عودة أخطر رجل في العالم... نقد الحاضر بالماضى
- من وحي أفلام سبعينات القرن العشرين، قدم الفنان المصري مصطفى البنا عمله على جدران قاعة `نهضة مصر` في مركز محمود مختار الثقافي في القاهرة تحت عنوان `عودة أخطر رجل في العالم`، وهو اسم فيلم أخرجه الراحل محمود فريد وأدى دور البطولة فيه الراحل فؤاد المهندس.
-غطى البنا جدران القاعة بصور مرسومة بالأبيض والأسود لمشاهد من الفيلم مع ترك مساحة فارغة كُتب عليها: `هل رأى أحدكم وطناً تائهاً؟ أبحث عنه في كل مكان ولا أجده` الفيلم، كما يقول البنا، ما هو إلا وسيلة لتقديم الفكرة التي يريدها، فهو أحد أفلام السبعينات التي حوت إسقاطات يراها مناسبة لواقع الحال في مصر اليوم. وقد طوّع البنا الذي عمل لسنوات في مجال الرسوم المتحركة مشاهد الفيلم بشكل أشبه ما يكون برسوم الكوميكس أو القصص المصورة ليسرد رؤيته لما يدور في مصر في قالب ساخر.
- وأتت المشاهد مصحوبة بتعليقات قريبة من الحوار الأصلي للفيلم، لكنها تلامس إلى حد ما، ما يدور حالياً على الساحة المصرية. الجوهرة التي يريد سرقتها اللص، وشخصية البطل التي تحاول قدر المستطاع الدفاع عن هذه الجوهرة التي وقعت في يد غير أمينة، كلها اسقاطات سياسية تعكس حال المصريين كما يقول البنا.
- ثمة بعض المعوقات التى واجهت البنا في سبيل إتمام العمل، منها التعامل مع تلك المساحة الكبيرة التي أخذت منه وقتاً وجهداً، إلى تقديمه في قاعة حكومية وما يستتبعه من محاذير.غير أنه استطاع المواءمة بين هذه المحاذير وإصراره على تقديم رؤيته الفنية من دون تنازلات.
- كما أن هناك تعمداً لإضفاء نوع من التشويه على الصورة، بحيث لا تتضح إلا إذا ابتعد المشاهد عنها بالمقدار الكافى. ربما هى دعوة لتأمل أوضاع البلد فى شكل متجرد من أي ميول أو انتماءات تعوق وضوح الرؤية. أما اختياره الرسم بالأبيض والأسود فيعود إلى ميله الشخصى، فضلاً عن أن الفيلم غير ملون. كما أتاحت له تلك المساحات الكبيرة لجدران القاعة حرية أكثر فى الحركة والعمل، في شكل قريب الشبه بما كان يمارسه طوال العامين الماضيين على جدران الشارع، فهو من الفنانين الذين يمارسون فن الجرافيتي الذي انتشر في شوارع المدن المصرية مع الثورة، وأعاد إليه نوعاً من التوازن والثقة لكي يعيد جسور التواصل مع الحركة الفنية التي كان قرر الابتعاد عنها كلياً منذ تخرجه في الجامعة، فالأجواء لم تكن مشجعة، وظن أن الأمر قد يتغير بعد الثورة.
- يشير البنا إلى ذلك بشىء من الإحباط لأن شيئاً لم يتغير،فأحلام المصريين في الحرية والتغيير تكاد تتبدد، وهم في طريقهم اليوم إلى دخول نفق مظلم لا يعلم نهايته غير الله.
- لجأ البنا إلى التعبير عن فكرته من طريق أحد الأفلام السينمائية لأنه رآها الأقرب إلى عقول الناس العاديين في الشارع، هؤلاء الذين يعنونه في الأساس، لذا كان حريصاً على تقديم الفكرة فى قالب بسيط ومفهوم وقريب من قلوب الناس. ويرى أن مضمون الفيلم على رغم سياقه الكوميدي الساخر، يحوي إسقاطات سياسية تتقاطع مع ما يحدث الآن في مصر.ففي الفيلم صراع بين أطراف عدة على هدف ما، وبين الشخصيات لصوص ومحتالون وكذابون وحمقى، وهناك أيضاً أناس طيبون وبسطاء يتم استغلالهم، وكلها نماذج يمكن تمييزها بسهولة على أرض الواقع،فالرئيس الإخوانى وجماعته، ومجموعات الأنصار التى تدافع عنه بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، والجماهير البسيطة، كلها ممثلة هنا، ويمكنك التعرف إليها داخل العمل من خلال السياق البصري والتعليقات المصاحبة، وهى تعليقات مضافة غير مرتبطة بالحوار الأصلي للفيلم بقدر ارتباطها بالواقع.
ياسر سلطان
الحياة - 6 / 4/ 2013