`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
عمر صلاح الدين على النجدى

- أحد مبدعى مصر الحديثة وارث الحضارات المتعاقبة عبر التاريخ وأحد العلامات البارزة لحماية الثقافة المصرية من خلال إبداعاته التى لا تقف عند حد... متجدد دائما.. شاب بفكره العلمى . أحلامه تلقى من يديه الاستجابة السريعة النافذة فوراً.. والى وجدان الجماهير تحيى هذه الأحلام .
- النحت والحفر والتصوير والديكور والموسيقى والغناء وغيرها تمثل بعضاً من مواهب فناننا الكبير عمر النجدى العريضة النفاذة .
- حصل على العديد من الجوائز التى تتوج جهده وتاريخه الفنى .. دائما مبتهج يشيع الحب .
- الى كل من يسأل فهو دائما خير مجيب .
محمود شكرى

نهضة الفن المصرى
- عمر النجدى الموجه الاساسى للفن المصرى الحديث، يحى التاريخ العظيم للفن الفرعونى. هذا الرسام يبعث فى لوحاته الريح الشعرى المعهود فى الروايات المدهشة، ذو الطابع الشرقى المبهج. الخط حاد والمشاهد زاخرة بالخيال والالوان متألقة .
- فعمر النجدى ، كما اشار اريك نيوتون على اعمدة صحفية الجارديان ، يتجاوز مدى التصنع الفنى المصرى أو تألف الالوان الفارسى الغزير فهو يجمع بينهما ويطوعهما وفق ماربه ، عاملا على مواصلة نشاطه وساعيا الى نقل حساسية المشاهد اليومية المعتادة الى متذوق الاثار الفنية ولكن بشكل خارق للعادة وابدى .
- كذلك يحدو اثار هذا الفنان بحث متواصل عن العلاقة بين الانسان والعالم . فعندما نتأمل مسيرة هذا الرسام نكتشف جليا وجود موضوعين متلازمين : الفن الفرعونى والفن الاسلامى . فهو يحاول وينجح فى مزج بساطة الرسوم المصرية بتوازن تشكيلات القطع الاسلامية ، مع التجديد المستمر .


Maisons Normandes - بيوت نورماندية 1994

- تأثرت كثيراً نفسياً ومعنوياً بهذا العمل الكبير تحت عنوان العشاء الاخير فى القدس ، فهو عمل فنى كبير يجسد تجسيداً الطغيان البشرى، واللامبالاة الخطيرة بصور الإنسانية، والقرارات الدولية لحقوق الإنسان، وهى جميعها أعمال تتنافى تماماً مع كل آمال الشعوب فى سلام دائم عادل وشامل، يحقق الاستقرار والامن لجميع شعوب المنطقة، وهو ما سيتحقق فى القريب رغم أعداء السلام والذين هم من ورائهم .
- ورغم أن هذا العمل الفنى الخطير لم يستغرق كما علمت إلا أياماً قليلة ، إلا أنه يمثل بصدق براعة الفنان الكبير عمر النجدى وعمق أحاسيسه، وثورة ريشته وقلمه .
- أما أعماله الفنية الاخرى فقد عشت من خلالها ساعات ممتدة فى شعور بديع، وراحة بال وفى استرخاء نفسى كامل بين أعماله وشطحات خياله ، وإبداع نحته .
- إنى أتمنى له استمرار التوفيق، فقد استطاع بالفعل فرض وجوده على الساحة العربية والإقليمية، بل وعلى الساحة العالمية كفنان مصرى عربى متألق .
إبراهيم نافع
جريدة الأهرام
عمر النجدى والوجه الإنسانى
- حينما يدلف المرء إلى عالم عمر النجدى، سيجد نفسه فى عالم شديد التناقض وشديد التناسق فى ذات الوقت، عالم متعدد الألوان والأبعاد والأشكال. قد يتوه المرء فيه بعض الوقت، ولكن تيهه لن يطول لأنه سيكتشف الوحدة الكامنة وراء التعدد. سيكشف الوحدة الكامنة وراء التعدد. سيكشف على سبيل المثال تكرار بعض الأشكال وكيفية تداخل الألوان ووحدة الموضوعات. لكن أهم الاكتشافات هى إدراكه أن العنصر الإنسانى هو العنصر الغالب وربما الوحيد فى أعماله . فهمها بلغت درجة التجريد فى لوحاته، ومهما تناقضت الألوان أو تزايدت أو تداخلت، يظل الوجه الإنسانى هناك، فى شموخه وسموه وتألقه وفرحه وحزنه.
- وقد يظهر وجهان لذكر وأنثى فنجد نوعا من الحميمية الصامتة أيضاً، بهجة مفعمة بالنبل والشموخ. ولتنظر عيون هذه الوجوه الإنسانية،عيون متسعة متألقة مندهشة، تعبر عن رغبة حقيقية فى الحياة .
- ومصادر فن النجدى متعددة مركبة، فقد استفاد من الفن الآشورى البابلى، والأيقونات المسيحية، ووجوه الفيوم المتميزة، والفن الفلكلورى المصرى .
- ويمكن أن نتساءل : هل استفاد أيضا من مدرسة المتوحشين ( فوفيست ) ومدرسة النبى؟وهل استفاد أيضا من أعمال مدرسة الارنوفو خاصة كليمت ( لوحة القبلة الشهيرة ) ؟ أجيب على هذه الأسئلة بكلمة واحدة : `ربما `، لأنه مهما كان المصدر فقد نجح فى مزجها كلها ليظهر معجمه الفنى الخاص الفريد، الذى يتجاوز كل المدارس والتيارات الفنية التى تأثر بها .
- انظرعلى سبيل المثال إلى طريقة توظيفه للألوان، ففى بعض اللوحات قد يستخدم ألوانا هادئة بل وقد يوظف الفراغ، ولكن فى لوحات أخرى تتفجر الألوان كالبركان. ويظهر التباين الخلاق فى لوحاته فى لوحاته التى يستخدم فيها خط أسود واحد يجمع يجمع شتات اللوحة وتفاصيلها العديدة، وذلك فى مقابل التفجر اللونى الذى نجده فى لوحاته عن الفصول الأربعة، وبالذات اللوحة عن الصيف، والتى يظهر فيها الوجه الإنسانى بعيونه المتسعة المليئة بشهوة الحياة، وجه إنسان إنسان يحمل طفلين بيد حنونة. ولكن كل هذا يغطيه فيض من الألوان الجميلة. ولعل هذا الفنان الذى يعرف أصول صنعته أدرك ذلك، ولذا نجده قد قسم الألوان إلى أقسام تأخذ شكل مربعات ودوائر، لكل منها لونه الخاص وشخصيته الخاصة لكنها كلها تتماوج لتخلق تعددا لونيا داخل الوحدة، ووحدة تحيط بالتعدد اللونى .
- ومن يشاهد لوحات النجدى يعرف إنه مصرى وعربى صميم، ويفسر الملامح الفرعونية لشخصياته وطريقة جلوسها وحركة ايديها، كما أنه يوظف بعض الرموز المصرية القديمة ( مثل الطيور والأوانى ) وهو يمزج بين كل هذه العناصر فى نسيج عمله، فلا تبقى مجرد عناصر زخرفية بل هى عناصر حية تربط بين زخم الماضى والواقع الحالى .
- وإذا كان العنصر الفرعونى واضح فى لوحاته،فهناك العنصر العربى الإسلامى أيضاً، الذى يظهر فى رفضه التقليد المباشر شبه الفوتوغرافى للطبيعة أو للإنسان. ثم هناك تلك اللوحات المكونة من كلمات وحروف، وهى لوحات لها علاقة بأعماله الأخرى. فالخط الذى يستخدمه فى تلك اللوحات خط متصل لا ينقطع، تماما مثل ذلك الخط الأسود المتصل الذى يوجد فى لوحاته الأخرى. كما إن لوحاته التى يستخدم فيها الخط تأخذ شكل وجه إنسانى .
- وهناك لوحة سميتها `عازفة الهارب` ( ولا ادرى ماذا سماها الفنان،فرغم صداقتنا التى تمتد عشرات الأعوام، آثرت ألا أسأله حتى لا تتحدد رؤيتى برؤيته فالعمل الفنى عندما ينفصل عن صاحبه، يصبح ملكا نحن المتلقين ) .
- فى لوحة `عازفة الهارب ` ثمة توظيف خلاق لكل من الفراغ والمساحات اللونية . ففى يمين اللوحة ثمة فراغ أبيض، لكن الخط الأسود ينتهى بتوقيع الفنان، بحيث يصبح توقيعه جزءا من نسيج اللوحة. وفى يسار اللوحة تجلس عازفة الهارب جلسة البروفايل الفرعونى، وفى مركز هذا الجزء توجد يد كبيرة، يد العازفة التى تشكل مركز اللوحة، وهى يد رقيقة مفعمة بالحياة، حينما تمر على أوتار الهارب، أو أى آلة وتريه فاللوحة لا تحدد نوع الآلة، ولكنها من الواضح أنها آلة وترية من آلات الفراعنة. أما جسدها فهو عبارة عن عدة أقسام كل قسم يحوى لونا واحدا، ولكنه ليس بقعة لونيه وإنما زخرف ملون متكرر. وفى أسفل هذا الجزء نصل إلى قدم العازفه الجالسة المتكئة على بقعة زرقاء توحى بالبحر والسماء، وعالم النغم الذى تنقلنا إليه العازفة .
- هذه هى رؤيتى لعالم عمر النجدى، لكن قبل أن أغادره لعالمنا الرمادى الكالح، قد أحاول ان نضع جماع لوحاته فى سياق فكرى حديث. ولعل من أهم الحركات الفكرية والفلسفية الحديثة حركة ما بعد الحداثة وهى رؤية شاملة الكون، ولذا نجد تبدياتها فى كل مجالات المعرفة والنشاط الإنسانى. ويبدو أن هذه الحركة بدأت تنحسر فى الغرب، ولكن لا يزال هناك فى عالمنا العربى من يدعو إلى ما بعد الحداثة، باعتبار أن هذه هى آخر صيحة. وحيث اننا تابعون حضاريا للغرب، فلابد أن نتبع كل الصيحات التى تصدر عنهم ( خاصة أخرها وأحدثها ) حتى يمكننا اللحاق بهم. بل إن بعضهم يرى أن ما الحداثة قدر محتوم، متتالية حتمية أولها ما قبل الحداثة (أى المجتمع التقليدى)، ثم الحداثة، حتى نصل إلى مرحلة ما بعد الحداثة ( ونهاية التاريخ ) وانطلاقا من هذه المتتالية يقولون : `كيف يمكننا أن ننتقد ما بعد الحداثة، ونحن لازلنا فى بداية عصر الحداثة`.
- ولنطرح كل هذه الأقوال البلهاء التى تطالبنا باسكات عقلنا النقدى، وننظر إلى ما بعد الحداثة. أن جوهر ما بعد الحداثة هو أن العالم لا مركز له ولا أساس، وأنه لا ينتظمه إطار كلى شامل (مرجعية نهائية -رؤية كلية - نظرية كبرى grand theory - أساس جامع) يربط بين اجزائه فالعلم هو عبارة عن أجزاء متشظية لا يربطها رابط يطلقون عليها اسم `قصص صغرى` فكل شخص ، وكل شعب، وكل جماعة لها قصتها الصغرى small narrative او رؤيتها الخاصة التى لا يربطها رابط بالقصص الصغرى والرؤى الأخرى. هذا يعنى سقوط المعايير وانتشار ما اسميه النسبية الشاملة بحيث يصبح من الصعب التمييز بين القبح والجمال وما هو فن وما هو مضاد للفن anti are. ولذا نجد إن الفن ما بعد الحداثى قد انغمس فى التجريب الذى لا هدف له ولا إطار، والذى يبعث على الاشمئزاز أحيانا. ومما لاشك فيه ان فن عمر النجدى فيه كثير من التجريد والتجريب،فهو لا يسقط فى عملية محاكاة الطبيعة بشكل فوتوغرافى، ولكن التجريد والتجريب عنده يدوران فى اطر محدده. فرغم انه يدور فى فلك قصته الصغرى ومصطلحه الفنى الفريد، إلا أن قصته الصغرى تضرب بجذورها فى قصة الإنسان الكبرى وفى همومه وأفراحه واتراحه، وفى تراث الإنسانية الفنى. ولذا فهو لا يسقط النسبية الشاملة التى تفكك وتقوض كل ما هو إنسانى وعادل وجميل، إذ يطل الوجه الإنسانى فى معظم لوحاته شامخا ونبيلا ، فيضفى معنى على حياتنا، ويوحد بين أجزاء وجودنا . والله أعلم ..
د./عبد الوهاب المسيرى


- عشرات الأطنان من الحديد المشكل على هيئة تماثيل عملاقة توضع الآن داخل الصناديق بعد ان انتهى عرضها فى قاعة الفنون الجميلة بباب اللوق فى طريقها إلى فينيسيا لتمثلنا فى بينالى هذا العام الذى سيقام فى شهر مايو القادم1962
- والتماثيل من صنع الفنان الشاب المتعدد الجوانب `عمر النجدى`الذى سيقام فى شهر مايو القادم بعد أن عرف فى دورات سابقة كحفار ومصور... وتضم الصناديق المغلقة نظرية ظلت تصاحب الفنان المفكر وهو يشكل تماثيله، بينما العرق يتصبب من جبهته فتلمع قطراته تحت وهج اللهب الأزرق.. فكرة ظلت أجيالا معلقة بأطراف أقلام الفلاسفة والمفكرين دون أن يجرؤ أحد الفنانين على مناقشتها بهذا المنطق التشكيلى الصريح وبهذه البساطة، من قبل... والفكرة يدعوا إليها العلم وتؤكدها آيات القرآن الكريم فى عدة مواضع.. عندما يذكرنا بوحدة الزمن، ووحدة الكون، ووحدة الوجود ..
- `يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل ` ..
- `يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى` ..
- إنها بداية طريق يسلكه الفنان فى تجربة تشكيلية ناجحة، فى صراعه العنيد مع الشر المنبعث من ألسنة اللهب الذى يتم بين الأشياء محدثا التناقص الشكلى الذى يشكل قطبى الحياة سالبها وموجبها وطرفى الزمن بجميع ما يدور بينهما من أحداث .
- وعندما تدخل الفلسفة -التى هى وليدة التأمل العميق - عندما تدخل فى عملية الإبداع الفنى فإن العمل يكتسب صلابة تعادل صلابة الحديد الذى يتألف منه .
- وهكذا يتحول الفنان الشاب، المرهف الحس، إلى مفكر يناقش قضية من أخطر القضايا بلغة الشكل والفراغ، فهو يبين لنا بطلاقة وذكاء علاقة الجزء بالكل والفرع بالأصل ويوضح لنا معنى الانفصال والاتصال فى لغة الشكل.. ببساطة خالية من التعقيد .
- وبهذا المنطق يعالج الفنان `عمر النجدى` ألواح الحديد التى تنبسط تحت يديه ملساء خرساء، لا تفصح إلا عن صلابتها وقسوة معدنها،فإذا ما سلط عليها لسان اللهب الأزرق، بدأت عملية من أجمل عمليات الخلق، حيث تتوالد الأشكال التى تنفصل عن الألواح الغليظة، كما ينفصل الجنين عن رحم الأم دون أن يحدث هذا الانفصال المكانى أى انفصال فى المعنويات التى تربط بين الوجوديين الذى يحكى كلا منهما عن الآخر .
- لقد تخطى فن النحت عندنا مرحلة الصلصال والجبس والصورة التقريرية، انه الآن يتصارع مع الحديد الصلب.. ويتعامل مع الفكر العميق بكل أبعاده.. وهذه بداية تعلقنا بأهداب الفنية المعاصرة التى تبسط ظلالها فى كل مكان .
حسين بيكار
جريدة آخر ساعة العدد 1746 - 10 /4 / 1968
الجذور
- شغلت قضية البحث عن الذات الفنان المصرى المعاصر - ولاتزال - وذلك عندما رأى مركبة تتقاذفها أمواج البحيرة دون أن يعرف لها شطآن ترسو عليها وخاصة بعد أن تعددت شواطىء الاقتراب التى لا يقل الدنو منها خطورة عن التيه فى بحر بلا شواطىء .
- اختلفت أساليب البحث عن الذات من فنان لآخر .
- هذا ما دعا الفنان الكبير عمر النجدى إلى مراجعة نفسه بعد أن ملأ طوافه بموانى الفكر - وأن يتوقف لحظة لتصحيح المسار والاطمئنان على جدول الاستمرار والرد على أسئلة كثيرة داخلية، ماذا ولماذا ولمن وكيف؟!!!
- وكانت محاولة الغوص فى أعماق التراث جريئة ولكنها جديرة بالنتائج التى حصل عليها ويقدم الفنان فى قاعة أخناتون تجربته الرائدة رسماً وتصويراً ونحتاً وخزفاً وحفراً - ويطلق مواهبه الكشفية فى هذه المجالات جميعاً ويعرضها فى مظاهرة فنية بالغة الثراء والجدية والعمق تطابق مرحله تأمله الصوفى التى يجتازها حالياً ، وتعكس رؤيته الروحية للأشياء .
- ومن هذا المنطلق الصوفى الذى يسيطر على مشاعره وتفكيره وجد الفنان أن فكرة الأحادية يقابلها فى عالم المحسوسات الرقم (واحد) من فصيلة العدد والحرف (أ) من فصيلة الحروف الأبجدية باعتبارها الأصل والبداية فجعلها (التيمة) الرئيسية واللبنة التى يشيد بها مركباته عن طريق التراكم والتشابه فى نسق ثنائى الأبعاد تارة أو ثلاثى الأبعاد تارة أخرى .
- وبذلك يقترب من مذهب الأدب دون فقدان أصالته ويؤدى فكرة وجود الواحد فى الكل أو اعتماد الكل على الواحد .
- وتأكيد لهذا المعنى فأنه ينفرد برقم لهذه الأحاد الكثيرة إلى رقم شفيف بلا جسم ولا كثافة مشيم إلى مادية الواحد الأول ولا شيئية من جهة وأنه ليس كتلة شىء من جهة أخرى وبهذا يلتحم الشكل والمدلول بلغة تشكيلية فيها عمق الفكرة وأصالتها ، ومعاصرة التناول وتفرده .
- بهذا المنهج الجديد والجاد يعترف الفنان عمر النجدى من ينبوع التراث عنصرا جوهريا والتشكيل دون أن يقلده تقليداً مباشراً أو يقتبس قشوره التى عفى عليها الزمن.. جاعلاً من التوحيد والتجديد الإسلامى ركيزة رؤيته الفنية، مستخدماً المجردات العددية والأبجدية رموزاً للوجود الكلى تلميحا لا تشبيها .
- وينزلق قلم الفنان فى محاولة أخرى فوق سطح اللوحة ليبدأ خطاً لولبياً رفيعاً مثل خيط الحرير الذى تنفثه دودة القز العبقرية فيتحرك حركة (دوامية) مشبعة بديناميكية غاية فى النشاط ويظل الخط فى حركة دائبة لا يتوقف حتى ينتهى نسيجه الذى يشبه الدانتيلا فى شفافيته ورقته ويدفع الحنين إلى تشخيص هذه الخطوط إلى الأحياء بأشكال هياكل بشرية غير مباشرة ويتجلى فى انسيابها المرتجل حكمه الخلق وخصوبة خيال الفنان وقدرته على الابتكار المتجدد غير المقلد .
- وإذا كانت فكرة التجديد الصوفى تسيطر على جميع أعماله التصويرية بلا استثناء فإنه يطبقها أيضاً على المجسمات. وأن كمية الصدق والبذل فى هذه الأعمال الجادة علامة على طريق الحركة الفنية المعاصرة، التى تتلمس طريقها نحو هدف يؤكد شخصيتها فى هذا الخضم المتلاطم حتى لا تتعرض للضياع .
حسين بيكار
الاخبار 14 /5 /1982
عرض مع بيكاسو وفرنسا تقيم متحفاً لأعماله - الفنان عمر النجدى : الريف المصرى مرجعيتى البصرية
- كانت بداية الفنان التشكيلى عمر النجدى مطلع الخمسينات، وجمع بين التربة اللونية التشكيلية وبين الحروفية، معارض كثيرة آخرها فى آرت سبيس فى دبى، ضم أعمالا ضخمة ذات حضور مخصص للحرف، وخصوصا الألف وبعض مطالع السور القرآنية، وفى هذه المناسبة حاورناه حول تجربته المتنوعة ما بين الحروفية والواقعية الممزوجة بالفانتازيا، ما بين الخط والخزف والنحت، كيف تشكلت، وما المراحل التى مرت بها ؟ وما الثقافة التى تقف وراءها، وأى واقع بيئى ومعيشى تشكلت فية هذه التجربة ؟
- يجيب النجدى: درست فى أربع أكاديميات فنية، كلية الفنون الجميلة فى القاهرة لمدة خمس سنوات، وكان عمل التخرج عن الحقل الفلاحى، ثم درست فى كلية الفنون التطبيقية خمس سنوات أخرى، وكنت فى قسم الزخرفة، ولكنى تعلمت تقنيات العمل على خامات متنوعة، وبعد ذلك درست فى كلية الفنون الجميلة فى فينسيا فى إيطاليا خمس سنوات، وسنة سادسة درست فيها فن الخزف والجداريات، كما درست النقد الفنى فيما بعد، وهذه التنوعات جعلتنى أنطوي على كنوز فنية كبيرة، بحيث كونت شخصية فنية مختلفة، فأنا لا اعتمد أسلوباً محددا، ففى أعمالى تجد أساليب مختلفة، فالفنان بالنسبة لى هو ابن لحظته،فهو يتغير حسب الحالة التي يعيشها، لذلك تراه فى أساليب مختلفة تعتمد على حالته النفسية، أنا فنان اللحظة، أطرح موضوعى وأسلوبى حسب حالتى. لذا لا يمكن أن أعترف بفنان المرحلة كما هو الحال عند بيكاسو مثلا الذى كان معروفا بمراحله. فمن الممكن أن أشتغل فى لحظة على رسم لبورتريه (شخصية)، وفى اللحظة التالية أعمل على عمل نحتي برونزى أو حجرى وهكذا تنقلت بين حقول عدة .
- وعمر النجدى يرى أن كل عمل مختوم بروح معينة فالهم هو الروح فى العمل الفنى، يضيف : بالنسبة لى أعتبر الأسرة الريفية موضوعى الأساسى، والمرأة بشكل أكبر، فأنا أعيش فى زمن ومكان محددين، وأتعامل مع التناقضات المتكملة، الليل والنهار، الظلمة والنور، السالب والموجب. والمكان عندى هو البشر والكائنات الحية. وضمن تأملاتى التى استغلت عليها منذ الخمسينات أننى أرسم موضوعاً متكاملا دفعة واحدة .
- حتى لتأمل فى كف الإنسان وأصابعه الخمس لها دلالات معينة اشتعلت عليها من حيث الفراغات ما بين الأصابع مثلا، ومن المنظور الفنى تجدنى أرسم خارج اللوحة بالأصابع الخمس، مستخدما الفراغ والأمتلاء، وهذه رؤية عصرية أيضا .
- وعن بداياته مع الحرف العربى يقول : علاقتى مع الحرف العربى بدأت منذ الطفولة، منذ لاحظت الكتابة على الجدران فى الحى الشعبى الذى تربيت فيه، فى باب الشعرية، أو الكتابات على العربات التى تبيع `الكشري` مثلا، فثمة كتابات متنوعة عليها، وحين كنت أرسمها كنت أكتب العبارات الكتوبة عليها، لكن كيفية خروج الحرف عن الشكل المعرف جاء فى مرحلة تالية، وفى كلية الفنون كان تعلم فن الخط ملرحلة ثالثة ثم تعرفت على أسلوبى فى التعامل مع الخط، خصوصا فى استعمال حروف معينة كالألف والحاء والميم، حيث رحت أصوغها فى أشكال مختلفة ومتتعدة، كما تلاحظ فكل الأعمال المعروضة هنا هى حروفية، بعضها قديم وغالبيتها جديد، لكن الإقبال عليها كبير جدا. وهو ما جعلنى أكرس وقتا أكبر لهذا الفن .
- وعن تجربته مع الغرب، حيث تهتم به سيدة فرنسية فتقيم لأعماله متحفا , بينما حضور ضعيف فى العالم العربى، يقول: للأسف أننى عرفت فى باريس أكثر من عالمى العربى، بحيث أننى سنويا أقيم معرضا هناك، حتى أننى عرضت مع كبار الفنانين أمثال بيكاسو ومونيه وغيرهما، وذلك لما تميزبه من واقعية تتناول الشارع المصرى بواقعية تنطوى على قدر من الشخوية والفانتازيا .
- وعن الواقعية فى أعماله يقول النجدى: الواقع كله حاضر فى أعمالى،فهناك الواقع المصري أولا، ولكن هناك جدراية لسراييفر أسميها الواقعية الرمزية , هناك جدارية أخرى بعنوان `العشاء الأخير فى القدس ` وهى عبارة عن سؤال حول المصير الوجودي للعرب والبهود في القدس. وهذه جداريات تويد عن 13 مترا
- ويفسر النجدى ميله إلى الأعمال الكبيرة الحجم بأن ` الحجم له دور في التعبير، فاللوحة الصغيرة لها دورها وجمالياتها وأصولها، الكبيرة لها دور آخر، ففى لوحة كبيرة أستطيع أن أضع الأمة العربية فى صور مختلفة، ففى لوحة من لوحاتى الكبيرة هناك امرأة عارية وبشعة بحيث لا تثير أى مشاعر جنسية، وفى اللوحة طفل يبدو كهلا ويحمل العلم الاحمر ، إضافة إلى قفص مكسر وبجانبه حمام لا يطير دلالة السلام الزائف ` .
- أما الوجوه المشوهة فى لوحاته، من أين تأتى، وعن أى شئ تعبر ؟
- يجيب : هذه الوجوه تأتى من بيئتى وطفولتى، من وجوه الأطفال والبؤساء عموما، فهى وجوه شديدة التعبير عن التشوهات والفقر ، وهى تعبر عن شدة الانفعال بهذه الأوضاع التى يعانى منها الإنسان فى الريف المصري خصوصا . ففى أعمالى تعبير عن كل ما يحيط بى من ظروف. وحول اللوحات التى يحمع فيها الوجة البشرى والحروف يقول: أنا أحاول توظيف الحرف والخط العربى فى اللوحة الفنية، دون التزام بقواعد هذا الفن، فأنا أستخدم الحروف بطرقتى الخاصة، وأحاول ابتكار أشكال جديدة للخط لها علاقة بمضمون العبارات التى أستخدمها، خصوصا العبارات ذات المرجعية القرآنية أو الدينية عموما، وبكل ما يملكه الحرف العربى من جماليات وقدرة على التشكيل فى صور لا نهائية.
- ويضيف: أحاول أساسا الالتفات إلى جماليات الحرف العربى التى لا تتوفر فى حروف اللغات الأخرى، وهذا يشكل عنصرا منها من هويتنا التى نسعى لتطويرها فالحرف مدخل مستقل تماما عن كل الحركات الفنية فى العالم، أنا أسميه الفن الإسلامى الحديث، حيث يجرى توظيف الحرف ليؤدى وظيفة محددة، دينية وفنية فى الوقت نفسه، فكيفية صياغة الحرف هى التى تميز كل فنان. وفى هذا المجال عملت على مواضيع كونية تتعلق بالكواكب مثلا، ولم يقصر عملى على الموضوعات الدنية . كما اشتغلت غلى المنظر الطبيعى أيضا .
محمود شبانه
الاتحاد الثقافى 30 /10 /2008
داخل محراب عمر النجدى
- إذا قدر لك أن تزور باريس فسوف تعرف معنى أن يكون هناك فنان مصرى مثل عمر النجدى له شهرة الفنانين الكبار الذين انطلقوا إلى العالمية من مقاهيها ومراسمها، لا أقول ذلك لأن النجدى له متحف باسمه قريب من متحف رائد الانطباعية كلود مونيه أو تقام له المعارض سنويا هناك، ولكن لأن هناك فى عاصمة الفن هناك تصنيف آخر للشعوب يختص بالفنانين الذين أخرجتهم أو صدرتهم للعالم، وسوف يملؤك الفخر لأنك من البلد الذى أنجب النجدى أحد الفنانين الكبار المعترف بهم فى عاصمة الفن .
-عندما التقيته فى الجاليرى الخاص به بالهرم مؤخرا لم أصدق لفرط تواضعه وبساطته اننى أمام الفنان الكبير الذى تتحدث عنه باريس بفخر، جلست أفتش فيه عن غرور بيكاسو وجنون سلفادور دالى اللذين زاملهما فى أحد المعارض فى إيطاليا، وهو فنان بسيط، يتحدث ببساطة عن أعمال عظيمة وإنجازات يمكن توزيعها على جبل بكامله من الفنانين .
- بنفس هذه البساطة تحدث معى عن جداريته عن الثورة، وسمح النجدى لى وصديقى الدكتور وحيد القلش مدير المقتنيات فى الأهرام على سبيل الاستثناء بالدخول إلى مرسمه الملحق بالجاليرى أو محرابه الفنى والذى لا يسمح لأحد بالدخول إليه للاطلاع على جداريته التى لم تكتمل أو انجز الجزء الأكبر منها عن أيام الثورة .
- والنجدى معروف عالميا بجدارياته خصوصا جداريته عن غزة وسراييفو، ومن هنا كنت أشعر بالفخر لكونى من الأوائل الذين يشاهدون هذه الجدارية قبل أن يراها العالم .
- والتعبير عن وقائع الثورة فى الجدارية جاء فى شكل ملحمى وكيف أن السواعد القوية من شباب مصر هى التى حملت لواء الثورة وهناك إشارات موحية لدور الشباب تبرز صورة خالد سعيد، كما أن الجدارية تحتوى على تفاصيل لقوى الشر التى حاولت أن تطيح بالثورة وإشارة إلى موقعة الجمل، إنها جدارية عالمية بكل المقاييس وليست مجرد عمل انفعالى لأحداث الثورة .
- وكان النجدى قد أبدع مشروعان لنصب تذكارى أحدهما عبارة عن مجسم ضخم لكلمة الشهداء يضاء بشعلة فى سماء ميدان التحرير تخليدا لمن ضحوا بأرواحهم وعلى قدر المساحة الكلية للمجسم الذى سيكون عن مجموعة من التكوينات بارتفاعات من 7 إلى 12 متر سيكون هناك متحف يجمع آثار الشهداء وأسماءهم وصورهم `.
- والثانى عبارة عن كرة قطرها أربعة من `الريزن ` تضوى فى الشمس بحروف نحاسية مختلفة الأحجام من النحاس الأحمر والأصفر والأبيض هى رمز أسماء، وعلى مساحة مربع الهرم يوجد متحف من الداخل تجمع فيه صور الشهداء وملابسهم بتنسيق متحفى حديث .
- النجدى عائد لتوه من باريس بعد أن حضر افتتاح معرضه هناك، وهذا المعرض يقام سنويا على مدار 18 سنة متواصلة،فباريس تدرك جيدا قيمة النجدى، فهو من الفنانين العرب المعروفين فى أوروبا وله مقتنيات فى أغلب عواصم ومتاحف العالم خصوصا فى إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وأمريكا واليابان وكوريا الجنوبية، حتى إن أحد مقتنى أعماله تطوع بإقامة متحف خاص يحمل اسمه فى مقاطعة افيرنوب جنوب العاصمة الفرنسية باريس، قريب من متحف رائد المدرسة الانطباعية كلود مونيه.
- وتأتى عالمية النجدى كونه ابتدع أسلوبا خاصا به، أسلوبا بدا أنه يستند إلى تراكم ضخم من الخبرات والثقافات العالمية حتى وإن كان المكون الأكبر أو الأساسى فيه للفن الإسلامى.. يقول `طبعا تأثرت بالبيئة، كونى نشأت أساسا فى بيئة شعبية، دائما تأخذ عينى المآذن والزخرفة الإسلامية، هناك العاشق والمعشوق وعرائس المسجد والأكف التى ترتفع بالدعاء وألاحظ العلاقة بين الكتلة والفراغ` .
- ويضيف `لفت نظرى منذ البداية علاقة الكتلة بالفراغ،فالفن الإسلامى ربط بين الكتلة والفراغ بطريقة لم تعهدها الفنون السابقة، فهو ينظر إليهما كعنصرين متكافئين يكمل كل منهما الآخر ولا ينفصل عنه، وهناك الكثير من الفنانين الغربيين الذين تأثروا بمقومات ذلك الفن والتفتوا إلى ما يحمله من روحانية وفلسفة خاصة ، لعل على رأسهم بيكاسو .
- النجدى أضاف إلى دراسته الفن الإسلامى والقبطى والفرعونى والمدرسة الشعبية جميع المذاهب والمدارس الفنية من تجريدية وسوريالية وتكعيبية وخلافه ويقول إنه تأثر بثلاثة فنانين بول سيزان من حيث التكوين وجوجان من حيث اللون ، وفان جوخ من حيث العاطفة الجياشة .
- فى ظنى ما يميز النجدى الإيقاع عن طريق حركة الخطوط والألوان واحتشاد الشخوص والعوالم فأنت تحتاج إلى زيارات متعددة للوحة لاكتشافها وهى سمة أعمال الفنانين الكبار ، هناك من لا يزال يحاول اكتشاف جرونيكا بيكاسو، راجع عملا مثل العشاء الأخير فى القدس `أو لوحة سراييفو فى متحف النجدى بباريس والتى قيل إنها تضاهى روعة الجيرونيكا فعرضها 13 مترا فى ارتفاع 3.25 متر.
-عندما سألته عن السر فى أن بعض لوحاته تبدو متشابهة رد بهدوء شديد ` السر فى ذلك هو تكرار التكوينات التى هى غالبا طولية مثل احتشاد الناس بشكل طولى فهناك أشخاص واقفون ومتراصون ، يمكن القطع عليها بحركة اليد، بالطبع هناك إحساس بالتكرار ولكن لو دققت النظر سوف تلمح اختلافا بين الأشخاص فضلا عن اختلاف الموضوع والإيقاع والإحساس والموسيقى` .
- ويرى النجدى أن ما يجعل للفن قيمة هو الصدق `الصدق قيمة كبيرة فى الفن، مضاف إليها روح الفنان وثقافته، ثم إننى أعمل من لحظة إحساس أو انفعال وتوهج معينة أعرفها تماما، فأنا اذا دخلت معرضا على سبيل المثال، ربما تأتينى هذه اللحظة التى اسميها الانفجارة بعد مرورى بعدد من اللوحات، واسارع الى تسجيلها وغالبا أعود إلى اللوحة بعد فترة من إفراغ الشحنة الأولى لوضع اللمسات النهائية ` .
- المهم أن جاليرى النجدى الذى اقتحمناه ذات مساء أنا وصديقى الدكتور وحيد القلشى يزخر بأعمال تعود إلى فترات مختلفة، وبعض اللوحات تستغرقك تماما، وتحتاج إلى وقت كبير للتأمل، فالأعمال مثل الموسيقى السيمفونية ليست خطا واحدا ولكن مجموعة من الخطوط المتقاطعة والمتشابكة ولكن فى إطار هارمونى وسيمفونى فريد ( لاحظ عشق النجدى للموسيقى وتقديمه عددا من الألحان )، وخبرته فى كونه أحد الذين خبروا خامات ووسائط فنية مختلفة وكونه ارتبط بالفلسفة الصوفية التى أهلته لأن يكون عميقا جدا فى تعبيراته وأفكاره وموضوعاته.
محمد مرسى
مجلة نصف الدنيا - مايو 2011
النجدى .. فى أجمل تجلياته بجرانت
- بدأعمر النجدى فى أجمل تجلياته فى المعرض الذى سيفتتح بعد غد `الأحد ` 14أكتوبر فى جاليرى جرانت تحت عنوان ` تعبيرية اللحظات ` ، ويستمر حتى 24 نوفمبر ، النجدى بدا متألقا ومستفيدا من كل خبراته خصوصاً فى الجو الاحتشادى الذى يتميز به، وتنوعت الخامات التى استخدمها فى نحو ثلاثين لوحة ما بين الزيت والألوان المائية والرمل.
- النجدى له قدرة غريبة على التقاط اللحظات العابرة وتحويلها إلى أعمال فنية بديعة ، وربما يتشابه فى ذلك مع فنانين كبار مثل ديجاه ، وفى هذا المعرض مارس هوايته الأثيرة فى إدهاشنا والولوج معه إلى عوالم ساحرة هو وحدة الذى يمتلك مفاتيحها .


نصف الدنيا - 12/ 10/ 2012
عمر النجدى يحتفى بتعبيرية اللحظات فى أعماله الجديدة
- (تعبيرية اللحظات)هو اسم المعرض الجديد للفنان التشكيلى الكبير عمر النجدى، الذى افتتحه الدكتور عبد العزيز حجازى رئيس الوزراء الأسبق بجاليرى جراند بوسط البلد، بعد توقف أنشطته عدة أشهر والمعرض يستمر حتى 24 نوفمبر الجارى، وما يميز أعمال النجدى الجديدة قدرة الفنان على التقاط الأحاسيس والانفعالات العابرة وتحويلها إلى شحنة إبداع نادرة.
- حيث يؤكد الفنان عمر النجدى: أعمل من لحظة إحساس أو انفعال وتوهج معينة أعرفها تماما، فأنا إذا دخلت معرضا على سبيل المثال، ربما تأتينى هذه اللحظة التى أسميها الانفجار بعد مرورى بعدد من اللوحات، وأسارع إلى تسجيلها وغالبا أعود إلى اللوحة بعد فترة من إفراغ الشحنة الأولى لوضع اللمسات النهائية.
- ويبرز فى اللوحات الإيقاع عن طريق حركة الخطوط والألوان واحتشاد الشخوص والعوالم، فأنت تحتاج إلى زيارات متعددة للوحة لاكتشافها وهى سمة أعمال الفنانين الكبار برغم أنها - أى الأعمال - تدور فى نفس العوالم الفنية التى يقصدها النجدى فى أعماله دائما، فتجد النساء والأطفال والرجال بملامحهم الشعبية المصرية المميزة وتجاورها الخطوط والموتيفات العربية والإسلامية بأسلوب خاص بدا أنه يستند إلى تراكم ضخم من الخبرات والثقافات العالمية حتى وإن كان المكون الأكبر أو الأساسى فيه للفن الإسلامي.. وحول ذلك يقول الفنان عمر النجدى: طبعا تأثرت بالبيئة، كونى نشأت أساسا فى بيئة شعبية، دائما تأخذ عينى المآذن والزخرفة الإسلامية، هناك العرائس والأكف التى ترتفع بالدعاء وألاحظ العلاقة بين الكتلة والفراغ وهى علاقة لا تجدها بمثل هذه الخصوصية إلا فى الفن الإسلامى. وقد أضاف إلى دراسته الفن الإسلامى والقبطى والفرعونى والمدرسة الشعبية والمدارس الفنية من تجريدية وسوريالية وتكعيبية وخلافه، ويقول إنه تأثر بثلاثة فنانين هم بول سيزان، من حيث التكوين، وجوجان من حيث اللون، وفان جوخ من حيث العاطفة الجياشة.
- بقى أن نشير إلى أن النجدى غزير الإنتاج وله معرض يقام سنويا بباريس على مدى 18سنة متواصلة، وهو من الفنانين العرب المعروفين فى أوروبا وله مقتنيات فى أغلب عواصم ومتاحف العالم، خصوصا فى إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وأمريكا واليابان وكوريا الجنوبية، حتى إن أحد مقتنى أعماله تطوع بإقامة متحف خاص يحمل اسمه فى مقاطعة `فيرنو` جنوب العاصمة الفرنسية باريس، قريبا من متحف رائد المدرسة الانطباعية كلود مونيه.
زين إبراهيم
صباح الخير - 13/ 11/ 2012
( عمر النجدى ( وتعبيرية اللحظات
- بجاليرى المسار للفن المعاصر بالزمالك افتتح معرض ` تعبيرية اللحظات 2 ` للفنان التشكيلى القدير عمر النجدى والذى يستمر حتى 11 إبريل 2013 ، ويضم المعرض باقة من لوحات الفنان التى تعبر عن أحداث مراحل فنه المختلفة، والنجدى عاشق الفراغ إذ يتحول بين يديه ألوانا وحياة تستلهم الفن الفرعونى والإسلامى ولوحاته ليست مجرد زخرفة بل هى مزيج صوفى شفاف يسبح فى فضاء الكون يصنع منه شخوصا خاشعة لها مفرداتها الحياتية التى تنطلق بقيمتها المجردة ذات الملامح الأرابيسكية الأصيلة .
-وهذا المعرض هو الثانى الذى يحمل عنوان تعبيرية اللحظات وكان المعرض الأول قد أقامه فى مايو من العام الماضى بجاليرى المسار أيضا .
- والفنان التشكيلى عمر النجدى أحد أساتذة المدرسة المصرية المعاصرة منذ الستينات وهو حاصل على جائزة تايلور 2009 من معرض الخريف والعديد من الجوائز الكبيرة على مدى مسيرته الفنية وهو من مواليد 28 نوفمبر 1931 حاصل على بكالوريوس الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1953 ثم بكالوريوس الفنون التطبيقية عام 1957 ودرس فن الخزف فى روسيا عام 1958 - 1959 وتخرج فى أكاديمية الفنون الجميلة فينيسيا بإيطاليا عام 1960- 1964 وأكاديمية الفنون الجميلة رافينا بإيطاليا لدراسة فن الموزاييك عام 1963 كما درس فن الجرافيك بأكاديمية بان فان أيك ماستريخت بهولندا وحصل على دبلوم معهد راسكن للنقد الفنى بفينيسيا بإيطاليا عام 1964 ودرس فن التصوير الجدارى بأكاديمية فينيسيا بإيطاليا عام 1965 ( معادلة درجة الدكتوراه بالمجلس الأعلى للجامعات عام 1977 ) .
- تدرج الفنان فى سلك التدريس بكلية الفنون التطبيقية وهو الآن أستاذ غير متفرغ بالكلية .
- يقول الفنان فى تقديمه لمعرضه تعبيرية اللحظات هى تعبيرية اللحظات الفارقة بين اليقين العاقل والواعى للإبداع الملموس والذى يدخل فى نطاق واقعية المدارس الغربية منتسبا إلى أم الحضارات بها وهى الحضارة الإغريقية بينما حضارات الشرق تنتمى للمدارس الرمزية واللازمنية ووصولا إلى التجريدية المطلقة.
- وهنا ينبغى علينا القول بأن يقين اللاوعى المدرك بأفئدته ومشاعره الفياضة ما هو إلا تعبير لأدق الأحاسيس المطلقة والصادقة لما تحتويه من معاقل روحية خالصة فى وجدان الفنان الذى استقبل الصدمة البارقة ليترجمه لعواطف اللاوعى وإدراك ناتج من حدث ما غير متوقع يأخذ منه ما بظاهرة بعد أن ينطبع فى دلالته حدث آخر .
- إن مشاهد هذا الحدث ينتقل لحالة من السكون ثم سرعان ما تتفتح له أسرار مخزونة الغيبى مؤكدة لحظة اندهاشه تلك اللحظة التى ما هى إلا مرحلة اللاوعى التى يعيش بها الفنان لحظة هذا البرق وعندما يرتد اللاوعى إلى واقعة عندئذ يحدث اتزان لقطبيهما فى ولادة جديدة مبتكرة .
- ويعتبر عمر النجدى واحد من أبرز فنانى مصر والشرق الأوسط وحينما يتعمق المرء إلى عالم عمر النجدى سيجد نفسه فى عالم شديد التناقض وشديد التناسق فى ذات الوقت عالم متعدد الألوان والأبعاد والأشكال وقد يتوه المرء فيه بعض الوقت ولكن ذلك لن يطول لأنه سيكتشف الوحدة الكامنة وراء التعدد سيكشف على سبيل المثال تكرار بعض الأشكال وكيفية تداخل الألوان ووحدة الموضوعات لكن أهم الإكتشافات هى إدراكه أن العنصر الإنسانى هو العنصر الغالب وربما الوحيد فى أعماله فمهما بلغت درجة التجريد فى لوحاته ومهما ناقضت الألوان أو تزايدت أو تداخلت يظل الوجه الإنسانى هناك فى شموخه وسموه وتألقه وفرحه وحزنه وعندما يرسم رجلا وامرأة نجد نوعا من الحميمية الصامتة.
- ومصادر فن النجدى متعددة مركبة فقد استفاد من الفن الآشورى البابلى والأيقونات المسيحية ووجوه الفيوم المتميزة والفن الفلكلورى المصرى.
- ففى طريقة توظيفه للألوان نجده فى بعض اللوحات قد يستخدم ألوانا هادئة بل وقد يوظف الفراغ لكن فى لوحات أخرى تتفجر الألوان كالبركان ويظهر التباين الخلاق فى لوحاته التى يستخدم فيها خطا أسود واحدا يجمع شتات اللوحة وتفاصيلها العديدة وذلك فى مقابل التفجر اللونى الذى نجده فى لوحاته عن الفصول الأربعة وبالذات عندما يعبر عن الصيف والتى يظهر فى الوجه الإنسانى بعوينه المتسعة المليئة بشهوة الحياة ولكن كل هذا يغطيه فيض من الألوان الجميلة ولعل هذا الفنان الذى يعرف أصول صنعته أدرك ذلك ولذا نجده قد قسم الألوان إلى أقسام تأخذ شكل مربعات ودوائر لكل منها لونه الخاص وشخصيته الخاصة لكنها كلها تمتزج لتخلق تعدادا لونيا داخل الوحدة ووحدة تحيط بالتعداد اللونى .
- والنجدى غزير الإنتاج وله معرض يقام سنويا بباريس وهو من الفنانين العرب المعروفين فى أوربا وله مقتنيات فى أغلب عواصم ومتاحف العالم خصوصا فى إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وأمريكا واليابان وكوريا الجنوبية حتى أن أحد مقتنى أعماله تطوع بإقامة متحف خاص يحمل اسمه فى مقاطعة فيرنو جنوب العاصمة الفرنسية باريس قريبا من متحف رائد المدرسة الإنطباعية كلود مونييه.
نجوى العشرى
القاهرة - 2/ 4/ 2013
عمر النجدى ... من صروح التصوير إلى ملاحم الإبداع
فى معرضه بقاعة ` المسار `
عمر النجدى فنان مصرى تمتد رحلته مع الإبداع بالدأب والاخلاص لمعنى الفن .. بدأت باحترام تقاليد الدراسة الأكاديمية بين تخرجه من الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1953 والتحاقة بالفنون التطبقية وتخرجة فيها عام 1957 .
أنطلق فناننا بعدها إلى آفاق جديدة حافلة بالتعبير والتجريب .. حقق خلالها مساحة عميقة فى الابداع المصرى تشدو .. بسحر الشرق الفنان من إشراقات فن التصوير إلى تجليات التشكيل فى فن النحت والخزف .. هذا مع دراساته العديدة بأكاديميات عالمية : دراسة فن الموازييك بأكاديمية الفنون برافينا بإيطاليا وفن الخزف بروسيا والتصوير الجدارى بفينسيا كما درس فن الجرافيك بمسترخت بهولندا .. كل هذا التنوع والثراء من الدراسات اجتمعت لديه وحفرت عميقا فى نهر الإبداع مما أضاف إلى تجربته باتساع دنيا الفن .
ولقد جاء معرضه بجاليرى ` المسار ` بالزمالك ` ذكريات محيطة ` وضم أحدث أعماله .. تأكيدا على عمق تجربته والتواصل المستمر مع الفن من خلال هذا التراكم التعبيرى الذى تألق لأكثر من 55 عاما .
يقول الفنان النجدى : ` الذكريات المحيطة بى من كل جانب ماهى إلا ذكريات تعبيرية لبعض اللحظات الفارقة مرئيا بين اليقين العاقل والواعى وانتقالها للإبداع الملموس المـأثر بمشاهد من الحياة اليومية المحيطة بى .. إنها مشاهد بعقلى الباطن .. سرعان ماتفتح لى أسرار مخزونها الغيبى للحظة .. تلك اللحظة ماهى إلا مرحلة اللاوعى التى يعيش بها الفنان .. لحظة خلاص وجدانه وبصدق الأداء فى عمل فنى يحاور فية مسار إبداعة المستمر الممزوج بهويته الفنية وعندما يرتد اللاوعى إلى واقعه .. عندئد يحدث اتزان لقطباهما فى ولادة أعمال فنية جديدة ومبتكرة ` .
مستلهما روح المصرى القديم والاسلامى والفن الأشورى والايقونات القبطية ووجوه الفيوم والفن الشعبى المصرى بما يمثل انعكاسا لثقافته الموسوعية .
وعمر النجدى ولد عام 1931 بباب الشعرية وعاش طفولته بهذا الحى الشعبى العريق وامتلأ بكل الصور الشعبية بمباهجها وأفراحهاوأشجانها .. من زفة العروسة والاراجوز ومواكب الطرق الصوفية وجلسات المقاهى وحوارات البشر وهذا التواصل الإنسانى الذى لا ينقطع .
وظلت تلك الصور ماثلة فى خياله يستحضرها فى رسومة من بداية تعلقة بالرسم فى طفولته .. إلى التحاقة بالفنون الجميلة .. وكان أن حصل على جائزة الفن التشكيلى فى عيد العلم عام 1952 بعد الثورة من بداية عهد الرئيس جمال عبد الناصر وقبل تخرجة بعام .
أسس الفنان مع مجموعة من الفنانين جماعة فسيفساء الجبل ليقوموا بقطع الفسيفساء الملون الطبيعى من جبال مصر وتجميل الشوارع والميادين العامة .. كان هذا فترة الستينيات من اجل تحقيق غد افضل بالفن .. وتبع ذلك تأسيسه لجماعة ` العنقاء ` .. وهى جماعة من المتصوفة ` حول هذا الطائر الخرافى العربى الذى ليس له وجود ولكن يحلق بتعبيره فى كل الوجود تأكيد أن الفن أحد الألهامات الروحية .
وإذا كانت أعمال الفنان فى فن الخزف قد تألقت بسحر اللون تستطيل وتستدير محلاه بالنقوش والحروف والوجوه الإنسانية فى أوان ومزهريات .. إلا أن أعماله النحتية تتوهج باللمسة التلقائية مفعمة بروح الفن البدائى فى سمو ونحافة ورقة كما فى شخوصة الإنسانية وحيواناته من العنزة والثعلب ورأس الكبش .. والتى تجسد أغنية للحياة فى قوتها وانطفائها .
ومع الإنتاج الفنى الغزير والمتنوع للفنان قدم صروحا تصويرية متسعة فى المساحة .. أعمال تعبيرية تألقت ما بين الأعمال الوطنية والسياسية والأعمال التى تجسد روح البيئة المصرية .. والنجدى يستخدم اللون الذهبى فى أعمالة فى التصوير مستعيدا سيرة الأجداد فى الفن الفرعونى وهو لون الشمس والخلود مثلما هو لون القداسة والرفعة .
ونجد العنصر الفرعونى واضح فى أعماله وهناك العنصر الإسلامى ايضا الذى يظهر فى رفضه التقليد المباشر شبه الفوتوغرافى للطبيعة أو للإنسان ثم هناك تلك اللوحات الحروفية المكونة من كلمات وحروف ، والتى ينساب فيها الخط فى رشاقتة وحيوية مثل لوحته التى تعتمد على تكرارية حرف السين فى منظومة صوفية هامسة ولوحته التى تعتمد على الالف واللام والميم ` 1 . لام . م ` .
ولا شك ان لوحته الصرحية العشاء الاخير ` 310x أمتار ` تمثل صرخة سياسية بالفن تدين التسلط والغشم وقد جسد الطغيان البشرى والعبث بالانسانية .. والعشاء الأخير ` هنا هو عشاء العصر الحديث على منضدة دائرية ... مع جموع البشر تتطلع إلى الخير والعدل والسلام المفقود .. وامرأة وطفلها تبدو عارية مسلوبة الإرادة وفى الخلفية يطل الأقصى الجريح شاهدا على ما يحدث من ظلم . وتمثل لوحة ` مصر` عند النجدى معزوفة بصرية تتداخل فيها الشخوص مع العود وآلات الموسقى وتمتزج بتلك السطوح التجريدية فى تالف وحيوية.. يغلب عليها الأزرق النيلى والبحرى والرمادى مع لمسات من الأحمر والأصفر والبرتقالى
الذكريات المحيطة
جاء معرض عمر النجدى ` الذكريات المحيطة ـ 2014 ` تأكيدا لعمق ارتباط الفنان بالبيئة المصرية مع لغته وأبجدياته التشكيلية .. وهو هنا مازال يبحث فى إيقاعة التشكيلى يضيف ويختزل وفى نفس الوقت يؤكد أن فكرة التلاحم والارتباط المصرى فى الافراح والمناسبات الاجتماعية .. يبدو هذا من أسماء اللوحات : ` الزفاف ` -` الصباحية ` -` الحصاد ` - ` الساحر والموسيقى ` وغيرها .
وأهم ما يميز الأعمال هنا هذا التداخل الارابيسكى الحميم بين البشر وتلك التفاصيل والمفردات والتى تحفل بها اللوحات وتعكس للبيئة الشعبية وبيئة الريف المصرى .
وتعد لوحة ` الحصاد ` .. لوحة بانورامية متسعة تغنى للريف وتشدو بقوة الحياة فى موسم الحصاد وتطل بصورة عديدة من النورج وأكوام السنابل إلى الدواب والفلاحين وفى الخلفية تطل القرية بعناصرها المعمارية التلقائية من البيوت والجوامع .. اللوحة يغلب عليها الاصفر الذهبى هذا اللون المفرح مع البنيات وقد أخذت من روح الحصاد لونه مع لون شمس الصيف .
وفى لوحة الساحر نطل على النغم الموسيقى المنبعث من الجيتار والذى يتوحد مع فتاة وآلة العود فى سطوح تكعبيية .. مسطحات هندسية تتوافق مع الجمل اللحنية .. تتداخل وتتعانق فى نسيج واحد .
ولعل من أجمل ما كتب من تحليل لعالم النجدى ما قدمة المفكر عبد الوهاب المسيرى وكان من محبى فنه : ` من يشاهد لوحات النجدى بعرف أنه مصرى وعربى صميم .. ويفسر الملامح الفرعونية لشخصياته وطريقه جلوسها وحركة إيديها كما أنه يوظف بعض الرموز المصرية القديمة مثل الطيور والاوانى وهو يمزج بين كل هذه العناصر فى نسيج عمله فلا تبقى مجرد عناصر زخرفية بل هى عناصر حية تربط بين زخم الماضى والواقع الحالى ` .
تحية الى فناننا عمر النجدى بعمق التوثب والتواصل مع حضارة الشرق وافاق المعاصرة .
د. صلاح بيصار
جريدة القاهرة 9 /12 /2014
الأصولية الإسلامية ومشكل الحروفيين
- كانت سنوات الخمسينات فى مصر بوتقة لفكر وإبداع جيل من المثقفين، حلموا بتغيير الواقع، الذى ثارت عليه ثورة يوليو 52، وانبثقت من هذه البوتقة مواهب كبيرة فى الأدب والفن بفروعه المختلفة، وإن اختلفت أحياناً مع نظام الثورة، ورسخت اتجاهاً ينحو إلى استلهام الحياة الشعبية، وإلى أن يكون المواطن البسيط هو البطل الجديد فى الأعمال الفنية والأدبية.
- والحق أن ذلك لم يكن اتجاهاً جديداً فى الحركة التشكيلية بوجه خاص، بل كان تتويجها لاتجاه بدأه، منذ نشأة الحركة، جيل الرواد العظام (مثل عياد وناجى ويوسف كامل)، ثم عمق مجراه فى نهاية الأربعينات جيل الجماعات الفنية الشابة، خاصة `الفن المعاصر` و`الفن الحديث`، وقد واصل فرسانها تجربتهم الإبداعية فى هذا الاتجاه بعد قيام الثورة، بأعمالهم التى تفاعلت أو تعارضت مع فكرها وقضاياها.. (منهم الجزار وندا والسجينى وجاذبية وعويس وحسن فؤاد وداود عزيز ويوسف سيدة)، وقد أعطت الثورة بعضهم ما استحقوه من تشجيع واهتمام، وأعطت البعض الآخر ما استحقوه من تشجيع واهتمام، وأعطت البعض الآخر ما استحقوه من عقاب على اختلافهم معها.. قبل أن تتفرق بهم المذاهب والمشارب مع مرور الأيام... وكان موازياً لهم - ومستمراً بعدهم فى تأصيل هذا الاتجاه التعبيرى الشعبى - الزوجان سعد الخادم وعفت ناجى، اللذان كرسا حياتهما لقضية الفن الشعبى، استمرارا لرسالة محمد ناجى.
- كان ذلك هو المناخ الذى تفتحت فيه موهبة الفنان عمر النجدى، حتى قبل أن يتخرج فى كلية الفنون التطبيقية عام 1957، (إذ أنه حصل على جائزة فنية فى عيد العلم 1956)، وهو أيضاً نفس الاتجاه الذى سار فيه لفترة طويلة أسس فيها وجوده، كواحد من ألمع فنانى الجيل الثالث بالحركة الفنية المعاصرة بمصر، لم يترك وسيطاً تقنياً إلا وأبدع من خلاله، وتكاد تتوازى خطوط إسهاماته فى التصوير والنحت والحفر فى مسار مستقيم، لكنها تمثل وجوها متعددة لشخصية فنية واحدة، وفكراً تشكيلياً واحداً، ولو تعددت ألسنته!.
- وقد درس عمر النجدى بالقسم الحر بكلية الفنون الجميلة وتخرج منه عام 1953، أى قبل تخرجه فى كلية الفنون التطبيقية بأربع سنوات، وهكذا تم تأسيسه تأسيساً أكاديمياً على مرحلتين مدرسيتين، وبمنهجين تعليميين مختلفين، هما الفنون الجميلة والفنون التطبيقية، ولعل ذلك مما ساعد - فيما بعد - فى تنوع أدواته وخياراته التعبيرية: فبينما لقنته الأولى كيفية احترام أسس الرسم والنسب الطبيعية وقوانين المنظور وحبك التكوين وتدرج الألوان والظلال، كشفت له الثانية عن أسرار عالم الخامات بأنواعها، من خزف وفسيفساء ومعادن وأخشاب وأصباغ، وما يصاحبها من ملامس وإيحاءات بثراء الطبيعة الخام.
- إلا أن معلمه الأول الذى يدين له باتجاهه الفنى المبكر، هو حى باب الشعرية، الذى ولد وعاش فيه طفولته وصباه، وترسبت فى وجدانه، قبل أن يعى، الروح الشعبية الأصيلة، ومعالم البيئة المليئة بالمأثورات التشكيلية، فى تعايش حميم مع الحياة اليومية بالشارع والحارة: المقاهى البلدية.. النقرزان.. الزار.. الباعة الجائلون.. عربات اليد المزركشة.. المساجد والأسبلة والحمامات الشعبية.. وحدات الخرط العربى والكليم الملون.. الأراجوز وصندوق الدنيا.. كل ذلك العالم السحرى الذى يمتزج فيه الماضى بالحاضر، فى وحدة عضوية ذات مذاق حريف لا ينسى.
- التزام الخمسينات
- وتشهد أعماله التصويرية، فى مرحلة الخمسينات، ملامح قوية من ذلك العالم، بنزعة تعبيرية بدائية، تميل إلى المبالغة والخشونة وعنف الألوان واللمسات، وكان رفيقه فى تلك المرحلة وصديق رحلته الطويلة هو الفنان صالح رضا، حيث اشتركا معا فى التعبير عن عالم المقاهى البلدية والنقرزان والعفاريت، ويذكر عمر النجدى أنه كان فى تلك الفترة من المعجبين بالأدب الروسى المعبر عن الطبقات السفلى فى مجتمعه، خاصة روايات دستويفسكى وجوركى، والتى قاده إليها صديقه الأديب أمين ريان (الذى بدأ فنانا تشكيليا)، ولا ننسى أن ذلك قد توافق مع المد الثورى الذى أشرنا إليه فى الخمسينات، وفى زخم هذا المد اقترن الفن عند النجدى بالواقع، وبالتعبير عن الطبقات المطحونة.
- وشيئاً فشيئاً أخذ العنصر الأدبى والتراجيدى يخفت، بينما ينمو أكثر فأكثر العنصر التشكيلى فى رؤيته التعبيرية، فانتقل إلى استخدام عناصر معينة من البيئة الشعبية تتميز بسمات تشكيلية خاصة، مثل ما يظهر فى عربات `الكشرى والبطاطا والنيشان`.. حيث تحتوى زخارفها البدائية الصريحة على كلمات مكتوبة تحمل قيما جمالية... ومنذ ذلك الوقت دخلت `الكلمة` عالمه التشكيلى كعنصر وظيفى لغاية أصولية،! وليس كمجرد شكل، أى أنها أصبحت هى و`المعنى` شيئاً واحداً..
- ومع تخرجه من كلية الفنون التطبيقية - قسم الخزف - بدأت مرحلة مصرية فى حياة عمر النجدى، لعب فيها `القدر` دوراً مهما... كان يتنازعه بعد تخرجه نزوعان هما حصيلة دراساته وميوله: الأول يدفعه إلى التفرغ للبحث الفنى، وقد ساقه ذلك للالتحقاق بمرسم الأقصر، ومعايشة الفن المصرى القديم عن قرب، والثانى بدأ عندما عين معيداً بكلية الفنون التطبيقية (قسم الخزف)، وحسم أمره بقبول الوظيفة، لما تمثله من إغراء اجتماعى وأكاديمى، وفى 1959 حصل على منحة لدراسة الخزف بالاتحاد السوفيتى، وكان يمكن - لو قدر لتلك المنحة أن تستمر لنهايتها - أن يسلك طريقا يرتبط بفن الخزف رباطاً وثيقاً، لولا أن تدخلت ظروف سياسية مفاجئة، فغيرت مسار جميع الدارسين المصريين، فى جميع المجالات، من موسكو إلى أوروبا الغربية، وكان نصيبه التوجه إلى إيطاليا، ليقضى بها خمس سنوات فى دراسة التصوير والجرافيك والموزاييك الجدارى والنقد الفنى، بين فينسيا ورافنّا، حتى حصل على الدكتوراه عام 1967.
- مرحلة إيطاليا
- فى سنواته الدراسي تلك لم يكف النجدى عن الإنتاج، ولم يغير أسلوبه الذى بدأه قبل البعثة، مثلما يفعل أغلب المبعوثين، انبهارا بالنموذج الأوروبى السائد على الفنون العالمية، بل فضل أن يكون تطوره تأصيلا لهويته المصرية، وهكذا عاد إلى نفس المتابع.. أعنى إلى عناصره الشعبية الأولى، لكن بوعى تشكيلى جديد، ورؤية تأملية لفنون الشرق عامة، لا سيما فى اقتصارها على بعدين اثنين للوحة، وفى ميلها إلى التسطيح والترديد الزخرفى، وفى شمولية نظرة الفنان، حيث لا تنقل ما يراه بعينه، بل تصور ما يدركه بوعيه، وقد اكتشف الناقد `روبن جوردن` هذه السمة فى لوحاته خلال تلك الفترة، وذلك فى دراسته التى نشرت عام 1962، فكتب يقول: كل شىء عائد إلى الشرق من جديد!.
- ولا غرابة فى أن يحظى بتقدير أدبى كبير عن تلك الأعمال، تمثل فى حصوله على جائزة بمعرض الحفر السنوى بفينسيا 1961 متفوقا على الفنانين الإيطاليين. (وقد توالى حصوله على الجوائز فيما بعد حتى بلغت خمس عشر جائزة!).
- والمتتبع لمسار النجدى وتطوره يجده قد اتخذ خطا متموجا فى صعوده، بمعنى أنه تقلب بين عدة أساليب فنية من ابتكاره، دون أن يبالى بتثبيت قالب معين لأعماله فى نظر متابعيه، مثلما يفعل أغلب فنانينا، خشية المخاطرة بالدخول فى طريق غير مألوف، قد يفقدهم ما حققوه من مستوى فنى واجتماعى، فيؤثرون السلامة، قانعين بتعرف جمهورهم على أنماطهم الفني من الوهلة الأولى وكأنها علامات مسجلة، حتى لو ظلوا محصورين داخل هذه الأنماط عشرات السنين، وهذه إحدى آفات حركتنا الفنية المعاصرة، التى تضيق فيها مساحة الاجتهاد الذهنى والمغامرة الخيالية إلى أقصى حد، ويثير فزع غواصيها خوض أعماق البحار بحثا عن اللآلىء المجهولة ، فيقنع الغالب الأعم منهم بما يلقيه البحر الأوروبى إلى شواطئهم، ولو كانت صدفات فارغة!.
- ولعل النجدى يتمثل فى عملية تجديد دمائه بالفنان العالمى بيكاسو، الذى لم يكن يقنع بالاستقرار عند أى أسلوب، ولو حقق له شهرة مدوية، فكان دائماً يقفز من تجربة إلى أخرى، والنقاد والفنانون يلهثون خلفه مفسرين ومؤولين ومقلدين!.
- لكن الفرق كبير على كل حال، باختلاف حجم العبقرية وطبيعة المزاج بينهما: فعلى حين كان بيكاسو يبدع وفق ما يثيره فيه انفعال اللحظة واكتشاف الطفل وجرأة الغواص المحسوبة فى اقتناص محارته، فإن النجدى ذهن حاسب تأملى تأصيلى، لا يقنع بحدود الشكل الخارجى، بل يسعى دائماً إلى الرؤيا والجوهر، وهذا ما يجعل كل مرحلة من مراحله بحثاً فلسفياً وتشكيلياً معا، له إطاره ومنهجه.
- عالم من الحروف
- ففى السنوات الأخيرة من الستينات، بدأ النجدى مرحلة الحروف العربية، ليس من منطلق `الموضة` التى أخذت فى الانتشار بعد ذلك، بل من منطلق `أصولى` نحو العثور على معادل من التراث لما يشغل فكره وروحه، وإيجاد قاموس للغته التشكيلية والموسيقية أيضا (ذلك أنه عاشق للموسيقى العربية عزفاً وتذوقاً).. كان الحرف هو `ضابط الإيقاع` فى ألحانه المرسومة، ومنه أيضاً يتشكل `التون` وتتكون الجملة الموسيقية تشكيلياً، وعن طريقه تستمد شحنتها التعبيرية: سرعة أو بطئاً، وتستمد شحنتها التعبيرية: هدوءاً أو صخبا.. رقة أو عنفا... وكان الحرف أصلح صيغة لجعله حميم الصلة بجذوره الاسلامية، وبروحانيته المائلة إلى الصوفية، لما يملكه من طواعية للترديد المنتظم اللا نهائى فيما يشبه الذكر والتسبيح.
- وهكذا بدت `حروفياته` - أحيانا - دعاءات وابتهالات، تتوالى فى إيقاع يعلو وينخفض كالنبض المنتظم، لكنه دائما يدور حول محور ثابت، أو لعله ينبثق منه مثل شعاع كونى، وأحياناً أخرى مقطوعات عربية أقرب إلى آلة القانون، تتصاعد مرة وفق صفوف أفقية رتيبة، وأخرى فى خط حلزونى لاهث، وثالثة فى شكل `مفروكى` متعارض، لكنه متلاحق المحاور، مستمد من الشكل الاسلامى الشهير فى الخرط العربى على الخشب.
- ولم يكن فى ذلك مدفوعاً بموقف معادٍ للمشخصات فى الفن، فقد اتسع أفق رؤيته لاستيعاب `جوهر` الفكر الاسلامى وليس مظهره، وهو فكر من الشمول حتى ليرى الانسان بوجهيه معا.. المادى والروحى، ومن الحرية للدرجة التى تجعله يسمح للفنان باختيار ما يشاء من عناصر يؤمن فى داخله بأنها لا تناقض مثله العليا، وهذا ما أثبته التراث المتنوع للفن الاسلامى فى عصر الازدهار... من هنا فإن النجدى فى بعض لوحاته `الحروفية` لم يتردد فى أن يضيف أشكالاً آدمية مكتملة، وفى لوحات أخرى يشكل من الحروف عالماً يبدو فى مجمله أشكالاً آدمية.
- والحرف العربى - إلى جانب خواصه الجمالية السابقة - يملك خاصية فريدة أخرى، وهى أن الفراغات التى يتركها فى تجاويفه، أو الناتجة عن تجاور الحروف وتداخلها، تشكل فى حد ذاتها أشكالاً جديدة، تعادل جسم الحرف نفسه وتكون معه علاقة ديناميكية، وقد ؟أفد النجدى من هذه `التعادلية` بين جسم الحرف وفراغاته أكبر فائدة، فى إقامة نسق موسيقى وجمالى منتظم، وفق مقاييس حسابية يقاس بها حجم الشكل والفراغ، كما يقاس الزمن فى النوتة الموسيقية... وربما كان ذلك مدخله أيضا إلى اكتشاف هذا القانون `معادلة الكتلة بالفراغ` فى أعماله النحتية.
- التعادلية!
- إن الطبيعة التأملية للنجدى تتخذ موضوع بحثها من الفكر والمادة معا... فإذا كان الجوهر الأصولى للفكر الإسلامى قائماً على الوحدانية لله سبحانه، وعلى تكامل المخلوقات وارتباطها فى كلٍ، وتغلغل روح الخالق فى كل جزء منها، حتى يصبح الجزء فى ذاته تعبيراً عن الكل وعن وجود الله فى اتساعه اللا نهائى، فإن عناصر وصياغات الفنان المسلم القديم كانت تعبيراً عن ذلك الفكر، ومن هذه العناصر - الفنية المادية - التى تأملها النجدى طويلاً: عرائس المسجد، التى تحدد إطاره العلوى من الخارج، وخرج من تأمله بأن حجم الشكل الحجرى للعروسة مساوٍ لحجم الفراغات الناجمة عن أطرافها فى جوانبها المختلفة، بل وجد أن هذه الأطراف الحجرية وكأنها `معشقة` فى الفراغ فى وحدة لا تنفصم، وكأنها ابتهالات أو تعانق روحى، وهذه الفراغات تبدو - فى نفس الوقت - ثقوباً تعطى بعداً اتساعياً للشكل.. وهكذا أمسك النجدى بخيط نظرته خاصة `للاتساع` الذى أطلق عليه `البعد الخامس` بعد بُعدَى: العمق والحركة.
- وصفة الاتساع هى من صميم الفكر الإسلامى، والاتساع هو بعد يمتد فى المساحة، ويمكن حسابه - وفق ما يرى النجدى - بوحدة قياسية، وفى هذه الحالة يتجاوز حجم الشكل، بل وقد يختلف عنه وهو يمتد متسعاً فى اللا محدود، مثل الحجر الذى تلقيه فى الماء، فتتولد عنه دوائر تتسع متوازية إلى ما لا نهاية، برغم أن شكل الحجر قد لا يكون دائرياً.
- وهذا ما حاول أن يثبته فى لوحاته الحروفية وفى منحوتاته أيضاً، التى غالباً ما تجمع أكثر من شكل فى علاقة عضوية حميمة، تنتج عنها فراغات وثقوب فى متواليات متصلة، وتعادل محسوب مع الكتلة، يهيء الشكل للانطلاق من المحدود إلى اللا محدود.
- وهذه `التعادلية` تختلف عن فلسفة النحت المصرى القديم مثلاً، حيث يبدو الفراغ فى الأخير دائراً حول الكتلة، وقد سار النحات الفرنسى الحديث `جياكوميتى` على هذه النظرية فى أعماله، على عكس النحات الانجليزى `هنرى مور`، حيث نجد الفراغ عنده نسبياً إلى الكتلة، يصنعه فى شكل ثقوب ضيقة فى التمثال، محسوبة بدقة بالنسبة لحجم الكتلة الضخمة.
- وكما تأمل النجدى شكل العرائس، فقد تأمل أيضاً شكل البراعم والزهور، سواء فى الطبيعة أو فى الفن الإسلامى وتأمل كذلك فى عملية نمو الجثة والجنين، واستوحى من كل ذلك فكرة النمو والتفرع والتوالد والاتساع فى كل الاتجاهات اتصالا بالخالق، لكنه فى تعبيره عن هذه التجليات لم يلجأ إلى استعارة تلك العناصر مباشرة، بل استعاض عنها بالحروف، وأحياناً بالأرقام... إن ترديد حرف الألف أو الرقم `1` كثيراً فى لوحاته بشكل لا نهائى العدد، هو تعبير عن معنى النمو والتوالد والاتساع.. والوحدانية أيضا، ولعلنا نلاحظ أن الحروف تتوالد من بعضها البعض، كدوائر الموجات فى الماء إثر إلقاء حجر، ونلاحظ أيضا فى معظم لوحات هذه المرحلة، محاولة منه للخروج من حيز السطح المحدود إلى الاتساع اللا نهائى، وهى على أية حال رؤية لا تقتصر على الفن التشكيلى وحده، بل نجد ترديداً لها فى الفنون الأخرى.. كالموسيقى والشعر.
- عودة إلى المشخصات
- وفى معرضه الأخير الذى أقيم بالقاهرة منذ شهور، رأينا فى أعمال النجدى عودة قوية إلى رسم المشخصات، وإلى استرجاع أصداء البيئة الشعبية التى بدأ بها حياته الفنية.. أبطالها من أولاد البلد، والدراويش، والمغنين، ومن صندوق الدنيا، ورسوم الحج على واجهات البيوت... ونظراً لأنها `أصداء` فإنها توحى بكل ذلك ولا تصرح، وتبدو كأطياف غائمة أو شذرات خشنة، متداخلة أو متجاورة، فى مربعات ساذجة، كذكريات الطفولة البعيدة، وكأن الفنان يستعيد فى كهولته زمن البراءة الأولى، فى عالمٍ خلا من البراءة، وهو هنا يستعير أسلوباً تراثياً يلائم هذه البراءة الطفولية، وجده فى معالجات الفنان المسلم للمخطوطات القديمة، مثل الواسطى وبهزاد، وفوق ما نجده فى هذه اللوحات من عذوبة وعفوية، فإن بها من التقسيمات الهندسية، القائمة على وحدتى المربع والمستطيل، ما يوحى لنا بحشوات الأبواب الإسلامية أو بتشكيل عربات اليد الشعبية، وفى نفس الوقت، لو أننا أغفلنا التفاصيل تماماً، فإنها تعطينا حس السجاد الفارسى، وملمس الجدران الأثرية المتآكلة.
- وفى ظنى أن هذه العودة - بعد رحلة الحروف الطويلة - تحمل معنى أعمق من مجرد استرجاع براءة الطفولة، وهو أن `الحرف` قد أوشك أن يستنفد أغراضه الجمالية بنوعية المعالجات التى تناوله بها الفنانان المصرى والعربى، ومهما كانت درجة `الخلاقية` فى استلهامه وتطويعه فى بناء تجريدى معاصر على يديهما، أو كانت درجة توظيفه كعنصر تعبيرى ورؤية تأملية وجدلية، مثلما فعل النجدى، فإنه يقود حتما إلى `الشكلية` الفارغة، التى تصلح لأحد غرضين: أداء وظيفة الزينة، أو شغل وقت الفراغ بالرياضة الذهنية والجمالية، بالتلاعب بالأشكال والخامات والملامس، دون استثارة فكرية أو ملامسة وجدانية، مثلها فى ذلك مثل `شكلية` لوحات النماذج الهندسية، ما سُطِح منها وما جُسٍم، ما كان منها قائماً على علاقة عناصر (هندسية - هندسية) أو على علاقة عناصر (هندسية - عضوية)، هاتان العلاقتان اللتان خاض فيهما فنانون مصريون وعرب ولم يستطيعوا منهما خلاصا، وكلتاهما استهلكتا فى الحركات الفنية الأوروبية قبل أواسط القرن، فانتهوا إلى أن يكونوا أقرب إلى المصممين الزخرفيين!.
- مشكل الحروفيين
- إن `الحروفية` التى بدأت فى أواخر الخمسينات، على يد فنانين مصريين وعراقيين، كنوع من التمرد على التشخيصية الأوربية، وعلى العلاقة الأبوية المستبدة للفن الأوروبى، انتهت بعد ثلاثين عاماً إلى تأكيد هذه العلاقة، دون أن تنجح فى تأصيل هوية معاصرة قابلة للنمو للفن المصرى أو العربى، لأنها دخلت فى طريق مسدود، باتخاذها منهج التجريدية الأوروبية وإن اختلفت `نوتتها الموسيقية`.
-وقد كانت محاولة عمر النجدى محاولة جادة وعميقة بالفعل لتجاوز هذه `الشكلية` الأوربية، بربطها بجوهر الأصولية الاسلامية، التى أنتجت جمالية الحرف العربى، وليس بمجرد الشكل الأجوف كما فعل أغلب الحروفيين، لكن تجربته التى امتدت عشرين عاماً أدت به فى النهاية إلى `النمذجة` والتكرار، وربما كان حرياً بفنان غيره أن يواصل مشواره وفق نموذجه الأثير، الذى حقق به شهرة واسعة، ولكن لأنه فنان حقيقى يتمرد على النمذجة، وحيث تقوده نزعة تأملية ذاتية لا تكف عن البحث، وترى `الشكل` وظيفة لا غاية... فقد عاد يبحث من جديد عن رؤى أخرى، ولو من الماضى وتراث الحارة، ليدفع بها نحو الاتساع اللامحدود.
بقلم : عز الدين نجيب
مجلة : إبداع ( العدد 4) إبريل 1989
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث