فنانة عربية فى دنيا العرائس
- العروسة فى البيت والعمل.. والاحلام!
- عرائس عربية فى معرض اوزاكا باليابان .
- حلم مسرح المائدة الذى لم يتحقق ..
- عرائس فرعونية وفينيقية وبيزنطية وعربية
- مشروع مصنع العرايس .. متى يتحقق؟
- لم تكتف بالعرائس من حولها فى كل مكان، حيث تعمل كمصممة ومنفذة بمسرح القاهرة للعرائس.. لم ينته عشقها للعروسة عند حدود ساعات العمل اليومى.. لم يشبعها ان ترى عرائسها التى تخيلتها وسجلت معالمها على الورق، تتحول إلى عرائس نابضىة بالحياة تتحرك وتتكلم وترقص وتغنى على المسرح، امام جمهور من عشاق ذلك الفن، صغارا وكبارا.
- لم يكفها ان تكون العروسة حرفتها، وأصرت على أن تحتفظ بها كهواية دائمة، تملأ بها بيتها، وساعات فراغها.. وهكذا، تحول بيت الفنانة بدر حمادة إلى عالم من العرائس الصغيرة والكبيرة.. فوق قطع الاثاث وعلى الارفف.. معلقة بخيوط على الحائط ، ومستندة إلى المقاعد والارائك .
- وفى عام 1962، دخلت الفنانة بدر حمادة عالمها الحقيقى، عندما التحقت بمسرح القاهرة للعرائس، وقبلها امضت خمس سنوات تتولى دروس التربية الفنية فى المدارس، عقب تخرجها من المعهد العالى للتربية الفنية عام 1975.
- رغم نجاحها فى عملها كمدرسة ، احست بدر حمادة بغربة فى حياة التدريس. لم تطق أن ترى مئات الأطفال من تلاميذها، يلعبون حولها كل يوم بخامات الانتاج الفنى المتنوعة، يبدعون لوحاتهم وعرائسهم، بينما تكتفى هى بالارشاد والتوجيه.. كانت تنسى نفسها أثناء تلك الدروس، فتغرق فى الخامات الفنية من حولها، تصنع منها عروسة عاشت طويلاً فى خيالها، ناسية الأطفال من حولها الذين تركوا ما بأيديهم وتجمعوا يتابعون بانبهار ما تبدعه أصابعها.
- لم يكن من الممكن أن يستمر هذا . فما أن أعلن مسرح القاهرة للعرائس عن حاجته إلى فنانين يصممون العرائس وينفذونها، حتى أسرعت تستقيل من عملها كمدرسة، وترتبط بالعمل الذى عشقته و مازالت تعشقه. فشاركت فى انجاز العديد من برامج ومسرحيات المسرح ، مثل ` دقى يا مزيكة `، و`مدينة الاحلام`، و` قيراط حورية`.
- ثم تولت بنفسها تصميم وتنفيذ عدة برامج من بينها `صحصح ودندش`، و` السماء الثامنة `. وتعدت عرائس المسرح إلى عرائس التلفزيون فعملت فى تصميم وتنفيذ عرائس وديكورات مسلسل ` لبلب وعنتر`.
- حلم الخلق الكامل
- هذا عن قصة الفنانة بدر حمادة مع عرائس المسرح المتحركة، عرائس القفاز التى تتحرك باليد من أسفل، وعرائس الماريونيت التى تتحرك بالخيوط من أعلى.. ولكن، هل اشبعها عملها هذا؟
- احست بدر حمادة ان طاقة الخلق عندها أثناء عملها بمسرح العرائس، تخضع لعدة قيود. فهى أولاً تلتزم فى تشكيل عرائسها بالنص المسرحى الذى يكون عليها ان تجسد عرائسه، ثم هى تخضع لرؤية المخرج الذى يطلب لعرائسه مواصفاتها الخاصة التى تدخل فى نطاق رؤيته للعمل ككل. ثم هى تخضع للخامات التى تصنع منها العروسة، والتى يفرضها نوع العرض المسرحى الذى سيقدم النص على أساسه. من هنا تصمم الفنانة على ان يكون لها عالمها الخاص من العرائس، عالم لا يشاركها فيه أحد، و لا تزاحم ارادتها فيه ارادة اخرى.. عالم تجسد فيه رؤيتها الخاصة الكاملة، بلا حدود أو قيود.
- فى عام 1969، بدأت نشاطها الخاص بما يسمى مسرح عرائس المائدة . نوع من المسرح التربوى الذى يتجاوز فيه الطفل دور المتلقى، ليشارك فى عملية الاداء المسرحى، اعتمادا على مسرح مصغر يوضع على المائدة ، يجرى فيه تحريك عرائسه الصغيرة البسيطة وفقا لنص مسرحى بسيط وقصير، يتبادل الاطفال أداءه امام جمهور من الاطفال الاخرين.
- ابتدعت نصا بسيطا ، وقامت بتصميم العرائس والديكورات وفقا لرؤيتها الفنية الخالصة. كانت فى ذلك الوقت، تحلم بأن تجد أقبالا على هذا المشروع من جانب الهيئات التربوية، فيتم انتاج مسرح عرائس المائدة على نطاق واسع ، بحيث يصبح فى مقدور الاطفال اقتناؤه والاستفادة منه.. حلمت بذلك ، وبقى الامر فى حدود الحلم الذى لم يقدر له أن يخرج إلى حيز الواقع والتنفيذ العملى.
- وعندما أعلن عن اقامة معرض اوزاكا باليابان عام 1970، قررت شركة حوير حلوان ان تشارك فى ذلك المعرض، بمجموعة من العرائس تمثل بالازياء تاريخ مصر عبر العصور. أوكلت الشركة الى الفنانة أمر تصميم وتنفيذ عرائس ذلك المعرض. فنجحت فى انجاز عدد من العرائس بالازياء المختلفة للعصور المتباينة.. عرائس فرعونية ، ومملوكية وشعبية.. عرائس من مختلف أقاليم مصر، من النوبة وسيوه والشرقية.
- كما شاركت الفنانة عام 1972 فى مسابقة `عروسة مولد` التى نظمتها جمعية محبى الفنون الجميلة، وحصلت على جائزة ذلك المعرض. ونتيجة لنجاحها فى هذا الميدان، انتدبت عام 1975 لمدة شهر عن طريق وزارة المجاهدين الجزائرية، لتدريب مجموعة من ابناء الشهداء على انجاز عدد من العرائس ، التى تصلح كنواة لمتحف جزائرى يسجل أزياء أبناء الجزائر فى مختلف أنحائها.
- النجاة من مصيدة الفوتوغرافيا
- بعد هذا تعلقت بدر حمادة بالعروسة الثابتة، فما أن عادت من الجزائر، حتى انهمكت فى أنشاء متحفها الخاص الذى احتشدت فيه العرائس.. ما يزيد على ثلاثين عروسة تمثل الازياء الشعبية المصرية، وأزياء الحرفيين، من شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وحتى النوبة فى أقصى الجنوب.
- فى هذا تقول بدر حمادة ` فى عرائسى، حرصت على تثبيت عناصر الشكل الاساسى للعروسة، حتى ينصرف جهد الخلق والابداع إلى تحقيق السمات الخاصة المتميزة لكل شخصية أحاول تجسيدها، وبرغم وحدة الجسم الاساسى لكل العرائس، والذى يعتمد على الكرة والمخروط .. كما حرصت فى نفس الوقت على تأكيد قيمة الخامة فى تصوير الرؤية الفنية. فعالم الخامات هو عالمى المفضل منذ سنوات الدراسة بالمعهد العالى للتربية الفنية. بدأ احساسى بالخامات كوسيلة تعبيرية منذ ذلك الحين.. أحسست أن الخامة بملمسها الخاص وطبيعتها الكيميائية تصلح اداة كاملة للتعبير، وتضفى على العمل الفنى اصالة ورسوخا، قد لا يتحققان باستخدام التلوين المائى أو الزيتى. فعنصر اللون فى الخامة يكون اصيلا ثابتا، يؤكد صدق الاحساس بصراحة وجرأة `.
- لهذا، حرصت الفنانة بدر حمادة على جمع اكبر قدر من الخامات المحتلفة. وما ان تبدأ عملها فى عروسة جديدة، حتى تبسط هذه الخامات من حولها، تتأملها وتتحسسها، بينما تجرى عملية المواءمة بين رؤيتها الفنية للعروسة التى تتخيلها وبين الخامة المناسبة لهذه الرؤية.. من حيث اللون ودرجة الصلابة أو الليونة، ومن حيث الملمس ودرجة الخشونة أو النعومة.
- بعد هذا، يبدأ التعبير بهذه الخامات عن عناصر واجزاء العروسة المختلفة. وهنا، تظهر قيمة خاصة لطريقتها فى استخدام الخامات مباشرة. ذلك ان استخدام الخامة يقتضى قدرا كبيرا من التلخيص الفنى للعناصر. فالخامة لا تسمح بالدخول فى تفاصيل جزئية صغيرة ، وهكذا تحمى الفنانة نفسها من الوقوع فى مصيدة النقل الفوتوغرافى الرخيص من الطبيعة. يصبح تعبيرها عن أى عنصر عملية خلق كاملة ، تقتضى تأملا واعيا للاصل، لاستخلاص عناصره الجوهرية المتميزة ، والغوص الى أعماق علاقاته التشكيلية، دون الوقوف عند حدود شكله السطحى الخارجى. عند هذا تصبح الرقعة الصغيرة من أى خامة من الخامات تعبيرا دقيقا عن عضو من أعضاء العروسة، ويصبح أى خطأ فى اختيار الخامة أو شكل الرقعة المضافة ، أفسادا لشخصية العروسة، وانحرافا عن تسجيل الرؤية الصادقة.
- عالمى .. لا أتنازل عنه!
- تضحك الفنانة بدر حمادة، ثم تقول ` العروسة.. هى عالمى الذى لا أتنازل عنه `.. حتى فى وجه استنكار بعض الاصدقاء والاقارب الذين تبدو عليهم الدهشة ، عندما يصدمهم انتشار العرائس فى كل مكان من بيتى، وعندما يكتشفون مدى استغراقى فى دنيا العرائس.. وفى هذا لا تهمنى تعليقاتهم الساخرة التى تتضمن اتهامى بالنكوص! .. وبالتثبيت عند مرحلة الطفولة التى تسعدها العرائس ! `.
- وتروح الفنانة تتحدث عن العروسة كعنصر هام فى مختلف الحضارات الانسانية على مدى التاريخ . الفراعنة صنعوا العرائس لمعبودهم ( انوبيس). كان هيكل العروسة يصنع من الخشب، ثم يغلف بالاقمشة وما يشبه الورق المقوى. كانت عرائس الغربيين تستخدم فى الطقوس الكهنوتية والمواكب الدينية. وقد راجت صناعة العرائس عند الفراعنة أثناء الدولة الوسطى، حيث برعوا فى تمثيل الجند فى فيالقهم وهم مدججون بالاسلحة ، كما شكلوا أيضا تماثيل ودمى للملاحين والبنائين والخبازين.. وما زالت العرائس الشعبية المصرية تجرى على نفس تقاليد العرائس الفرعونية.
- أما الحضارة الفنيقية فقد عرفت الكثير من العرائس التى كانت تستخدم فى طقوس العبادة .. كذلك اتخذت الحضارة البيزنطية من الدمى المتحركة وسيلة للتظاهر بالعظمة أمام سفراء الدول الاخرى والضيوف الوافدين إلى مجالس الاباطرة.
- وفى قصص ` الف ليلة وليلة `، نجد تكرارا واضحاً لذكر العرائس والدمى مرتبطا بخصائصها السحرية. كما يصف الطبرى ساعة نحاسية هائلة أقيمت بمرصد ` سر من رأى`، بها دمى تظهر فى مواعيد ثابتة. وتؤدى بعض الحركات، وكان بعضها على شكل الطيور المغردة.
- والثابت من المراجع التاريخية. ان صناعة الدمى والتماثيل المتحركة كانت منتشرة عند العرب. وقد خصص العالم العربى الرزاز الجذرى كتابا عنها باسم ` كتاب الجامع بين العلم والعمل `، زوده بعدد كبير من الرسوم الايضاحية المبينة لتركيب الدمى وأشكالها وطبيعة هياكلها. كما وضع أبو عامر أحمد الاندلسى كتابا باسم ` الباهر فى عجائب الحيل` يصف فيه أنواعا من الدمى التى تتحرك بما يشبه أعمال الحواة، والتى كانت تصنع من الشمع وغيره من الخامات.
- وفى الشرق الاقصى.. فى الصين واليابان واندونيسيا وجاوة والهند، عرفت الحضارات أشكالا من الدمى الثابتة والمتحركة لمختلف الاغراض الدينية والعملية والترفيهية.
- لقد كانت العرائس والدمى، انشغال الانسان على مدى تاريخه الطويل، وعلى مدى سنوات عمره.
عروسة عربية للجميع-
- أسأل الفنانة بدر حمادة عن أحلامها ومشروعاتها فى عالم العرائس، فتقول أنها تحلم بمصنع أو مشغل كبير، يقوم بإنتاج العرائس التى تبدعها ويبدعها غيرها من الفنانين العرب على أوسع نطاق عرائس لها إلى جانب قيمتها الفنية والجمالية، قيمة تسجيلية، بما فيها من تصوير للأزياء الشعبية والتاريخية من مختلف أنحاء العالم العربى.
- وتقول مستطردة ` لن يكفى ان تتجمع مثل هذه العرائس فى متحف خاص، تقتصر الاستفادة منه على عدد محدود من الزوار.. أريد لهذه العرائس أن يتم انتاجها على أوسع نطاق، بحيث تنخفض تكاليفها وتصبح متاحة لاوسع جمهور عربى ممكن.. واعتقد اننا بهذا، ندعم الرابطة بين أفراد الشعب العربى، ونرتفع بمستوى التذوق الفنى للجماهير العربية ` .
بقلم : راجى عنايات
مجلة العربى الكويتية - يناير 1978