مكرم حنين حنا
روحانية مكرم حنين
- ربما يكون للأوضاع السياسية المرتبكة التى نعيشها دخل فى اختيار مكرم حنين اسم `الروحانية بين الواقع والخيال` عنوانا لمعرضه، هو عنوان لافت، وربما يكون التوقيت لافتا خصوصا أن مكرم رأى أن الثورة كانت فرصة لتخليص الفن التشكيلى والفنون الأخرى من حالة ارتباك مزمن لصالح فن مصرى خالص يستوعب كل الخبرات الحضارية والثقافية، من فرعونية وإسلامية وحتى إغريقية وغيره وهو أحد المعانى التى انطوت عليها كلمة الروحانية التى يقول عنها إنها مصدر النبض والحيوية فى الفنون.
- المهم أن مكرم بدأ مستفيدا فى هذا المعرض الذى يمتد إلى العاشر من أكتوبر الحالى بقاعة محمود سعيد بالإسكندرية من خبراته خصوصا فيما يتعلق باستعمال الألوان التى تحلق بك بالفعل إلى آفاق روحية رحبة، وهو يرى أن معرضة بمثابة محاولة لبعث تلك الروحانية التى هدمتها المدارس الحديثة بدعوى الحداثة، ويرى أن أفضل تعبير عنها كان فى الفنون التى ارتبطت بالأديان.
محمد مرسى
نصف الدنيا - 5/ 10/ 2012
وموسيقى الظل والنور
- كان حنين أفندى حنا - والد مكرم - رجلاً يتمتع برحابة صدر ونزوع مشروع نحو الفنون المختلفة ، خاصة وأنه استفاد من علاقته بالعمل مع رجل انجليزى يمتلك محلجاً للقطن فى بنى سويف ، حيث عاش الطفل مكرم سنواته الأولى بعد مولده فى منفلوط بأسيوط، . هذا الوالد هيأ لأبنه مكرم فرصة واسعة فى الرسم والشخبطة . كما قامت ناظرة المدرسة الإرسالية الأمريكية ببنى سويف بدور حيوى فى تشجيع مكرم لنبوغه فى الرسم من خلال منحه الهدايا والمكافآت مثل الشوكولاته والأقلام وغيرها.
- فى هذا الوقت حوالى عام 1945 ، تعرف مدرس الرسم المتفرد ` فتحى بكير` على تميز مكرم ، عندما طلب من تلاميذه أن يحولوا بيتاً من الشعر العربى إلى لوحة مرسومة، وقد حقق مكرم فى هذا العمل إنجازأ ملحوظأ . لم يضيع الأستاذ النبيه فرصة اندهاشة بالولد وموهبته ، وسرعان ما قابل حنين أفندى فى مقهى بجوار محطة السكة الحديد حيث اعتاد والد مكرم الجلوس ، هناك .. عندما كان يحتسيان الشاى ويدخنان النارجيلة، شدد مدرس الرسم على ضرورة أن يمنح حنين أفندى ابنه قدراً أكبر من الرعاية والاهتمام فى مجال الرسم ، حتى ينمو الولد وتتفتح مسام موهبته، ولأن حنين أفندى صاحب ذهن مستنير، تعامل مع اهتمام مدرس الرسم باهتمام أكبر.
- يقول مكرم: (بعد هذه الواقعة... اصطحبنى أبى لزيارة هرم ميدوم فى بنى سويف، فانذهلت، وشعرت بأن هذا الهرم يصنع حواراً خلاباً مع الطبيعة `.
- أما عن انطباعة عندما زار المتحف المصرى- مع أبيه أيضاً- وعمره حوالى12 عاماً فيقول: ( وجدت فى المتحف حياة كاملة موازية لحياتنا العادية ، درجة من الدقة والجمال المذهل، فأيقنت أننى مفتون بالرسم والفن إلى مالا نهاية `.
- وعندما اقترب مكرم من جنون سن المراهقة، بدأت المرأة فى احتلال مخيلته احتلالأ مشروعاً، أو كما يقول هو: (أصبحت المرأة سيدة الموقف أنذاك). وقد وجد ضالته فى نساء رينوار المشعات بالجمال والنور، وكانت صورة تلك الأعمال محفوظة فى مكتبة المدرسة، وعلى الفور بدأ الفتى الأعمال محفوظة فى مكتبة المدرسة وعلى الفور بدأ الفتى فى نقل الرسوم البديعة، ومحاولة محاكاتها قدر الطاقة. لذا لم يكن غريباً ألا يبدى حنين أفندى أية معارضة تذكر عندما أصر ابنه على الالتحاق بكلية الفنون الجميلة عام 1957 ، رغم أنها لم تكن من الكليات المرغوبة فى هذه الآونة.
- مكرم ... والأهرام
- يعتبر مكرم حنين هو سادس رسام يعمل بمؤسسة الأهرام العتيقة، بعد جيل من الرواد أولهم الشيخ عبد المجيد وافى، ثم كمال الملاخ، ميشيل جرجس، رشاد منسى ويوسف فرنسيس- كان التحاق مكرم بالأهرام لحظة فارقة فى تاريخه الفنى، إذ سرعان ما وجد نفسه مطالباً بعمل رسوم توضيحية تواكب أعمال اساطين الكتاب والشعراء، مما زاد من وعيه ومعرفته، نتيجة استيعابه لما يخطه هؤلاء الكتاب ، ولك أن تعرف مثلاً أن رسوم مكرم صاحبت أعمال نجيب محفوظ ، توفيق الحكيم، د. لويس عوض، د. حسين فوزى، د، عبد الرحمن الشرقاوى، يوسف ادريس ، صلاح عبد الصبور ، محمود درويش، سميح القاسم ، صلاح جاهين وغيرهم ، تعالوا نتأمل بعض نماذج من أعمال الفنان مكرم حنين على مدى ثلاثين عاماً وكلها نشر بجريدة الأهرام.
1- لوحة العلماء ` 17× 34.5 × 17 × 31 × 31.5 × 65 سم .
- رسمت هذه اللوحة عام 1965 م ، وفيها يتأكد التزام الفنان بالنسب الأكاديمية المنضبطة للوجوه والأجساد، حيث نرى جهة اليسار عالمين منهمكين فى العمل بين الأدوات والأجهزة المعملية. وفى أقصى اليمين استعار مكرم شكل المنحوتة الفرعونية القديمة، وحولها الرموز الدالة على عشق الحياة والعلم، مثل الشمس ومفتاح الحياة ، وبجانب المنحوتة رسم لأحد علماء العصور الإسلامية يتضح لنا من هذا العمل محاولة تجسيد التاريخ العلمى للمصريين، مما استلزم أن تمتلئ اللوحة بالعديد من المفردات والعناصر فى صياغة توحى بأنها ثرثرة تشكيلية لكن رصانة المعالجة وتأكيد الظل والنور لعبا دوراً، فى تخفيف حدة هذه الثرثرة . ورغم أن الفنان قد استخدام الكثير من الدرجات الظلية للون الرمادى، إلا إنه حافظ أيضاً على حضور بؤر الضوء الصافى والموزعة على سطح اللوحة بمهارة ودقة.
2- فى لوحة ` حاملة الجرة ` 35×50 سم ، منشورة عام 1972م.
- نجد الفنان قد انتقل خطوة جريئة نحو التلخيص والزهد فى المساحات والاكتفاء بالقيمة الجمالية للخط، من خلال امرأة بكامل جسدها تحمل جرة صغيرة. قدم الفنان فى هذا العمل معالجة هندسية تحاول تمصير المدرسة التكعيبية، باستخدام أكثر من سمك للخطوط. مع إقامة حوار خلاب بين الخطوط الحادة والمستقيمة والتى تشكل الخط الخارجى لجسد المرأة ، وبين الخطوط المنحنية اللينة، والتى فازت بها طيات الملابس وحلول الفراغات تحت الذراع الأيمن.
- وقد وفق الفنان عندما لجاً إلى عمل مساحات صغيرة سوداء تحت الصدر والذراع وأسفل الجرتين . إن هذه البقع القاتمة بدت كما لو كانت نقط ارتكاز ضرورية تسمح للعين بالانتقال من أعلى إلى أسفل بيسر وسلاسة.
3- أما لوحة ` وجوه نسائية ش 25×15 سم، والتى رسمها مكرم عام 1976 مصاحبة لمقال نجيب محفوظ ، فقد انتهج فيها أسلوباً مغايراً، حيث تحرر من انضباط النسب، وجنح نحو الفطرية فى الأداء مع تبجيل وافر للخطوط المتوازية.
- إن وجوه النساء الثلاثة والمرسومة بعفوية محببة، قد أحيطت بغابة من الخطوط ذات السمك المختلف فى علاقة تفاقم من الخداع البصرى كما عند ` فيزاريللى` .
- ولأن الصحافة لا تسمح إلا بلونين فقط ، ولأن مكرم ادرك هذه الحقيقة، فقد بالغ فى تشييد مساحات ودوائر سوداء تجرح البياض وتعانقة فى نفس الوقت.
4-لا جدال إن إمكانيات الطباعة الحديثة. سمحت للفنان اليقظ بتطوير اسلوبه واستثمار منجزات العلم، ولعل لوحة ` وجه` 25×34 سم المرسومة عام 1992 ، تثبت صواب كلامنا، فها هو الفنان مكرم يلوذ بتكنيك أشبه بالتأثير الذى يحدثه سكين الألوان ، حيث خشونة الملمس واضحة وجلية فى وجه المرأة ، بالإضافة إلى الانتقال الهادىء من الأسود إلى الرمادى. لا جدال إن إصرار الفنان على ترك مساحات بيضاء من غير سوء عند الوجنة، أفاد اللوحة تماماً، حيث ضجت بحرارة الحياة.
5- ولأن القصص والروايات التى تنشرها الأهرام ، تسمح للفنان بتقديم قراءة تشكيلية لها، لا تستلزم بالضرورة اصطياد مشهد محدد والقيام إلى ترجمته- ببلادة- إلى خطط ومساحات، يصبح على الفنان صاحب الخيال الوفير أن يعرض على قرائة رؤيته الفنية لهذه الموضوعات الأدبية ، مما يثرى من متعة القارئ والمشاهد معاً.
- وفى لوحة `المرأة / البنيان` 20×28 سم المنشورة عام 1993 ، نكتشف أن مكرم حنين استعار وجه امرأة هادئ الملامح ، وشعرها الأسود المنسدل، ليشكل به واجهة منزل !! أما العنق فقد تحول إلى باب عتيق لهذا المنزل وأمامه بضع من درجات سلم فقير !!
-إن الفنان هنا يقترض من المدرسة السيريالية خيالها الدفاق، حيث أشاد علاقات ناجحة بين عناصر متنافرة ولعل الحجارة والطوب فى حواف الشعر، زادت من شعورنا بجدارية المنزلة وصلابته. وكعادة مكرم، استخدم مهارته فى رش مساحات العتمة والضوء بحيث تعطينا نعمة المتعة البصرية، وفرصة للتأمل الهادئ.
6- لم يتخلف مكرم حنين عن ركب الفن، وبذل مجهوداً جباراً فى تطوير أدائه كى يواكب آخر منجزات الفن الحديث، دون السقوط فى ` العبثية `و ` الشخبطة` ، ولعل لوحة ` إمرأة ورجل ش 32×14 سم والمرسومة عام 1996 ، تدلل على أن الفنان قد اكتسب طوال تاريخه مهارات تكنيكية وشفافية فى التنفيذ جلية ومحببة، بخطوط بسيطة ومساحات عريضة ومنبسطة من اللون الرمادى حدد أشكاله ، سواء المرأة أو الرجل، أو القط ناحية اليسار. التزم مكرم فى هذا العمل بضرورات التشريح ، ونثر البقع العفوية السوداء بعرض اللوحة ، كما أنه مال الى إحداث ملامس خشنة أحيانأ. أما اللون الأبيض فقد مارس هوايته فى الاستحواذ على دور البطولة فى اللوحة.
- إن الفنان مكرم حنين طوال رحلة إبداعاته الصحفية التى تزيد على ثلاثين عامأ قدم خلالها مئات الرسوم لم يسع إلى التعالى والفذلكة التى تنفر القارئ وتجعله ينصرف عن الرسم، بل حاول جاهداً أن يقدم رسوماً صحفية، تخاطب عقلية القارئ العادى وتسهم فى الوقت نفسه فى إشاعة مناخ تشكيلى راق وعذب. وإذا كان عدد زوار أكبر معرض لأهم فنان فى وسط العاصمة لا يتجاوز الألف، فأن رسوم مكرم حنين يتعاطاها مئات الألوف للانتشار الضخم الذى تحظى به الأهرام. وقد أدرك الرجل صعوبة المهمة ، فأخلص لعمله، وطور فى رسومه، واستفاد إلى أقصى حد من الإمكانيات المهولة للطباعة الحديثة، حتى جاءت أعماله مشحونة بطاقات إبداعية عالية القيمة ، جيدة التنفيذ.
بقلم: ناصر عراق
من كتاب ملامح وأحوال
عزف منفرد
- يقدم الفنان ` مكرم حنين ` ألحانا لونية لا تخلو من رقة وعذوبة فى تكوينات تضم مزيجا من ` التبقيعية و التشخصية ` تتوارى فيها العناصر بين طيات اللمسات النشطة، وطبقات اللون الثائر ... مستخدما اللون بمشتقاته ، معتمدا على إيقاع اللمسة ونبض اللون فى تحقيق التناغم الموسيقى.
بقلم : حسين بيكار
من كتاب أفاق الفن التشكيلى
|