أعمال تتداخل فيها المدارس الفنية، ليزا علام.. الخصوصية بمسحة تعبيرية رقيقة
- الاحد 3 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 4 مايو 2003 لو لم تكن الفنانة «ليزا علام». قد أهدت معرضها الأخير لأمها الراحلة. من خلال مقدمة كتالوج المعرض الذي احتضنته قاعات عرض مجمع الفنون على نيل جزيرة الزمالك في القاهرة. لأدركت من البداية أن اللوحات التي تقف فيها المرأة وحيدة هي لأمها، لأسباب كثيرة منها أن هذه المجموعة في المعرض تتمتع بحساسية خاصة جدا سواء من حيث الألوان أو المعالجة والتناول فقد غلب عليها الشاعرية المطلقة والحنو، وكأن الألوان والخطوط تحتضن الحركة البطيئة للأم، على الرغم من ثورتها في الفضاء المحيط بالشخصية ، في دلالة على أنها تصارع متغيرات كثيرة في عالمها الخاص، المتخم بالمشاكل الصحية أو النفسية، كما أن هناك ثمة سبباً آخر دعاني الى اعتقاد أن هذه اللوحات للأم، وهو تلك الحميمية التي رسمت بها، والثقة المضمرة في خطواتها «لوحة نزهة الصباح» وان بدت الخطوات محسوبة حذرة وبطيئة. لكنها جاءت يد الابنة التي حافظت على الأم من التداعي أو السقوط على خلفية اللوحة التي تموج بالألوان المتصارعة. جمعت «ليزا علام» بين العديد من الثقافات كونها مصرية الأصل، دانماركية المولد، انجليزية التعليم، متخصصة في مجال تصميمات النسيج، وان كانت لم تكتف بذلك ودرست الأدب الانجليزي في جامعة أدونس بالدانمارك، وعملت في مجال التصميم الطباعي، وفي عام 1966 فازت تصميماتها في مسابقة اسكندنافية في السويد عن ابتكار شكل لاقمشة المفروشات، وحققت بهذا التصميم نجاحا كبيرا عندما أصبحت هذه المفروشات تباع في كل الدول الاسكندنافية. وعندما اتجهت «ليزا» بكل قوة تجاه عملها الابداعي في عام 1993 لتواجه الألوان الزيتية والمائية أيضا، اعتمدت على ثقافة موسوعية عالمية بحكم احتكاكها المباشر بالعالم الغربي سنين طوال، بالاضافة الى ميلها الفطري الى جذورها العربية المصرية، التي أتاحت لها رصيدا هائلا من الرموز والقصص الخيالية الشعرية والأساطير، وأن بحثت فيها عن الانفعالات الانسانية والمشاعر المتقدة والمعاني. تذكرنا أعمال ولوحات «ليزا علام» باتجاهات «البوب آرت»، تلك العبارة التي صكها الناقد الانجليزي لورانس اللوي في عام 1954 لتعريف أعمال جماعة المستقلين من الفنانين الشباب الذين وقفوا ضد الفن اللاشكلي وعبروا عن رغبتهم في العودة الى مظاهر الحياة الحديثة، ووسائل الثقافة الشعبية، والعودة على الصعيد الفني الى الصورة التي استخدمتها وسائل الاعلام، كالصورة الفوتوغرافية في الصحافة والمجلات المصورة، الصورة التي تعكس موقف الفنان الحيادي، البارد، في غياب أية محاولة نقدية قاسية. أما لوحات «ليزا علام» فلم تستخدم الصورة الفوتوغرافية بشكل مباشر، لكنها استدعت منطقها الفني القائم على تسجيل الواقع المرئي اليومي كما هو، وأن كانت الفنانة أعادت صياغة المشهد الفوتوغرافي بحساسية لونية بعد أن لجأت الى شحن أعمالها بمسحة تعبيرية رقيقة تكشف عن معان انسانية عميقة. وتشترك لوحاتها مع البوب آرت في الاحتفاظ ببعض مظاهر الواقعية والتي تشكل تفاصيل الحياة اليومية المعاصرة، والتي تلتقي في كثير منها مع سمات التصوير الساذج الأميركي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والذي يجسد صور الحياة والاحداث التي يعيشها الانسان الأميركي، وهو المفهوم الذي يختلف عن رؤية الانسان الأوروبي لفن البوب آرت. كذلك حاولت «ليزا علام» أن تجسد ملامح خاصة من حياتها، فصورت لحظات التأمل أمام المرآة، أو عندما سجلت لحظات الفوضى في دولاب الملابس، أو في رسمها للحظات المفاجأة في الحديقة والوحدة، والتأمل، والسمر، وبلغت ذروة التعبير عندما اختارت طريقة الرسم السولويت الاسود لنفسها وسط لوحة ملونة تموج بالألوان فيما عدا جسدها الذي ظهر باللون الأسود. وفي مستوى آخر من المعرض تعددت صور الرجل في اللوحة الواحدة وان جاء كل الرجال بلون واحد سواء كان أبيض أو أزرق، وفي حالة حركة دائبة داخل اطار اللوحة. وتتميز الأعمال الابداعية التصويرية «الرسم الملون» للفنانة «ليزا علام» بقدرة عاليه على احتواء مدارس فنية كثيرة داخل العمل الفني الواحد، كالواقعية الكلاسيكية أو المحدثة، والتعبيرية، أو استعارتها لآليات مدرسة البوب آرت، من خلال رؤى بسيطة ومقروءة تعكس مفاهيم ودلالات عميقة وكأنها السهل الممتنع.
البيان : 2003/5/4