|
|
|
العودة |
حول رؤية الفنان
|
|
فاروق عبد العزيز حسنى
ـ رغم دراسته لفن الديكور إلا انه تألق كرسام تجريدى وحقق لأعماله نجاحاً واضحاً فى فرنسا وإيطاليا ويتميز الفنان / فاروق حسنى بإجادته لإدارة العمل الثقافى حيثما كان ، لقد استطاع حيثما حل أن يحول المكان إلى مركز اشعاع ثقافى لمصر يلفت الأنظار ليس لفئة فقط وإنما للفن المصرى عامة وهو يتميز بإجادته تحقيق التوازن بين مسئوليات المناصب التى يتولاها من ناحية ومتطلبات فنه وإبداعه من ناحية أخرى .
د. صبحى الشارونى
- يعايش فاروق حسني الفن , كعنصر جوهري لبقائه , وكحالة تثري بجانبه الروحي . إن الإلهام التصويري الشاعري لفاروق حسني يمتد في تركيبات حرة , ويعدو خلف المشاعر التي تتجسد في ومضات وطبقات من اللون , ليؤلف متتاليات نغمية . إنها الموسيقى التي كتبت بفرشاة التلوين , أو بالأقلام الملونة , وربما أحيانا بالأصابع إما على النسيج أو على الورق.
- إن موسيقية أعماله تأتي من إيقاع تصويري لا يستند للإتجاه التقليدي , ولكنه بالفعل موجود , ويمكن إكتشافه في رسومه , وألوانه المائية , وأعماله من الأكريليك , في أعماله من الحجم الصغير أو الكبير: إنه التجلي الظاهري للترقي الروحي والنضج للفنان.
- في مرحلة مبكرة نسبيا , غادر فاروق مصر , بعد فترة قصيرة قضاهل فى التصوير المعتمد على المحاكاة , والذي مارسه كطالب , ثم بعد تخرجه من كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية , ليواجه أوروبا , للمرة الأولى في بلجيكا , ثم في فرنسا , وأخيرا- بعد عودة قصيره لمصر- في إيطاليا , بحماس الفنان الدائم البحث عن ذاتهوالمكتشف لها كم خلال خبرات مستجدة في بلدان مختلفة , وإحتكاك ثقافي , ومواجهات جديدة .
- كان فاروق دائما خلال ترحاله , يحمل معه المتاع الثري لعالمه الخاص , عالم مصر, كان مصحوبا بالألوان والقوي الحيوية لأرضه , بساعة الغروب وسراب الصحراء , بالمجرى المتقلب والسكن للنهر الخالد : هذا التراث الهام من الثقافة والمعتقدات منحه القدرة على الإحتفاظ بإستقلالية خاصة , وعلى إنتزاع شخصية واضحة في بانوراما الفن التجريدي , ليس فقط في مصر , بل أيضا في أوروبا , حيث شكل ذاته وأكدها.
- على مر السنين , ظل فاروق مخلصا لهوية تسعي لفرض الرؤية الغنائية للفن التجريدي , وكثيرا ما تخضب بأشكال غير محددة تعكس طبيعة ليست `مصورة ` ولكن أعيدت صياغتها في ثنايا الذاكرة : زرقة البحر الأبيض المتوسط , الأصفر الحراوي , اللون القرمزي لساعات الغروب , والليل بلونه البنفسجي.
- ومع ذلك , فاروق كإنسان وفنان , مر بمراحل إنفعالية مختلفة , انعكست في دوائر فنية متنوعة , يوحد بينهما : فجائية قوية , وطابع قلق يبدو مسيطرا , واستخدام خاص للألوان , تماما مثل فصول رواية حيث تتوالي الشخصيات , وتلتقي مجددا فى مواقف متنوعة .
- تتسم بعض لحظات فاروق بغياب اللون , اللون الذي يبدو - على عكس ذلك - شديد الثراء في تلك الحالة, يتجسد - كما هو- في أكثر الدرجات تنوعا للأسود والرمادي , اللذين يتعاقبان ويقطعان النسيج غدوا ورواحا , في لحظة أخرى يكون العنصر الجرافيكي مسيطرا علي التأليف : العلامه التذبذبة دائما , ملتفة , مسرعة , والتي تتحول فجأة إالى توقيعه , التوقيع الذي لم يعد مجرد علامة توثيق , ولكنه عنصر أساسي في العمل .
- تشتمل أعمال فاروق على أكبر سلسلة من الألوان , إذا نظرنا إلى مراحلها المختلفة , وفي سياق تطورها . ألوان الباستيل تتناوب فى بعض أعماله - خاصة أحدثها - مع إيقاعات لونية قوية , والأجواء النقية التي تنير بألوان تظهر فجأة , تستبدل بطبقات من الألوان أكثر حدة , أو بتخطيط أكثر وضوحا , أو بأسطح من الأصفر والأزرق والبنفسجي, حيث العلامة واللون يتبديان متواجهان ويتعايشان في وئام , لقد علمتنا التجارب أن لكل فنان مرجعياته في أعمال الفنانين الآخرين , سواء كانوا معاصرين أو من الماضي , وأنه في بعض الأحيان يشترك فنانون في خبرات متشابهة على الرغم من أنهم أتو من بقاع مختلفة , وحتى لم يعرفوا بعضهم , واختلفت البيئات التي عاشو بها , ولكنهم يصلون لنتائج متماثلة , بصرف النظر عن إعدادهم وثقافتهم . حتى ذلك الحين , من الممكن أن نلتمس لفاروق أسلافا وملهمين : من كاندنسكي الي تابيس وميرو , ولما لا نجده أيضا عند مدرسة فينسيا , ومؤخرا مدرسة الحوشية , سيكون هذا سهلا , لكن ليس مكتملا.
- إن كل التقديرات التاريخية والنقدية , القائمة على معرفة فعلية بأعماله , لا يمكن أن تتجاهل الروح الباطنة لفنه , العاطفة التي تدعمه وتنطلق منه , دفعة الحرية التي تسيره , إن الإحتياج الي التعبير عن الذات هو - بلا منازع - المادة الأساسية لإلهام الفنان.
- فاروق حسني فنان مثقف يعرف فن عصره , وهو فطري في نفس الوقت , ويوظف هذا كأداة يحقق من خلالها خصوصية أسلوبه في التعبير.
- إن عنف ألوانه , والطابع المتوتر لرسمه , تسمح له أن يدع مشاعره تحيا على النسيج , نفس المشاعر المتوارية في حياته , بموقف مقاوم وكابح لجمال النفس , خجول أحيانا , إذا ما تعلق الأمر بشخصيته الفنية.
- هو فنان عالمي , ينتمي لدوائر فنية متسعه ولكنه في نفس الوقت- ويظل دائما - فنانا مصريا يعمل علي نشر ثقافة وطنه وتطورها المستمر , يفعل هذا دون أن يتبع الطريق السهل للتوصيف , بل على العكس يقوم مفهوما لفن بلا قيود , تلك الجذور التي تتبدي بوضوح , وتعاود الظهور , فيما بين موجات التغير في الحركات والنزعات , وفاروق حسني لا يتهيب الإنطلاق مصورا حرا , ومبدعا وأصيلا.
كارمينى سينيسكالكو 1994
- كان حدثا غير عادي حين عرض الرسام الملون: فاروق حسني لوحاته اللاشكلية لأول مرة في قاعة السلام منذ بضعة أعوام كانت شيئا يختلف عن السياق الإبداعي الذي يغمر معارضنا منذ بدأت حركة التحديث علي يد السيرياليين في منتصف الثلاثينات, كان المعرض الأول للفنان في القاهرة بعد تخرجه في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية, وبعد غياب خمسة عشر عاما متوالية ما بين باريس وروما.
- كنا نعلم أن التلوين اللاشكلي ظهر في أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية ( 1939 - 1945) وشاهدنا نماذجه في المراجع والقواميس, لكننا لم نكن عايناه بين رسامينا الملونين أصحاب الإتجاه التجريدي . كانت لوحات فاروق حسني كالطيور الغريبة بين أعمالهم, إلا أنها إتسمت بالغموض والجاذبية والتأثير الطاغي الذي يثير الخواطر ويستنفر الخيال ويوحي بمالم يخطر علي بال. فإذا كان الرسم التجريدي لا يحاكي عناصر الطبيعة, وينأي عن كل مايمت إلي رموزها بصلةو فإنه يستند إلي دعائم أساسية أوصي بها الروسي: فاسيلي كاندنسكي, إلا أن فاروق حسني يلقي جانبا كل الضوابط ويدخل في عالم اللاوعي, تاركا القياد للعقل الباطن يفرغ مالديه من شحنة إبداعية فيما يسميه النقاد الغربيين الإرتجال العاطفي.
- بعد قليل من التأمل والموقف الجمالي المنزه عن الغرض وعن كل محاولة للتفسير العقلاني, نبدأ في إستقبال الرسالة التي تضمنها لوحات فاروق حسني اللاشكلية, نبدأ في الإستجابة للحلم الذي أودعه لوحاته كما تستجيب الأوتار بالإهتزاز أو الإرتجاف, كلما لمست أنامل العازف الفنان مفاتيح البيانو. والواقع أن العلاقة وثيقة للغاية بين اللوحات التجريدية والموسيقي, خاصة اللوحات اللاشكلية, فهي لا تصدر إلا عن قلب كبير وعاطفة جياشة ونفس صادقة, وذهن عامر بمعرفة موسوعية فوق كل شئ. ذلك أنها فن مرتجل دون سابق تصميم أو إعداد. ولكي تتضح العلاقة العضوية بين الإرتجال وكل من الثقافة والخبرة والمهارة وبراعة الأداء فالإرتجال يستلزم التمكن الكامل من أدوات الأبداع العادية والثقافية. والإرتجال أكثر صعوبة وتعقيدا من التلوين المسبق التصميم والتخطيط, خاصة في الإبداع التجريدي. فالرموز والإشارات التي يحفل بها, تنبع مباشرة من مخزون العقل الباطن كما أسلفنا القول, مما يفرض شحنة من الدراية بالقراءات والتجارب والخبرات والإلمام بما يجري في الثقافة المحلية والعالمية, من هنا تتضح أهمية ما يتصف به فاروق حسني من إتقانه عدة لغات يقرأ بها آداب شعوبها, فضلا عن أسفاره المتوالية إلي معظم بقاع العالم. ويستطيع المتلقي المثقف أو الذواقة أن يتبين هذه الجوانب الحضارية في لوحاته اللاشكلية.
- لقد شاعت اللوحات التجريدية في معارضنا في العقدين الأخيرين, وإقتحم مضمارها دخلاء علي الفنون الجميلة تحت مسمي الفنون التشكيلية. وازداد الأمر سوءا بعد رحيل الفنانين الكبيرين: رمسيس يونان ( 1913 - 1966) وفؤاد كامل ( 1919 - 1973) ولم يبق علي الساحة سوي الرسام الملون صلاح طاهر وصاحب لوحات الكولاج الشهير: منير كنعان , وهما من التجريدين الكلاسيكيين. ثم فاروق حسني الذي انفرج الستار عن لوحاته اللاشكلية في مطلع الثمانينات, لتسجل قفزة جديدة في دنيا التجريد المصري الحديث.
- إن التجريد لغة جمالية مرئية بزغت شمسها في مطلع القرن - كما قال كاندنسكي - ولكنها ستعايش الرموز التشخيصية في أعمال الرسامين علي مدي قرون قادمة في توافق استطيقي, حتي تختفي الرموز الطبيعية في النهاية, وتفسح الطريق للألوان والخطوط والملامس والتكوينات, لتصبح لغة جمالية مرئية, شأنها شأن الموسيقي التي هي لغة جمالية مسموعة وإلي أن يتم هذا التحول, سيبقي التعايش الأستطيقي دائما بين التجريد والتشخيص, ويستمر المتلقي في البحث عن ترجمة تشخيصية للوحات التجريدية, حتي يتمكن من إتخاذ موقف جمالي منزه عن الغرض, موقف يتسم بالمتعة العقلية والروحية, متعة عقلية قوامها الخيال والصور للمنظومات اللونية والملامس والخطوط , , وأخري روحية تتجسد في الرجفة التي تعتري الذواقة المرهف الحس, حين يوجه جمالا علويا لا يوصف بالكلمات الشعرية أو بالأنغام الموسيقية, لأنه لايكشف عن سحره إلا من خلال الشكل المرئي وتعجز عن وصفه أي لغة أخري, واللوحات التجريدية الإرتجالية التي يبدعها فاروق حسني تتضمن الكثير من هذه السمات, فليس أصدق من أن تطلق لعواطفك العنان بلا حسيب أو رقيب, وهذا بالضبط ما يفعله فاروق حسني حين يزيح الصمام عن الشحنة الإنفعالية في عملية إسقاط فوري للألوان والخطوط والملامس تستغرق مساحة من الزمن أو أكثر أو أقل. تنتهي اللوحة حين ينتبه من غيبوبته الإبداعية, فإذا انتبه قبل أن يفرغ كامل الشحنة العاطفية, تخلص من اللوحة علي الفور, وإلي غيرها حين تتوفر الإثارة الكافية لإبداع جديد.
- قد يتصور البعض أن فناننا لايقول شيئا خاصا من خلال رسومه وألوانه, إلا أن اختلاف المذاق بين عمل وآخر وتغير الجو النفسي, وتراوح الشعور بين البهجة والحزن من لوحة لأخري, يؤكد أن الفنان يهمس لنا بأشياء يبثها في أرواحنا وليس في آذاننا, وإذا خطر ببالنا أن التجريد اللاشكلي الصادر عن العقل الباطن مجرد عبث, فالعبث عند كبار المثقفين ورجال الفكر والفن, له أعماق ومضامين.
- لقد انتقل رسامنا الملون فاروق حسني من الأكاديمية التقريرية التي كان ينسج علي منوالها منذ تخرجه في كلية الفنون الجميلة, إلي الموقف الجمالي المناقض لها علي خط مستقيم, تبدو هذه المفارقة بوضوح, إذا تأملنا لوحة القوارب علي شاطئ الأنفوشي بالإسكندرية, وإبداعاته الجمالية اللاشكلية, التي إنتظمت جدران قاعة مركز الهناجر للفنون في ديسمبر 1992.
- بدأ الانتقال اللاشكلي عند فاروق حسني دون أن يدري, كان احتياجا إبداعيا أراد به أن يصور أشياء لايمكن رسمها وتلوينها بالطرق التقليدية, التي يعتمد علي محاكاة عناصر الطبيعة المرئية, التي تشكل قيود فناني السنوات الختامية للقرن العشرين, فكل المعنويات - والجمال من بينها - لا يمكن تجسيدها إلا بالرمز والإشارة ولقد إستشعر فاروق حسني مثل هذا الجمال الذي يستعصي علي الكلمات والأنغام, ذات صباح من عام 1969, حين هبط علي أوروبا لأول مرة, واكتحلت عيناه بضروب من المشاهد التي لم يعهدها من قبل. إشتعل خياله لمرأي السحب والجبال والأشجار والأزهار التي تتوزع في كل مكان. وإجتاحته رغبة للرسم والتلوين لكن أين هو الأسلوب الذي يستوعب كل هذا السحر والجمال وينقله إلي الورق؟ كان كالظمآن الذي يريد أن يشرب النهر كله!
- ومن فوق ربا جبل ((مونت بللو)) في جنوب فرنسا, شرع يرسم ويلون جمالا لا يعرف كيف يحتويه بالألوان والخطوط, لم يصور مايراه من مناظر طبيعية من حوله, بل مايراه داخل نفسه, كان كالطير الذي وجد نفسه فجأة خارج القفص فانطلق لا يلوي علي شئ. وخرجت الألوان من طرف فرشاته لترتمي تلقائيا علي صفحة الورق وارتاحت نفسه إلي ما أبدعت يداه, ولمس فيه صدي مشاعره وحيوية إنفعاله, وأدرك أنه وصل إلي الإنفراج الكبير وأصبح جزءا من عالم جديد, ورأي فيما وضعه من ألوان شيئا مما يحيطه من جمال مطلق وعظمة كونية.
- هكذا نبع أسلوب فاروق حسني من ذاته. إستجابة لمثيرات طبيعية في البيئة من حوله, تثيرها ثقافة تجمع بين الفن والأدب والفلسفة, وتضفي عليها مضمونا إنسانيا, وتضع أمام أعيننا دليلا ملموسا علي أن صدق الفنان, هو الفيصل في الحكم علي إبداعه, ولقد تأكد هذا الزعم حين فازت أعماله بالجائزة القومية سنة 1972 من بين 45 دولة في مهرجان ((كاني سورمير)) المتخصص في مسابقات الرسم الملون.
- من هذه التجربة التي خاضها الفنان فوق رباجبل ((مونت بللو)) في جنوب فرنسا وإنتقلت بإبداعه, من الواقعية التقريرية إلي اللاشكلية, يمكن القول بأنه ينتمي في إحدي زواياه إلي نظرية الرسام الملون السويسري: بول كلي ((1879 - 1940)) الذي طرح فكرة أن الرسام يشبه ساق الشجرة, الذي يصل بين جذورها وتاجها بما يحمل من أوراق وزهور وثمار, فكما تمتص الساق عبر جذورها عصارات التحول في أعلاها إلي أشياء تختلف تماما عن الجذور, كذلك الفنان, يري من حوله في البيئة عناصر تتحول في لوحاته إلي أشكال مغايرة.
إن فاروق حسني يطرح معايير فنية جديدة لم نعهدها من قبل, مرتبطة بموضوعات لم يكن لها وجود واضح في فنون النصف الأول من القرن, إلا أننا نشعر بها في بعض الكلاسيكيات الكبري, علي شكل خروج ملحوظ عن المألوف, كما في روائع مايكل أنجلو (1475 - 1564) في سقف كنيسة سيستين بروما, حيث حطم المنظور والنسب والحركات الطبيعية, وهو الذي يضرب به المثل الأعلي في الأسلوب الأكاديمي ومقنن معاييره الصارمة. وإذا كانت لوحات فاروق حسني تطرح معايير جديدة للجمال - شأن كل اللاشكليين - فمازالت تحتفظ بالنضارة والحيوية والإثارة والجاذبية. وهي الأيعاد الأساسية للإبداع التجريدي الذي لا يعتمد في تحقيقها علي الموضوعات التشخيصية كالمناظر الطبيعية والتكوينات التاريخية, أو التنظيمات الهندسية التي تثير المتعة العقلية, ويرجع إحتفاظ لوحات فاروق حسني بالحيوية والحركة الكامنة, إلي أن مبدعها يستجيب لنداءات البيئة من حوله ولا يختلقها أختلاقا داخل جدران الاستوديو, قد يثيره لون في حقل أو شجرة أو زهرة, أو أي شئ يجتذب إنتباهه, فينسج من حوله خيالا تصويريا يسارع إلي إسقاطه بالألوان علي أوراقه, مفرغا الشحنة العاطفية الإنفعالية التي ألمحنا إليها سلفا, لذلك مازلنا نسمع همس الطبيعة من ثنايا ألوانه ومساحاته اللاشكلية, فهي تجريد شاعري لأنه ينسجها من الخيال. وصور متيافيزيقية سيريالية من حيث أنها تنبع من العقل الباطن كالأحلام .
- إن ما يرسم ويلون بالتصميم المسبق ندركه بالعقل والمنطق مهما كان مجردا, وماي رسم ويلون بالعاطفة والانفعال , ندركه بالتجاوب الروحي والموقف الا ستطيقي المنزه عن الغرض, وهو ما ينبغي لنا أن نفعله حين نلتقي بلوحات: فاروق حسنى
مختار العطار 1993
ـ انه رائد الفضاء ذو رؤية تجريدية يهيم عبر المجرات والفضاء اللا متناهى يرى الأفكار والأحاسيس والشكل المطلق واللون الخالص وإذا كانت الطاقة التى تصاغ منها الأشكال نابعة من نزواته المزاجية الخاصة يظل فى تلك الأشكال شئ موضوعى كما لو كانت تلك الطاقة مزيج سحرى من الطبيعة والثقافة كما هو الحال فى حيوية هارتنج المستقلة .
الناقد الفنى / كارمللو سترانو
مجلة أركا الدولية 1995
تسرى ألوانه فى الزمن
- التقى جمع المشاهدين على الحب فى معرض الفنان الوزير فاروق حسنى .. لرؤية لوحاته جديدة الإنجاز .. والتأمل فيها .. والتعرف على إنتاجه المفجر للحداثة .. بين الأوساط الفنية .. الشعر .. الأدب .. التشكيل .. المسرح .. الموسيقى .. الرقص المتنامية فى عصره .
- لقد شكل فاروق حسنى ما ينبغى أن يكون عليه .. حيال تقاليد الفن الحديث .. هذا الذى تعلمه مبكرا .. فى كيفيه مقاومة قواعد وأعراف فن التصوير الاكاديمى .. الذى تعلمه فى كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية .. فى بداياتها الأولى .. ناظرا فى كل اتجاه .. باحثا عن النقطة المناسبة للانطلاق .
- أثارته أول الأمر المثالية البسيطة .. والخطوط الرقيقة .. غاية فى الحساسية للفنان بول كلى Paul klee عام ( 1879 – 1940 ) .. ثم نزع إلى التفكير فى الأعمال التكعيبية النادرة .. من صنع الفنان بول سيزان Paul Cezanne عام ( 1839 ـ 1906 ) وأيضا أعمال الفنان بابلو بيكاسو Pablo Picasso عام ( 1881- 1973 ) وجورج براه Georges Braque عام ( 1882 – 1963 ) .. ولكنه انحاز بعض الشيء إلى ارتجاليات الفنان فاسيلى كندينسكى Wassily Kandinsky عام ( 1866 – 1944 ) التجريدية ..
- وكان هذا التمرد المتنامي عند الفنان فاروق حسنى واضحا .. يفسر هذا .. التحرر والاستقلال فى أعماله الأولى الخالية من كل تقاليد الفن القديمة .. التى تنحو إلى النزعة التجريدية .. التى كان لها دور كبير فى تنشيط الحركة الفنية العالمية .
- كما كانت إصدارات علم الجمال المنبثقة فى تلك الفترة .. قد أثرت بأسلوب فعال فى اتجاهه التجريدى إلى حد بعيد .. المتجانس مع وجهات النظر العالمية المتنوعة .. بين أفكار علم النفس .. والفلسفة .. والأخلاق .. والسياسة ..
- ويرجع سبب صعوبة تقبل الأسلوب التجريدى على البعض .. والإقبال على تذوقه .. والإبحار داخله .. إلى عدم تحديد طبيعة التجريد باحكام على وجه الدقة..كالأساليب السردية الواقعية..هذا بخلاف الأسلوب التكعيبى الذى كانت عناصره وأشكاله واضحة .. والمعروفة مسبقا .. مع اكتشاف مكنون معانيها التشكيلية المنطلقة منها .. أما الأسلوب التجريدى .. فلم يفرض أبدا قواعد أو أشكال .. أو أعراف منهجية جديدة . انه باختصار فن يميل للفلسفة ..وأفكار علم النفس .. كما انه حركة تلقائية عفوية .. تنزع إلى الانفتاح .. والتحرر حيث أن أول أساسياته .. رفض كل مبدأ .. وتعاليم من أى نوع .. فالفنان هنا يفضل ذلك .. عن محاولة تحديد معان محددة .. وموضوعات واضحة .. تعنى التشكيل .
- وهكذا أخذ الفنانون التجريديون .. ومن بينهم فاروق حسنى فى البحث بحساسية .. ومشاعر ملتهبة من أجل تجسيد تجاربهم الذاتية بأى طريقة .. لتصبح فى النهاية ذات معنى . ولذا نرى الفنان يعقد العزم على تجنب الرسوم الزخرفية التى يجيدها .. أو أى شئ يعطى أسلوبه التجريدى مهارة .. ومعالجة فنية بارعة .. تحمل أحد المعانى الأدبية .
- وبالتالى مال وتاق إلى أن تبتعد أعماله التجريدية الخالصة عن المضمون والموضوعية .. إنها إرادة فاروق حسنى لمعرفة هدفه من خلال إنتاجه .. لإدراك فلسفة رؤاه المتعلقة بحالته النفسية والجسدية حين ابداعه العمل الفنى بالإضافة إلى فكره وثقافته الفنية . ونتيجة لتنوع جماليات التجريدية .. وايجاباتها المستقلة المبتكرة .. والشخصية المتنوعة لكل فنان على حدة .. إلى أبعد الحدود .. لذا نجد فاروق حسنى الفنان .. قد ابتكر أساطيره الخاصة .. التى نراها كثيرا فى أغلب لوحاته .. بعيدا عن استخدام بعض أساطير الحضارات القديمة المتعاقبة .. ولكننا نشعر من حين لآخر ببعض التعبيرات ذات العلاقة البعيدة بتلك الأساطير المترابطة مع طفولته .
- وكان تعامل فاروق حسنى مع الطبيعة .. يتساوى مع الكتابة بالشفرة .. وخدش بعض الرموز .. كما أدخل فى حساباته الجمع بين اهتمامه بالمضمون .. مع إحساسه بالعلاقات الغامضة بين الأشكال الحية وألوانه الصافية ..المجدولة مع خطوطه الرهيفة المتفردة .. واعتماده على الألوان التى تسرى فى الزمن .. والتى ينبغى أن تحتفظ بالإشراق الضوئى على السطوح الأساسية للوحاته .. المتدفقة بحنان .. أما دوافعه .. نحو التجريد الخالص تلزمه بموازنة مرهفه .. تبدو بشكل عام فى أغلب .. لوحاته .. المصاغة بعناية .
- باختصار شديد لوحاته جميعها .. توحى بأرض الحضارة مصر أراد أم لم يرد .. وذلك للرؤى المتراكمة داخل عقله الباطن وخصوصا بعد أن أصبح وزيرا للثقافة .. وصار الكم الوافر الغزير من الحضارات المتعاقبة .. بين يديه .. يشاهدها ويتأملها عن قرب .. بالإضافة إلى الطبيعة المصرية وأضوائها الساطعة .. المتأثر بها بطريقة غير مباشرة لذى ألوانه يغلب عليها البهجة بالرغم من استخدامه بعض الألوان الداكنة التى تساعد على بريق ألوانه ..
- واحتضانه الصحراء كفضاء رحيب وخصوصا فى صوره المسيطر عليها اللون الاصفر الأوكر أو الطوبى .. وتتمتع الألوان الزرقاء الكوبلتية بالغلبة والعمق والاتساع فى صورة الموحية بالبحار المحيطة بألوانها وشفافيتها .
- وبدل ما كانت تطغى الأمواج وتطفوا على سطوح صوره الماضية .. اصبح السكون .. والإيماءات الصامتة .. تضفى الاحساس نفسه .. ولكن بصوره عليا .. نتيجة الاختصار والاختزال المحبب لنفسه .. والتى تغرى بحالة نفسية من التصوف والتأمل الروحى .
- فإذا دققنا فى لوحاته نجده أول الأمر يضفى على كل مسطح لوحاته .. لونا محايدا ـ رماديا .. غامقا .. أو فاتحا ـ إذا صح التعبير .. يمزج عليه خياله الرومانسى .. مستدعيا بعض رموزه ومفرداته الشبيهة .. بالمثلث .. أو الهرم .. والأقواس الموحية بالأهلة المنبثقة فى اوائل الشهور الهجرية .. وبعض المصطلحات المتفق عليها فى جميع أنحاء العالم .. كعلامات الاستفهام والتعجب .. والاكس اللاتينية ( × ) .. التى تحمل معان عديدة .. بالإضافة إلى التهشيرات الدقيقة .. والخربشات المستقيمة والنقاط المتناثرة .. المتفرقة أو القريبة من بعضها .. والتى تحمل نوع من بذر بذور المحبة .. الحميمة .. النابتة لمشاعر الكرم .. والصدق .. وتوازن التكوين عند الفنان .
- وإذا خط خطا .. أو رسم قوسا .. فى أى اتجاه .. فانه عادة يقطعه بخط عمودى .. حتى لا يجعله منفصلا بذاته فى فضاء اللوحة.. واذا لون مساحة تعّم اللوحة .. فأنه ينوع بتلقائية بروزا فى أحد الجوانب .. أو يغوص فى أغواره بعمق يظلله بلون متباين .. مع أن كل خطوطه وألوانه تظهر من داخلها الحركة الكونية برعشاتها واهتزازاتها .. وتوتراتها .. وارتجافاتها المتفاعلة مع الشكل العام للصورة .
وفى هذا المعرض القائم .. لاحظت بعض المفردات الجديدة التى لم يتناولها من قبل .. والتى تثرى العمل .. وتكثف التأمل .. وتغرى على التساؤل .. وهى الخطوط السميكة المعوجة .. باستقامة .. أو المعقوفة الشبيهة بالقواقع الحلزونية .. والخطوط المتجاورة الشبه متوازية .. والمساحات الرهيفة .. بألوان الباستيل الزيتية .. المتفاعلة مع الألوان المصاحبة انه فى الحقيقة يكتشف دائما تكوينات لونية وشكليه لم نشاهدها من قبل كما أن اختصاره الشديد فى تلك المرحلة .. للخطوط والألوان .. تعد نقله جديدة إلى آفاق بريحة .. وفراغات هائلة .. يغزوها من كل جانب .. فهو لم يترك خطا مستقيما أو منحنيا .. أو مهترئا .. إلا وقد وصله بخطوط وتشابكات أخرى وألوان متغايرة .. وكأنه يعكس الشحنة الموجودة فى كيانه .. وعقله الباطن على السطح المستوى البسيط .. تتفاوت سعته .. مع استقبال الشحنة .. وكأن افراغ الطاقة يتطلب لوحه أو أكثر.. حسب قوتها .. وقدرته على الاستجابة .. والتحاور .. والتفاعل معها . وبعدها يتمتع .. بالراحة والمتعة .. ليعاود استقابل طاقة شحنة جديدة .. توتره عدة أيام .. لحين نضوجها .. ليعكسها على مسطحات أخرى .. وهكذا تتوالى .. بين السكون والحركة .. وقوة الانفعال .. والاستجابة السريعة أو البطيئة حسب الحالة العامة .. والمزاج الخاص بالفنان .
- وفى أثناء الإبداع والخلق الفنى .. يترك فاروق حسنى الماديات خلف نطاق الوعى والادراك .. مؤكدا على أهمية الانطباعات الذهنية .. لاستكشاف القوى المعنوية فى المشاعر والأحاسيس نحو المطلق والمجهول .
لقد اصبح فاروق حسنى بتجريداته الفريدة .. متميزا بين أقرانه من الفنانين فى مصر والعالم .. ببصمة تفرقه عن غيرة .. كذا أثر تأثيرا وفيرا على مشاعر الفنانين وخصوصا الشباب .. عما يرونه من جرأة جسورة فى تناوله للخط .. والمساحة .. واللون فى جميع أعماله .. مما جعل البعض فى محاكاته .. وتقليده ..
- وكما تقول الناقدة الإيطالية لورنزا تروكى Lorenza Trucchi : ` وقد توضع لوحات الفنان فاروق حسنى فى بؤرة فنية توصف أحيانا على أنها تعبيرية تجريدية .. أو اللاشبهية .. والتى تحوى أشكالا لا تعبر عن جزيئات فى واقع مرئى أو التى يتلمسها المرء بحواسه .. هى التلقائية .. والعشوائية .. والفرصة .. والمصادفة .. والدوار .. والمباغته .. هى العلاقة بين اللاوعى وعناصر غريبة تتآلف متناقضة .. وفى الواقع ما هى إلا اكتراث حفى بفكرة الفورم أو التكوين اللاموجود أن يتجلى فى الواقع .. وهى أيضا ظاهرة فراغية تفرض ذاتها فى إنتاجه الحديث .. والذى تميز بظهور أشكال وعلاقات رامزة لمفردات لغة تفردت بألوان أحادية ذات طابع تركيبى أو تحليلى .. أن جاز القول .. أن إبداعات فاروق حسنى ما هى إلا تفاعل بين البساطة والوضوح يعكس نفسية تنشد جوانيه عميقة .. ومطلقا مكثفا ` .
محمد حمزة
فاروق حسنى يعود بقوة للرسم ويعرض 27 لوحة فى معرض جديد .. يعمد إلى التجريد مستخدماً خامة الاكريليك
- افتتح وزير الثقافة المصرى الفنان فاروق حسنى معرضه السنوى فى العاصمة المصرية القاهرة مساء أمس الأول وضم المعرض 27 لوحة تجريدية مرسومة بخامة الاكريليك خلال عام 2009. - وامتلأت اللوحات بالإيقاعات والرموز التى يحرص عليها فاروق حسنى فى أعماله كالدوائر والمثلثات والمربعات والشكل الهرمى وتسيد اللون الأسود معظم اللوحات وان كان هذا لم يمنع وجود ألوان أخرى على سطح اللوحات تكشف عن دلالات يقصدها الفنان فى معظم أعماله مثل الأخضر والأصفر والأزرق وهى الألوان المفضلة فى تجربة فاروق حسنى الفنية . - وقال فاروق حسنى إن معرضه الحالى يختلف عن جميع المعارض السابقة بحكم انتخابات منظمة اليونسكو التى خاضها خلال عام 2009 وجعلته يكاد يبتعد عن الرسم، حيث لم يكن هناك أى وقت للرسم ولا اللوحات ، وربما رسم لوحة او اثنتين على الأكثر وعندما انتهت الانتخابات بحلوها ومرها عاد للرسم بقوة وأنجز أعمالاً جديدة وتمثل لوحات المعرض الحالى خطا وأسلوبا جديدا فى مسار تجربته الفنية خاصة أنه حريص على إقامة معرضه السنوى فى يناير من كل عام وتقديم أعمال فنية مختلفة على مستوى الشكل والمضمون . - وأضاف أن أعمال المعرض تسير فى الخط التجريدى وبعضها يميل إلى التعبيرية التجريدية ، ويعتقد أنه يقدم اعمالاً مختلفة عما سبق تقديمه فى معارض سابقة ، وشعر بإحساس الانتصار فى كثير من اللوحات خاصة أن أكثر شئ يسعده عندما يرى العمل الفنى مكتملا مع ما بداخله ويشعر وقتها بالتصالح مع ذاته .وأكد فاروق حسنى آن المشاعر هى التى تختار ألوانها ، واللون الأسود على سبيل المثال لا يراه لونا واحدا لكنه مجموعة من الألوان والمشاعر تخرج فى لحظة واحدة ، واللون الأسود الذى اكتست به معظم اللوحات يراه لونا احتفاليا فالمساحة هى التى تحدد اللون والأسود لون له شخصية مهمة وحضور.
زين إبراهيم
الاتحاد - 2010
معرض فنى لأعمال فاروق حسنى
- يضم المعرض 28 لوحة من أحدث أعمال حسنى أنجزها خلال العام الماضى ويغلب عليها هذه المرة اللون الأصفر منها 21 لوحة ` أكريليك أون كومبت ` و 7 لوحات ` أكريليك أون بيبر ` أشار فاروق حسنى إلى أن اللوحات يمكن فهمها فى اطار تجريدى كانعكاسات لظواهر مرئية مثل المبانى والمناظر الطبيعية أو الفضاء الخارجى .
- كان المدير الفنى لدار دافينشى بييرو مينداريس - قد علق بأن الفنان فاروق حسنى يعد فنانا معاصرا غارقا فى المحلية ، بينما أشار بيتر مارزيو مدير متحف الفنون الجميلة بمدينة هيوستن الأمريكية إلى أن أسلوب حسنى تغير تدريجيا من الواقعية فى بداية مشواره ، حيث كان مولعا برسم البحر والطبيعة ، وبدأ يقلل من استخدام الرموز والأيقونات.
- اختارت مجلة ` الفنون الجميلة الفرنسية ` الفنان فاروق حسنى واحداً ضمن سبعين فنانا عالميا يقودون حركة التشكيل العالمى ..وهذا خبر مهم للغاية وفيه اعتبارية وفخر لكل فنان مصرى وعربى .. وقد ذكر الفنان خلال حواره أنه عندما قرأ الخبر لم يصدقه وأثار عنده تساؤلا حول معقولية أن هذه المجلة استطاعت الوصول إلى كل فنانى العالم ..أم أن الاختيار اعتمد على قدر من الاختيار العشوائى خاصة لاعتقاده بأن الفنانين الذين يقودون الحركة التشكيلية فى العالم لا يقل عددهم عن مائتى فنان وليس سبعين .
- هذا الاختيار الذى يضم لأول مرة فناناً تشكيلياً مصرياً فيه تأكيد لمكانته الفنية والعالمية ولحركة التشكيل المصرى ذاتها..
- وبينما هذا خبر مهم ، هناك أيضا حدث مهم بإقامة الفنان فاروق حسنى لمعرضه السنوى الذى افتتح أمس الأول ويستمر حتى نهاية يناير ..ورغم أنه حدث سنوى اعتدنا عليه إلا أن أهميته جاءت من ظروف إقامته بعد عام مشحون فى الاستعدادات النهائية لانتخابات اليونسكو الشرسة وما كان لها من تأثير ضغط وقت وأعصاب لم يمكن الفنان من دخول مرسمه كما اعتاد ورغم هذا أقام معرضه فى موعده بعرض أحد وعشرين لوحة أكريليك على ` كانفاس` وسبع أخريات على ورق .
- المعرض الحالى مهم كاستمرار لمرحلة امتدت سنوات طويلة ولسنوات أتابع مراحل ولوحات ونقلات الفنان فاروق حسنى شاهدت فيها المئات من اللوحات وبعض النقلات الفنية لأجد أن أقوى مراحله وأكثرها طاقة وقوة لوحات مرحلة ` الأسود والأبيض` أوائل الثمانينات والتى أراها علامة مهمة وأساسية فى رحلة الفنان لا يمكن نسيانها ويمكن القول إنها كانت على ذات طاقة وشحنة لوحات أهم فنانين تعاملا مع الأبيض والأسود وهما فرانز كلاين` و ` روبرت ماذرويل ` مع اختلاف هيئة ولون الأسود وطقس حضوره لدى كل الثلاثة.. وقد قادت هذه المرحلة الفنان فاروق لأروع لوحاته المميزة بتقاطعات ` الكروس ` ` حرف X والتى فيها بدا متتبعا أثر قوة الفرشاة الروحية لفكرة الرفض وتتبع أثار زوايا التلاقى وما تحدث من موجبة رؤية وسالبيتها بين المرئى واللامرئى .
- ثم سرعان ما ترك هذه المرحلة الشديدة بطاقة فعل الرفض كفعل إيجابى ليدخل بلوحاته إلى مجال ` طاقة الحركة ` بلوحاته الجدارية التى أقام لها عرضاً جباراً عام 1994 فى قاعة اخناتون بالزمالك والتى بدا فيها كرجل يتتبع فى جرأة آثار المكان وأثر المجال المغناطيسى للإنسان على مسطح المكان وتشكيله كذلك وما لطاقة الجسدى الفيزيائى فى تلاقيه ومادة الرسم الأكريليكية الأرضية ..وهذا يجعل من فاروق حسنى أكثر عمقا ورؤية مما وصفه به نقاد الغرب من أنه فنان يرسم الشمس والضوء والبحر والصحراء المصرية .
- ومرحلة الجدارية هذه لا يمكن نسيانها أو المرور عليها سريعا رغم ما تبعها من معارض كثيرة ..إلا أنه سرعان ما ترك هذه اللوحات المرحلية الجدارية لتصبح مجرد لوحات عابرة لم يذهب فى عطائه فيها لمداه ولتقتصر أعماله على اللوحات بين الصغيرة والكبيرة نوعا لكنها ليست كالمساحات الجدارية المتأججة ..
- وسرعان ما ترك فاروق حسنى أهم علامتين فى حياته الفنية ولم يستكمل بحثهما الفنى ..وأعتقد أن أى فنان كانت تكفيه إحدى هاتين المرحلتين ليقيم فوق إحداهما بنيانه الفنى بالاستمرارية البحثية ..
- لكن توالى معارض سنوية جعل الفنان لوحاتها ساحة وحقل لون لم يكن يدع وقتا فيها للمشاهد بالتقاط أنفاسه بين عطاء معرض وآخر ولم يدع لنقاد الفن فرصة تقيم ما قدم سلبا أو إيجابا فاقتصرت الكتابات على أخبار ليلة الافتتاح .
- ومنذ ذلك الوقت أى خلال مرحلته الأخيرة الطويلة أتم الفنان مئات اللوحات منها العشرات أو ربما أقل بدت لوحات مهمة وفارقة فى عرض بحثها وكان يمكن أن يقام فوق أى منها بحث فنى عالمى حداثى الرؤية حول فكرة الكونية أو الطاقة أو الحركية أو الهندسية الرياضية ..إلا أننا كنا نفاجأ فى العرض التالى بذوبان هذه الرؤية أو ظهورها مكررة فى شحنة تناولها مع اختلاف المعالجة ..وهذه العشرات من اللوحات التى تستحق البحث من وسط مئات ` وقد بيع معظمها ` لا يمكننا أو يمكن لأى ناقد الإشارة إليها أو تخصيصها حتى للاستدعاء الذهنى لدى القارئ فى بحث أو مقال ، ذلك لأن الفنان مقتنع تماما بأن يترك لوحاته بما لايشير إليها من علامة مثل ` تجريد رقم 7 ` مثلا أو أى رقم مجرد ..وهنا جعل الفنان كل لوحاته تتساوى ..إن أراد ناقد أن يحلل عملاً مهماً بماذا يشير إليه ..أو يقارن باحث عن أسباب التطور أو التحول إلا أن يقول ` لوحة لفاروق حسنى ` فما هى هذه اللوحة؟ ..وما خاصيتها وأهميتها ومكانتها أو مكانها فى تاريخ الفن ؟ ..وهذا يشبه تماما ما سمعته وما سمعه آخرون من أن يأتى أحد مقتنى لوحاته ليقول : ` أنا عندى لوحة لفاروق حسنى `..أعتقد أن هذا يختلف قيمة ورصدا عن مقتنى لوحات يقول أنا عندى لوحة ` تجريد 2 ` مثلا لفرانز كلاين هنا تستحضر اللوحة إلى الذهن مباشرة بكل تفاصيلها وتاريخها ومكانتها فى مسار كالاين الفنى ..كما أن متحف الفن المصرى الحديث لديه ` لوحة لفاروق حسنى ` لكن ما هى هذه اللوحة ..لا شئ منها إلا أبعاد أطوالها وعام لرسمها بين أى فنان عالمى يؤرخ ويوثق لأعماله وتكون له إدارة كاملة للتوثيق يقول مثلا لوحة `كذا ` من مقتنيات متحف ` كذا ` أو ` عند ` فلان ` منذ عام كذا ..
- إن لم توثق اللوحات وتعطى هويتها بعلامات أو أرقام خاصة والكثير منها مباع سيأتى زمن تغفل وتغفل معها نقاط ومراحل تحولية فى رحلة الفنان ..وقد أشرت لهذا من قبل فى مقالات نقدية حاولت الاستشهاد فيها بلوحات لها سمة تحولية فى أسلوبه ورحلته الفنية ثم سرعان ما أجد الخيط انقطع مع المعرض التالى وظهرت لوحات تبدأ من جديد والبعض من لوحات الفنان فاروق حسنى مهمة للغاية وحملت ملامح فلسفية أو رؤية كونية أو رياضية أجد أنه ليس من العدل أن تكون هذه اللوحات ذات السمة العالمية الرؤية جماليا فى بعضها تصبح كغيرها لا يمكننا الإشارة إليها واستحضارها برقم أو علامة وهناك ملايين اللوحات على شبكة النت ..كيف يمكن استحضار لوحة معينة لفاروق حسنى دون أن يكون لها مفتاح علامة ؟ ..وأنا الآن أواجه هذا المأزق فقد شاهدت فى معرضه الحالى لوحات مهمة وهى امتداد لمرحلته الأخيرة الطويلة ولا يمكننى الإشارة إليها بأى علامة كى يتابعها المشاهد حين زيارته المعرض ..وهى لوحات أراها مرتبطة ومتنامية لرؤية رياضية ذهنية تعمق فيها أكثر عن معرضه السابق فى لوحتين أو ثلاث ولا يمكننى أيضا الإشارة بعلامة تميز تلك اللوحات المعروضة حاليا ولا تلك السابقة التى ربما بيعت ولم ترصد وبذلك كيف يمكنكم متابعتى فيما يخص لوحات المعرض الحالى وسابقه ؟
- وهذا الامتداد الذى لاحظته فى ثلاث من لوحات هذا العرض استمرارا لسابقه أتمنى أن يستمر الفنان لرفع لوحاته الفلسفى الرياضى فى هذا الاتجاه وألا تختفى سريعا مثلما تستمر لوحاته بدفع ثقافته وخبرته الفنية الجمالية فى بناء اللوحة .
- ومن جانب آخر بدأت أرى فى السنوات الأخيرة خاصة مؤخرا أن الفكرة الجمالية الفلسفية لم تعد تستحوذ على عقل الفنان فاروق حسنى كالسابق بل أصبح العقل يستحوذ على فكرته الجمالية ..
- ولأجد خطا بين مثيل من لوحات معرضه السابق والحالى ذات صلة متنامية للفكر الرياضى سأذكر لكم سريعا للربط ما ذكرته عن تلك اللوحات فى معرضه السابق كجزء من رحلته شديدة التركيب الداخلى حتى أصبحت كياناً معقداً يحمل تعقيدات عصرنا الكونية ومؤثرات وملامح هذا العصر فى لغة لو اتبعها المتأمل الجاد أو الباحث لوجدها تربط بين الرياضيات والتجريد داخل نطاق فلسفة عصرنا ..وأيضا تعكس بلغة الفيزياء الرياضية الحديثة فكرة الحيز الفضائى ..وقد قصدت الرياضيات فى مستواها الأعمق التى لا تبحث فى الأرقام لكن تبحث فى العلاقات بين الأشياء والأبعاد وحين تستعمل لإدراك المكان أو المساحة فإن كل هذه العلاقات فى الفضائى تبدع لغة هندسية غنية نقية لكنه فى الواقع هو تحول تجاه افكار عن المكان والمساحة طبولوجيا وهندسيا التى تكشف وتضغط خطوط المساحة وتضاعف من اتصالاتها ومنحنياتها وحدودها الفاصلة والأبعاد ..ومرة أخرى تجاهل كثير من النقاد الغربيين ما لديه من حيز فضائى معقد بصريا ..وأرى هذا فى بعض لوحات معرضه الحالى أو عناصر منها وليس جميعها كأن لوحاته تظل محتفظة بتلك الطاقة الرياضية التى ظهرت كمجال يحدد العلاقات والأبعاد بين العناصر فى لوحاته ..والفيزيائيون يصفون العالم بقولهم إن كل شىء صنع من الطاقة ..وهذه الطاقة تجعل هناك اتصالاً بين كل الأشياء معا لأن جميعها يتحرك داخل دوامة من الطاقة ..وللفنان فاروق لوحات أراها تعمل داخل حقول طاقة تبادلية ..ولوحات تعمل على تجريد طاقة بنبضات عفوية داخل فضائيات تسبح فيها جزئيات من البقع اللونية ..كذلك تحدد مسار كثير من أعمال أبعاد وعلاقات هندسية لا مرئية صراحة ..وهذا الحس اللامرئى بالطاقة الهندسى يكثف المساحة المصورة ويزودها بطاقة كبيرة ..بينما فى جداريات أوائل التسعينات كانت طاقة الحركة الفيزيائية من الفنان تخضع لحرارة الطاقة التجريدية للعمل نفسه ..فمساحاته الكبيرة وهى تعد من أنجح ما أظهرت طاقة الحركة لدى الفنان جعلت هناك اندفاعات تحت السطح توحى بطيات لا مرية رغم أن خامة الأكريليك ليست لزيت توحى بتجاعيد السطح وطياته لتؤكد اندفاعات فرشاته فوق المساحة مع حرية حركة الفنان نقلها لتذبذبات الطاقة الصادرة من جسده ..تذهب إلى داخل العمل مباشرة ..بينما لوحات الأسود والأبيض فى ` الكروسات ` المتقاطعة فهى بدت ككسح مادى وذاكرى لطاقة ذهنية تكتسح المألوف فى طريق مسارات الخط وتشابكه التفاعلى ومحيطه كلوحات تتحرك من وهم ذهنى لا مرئى لتتحول إلى رمز مادى مشحون بطاقة الرفض أو الغضب الذى يستعصى على التعبير بتلك البلاغةإلا فى حالة تقاطع الخطين أو المساحتين كمشهد مرئى لشحنة غامضة متحولة من الطاقة الذهنية وفى تلك المرحلة المهمة أعتقد أنه كان يرسم ليرى كيف يمكن للطاقة والإحساس تغير وتلاقى اتجاه مسارهما الغاضب ..وهى مرحلة أجدها الأروع فى تاريخه الفنى كأنى أراها جزءاً من فكره ومن نفس وجودها العضوى والمادى معا ..ولأرى أنه على قدر ما تتغير الأشياء بقدر ما تبقى فى نفس الوقت كما هى ..
- أعود لمرحلة الجداريات ولما بدت قدرته على زرع اللون الأبيض كأى كائن أو كأنه سجل فيها انطولوجيا اللون لحظة زرعه العضوى على السطح فى مكان معين ..ورغم أن لوحات الفنان فاروق حسنى على مدى سنوات طويلة أخيرة أجد فيها الكثير من روح العصر الذى أنشئت داخله وتكشف بعضها عن حسن وجودى كونى هندسى أو ميتافيزيقى رياضى إلا أنه ستظل جدارياته حتى الآن هى الأكثر حقيقية ووجودية وهى الكاشفة عن قوة فاروق حسنى وأن لوحاته صغيرة الحجم وكبيرها واللون نفسه وتعدده لم تفصح كما أفصحت لوحات ` الأسود والأبيض ` أوائل الثمانينات ولا جداريات التسعينات وأعتقد أن فاروق حسنى لا يباريه أحد فى التعامل الروحى الأرضى ولوحاته الجدارية الفضائية المساحة والتى منها بدت الفرشاة لا تمتزج بالأرض بل تهيمن عليها ..أجد أنه لم يباريه فيها أحد إلا تجربة الفنان الراحل الكبير منير كنعان واتفاق ثقافتهما الروحية وما لديهما من قدر كبير بوعى حركتهما الإنسانية الفنية كجزء عضوى من حركة الكون وأن كليهما فى جدارياته ومع فارق الزمن لم يعتمد على الفنتازيا بل اعتمد على الفكرة الكونية ..الفكرة المجردة..
- أضيف أنه بعد أكثر من أربعين عاما من جدية تجربة فاروق حسنى الفنية أراها لم تلق البحث الجاد من النقاد ورصدها وتحليلها على أبعادها الجمالية العضوية ..الفكرية ..أو الرؤية والنفسية ..إلا فى بعض مقالات الفنان الكبير الراحل أحمد فؤاد سليم ..وذلك لمداومة الفنان حبس لوحاته وبنفسه داخل رؤية أحادية لنقاد الفن فى الغرب لم يروا منه إلا مشهداً واحداً خارجياً من زاوية أنه فنان قادم من بلاد صحراوية بحرية مشمسة وللأسف ظلت كلماتهم ولسنوات لا توالى تقدم الفنان الفكرى الفلسفى وهو يتمسك بكلماتهم فى رفقة كتالوج كل معرض مكررة وبإلحاح حتى حاصرت رؤيتهم وكلماتهم أعماله وصادرت عليها مستقبلا وحدت من رؤية المشاهد لأعماله إلا من خلال عيونهم .بينما أراه فنانا مفكراً ذا رؤية كونية فلسفية وثقل ثقافى ..وأرى أيضا أن لوحاته تحتاج نقله كالزلزال من الجمالية البحتة للكشف عما بداخله من رؤى فلسفية وحس كونى نادر كالذى ظهر فى لوحة معرضه الحالى ذات الكرة والهلال الرماديين .
فاطمة على
جريدة القاهرة - 2010
الأرض والقمر ..ودنيا المشاعر والأفكار
- جاء معرض الوزير الفنان فاروق حسنى بقاعة الزمالك والذى ضم أحدث أعماله ..بمثابة إشراقة فن مع بداية العام الجديد .. وقد حضر الافتتاح ما يربو على ألف شخصية من نجوم الفن والثقافة والسياسة مع متذوقى الإبداع التشكيلى ومحبى عالمه .
- ومن هنا بلغ الزحام درجة كبيرة حتى غطى على اللوحات وكانت زيارة المعرض بعد الافتتاح ضرورة لمن يريد أن يتأمل الأعمال ويمتلئ بتلك الشفافية التشكيلية المرئية .
* الفنان الوزير ..
- وفاروق حسنى يمثل ظاهرة غير مسبوقة كفنان تشكيلى ووزير للثقافة ، وهو من بين قلة قليلة من الوزراء الفنانين أو المبدعين فى العالم مثل الكاتب الروائى الروسى مكسيم جوركى صاحب رواية ` الأم ` والذى كان أول وزير تعليم فى حكومة الثورة الروسية عام 1917 وأديب فرنسا أندريه مالرو وزير الثقافة فى حكومة شارل ديجول بعد الحرب العالمية الثانية ..وعميد الأدب العربى طه حسين وزير التعليم قبل الثورة وصاحب تعبير ` التعليم كالماء والهواء` والممثلة اليونانية المبدعة ميلينا ميركورى التى تقلدت منصب وزارة الثقافة ومعهم الكاتب المسرحى التشيكوسلوفاكى فاسلاف هافيل صاحب مسرحيات ` الرحيل ` و ` المذكرة ` ورئيس تشيكوسلوفاكيا عام 1989ورئيس جمهورية التشيكعام 1993 .
- وعالم فاروق حسنى ينتمى للتجريدية التعبيرية ..يعد بمثابة النغم المرئى فى مقابل الموسيقى المسموعة وقد تألق فى تجليات وإشراقات بدنيا تعبيرية من الخطوط والألوان والمساحات ..وفى الوقت نفسه دنيا مفعمة بالمشاعر والأفكار والانفعالات مسكونة بالتأمل الروحى فى حلول تشكيلية عديدة جعلت من عالمه المرئى تجربة حية وأصيلة فى عام 1968 وبعد تخرجه فى كلية الفنون الجميلة ،كان فاروق حسنى يستقل قطاراً يشق أحد الأودية بباريس عبر الحقول المشبعة بالدخان وبخار الماء والخضرة اليانعة ..وفوق إحدى المرتفعات فى الريف الفرنسى جاءت تأملاته لتلك المساحات المتنوعة من الأخضر والأصفر والأزرق والبنى والتى بدت للعين مجرد مساحات لونية وإيقاعات هندسية وهذا وجد طريقه فى إدراك المرئيات مجردة.. فجاءت لوحاته غنية بلغة تشكيلية خاصة تستمد قوامها من تلك العلامات والنغمات اللونية وحوارات السطوح والتداعيات الخطية التى يغلب عليها حرارة الانفعال والحس التلقائى الفورى .
هو والطابع الشرقى
- يقول الناقد الإيطالى أنزوبيلا ربللو حول أعمال فاروق حسنى : ` لقد حسم أشكاله بتوجهه إلى الفن التجريدى الذى تأتى أصوله من الغرب بهذه القوة الغنائية وهذه الشفافيات وكثافة اللون والمقدرة على الموازنة بين الخلفيات الكبيرة واللمسات المكثفة التى تتحرك بنوع من الطاقة .
كل هذه الصفات نتيجة تجربته الغربية أما الطابع الشرقى المصرى فقد ظل مذاقه فى خلفيات الصورة وذكريات من الخط العربى أو من طبيعة مكثفة للغاية لا يمكن تسجيلها فوتوغرافيا وطبيعيا فالنتيجة لا تشكل مدرسة الفن المصرى ولكنها تمنح الجدارة الكاملة لأعمال الفنان الذى يستطيع أن يعيش فى الغرب باعتزاز محترما أصله ودونما انفصال عن حدوده `.
- وقد جاء معرض فاروق حسنى بداية هذا العام فى نفس موعد معرضه فى العام الماضى هذا على الرغم من أن عام 2009 كان عام انتخابات اليونسكو وهو يقول :
` لم أرسم نهائيا أثناء فترة انتخابات اليونسكو ..توقفت عن الرسم تماما لم يكن هناك أى وقت للرسم ولا اللوحات ..ومنذ معرضى الأخير فى يناير الماضى أكاد أكون قد توقفت تماما ..قد أكون رسمت لوحة أو اثنتان على الأكثر .. كان العمل والتحضير للدراسة والسفر والمقابلات والاجتماعات والبحث عن أسلوب جديد يخدم المنظمة بالإضافة لعمل الوزارة `.
- ورغم هذا عاد بقوة ..خاصة وفاروق حسنى يعيش ما قاله كوكتو الفنان الفرنسى ..` كلما أحسست بدفء الوسادة ركنتها بعيداً ..فالقلق يجب أن يكون وسادة الفنان `
- وهو يقول : ` أشعر بالجوع عندما أدخل المرسم .وأشعر بإحساس الإنتصار لو حققت لوحة ترضينى ..ولو لم أرض عما رسمت أشعر بالاحباط وأسعد شىء عندما أرى الفن مكتمل مع ما بداخلى وأشعر بالتصالح الذاتى `.
الأرض والقمر
- وأعمال فاروق حسنى بمعرضه الحالى تمثل إضافة لهذا التراكم التشكيلى إضافة كشفت عن بعض الملامح الرمزية وفى الوقت نفسه إضافة لأبجدياته اللونية .
- فى إحدى اللوحات والتى تعد بمثابة أيقونة المعرض يجسد فى إيقاع يغلب عليه الأسود الفاحم والرماديات يجسد هلالاً نحيفا فى الأفق الأسود وفى قاع اللوحة تطل الكرة الأرضية مسكونة بتلك الإشارات والعلامات البيضاء وخطان بالأحمر النارى ويعلو الأفق الأسود أفق آخر بالأصفر الاوكر هل أراد الفنان أن يشير إلى الخطر الذى يحبق بكوكب الأرض لقد انتقل فى هذه اللوحة من هذا العالم التجريدى المبهم إلى مساحة من البوح فاضت بالتعبير ولاشك فى أن الأفق الأصفر أعلى اللوحة يعد بمثابة مساحة من التفاؤل والإشراق مع تلك العناصر الغارقة فى الأسود والرماديات وربما جاء الخطان بالأحمر النارى إشارات أشبه بمؤشر البوصلة !! .
- وإذا كانت اللوحة عند الفنان فاروق حسنى تمثل لحظة انفعالية ..ربما كانت الفرح أو الحزن أو حالة ما بين الفرح والحزن وفى بعض الأحيان حالة روحية يغشاها حس صوتى هى انفعالات شتى يسكبها الفنان على سطح اللوحة فى صورة خطوط ومسطحات لونية كلما اقتربنا منها نستشعر أن وراءها عالما إنسانيا فاللون كائن حى يتنفس ويتحرك وتتحدد حركته بالشحنة الانفعالية ما بين الصعود والهبوط وهو محمل بالدلالات التى تخرجه من كونه الحسى المادى إلى معانى عاطفية متنوعة ويتوقف مدلولة تبعا لتوقفه داخل اللوحة وابتداء لون آخر وأحياناً تبعاً لاستمراره أو امتزاجه بلون آخر وهو كيان عضوى يمثل نسيجاً فريداً يتنوع فى تركيبات شتى ما بين الأسود والأحمر والأزرق البحرى والكريم والأزرق والأصفر والأخضر الداكن وهو ذو كثافة عالية يبدو فى صورة رقائق لونية وعجائن وفى أحيان أخرى فى صورة خربشات على السطح ،أو بقع ضوئية وربما خطوط حادة أو هائلة تبعا لضربات الفرشاة .
- والأحمر النارى قد يصرخ وقد ينبض بالحرارة والدفء والأسود يفقد قتامته عند دخوله على الأبيض وقد يصبح متوحشا حين يعانق الأزرق أو يتخلل الرمادى والأزرق المسيطر كثيرا ربما نلمح فيه رائحه اليود والمحار والكبريت والملح رائحة بحر الاسكندرية حيث نسكن ذكريات الفنان التى ينتمى إليها .
- وفى أحدث اعماله أتسعت مساحة الأخضر الداكن ربما إشارة إلى الدلتا خاصة فى تلك اللوحة التى تشتمل على مثلثين محددين بالأسود الفاحم أحدهما فى مسطح أصفر والأخر أبيض يعلوهما الأحمر الطوبى المنطفىء .
- فى أعمال فاروق حسنى إشارات ورموز بعضها مبهم والبعض الآخر يبوح بتلك الأرض التى نشأ عليها وامتلأ بهاوامتزجت بثقافته الموسوعية التى تمتزق بالحاضر والتاريخ وثقافته وتأملاته البصرية فى الشرق والغرب .
- وربما كان اللون الأسود سراً من أسرار اللغة البصرية عند فاروق حسنى ..يقول عنه ` المشاعر هى التى تختار ألوانها وفعلاً أنا لا أرى اللون الأسود لونا واحدا لكنه مجموعة من الألوان مجموعة مشاعر تخرج فى لحظة واحدة واللون الأسود لون احتفالى والمساحة هى التى تحدد اللون واللون الأسود أيضا هو الذى يعطى سمات اللوحة هو اللون المحدد والحاسم وهو لون له شخصية مهمة وله حضور فهو لون البداية وهو الكل والكل معناه الوجود فطالما هناك وجود فلابد أن يكون لهذا الوجود ظل وإذا كان الأسود هو الملك فاللون الأبيض هو ولى العهد وبين الأسود والأبيض تسكن كل الألوان .
الفن والتواضع
- وقد اختارت مجلة ` الفنون الجميلة ` الفرنسية فاروق حسنى واحداً من سبعين فناناً عالمياً يقودون الحركة التشكيلية فى العالم إلا أنه فى تواضع شديد يعلق بقوله :
` عندما قرأت هذا الخبر لم أصدقه وأسبابى فى ذلك تتجدد فى سؤال هو : هل من المقبول أن هذه المجلة استطاعت الوصول إلى كل فنانى العالم ..أم أن الاختيار اعتمد على قدر من الاختيارالعشوائى أعتقد أن الفنانين الذين يقودون الحركة التشكيلية فى العالم لا يقل عددهم عن 200 فنانا وليس 70 ولكن هذا الاختيار مشرف وسعدت به `
- وفى النهاية ومن داخل معرض الوزير الفنان والذى أقيم مع بداية العام الجديد يشير فى كلمات قليلة وبلغية حول استقباله لعامنا الحالى بقوله فى كتالوج المعرض ` عندما نتأمل أرقام 2010 سنجد أنها تضم رقم ` 1 ` ورقم ` 2 ` ورقمى ` صفر ` فيه بداية وفيه نهاية وفيه انجاز والصفر ليس رقما عدميا بل هو رقم ما قبل الأرقام وهو أيضا يوجد مع البدايات والنهايات وأنا مع البدايات والنهايات ` .
- تحية إلى موسيقى الألوان والخطوط موسيقى تألقت بالنغمات المرئية فى معرض فاروق حسنى الوزير الفنان .
صلاح بيصار
مجلة حواء - 2010
- على الرغم من افتقادها لموضوع محدد، فأن لوحات فاروق حسنى تتميز بالانفتاح و سهولة فهمها للمشاهد كتفسير تجريدي متواصل لظاهرة بصرية فى العالم الواقعي من مباني ، مناظر طبيعية ، أشياء و حتى الفضاء الخارجي.
- فهي تعطى العديد من الأشكال بتفاصيل كافية لاستيعاب ذلك الفراغ البصري حولها، و لكن ليس للحد الذي يدفع إلى التماثل الحرفي.حتى فى وجود هرم في إحدى لوحاته الزيتية فأنه يظل غامضا بما فيه الكفاية بالنسبة لنا لنتساءل عما اذا كان ليس بالفعل مثلث مقلوب فى الفضاء.
- فهو فى مفهوم حسنى علامة للهرم الى حد كبير يعمل بنفس الطريقة التى يعمل بها الهرم كرمز لقوى دنيوية تعمل بالتناسق مع ما هو سماوي.
- حسنى يجسد القلق المبرر بشأن فئات التجرد و التصويري لأن اللوحة التجريدية لا تستحضر من مجرد تنسيق الألوان ، الشكل ، و الخط ، حتى لو كانت تلك الأشياء تشكل أجزائها الرئيسية . على النقيض من ذلك ، فإن اللوحة التجريدية تعرض متغيرات جديدة لتلك العلاقات الأساسية مثل النسب الداخلية لمستطيل أو الحوار بين قلب الصورة و حافتها.
- فهي حتى تعطيك الانطباع بأن العالم خارج اللوحة هو لحد كبير أكثر تجريدية عما هو الحال عليه، مما يضيف بعد ميتافيزيقى للتفسير البصري.
- لهذه الأسباب فإن اللوحة التجريدية يمكن أن تكون على نفس القدر من الواقعية مثل البيئة الموضوعة فيها، و فن حسنى لديه القدرة على تضمين أى نوع من من البيئات البصرية المحيطة . هذا و تعتبر العفوية جزءا من الجاذبية الفورية التي تحظى بها لوحات حسنى، حيث أن اللمسة الجريئة لفرشاته يعززها وابل من الإيماءات المرتبطة بها أو المتناثرة ببساطة على سطح اللوحة كما لو كانت هى نتاج حدث عفوي. و بمجرد إبراز العناصر الرئيسية للوحة و إحداث التوازن الداخلي لها ، فأن الفنان نادرا ما يحتاج لإضافة المزيد من التلميحات البصرية. حيث انه إذا استبدل الإيماء بالمزيد من الوضوح فأن قدرة اللوحة على استثارة حقائق متعددة تتضاءل . هذه العفوية يمكن أن تبدوا كما لو كانت لا تفتقر الى آي موقف غير ملتزم نحو عملية الرسم و لكن هذا ابعد ما يكون عن الحقيقة.
- ففى جوهر الرسم التجريدي الذي اعتنقه حسنى كل شئ يجب ان يحدث أو يتم تمهيدا لملامسة الفرشاة لسطح اللوحة، حيث انه ليس هناك فرص أخرى أو هامش تصحيح لخطأ ما أو إمكانية محو هذا الخطأ.
- فنحن نرى فى نفس اللحظة كلا من عملية الرسم و الرسم ذاته و انصهار الاثنين معا يجعل اللوحة محور اهتمامنا و جاذبيتها حتى بعد أن تلاحظ إنها ليست لوحة لشيء ما . بمعنى أخر هي لوحة فى حد ذاتها و مهارة حسنى فى تمكين فنه من السعي نحو نقطته المرجعية يجعله رمز لجموح الخيال مع التواصل الأبدي بين ظواهر العالم الملموسة والعالم الذي يعيش فى أفكارنا.
دان كاميرون
مدير / أمين متحف ، بروسبكت 1 ، نيواورليانز ، مدير الفنون البصرية، مركز الفنون المعاصرة ، نيواورليانز
- تتجسد مصر فى المخيلة كآلاف الأعوام، ذهب الفراعنة الساطع هو المجاز الدال على اتساع الصحراء ذات الرمال والصخور، وضوء ظهيرة لايذوى أبداً مهما دارت الفصول. قاهرة المعز، بمساجدها الرمادية ، تبدو قد اتسعت بثبات مطرد، تحجر عفوى لمساحات واسعة من الأرض، لون الذهب المنطفئ، الأرض العشوائية تبدو وكأنها تتوق بتؤدة مبهمة إلى الشكل.
- تتجسد مصر فى المخيلى كآلاف الأعوام، ذهب الفراعنة الساطع هو المجاز الدال على اتساع الصحراء ذات الرمال والصخور، وضوء ظهيرة لايذوى أبداً مهما دارت الفصول. قاهرة المعز، بمساجدها الرمادية ، تبدو قد اتسعت بثبات مطرد، تحجر عفوى لمساحات واسعة من الأرض، لون الذهب المنطفئ، الأرض العشوائية تبدو وكأنها تتوق بتؤدة مبهمة إلى الشكل. من ناحية أخرى، فإن العقل والروح لا يتجاوزان آلاف الأعوام فى سبيل الإعجاب بتغيرات متدرجة، نحن نشعر باحتياج ملح للفوري، شىء مفاجئ ومحدد، ذلك الذى سوف يدفع النفس إلى صميم المركز من الكون. فنان يستطيع أن يعيد، خلق السماء المتقلبة لباريس أو روما ويضعها على حافة الصحراء ، اختيار للألوان من أجل تمثيل منظر طبيعى كما هو العقل لافى عالم الطبيعة، الانعكاس الباهر يفسح الطريق لظلال مركبة مليئة بلمسات عقلانية مرهفة. لوحات فاروق حسنى تقع ضمن عالم التجريد الغنائي، النمو المحدد للتخطيط الصبور والاكتمال ، يبدو أمراً بلا أهمية بالنسبة له: عندما تكتمل اللوحة يجب أن تبدو عمل الدفعة المفاجئة، بتوتر خلاق، ممتد، مشدود من أول ضربة للفرشاة إلى الأخيرة: خطا، كثافة، وتأثيرا. حتى الإمضاء مستغرق ضمن النظام التصويرى، متداخل مع المجالات المختلفة للون. يذكرنى عدد من لوحات فاروق حسنى بإرتجالات كاندنسكى فى تجريده المبكر، ضربات الفرشاة الدوامية، الحدة فى فوريتهما، والعنف فى تعبيرهما ، هنا بالقطع العنصرى التعبيرى يفسح مجالا لدرجة من الفن اللاشكلى المصقول، وهو الأمر المدهش إذا أخذنا فى الأعتبار المسافة التى تفصلنا عن الخمسينات. إن حالة فاروق حسنى لاتختلف عن حالة بونار- إنطباعى فى غير موسمه - ولكن إى أسلوب! وأية طاقة!. بحيراته المدهشة من اللون الأزرق، بمبى أو أبيض يعلوان شعاعا من أحمر صارخ أو أخضر يدمر، أو يشتعل بحيوية وإثارة من قلب الأساس المتناغم الذى هو فحسب نقطة الانطلاق. يحب فاروق حسنى أن يلعب بالصدفة والإلهام المفاجئ، لا المواءمة بين ترتيب العقل واليد المدربة. هو يعرف أن الرسم عمل محفوف بالمخاطر: بقعة حمراء تظهر كثيراً جداً ، فتصبح الترنيمة فى لحظة كابوساً ماكبثياً، إن أنصاف المساحات الكسولة من الممكن أن تجرف بالطموح خارج نسيج اللوحة. فى دوره كوزير للثقافة يعمل فاروق حسنى من اجل التغير، يبدو لى انه حمل إلى عمله للوزارة كل الخصائص التى تميزه كفنان: محموم، عنيف وعاصف فى أحيان كثيرة، ولكن مع فواصل واسعة بها شىء من السأم. كأسلوب مالرو فى العمل الثقافى، الحركة المستمرة غير المقيدة تجد مبرراتها الكافية، ربما أفضل طريق هو إستراتيجية فاروق حسنى التى تقوم على الموازنة بين التأمل، والتحرك السريع نحو الفعل - بتلك اللحظات الإبداعية الممتدة فى المستقبل.
إنزو بيلاردلو
- فاروق حسني وآدم حنين وقليل غيرهم من صفوة المصورين المصرين اليوم , وفاروق حسني فى مقدمة أولئك الفنانين ,الذين يجمعون إلى جانب منابتهم الشرقية الأصلية ثقافة عربية عميقة , تضيف إلي جذور السلف المتأصلة والنابعة من الإسلام شجرة الحضارة الغربية اليانعة في فن التصوير , وليس أدل علي هذا من أن فاروق قد عاش طويلا فى باريس ومازال يعيش منذ عهد غير قصير في إيطاليا. - وفن فاروق حسني في التصوير علي ما ينطوي عليه في بعض الأحيان من سحر القمر في الصحراء , ووميض النار كأوقات الغروب فوق النيل , أو رموز الخط الكوفي المبهمة والعسيرة القراءة أو التعاريج المنسابة في سمو في ثنايا الخط العربي , أقول أن فنه في التصوير مع كل ذلك مدبج بالتعبير التجريدي والإيمائي وإبراز المادة . تماما كما حدث للتصوير في أوروبا وأمريكا في مطلع خمسينات هذا القرن. - وترتكز لوحاته على طبقات رقيقة متلاصقة تبعث في الذهن أعمال أفرو Afro وعلي إنقلابات ضوئية تذكرنا بأعمال كلاين Kline وبرغم هذا فسمكها- ويصعب تحديده لشدة عمقة- هو حيز الصحراء نفسه , ذلك الاحيز الذي تضرب أبعاده في الانهائي , وتتميز لوحاته بتصوير توضيحي للأرض بكل ثقل المادة الجرداء , أو بتصوير السماء في الليل سحيقة مخملية تتخللها مساحات من اللون الأسود خفيفة كالهواء. - إن مصورا عربيا يتكلم لغتنا العالمية هذه- لغة إسبرانتو الفن- تكاد تكون محكاة لعمق التعبير. والتجريد عنده أسلوب إضافي للبقاء داخل الأطر الإسلامية , وفي نفس الوقت هو تصوير لاأيقوني يقوم على الصور المجازية ومن ثم الرمز, ومازال بتصوير فاروق حسني مؤثرات الطبيعة ولا أقول طبيعة الأشياء نفسها, يعايش التجارب الحيوية لكل إنسان, وهو إذ يستخدم ألوان الحياة الحقة وخلجاتها يعيد صياغة العلاقة التي ماانفكت قائمة بين صورة الخيال وصورة الواقع حتى بالنسبة للمصورين الذين يطلقون علي أنفسهم إسم التجريديين.
جيوفاني كاراندينتي
فارس المصالحة .. وصوت التنوير
* فارس المصالحة .. وصوت التنوير
- سيدخل فاروق حسنى تاريخ الحياة الثقافية فى مصر بإعتباره أحد أهم وأنجح وزراء الثقافة الذين عرفتهم البلاد منذ بداية إنشاء هذه الوزارة فى أواسط القرن الماضى، فقد أمضى فى الوزراة الآن أكثر من عقدين من الزمان تخطى فيها أربع رؤساء وزارات وحقق من الإنجازات ما لم يحققه أى وزير آخر للثقافة فى تاريخ مصر الحديث، لكن إنجازه الأعظم وغير المسبوق يكمن فى المصالحة التى كان فارسها والتى حققها ما بين السلطة السياسية والمثقفين، وفى موقفه من قضية التنوير التى كان أجرأ أصواتها حتى الآن بين جميع المسئولين الرسميين.
- لقد اتسم عهد فاروق حسنى منذ بدايته فى أكتوبر 1987 بمبدأ إنسانى نبيل كان هو الوسيلة فى تحقيق رؤيته الثقافية، وهو مبدأ المصالحة الوطنية، فبعد سنوات من التوجس والتخوين ما بين السلطة السياسية والمثقفين من أدباء ومفكرين وفنانين، وبعد عهود متوالية من الإبعاد والتهميش على أساس أن هذا شيوعى، وذلك رجعى، إلى آخر تلك التصنيفات السياسية البالية، لم يعد هناك الآن فى الثقافة أشخاصا غير مرغوب فيهم سياسياpersona non grata كما كان الحال من قبل، وأصبح الوسط الثقافى ساحة رحبة تتسع لكل الرموز الفكرية والأدبية والفنية بصرف النظر عن المعتقدات الشخصية لكل منهم.
- فما أحوجنا اليوم فى العالم لمثل هذه المصالحة الكبرى بين حضارات وثقافات أراد لها البعض التصارع والتضاد وعمل فاروق حسنى طوال حياته العملية على التقارب والتعايش فيما بينها فى المجالات الثقافية والأدبية والفنية.
- وإذا كان فاروق حسنى يطرح اليوم على العالم شعار `المصالحة` بين مختلف الحضارات كعنوان لرؤيته لمنظمة اليونسكو فى المرحلة القادمة فإن هذا هو المبدأ الذى إعتمد عليه منذ بداية حياته العملية حين كان مديرا لأحد المراكز الثقافية فى حى الأنفوشى بمدينته المحببة الأسكندرية وعبر مواقعة التالية فى كل من باريس وروما إلى أن تبوأ أكبر موقع قيادى فى المجال الثقافى.
- فقد اتجه منذ بداية توليه وزارة الثقافة فى أكتوبر 1987 إلى المثقفين أنفسهم مدركا أنهم هم جنوده فى المعركة ورافضا الاعتماد على جهاز البيروقراطية الحكومية وحده، وهكذا قامت سياسة الوزارة على تولية المثقفين إدارة الشئون الثقافية، فوجدنا أسماء كبيرة فى المجال الثقافى تدخل مجال العمل الإدارى بوزارة الثقافة لأول مرة فتنحى به منحى جديدا ، وكان من بينهم كرم مطاوع وآدم حنين وجابر عصفور وفوزى فهمى وهدى وصفى وأحمد نوار وغيرهم.
- والحقيقة أن تاريخ فاروق حسنى فى إدارة الثقافة فى مصر هو سجل حافل لا يوفيه حقه إلا الدراسة المستفيضة عبر أكثر من كتاب، لكن سيظل يذكر له على سبيل المثال أن مصر شهدت فى عهده أكبر حركة ترميم لتراثها العريق والثرى فى مجال الآثار المصرية القديمة واليونانية الرومانية والقبطية واليهودية والإسلامية، بل لقد تعدى إنجازه فى هذا المجال مجرد الحفاظ بالترميم على الآثار الموجودة بالفعل، إلى مجال إدخال آثار جديدة إلى حيز الوجود بعد أن كانت قد إندثرت وأسدل عليها الزمان - والإهمال - أستار النسيان، وقد كان آخر تلك الآثار صرح مملوكى رائع يقع فى القاهرة القديمة لم يكن قد سمع به أحد هو قصر الأمير طاز الذى أصبح اليوم بيتا رحبا للثقافة والفنون بكل تنوعها من الموسيقى إلى المعارض الفنية ومن الندوات الأدبية إلى المناسبات الإحتفالية.
- إن أعداد المتاحف التى أقيمت فى عهد فاروق حسنى صارت تحصى الآن بالعشرات ما بين المتاحف التاريخية والآثرية والفنية والنوعية، لكنه مثل خوفو الأكبر أراد أن يأتى بما لم يأت به الأوائل، فتوج إنجازاته المتحفية بمشروعة العملاق النابع من رؤيته لمكانة الحضارة المصرية القديمة فى التاريخ الإنسانى ..إنه هرمه الأكبر المتحف الكبير الذى يجرى إنشاءه الآن فى صحراء الجيزة ليصبح أكبر متاحف العالم قاطبة، والذى سيظل فى جانب منه شاهدا على نجاح التعاون الثقافى الذى حققه فاروق حسنى فى المشروعات الكبرى مع دول العالم ذات الحضارات والثقافات المختلفة.
- على أن رؤية فاروق حسنى لم تقتصر على التراث وحده وإنما شملت أيضا مجالات الفكر الحديث فكان مشروع الترجمة العملاق الذى أشرف على إنجازه المجلس الأعلى للثقافة والذى نقل ألف كتاب من أهم المؤلفات التى عرفها العالم إلى اللغة العربية، فى وقت نعانى فيه من أن عدد الكتب المترجمة من لغات العالم لا يتعدى فى الدول العربية مجتمعة ما يترجم فى دولة واحدة متوسطة الحجم فى أوروبا.
- كذلك تطور فى عهده معرض القاهرة الدولى للكتاب فأصبح الآن مقصدا لأكبر الأسماء العالمية من أمثال ألبرتو مورافيا ونادين جورديمر وأورهان باموك وغيرهم، وتضاعف عدد المكتبات العامة ليس فى العاصمة وحدها وإنما فى المحافظات النائية، وأصبحت بعض هذه المكتاب الكبرى مركزا هاما للنشاط الثقافى والفنى على مدار العام.
- وفى مجال الفنون أنشأ فاروق حسنى أول مهرجان مسرحى فى مصر وهو مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى الذى ترسخت أقدامه فى مجال التلاقى الثقافى بين مختلف الأنشطة المسرحية فى العالم عبر أكثر من عقدين من الزمان، كما نجحت سياسات فاروق فى مجال الفنون التشكيلية فى إكتشاف جيل جديد من المبدعين لفتوا أنظار العالم حين فاز بهم جناح مصر فى بينالى فنسيا الدولى لأول مرة بجائزة المهرجان وبثناء النقاد.
- إن الرؤية الفنية التى جاء بها فاروق حسنى إلى وزارة الثقافة إتسعت لتشمل أيضا التعليم والبيئة، فقد تطورت أكاديمية الفنون فى عهده والتى تضم المعاهد العليا للسينما والمسرح والتمثيل والنقد والكونسرفتوار والموسيقى العربية، وأصبحت الآن أعمال طلابها تنال الجوائز فى المهرجانات المحلية والدولية، كما ساهمت سياسة الوزراة فى إنشاء مراكز الإبداع والتدريب فى خلق جيل جديد من المبدعين فى مجالات الفنون المختلفة وفى الترميم والحرف البيئية والإدارة الثقافية.
- أما فى مجال البيئة فقد كان فاروق حسنى أول من أدخل فكرة التنسيق الحضارى ضمن مسئوليات الوزارة فأقيمت لها هيئة خاصة ضمانا لوجود بيئة صديقة للمواطنين وكوسيلة لتربية الذوق العام للمواطنين، كما أولى إهتماما خاصا للحياة اليومية للمواطنين الذين تم ترميم الآثار فى أحيائهم السكنية فقامت الوزارة بإعادة تأهيلهم فى بعض الحالات وأشرفت فى حالات أخرى على إعادة تسكينهم فى مواقع بديلة لا تحدث إضطرابا فى حياتهم اليومية.
- والحديث يستمر فى بقية المجالات الثقافية والفنية بما تتحدث به تلك السيرة الذاتية المختصرة تعبيرا عن رؤية عصرية ورحبة للثقافة تعتمد على بعث حركة ثقافية جديدة ومستنيرة والحفاظ على التراث والأهتمام بالتربية العامة والتعليم والبيئة والإنفتاح على ثقافات العالم من خلال التعايش مع فنونها وآدابها فى تنوعها اللانهائى.
- لكن الإنجاز الأكبر لفاروق حسنى فى رأيى سيظل هو وقوفه الحازم والذى لا لبس فيه ضد دعاوى التخلف الفكرى التى كثيرا ما أفضت بنا إلى العنف والإرهاب باسم الدين، ففى الوقت الذى كان فاروق حسنى هو فارس المصالحة فقد حمل أيضا وبكل شجاعة مشعل التنوير وسط سحب الظلام التى كادت تخيم على أجواء البلاد.
- ولقد أعطى فاروق حسنى بذلك لكل دعاة التنوير ولأول مرة صوتا مسموعا فى جميع أنحاء البلاد، وفى الوقت الذى كانت السياسة المعتمدة سابقا تقوم على حكمة زائفة مقتضاها عدم المجاهرة بمناهضة السلفية المتخلفة المتعلقة بأهداب الدين، فقد جاء فاروق حسنى ليخرق ذلك الصمت المتحفظ بجرأة غير مسبوقة بين المسئولين الرسميين وواجه برؤيته العصرية تلك القيود التى كانت تسعى لتكبيل العقلانية والفكر وتهدد بمصادرة مستقبل البلاد.
- من هنا اكتسب فاروق حسنى بجدارة عداء الكثيرين من غلاظ الحناجر- والخناجر - ومن هنا أيضا اكتسب فاروق حسنى قوته بحناجر أخرى كثيرة لم يكن يعلو لها صوت من قبل.
محمد سلماوى
رئيس اتحاد كتاب مصر ، الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب
غياب ملحوظ للتشكيليين وصوفية `محيرة ` فى معرض فاروق حسنى
* أسئلة غير معتادة .. وتناقضات ` لونية `.. وكثير من الممثلين ..
- رغم حفاظه على الموعد السنوى لإقامة معرضه التشكيلى بإحدى القاعات الخاصة، خالف الوزير الفنان فاروق حسنى، هذه العادة وأقام معرضه داخل إحدى القاعات التابعة لقطاع الفنون التشكيلية فى سابقة هى الأولى من نوعها أقام المعرض بقاعة `أفق واحد` بمتحف `محمد محمود خليل وحرمه`، المغلق بعد أن سرقت منه لوحة `زهرة الخشخاش` بحضور عدد من الممثلين والأدباء والإعلاميين ورجال الأعمال، ورجال السياسة رؤساء تحرير الصحف، فى مقابل عدد محدود جداً من الفنانين التشكيليين، وعدد كبير من جمهور العامة الذين حضروا انتظاراً لرؤية النجوم.
- قدم حسنى 35 لوحة تصويرية أنتجها عام 2010، كما عرض فى مقدمة القاعة لوحة واحدة رسمها عام 1997، كما احتوات أعمال المعرض هذا العام على لوحات فنية استقى فيها الفنان من شكل الجسد الإنسانى بشكل تجريدى.
- اختلف النقاد على أعمال حسنى الفنية التجريدية، لاحتمالها أكثر من تفسير، واتفقوا على أنها موسيقية، تحمل بداخلها إيقاعات لونية، وتمرد على الواقع بالتجريد والاختزال والتبسيط، كما أنها تعبير فردى وذاتى وتكمن قيمتها الفنية والجمالية فى تلك الذاتية، وما تحمله من غموض فى الموضوع الفنى، والتحرر من القيود والأنماط التقليدية، والمعالجات المألوفة.
- تنتمى أعمال الفنان فاروق حسنى إلى التجريدية التعبيرية التى لا تحتاج إلى بلاغة تشكيلية،إنما هى رصيد الفنان التشكيلى والفلسفى لعالمه الخاص، يستند فى أعماله تلك إلى حقائق نفسية ولا يستند إلى دلائل بصرية، حملت اللوحات شحنة انفعالية وتفاعلية بين الفنان وبين عالمه الداخلى، ليترحم هذه الشحنة إلى مضمون غامض بعض الشىء،قدمها لونياً دون تفاصيل شكلية تشغله عن الجوهر
- ظهر فى أعماله هذا العام المزيد من الجوانب الإنسانية المباشرة،ففى بعض اللوحات رسم أشكالا آدمية، شخصيتين مختلفتى الألوان وكأنهم من جنسيات مختلفة، رسمهما فى وضع جانبى وبشكل رأسى مجردة من التفاصيل يبدو للمتلقى أنهما فى حالة ثبات ورسوخ، متجاوران نسبيا ومتقاربان فى الأطوال، أظهرهما وكأنهما حالتان فى تناقض شكلاً ومضموناً، شخصيات حائرة أو متحاورة، تعبير نفسى عن حالة إنسانية لشخصيات مازالت قوية وهى تصطدم بالواقع، ووجود المساحات اللونية الصريحة للون الأزرق تفصلهما عن بعض توحى بالروحانية والصوفية، نرى بين هذه المساحات اللونية فراغات ضوئية فاتحة،قد جمع فى اللوحة بين حالتين، سالب وموجب، ثبات وحصار، وانتقل بشحنته الانفعالية من لحظة اللاوعى إلى لحظة يقظة فى آن واحد .
- بعض اللوحات عبر فيها برموز وإشارات مثل الأسهم أو الخطوط بعدة اتجاهات طولية وعريضة ومائلة، كما استخدم الأشكال الهندسية، المثلث والمربع والدوائر والخطوط دون نظم رياضية، أشكال هندسية بنائية تمكن الرموز والإشارات من الارتكاز عليها، وفى لوحات أخرى نرى نفس الأشكال الهندسية تبتعد وتخرج من اتزانها لتتقابل مع مساحات أخرى فى أطراف اللوحة، الرموز والإشارات كأنها نصوص وسيناريوهات لمواقف حياتية وتحمل عند حسنى دلالات ذهنية ومعانى، ربما تكون حقائق أو متغيرات يرفض الفنان تصديقها، لذلك جعلها رموزاً غير مقروءة وغير مفهومه ولكنها محسوسة نسبياً.
- عبر حسنى فى لوحات معرضه بالمساحات اللونية عن وقفات و`سكتات`، وانفعالات بين الهمس والبوح، بين الشجن والفرح، بالغموض الشاعرى الذى يوحى بالفن دون تصريح واضح، ليزاوج فى أعماله بين الأسود والأصفر بين الأزرق والأصفر، الأزرق والأبيض، فى إيقاعات لونية حادة وهادئة، حاور اللون الأسود باللون الأصفر بلغة خطاب ذهنى يؤكد قيمة كل من اللونين هذا التحاور الصامت، اللون الأصفر لون نقى نشط بصرياً، واللون الأسود تعبير عن حالة صمت، تمثيل للحظة هدوء نفسى، كما تكررت فى أعماله اللقاءات اللونية بين الأسود والأزرق والأخضر العشبى ليفرض كل منها سيطرته على الآخر، وفى إحدى اللوحات جاء بهما فى مساحات هندسية وجعل لكل لون أن يعبر عن نفسه بوجوده فى حالة تلاحم مع الآخر رغم الاختلاف الشكلى وضعهما فى تكوين واحد أكد توافقهما بكل اختلافاتهم .
وعلق بعض الفنانين والنقاد على المعرض، فقال الفنان مصطفى حسين نقيب التشكيليين: أعمال الفنان فاروق حسنى يطلق عليها `التجريد الغنائى` أو التجريدية الموسيقية بكل ما فيها من إيقاعات لونية وأنغام حسية تطربنا بصرياً وكأنها مقطوعة موسيقية نتذوقها ونحسها، هو مؤلفها،فالموسيقى نتذوقها رغم أننا لا نعرف العزف على الآلات الموسيقية، نجد أعماله تريح العين، ومن تتبع مسيرته الفنية سيجد أن هذا المعرض به شحنة انفعالية حادة تختلف عن كل المعارض السابقة .
- أما الفنان والناقد ياسر منجى الذى قدم القراءة النقدية لأعمال الفنان داخل كتالوج المعرض فيرى : الأعمال المعروضة نطلق عليها مرحلة `الانفجارية الحركية `، لأن اللوحات بها حركة شديدة وانفعالية ولكنها تحمل شحنة أكثر هدوءا وتأملا من المراحل السابقة، درجات اللون فى الأعمال الأسود والأبيض والأزرق موجودة فى ذاكرة الفنان البصرية، والعناصر هى ترجمة لما احتفظ به الفنان فى عالمه الداخلى، والخطوط تحمل بداخلها مدلولات وإيحاءات، فنجد أن الخطوط المتعرجة هى استرسال للنيل وتمثيل عن جغرافيا مصر، وهيمنة الفراغ قيمة منشودة فى ذاتها كلما أضاف حسنى العنصر البشرى واختزل تفاصيله وجعله فى لقاء وحوار صارخ هادئ بين العناصر والأشكال، واستخدام الشكل الهرمى المثلث فى رؤية لها مرجعية تاريخية فرعونية وتراثية، كما يتضح أيضا المرجعية البيئية الساحلية فى اللون الأزرق وتوزيعاته.
-أما الناقد صلاح بيصار فيقول:أعمال حسنى تمثل النغم المرئى فهو يحدثنا بلغة بصرية، وتحمل بداخلها حس إنسانى رغم التجريد، واستخدامه لأبجدية لونية كأنها كتابات بالشفرة، فى أعماله رصيد ذكرياته عن واقعه السكندرى فى استخدامه للون الأزرق، الألوان بها نقاء شديد ووضوح وإشراق ضوئى، وتأكيد على حالة ذاتية للفنان، أما الخطوط السوداء السميكة فنجد أنها مرتبطة بشكل عميق بالزجاج المعشق الإسلامى، وهى مرجعيات الفنان الإسلامية، والطبيعة اختزال لأشكالها، تجريدية هذا المعرض تجريدية إنسانية شحنة تلقائية، بها غموض يجذب المشاهد ويشوقه للكشف عن معانيه، رغم أنه باح بألوانه وعناصره فى بعض اللوحات بملامح أشخاص، كشكل من أشكال التواصل مع الواقع ولكن باختزال وتسطيح .
سوزى شكرى
2011/1/23 - روزاليوسف
تيمة `فاروق حسنى` الزرقاء
- يظل اللون هو البطل التعبيرى ومحدد الهوية للفنان `فاروق حسنى` فى كل أعماله يعكس به سريرة روحه التى تسعى دائماً للشياكة البصرية.. ينتمى فى فنه إلى الأسلوب التجريدى الشاعرى, فهو يضع على لوحاته ما يريد البوح به بكلمات مختصرة مفيدة. فنه به ذاتية شديدة ناتجة عن تجاربه الخاصة، يعبر فيه بألوانه وأشكاله المجردة عن الطبيعة بتوارداتها الجغرافية الكثيرة مثلما تعبر الأصوات عن الموسيقى، فأعماله كالموسيقى الخفيفة تستطيع أن تسمعها فى أى وقت ولا تحتاج إلى ذهن بصرى, كذلك لا تقاس بمدى الفهم إنما ترتبط بما فى بصيرة المتلقى بالتفاعل مع شحنته الشعورية والانفعالية فيكون للمتلقى دور فى إضفاء معان يمكن الإمساك بها فى اللوحة.
جاءت أعمال `فاروق حسنى` فى معرضه المقام حالياً بجاليرى `أوبونتو` بالزمالك والمستمر إلى السبت 4 مارس استكمالاً لما أنتجه سابقاً فى نفس الاتجاه، فالمعرض يعد استمراراً لأسلوبه الفنى.. جاءت فيه لوحاته فى صورة 35 عملاً فنياً لم تعرض من قبل بالألوان الأكريلك على توال `Acrylic on canvas ` تنوعت مساحاتها ما بين 80×60 و130×100 بجانب أعمال صغيرة ما بين Pencil on paper and Acoural لتجسد أسلوبه الفنى الذى استطاع أن يستخلصه لنفسه ويتميز به عن باقى أقرانه من خلال تفاعله الفنى مع مدرسته الفنية الأولى `الإسكندرية`، التى قامت على فكرة التبادل الثقافى والحضارى باعتبارها مركزا ثقافيا مهما ثم مزجها مع المدرسة `التجريدية التعبيرية` بعد أن تأثر بها خلال فترة عمله بأوروبا فى سبعينيات القرن الماضى بعد أن أصبحت لغة فنية بالنسبة له لما فيها من تبسيط وتلخيص وتعبير فنى مباشر.
أعمال `فاروق حسنى` وأسلوبه الفنى ليس صعب الاستيعاب كما يتصوره البعض بل هو `قلة احتياج مع وفرة إمكانيات` شأنه فى ذلك شأن الأسلوب التجريدى الذى ينتمى له والذى يعتمد على استخلاص جوهر العناصر وعرضها بشكل جديد لا يعتمد على أى تفاصيل بل يرتكز على الشكل والخط واللون. فكانت بدايته أن أثْرت الطبيعة الساحلية الساحرة لمدينة الإسكندرية - موطن ولادته - مخزونه البصرى بمجموعتها اللونية المتميزة فى تجميعة متناغمة بين ألوان البحر والسماء والأرض، ليصبح اللون الأزرق هو تيمته الفنية التى يعبر بها عن البحر وتعكس ولعه كفنان سكندرى بالمتوسط. ثم جاء لقاؤه فى السبعينيات مع مدرسة الحوض المتوسط `إيطاليا وفرنسا` أثناء فترة عمله بالملحق الثقافى للسفارة المصرية فى باريس ثم رئاسته لأكاديمية الفنون المصرية بروما، وفى هذه الفترة `السبعينيات والثمانينيات` كانت التيارات الفنية الموجودة فى أوروبا متأثرة بالتجريدية الأوروبية والتجريدية التعبيرية القادمة من أمريكا باعتبارهما المدرستين الأساسيتين وقتها، وكان أشهر فنانيها الفنان الأمريكى `جاسبر جونس` و`جاكسون بولوك` وتزعمها فى أوروبا الفنان الروسى `فاسيلى كاندنسكى`. وهنا كان التقاء الحضارات والثقافات التى استطاع معها `فاروق حسنى` أن يكتشف السمات المشتركة والعلاقات السحيقة بينهما، وترجمها بطريقته الخاصة واستطاع أن يستخلص منها أسلوبه الفنى الخاص الذى بُنى على فكرة التأثير والتأثر ورمزية وتجريد الأشكال بشكل كبير جداً ووضعها فى صورة ألوان لها دلالات زمنية وبها بُعد إنسانى تؤثر فى المتفرج من الناحية الشعورية، خاصة أنه عايش أيضاً الحركة الفنية الفرنسية والإيطالية.
اعتمد الفنان `فاروق حسنى` فى معرضه الحالى وكعادته منذ بدايته على قوة تأثير اللون باعتباره مصدرا للطاقة ومفجرا للحالة الشعورية وفى هذا محاكاة للمدرسة `التجريدية التعبيرية`، فالأزرق لون يتصدر ويشترك فى كل أعماله ويُظهر به الفنان علاقة السماوات بالبحور، وترتكز `بالتة` ألوانه على الأحمر والرمادى والأصفر المائل احياناً إلى البرتقالى ليعطى إحساسا بحرارة ودفء الشمس والقليل من الأخضر. كما أنه يعطى للمساحات اللونية بعدا سيكولوجيا يتسم بالرقة والنعومة والمزج بين الألوان لإعطاء نوع من الشاعرية والبساطة على العمل ويطلق على هذا الأسلوب `التجريد الشاعرى` وكان أشهر فنانيه هو `بول كلى` وكان يسمى بالفنان التجريدى الشاعرى. وجاءت تكويناته فى منتهى التبسيط والتلخيص وتكاد تكون أشكالا رمزية، ونظراً لدراسته بقسم الديكور كلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية فلوحاته لا تخلو من إضافة خطوط تحدد مساحات أو هيئات أكثرها به تناثرات خطية وتنقيطية اعتمدت على خطوط عمودية وأفقية مائلة أو منحنية مثل التى صاحبت المدرسة `التجريدية الهندسية` التى ظهرت فى هولندا عام 1917على يد الفنان الهولندى `بيت موندريان`، كما أضافت هذه الخطوط للشكل وأكسبته جانبا تعبيريا، لذلك فأعمال فاروق حسنى تقع بين تعبيرية `كاندنسكى` وهندسية `موندريان`.
سهام وهدان
صباح الخير - 2017/2/21
وزير عاشق فى مهمة فنية
حالة فريدة من الارتقاء الروحى والتأمل، تعيشها مع لوحاته فتدعوك إلى التغيير، الاكتشاف الجديد، والنظرة المستقبلية، ليس فقط من خلال ما يأخذنا إليه فنه التجريدى من فراغات هائلة وآفاق بريحة، لكن أيضا لما يتمتع به مبدع هذه اللوحات وزير الثقافة الأسبق، الفنان فاروق حسنى، المعروف بعشقه للفن بجميع ألوانه، من رؤية فلسفية وثقافة عميقة، وخبرة حياتية واسعة وترحال طويل ثرى.
يطل علينا من جديد الفنان فاروق حسنى عبر معرضه السنوى الذى يفتتحه فى التاسع عشر من هذا الشهر بجاليرى (أوبنتو) بالزمالك ليقدم لنا إيقاعات بصرية جديدة بلغة فنية مختلفة، فكما تعودنا منه يفاجئنا فى كل معرض جديد بمسطحات لوحات تشغى بتكوينات لونية وشكلية لم نشاهدها من قبل فى أعماله السابقة، تحمل مزيداً من الشحنات الوجدانية التى تعكس ما يدور فى أعماقه من أفكار ورؤى ومشاعر مغايرة، تدعونا إلى التفاعل والتحاور مع ما حولنا بإيجابية وحماس بعد أن نكون قد قمنا بترويض أنفسنا، وإعادة `شحن` طاقاتنا، لنستطيع استقبال كل هذا الثراء الفنى والفكرى المتجدد، الذى يمكن تفسيره، بقول الفنان: `لا أهتم بإقامة معرض جديد إلا إذا كانت لدى أعمال ذات أحاسيس، أفكار ولغة فنية جديدة، ولكل فترة إيقاعاتها البصرية الخاصة بها، والنابعة من ذلك كله`.
وما بين جرأة لمسات فرشاته، وصراحة مساحاته اللونية، وعفوية خطوطه فى لوحاته بمعرضه تنتقل إلينا الكثير من انفعالاته من لحظات يقتنصها من اللاوعى إلى الحضور واليقظة، فالمتلقى هنا أمام فن بصرى قد يفتش فيه عن مدلولات، وجوه، أو أشكال معتادة متعارف عليها سواء كان مثقفا أو غير مثقف، طفل أو كبير، فيخفق ويفشل فى الوصول إلى شىء من ذلك، لأنه ببساطة بصدد فن قوامه الوجدان المستند إلى خلاصة تجربة الفنان وثقافته ومعرفته وترحاله الطويل، لا الفهم أو التفسير المباشر للكون أو الحياة.
ذلك نفسه هو نفسه ما يمنح المتلقى قدرا أعمق من التأمل والصوفية، والترقى بالروح، حتى لو لم يعثرعلى فهم صريح للعمل الفنى، ذلك أن التأمل وحده يقوده إلى التجديد والتغيير، وهذا هو الفن التجريدى الذى لخصه فاروق حسنى مثلما يلخص الكون فى لوحاته حين قال لى: `الفن التجريدى على وجه الخصوص هو الخلاص من الشكل وصولا إلى نشوة الروح، فالعمل الفنى يجعل الإنسان ينتشى ويجدد طاقاته وفكره، وأنا لست فنانا يذهب إلى قضية محددة أو رسالة بعينها ليقدمها فى لوحاته، نعم أستطيع ذلك، وفى مراحل فنية سابقة من حياتى خاصة فى شبابى تناولت قضايا بأسلوب أكاديمى، كما رسمت الطبيعة البحر والمراكب وغيرها مما يطلق عليه الفن الملتزم بقضية، إلا أنه بعد ذلك دخلت على ّمنابع فكرية ووجدانية كثيرة تأثرت بها فنيا، وكأى فنان يكافح لكى يصل إلى أسلوبه أو سكته التى يحقق ذاته من خلالها، فإنه يختارها ويسير فيها، وهكذا فعلت مع التجريدية وهكذا فعلت بى التجريدية!`.
ويضيف مجيباً على سؤالى له بأن الكثيرين قد يجدون صعوبة فى فهم الفن التجريدى قائلا `لأن التجريد يتحس أكثر منه يُفهم، وعندما يأخذ المتلقى اللوحة التجريدية إلى بيته، فإنه يكتشف كل يوم فيها المزيد نقطة، خط، تاتش، والتجريد متعب جدا لمبدعه، لأنه يمثل البحث فى المطلقات لكى تكتشفها، فالتجريدية هى انتقال الفن من مجال محاكاة الطبيعة وتصوير العالم المرئى إلى التعامل مع الأفكار والأحاسيس، أو ما يطلق عليه (كاندنسكى) بالضرورة الداخلية، ليجعل اللامرئى مرئياً`.
وفى لوحات معرضه الجديد أيضا تجد تأثر فاروق حسنى الواضح بالإسكندرية ويعلق قائلا: `نعم تأثر فنى بالإسكندرية، التى ولدت فيها فكانت هى كل المشاعر والأحاسيس، وكنت محظوظا أكثر أن بيتى يطل على البحر، ذلك البحر غير المستقر الذى تجده يوما غاضبا ويوما آخر هادئا ويوما تجد النورس قد رسمت سيمفونية بصرية، كنت معاصرا لهذا التنوع الحى الذى يقوم به البحر والمناخ خاصة النوات التى تقلب كيان الجو وتغير المدينة ثم تغتسل بذلك كله وتصبح فى النهاية متميزة ببحر وسماء مكسيين بالزرقة، هذا التقلب يفعل الكثير بالفنان`. تأثر `حسنى` أيضا بالحضارة المصرية القديمة، ويقول: `هى التحدى الأعظم فالإنسان عندما يجد نفسه أمام هذه الحضارة يكتشف كم أنه قزم، ما كل هذه العبقرية والطاقة والخيال والصوفية التى جعلت المصريين يصلون إلى هذه الحدود من الإبداع!`.
وبرغم الفرص الواسعة أمامه ليعرض فى أشهر القاعات الفنية العالمية إلا أنه يرى أن لمعارضه فى مصر طعما خاصا، إذ ارتبط بهذه الأرض ارتباطاً شديداً. وتابع: `مهما كان النجاح فى الخارج رائعا فإنه لا يساوى أى نجاح على أرض الوطن`.
نادية عبد الحليم
المصرى اليوم - 2017/2/11
قيم اللون فى أعمال فاروق حسنى
- يلخص ` ينكلس ` تجربة فاروق حسنى اللونية بأنه يمتلك جملته الذاتية فى أشكال لونية تتجلى كرسائل شعرية نابضة بطاقة التكثيف والتناقص والغموض.
- وعن علاقة ألوانه بالضوء الداخلى يقول : ` إن أشكاله تغذى ضوءها الذاتى الذى يفرض نفسه ، بحيث يظهر من قلب الظلمة بطريقة غامضة وتلقائية ، فقط ذبذبات لون واحد أو لونين ساطعين يظهران من العتمة ، أحمر فى الغالب وأحياناً أزرق ، ويقول : الواقع أنه يحقق ذلك فى كل لون يضعه على قماش الرسم ، وهو يطلق عالم من الأشكال النابضة بالحرية حتى حينما يقتصر على الأبيض والأسود.
- وعندما سألته عن تفسيرة لملاحظتى أن لوحاته بها صفة مشتركة مع فنان ` الحقل اللونى ` الأمريكيين إذ أنه لا يحدها إطار أو محيط اللوحة ، وأن لها امتداد تصورى خارج حدود اللوحة مما يمنحها حساً ميتافيزيقيا ، وطاقة غير ملموسة بالرغم من حضورها المادى قال : أنها تعبير تلقائى عن حريتى إذ أكره الروتين حينما لا أكون مضطراً إليه، وأنا نفسى بلا إطار محدد ، وربما لذلك لم أتزوج تخوفاً من روتين الحياة الزوجية ، أحب أن أختار وقتى ، وربما يمكن تفسير سؤالك هذا المتعلق بالامتداد فيما وراء حدود لوحاتى ، أن العواطف دائماً ناقصة جزء، أياً كان نوعها ، الحب ، الفرح ، الحزن ، تلك المشاعر لا تكتمل بصورة كاملة ، وأنا لا أستطيع زيارة عزيز فى مرضه القاسى .ومن ثم فإن مساحة لوحاتى تمثل مشهداً قابلاً للامتداد والاتساع ، ويلتفت أن كاميرون إلى زاوية أخرى لتلك الخاصية عند فاروق حسنى حيث يرى أن اللوحة التجريدية تعرض متغيرات جديدة لتلك العلاقات الأساسية مثل النسب الداخلية لمستطيل أو الحوار بين قلب الصورة وحافتها .فهى حتى يعطيك الانطباع بإن العالم خارج اللوحة هو لحد كبير أكثر تجريدية عما هو الحال عليه ، مما يضيف بعداً ميتافيزيقياً للتفسير البصرى.
بقلم : مصطفى الرزاز - 2018
- يؤكد الناقد ` ميشيل نوريدسانى ` أن فاروق حسنى فنان متفرد ، هكذا ببساطة .. متفرد دون مرجعية مشهورة ، بلغته الخاصة التى توفى إتجاة واحد إلى اللحاق بهذه الطائفة المستترة لهؤلاء الفنانين ، وبأعداد صغيرة ومسارات مليئة بالمغامرة فى كل ما يرى.
- إن النقاد ومؤرخى الفن لديهم العادة المغضبة - وفى نفس الوقت المعروفة - أن يتناولوا الفنانين التشكيليين ليس فقط بوصفهم فى ` مدارس ` أو ` جركات ` لكن بانتمائهم إلى أوطانهم .
- يولد الفنان من لا شىء ..يكفى أن نزور المتاحف الكبرى فى أى مكان فى العالم لنرى أن الفنانين بالرغم من تميزهم وغرابتهم يحملون علامات عميقة لانتمائهم إلى دولتهم .
- إن ` تتسيان ` من مدينة ` البندقية ` إلى درجة أنه يعتبر رمزاً لها.
- ولا يستطيع ` دوشامب` إلا أن يكون فرنسياً حتى لوتجنس بالجنسية الأمريكية مؤخراً ، و` وارهول` أمريكياً حتى ولو كان تشيكى المولد.
- لكن هل هذا صراحة هو ما يهمنا عندما نتناول هذه الأعمال ؟ حتى لو كنا أحياناً نستطيع أن ملاحظة المنطق شديد الفرنسية لـ ` بيورن ` أو التعبيرية شديدة الألمانية لـ ` بازليتس`.
- لدى فاروق حسنى ضوء هو ضوء مصر - دون شك - ولد من تفاعل كيميائى مرهف ، هو خليط من ماء النيل ، مياة البحر والصحراء القاحلة . لكن هذه الشفافية وهذا الأسلوب فى جعل اللون يصعد ليهبط ببطء على باقى الألوان التى هى بمثابة سند له ، هما عنصران لا يملكهما إلا سواه.
- ومثل الشاعر ، يقوم فاروق حسنى باستثمار أقل لمساحة الأرضية ، لكى تذوب فى متعة الخيال والواقع ، ليعطيان دون تفرقة ألوان - خطوط - أبخرة ، تعرجات أو خطوط عميقة ، خربشات ، علامات تعجب صغيرة ، بقع شديدة - الإضاءة - مسطحات منزلقة.
- ذروة التصوير الذى يتنفس هنا باتساع وفى هذه الحركة ينفتح ليصل إلى الغناء ، تحمس فى الحرارة قد يصل إلى الخشوع.
- هل يمكن اعتبار فاروق حسنى إيمائى ؟ مصور للسحب ؟
- فنان لا شكلى؟ شاعر غنائى ؟ هل هو تجريدى كلية ؟
- إن الفنان الذى يعرف كل هذا - أقام فى باريس وروما - يبطل خداع المصطلحات الجاهزة .
- فى استطاعتنا إدراجه فى هذه المنطقة المبهمة حيث ينادى التجريد فى التصوير بقفزات إيمائية ، حيث يختبىء التصوير وراء أقنعة اللاشكلى . تصوير بطىء أحياناً وسريع فى أحيان أخرى يعمل بالتراكمات والتمددات ، بالتوقف على صورة أو بومضات مفاجئة . تصوير ملىء بالمفاجآت..
- قد نميل إلى ربطة بتيار غريب يدعى ` تجريد للمناطق الطبيعية ` حيث إننى كثيراً ما شاهدت فى لوحاته خطوط أولية لشواطىء تمس أطراف الصخور فى شمس تغرب، يمكن إستنباطها أو تخمينها من خلال هذه اللوحات المليئة بالإيقاعات.
- لكن عندما تظهر هذه الأشكال المنسقة فى صورة جبال، وسماء مضيئة ، ليالى بنفسجية ، مساحات ممتلئة بالضوضاء ، تتحلل إلى انزلاقات خشنة ، إشارات ، علامات ، أمواج صاخبة ، مساحات من اللون الأخضر اللوزى ، البنفسجى ، الليلاك ، الرمادى الفاتح مثل اللؤلؤ ، الأحمر البراق أو مساحات زرقاء واسعة .
- يبتعد هذا التصوير عن الرشاقة مثلما يفادى التوازن المثالى . يعرف كيف يحدد كل تجربة بعيداً عن البراعة ، فى التأرجح اللازم ، التلقائية والمجازفة .
- إنه تصوير ملىء بالحرارة .. يقوده الكرم.
بقلم الناقد الفنى الفرنسى: ميشيل نوريدسانى
جريدة لوفيجارو 2018
الحرية بين علامتين
- لا زال الفنان المصرى الكبير فاروق حسنى يطلق عوالمه الحرة بإقتدار فى انحياز مخلص للغة الشكل وإيمان بقدراتها البازخة على الطرح والعطاء ، يواصل بجسارة تجربته التجريدية التى تطرح فروضها الجديدة فى هذا العرض من خلال مسارين رئيسين: التصوير ، والتصوير المضاف له بعض المقاطع الفوتوغرافية بتقنية ` الكولاج ` ، وبينما تظهر حالة العمل فى جانب كبير من التجربة التصويرية للفنان كحالة هيولية يبدو فيها وكأن الفنان يطرح المادة الأولى التى تتشكل منها عناصره قبل أن تتخذ صورتها ، ينبت فى هذا الهيولى بعض العناصر وقد بدأت فى اتخاذ صورة أولية لها من خلال بنيات لونية وخطية ينكشف منها آثر الجدل الدائر بين الفنان وبين مقومات مادته التى يصنع منها عمله الفنى ومدى استعدادها وقبولها للتشكل وفق تخيله ، ونستطيع أن نجد هذا الجدل مصوراً بين مادة بقيت غفلا فى دفقات من اللون المطلق النقى والخطوط الشاردة وبين هيئات بدأت فى التشكل لاتخاذ صورة أو علامة ما ، وذلك فى أثر أشبه بقوة الطبيعة فى إرادتها وفعلها ، وإدراك لكيفيات البناء وامتلاك لطاقةحيوية كبيرة وقدرة على خوض مغامرة صناعة اللوحة دون مخطط مسبق ، وعلى استنفار الطاقات البنائية الخاصة بمادة الشكل التى تجعلها تستجيب للصورة التى ستحل فيها.
- من هنا يقدم فاروق حسنى مشاهدة التجريدية بحالتها الهيولية وعناصرها التى تتخذ طريقها للتشكل دون إلحاح فى استكمالها أو غلقها فى هيئات معروفة سلفاً .
- الوقوع فى فخ التأويل
- تضعنا أعمال فاروق حسنى أمام قضية تلقى الاتجاه التجريدى فى الفن وأيضاً قضية تناوله نقدياً ، فعندما نتحول من لغة الشكل إلى لغة الكتابة نكون قد وقعنا حتماً فى فخ التأويل ، وإذا كان هناك من يرى أن الشعر لا يترجم من لغة إلى لغة أخرى حتى لا يفقد جانباً من جماليات لغته الأصلية أثناء الترجمة فما بالك بالتنقل بين لغتين : لغة النص البصرى ولغة النص المكتوب ، لكننا لا محالة واقعون فى هذا الفخ طالما دخلنا كطرف ثالث بين الفنان والعمل الفنى ، فالفنان حسب مقولة ` جادامير ` يحول من خلال الشكل تجربته الوجودية إلى معطى ثابت يتركه مفتوحاً للأجيال القادمة ، هذا الشكل الفنى الثابت يجعل عملية الفهم والمشاركة ممكنة . وتصبح مساحة التأويل هى المساحة الذاتية للمتلقى الذى يضيف ذاته إلى العمل من خلال تلك العلامات البصرية التى يحاول أن ينفتح على عالمها الخاص .ورغم أن التأويل من جهه يخل بأمانة الإخلاص للتجريد إلا أنه من جهه أخرى يساعدنا فى استقبال العاطفة الخاصة بالشكل والإصغاء للغته الخالصة وإفساح للجانب الذاتى فى تلقى العمل .
- والتجريد يفسح مساحات أكبر للتأويل فهو لا يحيل المتلقى لشكل جاهز يعرفه مسبقاً تنتهى رحلة تلقيه بمجرد التعرف عليه ، حيث يتصفح المتلقى ذاكرته بحثاً عن مستندات مصورة لعناصر فى الواقع تتشابه مع ما يراه ، بل يقود التجريد المتلقى ليبحث عن مدخل للفهم يزيل به الغموض الظاهرى للشكل ، فمن الطبيعى أن نبحث عن أشكالنا الخاصة أو نسقطها على هيئات وخيالات اللون المجردة . إلا أن الفن التجريدى يحتاج رؤية لاتنتهك خصوصية لغة الشكل واستقلاليتها ووجودها الخاص ، وكلما كانت اللوحة مجردة كلما كانت محيرة تتطلب من المتلقى عمليات من التلقى الواعى ومحاولة استقبال دلالتها الشكلية واستحضار يقظة ذهنية خاصة لفك غموضها ويقظة عاطفية أهم لاستقبال رسائلها ، أو لايسعه سوى أن يستسلم بسعادة لسحر اللون والشكل فى حد ذاتهما وهذا فى ظنى أجمل أشكال تلقى الفن التجريدى وأكثرها إمتاعاً خاصة فى التعرض لتجربة مثل التى يقدمها فاروق حسنى فى فنه.
- حينها يمكن أن يخطف قلبك وهج الأصفر فى لوحاته أو أن تسقط فى عمق الأزرق ` الألترامارين ` ، أن تستمع باكتشاف خط داكن ما زال يحيا فوق عتمة الأسود ، أن تشارك فى شغب الخطوط والألوان والأشكال وصراعاتها وتوترها وتزاحمها لاجتذاب النظر ،أن تقع على بعض الكشوف الممتعة مثل كشف بؤرة ما فى العمل وتنبع تحولاتها ونموها وأن تثيرك الخربشات التى يناوىء بها الفنان كتلة اللون فيخرجه عن سكونه ، أن تستمتع باكتشاف الأصفر الذى يضيفه فوق مساخة أصفر من عائلة لونية أخرى ، أو أن تدرك قيمة الأزرق الداكن الذى يضىء بخفوت عتمه الأسود ، أن تلاحق السرعة التى يقتنص بها فاروق الشكل ، وفائض العاطفة الذى يحول بها اللون إلى نقاط أو زخات صغيرة تتطاير فى فضاء اللوحة ، والفرشاة المتسارعة التى تحاول أن تلاحق إندفاع عاطفته نحو عمله ، والطرح السريع للإحساس الذى لاحقه بالأداء السريع الذى يقبض به على لحظات سعادة لا يمنحها سوى الفن .
- إنها متعة جماليات الفعل الفنى فى ذاته الذى تتلقاه العين المستجيبة فى رحلة شائقة من الحس إلى الذهن إلى العاطفة ذهاباً وإياباً ، ولا يمنع الأمر من أن تلعب لعبة تفسير أحجيات اللون والخط والهيئات الناتجة عن نسجهما ، أن تغرق فى مساحات لون عميق يصلح لأن تملأه ذاكرتك بما تريد . أن تكتشف بلغة الأدب ثريا النص فى كل لوحة من أعماله إنها متعة فريدة يدركها من يؤمن ويرى قيمة الشكل وعطاءاته الخاصة.
- فالتجريد لغة من صنع التصوير تفك شفراتها العين أولا ،إلا أن الصورة البصرية التى يقدمها التجريد هى الجانب المادى منه أما الأثر العاطفى والحسى فيتفاوت سعة وحرجاً حسب طبيعة كل متلق ومخزونه البصرى ، فبعض المتلقين يمتلكون رصيداً بصرياً يسمح لهم بالممارسة الممتعة للتأويل من جهه واستكشاف لجماليات الشكل من جهه أخرى والبعض الأخر يدير ظهره لأنه يجد الأشكال الجاهزة التى يعرفها ـ بعد أن يخفق فى إلباس عناصر اللوحة التجريدية رداءً واقعياً قد خبره مسبقاً.
- ظل الطبيعة
- رغم تجريدية أعمال فاروق حسنى التى تبدو للوهلة الأولى تجريدية خالصة إلا أننا نجد فيها ظلالا للطبيعة، ربما ليس بعالمها المادى الملموس من أرض وماء وجبال وأشجار وبشر ، لكننا نجدها بعالمها غير الملموس من ضوء وسماء وهواء ، وقواها الداخلية للإنبات والنمو والحركة . إن البحث فى روح مظاهر الطبيعة وتجريدها يؤدى إلى التعبير المكثف عنها . غير أن الخلاصة ( الجوهر ) التى التمسها فاروق من الطبيعة تتميز كلها بالعمومية والتوليف والتركيب ، فضلاً عن كونها تعكس الخبرة الفردية للفنان الذى لا تعنيه الأشكال المنتهية لعناصر الطبيعة بل تعنيه القوى الخفية التى تنتجها ، لذلك يشير باستمرار فى كل أشكاله المتغيرة المتواترة إلى تلك القوى ، وطبقاً لمقولة بارنز ` إن الإشارة إلى العالم الواقعى لا تختفى من الفن حينما تكف الصور عن أن تكون صدى لأشياء موجودة بالفعل ، وحينما لا يكون فى وسعنا أن نجد فى لوحة ما تمثيلاً لموضوع معين، فإن ما تمثله هذه اللوحة قد يكون تلك الكيفيات التى تشارك فيها كل الموضوعات الخاصة كاللون والامتداد والصلابة والحركة والإيقاع .. الخ ` . أى أن الفن لا يفقد طابعه التعبيرى لمجرد أنه يصوغ العلاقات القائمة بين الأشياء فى صورة مرئية ، دون أن يكشف عن الجزئيات التى ` تملك ` تلك العلاقات.
- وإذا كان العالم المرئى يمثل نظاماً من أبجدية مركبة من الرموز ، فإن مهمة الفنان لا تقتصر على قراءة هذه الأبجدية ، بل يجب أن يتشبع به وبإيقاعها ، ويعيد خلق هذا النظام وهذا فى ظنى ما يطرحه فاروق حسنى بسعة وتفرد.
- مفارقة بصرية
- يعود فاروق حسنى فى هذا المعرض إلى الكولاج وهى تجربة ارتادها فى الثمانينيات من القرن الماضى ، وهو يضيف قطعة الورق المصورة فوتوغرافيا التى تبدو كبقعة محيرة ومثيرة للتساؤل فى اللوحة ، وعلى الرغم من أن الفنان يستخدم المقطع الفوتوغرافى كمثير تشكيلى بالدرجة الأولى إلا أنه يحدث مفارقة عجيبة فى قلب الفضاء التجريدى خاصة عندما يمثل مجتزأ من شكل واقعى محدد .إنه يصنع خلخلة فى نظامه التجريدى بإضافة المقطع الفوتوغرافى ، فالمقابلة بين هيئات اللون المجردة والكولاج الفوتوغرافى خلقت مفارقه شكلية أرفدت الأعمال بديناميكية تعبيرية جديدة وحقتت نوعاً من الانتباه الذهنى بسبب زرع عنصر غريب عن البيئة التشكيلية المجردة مما يجعل المشاهد يقف على جمال التناقض بين التجريد الصرف والفوتوغرافيا ، فالتآزر بين هيئات اللون والشكل وبين قطع الكولاج يضعه أمام عالم غرائبى بين التجريد المطلق والواقعية المفرطة للفوتوغرافيا .ومن جانب آخر قد يسعى بعض المشاهدين للأعمال لتشخيص البيئة التجريدية للعمل بما يتلاءم مع الجزء الفوتوغرافى المضاف فيجعلون من مساحات اللون بهيئاتها المختلفة والخط بتنويعاته المتعددة مجالاً يستكملون به فضاء الشكل الواقعى المصور فوتوغرافياً فيمرون بتجربة إسقاط أو شخصنة للعناصر المجردة . وفى أحيان قد يمنح الجزء الفوتوغرافى بعداً فيزيقياً فى العمل كعنصر واقعى مزروع فى بيئة غير واقعية وهذا ما يمنحه طرافته وربما هو حنين لمرحلة ميتافيزيقية مر بها الفنان مروراً عابراً فى بدايات تاريخه الفنى وفى أحيان أخرى يقع المشاهد فى حالة من التموية واللبس عندما تبدو بعض الأجزاء الفوتوغرافية كأجزاء مكملة لهيئة تجريدية صورها الفنان فإذا به يكتشف أنها أجزاء فوتوغرافية تستكمل الهيئة المجردة إلا أن الفنان قد صاغهما معا كنسيج واحد ،إنه محفز جديد يضيفه الفنان ليظل المشاهد فى حالة يقظة كاملة وهو يتلقى العمل.
- وسيميولوجياً تحدث أعمال فاروق حسنى التى استعادن فيها بالكولاج توافقاً بين نقيضين : العلامة الاتفاقية أو الاصطلاحية التى تنتجها الصورة الفوتوغرافية فى المقطع ` الكولاجى ` ، والعلامة التصويرية البصرية التى تنتجها حركة اللون والخط وتشكلاتهما .وينتج تلاقى النقيضين من العلامات لغة بصرية مشحونة بالإثارة الحسية والتخييلية لدى المتلقى حيث أننا لا نستطيع أن نتخيل صورة ليست بصرية فى أساسها ، فالفنان يقوم بتفعيل وشحذ الذاكرة البصرية لدى المتلقى من خلال تفاعل عنصرين متضادين ، مما يؤدى إلى تراكم أشتات من الصور البصرية تختلف من متلق لآخر.
- إن فاروق حسنى يقدم الكولاج بصيغة جديدة تختلف عما قدمه التكعيبيون الذين قصدوا من إدخال قطع من ورق الجرائد والمطبوعات ، ولحاء الخشب والمحفورات ، وقطع القماش المشمع ، رفض فكرة اصطناعها بالفرشاة ، حيث وجدوا فى هذا الفعل شيئاً من الخداع ، ووجدوا أيضاً أن وضع الشىء بذاته على اللوحة يؤكد صلابة الهندسة فى اللوحة فيمكنها استيعاب بل هضم هذا الجسم الغريب ، فى حين أن فاروق حسنى قصد خروج هذا الجزء عن سياق اللوحة التجريدية وإحداث المزيد من التساؤل ، فبنية العمل التجريدى عند فاروق حسنى لا تحتاج وضع ` الكولاج` للوصف بل تستعين به كمثير يحقق معادلة بصرية جديدة فى الشكل.
- العاطفة والتجريد
- لكى نستقبل أعمال فاروق حسنى يجب أن نمتلك ما يمكن تسميته بملكة التعاطف فى التجربة الجمالية أى منح الفرصة لما نراه فى العمل الفنى لكى يكشف لنا عن أهميته وطرافته فالإدراك الحسى للمرئيات عن طريق العين يعقبه تحولها إلى صورة ذهنية يتم ترشيحها فى نفس المتلقى وتلوينها برصيده العاطفى الشخصى ، وتبدأ رحلته فى استكشاف خارطة من الهيئات البصرية تلتقطها العين أولا ثم يلقى الذهن عليها مفاهيمه ثم يبدأ تأثيرها العاطفى فى عمليات مترابطة وسريعة ، وهذا الفعل يحدث سواء كانت تلك الهيئات واقعية أو خيالية أو تجريدية.
- فى هذا السياق يقول الناقد الفنى روجرفراى ` إن فى الفن صفة عاطفية خارج نطاق إدراك النظام فى العلاقات التى يطرحها العمل الفنى ، هذا النطاق ليس مجرد إدراك النظام ، والعلاقات المتبادلة ، بل أن كل جزء وكذلك الكل يصبح مشبعاً بنبرة عاطفية ، لا ترجع إلى أى ذكريات معروفة أو إيحاء بالتجارب العاطفية فى الحياة، وإنما تستمد قوتها من إثارة بعض ذكريات بعيدة العمق ، شديدة الغموض ، ذات صفة عامة جداً . ويبدو أن الفن يتغلغل إلى الطبقة السفلية لكل أنواع الحياة العاطفية ، إلى شىء يكمن تحت كل العواطف الخاصة فى الحياة ، وأنه يستمد طاقة انفعالية من نفس ظروف وجودنا ، وذلك بكشفه لمدلول عاطفى فى الزمان والمكان . أو لعل الفن يستطيع فعلاً أن يستثير رصيد الآثار التى خلفتها على الروح انفعالات الحياة المختلفة ، دون أن يذكرنا مع ذلك بالتجارب الفعلية بحيث نتلقى صدى العاطفة دون التقيد بالاتجاة الخاص الذى كان لها فى التجربة ` من خلال هذا المنظور ينفتح لنا الجانب العاطفى فى تجربة الفنان فاروق حسنى ، فالتجريد ليس فنا ذهنياً ضد العاطفة بل هو العاطفة على إطلاقها يبثها إلينا الفنان من خلال طاقة اللون والشكل.
- وعلى الرغم من المشهد التجريدى الذى يقدمه فاروق حسنى إلا أن مفرداته لم تفقد ارتباطها بالعالم الخارجى وقدرتها على استدعاء الذكريات الخاصة عند من يشاهدها ، تلك القدرة التى تساعد على خلق التعاطف بينه وبين العمل الفنى ، فرحابة العمل الفنى هنا تتسع بمقدار تنوع العناصر الصادرة عن الخبرات الماضية التى يستحضرها العمل فى خيال المشاهد ، وهى التى تخلع على هذا العمل جسمه المادى وقدرته الإيحائية .ولما كانت تلك العناصر إنما تصدر فى كثير من الأحيان عن ينابيع غاية فى الغموض ، فإنه قد يتعذر التعرف عليها عن طريق التذكر .وبالتالى فإنها تخلق جواً غامضاً وظلالاً بعيدة يسبح فيها العمل الفنى بأسره.
- ويردنا ذلك إلى نظرية الإمباثية ( التفتح السمح أو التقمص الوجدانى ) وهى نظرية فى التذوق الجمالى تجد تفسيراً للمتعة الجمالية فى طبيعة العلاقة العاطفية التى تنشأ بين المشاهد والعمل الفنى ، وهى علاقة بديهية سريعة تنطوى على إدراك حسى مباشر ،إحساس نافذ إلى الداخل ، بين الفنان والمشاهد من خلال الوسط المشترك وهو العمل الفنى .هذا التعاطف هو الأساس فى كل تذوق جمالى.
- مبدأ جديد للحركة
- شغف الفنان فى مجمل تاريخ الفن بتصوير الحركة بوسائل متعددة يقطع بها سكونية التصوير ، وفى التجربة التصويرية لفاروق حسنى نجده لا يعتمد على حركة عناصر واقعية مصورة لكنه اعتمد على حركة لمساته العريضة واتجاهاتها وحركة الخط المتنوعة : المتكسر أو المنحنى أو المتقطع فى شبكة خطية متداخلة ناتجة عن الخدش المتتالى للمسطح المصور ، حيث استند إلى الحركة الناتجة عن مفردات الشكل وحدها ، على حركية الأشكال ووضعها فى طور التكون والتحول المستمر ، ففى أعمال فاروق حسنى ثمة حركة جارفة ، وسرعة فى التقاط المسار المناسب للون والشكل فى سريانهماالخاطف على مسطح الصورة ، ويد تستجيب لتلاحق حلم الصورة كما تراءى له، فلا محل للتردد وإلا انفلت الإحساس وفقد اللون طاقته وعنفوانه .إن هناك جزء من الأداء يعتمد على حركة الفنان النشطة أثناء العمل يتضح فى اللمسات الكبيرة السريع والخطوط المارقة والنقرات المتتالية على مسطح اللون وبناء على ذلك يكون هناك مبدأ جديداً للحركة فى الفضاء البصرى لأعمال فاروق حسنى ناتجاً عن الفعل الأدائى لحركة يد الفنان السريعة المتمكنة أثناء العمل الذى ينجم عنه حركة مساحات اللون واتجاهاته بدلالاته وأبعاده المكانية المختلفة ، بالإضافة إلى الاستخدام الحاذق للخط المتحرك كأفق أو استخدامه متتالياً فى خربشات أو وصلات صغيرة متقطعة ، كل يؤدى شفرته الخاصة ، فى حين تتحور اللمسات العريضة إلى هيئات صاخبة بالحياة .وعلينا أن نستقبل هذا التدفق بنفس القدر من الإنفعال وأن نلتقى مع الفنان عند نقطة توتر واحدة .
- وعلى الرغم من أن الفنان فاروق حسنى يمتلك ذلك الإنطلاق الإنفعالى الذى يتيح لبنياته الشكلية أن تتواتر على السطح المصور بهذه السرعة والتدفق إلا أن أعماله ليست مجرد ظواهر شكلية تلقائية تحمل أثر الخبرة والممارسة ، لكنها ثمرة تأمل طويل واستقطار لمخزون من المرئيات ومهارة التخييل وإعادة التركيب لكل ما سبق له رؤيته ، فهو يمتلك القدرة على تحوير المرئيات وإخضاعها لنسق بنائى جديد يتفق مع لغته الفنية الخاصة .
- اللون يرسم الفضاء
- اللون عند فاروق حسنى هو عماد الصورة يدركه لذاته ويجيد قيادته ويستثمر تأثيراته العاطفية والنفسية منزهاً له عن دوره الوصفى . وهو بذلك يردنا لوصف ( هنرى برجسون ) للمصور قائلاً : ` واحد من الناس يستعمل الألوان والأشكال ، ولما كان يدركهما إدراكاً حسياً من أجل ذاتهما ، فإن ما يراه ظاهراً من خلال ألوان الأشياء وأشكالها إنما هو حياتها الداخلية .شيئاً فشيئاً يدسها بطريقة غير مباشرة فى مداركنا ، وبرغم الحيرة التى تنتابنا فى البداية .. إلا أنه يغرينا بأن نقوم نحن أنفسنا بنفس الجهد ، ويخلق الطريقة التى تجعلنا نرى شيئاً مما رآه . إن الفنان يقوم بتنظيم عناصر العمل الفنى بما يجعلها ذات نسق تنبض بحياة خاصة بها ، وهو يقبض على أشياء لم يعد الكلام للتعبير عنها ولا تمت للغة بصلة ، إيقاعات من الحياة وأنفاسها ، وهو بإطلاقه لتلك الموسيقى من عقالها يفرضها على انتباه المشاهد فيجد نفسه مدفوعاً لأن يطلق فى أعماق كيانه وتراً خفياً كان منتظراً على أحر من الجمر ليهتز ` ، فأعمال فاروق حسنى لها القدرة على بث الوعى الحسى بديلا عن الوعى الذهنى عبر بنية بصرية تعتمد على ترددات اللون بقيمة المختلفة محدثاً رنيناً داخلياً ينتقل عبر البصر ليتحول لاحقا إلى مشاعر أكثر تركيباً ومن ثم إلى تجربة نفسية ذات غموض ممتع.
- ويعيد الفنان ترسيم الفضاء معتمداً على الأبعاد المكانية للون فالإنتقال من الألوان الساخنة إلى الباردة يعطى إحساساً بالحركة نحو الداخل ، فى حين يعطى التحكم فى قوة الألوان إيهاما بالمسافة فى الفضاء ، فالذبذبات الصادرة عن اللون تتفاوت قصراً وطولاً أثناء انعكاساتها على شبكة العين، وقد استثمر الفنان تلك الخاصية للون فى إبداع صور ذات مساحات تتفاوت ألوانها من حيث أطوال موجاتها محققاً بذلك تأثيرات بصرية مختلفة لبعدية الألوان منطلقاً من مفهوم إدراك قيمة اللون فى حد ذاته دون توظيفه كوسيلة لوصف أو تجسيم الأشكال ، لقد استفاد فى أعماله من تأثير موجات الألوان المتتالية فى فراغ الصورة . وتباين موجات الألوان فى شدتها وقيمتها خاصة عندما يستخدم الفنان الأسطح الملونة المائلة التى ساهمت بدورها فى صناعة منظور خاص وإحساس بالاتجاه نحو العمق رغم الطبيعة المسطحة للعمل ، بالإضافة إلى أن التعامل مع المسطح من خلال حركة الميول التى استخدمها الفنان فى الأشكال يخلق علاقة مكانية حيوية مع باقى مكونات الصورة ، وقد استطاع من خلال تتالى الموجات اللونية المختلفة تحقيق الإحساس بالتغير المستمر وبالتالى بوجود الإحساس الحركى المكانى وبذلك اكتسب اللون دورا جديدا يتجاوز مجرد استخدامه لتأكيد السطوح والكتل أو إضفاء العمق أو القرب للأشكال المختلفة فى الصورة بل للتأثير فى إدراكنا الحسى للمرئيات من خلال تزامن التجارب البصرية ، فعن طريق العلاقات التبادلية بين أطوال الموجات اللونية والتذبذب الناتج عنها فى كل مساحة ، يتولد احساساً حركياً للأشكال مما يولد استشعاراً للمكان ، لكنه مكان غامض ليس له حدوداً واضحاً أو علامات نقيس بها الزمن .
- بلا إطار
- يعتمد فاروق حسنى كفنان تجريدى على شكل من أشكال التكوين فى أعماله يندرج تحت وصف هوبرت ريد بأنه ` ديناميكى ومفتوح` وهو تكوين ` متصاعد البناء` تكون حدود الصورة فيه حدوداً مجهولة ، فالإحساس المكانى الذى تقدمه الصورة ينساب إلى خارجها فى سعى إلى خلق شىء متحرك محلق وإلى محو الحدود والخطوط الواضحة ، وإيجاد انطباع بوجود اللامتناهى وغير المحصور وغير المحدود ، وتحويل الوجود السكونى الجامد الموضوعى إلى صيرورة .فقد تعامل مع العمل الفنى بوصفه تصوراً بصرياً لحياة خاصة نشعر بحركة موجوداتها وتحولاتها وتلونها وامتدادها لتتجاوز إطار اللوحة الذى أصبح إطاراً افتراضياً لا يمنع تدفقها للخارج .فاللوحات التى تتحرك العناصر فيها إلى الأمام والخلف تحتاج إلى تحديد أو إغلاق .فى حين أن اللوحات التجريدية التى تبدى أشكالها حركة مسطحة ثنائية الأبعاج تحتاج إلى رؤية مفتوحة إلى خارج اللوحة.
- إنه يعتمد على ما أسماه روجر فراى بالوحدة الإنفعالية أو الشعرية التى وضعها فى مقابل الوحدة البصرية التى طرحها التكوين الكلاسيكى المغلق ويخلق ` مركزاً نفسياً ` للوحة فى مقابل ` المركز الهندسى ` الذى طرحه عصر النهضة.
- وقد ارتكن فاروق حسنى إلى موسيقى الشكل محققاً الوحدة التعبيرية فى العمل اعتماداً على حيوية الخط واللون وتدفقهما ليغمرا العمل بمد بصرى منفتح بحيث تبدو حركة الأشكال موازية لمستوى اللوحة وليس فى عمقها المنظورى ، محققا بذلك حركة منفتحة وليست منغلقة وموجهة لمركز العمل ومن ثم تلبى حاجة التكوين للنمو إلى الخارج فتنفتح مساراته بغير حدود .فاللوحة التجريدية تتجاوز الإطار ، تتمدد خارجه ، فهو لا يستطيع أن يوقف حركتها بحدوده لأننا ننسحب داخل جوهر اللون من خلال هيئات بصرية تجتذب العين لمجالها الحسى وتطلقها فى أى مسارات شاءت.
- لقد أعطى التجريد للفنان فاروق حسنى فيوضاً لا تنتهى ، ومنحه متعة لا يرضى بالتفريط فيها وعالماً قابلاً للتجدد ، ومعادلاً لوفرة العاطفة وألقها ، وعلمه أن يدير ظهره لسخف العالم ليصنع فضاءه الحر بلا منغصات .
- لهذه الأجواء الحرة دعانا فاروق حسنى علنا نعاين بعض ما عاينه وندرك متعة أن نكون أحراراً ولو لبعض الوقت .
بقلم : أمل نصر
من كتالوج معرض الفنان / فاروق حسنى 13-2-2020
المساحات المتنامية فى لوحاته.. تستوعب طلاقة الانطباعية التجريدية
- ` ولد فاروق حسنى بالإسكندرية حيث درس بكلية الفنون الجميلة وحصل على البكالوريوس عام 1964.. وتولى وهو فى سن مبكرة منصب مدير قصر الأنفوشى للثقافة الجماهيرية.. ثم كان سفره إلى فرنسا فى نهاية الستينيات دافعا لتطوير إبداعه فى فن التصوير بعد أن كان مرتبطا بالموتيفات الأكاديمية.. فقد اتجه نحو التحرر الإبداعى مستلهما التجريدية..
- ومنذ عام 1971وحتى 78 تولى فاروق حسنى منصب مدير المركز الثقافى المصرى بباريس.. وحصل عام 72 على جائزة المهرجان الدولى للتصوير فى `كانيو سير - مير`..
وعندما عاد إلى مصر، وبعد إقامة قصيرة بالقاهرة عين عام 1979 مديراً مساعداً ثم مديراً للأكاديمية المصرية بروما... وفى هذه الفترة كثرت المعارض التى قدمت أعماله.. ومنذ أن اختير وزيراً للثقافة عام 1987 لم يستطع التوقف عن الإبداع التشكيلى، فعلى هامش الالتزامات والمسئوليات الرسمية العديدة نجح فى أن يقتنص وقتاً لفنه وأن يستمر فى عرض لوحاته وتطوير إبداعه بطلاقة ملموسة...
- وكان أول معرض لأعماله قبل سفره إلى الخارج بسنوات قد أقيم فى أتيليه الإسكندرية عام 1968.. أما آخر معرض له قبل معرضه الذى أقيم مؤخراً فى قاعة `اكسترا` بالزمالك فقد كان فى قصر `اليونسكو` بباريس بمناسبة مرور خمسين عاماً على إنشاء الأمم المتحدة، وقد كتب مقدمته الناقد العالمى جان لويجى روندى رئيس بينالى فينسيا الدولى الذى يعرف أعماله جيداً`
(من مقدمة كتالوج معرضه الأخير بالقاهرة)
- لا تخطئ العين بصمة الفنان المصور فاروق حسنى.. لكنها بصمة متحركة حية متطورة تحمل روح البحث والاستلهام والانطلاق نحو آفاق بلا ضفاف أو حدود فهى لا تقف عند مرحلة، ولا تتهيب التجريب ولا تعترف بالسكون الذى يؤدى إلى المحورية فالجمود...
نلمس هذا فى معرضه الأخير الذى أقيم بقاعة `إكسترا` على نيل الزمالك، فقد أضاف إلى تجريداته وفى عدد قليل من اللوحات، لمسات ولمحات من عناصر `الكولاج` وضعها بدقة شديدة داخل التكوين الكلى للوحة لتوحى وترمز إلى مكان أو تاريخ أو فكرة، دون أن تطغى على التعبير التجريدى للعمل كله.. وهى تجربة محسوبة سوف نتبين مداها فى أعماله القادمة، سواء كانت ستستمر أو تذوب وتتلاشى فى سياق طلاقته التجريدية..
- فى هذا المعرض وضحت تماماً الإرهاصات السابقة لتأثير البيئة الساحلية الثرية بطبيعتها الهادرة، على وجدان الفنان والتى بدأت مع مولده ونشأته.. تلك البيئة التى تركت بصمتها فوق قلب `سيد درويش` وألهمته روائعه الخالدة، كما تركت نفس الأثر على شخصية `محمود سعيد` عاشق الجمال ومصوره المتمثل فى `بنات بحرى` وبانوراما الثغر بأضوائه البرونزية والأرجوانية فى حوارها مع الأزرق الفسيح المترامى وأمواجه المتجددة منذ الأزل..
- ومنذ أن اختار فاروق حسنى التجريد فى ساحاته الفسيحة وتجاوز موتيفاته الأكاديمية، فكأنما قد اختار الموسيقى معادلاً موضوعياً لألوانه وتشكيلاته التجريدية، فلوحاته تحمل الإيقاع النغمى، وألوان تلك اللوحات تشيع فيها هارمونية تعلو وتهبط تبعاً لجيشان ومدى عنف أو هدوء ضربات فرشاته فوق مسطح `التوال` الأبيض... تماماً كحركة الأمواج التى اكتنفت بصره وبصيرته منذ نعومة أظافره، وفى متتاليات مستمرة لا تعرف ولا تعترف بالسكون.
- ترتبط أعماله - فكرياً- بنظريات كاندينسكى وبول كلى وآباء التجريد بكل فروعه وتحولاته ومراحله والذين أحدثوا ثورة عارمة فى الفن منذ مطالع القرن العشرين وحتى نهايته التى توشك على الاكتمال..
- ويحتاج هذا الاتجاه الحداثى المستقبلى من المتلقى إلى معرفة بتاريخ الفن واستعداد ومقدرة على تذوق إبداعات التشكيليين وسبر أغوارها واستكشاف معطياتها، إلى الحد الذى يمكن القول معه بأن المتذوق للعمل الفنى هو بدرجة ما شريك -تبعا لثقافته الفنية وإرهافه ورحابة مخيلته ومقدرته على الاستقبال- فى العمل الفنى..
- تزداد الحاجة إلى ذلك بخاصة تجاه العمل التجريدى.. فهذه الأعمال فى نهاية الأمر تقدم حالات معنوية متعددة عند الفنان استطاع أن يترجمها على مسطح اللوحة بتقنيته الخاصة والذاتية.. فحين تتجمع الطاقة الإبداعية فى كيان الفنان تخرج الشحنة متدفقة وقد امتزجت فيها الخبرة مع اللحظة النفسية، كما يتداخل فيها الشعور مع اللاشعور، إلى حد أن الفنان بمجرد أن يفرغ من أدائه الإبداعى يتحول إلى متفرج يستقبل عمله بما يشبه الدهشة وكأن شيطانه هو الذى أبدعه أو شاركه فى إبداعه...
- يتبلور هذا بشكل خاص عند التجريديين فى أعلى درجاته لأنهم لا يصورون المباشر أو الشخصى فى الطبيعة بل أنهم عندما تطفو أمام بصائرهم الصور المختزنة مع الذكريات، يتحول الشريط إلى إيماءات بعيدة تماماً عن الأصل ولكنها موحية به.. شريطة ذلك الخبرة والصدق والقدرة على شمولية الحلم وآفاقه الرحيبة...
- ويمكن تطبيق ذلك تماماً على أعمال فاروق حسنى فى معرضه الأخير، فنحن نرى فى أعماله البحر ولا نراه.. ونرى الرمال ولا نراها وتخايلنا الصخور دون أن نلمسها...
- بالتة فاروق حسنى تكونت من خلال مزاجه الخاص.. عناصرها الأولية تتفاعل وتشرد وتماوج بين الساخن والبارد قبل أن تسقط كالشهب أو الجليد على سطح اللوحة فيما يشبه الارتطام...
- المجموعة اللونية التى تضم الأحمر الساخن، تضم نقيضه الأزرق البارد كذلك، تتحرك بينهما لمشتقاتهما بدرجاتها الثنائية والثلاثية العديدة وتسهم فى المعزوفة اللونية بتوازن شديد دقيق، إلى حد أن البعض يتصور أنه قد سبقتها فى تكوينها مرحلة من التصميم لضمان حبكتها.. لكن الحقيقة فى تصورنا أنها تأتى بعفوية وتلقائية وخبرة مكتسبة متفاعلة مع الذات...
- هذا هو الفارق بين التجريدى صاحب الأساس الأكاديمى الذى درس لغة الفن وأبجدياته ومفرداته وتركيباته وأصبح يكتب بالصورة المجردة أو غير المجردة، ومن خلال أى تيار أو مدرسة أو مذهب أو نظرية يشاء، ويرى نفسه من خلالها، وبين غيره من الفنانين.
وقد لفت الأنظار فى أول معرض يقيمه بالقاهرة - وهو وزير للثقافة - أنه عرض بورتريهاً لأحد الشخصيات رسمه بالقلم.. وقد رأيت - وقتها - أن هذه اللوحة الصغيرة هى الدليل على أن الدراسة الأكاديمية أشبه بجواز المرور إلى الانطلاق التعبيرى والتحرر القائم على أساس..
- فقد حدث فى وقت ما فى حركتنا التشكيلية خلط شديد بين التأثيرات اللونية القائمة على قانون الصدفة والعشوائية، وبين العمل التجريدى المبنى على مقومات ودراسات، والذى لا يأتى من فراغ..
- لوحات فاروق حسنى قائمة على الحوار... ليس بين الألوان فى تعبيرتها فقط وإيماءاتها التصويرية، ولكن من خلال الأصوات وإيقاعاتها المختلفة والمتعددة، فقد ارتبط التجريد هنا بالموسيقى فى حميمية وثيقة.. الصوت الرفيع والصوت العريض وما بينهما فى حوار تبادلى وإيقاعات تعنف أحيانا وتهدأ أحيانا، ويسلم بعضها إلى البعض الآخر فى إطار يشير إلى المؤثرات الأوركسترالية عند المتلقى.. فالذين أنشأوا التجريد دفعهم إليه -كما أتصور- ولعهم بالموسيقى.. حتى قيل بعد ذلك إن العين تسمع والأذن ترى، إشارة إلى تداخل الرؤى والإبداعات..
- وإذا قلنا إن لوحات فاروق حسنى تحمل فى جانب من سماتها الحس والروح الانطباعية، فإننا لا نبتعد بذلك عن إطارها العام، فهو انطباعى بالفعل ولكن فى إطار حداثى متطور زمنياً وعصرياً وهو التجريد... ويمكن أن نطلق عليه - ولو مجازاً- التجريد الانطباعى.. والفارق بينه وبين الانطباعية أو التأثيرية -التاريخية- أن التأثريين اتجهوا إلى لمسة الضوء `فوق سطوح الأشياء فى الطبيعة مباشرةً، وأن التجريدى الانطباعى -اتجه إلى مخزون الذات وإضاءات الومضة فى أعماقه، فسارع فى لحظة ما بين الوعى واللاوعى- من خلال ألوانه وفرشاته مندفعة مطوعة إلى مسطح اللوحة الاستقبالى المهيأ الأبيض..
- تؤكد لوحاته الأخيرة مدى تأثير الممارسة الدَءُوبة فى اكتساب المزيد من التبلور -الذى لا تنتهى حدوده- نحو طلاقة التعبير..
- ويبدو أن لوحاته الجديدة قد تمردت على المساحات الصغيرة فارتفعت قامة بعضها إلى ما يقارب المترين طولاً لتستوعب شحنة التعبير...
- وقد سعدت بهذه الانطلاقة الجديدة الرحبة وأنا اتأمل لوحات معرضه الأخير، فقد تذكرت ملاحظة لى أبديتها منذ نحو ثمانى سنوات فى معرض سابق أقيم لأعماله فى قاعة السلام بالجزيرة، وقلت إن تلك اللوحات يمكن أن يزيد ويتسع عطاؤها وتأثيرها لو امتدت مساحاتها إلى ما يشبه الجداريات...
- أسعدنى -بوصفى ناقداً- أن هذا قد حدث مؤخراً بالفعل.. وأنه صدر عن الفنان ذاته...
هل يمكن أن نعيد القول بأن الناقد والفنان -أو العكس- هما وجهان لعملة واحدة...؟!
بقلم : كمال الجويلى
مجلة: إبداع (العدد1 ) يناير 1997
|
|
|