عصام محمد معروف
ـ فنان مصرى المولد والنشأة والدراسة فقد ولد ودرس الفن فى القاهرة عاصمة الفنون الفرعونية والقبطية والاسلامية .. حيث تولد من مزيج هذه الفنون جميعا عبقرية الشعب المصرى الاصيل .. صاحب التراث الفنى العريق والذى حمل أبناؤه على مر الزمان .. مشعل الحضارة التشكيلية .. ولما كان الفن خير سفير للبلد الذى يتشرف فناننا بالانتماء إليه .. فقد حمل فناننا رسالة السفير مع سفراء تشكيلين عديدين فى هولندا يقدمون وجه مصر المشرق من خلال اعمالهم التى يتلمس فيها الفاحص أطياف الشرق .
ـ فهذه الأهرامات تحتل مكانا بارزافى اعماله والالوان الدافئة تشغل مسطحات واسعة من لوحاته ، ولعل مما يذكر لفناننا الشاب واخوته الفنانين المصريين فى هولندا سعيهم الدائب لتنظيم معارض مما وسع من جسور التواصل بين الفنون المصرية الحديثة وأهم نوافذ الاشعاع الأوربى للفنون التشكيلية فى نهايات القرن العشرين .
عبد الصبور عبد القادر
- يمكن القول بأن عصام معروف ، وهو يرحل ما بين أمستردام وبلده الاصلى مصر ، قد استلهم الكثير من الايحاءات التى نتجت هذه الحالة ، وهذه الرحلة أتاحت للفنان مساحة فكرية حرة لتنمية اشكال التعبير الخاصة به .
- وفى لوحاته يقوم عصام معروف بعملية تبدو وكانه يسكب الماء على سطح اللوحة ، مما يضى عليها احساساً شبيها بما تفعله البقع من تأثير ، وتمنح المشاهد إنطباعاً شبيهاً بالانطباع الذى يحدث من المنظر اللونى المجرد .
- ويشرح الفنان نفسه هذه الطريقة فى الاداء بوصفها عملية هدم وبناء مستمرة تتواصل حتى تمتلك اللوحة قوة تفوق قوة الفنان ، فتوحى بأنها غير قابلة للفناء ، أما الطبقة الاخيرة فإن الشكل يكون حاضراً فيها بوضوح .. نقاط كبيرة متشابكة ، رموز مبسطة فى أنماط إيقاعية ، مصورة كوحدات متشابهة داكنة اللون فى اغلب الاحيان .
- تقوم اللوحات هنا بدورها كنوافذ يتكشف من خلالها إتساع محير ، يتم إدراكه كمشهد خلف مرآة .
- لا تدور الأعمال حول تيمة أساسية تتمركز حولها ويفضل عصام معروف منظور الروح الذى نجده فى الفن الشرقى عن منظور العين الذى نجده فى فن الغرب ، وهو يتفادى التشخيص ، والجمالية الواضحة حتى تتشرب مشاهده المحتوى الروحى .
- وقد جاء أداء الفنان فى أعماله الحديثة أكثر استرسالاً ورسوخاً عن ذى قبل وأصبحت الخلفيات عنده أنعم وألين ، مما أتاح للأشكال والنماذج الموجودة فى مقدمة اللوحة أن تقوم بدورها بدرجة أكبر من الرحابة .
- وإن كان عصام معروف قد هجر إندفاع حركة اليد وتلقائيتها بإتساعها اللانهائى ـ وهو ما كان يمارسه منذ سنوات قليلة مضت ـ إلا إنه يعود الآن رويداً رويداً لضربات الفرشة ، والألوان الجميلة .. بحثاً عن رهافة أكثر جمالاً ، ولكنه يستخدمها الآن بدرجة أكبر من الوعى .
الناقدة / إيريس دك - أمستردام 1992
عصام معروف يرسم وجوها تبحث عن روحه
- أمام ورقة امتحان مادة اللغة الإعلامية جلست استدعى دلالات الألوان كما درستها، الأزرق يعكس الحكمة والمعرفة ، الأخضر يعكس الهدوء والاسترخاء، البنفسجى يعكس الثقة والثقافة والرقى ، وفى المعرض المقام حاليا وقفت استدعى دلالات الألوان فى محاولة لاستشفاف ما ترمى إليه اللوحات العشرون التى اختارها الفنان لتكون قوام احدث معارضه ، الا أن اختلاف الألوان وغرابة درجاتها عما ألفت جعلنى أقرر تناسى تلك الدلالات التى درستها تماما لانظر للمعرض بعين جديدة .
- يقول عصام معروف ` أنا لا أبحث عن اللون فى ذاته ، بل ابحث فى الطاقة التى تكمن فى روح اللون فالأزرق لدى هو لون ضوء القمر والأصفر هو طاقة ضوئية من الشمس وهكذا، اللون فى ذاته ليس قضيتى ، أنا اقضى ليالى فى البحث عن طاقة ضوء اميزها داخلى فامضى الساعات والأيام فى خلط الألوان حتى اعثر على ما يعكس تلك الطاقة ، قد تخرج كدرجة من درجات الأصفر أو الأزرق أو الأخضر ، الا أنه فى حقيقته ليس أى منها .
- الحيرة لا تنتاب الزائر لمعرضه لاختلاف اللون وتميزه فقط فاللون فى النهاية عنصر من عناصر التشكيل فى العمل الفنى ، لكن النظر إلى موضوعات اللوحات وتكوينها تجعل الأسئلة تتردد حول قطع اللوحات الوجود التى يحمل المعرض عنوانها ، الموجودات القليلة التى قد تظهر فى فضاء لوحة ثم تتوارى لتعاود الظهور فى لوحة أخرى تحتل موقعا ابعد داخل صالة العرض ، فإذا ما اطمأنت إلى أنك على الأقل قد امسكت بتيمة المعرض وهى الوجوه النسائية التى تشكل محور اللوحات ، سيعيدك الحديث مع عصام معروف للحيرة من جديد حيث يقول : ` اختيار للموضوع ليس اختيارا واعيا ، المرأة موضوع جذاب دون شك لأى فنان ، وعادة ما احتفى بجماليات وجه المرأة بدليل أن الموديل فى أغلب اعمالى هو زوجتى لكن الحقيقة أنى مصور ، ولا أرى فى الوجه سوى عنصر فنى أو موتيفة استخدمها فى عملية التشكيل ، فأنا لا أهدف للحكى أو صنع قضية أو الاحتفاء بوجود أنا لا أهدف سوى لتقديم فن لافت وصنع لغتى التشكيلية الخاصة ` .
- هذه اللغة الخاصة هى التى دعت عصام معروف لاختيار عشرين لوحة من أصل ستين عملا عليها خلال العام الماضى ، لتكون هذه اللوحات العرين دون سواها هى قوام معرضه ويفسر اختياره لهذه اللوحات تحديدا بقوله : ` أنا أقيم المعرض كى اوصل للمتلقى جملة تشكيلية بصرية ما ، تشكل اللوحات مفرداتها ، فما يشغلنى بالاساس هو أن تكون هذه الجملة جديدة من حيث العناصر والألوان والتقنيات المستخدمة ، لهذا قد يستغرق العمل على اللوحة ، شهرا كاملا مثلا لرغبتى فى بناء علاقات تشكيلية متميزة ` .
- جملة : ` لا يشغلنى البورترية ` التى يكررها الفنان لابد أن تستوقفك خاصة مع وجود لوحتين تبتعدان تماما عن المنطقة التى يدور فيها المعرض ففى لوحة تتوسط المعرض يوجد كرسى وحيد يبدو وكأنه يعود لعصر غابر ، اسقط اللون الذهبى التقليدى المتوقع لاطاره الخشبى ليحل محله لون أخضر بدرجة تبدو رخيصة ، اللوحة بكاملها يغلب على تلوينها جو طفولى لافت ، أما اللوحة الثانية ` القبلة ` فليتحم فيها وجهان يتوسطان بقعة الركيز باللوحة وتحيط بهما أشجار متناثرة ، هذا الاختلاف فى اللوحتين يؤكد عصام معروف أنه يعود إلى رغبته فى كسر الايقاع المتوهم الخاص بوجود وحدة فى ` الموضوع ` ليؤكد أن الوحدة هنا هى وحدة العنصر التشكيلى من لون أو موتيفة ، لا الموضوع ، ويشير معروف إلى أن هاتين اللوحتين تعكسان اهتمامه بالعمارة أو البناء وهو مايبدو ايضا فى البورتريهات التى تشكل قوام المعرض ` .
- البورتريهات نفسها لا يمكن الامساك بتيمة واحدة تجمع بينها فى العموم، فأغلبها يبدو خاليا من التعبير، فيما تحمل اللوحات صغيرة الحجم ` مقاس 10 × 10 سم ` طاقة وشحنة شعورية واضحة تبدو فى الألوان المستخدمة والأوضاع غير التقليدية التى جعلت اللوحات القليلة صغيرة الحجم تحمل سمة تجريبية واضحة وهو ما يرجعه عصام معروف لايقاع التعامل مع اللوحة أثناء الرسم ، يلفت إلى أن سؤال الأهرام المسائى نبهه إلى أنه تقنيته فى التعامل مع اللوحة من حيث العناصر وحركة يده على اللوحة لا تفرض تقنية فقط بل تفرض اسلوب حركة لليد ينتج عنه عناصر وطاقة أخرى تتفجر لتحشد باللوحة الطاقة الضوئية والتشكيلية تتكثف فى هذه المساحة شديدة الصغر لتنتج لوحة شديدة الأختلاف ويقول : ` لست أنا المبدع الوحيد للوحة ، بل أنا حوار دائم مع الخامات والعناصر والألوان والضوء هذا الحوار يجعل هذه العناصر التشكيلية تشاركنى فى ابداع اللوحة واخراجها لتخدم الهدف الذى اسعى الية وهو الامساك بتلك اللحظة المبدعة المشحونة بالاحساس ونقلها للوحة ( ورق أو توال ) ، فإذا ما نجحت فى نقل هذه اللحظة المشحونة بشكل يفاجئنى ، أنا عند مطالعة اللوحة، فقد جسدت ما أؤمن به ، من كون التشكيل اسلوبا خاصا ومتميزا للحياة ` .
عزة مغازى
جريدة الأهرام المسائى - 2010
البورترية (تاريخ طبيعى) .. ودائماً هو من الماضى
- البورترية أمامنا من عمل الفنان عصام معروف وأراه من أكثر ما رسمه من البورتريهات إيماء.. ويبدو كأنه من إلهام صورة لشخص ما فى زمن ما.. ليقدم لنا صورة عن شئ وليس الشىء ذاته..أو صورة عن فكرة وصورة..
- هذا البورتريه الرائع كتب عنه الناقد الهولندى `أرنو كرامر` وهو احد النقاد المتميزين قائلاً `البورتريه كلاسيكى فى بنائه ومعاصر فى تنفيذه القوى وتم تنفيذ الرأس بمفهوم عصر النهضة بطريقة كلاسيكية وتم تنفيذه بألوان جريئة مما جعل البورترية نظرة مختلفة `.. وقال كرامر `اننا لا ننظر بالفعل إلى بورتريه شخص معاصر والفورم واللون يأسرنا على الفور ويرجع ذلك لبساطته المتناهية وان الفنان اعطى العمل اقل ديناميكية ممكنة فى التشكيل والتعبير ورغم هذا يوجد فى الأسفل شيئاً ما يختمر`.
- للأسف صورة البوترية مطبوعة أمامنا باللونين الأبيض والأسود وليس بألوانه كما لونها الفنان وهى الألوان التى أرى أن مفهوم وجود البورترية أصلاً يكمن فيها وتتحدد أبعاده بها.. فالوجه ملون باللون الأخضر المزرق والشعر أو غطاء الرأس بنفس اللون فى درجة أكثر تفتيحاً بكثير من درجة لون الوجه والخلفية لونها الفنان بالأزرق المائل للسواد.
- فدرجة لون الوجه الأزرق المائل للخضرة هى درجة اللون المبدع للفراغ فى تاريخ التصوير.. كما أن الأزرق والأخضر فى جوهرهما لونان جويان فهما باردان يسلبان الأشياء أجسامها أو ماديتها ويثيران فى النفس الانطباع عن المسافة والمدى واللامحدودية.. وحين يصبح الأخضر مائلاً للزرقة فى تركيبته كما فى البورتريه أمامنا ندركه بورتريه مبهما وذا ألف تحول إلى الأبيض والرمادى ليوحى بشىء ما عميق فى موسيقية يغمس فيها كامل الجو ..أما أزرق الخلفية فى اللوحة بدا كأزرق دائم الارتباط بالقاتم واللاواقعى وهو لا ينضغط داخلاً علينا بل إنما يجرنا إلى الخارج بعيداً.
- تلوين عصام معروف للوحته باللونين الأزرق والأخضر الأغبش فى امتزاج جعل البورتريه يبدو كلوحة حاجز يرتبط إلى ماض ومستقبل كلونى مصير.. أما البورتريه ذاته تحت وطأة هذين اللونين بدا ربما كبورتريه فراغى لا زمنى..كذلك بدا بورتريه متحديا للمعنى ففيه تحد كعنصر تصويرى وليس كبورتريه لامرأة بعدما جعلها بتركيبة الأزرق المخضر ضد كل الحواجز الحسية لتخطو إلى اللانهائى.. وأيضا هى تعبير عن قوى غامضة وليس عن امرأة أجدها فقدت زمن وجودها فهى كما قال الناقد كرامر ` منفذ بمفهوم عصر النهضة بطريقة كلاسيكية لشخص معاصر` .
-فهو إذن بورتريه رسمه فنان فى بداية القرن 21 من إلهام ثقافةعصر يفصله عنه زمنياً حوالى الأربعة قرون فهى تنتمى إنسانيا وليس مادياً لعصرين عصر أنتجها كعلامة والثانى أنتجها كتناظر ذهنى ليبدو البورتريه كما لو كان حاملاً لروحين فى جسد واحد..ولأن البورترية نشاهده فى عصرنا الحالى المثقل بتراكماته الثقافية الفنية الفكرية.. لذا قد نراه كأنه يعكس تأثراً بالطباعة اليابانية أو يمكن رؤيته كأحد نتاجات فن `البوب أرت` أيضا هذا البورتريه أجده يتقابل ومفهوم العمل النحتى للأسباني `تشيليدا` بعنوان `تمشيط الرياح ` الذى يربض على حافة تقابل الماء باليابس فى فراغ مفتوح حيث التفاعل بين المائي واليابس والهوائى ليصبح شيئاً أخر من لحظة لأخرى فيأتى بصور ذهنية متغيرة للشيء غير المرئى كذلك هو البورتريه بانطباعاته اللامحدودة عن المسافة والمدى وأزرقة المخضر الموحى بالفراغ وهما لونان جويان دائمى التحول ..كذلك يقترب فكرياً وأعمال الفنانين `كريستو وجان كلود` حيث تغليف المشهد القديم بأقمشة ليصبح عمل مرئى بمفهوم معاصر جديد رغم وجود العمل الأصلي تحت السطح لا مرئى لإقامة الفكرة المفاهيمية فبورتريه عصام معروف محمل بالكثير من تراكم الثقافة البصرية .. ورغم بساطة وبراءة المظهر يغلفه غموض شديد الروعة رغم ألوانه الباردة كأنها الخارجة من ثلاجة ظلت داخله منذ القرن السابع عشر الهولندى كبورتريه مقتطع من أحد أعمال `بيتر دى هوتشه ` أو `فيرمير` فى حالة من الصمت المطبق مما أفقده التأريخ وأصبح بورتريه لا زمنى وليصبح بطريقة ما كطبولوجيا للوجه البشرى من عصر قديم فى تركيبته البنيوية لتراكم صورة ثقافة ما وليس لشخصية معينة ..فبدا بورتريه متعديا مرحلته العضوية ليصبح صورة لصورة ليحولها عصام إلى تعويذه قادمة من عصر الرينيسانس بإشاراته وعلاماته فقد فيه الوجه بشريته .
- أرى هذا البورتريه الموحى فى عمق وطول مدى نظرة عينيه كأنها نظرة للمنظر ولنفسه وهو نفس المنظر.. وأرى هذا البورتريه للوجه البشرى الواقع بين عصرين ينتمى إلى الطبيعة والتاريخ كتاريخ طبيعى.. ودائماً هو من الماضى.
فاطمة على
جريدة القاهرة - 13/ 11/ 2012
التشخيص بين التجريدية وتعبيرية طرح الداخل
- غالبا ما تعتمد التعبيرية فى طرحها على عناصر واضحة الدلالة ، وتؤدى إلى استنباط يتوقف نجاحه على ماهية المتلقى الثقافية وحيزه داخل ذلك الهرم الثقافى والمجتمعى ، وغالبا ما يشتد عود التعبيرية فى التشخيص لدى المبدع من جراء خبراته التراكمية ، وعمق ثقافته وحيلته فى التعامل مع طرحه ، وإمتزاج قطبى الذكاء لديه سواء الفطرى أو المكتسب فى كيفية التعامل مع المقال والمقام معا ، ولا بد من مراعاة فروق التوقيت فى الزمن بين العقول والثقافات والمعتقدات ، وأعمال عصام معروف هى من صنف إعتمد فى طرحه للتعبيرية والتجريد الموظف والمحسوب على مزيج إختلطت فيه عناصر واضحة الدلالة ضمت ملامح معبرة .
- وأوضاع مقروءة لعامة البشر ، ورموز ذات مغزى ، إلا أن أهم ما ميزها هو ذلك الإختزال الغريب والمربك فى نفس المتلقى ، فهو أختزال من جانب مصور المشهد ، ولكنه يقابل بإسهاب وتفصيل لدى المتلقى ، يجعل وقوفه طويلا أمام الطرح ، وكميزة إضافية لإبداع عصام معروف فهو يمرر ذلك الإحساس بذلك العزف المنفرد لتلك الآلة الوترية الرخيمة الصوت والتى تضفى هذا الشجن على كامل المشهد ليبدأ عرضا يمنح فيه المتلقى أحد حالات دراما التصوف للمشاعر والأحاسيس .
- أما عن ذلك الإختزال المربك والغريب فى أعمال عصام معروف ، فهو يحدث من جانب المتلقى ، فيجد نفسه أمام شخوص سهلة القراءة بصريا ، تعابيرهم تقود المتلقى لإستنباط طبيعة مشاعرهم التى تستعرضهم فى حالات عدة ، كا?بتهال او الرجاء أو الحسرة أو الهيام أو العشق أو التضرع او الإمعان .. إلخ من مشاعر وتعابير نقع فيها جميعا ، ونجد خلفية المشهد لديه حيادية لا تأخذ أبصارنا ، وكأنه يهمس فى آذاننا ناصحا بأن الطرح يكمن فى الشخص وليس فى مجمل المشهد ، وأجدنى متوجها إلى داخل الشخوص لإجد عالما مجسدا من المشاعر التى تتراكم فى شفافية من خلال ألوان ذات درجات مائية ، وأجمل ما فيها هى تلك الدرجة من التأدب بينها ، فلا يطغى إحساس على الآخر ولا يحجب لونا من الألوان البقية ، لقد نجح عصام معروف فى بساطة وسهولة فى إيصالى سالما إلى داخل شخوصه ولم يجهدنى فى التعامل بصريا أو لونيا مع تعبيرية أشخاص مشهده ، ولم يفرط فى مقدمته المنطقية لدراما اللوحة فجعلنى فى مباشرة مع طرحه .. وكانه سلمنى رسالته يدا بيد ولم يرسلها عبر قنوات التقنية الحاصلة على المسطح كما يفعل البعض .
- ولم أجدنى مجهدا فى التعامل ذهنيا مع مفهومه الذى إنصب على المرأة بشكل عام . والذى إستعرض فيه مشاعرها وأحاسيسها وتناول إنكسارها ورضوخها . . ورجائها وإبتهالها ، وتعبيريتها عند عشقها وهيامها ، وترقبها وإنتظارها ، تناول تأنقها وتبرجها وبساطة وأناقة ملبسها ، وأسمعنى عند وقوع نظرى على وجهها صوت تنهيدتها التى تأرجحت بين صنفين من التنهيدات وهما تنهيدة النشوة وتنهيدة الإنكسار ، تناول حذائها وحقيبة يدها وإكسسوارات زينتها ، وجمع نساءه فى مشاهد عدة وأشركهم فى مشاعرهم وأضفى على كل واحدة منهم تعبيرية ميزت شخصها ودرجة حسها ، فلم يصنع متتالية مملة تولد الضجر لدى المتلقى أو تكرار سخيف يولد الرتابة والبرود فى لوحته ، بل أضفى علي المشهد حالة المشاركة وأجواء المشابهة فى الأحوال .
- إن كان وجود الرجل القليل فى بعض أعماله وجودا إيجابيا وضروريا لحصول المشهد . وخاصا فى لوحات ينصب مفهومها فى معين الإحتضان او العناق أو الإحتواء . فقد أتت لوحاته التى تجمع بين الرجل والمرأة نابضة بتلك الدرجة المتقدمة من رقى المشاعر وسموها بين قطبى الحياة من البشر ومنح اللوحة تلك الهالة الرومانسية المجردة . حتى فى الأعمال التى حملت قبلات بينهما منحنى فيها تلك الجرأة للإنتظار لسماع تنهيدة ما بعد القبل . لقد أبحربهما بعيدا عن الإبتذال والركاكة والشهوة والإثارة . وجعل المتلقى حارسا لنبل الفعل والعلاقة . وأسند إليه مهمة الدفاع عن رومانسية يفتقدها وإن لم يكن طرفا فيها .
- أما مسطحة من حيث التقنية فقد حمل خليطا سحريا لا يفسره سوى خبراته المتراكمة وتجاربه التى مارسها عن إصرار ويقين كما أنه حمل نفس الإرباك الذى أتى به فى إختزاله . فمشهد لوحاته يحمل ذلك الإحساس بالدسامة اللونية والتى تنتج عن تراكمية طبقات اللون وسماكتها إلا ان اقترابى من العمل يجعلنى فى تلك المنطقة من الدهشة والتعجب والتقدير والإعجاب بتقنيته وحرفيته التى لم تخل بعمق مفهومه . ولا أجد وصفا لتلك الحالة غير اننى أشعر عند تناولى بصريا لأعماله وتقنية آدائها . أننى أشتم أحد تلك العطور الراقية . والتى يترجم عقلى إستنشاق عبيرها بأنه أمر للإسترخاء والمتعة الحسية . لقد تفوق عصام معروف من خلال تقنيته فى التعامل مع مسطحاته . فأشعرنى بكم من التضاريس اللونية الدسمة والخادمة لمفهومه دون ان يترك أثرا على أرضية لوحاته . فجعل من أعماله مرادفا لعطر احتار في تميزه الجميع وصار انتاجه شبه مقتصر عليه .
- وجائت حالة الشفافية فى أعماله موفقة بشكل كبير وزاد من وجودها قوة تلك الهالات الضبابية التى تصب فى معين تعاطفنا مع شخوصه . وأتى الزهد فى اللون مكملا لتلك الحالة الإنسانية البعيدة عن المادة بشكل عام . والتى تستهدف الحس والشعور لتحاكى درجات التصوف الإنسانى . الذى يضع الإنسانية والبشر بما لديهم من شعور وحس فى ارقى المنازل وأرفع المراتب بين المخلوقات .
- قد لعب التجريد فى أعمال عصام معروف دورا رائعا ومهما وكان من صنف التجريد الشارح والمضيف وليس التجريد المختزل والحاذف رغم بساطته . فالبساطة فيه هى من ميزات عمله وطرحه . فهو يحذف التفصيلة ويترك للمتلقى إضافتها وإختيارها وبل ويجعل ماكينة إستنتاجه تعمل وفق رغبته . دون أن يسمح له بالخروج عن النص التصويرى المصدر إليه . فجاء تجريدا يحمل تلك الإضافة الراقية .
- أما تناوله اللونى داخل حدود أشخاصه والأشكال المصاحبة لها . فقد أتى من مميزات أعماله وطرحه بشكل عام . ومارس من خلاله تقنيته التى تراكمت مع طول مشواره وإختمرت بشكل جيد . وصارت من لدائنه التى يشكل من خلالها أحاسيس شخوصه ودواخل مشاعرهم . فميز من خلال شفافيتها ترتيب تلك المشاعر بداخهم وأظهر تأجج أحداها عن البقية . ولعبت دورا موازيا للتعبيرية التى تكسو وجوه نسائه بل وأكدتها . وأوضحت الأشكال التى تبدو فوق رؤس نسائه . والتى تحمل دلالات يختلف البعض فى فهم مغزاها ومقصده من وجودها . إلا أنه قد طال فهمى لها بأنها ترمز إلى تلك الضغوط والهموم والمشكلات والأحلام والأمنيات وكذالك الأفكار والتدابير .
- لقد غاص عصام معروف من خلال أعماله فى شخوص نساءه بصورة ملفتة للنظر ونجح فى تناولهم من خلال زاويا تحترمهم وتهتم برهف حسهم وتمتص غيرتهم وتكترث لمشاعرهم وتقدر طبيعتهم . وأنزلهم فى أعماله منزلة رفيعة وأجلسهم بالقرب من إهتمامه وأظهر فهمه لما يجول فى خواطرهم وتفهمه لتعبيرية أحاسيسهم بشكل يفوق تفهمه لتعابير وجوهم . إن أعمال عصام معروف واحدة من الأعمال التى تعيد لمشهد التصوير المصرى إتزانه وأنه قادرا على التواجد بمعاصرة متفوقة . وتناول مختلف . يحمل ثقلا فى المفهوم والتناول وأسلوب الطرح . ويخرج عن النمطية دون التفريط فى أصالة المبادئ والقيم الإنسانية التى توطأ يوما بعد يوم.
- أن طرح عصام معرف فى فن التصوير واحدا من تلك الأطروحات الجديرة بالوقوف أمامها وإمعان النظر فيها . وربما يأتى عرضه غدا الأحد بقاعة ( جاليرى مصر ) واحدا من أهم وأفضل العروض التشكيلية والتى حمل لنا هذا الموسم التشكيلى عددا منها .
- إن طرح الرائع عصام معروف قد يحتمل العديد من العنونات لما تحمله أعماله من ثقل فى فى المفهوم والتناول . إلا أنى أرتأيت أن الغوص فى عمق الشخوص لطرح ما تجيش به نفوسهم لا يوازيه فى أعمال عصام معروف سوى ... ( التشخيص بين التجريدية وتعبيرية طرح الداخل ) .
بقلم / ياسر جاد
ديسمبر 2014
حقل البورترية التصويرى وفكرة التحول داخل متتالية الوجه البشرى
- يدفعنا الفنان عصام معروف للنظر فى المنطق الصورى لفكرة العمل التصويرى ، الذى ينتهجه حول فكرة تصوير البورترية ، وليس رسمه كعلامة لتعزيز حالة سرد ذاتى من مقاطع متداخلة، لوجوه نسائية تتشكل سرداً بصرياً تتماهى داخله بين الحضور والغياب... واللوحة تعمل عنده أيضاً على فكرة مفاهيم الحضور والغياب ، ليس فقط مادياً باتجاه الحركة ، لكن بتقنيته اللونية ، التى منها تتوالد المادة التصويرية مع وهم التعديلات المستمرة من بورتريه لآخر ، وفق رؤيته التصويرية بتعديلاته المستمرة داخل الضوء واللون وساحته.
- وأعتقد أن الفنان عصام يحاول بأعماله تفسير حضور الصورة البشرية لا كما هى بل بربطها بالصور الذهنية لدينا .. لذا يعمد إلى تصوير البورتريه ، حتى منتصف الجسد ليبعد عن التجسيد المادى وما تحدثه من توتر بين البورتريه وصورته الفرعية المتنقلة بالحركة داخل اللوحة وفى تقاطعات ولنفس الوجه ، الذى قد يعانى - مجازاً - من انفصام حتى أنه يتداخل البورترية مع نفسه دون أن يقتات عليه معتمداُ لجذب المشاهد على فكرة تماهى لوحه التصوير بين الصورة الذهنية والجسدية وبين الصورة الافتراضية والحقيقية..
- وفى مراقبة كل بورترية وراء الآخر أو داخله يحدث فى عين المشاهد خلطاً تدريجياً لتلك المثالية وتدريجاً تمحى العيوب لتصبح الهشاشة الكامنة مخفية تحت الطلاء اللونى هى الأفضل ..ولنرى انعكاس كل بورترية فى الحقيقة فى الآخر أو عليه ولا يكرره كما يبدو من الوهلة الأولى وهذا الانعكاس المتتالى آراه كتسديدة شاهقة فوق وجوهنا تجمد داخلها تعبير الألم ليبقى فن البورتريه عند عصام معروف مرادفاً للحزن.
- كما نستشعر مع مفارقة تداخلات البورتريه حدوث تلاشى جزئى مع اتجاه الوجوه المتتالية فى تتابع كما لو كانت ` متتالية اختفاء خلال الزمن ` فى عقل المشاهد الذى يربط بين الصور مجتمعة فى ذهنه لملىء فجوات تصور كامل الحركة بما يعكس مفهومنا للزمن من خلال حركة الوجوة واتجاهها ، وأيضاً تبعاً لدرجات تشبع الطلاء التصويرى المهشرة .
- أما حين تنفرد اللوحة بالوجه الواحد ، يجعله الفنان كأيقونة تحيطها الهالة القدسية كعلامة فى إشارات غامضة إلى الطفولة والبراءة والموت والذاكرة بما يعزز إلى حد كبير أن تكون صورة الحياة الحقيقية عند عصام معروف ` بورتريه امرأة ` .
- إن عصام معروف ينشىء صورة المثالى ببساطة ، عبر العديد من سلسلة لوحاته على مدى زمن تجربته الفنية الجادة ، يجسيد بها حالة من الجمال الأنثوى يحيله داخل اللوحة إلى متتالية تهتز من مقطع لآخر .. هذا الاهتزاز أرى مصدره فى تلك الأعين المغمضة دوما بما تكشف إلى درجة ما العلاقة لذلك التقابل المذهل بين الحضور والغياب والإدراك أن هناك فجوة فى لوحات الفنان بين الاحساس بتمثل الحياة وتمثل الموت على نفس المساحة ربما هى رغبة منه ليتجاوز ببورتريهاته حدود الزمان والمكان المتداخلان ، اللذان يحصران وجوهاً تمتد كهوية تصور ` الحد الفاصل بين الوجود المادى والعقلى `، تعيش داخل عمل تصويرى لا تتزامن وزمن وجودها حتى أنها تبدو فى طريقها للزوال باتجاة حركتها الجماعية إلى الخارج ،أو كأنها مسيرة للزوال ..أو كصدى رنين لصورة موجات الشكل فى حركته اللامنظورية.
- كيف يمكننا القول إن نمط أو بورتريه واحد فى أحد أعمال ` معروف ` أفضل من الآخر ؟ كيف وقد مزج بين فن ` البوب ` أو الواقعى فى ميله التعبيرى ؟ كيف وبنفس أنماطه يجعل من كل لوحة مسرحاً جديد تماماً ؟ كيف وتكرار الفنان عصام لبورتريهاته ليس كتكرار ` آندى وارهول ` لنجوم لوحاته من مشاهير تكاثرون وجوهاً فى صفوف وأعمدة على شاشة حريرية بنفس حجم الكادر والمساحة ، مع تغيير فى اللون من كادر لآخر مما جعلها موحية باللانهائية لشغلها كادر اللوحة بالكامل ولتأكيد ` وارهول ` للسمة الاستهلاكية ، التى سادت أوائل الستينيات الأمريكى .. وأيضاً لا يعمل ` معروف ` تكراراً لضبط الإيقاع كبصمة تتكرر حرفياً لخلق مهارة مبهرة فى أوضاع صعبة بمفهوم مهارة ` إيشر` ليوحى بدورية الخلق المنتظم أو المتناوب ولإحداث توحيد لأجزاء مختلفة نوعاً فى تداخل لخلق شكل كلى موحد بصرياً.
- أما التتالى عند ` عصام ` فهو ليس تكرار آلى أو منسوخ فى بل يعمل على الصعود بالجمالى اعتماداً على البصرى المتحول لإظهار وجه تلو الآخر، دون مركز تكوين داخل حقل واحد للرؤية داخل مساحاته الجدارية كحقل للبورتريه التصويرى المتحول.
- ومن زاوية رؤية أخرى ..أحياناً أرى مفهوم الفنان فى تداخل عناصره المتكررة يحدث التنوع وتتناوب وترتب نفسها ذاتياً لخلق إيقاع منتظم داخلياً رغم عشوائية الخارجية تماما كعمل نظرية الفوضى ` الكيوس ` .. ولتبدو عشوائية تجمعات عناصره بمفهوم أقرب لعشوائية ` رينية ماجريت ` فى لوحته ` كولكوند ` ( الرجال المتساقطون من السماء ) 1953 ، المنسحبين إلى أسفل فى إيقاع بطىء وهنا يقترب أيضاً من نظرية الفراكتل ( الأشكال أو النماذج التى تقسم إلى نسخ بحيث تظهر متماثلة على أى مستوى من التكبير ) ، بذلك التنوع المتشابه وغير المتماثل فى تحولات شخوصه مع حركتها وانعكاس التحولات فى حفاظها على المسافة.
- ونرى الفنان عصام يعمد إلى الايقاع المعقد المتداخل إلى حد كسرالإيقاع الشبه منتظم فى تجمعات بورتريهاته ..وفى إحدى لوحاته لتلك البورتريهات المتجمعة الهائمة أراها تتالى فى انسحاب كانسحاب عارية ` مارسيل دوشامب` فى نزولها السلم 1912 ، بينما لا ندرك مع تكرار الصدى البصرى لبورتريهاته التوقع بالتالى وقد ترك السرد الذاتى ، يتجه بنفسه إلى مسار يستدعيه حقل اللوحة نفسها ومتطلبات توافق مجال حركتها فى حزمة واحدة .
- وفى لوحتين أخرتين من تجمعاته تلك أراهما وكأنهما قطع فسيفسائية لخلق مجالات اللون التى تشكل لوحته التصويرية المطلوبة .. وأحياناً أراها تشكل هيئة لولبية لوجوه ملتفة فى التواء كصورة لما يحدث بداخلها ، أو كأنها صورة لخريطة تيارات بحرية تعمل فى توحد وقانونها الخاص.
- إن صورة الإنسان تم توثيقها جيداً طوال تاريخ التمثل البصرى لتسجل تفرد وجوهنا داخل لحظة من الزمن ، لم يعد من الممكن تحريكها أو استعادتها مرة أخرى وقد سجلت قوة داخلية ديناميكية لا تتكرر فى حياة الإنسان وليأت الفنان يعمل كنظيره القديم الذى رسم الثور فوق جدار كهفه اعتقادا بتمكنه منه واصطياده ..وليستحوذ فنان البورتريه على ما بالشخصية أمامه بحجة تصويرها ليتمكن مما بداخلها ثم يدعها تذهب وقد قبض على سماتها وحياتها الدخلية.
ورغم كثافة ما بلوحات عصام معروف العاطفية أرى معظم إن لم تكن كل لوحاته تمس مفاهيم الموت وأقصد كلمة مفاهيم دون أن تمس الموت كحالة فيزيقية ..وبما تتخذه اللوحة من حالات تفكيك ذكريات ، تؤديها شخوصه بحالة الحلم المخادع بإغماض العين والاستسلام للحظات مهشرة من الزمن تركها وراءه بعد مروره على وجه إمرأة .
فاطمة على
استكشاف المعاني الخفية في الحياة تشكيلياً
- عبر معرض يضم 23 لوحة للفنان المصري عصام معروف
- مسافات واسعة تفصل بين المرئي واللامرئي، الوهم والواقع، الزيف والحقيقة، لكنّها في الوقت نفسه، تمثل مسافات غير مستحيلة، إذ يمكن تجاوزها وصولاً إلى الأشياء الخفية عن الآخرين وعلى الأرجح خفية حتى عن أنفسنا، وفي رحلة بصرية تفاعلية، عمل التشكيلي المصري، عصام معروف، صاحب الباع الفني الطويل على الصعيدين المصري والأوروبي، على إسقاط الخط الفاصل بين الظاهر والباطن، وذلك من خلال 23 لوحة يضمها معرضه المقام حالياً في غاليري `مصر` بحي الزمالك.
- لا تأخذك اللوحات وحدها بما تحمله من رموز وخطوط وألوان وتراكيب إلى مرافئ الدهشة، إنّما يثير قبل ذلك عنوان المعرض وهو `مرئي - لا مرئي` الكثير من الحيرة داخلك. فالحدود بين العالمين واسعة وتضمّ الكثير من القضايا الإنسانية الشائكة، فما بالنا حين يرتبط الأمر بالفن أيضاً.
- يدعو المعرض إلى استكشاف مكنونات النفس والفكر
- يقول عصام معروف لـ`الشرق الأوسط`، إنّ `لثيمة المعرض جوانب عدة، منها ما يمكن وصفه بأنّه بصري تصويري وثيق الارتباط بما يمكن للمتلقي مشاهدته على اللوحة وبما لا يستطيع رؤيته، ففي الواقع لا يرى المتلقي سوى المشهد الأخير`. ويتابع موضحاً: `اللوحة تبدأ بمسطح أبيض، ومن ثم تتعرض للعديد من التداخلات من جانب التشكيلي، ذلك أنه في أثناء العمل الفني تمتزج الكثير من الأشياء معاً ما بين أفكار الرسام الذي يكون لديه الكثير ليسرده بلغته التصويرية، وبين خبراته الفنية والتقنية`.
- لكن أمام أعمال معروف في هذا المعرض المستمر حتى 10 مارس (آذار) المقبل، يجد المتلقي نفسه أكثر شغفاً بإزالة غموض `اللامرئي`، فتعدد الطبقات اللونية والأجساد والوجوه ذات التخطيطات غير المألوفة، مع الإيحاء بتأثيرات الزمن وتراكمه على مسطح اللوحات واستناده إلى التجريدية فيها، إلى جانب تأثره الواضح بأسلوب المصري القديم من حيث العمق ومعمار الصورة البصرية، ذلك كله قد تضافر ليمنحها قدراً كبيراً من الغوص في اللامرئي، وفي المقابل يجد المشاهد نفسه مدفوعاً إلى خوض رحلة بحث طويلة ومتكررة عن العناصر والمعاني الخفية في اللوحات والحياة معاً.
- إلى هذا تأخذنا اللوحات إلى شغف الخبراء باستكشاف اللامرئي في اللوحات الفنية الشهيرة، وهو ما دفعهم من قبل إلى استخدام الأشعة تحت الحمراء في فحصها، لعلها تفصح عن بعض أسرار الفنانين العالميين، فعلى سبيل المثال فيما يتعلق ببيكاسو كُشف في 2010 أنّ لوحته الشهيرة `إفطار الرجل الأعمى` التي رسمها عام 1903 قد رسمها بالكامل فوق لوحة أخرى طَمسها لكي يقدم للإنسانية هذا العمل الذي يعد واحداً من أشهر أعماله في فترته التعبيرية، كما اكتشف العلماء وجود لوحة خفية تحت طبقة الألوان في `الغرفة الزرقاء` التي رسمها في عام 1901.
- وبتفحص `عازف الغيتار العجوز` نكتشف وجود وجه غامض خلف وجه العازف، يظهر بصورة غير مفهومة، ليتضح بعد تصوير اللوحة باستخدام الأشعة تحت الحمراء، وجود أشكال أخرى قبل أن يرجع الباحثون الأمر إلى أن بيكاسو كان لا يملك الأموال لشراء لوحات بيضاء جديدة، فكان يستخدم لوحات قديمة!.
- وإذا كان ذلك ما يخص الجانب الفني لقضية `المرئي واللامرئي`، فثمة أبعاد إنسانية واجتماعية متعددة أيضاً لها؛ ذلك أنّ تناول الفنان لمفهوم المعرض يأتي في إطار احتفائه برؤية فلسفية تقوم على أنّنا لا نرى كل التفاصيل في الحياة، ولا نستطيع الإلمام بكل الواقع الذي نعيشه، ولا بدواخل الآخرين ممن نتعامل معهم بشكل يومي، بل قد لا نرى الآخرين أساساً في كثير من الأحيان، في حين علينا محاولة فهم حقيقة ما يدور حولنا، يقول الفنان: `على المتلقي أن يستجيب لإيماءات ما تمثله اللوحة، مثلما هو في حياته اليومية عليه أن يكف عن اعتبار العين مجرد جهاز لاستقبال الأشكال والملامح والأضواء والألوان؛ لأنّ عليها أيضاً أن تستكشف مكنونات النفس والأمور الخفية`.
- لوحات معروف تبحث عن اللامرئي في الفن والحياة
- هذا الاحتفاء التشكيلي باللامرئي الذي يدفع المشاهد إلى التأمل وإعادة النظر في أشياء كثيرة داخل ذاته، وفي الآخرين إنما يقودنا إلى احتفاء موازٍ له في عالم الأدب، فعلى سبيل المثال في رواية الكاتب الشهير بول أوستر `غير مرئي` نعيش تحدياً كبيراً للوصول إلى الحقيقة والتخلص من الوهم، ونحاول معه إزاحة الخط الفاصل بينهما، بينما في كتابه `اختراع العزلة... قصة بورتريه لرجل غير مرئي` نعاني من مشاعر إنسانية موجعة ترتبط بفقد التواصل مع المقربين، وذلك حين نغوص في تفاصيل حكايته مع أبيه الخفي عن الآخرين، بل عن ذاته أيضاً، إلى حد أنّ أوستر يعتبر نفسه قضى عمره يبحث عن أب غير موجود، وعندما وافت والده المنية شعر بأنه ما زال يبحث عنه؛ فلم يبدل الموت شيئاً.
- تبرز في تقنية الأعمال تأثر عصام معروف بدراسته للتصوير الجداري بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة؛ إذ يقدم أسطحاً غير منغلقة وغير مصمتة، فهي تبدو كما لو كانت أعمالاً بارزة أو قطعاً نحتية، ورغم أنّ الفنان الذي عاش في أوروبا منذ تخرجه عام 1981 حتى الآن قد كسر الكثير من القواعد الفنية في معظم لوحاته، لا سيما ما يخص الجسد، متنقلاً بين التجريدية والتكعيبية، فإنّه نجح في إكسابها قوة تعبيرية لافتة وأجواء صوفية ممتزجة بحس موسيقي مرهف، ليسودها في المجمل روح الشرق، يقول: `ما زالت مصر داخلي؛ فقد تعلمت حب الجمال والفن فيها من خلال أغاني أم كلثوم وعبد الحليم، ونهلت من إبداعات مثقفيها عبر قراءة أعمال طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم، بل تلقيت أول دروس في الأناقة من خلال روعة إطلالة نجوم أفلامها الأبيض والأسود، باختصار تشكلت بصرياً وفنياً ووجدانياً فيها، فكيف إذن لا تطل روح الشرق في أعمالي ومصر هي قلب الشرق`.
بقلم : نادية عبد الحليم
جريدة الشرق الأوسط - 26 فبراير 2022
|