وجوه من البازلت والجرانيت فى تكوينات مركبة
- فى معرض الفنان الشاب محمود مختار بقاعة الباب
- تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة، والدكتور وليد قانوش رئيس قطاع الفنون التشكيلية، تم افتتاح معرض الفنان `محمود مختار نصر الدين` فى مجال النحت بقاعة الباب الملحفقة بمبنى متحف الفن المصرى الحديث بدار الأوبرا المصرية.. ويضم المعرض 22 قطعة حجرية من البازلت والجرانيت والرخام المصرى، و67 قطعة من الخزف المنفذ بتقنية البريق المعدنى، وعدد 150 وحدة خزفية مستنسخة من الأشكال المعروضة.
- يذكرنا اسم هذا الفنان بالمثال العظيم محمود مختار، أحد رواد فن النحت فى تاريخ الفن المصرى الحديث.. والمصادفة هنا أن الفنان يسلك نفس اتجاه هذا الرائد العظيم، والتى تعتبر أهم أعماله امتدادا طبيعيا للفن المصرى القديم.
- وعندما نتأمل أعمال الفنان محمود مختار المعاصر تلتحم عيوننا بأشكاله الرأسية فى وضعية الوقوف بحجمها الصغير فى تكوينات متعددة الاتجاهات، ومجموعة بورتريهات بحجم الوجه تقريبًا بدون ملامح أو تفاصيل أو تحديد هوية الوجه.. رغم اختفاء معالمه.. وقد نفذ تلك الأشكال من الخامات الصلبة التى تحدد مهارة المثال وتضعه على عرش فن النحت، مثل خامة الجرانيت، والبازلت، وهما نوعان من الصخور النارية، وقد قام الفنان بعمل نماذج من بعض الأشكال الطينية وقام بصبها فى قوالب واستخدم الجليز اللامع، ليصبح أمامنا سطوح متنوعة، وضعها الفنان فى مجموعات أو تكوينات متماثلة تظهر الوجوه فيها متقابلة، حيث كل وجه مقابل للآخر، وأحيانا أخرى نشاهد تلك الوجوه تنظر للخارج، فى إيقاع منتظم وتكرار ليقدم نوعا من الاستمرارية والتدفق والتأكيد الدرامى الذى ينقل حالة الحوار الذى يدور بين تلك العناصر المتقابلة إلى المتلقى، وتدرك أعيننا ذلك الاتزان القائم على أساس محور العين التى تتحرك من الداخل إلى الخارج، حيث تجتمع العين حول نقطة مركزية وهى نفس النقطة التى تجتمع فيه الأشكال حين تظهر فى وضعية المواجهة، حيث كل تمثال فى مواجهة الآخر تلك النقطة التى تجمعهم فى محور دائرى تنطلق منه العين، وفى موضع نشاهد تشكيلا على هيئة جسم طائر بوجه مكعب مطموس الملامح وبلا تفاصيل ويذكرنا هذا الشكل برمز الـ(با) فى بعض منحوتاته، وهو رمز الروح عند المصرى القديم، حيث إنها تكون مرتبطة بجسد الإنسان، وهى تنفصل عنه عند مماته وتصعد إلى السماء، لكن ينكنها مغادرة الجسد ويمكنها أيضًا الرجوع إليه وقد صورها المصرى القديم بطائر له رأس مشابه تمامًا لوجه الإنسان.
- و(الكا) هى القرين أو شبح المتوفى وهو أهم أجزاء الجسم، وهى روح مادية تولد مع الإنسان وقد صنعت من مادة خفيفة لا ترىـ مثل الأثير أو الهواء، وتكون على شكل صاحبها، أى صورة مطابقة له تمامًا. فكان قرين الطفل طفل، وقرين الشيخ شيخًا، بل كان قرين الأعور أعور، وقرين الأعمى أعمى.
- ويستغرق المتلقى فى دهشة وحالة التساؤل ومحاولة لتفسير ذلك الغموض الذى يحيط بتلك الأشكالالمجسمة المتراصة فى بناء كلاسيكى صارم يذكرنا بصفوف الجنود المحاربين المصريين القدماء.. ونحن هنا أمام نص بصرى أو حالة من السرد البصرى، تجبرنا على التنصت للحوار الصامت بين تلك الوجوه الصماء والأجسام الضئيلة فنحن أمام عدة مستويات بصرية، تنقل العين هنا وهناك فى اتجاهات متوازية متناسقة، مع هذا التناغم البصرى بين تلك الوحدات ذات السطوح اللامعة، والسوداء، والوردية، والوجوه الرخامية ذات البياض الشاحب.
- وملامس السطوح ناعمة ملساء، باستثناء عمل أو اثنين لم يتم الانتهاء بعد من تفنيشهم بنفس الإخراج النهائى لبقية التماثيل، أعتقد لضيق الوقت، نظرًا لهذا الكم من الأشكال وتنوع الخامات المستخدمة، وقد استغرق تنفيذ هذه الأعمال 4 سنوات - عند الاطلاع على إعلانات المعرض فى وسائل الإعلام - مما يجعلنا نتأمل أعماله بعناية فى وسط هذا الزخم من معارض التصوير والرسم حيث أن فن النحت يمر بإجراءات كثيرة ومتعددة ويحتاج إلى بذل مجهود ذهنى ومادى، وهذا يسبقه فنان محترف لديه الموهبة والخبرة التى حصل عليها من خلال مشاركاته فى سمبوزيات النحت المحلية والدولية، مما يؤهله لهذا المستوى الجاد الذى نراه أمامنا فى هذا المعرض المميز.
- وقد شارك الفنان الذى يعمل أخصائى رسم أثرى لدى المجلس الأعلى للآثار فى العديد من ملتقيات النح على الحجر فى مصر وبعض الدول العربية والأجنبية، وله مقتنيات فى مصر والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإسبانيا واليونان والنمسا والأردن والسعودية وجورجيا ورومانيا.
بقلم : د. / أحلام فكرى
جريدة : القاهرة ( 21- 3-2023 )