هشام أحمد عبد الحميد نوار
ـ أغامر وأقول ان الطائر عند هشام نوار هو الفنان نفسه وانه يختفى حينا فى ريش طائر عادى وحينا يفصح عن كونه حورس تحديدا . منذ 1992 ونحن نرى تجريد الطائر يلبس النصف العلوى لتمثال `الكاهنة` ونرى الطائر صراحة فى `امرأة وطائر ` حتى يبوح الفنان بهاجس حورس ، فيمثله فى سلسلة من الاعمال وحده أو بمصاحبة امراة ، ونجد ذلك حتى فى لوحاته . يلجأ هشام الى موتيفات فرعونية مثل الحرف الهيروغليفى فى ` الانسان الاناء أو يوحى بهيئة تمثال قديم ، كما فى امرأة وطائر ` الذى يذكرنا بتمثال شيخ البلد .
عدا الموتيفات ، تحمل هشام نوار فى ` اطياف العشق ` قيما مصرية عربية مثل السكينة السكون. فشخصيات هشام ساكنة غالبا أو تتحرك حركة بسيطة ، لكن تكمن سكينتها فى تلك النظرة الشهيرة ، بعينين واسعتين ، تكاد ان لا تحملان تحديدا عند انسان العين ، كأنهما تنظران للابدية ، مثلما فى وجه امرأة ` أو تمثال نصفى لامراة تشع اعمال الفنان بجلال الصرحية ، رغم انها صغيرة الحجم فى اغلب الاحيان ، لانها تذكرنا بأعمال قديمة هائلة ولان مكونات التمثال قليلة منبسطة وبسيطة ، يفرد الفنان مساحة كبيرة لكل منها على مساحة لونية واحدة.
ان أعمال هشام نوار النحتية ليست فرعونية خالصة ، بل هى تحمل ايضا ملامح التجريد ، مثلما فى تمثالى الرجلين المجنحين وغيرهما ، وهى تحمل بعدا انطباعيا ، تسيل فيه الحدود بين الكتل ، مثلما يبدو حورس خارجا من ضلع حواء/ المرأة فى `امرأة وحورس` أو تندمج خطوط الشكل، مثلما فى سلسلة تماثيل حورس، وحين تكاد تختفى ملامح الوجه فى امرأة وطائر. ربما يتبدى هنا أحد اسباب استدعاء الفنان للاطياف فى عنوان معرضه، فمنحوتاته بأنطباعيتها تكون اطيافا لاشكالا مكتملة التحدد ، وبفرعونية أغلبها تحمل حضورا لاطياف الماضى .
وليد الخشاب
فى معرض هشام نوار : الهامشى فى قلب اللوحة
- تذكرت هذه المقولة للفنان الأمريكى ( جوزيه كليمنت ) بعد مشاهدتى لأعمال الفنان هشام نوار المعروضة فى قاعة المشربية بوسط البلد حيث يعرض الفنان أكثر من أربعين عملا تصويريا نفذت معظمها بطريقة الكولاج ( القص واللصق ) مستخدما لخامات ووسائط مختلفة من الورق الملون والأقمشة والخيش والنفايات فى تأكيد من قبل الفنان على ولعه بالخامة والملمس فى أعماله التصويرية كما هو الحال فى أعماله النحتية والتى كثيرا ما يستخدم فى تنفيذها العديد من الوسائط والأشياء المهملة التى ربما لم تكن لتثير انتباهنا قبل ان يحولها هو الى جزء من أعماله النحتية الى شخوص تتصارع وتتحاور وتنبض بالحياة .
- والفنان هشام نوار له اهتمام خاص بالخامة . كما يظهر فى أعماله وكذلك بالشكل المجرد عن أى إيحاءات بعيدة عن مفردات التشكيل فهو حين يشرع فى عمل ما - كما يقول - لا يفكر فى شىء سوى الشكل دون الانتباه الى ما يمكن أن يثيره هذا الشكل من تداعيات أدبية أو لغوية لديه أو لدى المتلقى .
- هو يبحث عن هذا الشكل الذى يظل عالقا فى الذهن حتى بعد الانتهاء من عملية المشاهدة،هذا الشكل الذى يقفز الى المخيلة فى لحظة بعينها من التأمل أو الغضب أو ربما السعادة .
- هو إذا يهتم بالشكل كما يهتم بالخامة .. فقطعة القماش المزركشة هذه لم تعد سوى فصل من اللون ينغرس فى فراغ اللوحة بعد أن فقدت ليونتها وانسيابيتها المعتادة ، وقصاصات الورق الفضية والذهبية تلك المتناثرة على مساحة التوال ليست سوى ومضات من الضوء تظهر وتختفى كى تعكس فى ظهورها واختفائها مساحة الأحمر النارى فى خلفية اللوحة .
- فقدت الخامة إذا دلالاتها السابقة وتحولت على يد الفنان الى مثيرات لونية وبصرية وملامس ناعمة وخشنة مثيرة للتأمل والمشاهدة بعد أن كانت مهملة ومتوارية.. صارت جزءا من عمل نحتى ولوحة تصوير يشوبها القلق والتوتر كما هو ظاهر فى جملة الأعمال المعروضة للفنان هشام نوار والذى يعد واحدا من الفنانين الشبان والمتميزين داخل الحركة الفنية والذين شاركوا بأعمالهم فى صالون الشباب فى دوراته الأولى ونال خلاله عدة جوائز عن أعماله التى كان معظمها يندرج تحت مسمى ( الأعمال المركبة ) فهو يظهر اهتماما خاصا بالأعمال ذات الأبعاد الثلاثة، وربما لهذا عرف نحاتا أكثر منه مصورا.. ويعد هذا المعرض هو الأول للفنان الذى لا يضم فيه أيا من أعماله النحتية وهو يعلق على هذا بقوله ( إن الفكرة المسيطرة لحظة الإبداع هى التى تتحكم فى نوعية العمل وانتمائه من حيث كونه مسطحا ذا بعدين أو مجسما ذا ثلاثة أبعاد .
- وفى لمسة وفاء وعرفان لرائد الفن التجريدى فى مصر منير كنعان يهدى الفنان هشام نوار معرضه هذا الى روح الرائد الكبير فيما يشبه ( التناص ) والتداخل مع أسلوب الفنان كنعان إذا جاز لنا أن نستعير هذا المصطلح الأمر الذى يؤكد الهوية التشكيلية التى ينتمى إليها الفنان فى ارتباطها اللصيق بالتجريب والبحث الدءوب فى الخامة .. هذا الى جانب الحرص الشديد على عدم الاقتراب من أية إيحاءات لغوية أو أدبية قد تعلق بذهن المشاهد ولا أجد هنا خيرا من مقولة الرائد منير كنعان نفسه حيث قال معلقا على بعض رواد المعارض ممن يحبون البحث عن الحكايات داخل اللوحات ( أنا حين أسمع التعليقات الأدبية على اللوحات أجدها خارج الموضوع ، فإنه لأمر مضحك أن تحتاج الى الحكاية كى تنظر الى اللوحة ) .
ياسر سلطان
|