مع جسد العازف تسيطر على مخيلة الفنان بشكل كبير، كى يؤكد على معنى نبيل، وهو أن الفنان الذى يتقن عمله ويذوب فيه، يصير متوحدا مع آلته التى جزءاً مهماً من بنيانه، إن التحرر من الالتزام بانضباط التشريح، سمح للفنان أن يحور فى شكل الرجل لطريقة يبدو فيها متمايلاً مع الأنغام التى تصدر من التقاء القوس بالأوتار.
- فى هذه اللوحة ، أدار الفنان العلاقات بين الخطوط الأفقية والرأسية والمحنية بامتياز، بحيث تحقق التوازن المنشور، فمثلاً الأوتار شكلت الخطوط الرأسية، التى توافق معها القوس الذى مثل الخطوط الأفقية... وهكذا استطاع إيهاب شاكر باستخدام اللون البنى أن ينجب العديد من الدرجات الظلية بسبب حساسيته المفرطة ، ورهافة استخدامه لألوان الخشب ، مما وهب اللوحة ملمساً ناعماً كالحرير يتواكب تماماً مع أجواء الموسيقى التى تصدح فى أجواء اللوحة.
- وفى جرأة لافتة، أبدع الفنان لوحة تضم ثلاثة عازفين دفعة واحدة، كل منهم يحتضن آلة موسيقية مختلفة، ويشرع فى العزف الذى كان من الممكن أن يحتوى هؤلاء الثلاثة، وسمح لخياله المتدفق بالانهمار فوق سطح الورق الأبيض.
- فالرجال استجابت ملامحهم لرنين الموسيقى الذى ينطلق من آلاتهم ، حيث انفتح الفم، وانتفخت الأوداج، ومالت الطرابيش، ورقت الأجساد، أما الآلات نفسها فانثنت وتموجت وتداخلت مع بعضها ومع أصحابها.
- ويبقى هذه السيمفونية اللونية التى عزفها الفنان بأقلام الخشب ، حيث نجد البرتقالى المشتعل يتجاوب مع الأحمر الشهى، أو الأخضر الهادىء، ينسحب كى يحتل الأصفر الهامس موقعة المرموق... وهكذا.
- إن الحس التعبيرى يفوح من أعمال هذا الفنان بشكل لافت للنظر، ولا شك أنه استفاد من ممارسة الكاريكاتير الذى منحة الجرأة فى تحطيم الشاذ والمألوف والرتيب، من أجل إنجاز لوحات تنشد الفرادة وتحتفى بخصوبة الخيال، دون الإخلال بمتانة التصميم وقوته.
- إيهاب شاكر فنان متمرد.. امتلك أصول الصنعة كى يحطمها بموهبته المتقدة، ويصيغ لنفسه لغة تشكيلية متفردة، انحاز نحو عالم الموسيقى ورجالها، وصالح أقلام الخشب الملونة التى خاصمها معظم الفنانين ، وأبدع بهم وبها- الموسيقيين والأقلام- لوحات تفيض بالسلاسة والنعومة ، رصينة التكوين... أقرب إلى شكل البنايات المعمارية المستقرة، يشتبك فيها العازف مع ألته بود ومحبة.. لا كآبة فيها ... ولا إغراب، بل تدعونا إلى الحبور وتنشر رذاذ البهجة فى النفوس.
- باختصار لوحات إيهاب شاكر تمنحنا الطرب البصرى المفقود منذ أزمنة، ويا نعم هذا الطرب.
بقلم : ناصر عراق
من كتاب ملامح وأحوال
صياد أسماك التجارب على الشاطئ المسحور
- رأيت فيما يرى المسحور أن الدنيا صارت امرأة ترتدي `الملاية اللف` ويتبختر جسدها بنداء صارخ الهمس، وهى تنقل أقدامها على رمال الزمن ، والمرأة -الدنيا - ترتدى تحت `الملاية اللف` جلباباً من الستان .
- ويشد بريق الاشتياق الواحد منا من عيونه ، فيسير خلف المرأة الجميلة، فتقول له أنا أمك الغولة ولولا سلامك سبق كلامك لأكلت لحمك قبل عظامك .
- ولا يهتم العاشق بهذا القول، بل يندفع إلى عناق هذه الجميلة وأثناء العناق تطير به هذه المرأة إلى الصحراء وتهب على الاثنين عاصفة من رمال ويحبس العاشق خوفه فى أعماقه ويحاول امتلاك شجاعة لقهر عاصفة الرمال ، ويقترب أكثر من المرأة ويحاول أن يكسر ضلوعها بالاحتضان وتضحك له المرأة فيستمر فى اللعب معها تلك اللعبة الساحرة - لعبة عروسة وعريس - وينجب منها أطفالاً يكبر الأطفال ليصيروا رجالاً ونساءًا وتتحول كل امرأة بشكل أو بآخر إلى كائن أنثوى يرتدى` الملاية اللف` فيتبختر قلب الرجل بنداء العشق ويتوه العاشق ومعشوقته فى رمال العاصفة ويحاول الرجل أمتلاك شجاعة قهر العواصف الرملية .
- وتتكرر اللعبة إلى أن يجد الاثنان زهرة ناضرة هى زهرة التفاهم العميق وتنمو أوراق الزهرة لتصير بيتًا ويطل هذا البيت على البحر ويجلس الاثنان كل صباح يصطادان أسماك تجارب العمر .
- وما تقدم من سطور هو موجز شديدًا لاختصار لأحاسيسى بعد أن تجولت فى معرض `إيهاب شاكر ` لساعات ليست قليلة ولكنها امتلأت بعشرات الرؤى وكأنى امتلكت كل صور صندوق الدنيا ذلك الصندوق القديم الذى كان يحمله رجل عجوز على ظهره وفى يده `دكة من الخشب` ومن يدفع المليم البرونزى يمكنه أن يشاهد السفيرة عزيزة والرجل النمر ومولد النساء وعناق الشاطر حسن لست الحسن والجمال ونساء مدينه بومبي حيث العري الماجن .
- كشف `إيهاب شاكر ` لنا عن وجه قديم بالنسبة له وهو وجه جديد بالنسبة لنا، إنه وجه المصور القادر على اللعب بالألوان على القماش المصنوع من التيل، وازدحم المعرض بمئات الزوار، وكان يوم الافتتاح كصالة الأعياد التى تمتلئ بطفولة العيون أمام اللوحات ، وكأن الحاضرين قد تجمعوا من حائط ذكريات عمر `إيهاب شاكر ` ليروا ماذا صنعوا بصديقهم `إيهاب شاكر` وماذا صنع `إيهاب شاكر ` بهم ولهم ، فمعرض الرسام هو خلاصة تجربته وهو كراسة مذكراته عن نفسه ، وعن العالم الذى يحيا فيه واللوحات ليست إلا أسماك تجارب العمر المؤلم والدافئ، المجروح والصافى، الزاهد والعاشق لكل تفاصيل الدنيا .
- وبعد التوقف أمام اللوحات لأكثر من مرة وجدتنى أمام `نادية لطفى` وهى تزور المعرض فرحت بها فرحتى بالصباح، إنها تمثل فى عمرى صباح العمر الجميل وهى امرأة نادرة قادرة على أن تقول الحقيقة دائمًا.
-وها هو شيخنا الشاب `عبدالسلام الشريف` الذى تلد عيناه الأمل من صخور الزمان أتى `عبدالسلام الشريف` ليرى ماذا أنجز ذلك الشاب الذى التقى به عام 1953 وشجعه على أن يرسم الكاريكاتير وها هم السفراء ورجال الدولة .
- ها هى `سميرة شفيق` زوجة الرسام التى قال لى عنها `أنها امرأة لا يفرغ بينى وبينها الكلام أبدا` وانقلب الغروب إلى الصباح وانتقلت ألوان إلى العيون وانفضحت أسرار `إيهاب شاكر` وأسرارنا ، وتحولت صالة العرض إلى زهرة ناضرة التفاهم بين كل الحضور وهم كثيرون ونضجت أوراق الزهرة حتى صارت بيتًا يضمنا جميعاً لنرى بحار أعمارنا ونصطاد بعيوننا أسماك تجاربنا المعلقة على الجدران .
- رأيت فيما يرى المسحور طفولة `إيهاب شاكر` على لسانه وهى تحكى عن عاصفة من رمل أصفر هبت على القاهرة فى منتصف الأربعينيات وقال كل سكان القاهرة ` أن الملاك الذى أعلمه الله ميعاد يوم القيامة قد نفخ فى البوق المخصص لذلك ، وأن القيامة قد قامت بالفعل` ذلك أن أحدا لم يكن يستطيع لحظة العاصفة أن يرى أخاه ، ولا أمه ، ولا أباه ، ولا صاحبته ، ولا أحد يمكن أن يغنيه ، فقد تحول الهواء إلى جدار بين كل إنسان وآخر .
- وصار من المستحيل على أحد أن يتعرف على أحد . ولكن إيهاب شاكر أحس أن الملاك قد نفخ فى البوق ليتحول ` إيهاب` من طفل يحس أمومة المرأة إلى رجل يحس بمطلب احتضان المرأة . وأدار الملاك على أنغام البوق قصة أمنا الغولة التى تطعم الإنسان وتسقيه حتى يربى لحمًا ويعطى إنتاجاً وفيراً ثم تأكله من بعد ذلك . ومن المؤكد أن كل ما فى أعماق إيهاب قد ارتج بعنف النشوة والخوف فى آن واحد.
ولم يخرج إيهاب من دوامة الإرتجاج إلا بمراقبة الشجر فى شوارع حى الزيتون حيث كان يسكن . رأى هناك على شجرة ما حمامتين لونهما أبيض فى حالة عناق وشجن. وذكر الحمام يهب السر للأنثى ، والأنثى تحتضن السر فى حنان .
وعاصفة يوم القيامة تدور حول الشجرة دون أن تفرغ أنثى الحمام من شجن الحب ، ودون أن يفرغ ذكر الحنان من نشوة التواصل ، وما أن تمر أيام حتى تتوجع أنثى الحمام بميلاد البيض . وتنقلب إلى كائن شرس من أجل حماية فرخ الحمام الخارج من البيضة ، وتنقلب فى دورة أخرى إلى كائن غارق فى حنان أبدى لتطعم وليدها . ويزهو ذكر الحمام باللعبة، فيعود ليصنعها من جديد .
- وهكذا عرف ` إيهاب شاكر ` أن القيامة لم تقم ، بل الذي قام هو صهد رجولته من قلب طفولته وهو صهد يختلف في نوعه عن ذلك الصهد المنتشر في صدور خلق الله فى ذلك الموقف حيث ضاق خناق الرزق واختفى السكر والشاى والزيت والجاز ، فقاهرة الأربعينيات كلها هى سوق سوداء، ولعل الذي أطلق آهة الدعاء إلى السماء بأن تقوم القيامة بالفعل هو حالة الزهق الشاملة في ذلك الزمن، حيث زهق البشر من أنفاس الهواء الداخلة إلى صدورهم ، هذه الصدور التى تفرغ فى الزفير هواء مليئًا بآثار القهر ، وكل إنسان ملحوق وملاحق بدبيب الحياة فيه ، ومعنى دبيب الحياة أن الفجر كرياح في يد الليل يجلد به ظهر الكائن البشرى لعله يتحرك وعندما يتحرك الكائن البشرى في لحظة الشروق إلى لحظة الغروب فهو يشاهد نفسه محاصرًا كالدجاج في أقفاص مصنوعة من التحذيرات الصادرة من القصر الملكى والحكومات المتلاحقة والذقون التي طال شعرها في بعض من بيوت الله، لا لأنها تعبد الله حقاً بصفاء ، ولكن لأنها تريد أن تخدع الناس بما لا يرضي الله، التحذيرات الصادرة كلها تحاول أن تجعل أقدام البشر مربوطة بحبل غير مرئى ، وما أن يتحرك أحد حتى يقع الجميع ، والتحذيرات تضع النار عقاباً للشرور الصغيرة ، وذلك حتى يفرغ السادة من وراء البحار لصناعة الآثام الكبيرة، ووالد `إيهاب شاكر` إنسان مصرى مطحون وعليه أن يبتسم والطحن ليس فقر المال ولكنه فقر تحويل أيام العمر إلى صفصافة فوق البيت، وأن يترفق الظل بأجساد الأبناء من شمس الأيام الحارقة ، ووالد `إيهاب` يصارع أيام الطحن فيشترى مطبوعات تحتوي رسومًا بالحبر الأسود رسوم نساء ورجال وأطفال وحدائق ، هل هى لـ `مايكل أنجلو` أم لـ `رمبرانت` أم لـ `دافنشى` ؟ الذاكرة لا تحوى أسماء من رسموها ولكنها تملأ العين ببهجة فى زمن تفتح الجسد على أشواق الاحتضان هذا الاحتضان الساحر الذى يملأ خيال المراهقة، وحيث تتكسر الدقائق والثوانى فى موسيقى إنحناءات الأجماد وهى تلتف حول بعضها، ليحاول كل جسد أن يذوب فى الآخر، وأن يتخلص الإنسان من وضعه ككائن مبعثر بين الفناء والميلاد، وليتلخص الإنسان من كونه مجرد حمال لجوال الهموم على الظهر المحنى، وحتى لا يفطس الإنسان منا من الضحك على نفسه لما وصل إليه حاله من الألم الذى لا راد له .
- والصبح وكل صباح يشهد دراجتين تحملان `إيهاب شاكر` وأخاه الأكبر `ناجي شاكر` الذى صار مصمماً للجمال المتحرك بالخيوط أيام النضج ، فـ ` ناجى` هو مصمم العرائس التى فازت في معظم مهرجانات الدنيا كانت الدراجتان تقطعان الطريق من حى الزيتون إلى مدرسة `سان جورج ` في مصر الجديدة ومصر الجديدة في ذلك الزمن كانت إختراعًا أوربيًا لحياة الأجانب فى مصر إنها ضاحية على طرف العاصمة التى تغلى بقاع يهتف ` أين الغذاء والكساء يا ملك النساء ` ومن فوق القاع لعبة صراخ بين أحزاب مختلفة فى الظاهر ومتفقة على صناعة اليأس العام من كل شئ ومعظم الأجانب يسكنون على هامش العاصمة فى مصر الجديدة ، فعندما يوجد بلد فى حالة استعمار فلابد للقائمين على تنفيذ أوامر الاستعمار من أحياء خاصة لها طابع غير طابع بقية الأحياء، وهذه الأحياء الخاصة مفروض فيها أن تخفف عن الأجانب عذاب الاغتراب، وإذا كانت مصر في ذلك الزمن مهمة بالنسبة إلى أوروبا، وأذا كان عرق المصرى البسيط وانكفاؤه على وجهه من أجل أن ينال السيد الأوروبى كل خير مصر، وما دام المصرى قد قبل أن يكون مصيره مقسماً بين نهر الدعاء المتوسل إلى السماء، ونهر الدماء الصانعة لذهب يتكدس فى بنوك النهب العام ، ما دام المصرى كذلك فلابد من حراس لبقائه على هذا الوضع والحراس هم الأجانب الذين يسكن بعضهم فى مصر الجديدة والحراس دائمًا أكثر قدرة من المسجونين ، إنهم لا يتوجهون بالدعاء إلى أية سماء ، ولا مانع من إنشاء بيوت للعبادة ، لا من أجل العبادة ولكن لنسيان فن الحياة على الأرض وانتظار الرحيل إلى السماء وفى نفس الوقت يصنع الحراس بيوتهم وأحياءهم وكأنها جنة على الأرض وما أن يرى بعض المصريين الجنة على الأرض حتى يرغب معظمهم فى الحياة بهذا الأسلوب ولكن القادر على ذلك قلة : ومن بين هذه القلة أسرة ` إيهاب شاكر ` والجنة فيها فاكهة ، تفاح ورمان وبرتقال والتفاح والرمان والبرتقال موجودة على مائدة أمام الأستاذ عبدالبديع مدرس الرسم فى المدرسة المصرية - سان جورج الأن - وهو ينقل صورة الفواكة على الورق بالألوان المائية ، والرمان موجود في الشارع على صدور البنات ، فكل بنت لها على الصدر رمانتان ولها على الخد تفاحتان ومن الخطأ الأخلاقى أن يقرب الإنسان تلك الفواكه التى على أجساد البنات فلتملك العيون إذن فن صناعة الفواكه على الورق .
-وكانت بداية هواية الرسم مع ناجى شاكر فرآه `إيهاب شاكر` فأحس بسعادة وتساءل `ولماذا لا أرسم أنا أيضًا` وعندما لاحظ الأقارب أن الشابين قد صارا إلى النضج فلماذا لا يرقى الاثنان بمشاعرهما إلى سمو عملى عن طيش الشباب ، لابد للإثنين من تعلم الرسم .
- واتجه الاثنان إلى البواكى فى ` روكسى ` حيث يوجد إيطالى اسمه ` كارلو مينوتى ` يقال أنه يرسم لوحات ` الملك فاروق ` و ` السرايات ` وكانت صورة` الملك فاروق ` هى صورة الحلم الذى ينكسر كل لحظة أمام المصريين لكنهم كانوا يقومون بلصق الحلم المكسور، إنهم فى حاجة إلى رمز وكان `الملك فاروق` مكسورًا بأربعة حراب مغروسة فى أنحاء مختلفة من جسده الحرية الأولى هى حربة اللذة والتهام النساء دون الوصول إلى قدرة التعاطف الآدمى بين رجل وامرأة إن جسد المرأة هو طبق يأكل منه طفل لا يعرف كيف يمضغ الطعام، ولأن `الملك فاروق ` لم يتأكد يومًا من أنه رجل فقد تحول إلى التهام الطعام، وعندما كان يمتلئ بالطعام يجد نفسه عاجزاً عن التفكير في مأساته كملك لا يفكر فى استنهاض شعبه ولذلك تأتيه الحربة الثالثة وهى حربة الأوامر التى لابد أن يرضخ لها لأنها قادمة من السفير الإنجليزى وما دام يعانى من الرضوخ فلابد أن يرضخ له الأخرون فكان يجمع الأغنياء ليلعب معهم القمار ويخسرون له نقودهم حتى يسمح لهم بامتصاص ما بقى من نهر دماء المصريين، وحتى يخفى كله ذلك فليبحث عن ستار يختبئ فيه وليعلن أنه من نسل النبى صلى الله عليه وسلم وله من أجداد الذين يعطون الفتاوى لأصحاب شركات المال المعاصرين من أعطاء الفتوى.
- وإيهاب يعلم ذلك وهو يتعلم من ` كارلو مينوتى ` ثم يلفظ أسلوب نقل الصور الذى يتبعه `كارلو مينوتى` ويتجه مع `ناجى شاكر` إلى معهد ليونارد دافنشى ، فهناك دراسة من لون آخر.
- رسم على أصول دراسة للطبيعة والجسد وأسرار الألوان ` وإيهاب ` مشغول برغبة عارمة لمعرفة الجسد البشرى والرسم لا يعطيه كل ما يتمناه لذلك يتجه فور الحصول على التوجيهية لدراسة الطب لكن كان هناك رجل قد رأى رسمه أنه الأستاذ ` عنايت إبراهيم ` مفتش الفنون الجميلة الذى قال لـ` إيهاب ` أنت موهوب بشكل غير عادى وعليك بكلية الفنون وعرف إيهاب طريقه إلى كلية الفنون ووجد نفسه في داخل كلية الفنون حيث أحس فى هذا الجو أنه داخل بيته بين التماثيل والألوان والموديلات .
- قام ` إيهاب ` ذات مساء حلم فيه بزميل له وكان وجه هذا الزميل كمتوازى المستطيلات فقام من النوم ليرسم صاحب هذا الوجه بهذا الأسلوب وكانت 23 يوليو قد قامت تبحث عن أبنائها الذين يمكنهم القتال بكل الأساليب، بداية من مقاومة الأحتلال بالرصاص، إلى إيقاظ الإنسان بالرسوم .. ورأى الفنان `عبدالسلام الشريف` موهبة `إيهاب`، فسلمه إلى تلميذه صائغ المواهب `حسن فؤاد ` وبدأ القلب الفصيح العشق ، قلب `حسن فؤاد ` فى التعامل مع `إيهاب` ليعطيه مساحات فى مجلة `الغد` ومن مجلة الغد إلى `جريدة الجمهورية` حيث لإيهاب فى ذلك الزمان كاريكاتير سياسى يومى .. ويعانق` إيهاب` تجربة `بيرم التونسى` و `بيرم` جامعة من جامعات الشعب المصرى ويتجول `إيهاب` فى رحابة عمر `بيرم التونسى` ليرى ليالى عمر هذا الفنان بصيفها وشتائها وربيعها وخريفها ، ومن يحيا مع ` بيرم ` فلابد أن يلمس أقمار التصوف اللامعدودة وليقفز من قمر إلى قمر ومن فناء `ابن عربى` إلى شهوات `الحلاج` فى العدل إلى اشراقات `السهراوردى` فى العشق، ومن `بيرم` إلى `مأمون الشناوى` حيث يفكران معاً فى الكاريكاتير .. و`مأمون` هو هذا الأدب الصافى الحالم بيننا وكان موجوداً ذات نهار على الأرض، ميعاد الحياة بأنسجام ويدخل`إيهاب` الجيش ويرى بنفسه خلاصة الشعب المصرى المستعدة لأمل ما ويخرج من الجيش ليجد لنفسه مكاناً فى روز اليوسف وصباح الخير، ويبدأ `إيهاب` فى الالتفاف إلى العالم فيرحل على مركب ليرسم الموانى ثم يعود ويأتى له الروائى صالح مرسى ` ذات صباح ليخبره إنه ذاهب إلى اليمن فى صحبة جيش مصرى ينقل اليمن` من القرن الثالث الميلادى إلى القرن العشرين ويقبل `إيهاب` السفر إلى اليمن ويدور الرصاص من فوق رأس الاثنين وهما على جبل فى صعدة ويهمس `صالح` فى أذن `إيهاب` ماذا تتمنى قبل أن تموت ؟ فيقول `إيهاب`.
- ... أتمنى أن أحضن امرأة أحبها فأذوب فيها وتذوب فى أعماقى .
- ويضحك الاثنان بصوت مكتوم والرصاص مازال يتطاير من فوق الإثنين ولم يكن `صالح مرسى` ولا أحد غيره من زملاء `إيهاب` يعرف أن لإيهاب قصة حب مع `سميرة شفيق` طالبة بكلية حقوق والتى اكتشف `إيهاب` فى ردهاب عشقها أنه قادر على الصمت والكلام دون أن يجرح أحدًا أو يجرحه أحد . ويتوالد العشق بإنطلاق وتجدد ويحكى `إيهاب` بريشته أجمل لوحات البقاء في العشق . والذى يطالع رسوم `إيهاب شاكر` من عام ???? المصاحبة للزوايات المنشورة سيجد أن ريشة إيهاب تعنى فوران الجسد القادر على منح العالم حناناً لا نهاية له . إنها خطوط ساخنه يفرح بها إيهاب ويغنى بها إيهاب .
- والغناء في العشق يحول الإنسان إلى طفل، والطفل يحتاج إلى من يرسم له . وقد رسم `إيهاب` من قبل فى مجلة سندباد للأطفال وبدأ إيهاب يحكى قصصًا مرسومة ومطبوعة فى دار المعارف وينتقل من بعد ذلك إلى التعمق فى الرسم للأطفال وكان المجد يتسرسب من حياة المصريين لينوه فى خمر الغرور الفاسد ويتفجر الغرور الفاسد ليدمر أحلامنا التى صارت أوهامًا وتنكسر الدنيا فوق رؤوسنا فى يونيه 1967 ويمر عام من الحزن ليسافر `إيهاب` بعد ذلك هو و `سميرة شفيق ` لمزيد من الدراسة فى باريس وليشرب نهر الحضارة التى هزمتنا لعلنا نعرف منها ما نستطيع أن نوجه لها الصاع - ذات يوم - صاعين .
- والفن فى ظاهره ترف لم يستمتع به . لكنه عذاب شخصى لصانعه . ويمضى `إيهاب` فى باريس فى تجاربه إنه المسحور بالفن المنسوج بالخطوط والألوان، الذائب فى نداء مجهول كأنه نداء أمنا الغولة فى الحواديت الشعبية وأمنا الغولة وقفت لإيهاب ذات نهار تحت جلد فتاة السيرك التى رسمها كمشروع للتخرج . ومن يرى تلك اللوحة المعلقة فى بيت إيهاب سيرى الجمال المكسور تحت عمود النور ويجد بجانبها البلياتشو ذلك اللاهى ممزق الملابس، المبعثر الأحلام ويجد وجه `سميرة شفيق` يطل من لوحة هاتين اللوحتين .
- رأيت معرض `إيهاب شاكر ` الأخير فرأيت كما يرى المسحور رجلاً يحاول اصطياد الفجر بلونه الملئ بحمرة خافتة لغروب قديم ، وبنفسجى مولود لصباح جديد، حاملاً إثم الليل وبراءة النهار، متضمنًا إلى جوقة الذاكرين لله ، فى مولد منصوب لولى لم يأت بعد .
- رأيت فيما يرى المسحور امرأة تغطى نفسها بفضيلة مزينة لتفضحها شهواتها الفوارة حتى تتحول إلى ميناء لمراكب العشق التى لا ترتوى.
- رأيت فيما يرى المسحور وجه الرجل النمر تطل من جبهته عيون ومن أشداقه عيون ومن صدغيه عيون.
- رأيت فيما يرى المسحور سمكة تعانق سمكة فى دفئ الوان داكنة توحى بأن العشق حق .
- رأيت فيما يرى المسحور طفلة لاهية على زمن العجز ، تجمع عرائسها كلعبة شطرنج ولا تغنى للأمل القادم بل تنظر بعيون صحراء الأيام القادمة لكل إنسان .
رأيت فيما يرى المسحور تلك المرأة التى ترتدى ملاءة لف وتخفى تحت جسدها طائراً شرساً يأكل عظام الرجل قبل لحمه .
- واسأل نفسى وأنا أخرج من المعرض ...... ما القيمة الباقية فى رأسى .
فأقول لنفسى إنه فى كل لوحة هو إيهاب شاكر رغم أنه لم يقلد نفسه فى أية لوحة من اللوحات ....... وأحكى لنفسى الحكاية التقليدية .
- لنقل أن الدنيا هى أمنا الغولة التى ترتدى فى بعض الأحيان جلبابًا من الستان اللامع فيقف الواحد منا كالزمار أمامها لعلها ترقص لكنها تطلب منا أن ندور فى حلقة الذكر وكأننا آلات بلا عقل ويهرب منا من يستطيع الهرب ليكون ديكاً عاشقاً أو يكون حمامة بيضاء تشتاق إلى عناق ولكن لا مفر من أن تهب علينا جميعاً ذات نهار عاصفة من رمال والشجاع حقاً هو من يحيل إقامته على الأرض وقتاً يقضيه مع أصدقاء فى بيت على شاطئ بحر ليصطاد الجميع أسماك التجارب دون أن يؤلم أحد الآخر .
فكم شاطر بيننا إذن .......
بقلم : منير عامر
من كتالوج إيهاب شاكر 2017
إيهاب بخطيً عملاق
- جاءنا بالرسم فأذهلنا جميعًا.. كانت الخطوط تنبض وتتحرك وتقفز ولمحنا وراء هذه الخطوط طاقة ضخمة.. كان يرسم لوحات من نوع خاص، وظن أنه لا يستطيع مجاراة رسامي الكاريكاتير في التعبير عن فكرة سياسة ..
- بحثنا عن زهدي ليرسم الفكرة فوجدناه مسافرًا، وبحثنا عن فضلون فوجدناه مريضًا وبحثنا عن طوغان فوجدناه مريضًا وعلى سفر .. وأعطينا الفكرة للشباب الصغير فقال أني لم أرسم هذا النوع قبل اليوم .. وقال له زملاؤه ولماذا لا تجرب هذا النوع ؟
- وعكف على رسم الفكرة وجاء بالرسم فأذهلنا جميعًا.. كانت الخطوط تنبض وتتحرك، وتقفز، ولمحنا وراء هذه الخطوط طاقة كاريكاتيرية ضخمة ... ومضتت الأيام وإذا ريشة الفنان تشق طريقها فى الرسم الكاريكاتيري بخطى عملاق وإذا كل من يتأمل رسوم `إيهاب` يقول هذا شئ جديد .. هذا شيء جديد!
واسم إيهاب الكامل `إيهاب شاكر` وهو مثل أكثر رسامي الكاريكاتير المصريين يعرف بالاسم المختصر، فإذا ذكرت اسمه كاملاً لم يعرفه أحد ..
- إنني بهذه الكلمة لا أحيي إيهاب ولكنى أذيع نبأ موهبة فنية صار لها وجود ولست أخشى من الغرور على إيهاب الشاب، فالفنان الأصيل لا يشعر بغرور، ولكن يشعر فقط بثقة فى نفسه، والفرق بين الثقة والغرور هو الفرق بين شيك له رصيد، وشيك بلا رصيد.
بقلم : كامل الشناوي
1954
أين ظهرت هذه القصة ؟
- وقال الفنان وكأنه مبهور باكتشاف جديد: لقد عثرت على كتاب جديد يوفر لك منتهى متعة `الفرجة` وهو كتاب `حكايات شعبية عن مصر` وأحب أولا أن أقول لك .. أن الموضوع الواحد لا يكفي حتى تستوعبه وتستكمل متعة `الفرجة` عليه أو تقرأ عنه كتابًا واحدًا بل أنت في حاجة إلى عشرات الكتب مع اختلاف من كتبوا كل كتاب حتى تستكمل متعة استيعابه وموضوع `الحكاية الشعبية ` سبق أن سجل فى أكثر من كتاب، ولكن هذا الكتاب الجديد يعتبر أبرزها وأوفرها فى تحقيق متعة القراءة وأبرز ما فيه هو إخراج الكتاب نفسه .
- إن إخراج الكتاب أصبح فنًا قائمًا بذاته يحقق قوة جذب القارئ ابتداءًا من اختيار نوع الأوراق التى يطبع عليها وهذا الكتاب المطبوع على أوراق كأنها أوراق الورد، رائعة فى بريقها وقيمتها ومبوب فى تخطيط هندسى مدهش ، ومع كل حكاية لوحة ملونة بريشة الرسام الموهوب `إيهاب شاكر` وقد أطلقت على هذه اللوحات تعبير `الواقعية السريالية` وأروع ما فيها هى اختياره للألوان التى يوزعها على كل لوحة .
- وقد عرفت إيهاب شاكر منذ بدأ من زمان طويل يعرض رسوماته فى مجلة `روز اليوسف` وقد وجدته فى هذا الكتاب قد تطور تطورًا رائعًا نحو قمة من قمم فن الرسم ثم أن كاتب الكتاب هو الأستاذ `عبدالفتاح الجمل` ويبدو أنه بذل مجهودًا كبيراً فى بحث كل حكاية اسم الراوى وفى أى قرية يرويها راسم من جمع هذه الحكاية واحتفظ بها وهو يترجم كل حكاية من العامية إلى الفصحى، ويقول فى مقدمة الكتاب أن اللهجة العامية هى ابنة اللغة الفصحى وان كانت تصادفك كلمات عامية وكلمات فصحى يصعب عليك فهمها وتحتار أيهما ابنة الأخرى، وقد أثارت حكاية `امرأة الأب` حيرة كبيرة شغلت كل فكري حتى إنى بدأت أفكر فى أن أبدا دراسة أدبية تاريخية عنها رغم أنى كما تعلم لست متفرغًا للدراسات الأدبية .
بقلم : إحسان عبد القدوس
1986

- الفنان `إيهاب` اسم ستذكره الحياة الفنية كثيرًا من الآن، هو رسام الكاريكاتير المعروف `إيهاب شاكر` الذى لم يكن فى رأيي رسامًا كاريكاتيريا تمامًا أبدا ففي أبسط موضوع كاريكاتيرى كان `يرسم` كثيرًا، كأنه يرسم لوحة وكان هواه الحقيقى فعلا فى رسم اللوحات .
- ... ومع أن معرضه بعد هذا كله جاء خاليا من أى افتعال ولكنه مزيج غريب من البساطة والتحرر من القاموس العادى للرسم والتجريد من الفولكلورية والعصرية من قوة الألوان وشجاعتها ورهافة الحس أنه طريق جديد تمامًا بين أغنى وأعقد طرق الفن التعبيرى . أكثر من ثمانين لوحة لرسام واحد فى معرض واحد وافر الغنى والثراء . وكلها فيها مجهود كبير جدا نشعر أنها خارجة من صدره فى بساطة وفى تلقائية شديدة سواء كان يرسم الدراويش أو الحيوانات أو البشر أو المعانى المجردة .
- لوحاته عاطفية رومانسية حديثة غنية جدًا فى اللون لا تندرج تحت أى مدرسة فنية كأنه شعر أنه أوتى عفويا من القوة ما يجعله لا يفكر فى المدارس الأمر الذى يخنق فنانين كثيرين ولوحاته يمكن أن توضع فى متحف فتغنيه ، وفى بيت فتبعث فيه حلاوة وحيوية وابتسامة .

بقلم : أحمد بهاء الدين
1988
الفنون الجميلة بين الشكل والمعنى
- ... بالرغم من القصص والحكايات التي تبدو في لوحات إيهاب وإيحاءاتها الاجتماعية والإنسانية فهو يسير في طريق واحد مع الرسامين التجريديين الرياضيين مثل المهندس محسن شرارة الذى يصمم تشكيلاته وفق قواعد حسابية دقيقة ، تشحذ فكر المتلقي وتمتع عقله وتفعل بنفسه ما تفعله الموسيقى الرفيعة وكلاهما يتفق مع منطلقات الفنان المجرى فيكتور فازاريلى ( 1908 ) رائد الفن البصرى ( أوب أرت ) ومن قبله الرسام الهولندى بييت موندريان ( 1872 - 1944 ) صاحب فكرة الفن النقى، أعمال هذين الفنانين لا تمت إلى مظاهر الطبيعة بسبب بينما تتفق مع جوهر النظام الكونى الطبيعى، ويتفق إيهاب شاكر معهما فى أساس الإبداع، وإن اختلف فى أنه يشكل لوحاته من وحدات تذكرنا بكائنات نعرفها، لذلك توحى بنوع من التعبير والمعنى تفرضه على عقل المتلقى وخياله ، وتضيف إلى موقفه الجمالى المستمد من موسيقى التكوين، إنها رؤيا الأحلام التى عاشها أثناء عملية الإبداع ، ولا طائل من الاسترشاد بالعناوين التى يطلقها على موضوعاته للتوصل إلى مضمونها، لأنها لا تشير إلى أى معنى ، فهو يضع اسم أسد أو حمامة على صورة تشبه الأسد أو الحمامة، من هنا ينبغى للمتلقى أن يبذل الجهد في التفسير والتحليل، وأن يدرك التذوق عملية إبداعية بدوره، وليس مجرد استقبال بسيط .
- ... قد تزدحم تكويناته بالتشكيلات الداخلية الدقيقة والرموز والإشارات، التى
تثير فضول المتلقى وتدعوه إلى التجول بينها والتعرف عليها وإدراك مغزاها
الذى تكسوه غلالة من المظاهر الخادعة .
- قد تكثر هذه الرموز وتفترش أنحاء السطح المتاح ، وقد تتجمع فى كتلة محدودة كأنها تمثال ، بسبب الطابع البنائى المعمارى الذى يعمد إليه أحيانا لكن مهما تغير شكل التكوين أو صغرت مساحته ، توافرت له دائمًا مقومات الأعمال الفنية الكبيرة ، يكشف عن انتهاج الفنان لأسلوب واضح ينمو ويتطور من داخله وليس تقليدًا لأحد، بالرغم من أننا نستشف جسورًا تصل إبداعه بعدد من الفنانين ، فهو يطرح معايير فنية جديدة ولا يكترث بالقواعد التقليدية كالمنظور والظل والنور ووحدة المكان والزمان، وتتسم أعماله بالحركة والغرابة وعدم التآلف بين العناصر المرسومة ، بينما يشعر المتلقى بالألفة نحوها جملة وتفصيلاً ، مما يوحى بشكل من أشكال الهوية المحلية ذات النفحات الشرقية ، ذلك أن موضوعاته تنطوى على مضمون وفلسفة سواء فى الشكل أو المحتوى .
- لوحات إيهاب تتميز بالشكل الفني والمضمون الإنساني معًا نلمس فيها ثقافته وإمكاناته ومهاراته المنوعة، خاصة تلك التى اكتسبها من رسم أفلام الكرتون أثناء إقامته فى باريس ، وما يستلزمه من التحكم فى نظامها الزمنى وعلاقه الإيقاع الموسيقى وتوافق الأنغام بتصميم الموضوعات والتكوينات والخطوط والألوان الذي جعل لوحاته من الأعمال المرئية النادرة التى تقف جنبا إلى جنب مع فنون الشعر والأدب والموسيقى والرقص يدعم هذا القول ما يلاحظ فيها من ثراء وعمق ينبعان من ثراء ثقافة الفنان وصدق تعبيره وإيمانه برسالته .
بقلم : مختار العطار

إيهاب شاكر : زوربا المصري
- كان معرضه السابق مزاوجا بين متناقضات عدة تبلغ حد المفارقة بين الموضوع الشعبي والأسلوب الحداثي ، بين العفوية الطفولية والسيطرة العقلانية ، بين الرؤية الواقعية والشطحات السريالية ، بين التشخيصية الأسطوانية والتبسيط المحرف الذى يشارف التجريد ، بين المبالغة العبثية الساخرة ، والتأملية الحكيمة المتفلسفة .
- والغريب أنه ينسج لوحاته بسنون أقلام ملونة تقتضى وقتا وصبرا لا يملكهما إلا العابدون، ويبدو أحيانا مثل خائط التطريز والخيامية ، يتحداك عمله أن تتعرف على سر صنعته ، حيث لا يبدو أثر لخيط أو غرزة إبرة ويمكنك بالفعل إقامة مقارنة بين تقنياته وبين كثير من المهارات الحرفية المتوارثة ، مع فارق الأستاذية والابتكار المتفرد لكل قطعة .
- وبالرغم من أن عبقرية إيهاب تتركز فى تلك المهارات التقنية على وجه الخصوص ، حيث بلغت من الرفاهة حد التلاشى الدخانى للألوان والملابس فإن عالمه يمتلك بعدًا أسطوريًا غامضًا وفلسفة حسية فطرية للحياة ، لنقل إنها (وجودية زوربابوية) نسبة إلى زوربا اليونانى، تكمن فى كيفية أن يعيش الإنسان لحظته الاَنية بدون أسئلة حتى الانتشاء ويتحقق ذاتيًا بقناعة المتقشف حتى يتواصل مع المطلق ... يرقص ويغنى ويلعب ويغامر ويعزف ويحب ويتماهى مع من يحب حتى الذوبان ، لكنه يظل مصرى الهوى والهوية ، أما مفرداته اللغوية ( التشكيلية) فهى خطوط بسيطة وشرائط متماوجة وشرائح ملونة تتجاور وتتعانق وتبنى تكوينًا عضويًا متلاحمًا يستحل تفكيكه أو الإفلات من براثنه بمجرد أن تمسك بأول الخيط للولوج إليه، إنها نوع من أحابيل الحواديت الشعبية المخادعة .. بلا كلمات .
بقلم : عز الدين نجيب
2002

- ... فى أعمال الفنان المصرى `إيهاب شاكر ` شئ خاص حريف النكهة جامع بين حداثة الشكل وطرافة المضمون حامل لقدر من السخرية وخفة الظل مما يجعله قريبًا بل ومحببًا إلى نفوس الناس في مضمونه ،عميق في تركيبه البنائي متميزًا ببراعة أدائية وتقنيات تصويرية شديدة الغنى .
- ولعل تفرده وتميزه يعودان إلى مهارة الفنان ووعيه العالي بلغة الشكل والفن معًا مما أتاح له أن يجعل اليد المنفذة طيعة للعقل المفكر والخيال الثري، وذلك هو عصب الفن وحجر زاويته الأهم، فبدون براعة تقنية عالية ووعي بلغة الفن وجمالياته ثم امتلاك لرؤية متفردة هى حاصل جمع ذلك وإنصهاره معا يبقى الفن لعب عابث أو قاصر غير قادر على الاستمرار والبقاء .
- والفنان `إيهاب شاكر` واحد من القلة من فنانينا العرب الذين حققوا قدرًا من التميز المتفرد فى الرؤية والأداء معًا، أتاح له موقعًا متميزًا بين فنانينا الجيدين .
- فصياغاته لأشكال شخوصه وطرائق تركيبها وأساليب تقنياته وبناءاته للأشكال والتكوينات وجمعه بين التشخيص التعبيرى والتجريد البنائى فى توليفات حميمة جمعا لا نستطيع أن نحدد فيه أين ينتهى التشخيص، وأين يبدأ التجريد ثم اختياره لموضوعات بسيطه إنسانية وتصويره لها في المنطقة الفاصلة بين الواقع والخيال، كل ذلك جعل نتاجاته الفنية ذات نكهة تعبيرية إنسانية شديدة الغنى، مثيرة بهيئاتها البنائية وألوانها المتعددة المتباينة وطرافة الصياغة فيها ثم ما تحمله أيضًا من احكام هندسى دقيق لا يخر الماء فى تكويناتها وتركيب الاشكال فيها وكذا التحويل والتحريف فى ملامحها بما يرتفع بالتعبير على ما تحمله من مضامين .
- ... الأمر لدى إيهاب شاكر ليس تصويرًا لموضوعات معينه، قدر ما هو استلهام للموضوعات التعبيرية كوسائط أو ذرائع لفعل الفن وفعل الفن لديه لا محال فيه للمصادقة وإنما هو خاضع لقدر من الحسابات والقصد فى معالجة البناء وملابس السطوح وحتى منطق التحوير في ملامح العناصر بحيث تتحول جميعًا - مهما تباينت إلى منظومة عضوية واحدة، وذلك بالطبع لا يعنى أنه يترك العنان للهندسة العقلية الباردة وإنما يعني حضورًا ذهنيًا خلاقًا اثناء الفعل الفني يواكب المشاعر والعاطفة ويضبط انفلاتها أحيانًا ضبطًا متوازنًا خلاقًا.
- والواقع أن الفنان `إيهاب شاكر` لم يقتصر في نتاجه الفني على التصوير- الرسم الملون - وإنما قدم العديد من الأعمال المتميزة في مجالات الكاريكاتير والرسوم المصاحبة للكتابة الأدبية والأغلفة وجميعها بدت لديه غير تابعة للموضوع الذي تطرحه قدر ما جاءت موازية له فى القيمة الفنية كالطرح لموضوع واحد بلغات مختلفة، كما قدم أيضًا أعمالا للأطفال شديدة الرقة والعذوبة والتفرد معا، وكل ذلك أتاح له خبرات أمدت تجربته الفنية بتقنيات وأساليب غير مسبوقة جعلته يبدو شديد التميز والتفرد معًا.
بقلم : د . فاروق بسيونى
1993
إلى أخي الفنان الصادق إيهاب شاكر
- لقد سعدت بلوحاتك ومدى توغلك فى هذا الفهم الواعي لجماليات التحليل التي امتزج فيها الإيقاع الموسيقى مع الإنسان .
- إنه استشعار وجدانى مرهف لهذا التداعي صيغ فى بنائيات تصويرية تعبر عن قدره فائقة وأستاذية متمكنة وأداء تقنى رفيع .
- دائمًا مع عالم إيهاب نحن نحلق مع أطياف من الخط واللون ونسمع ألحان تتوافق وتتواتر في معزوفة تحلق متخطية أبعاد الزمان والمكان .

بقلم : عبدالرحمن النشار
1997

- الفنان إيهاب يحاول فى معرضه أن يرسم الروح ، وأن يلتقط الإهتزاز بالنشوة فى داخل القلب .. وأحيانًا ينسى الأشخاص ويقع تحت سيطرة الاهتزاز فلا يبقى على لوحاته إلا الإيقاع التجريدى للاهتزاز و ` الأرتام `.
- ولوحاته كلها مسموعة أكثر مما هى مرئية كموضوعات .. وعلى المشاهد أن يضع فى عينيه ميكرفون ليتعرف على أعماق الفنان ` أهبوب ` .

بقلم : د . مصطفى محمود

الأسد عندما يرسم
- الكاتب القدير أحمد بهاء الدين بعد أن شاهد لوحات صديقه الفنان إيهاب شاكر فى معرض أقيم عام 1988 كتب فى عاموده بالأهرام : `أنها خارجة من صدره فى بساطة وفى تلقائية شديدة سواء كان يرسم الدراويش أو الحيوانات أو البشر أو المعانى المجردة` وقال أيضًا : `لوحاته يمكن أن توضع فى متحف فتغنيه وفى بيت فتبعث فيه حلاوة وحيوية وابتسامة ` .
- ولا شك أن الحديث عن عالم إيهاب شاكر أمر يثير الفرحة والبهجة لدىّ لأنه حديث عن مبدع مصرى الهوى والهوية.. فنان رسام أبدع وغامر وحلق معنا بلوحاته ورسومه الكاريكاتيرية وكتب الأطفال لسنوات عديدة، كما أننى شاهدت دأبه الدائم للتواصل مع الأجيال وحرصه على احتضان براعم الموهبة والإبداع فيهم.. إيهاب من مواليد أغسطس 1933 وقد اختار إيهاب أن يكون مشروع تخرجه السيرك الشعبى القاهرى الذى تتبعه في تجواله بين احتفالات الموالد الكبرى . كما يكتب الرسام المبدع محيي اللباد ويضيف، وظلت أضواء تلك الموالد تشاغل أنظار إيهاب شاكر طوال ممارسته الرسم والتصوير..
- ` نعم` بين أرجاء مصر وأجواء أهلها ثم فى أضواء مدينه النور باريس تشكلت مواهب إيهاب وإبداعاته وتطلعاته فى عالم الفن والإبداع .
- يكتب اللباد عن إيهاب قائلًا: لم يترك إيهاب حامل اللوحة الخشبى والباليت والفرشاة إلا لمامًا، واهتم بعرض لوحاته فى معارض فردية وجماعية، في مصر وخارجها لكن نداهة الكاريكاتير، ورسوم الكتب والمجلات والرسم للأطفال ظلت دائمًا تلح عليه بندائها ، وامتثالًا لهذا النداء جلس إيهاب خمسين عامًا إلى طاولته، يراكم بأنفاس منتظمة هادئة ألافًا من رسوم الكاريكاتير ورسوم الكتب والمجلات متنوعة ومتعددة التجارب ، وإيهاب رسام دؤوب لا يمل ، ولا ترهبه الورقة البيضاء . فعنده دائمًا ما يملؤها فقط أطلب منه وأعطه فرصة وبعض الوقت ...
- ومع تكرار زيارتى لعالم إيهاب شاكر الإبداعي التقى بسكانه .. دانة وشمس وأراجوز وبيكيا وعربة البطاطا وفرقع لوز وجيل تليفزونجى وعرقسوس وسفينة نوح ودرويش وهنونة والأسد عندما رقص والبيضة المهرجة ورقصة التشيللو ولا يمكن الحديث عن كتب الأطفال فى حياته دون الحديث عن شريكة حياته وإبداعه سميرة شفيق ورحلة السنوات معًا….
- فى مجلة صباح الخير أبريل عام 1981 كان لقاءنا الأول وسعادتى كانت كبيرة
بهذا اللقاء ..
- ومعه تواصلت اللقاءات وامتدت الصداقة ودام الحوار .. وتبين لى أنه مثلى من مواليد أغسطس .. برج الأسد ونحن أيضًا الديك حسب التقويم الصينى.. إيهاب وصفنى بتوأم شبابى وأحيانًا صديقى الأسد والديك معًا رأيت إيهاب شاكر وعايشته وأعيشه حتى هذه اللحظة ونحن نتجاذب أطراف الحديث عن المعنى الذي يبحث عن كلمة تعبر عنه أو عن شكل يجسده ونحن نتناقش عن عبقرية الشخصية المصرية العابرة للقرون وشفافية الأرواح عند المبدعين ونقاء الرؤية عند الصوفيين وعن التحليق بلا حدود وبلا قيود لدى من اختاروا الطريق والرحلة .. وكيف يمكن للإنسان أن يتعرف على هؤلاء البشر وأن يلتقى بهم ويتفاعل معهم وبإبداعهم وعبقريتهم فى إشعال الضوء والدفء بداخلنا ومن ثم حولنا .
- وهو يحدثنى عن التفاصيل فى حياتنا قال إيهاب أن الفن والأدب والحياة برمتها تفاصيل .. وذكر أن التفاصيل متعة ومذاق ومعنى وحلم يطاردك وذكرى تضمك وتدفيك .. ولأن التفاصيل تتباين وغالبًا لا تتكرر فإن تفاصيل اللحظة مثل اللحظة تمامًا لا تتكرر لذلك يجب الاستمتاع بها وفى يوم آخر عندما كنت أبحث عن معنى الفراشة فى حياة الإنسان جاء إيهاب شاكر لينبهنى إلى ضرورة الالتفات إلى حركة الفراشة فى الطيران .. وإلى الدوائر التى تشكل طيرانها وكيف أن متابعتنا لحركتها تدخلنا فى دوائر متتالية تأخذنا من مكان إلى مكان آخر.
- وهو ينصحني قال لي عليك أن تحافظ على طفولتك وتحميها من مرور الزمن .. وطفولتك هى شغفك ورغبتك في الاكتشاف وطرح الأسئلة والابتهاج بالأجوبة هى الانطلاق بين أحضان الطبيعة والارتماء فى أحضان البشر .. والبحث الدائم والمستمر عن دفء اللقاء وطمأنينة الوجود. رأيته أيضًا ونحن نتحاور عن صدى الموسيقى فى حياتنا وفي تحرير خيالنا وإنطلاق إبداعنا وابتعادنا عما يكبل نفوسنا ويشل تحليقنا وأسمعه يكرر على مسامعي : عليك أن تنظر لكي ترى وأن نظرت ولم ترى فعليك أن تنظر من جديد لترى ما لم تراه من قبل .
بقلم : توماس جورجيسيان
2017
إيهاب شاكر.. هندسة أيروتيكية
- تعيد لوحات إيهاب شاكر فى معرضه الأخير `رتم` أو (إيقاع) للكتلة وللزخرف ولبعض ملامح التكعيب رونقها القديم وخصوصيتها أيضا، ورغم أدبية الفكرة التى تستلهم العلاقة بين العازف وآلته الموسيقية فإن التأكيد على إيقاع الحركة واللون والتجسيم ينقلنا فوراً إلى عالم الحواس كما لا يستطيع الأدب أن يفعل، تبهرنا لوحات إيهاب شاكر بتقنية شديدة الاتزان والرسوخ بحيث تمثل كل لوحة مشروعاً فنياً قائماً بذاته وتقتحم بنا `معزوفاته` اللونية عالم الطرب الشعبى والصوفى من أوسع أبوابه، من خلال عازفيه بملامحهم المنحوتة والطربوش والملابس التى تميزهم وراقصاته المتثنيات بدلال الأنوثة الشرقية المختلفة وآلاته التى تميزها على الفور كالطبل والمزمار البلدى والقانون والكمان وغيرها.
- يتشكل موضوع اللوحة على هيئة كتلة واحدة يمكننا أن نميز بداخلها كتلاً أخرى صغيرة تبرز وحيدة أو تنصهر فى الكل بفضل الخطوط والتلوين والتظليل وتكشف عن سخاء التفاصيل المصورة تبرز فى شخصيات إيهاب شاكر عناصر حسية إيروتيكية كثيرة منها تماهى الذكورة والأنوثة عبر الخطوط المستقيمة والمستديرة المتناغمة بشكل أخاذ، خاصة فى علاقة العازف بالته، عادة ما تحتل الآلة موقع القلب من الكتلة ويحتويها العازف أو يتركها تحتويه فيتحول إلى جسد تصنعه آلة موسيقية كما هو الحال فى عازفى التشيللو تحديداً، وبرز فى لوحات الراقصات العنصر الإيروتيكى بقوة بسبب إبراز مواضع الجمال الانثوى الممتلئ فى الراقصة بفضل الخطوط المستديرة وتقاطعها مع شرائح اللون المستطيلة أو الزجزاجية التى تمثل ملابس الرقص وذبذباته أيضاً.
- تنبض شخصيات إيهاب شاكر بفضل حركة الفم والأصابع وتطور الخط من الداخل إلى الخارج والعكس، لا تخطو بعيداً عن الكتلة الواحدة سوى أطراف الطربوش والأربطة الملونة التى تميز ملابس العازفين الشعبية وتتطاير فى انسيابية خارج حدود الكتلة على إيقاع وأنغام المقطوعات المتخيلة، فى لوحة عازف القانون تنقلنا خطوط الزجزاج الزخرفية من الخارج إلى الداخل كأنما تصب جميعها فى علاقة الأصابع بالأوتار، بينما تتحدد أوتار عازفين من عازفى التشيللو فتبدو الكتلة وكأنها لآلة واحدة برأسين، كما تحيط الخطوط المستديرة (على هيئة دوامات تتولد بعضها من البعض) بالأوتار المشدودة المائلة بحيث يصبح الوتر خطاً يقطع دائرية الكتلة ويؤكدها فى الوقت نفسه.
- نادراً ما تتشكل الكتلة على هيئة ثنائيات من العازفين، وإنما تشترك ثلاث شخصيات فى العزف أو تنفرد شخصية واحدة باللوحة مما يحقق لموضوع اللوحة اكتمالاً وسيمترية أقرب إلى شكل الكونشيرتو بحركاته الثلاث المتجاوبة، تبدو الشخصيات فى وضع العزف وكأنها تواجه جمهوراً حقيقياً أو عدسة المصور، الأمر الذى يخلق علاقة اتصال مباشرة بين المتلقى وموضوع اللوحة.
- وعلى الرغم من ثبات هذا الوضع إلا أن حركة الشخصيات داخل اللوحة لا تخفى على العين، وتتراوح بين مداعبة الوتر والأصابع والغناء وحركة الانثناء على الآلة واحتوائها داخل جسد العازف.
- يترك إيهاب شاكر مساحة هامة للون الأبيض الذى يخدشه أحياناً بالرمادى أو بظلال خفيفة عند حدود الخط، وهنا تكتسب علاقة الظل بالنور خصوصية جديدة، ليس بين مختلف عناصر اللوحة وإنما بين التفاصيل الزخرفية فيها، بهدف التجسيم أحياناً وبهدف التشكيل والتلوين لذاته أحياناً أخرى، كما يعشق إيهاب شاكر اللون الأحمر ودرجاته ويستخدمه أيضاً بوفرة بحيث يساهم في تجاوب أجزاء اللوحة مع بعضها البعض، مثلما تتجاوب النغمات العالية أو الساخنة فى المعزوفة الواحدة، فتعلو للحظة ولا تلبث أن تخفت لتعلو مرة ثانية فى موقع جديد. لكن اللون هنا ليس وسيلة من وسائل مشابهة الواقع، وإنما عنصر أساسى من عناصر الزخرفة الهندسية، تحد الخط من انطلاقه أحياناً - بوعى كامل من الفنان - ويستقل بنفسه أحياناً بين خطين بحيث يصبح موضوعاً جمالياً فى ذاته صالحاً للتأمل بغض النظر عن ارتباطه أم لا بالموضوع المصور، ويرجع ذلك إلى اعتناء إيهاب شاكر بهندسية الشكل والخط جنباً إلى جنب مع تناغم اللون بشكل يبدو أحياناً قريباً من الفن البدائى فى جرأة استخدام اللون وتحديده وإبرازه، كما يبدو أحياناً قريباً من بعض لوحات التكعيبيين فى احتفائهم بالتشظى.
- لكن إيهاب شاكر ينجح فى إدراج التشظى داخل منظومة هندسية واحدة، فى كتلة متماسكة، وينقل حالة التشظى هذه إلى منطقة الشعور والإيحاء التى تنبعث من لوحاته، الشعور بالطرب والإيحاء بالحركة.
بقلم : مّىّ التلمسانى
مجلة: إبداع ( العدد 1 ) يناير 1998
إيهاب شاكر.. الفنان الذى علم الأسد كيف يطرب ويرقص ولا يأكل أصدقاءه
-رحل عن عالمنا واحد من أهم رموز الفن التشكيلى المعاصر؛ إيهاب شاكر، الفنان الشامل الذى تدفقت إبداعاته عبر الرسوم التعبيرية المصاحبة للنصوص الأدبية وفن الغلاف والكاريكاتير ورسوم الأطفال والكتابة الصحفية بعدة مجلات مثل صباح الخير وروزاليوسف، والذى تميزت لوحاته بالجمع بين `الفرجة الشعبية` و`فانتازيا التعبير`، ونقلت روح الفولكلور المصرى باستعمال ألوان الزيت والتمبرا والحبر الشينى.
-وكان لوالده ــ الذى عمل موظفا فى السكة الحديد، وأيضا كمُدرِس ــ أكبر الأثر عليه؛ حيث ألحقه بمرسم الفنان كارلو مينوتى، الفنان الإيطالى الذى كان يقوم بتدريس الفن للهاويات من سيدات الطبقة الأرستقراطية فى مصر.
وقد بدأت موهبة إيهاب شاكر ــ وهو شقيق الفنان ناجى شاكر مصمم عرائس الأوبريت الشهير `الليلة الكبيرة` ــ فى الرسم تتجلى فى المدرسة الإبتدائية، وكان يعشق قراءة مجلة `الاستراسيون` الفرنسية المكدسة بالأكوام فوق دولاب والده، وهى مجلة مصورة مليئة بصور اللوحات الفنية، وكانت تنقل أحيانا صور `صالون باريس` للربيع الذى كان يُعقد بالعاصمة الفرنسية أوائل القرن الماضى.
-كما عشق `شاكر` الذى يعد من أبرز فنانى رسوم الأطفال، مشاهدة أفلام ديزنى وأفلام شارلى شابلن الصامتة، وقال إن تلك الأفلام شكلت النواة لفنه فيما بعد. وخلال فترة دراسته بكلية الفنون الجميلة ــ الذى ترك دراسة الطب من أجلها ــ عمل رساما محترفا فى جريدة الجمهورية حتى تخرج عام 1957، وبعدها انتقل إلى مؤسسة روزاليوسف ثم مجلة صباح الخير حيث عمل رسام أغلفة وصور إيضاحية ورسوم كاريكاتيرية، وصاحبت رسومه العديد من من الرويات والقصص القصيرة، مثل روايتى `الرجل الذى فقد ظله` و`الأفيال` للأديب فتحى غانم وبعض كتابات الدكتور مصطفى محمود وغيرها.
وقد نقل الفنان التشكيلى الكبير صلاح بيصار، بعين الفنان والصديق؛ العديد من وقائع حياة `شاكر` فى كتاب صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، فى سلسلة `ذاكرة الفنون` عام 2018؛ فتحدث عن علاقة الفنان التشكيلى الراحل بأستاذه فى الكلية، حسين بيكار، الذى اصطحبه إلى `دار المعارف` حيث رسم أول كتاب تحت إشرافه؛ بعنوان `عقلة الصباع فى مملكة النمل`، كما روى `بيصار` أيضا تفاصيل زيارة الفنان الراحل إلى باريس، حيث سافر عام 1969 وقضى هناك 8 سنوات بين اللوفر ومتاحف الفنون والمعارض، وأخرج فيلما للرسوم المتحركة بعنوان (1ــ2ــ3)، عُرِض وقتها فى 12 دور عُرِض بفرنسا، وحصل على جائزة الجودة من المركز القومى الفرنسى، كما ألف كتابا للرسوم بعنوان `ياسين والمزمار السحرى` يهدف إلى تعليم اللغة الفرنسية فى البلاد العربية.
-ومن المواقف التى لا تُنسى فى حياة الفنان الراحل ما حدث له مع الملكة `فريدة`، الذى شاهد حفل زفافها بشارع الملكة نازلى (رمسيس حاليا) عندما كان يبلغ من العمر 5 سنوات، وقد جُن من فرط المفاجأة؛ لأن والدته كانت دائما ما تحكى له القصص الخيالية عن الأميرات، وكان القدر قد رتب له لقاء آخرا مع الملكة فى باريس؛ حيث أقام معها معرضا مشتركا بالمركز الثقافى المصرى هناك، وعندما حدثها حول مشاهدته لموكب زفافها فى طفولته أصرت أن ترسم له صورة `بورتريه` ظل محتفظا بها حتى وفاته.
-وقد أقام `شاكر` العديد من المعارض الفنية داخل مصر وخارجها، فبدأ أول معارضه عام 1970 بمدينة كيوتو باليابان، ثم تبعه عام 1982 بمعرض فى النمسا، وكان معرضه الأول بالقاهرة عام 1988 بقصر عائشة فهمى بالزمالك، وتوالت معارضه بعض ذلك فى الأكاديمية المصرية بروما والمركز الثقافى المصرى بباريس، وغيرها.
-وتجسد أعمال الفنان الراحل ملحمة إنسانية بديعة نسمع فيها أصوات الباعة الجائلين ونجوم الطرب الشعبى وآهات وتقاسيم المنشدين والدراويش، ونرى فيها لاعبى السيرك والأكروبات والحواة، وننعم فيها بأنغام البيانولا وصندوق الدنيا، كما أن بعض أعماله تحمل مضمونا رمزيا؛ مثل لوحة `حضن` التى يحتضن فيها أسدا ــ مُتوجا كملك ــ حملا صغيرا، والتى تجمع بين القوة والضعف. ونرى رسوماته تلك فى كتابه الصادر عن دار الشروق `عندما رقص الأسد`، والذى ختم القصة وهى من تأليفه أيضا: `وأحب الأسد.. أستاذه الحمل.. الذى علمه: كيف يطرب وكيف يرقص وكيف يحب أصدقاءه ولا يأكلهم`
وأضاف الفنان صلاح بيصار: `شاكر` إضافة كبيرة لفن الكاريكاتير فى مصر، والتى تعد بلدنا رائدته الأولى؛ فكما يقول الفنان مصطفى حسين: النكتة مصرية مائة فى المائة، وابن البلد المصرى هو ابن نكتة، وكان المصريون القدماء أول من رسموا الكاريكاتير على جدران المعابد، فنجد فى الأقصر، وفى المتحف المصرى أيضا، لوحات عديدة عليها رسوم لأسد يحاول هزيمة غزال فى لعبة الشطرنج، أو ثعلب يرعى الغنم وهو يضع بين أصابعه وفمه مزمارا بلديا، وقد عرفت الصحافة المصرية الكاريكاتير فى الربع الأول من القرن العشرين، وقد أضاف الفنان الراحل مساحة جديدة من الإبداع تعتمد على التجريد وتنوع الشخوص والأشكال أكسبته مقعدا بين رواد ذلك الفن الجميل أمثال: صاروخان ورخا وصلاح جاهين.
-وقام شاكر بتأليف وإخراج العديد من الأفلام مثل: الزجاجة عام 1968، وأغانى الحيوانات عام 1987، ورقصة الحب الذى أنتجه المركز القومى للسينما عام 1995، كما ساهم فى رسوم العديد من مجلات الأطفال المصرية مثل: `سندباد`، و`ميكى`، و`سمير`، التى صدرت عن دار الهلال، ورسم شخصيات بمجلة ماجد فى مؤسسة الاتحاد أبو ظبى عام 1979، وساهم فى إنشاء مجلة `علاء الدين` التابعة لمؤسسة الأهرام عام 1994.
-كما حصد العديد من الجوائز المحلية والعالمية، نذكر منها: جائزة أحسن فيلم رسوم متحركة فى المهرجان القومى للسينما عام 1996، وجائزة سوزان مبارك عن رسوم `حكاية أرجواز` الصادر عن دار الشروق، والتى كتبتها سميرة شفيق، وعن كتاب `الملك بير` عام 2005، وجائزة أحسن أفيش لتصميم بوستر فيلم الكيت كات للمخرج داود عبدالسيد، وجوائز رسوم أغلفة الكتب فى معرض فرانكفورت عام 1974، والعديد من المعارض الفنية الأخرى.

منى غنيم
الشروق : 4 يناير 2020

- منذ أن أنهى دراسته الأكاديمية بالفنون الجميلة مع مطلع الخمسينات، وهو عبر ما يقترب من نصف قرن من الزمان يبحث وينقب فى اتجاهات فنية شتى من الرسم الصحفى للكاريكاتير، ومن رسوم كتب الأطفال للرسم والتصوير بمفهومها التقنى والتعبيرى، وقد حقق فى كل منها بالجدية والوعى درجة عالية من التفرد والقيمة معاً، لم يبتعد فيها لحظة عن مصر الواقع والظروف، يتناولها بالنقد الإيجابى تارة وبمداعبة المحب أخرى، وها هو ذا فى تجربته الأخيرة ينهل من تراثها العربى الإسلامى، مستعيراً إيقاعات زخارفه المتعددة فى صياغات مستحدثة لعلاقة الإنسان بالموسيقى، فقد عمد إلى استلهام الأصوات والإيقاعات بتأثيراتها المختلفة فى تصوير عوالم مشحونة شحناً بالحركة الصاخبة تارة، أو المنسابة رقراقة ناعمة آخرى، جاعلاً من أشكال العازفين وآلاتهم وما تصدره من نغمات مثلثات ودوائر وأقواسا وخطوطا تنحنى وتنثنى وتلتف فى عذوبة، أو تنطلق مهاجمة متقاطعة متشابكة فى صخب حاد وكأنما قد استحالت الأصوات أشكالاً نراها بالبصر والسمع معاً، هى تجربة أقرب إلى التجريد - برغم الإبقاء على ملامح الشخوص والآلات الموسيقية - تجريد هو تجرد عن المباشرة، يتوالد التحوير فيه كالاستطراد أثناء فعل الفن، مرتبط بأثر الأصوات الموسيقية وقالبها اللحنى على حركة الأشكال وهيئاتها وطرائق نموها وتلاقيها وتداخلاتها معاً.
- وبرغم الاقتراب من التجريد الكامل هنا - بالمفهوم الاستطيقى - فقد ظلت أشكال آلات الطبل البلدى والمزمار والقانون والعازفين والمنشدين فى الموالد والأفراح الشعبية المصرية، حاضرة فى قوة بعد أن تحورت مستجيبة للصياغة التشكيلية، وكأنما قد تزاوج التجريد والتشخيص معاً فى واحد حميم دون تنافر.
- لقد بدأ ` إيهاب شاكر` وقد أخذه سحر التوافق الجميل بين الأصوات المجردة والإيقاع المجرد لحركة الأصابع على الآلات، وكذا حركة الأجساد، وقد تجاوز هيئاتها الطبيعية بالمفهوم التسجيلى نحو توليف تركيب أشبه `بالصوت مرئى` إن جاز لنا هذا التعبير.
وذلك هو `التجريد - التجرد` بعينه، حتى وإن بقيت أصداء واضحة من ملامح الشخوص.
بقلم : د./ فاروق بسيونى
مجلة: الهلال (العدد 10) أكتوبر 1998
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث