وجيه محمد على وهبه
وجية وهبة : اللعب مع الخلود
- لم يكن من السهل تجاهل معرض وجيه وهبة الذى أراد أن يجمع فيه نماذج من رحلته مع الألوان، فقدرات هذا الفنان فى إدارة ابداع الفنانين الشباب بأتيليه القاهرة كبيرة، ويشاركةه فى ذلك صديقى الفنان طراوى.
ومن المؤكد أن وجيه وهبة قد أصيب بلحظة من التوتر حين لم يجد غير عدد قليل من مقتنى لوحاته يرضون بإعارته هذه اللوحات كى يعرضها فى هذا العرض الاستعادى المقام فى قاعة ابداع بالمهندسين.
وسبب التوتر معروف، فالفنان هو الكائن الوحيد الذى يذهب ابداعه بعيدا عنه حين يقتنيه غيره، ويظن المقتنى انه قد امتلك اللوحة وان كل حقوق الفنان قد سقطت مقابل مبلغ مهما كبر فهو قليل بالنسبة للحظة الفراق بين الفنان ولوحته..
وايضا سيغضب الفنان ان أقام معرضا، وعادت منه اللوحات كما هى دون ان يقتنى إنسان ما منها لوحة واحدة. وبين قلق اخنفاء اللوحة من حياة الفنان، وأرق عدم اقبال احد على الاقتناء تدور حياة أى فنان تشكيلى.
ولكن قلق وجيه وهبة يقف عند النصف الأول من الجملة السابقة، حيث يختفى الكثير من لوحاته بالاقتناء، فألوانه الصارخة الدافئة قادرة على أن تجذب عيونه المشاهدين لها، فضلا عن أن اللون الأحمر الصاعق يرفع درجة التوتر والانتباه للموضوع المرسوم، كما ان العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة وبين الانسان ونفسه تمثل نسبة كبيرة من لوحات الفنان.
عن نفسى شخصيا توقفت فى معرضه امام لوحة عازفة البيانو التى رسمها بالابيض على مساحة سوداء، وقدر الحركة الموسيقية فى جسد المرأة يدفعك إلى التساؤل: من يعزف من؟ هل هذه المرأة هى العازفة للموسيقى أم ان الموسيقى هى العازفة للمرأة، فالحركة تنطلق بعفوية محسوبة بدقة شديدة، دقة مقصودة أو غير مقصودة، فليست تلك هى المشكلة، ولكنك سترى اللون الابيض وهو يكشف عن حرارة ليست له غالبا عندما يستقر على سطح أى لوحة، ولكنه هنا لون أبيض حار، ثم يتحول الابيض الى ازرق خفيف صداح حين يحدد تفاصيل المرأة، وتظل أصابع البيانو جريئة واضحة تقدم نفسها وكأنها فى خدمة من تعيد تشكيل الأنغام بها.
واتوقف مع الوجوه التى رسمها وجيه وهبة، حيث يتلامس فى وجه أو وجهين مع اسلوب كمال خليفة المعجز فى رسم الوجوه، ولكن لأن الوجوه التى يرسمها وجيه تخصه وحده، لذلك لن تجدها تقليدا، بل اصالة تعترف لمن سبق بالفضل، وتضيف ما تملك من رؤية.
إن معرض وجيه وهبة أخذ اسما ليس له، وهو معرض استعادى، اقول ذلك لان علاقة وجيه وهبة مع الزمن هى علاقة متجددة، وكأنه مولود من بعد لوحاته، أو كأن لوحاته قد سبقته الى الوجود كى يستعيد ويصبح مسخرا لرسمها، وعلى ذلك فعلاقته بالزمن هى علاقة افتراضية، ولذلك ايضا يمكننا ان نرى فى حركة بعض الشخوص فى لوحاته نوعا من التواجد الكثيف فى اللحظة نفسها دون اهتمام بما جرى امس، ولا بما هو قادم من الايام، فالفنان الذى رسم كل تلك اللوحات، لم يفكر لحظة وقوفه امام لوحته بانه يتعامل مع الخلود كما يتوهم كثير من الفنانين، ولكن وجيه يرسم كى يخرج ما فى قلبه من موسيقى لونية على اللوحة.
منير عامر
العالم اليوم : 15 ديسمبر 2005
سيرة اللون والمرأة وتجليات الوجود
- افتتح الفنان المصري الكبير وجيه وهبه، معرضه الفني الأخير بقاعة بيكاسو الرابع عشر من أبريل الماضي، وحضره مئات الفنانين والنقاد والزوار والمتابعين لحركات ومعارض الفن التشكيلي في مصر دوليًا وعربيا.
- بدأ وجيه وهبة رحلته مع عوالم وتجليات التعبيرية منذ أكثر من خمسة وأربعين عاما، طافت لوحاته العالم العربي، واستضافتها معارض في أوروبا، ومثّلَ مِصر في عشرات البيناليهات والمعارض الفردية في إيطاليا وفرنسا وهولندا والنرويج وآيسلندا ودول عربية شتى، وكتبت عنه عشرات المقالات من قِبل نقاد دوليين ومفكرين ونقاد للحركة التشكيلية في مصر عبر العقود الخمسة الماضية على رأسهم ياتي الشاعر عبد المعطي حجازي وصبحي الشاروني ومحمود بقشيش وغيرهم كثر.
- تعبر الألوان في عالم وجيه وهبة، عن دلالات مغايرة فيما يخص الرؤية والمجاز وحتى تأوييل اللغة البصرية التي تختلف من مسافة النظر والطلل، من لوحة لأخرى، ومن تكوين لثان وثالث ورابع، ومن شخوص او تنوعات أو تنويعات درامية داخل التكوين الحميمي للكادر أو المسطح أو اللوحة أو المستطيل الأبيض.
- وتغلب على عوالم وجيه وهبة نزعة تجنح لعالم المرأة، وأحلامها وهواجسها الخاصة، كما يكون العالم الخارجي عنده في معظم أعماله متسما بالتشيؤ والبعد عن الجسد أو دلالاته التقليدية كالطول ودرجة السمرة والبياض أو حتى قتامة صبغة الظاهر من خارطة هذا الجسد، إن الساكن والمسكون من قبل الراسم أو المتأمل لهذه البديهيات التقليدية في رؤية وعقل وصنيعة الناظر وهو غير مدرك لفداحة وقصر نظر التفسير لجسد الأنثى من خلال هذا المنظور الدنيء وليس العفوي، أو الجنسي، وليس المقدس ولا المدنس وليس الايقوني المعد والقابل لتسييل معاني الرمز في سكك التعبيرية في الرسم والتي يطول شرحها فيما يخص تأويل بل شرح وتفسير وتفتيت رؤية الرائي واختلاف مكونه الثقافي والمعرفي وحتى السياسي والفني والجمالي من قبل.
- يكمن الجرم عند رجل الدين فيما يخص تصوير الجسد، خاصة في حالة التعري، كذلك هناك الرجل المحافظ والذي يخشى أن تجرحه تيمات وكم الحرية في مساءلة كل مخلوق، جعله الخالق المصور اداه للفهم والتفسير حتى في ادنى وادق تلك التفاصيل الجسدية ن غلا ورغم كل ذلك يبقة الثالوث المقدس فيما يخص إستحضارة الدائم والملح من قبل اهل الفن.
- لا يخشى الفنان وجيه وهبة طرح الجسد كإشكالية في لوحاته، بل واللعب به كما يشاء، تكمن الحكاية وبئرة التخليق في نطفة تكوين الأشياء، الجسد ثم الجسد فالسياسة والحياة وحتى الحرب وماهيات النار التي تتركها العزلة بين البشر بع الخصام وبعد ان تنتهي الحرب وينتهي الحب وممارساته المقدنسة وليست المدنسة وتفاسير أهل الأغراض وتحديدا في جسد المرأة.
- استفاد وجيه كثيرا من وحشية الألوان ودرجاتها في الأحمر القاني والناري والأسود الوردى والأورانج والرمادي في ظله وثباته وتحوله لبياض نوراني، في معرض التعبيرية الرومانتيك والحسي واللا واقعي او الميتافيزيقي لرؤية العالم وعلاقات البشر قبل جسد المرأة او الرجل، تكمن رؤية الفنان او الرسام الذي يعد الغختزال والتنقيط ومن قبله صهر وصراه الفكر والدراما في اللوحة وفوق المسطح الابيض هي حلبة الصراع المجتر من أحداثا جمة عاشتها البشرية والوجود على مدار اعوام، بل عقود وقرون، لذا فالمتأمل للوحات `وهبة` يشتبك بحميمية مفرطة.
- ليس الصراع في لوحات `وهبة` مستمدا من الحدث السياسي ولا العاطفي ولا حتى الحياتي المجتمعي في مصر أو الشرق كونه صراع بين رجل وامراة أو لون وظلاله ودرجات سخونته بعد تحوله لفوار وهالات شبحية حتى بعيدة عن ماهيات التكوين والدلالات الأولى المفسرة لمعان اللون ولماذا يرمز.
- تكمن الدراما والأسلوبية في التعبير عن المكنون داخل النفس البشرية الغائرة في التعقيد في بئرة سحيقة، يستنطقها وجيه وهبه في أكثر من 40 لوحة وأكثر منهم اسكتشات أبيض في أسود على مسطحات صغيرة وباللون الاسود فقط ن صرعه ووحشية الفراق والخصام والوحشة والعزلة والبرودة، ليست التقليدية بل التي تشبه مجازا: نارا تحت ركام رماد أثير هو المهيئ للذري والدراما والجامع للتفاسيرالقابض عليها الفنان الذي تفرد بنتاجاته منذ معرضه الاول وحتى معرضه الاخير والذي يعتبر عتبة جديدة فارقة في ماهيات التعبيرية التي ترجرج، ولا تثبت _ `الثابت` ماضيا أو راكدا في العقول والذاكرة والضمائر، في العقول والحواس والذائقة المتشابكة او المتلاحمة او حتى التي تنظر بلا إكتراث وبشكل عابر.
- ولكن من يقرر التحديق في تلك التكوينات الرومانتيكي، أو المسحوقة، أو حتى المنزية العابثة أو الباردة أو حتى في تلك الدرجات المتحولة في لمس لهييب اللون والفرشاة لدرجة الغليان والسخونة سيكتشف ان هناك تيمة رئيسية خرج بها الرائي من هذه الاحتفالية بالحياة والصخب فوق المسطح الابيض، تخص رؤية فنان بليغ وفريد ومشتعل بالفكر الإنساني وصراعات الافكار في بنية الوجود.
- تُعد المدرسة التعبيرية في الفن التشكيلي هي المرحلة اللاحقة على آليات ليوناردو دافنشي، فمن خلال الخروج عن العتبات الأولى كانت انطلاقات مايكل أنجلو ليأتي من بعده بابلو بيكاسو، وفان جوخ، وكلود مونيه، وجوجان.
- وتتجلى في رموز لونية تحيل الخطوط لأبعاد أكثر فظاعة وتمردا عن ما يحمله اللا وعي أو`السيريالي`، بعيدا جدا عن كل ما اقترب من مدرسة وتجليات التعبيرية في الرسم الذي أضاف وجيه وهبه له الكثير في هذا المعرض، بل والذي أراه نقطة تحول للرا مي به _ مجسدة راسمه، ومعه الناظر أو المتابع او الرائي العادي قبل الفنان او الناقد المتخصص الذواق _إلى مناطق رؤيوية وصوفية تبتعد كثيرا عن الشبق وتقترب كثيرا من ثبات وتجلي جوهر الفن وصيرورة الحياة وتوئمة الوجود في صحبة اختلافات البشر وتوحد المساع والاهداف بضرورة العشق والفرح الذي بان ساطعا منيرا في غالبية لوحات الفنان.
بقلم : حسين عبد الرحيم
جريدة : الدستور 9 -5-2019
- حين فكرت في كتابة كلمة عن الفنان وجيه وهبة بحثت في البداية عن مترجم أو وسيط كانت لوحاته تذكرني بأعمال التعبيريين التي رأيتها في عدد من متاحف العالم أو رأيت صورها في كتب الفن التي .أتخذتها وسيطاً أو مترجماً يشرح لي أعمال وجيه وهبة أو يفتح لي عالماً هكذا جلست أراجع مالدي من المعاجم والمؤلفات التي تتحدث عن كيرشنير، وهيكيل، ونولد، ومونش وغيرهم من كبار الفنانين الألمان والإسكندنافيين والنمساويين الذين بلوروا هذا الاتجاه فى الفن فأصبحت التعبيرية مدرسة محددة العالم بعد أن كانت وصفاً غامضاً لإجتهادات فردية متباينة نشأت كلها فى بدايات القرن الماضى وتميزت بتحررها من قواعد التصوير المورثة، وإنشغالاً بما يعتمل فى أعماق الفنان أكثر من إنشغالها بما تقع عليه حواسه، ولكن هذا طوراً طبيعياً في حياة الفن وحياة الإنسان.
بقلم : أحمد عبد المعطي حجازى
جريدة : الأهرام 5- 10- 2011
|