محمد محى الدين موسى اللباد
محيى الدين اللباد حاصد الجوائز العالمية .. رحل غريبا فى وطنه
فى صمت وهدوء رحل التشكيلى الكبير محيى الدين اللباد 1940 -2010 ، عن عالمنا أخيراً ليبدأ الصخب فى الصحف والمجلات والمدونات، وبين الناس عن مكانة الراحل الراحل الكبير، وفنه وإنجازه ليبدأ إدراك الواقع المؤسف وهو أن الموت وحده هو القادر على لفت أنظارنا إلى مبدعينا الكبار .
رحل اللباد وبقيت أعماله وبعض الذكريات التى يحملها له الأصدقاء والمحبون الذين التقت `الراى بعضاً منهم فكانت لنا هذه الشهادات :
الفنان حلمى التونى قال : كان أفضلنا وأطهرنا، لذلك مات قبلنا لأن الأكثر حساسية هو الذى يموت أولا، ففى السنوات العشر الأخيرة، كان يائسا وغاضبا، وأعتقد أنه راح ضحية حزنه وإحساسه بأنه غير قادر على تحقيق ما أنفق حياته فيه، لقد كان اللباد سابقا لعصره، كان يقدس إتقان العمل بينما كان يرى المجتمع من حوله لا يتمتع بأدنى قدر من الدقة أو الإتقان بل إنه مجتمع رافض للإتقان لذلك كانت معظم نشاطاته خارج مصر فى الفترة الأخيرة من نشر ومعارض، لأنه وجد التقدير هناك، كما حصل على جوائز من هولندا وفرنسا، بينما فى بلده الناس لا تعرفه .
فى جيل الستينات كنا فنانين تخرجنا لتونا فى كلية الفنون الجميلة كان لدينا وعى وإحساس بالوطن وأحلام راهنا عليها، لكننا خسرنا الرهان، وظلت مرارة التجربة فى حلوقنا فمحيى الدين اللباد من جيل أخذ قرار جماعيا بأنه لن يمارس الفن بمعنى اللوحة والتمثال، وإنما سيمارس فنا يخدم المجتمع والناس، ولكن بعد العام 1967، بدأ اليقين أن هذا الحلم غير قابل للتحقيق، البعض تحلى بمرونة وأدرك الواقع، بينما كانت هناك أناس انكسروا نفسيا، وعلى رأسهم محيى اللباد ، فكان غير مطلوب للعمل وغير معترف به وليس له دور فى هذا الزمان وحين رأى المجتمع يتغير من سيىء إلى أسوأ طوال الوقت، ورأى الزيف منتشرا، ولم يعد أحد يعرف أين الصواب، أصيب باكتئابه لازمه طوال 15 عاماً، فاللباد كان حزينا حزنا لم أر مثله، حزن يجب أن يؤدى للموت فلا تستمر هذه الحياة بهذا القدر من الحزن والاكتئاب .
ويضيف: فى العام 1975 كنت فى بيروت، حينها جاء هو أيضاً ودعا فنانى مصر والوطن العربى ليشاركوا فى إنشاء أول وأخر دار متخصصة فى نشر كتب الأطفال وهى دار `الفتى العربى` وكان هذا أيضاً من أسباب غضبه، حيث أراد أن يبنى الجيل الجديد، حين لم يكن قادرا على بناء جيله ، ولكنه لم ينجح ورأى الأجيال الجديدة أسوأ من الأجيال التى رفضها فأحوال التعليم متدنية، والأمور تقوم على الصدفة والفهلوة وحسن الحظ ، فى حين أنه لا وطن يبنى على هذا الأساس ، لذلك كان لابد أن يموت فالغضب والحزن أكبر الأمراض التى يمكن أن تصيب إنساناً .
التونى إنتقد إهمال الإعلام للباد، ووصف الاهتمام الكبير به بعد وفاته بأنه تأنيب ضمير، وقال : كان عنده قدر كبير من التجرد، لم يكن تهمه شهرته الذاتية، وحين لا تنشر عنه أخبار بالصحف لم يكن ينزعج، كما أنه لم يكن مستاء من عدم تلقيه التقدير المطلوب .
الفنان عصمت داوستاشى، قال : أهم ما أنجزه محيى الدين اللباد فى رأى عملان مهمان، الأول أنه أعاد اكتشاف التراث البصرى الشعبى المصرى وقدمه بصورة حداثية فى رسومه ومطبوعاته، كرسوم الوشم ، والموتيفات المختلفة والعلامات البصرية المختلفة فى حياتنا اليومية، وكان هذا مادة خصبة لمجموعة من الكتب المهمة جدا،كسلسلة كتب `نظر`، التى كان حجم الرسوم فيها أكبر من حجم الكتابة، فالرسم والموتيفات والعلامات البصرية المختلفة أشبه بأبجدية بصرية لابد أن نعرفها، ونتعلمها، وأن تصبح جزءا مهما فى حياتنا.
أما العمل الثانى فكان رسمه للأطفال الصغار، وفى هذا هو لم يكن يرسم للأطفال الصغار وحسب، وإنما كان يتوجه أيضا للطفل الموجود داخل الإنسان سواء كان كبيراً أو صغيراً ، طفلاً حقيقيا كان أو طفلا تعدى الخمسين، لذلك حظيت كتبه بشهرة وجوائز عالمية وجعلت منه واحداً من كبار صناع الكتب، الذين ينجزون الكتاب من الغلاف للغلاف، لذلك هو خسارة فادحة للحركة الفنية المصرية والعربية والعالمية، والتراث الذى تركه لنا سيكون بمثابة مدرسة كبيرة يواصل فيها محيى الدين اللباد حتى بعد رحيله مكانته كمعلم فى الحركة الفنية .
الفنان التشكيلى محمد عبله قال : قبيل وفاته بأشهر ، اخبرنى بأنه هناك رسمة مطلوبة منه، وأنه يشعر بأننى ساكون مناسباً أكثر لهذه الرسمة، هكذا كان شعوره تجاه غيره من الفنانين، وهو شعور قلما تجده عند الأخرين الذين يدعون طوال الوقت أن بإستطاعتهم القيام بأى وكل شىء، دون الحاجة إلى أحد، العظمة أن تقول شغل فلان هو المناسب وليس عملى . موقف آخر يرويه عبلة قائلاً: منذ نحو خمس سنوات ، طلب منى الاشتراك فى معرض لرسوم الأطفال بباريس، كان مسئوولا عن تنظيمه، قلت له أنا لم أنجز رسوم أطفال منذ زمن طويل، فقال لى: لا أنا أريد بعضا من شغلك العادى أود أن أقول رسالة عبر المعرض، وقد كان، حين رايت المعرض، كان هناك كم من التناغم غير معقول.
ويضيف: فى آخر مرة تحدثنا فيها عن الإهتمام بالصنعة، قال لى : `الفنان يجب أن يكون متمكنا من صنعته، كذلك الكاتب والحرفى، وكل شخص، إننا نفتقد فكرة الأسطى، ونفتقد فكرة أن يصنع كل إنسان عمله بإتقان، وأن يفعل ما يفعل بمصداقية`، فالبرغم أنه لم يكن يتقاضى الكثير من المال من أغلفة الكتب، فإنه لم يقم أبدا بتصميم غلاف لكتاب إلا إذا قرأه وبعدها يبحث عن العناصر التى سيتكون منها الغلاف، فكان يهتم جدا بكل التفاصيل البصرى منها، والمعرفى، فلو وجد مثلا صورة قيمة من كتالوج يبدأ فى البحث عن تاريخها وأصلها وقصتها.
ومن المواقف الجميلة التى أذكرها له أيضاً، أننى حين افتتحت متحف الكاريكاتير العام الماضى، كان سعيداً جدا، وأهدانى ثلاثة من أعماله كما أعطانى قطعتين من مقتنياته لكل من الفنان عبد السميع، والفنان ماهر، وكان سعيدا للغاية بفكرة أن يكون هناك متحف للكاريكاتير .
بقلم / رحاب لؤى
جريدة الراى- 16-9-2010
تفاحة اللباد : ذهبية
عزيزى محيى اللباد : ليتك كنت معى أو كنت مكانى لتتلقى بنفسك تفاحتك الذهبية التى فزت بها فى بينالى رسوم كتب الأطفال فى `براتسلافا` - هذا البلد الجميل الذى يبعد عن فيينا نصف ساعة فقط بالسيارة - حوائطه ملونة وتماثيله فى الشوارع والحدائق وفى كل ركن به - وبالمختصر- `براتسلافا` بلد وكأنه رسم خرج لتوه من كتاب أطفال ملون أو أن بيوته كأنها صنعت لتسكن فيها عرائس أو دمى . خطاب شخصى للنشر .. خطاب عمره 21 سنة فاز كتابك `الكشكول` بفكرته المبتكرة وذكرياتك الصادقة العميقة بين ألفين وخمسمائة وثلاثة وعشرين رسماً - مجموع ما وصل من رسوم إلى بينالى هذا العام-وقفزت والفرح يدفعنى إلى قصر الثقافة حيث المعرض - قفزت الى الدور الأول - كانت رسوم كتابك معروضة وملصقا فى جانبها الأسفل المربع ذو التفاحة الذهبية كما وضعته لجنة التحكيم . إن أغلب الدول تشترك فى هذه المسابقة الدولية بكل ثقلها -وبأعظم فنانيها- تذكرتك عندما قلت لى قبل سفرى -إذهب يا إيهاب فإنك هناك ستتعلم كثيراً - فعلا يامحيى - لم يتح لى من قبل أن أرى فى مكان واحد هذا التجمع الكبير لأرفع مستوى من الرسوم المنطلقة فى عالم خيال الطفل . نجد يا محيى أن مجموع الفنانين العرب العارضين هنا هم فى مجموعهم تسعة فقط، فهل هذا العدد يكفى ليمثلنا نحن كعرب ؟؟ وأنت تعلم كم لدينا من الفنانين الصادقين أتمنى أن يشتركوا فى بينالى 1991-ليكون لنا فعلا ثقل إيجابى خصوصاً بعد فوزك بالتفاحة الذهبية - لقد أكدت الجائزة أن الجهد المتواصل الذى بذلته منذ زمن طويل لم يذهب هباء وقد بلورت فلسفتك وتجربتك كلها فى هذا `الكشكول` -لقد حققت فيه أحلامك، لقد فرجت فيه مع رسومك ذكرياتك وأنت طفل مع أحلامك فى الماضى والحاضر والمستقبل- ولصقت صوراً عزيزة لديك وتدخل فى صميم بنائك النفسى، وقد بعثرتها بنظام غير مرئى بين مخطوطات يدك بشكل حديث- لكنه نابع من أصولنا العميقة . أتساءل :- كيف استطعت السيطرة على كل هذه المتنوعات وخلقت منها بابتكار شديد هذت الانسجام المتجانس البسيط ؟؟ بسيط وسهل ليفهم الطفل ما تريد أن تقوله له؟ - ونجحت فى أن تقول تجربة حياتك- عبرت عنها بنقاء يحمل بين ثناياه علماً وفلسفة! قدمت ذلك كله فى بساطة معجزة والتفاحة الذهبية لهذا الجهد هى ثانى الجوائز التى حصلت عليها لدار الفتى العربى كتاب `البيت` - الذى رسمته للمؤلف `زكريا تامر` وحصل هو الآخر على جائزة دولية - وقد ترجم البيت إلى لغات عديدة بعد فوزه - أما `الكشكول` فهو كتاب يحتاج إلى ناقد متخصص ليعطى له ما يستحقه من تقدير - ولقد قرأت فى اللوحة المعروضة من كتابك الكشكول العبارة التالية كإمضاء وآخر كلمات الكتاب : ` رسمها الفقير الحقير المعترف بالعجز والتقصير محى الدين اللباد من تلاميذ الأستاذ خليل مراد معلم الرسم بمدرسة القبة الثانوية سابقاً` . وتذكرت زيارتى لك مع الفنان الرائد طوغان لمعرضك الأول وكنت طالباً فى مدرسة القبة الثانوية منذ حوالى خمسة وثلاثين عاماً! منذ معرضك فى القبة وأنت كالشجرة التى بدأت تطرح وهى صغيرة ثمرات ليقطفها الأطفال حتى أتيت لنا بالتفاحة الذهبية - نذكر رسومك فى مجلة سندباد فى أواخر الخمسينيات - تأسس مجلة كروان فى الستينيات وصاحب فكرة نشر كتب الأطفال فى الفتى العربى فى السبعينيات - تجميع الفنانين العرب فى السبعينيات- تجميع الفنانين العرب وتقديمهم وتعريفهم دولياً- تصميم مجلة ياسين مع مركز الطفل، تصميم مجلة العربى الصغير و.. و..و.. كان هدفك طوال هذه السنوات خلق مادة للطفل عربية أصيلة تخدم الطفل وتحميه من حكايات الخواجات كما تسميها `سوبر مان وتان تان` - كذلك محاولاتك العديدة فى تغيير شكل الكتاب المدرسى لإضافة مسحة من الجمال واستبدال رسومه الركيكة بأخرى شيقة- لكن مازال حلمك لم يتحقق - كان من ضمن أهدافك أن يجد التلميذ الذى يعجز عن شراء مجلة أطفال أسبوعية كانت أو شهرية - أن يستمتع بما فى كتابه المدرسى من رسوم جميلة وألوان مبهجة وذوق يتربى عليه فيرقى- رأيتك وانت تناقش ثم تطالب بتوصيات من أجل الكتاب المدرسى - وفعلاً - نجحت فى تقرير التوصية من أجل تطويره وتكررت التوصيات - لكن يظهر يا محيى أن وزارة التربية والتعليم منذ زمن بعيد تضع أذنا من طين والأخرى من `عجين` `للأسف إلى الآن !` . فى هذه الرحلة يا محيى رشحنى لها مركز الفنون لأكون قوميسيراً للبينالى لأول مرة مشكوراً- فكانت حيرتى- متى أكون قوميسيراً ؟؟ - ومتى أكون رساماً؟؟ لكنى فضلت وقررت أن أكون تلميذاً -ذهب `براتسلافا` ليرى فنا جميلا من جميع أنحاء العالم ويتعلم ! وإلى لقاء قريباً يا محيى فى القاهرة لتسليمك تفاحتك الذهبية فى احتفال ثقافى ترتبه وزارة التقافة التشيكية مع وزاة الثقافة المصرية . دام أكثر من خمسين عاماً . فقدناك يا محيى أيها العزيز فقدنا فناناً وإنساناً.. ورائداً ومعلماً فقدنا زميل كفاح دام أكثر من خمسين عاماً خالص عزائى لولديك مصطفى وأحمد ولكل تلاميذك ومحبيك .. يا محيى يا لباد .. ستظل دائما مضيئاً ونابضاً فى الفؤاد وإلى أن نلقاك
إيهاب شاكر
مجلة صباح الخير - 21-9-2010
محيى الدين اللباد الخروج عن الإطار
منذ سنوات سمعت صوته العريض الجميل الرائق على الهاتف : ألو : صباح الخير يا فلان .. أنا محيى اللباد ! كانت المفاجأة كبيرة بالنسبة لى .. صمت لعدة ثوان أفكر فى جملة مكثفة يمكنها أن تعبر عن مكانته فى نفسى .. ويبدو أنه أحس بارتباكى هذا فضحك ضحكة قصيرة وأكمل حديثة عن إعداده لورشة عمل تابعة لليونسكو خاصة بإخراج كتب للأطفال ستقام لمدة شهر فى بيروت ، وكنت أنا أحد المحظوظين السبعة من عدة دول عربية قام باختيارهم ، واتفقنا على أن أمر عليه فى مرسمه فى وقت لا حق لاستكمال الحديث . كنت قد تعرفت عليه للمرة الأولى منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما فى منزل جدى ، ففى أحد أكوام الجرائد والمجلات التى تملأ حجرته لفتت نظرى مجلة ضمت رسوما شديدة الغرابة والاختلاف عما اعتدت رؤيته ..رسوماً ذات أفكار ساحرة لا يصاحبها سوى تعليق ذى كلمات قليلة مجموعة ببنط صغير .. كانت المجلة هى ` صباح الخير ` وكان الموضوع يتناول الكاريكاتير الغربى بقلم محيى الدين اللباد .. منذ ذلك التاريخ وعلى مدار سنوات طويلة وأنا أتتبعه ، كان الرجل يتنقل بسهولة بين مناطق متعددة من رسوم كاريكاتورية وتصميم أغلفة الكتب والجرائد والمجلات وكذلك رسوم للأطفال ..وكان ذا بصمة واضحة فيمكنك التقاط أعماله بسهولة وهى أعمال ستتداخل فيها كل الخبرات السابقة فتظهر بصورة فريدة . أما كتاباته فحدث ولا حرج سوف تأخذك لآفاق غير مسبوقة ، فما كان يقدمه صعب أن يوجد فى أى بقعة من العالم حتى لو كان فى الجزء المتحضر منه ، فهو لم يكن ناقدا فنيا .. إنه كان يعيد فهم الأشياء من جديد . فمثلا فى كتابه البسيط جدا العميق جدا جدا ` كشكول الرسام ` يكتشف الرجل أن اللون الذى يشتريه جاهزا من أجل تلوين البشرة لشخوصه هو لون مصنوع فى أوروبا وأمريكا: ` و بينما أرسم نظرات إلى يدى التى تمسك بفرشاة الرسم وتلون الأجسام بهذا اللون الجاهز فوجدت فارقا هائلا، كان لون بشرة يدى يختلف كثيرا عن لون البشرة الذى أستعمله فى التلوين ثم توقفت بعدها عن استعمال ذلك اللون وبدأت أتعلم كيف أكون بنفسى لونا جديدا للوجوه والأيدى والسيقان والأجسام يماثل لون بشرتى وبشرة أهلى ` . إنه لا يرفض اللون لأنه لون أوروبى فهو عاشق للفن بشكل عام حتى إنه اختار مقطعا متفردا من أغنية محمد عبد الوهاب ` جفنه علم الغزل` : وهو ` إن عشقنا فعذرنا .. أن فى وجهنا نظر ` ليكون شعارا لمجموعة من الكتب المذهلة التى حملت اسم ` نظر ` ..بل لأنه يحاول وعلى مدار سنوات عمره أن يكون محددا الهوية . كنت أقف أمام باب مرسمه الواقع فى أحد شوارع مصر الجديدة الهادئة وأنا متردد قليلا ، فقد وصلت متأخرا كثيراً عن موعدى معه لظروف مرورية صرفة فقد تصادف ييومها افتتاح المعرض السنوى للكتاب ، وكنت أسمع ممن عرفوا الرجل جيدا عن حرصه الشديد على الدقة سواء كان فى العمل أو المواعيد فهو لا يتسامح مطلقا فى الإخلال بالنظام ..توكلت على الله وضغطت على الجرس. من حسن الحظ أنه هو نفسه لم يحضر بعد، لظروف خاصة ولكنه ترك خبرا فى المرسم بأنه على وشك الحضور . أخذت أتأمل المكان ..كان بسيطا جدا يبرز فيه مكتب عليه الكثير من الأوراق والأقلام التى تتبعثر بشكل فنى جميل ، هذا بالإضافة إلى كم من الأوراق الصغيرة المثبتة على الحائط أعلى المكتب قليلا وتبدو كرسوم صغيرة أو خطة عمل ستنفذ فى الأيام المقبلة وغيرها من الأوراق أما على يسار الجالس فهناك مجموعة من الأدراج الخشبية المتراصة فوق بعضها البعض لوضع الأوراق الضخمة . جاء ذلك بعد قليل بقامته الضخمة وقال لى : شكلك كما تخيلته من رؤيتى لأعمالك ،ابتسمت ولم أعلق وتذكرت أنه فى ` كشكول الرسام ` كان يذكر عن نفسه أنه يجمع الصور الفوتوغرافية المتنوعة منذ فترات طويلة جدا: ` عندما اتفرج على مجموعتى أستطيع ` شم ` رائحة خاصة للمنظر الذى تمثله كل صورة منها .. هذه الصورة أشم فيها رائحة ماء الورد..` . عند مغادرتى للمرسم كنت قد تأكدت أن هناك من تجلس معه لتمضيه الوقت والمجاملات وهناك من تجلس معه لتشعر بالقيمة وأهمية الأشياء. قبل أن يحين موعد السفر اتصل وطلب فى اقتضاب شديد أن أفتح الميل الخاص بى وأقرأه ، كانت المفاجأة أنه يعتذر عن ورشة العمل. وكان السبب أن بعض الموضوعات المقترحة من المؤسسة رأى من جانبه أنها لا تصح للطرح فى ذلك الوقت من الزاوية السياسية .. احترمت وجهة نظره واتصلت به أسأله ماذا أفعل ؟! فقال اذهب بالطبع ، وبعد تردد قصير أرسلت أنا الأخر اعتذاراً بالإيميل ولكنه اعتذار إنسانى فالرجل هو الذى اختارنى ومن الناحية الأخرى ، فالورشة مهما كان الشخص البديل لن تكون أبدا بنفس الرونق والدفء والحميمية التى كان سيضيفها اللباد. ولكنها كانت فرصة رائعة بالنسبة لى لا يمكن تركها ، فمنذ ذلك الحين وأنا ` أتلكك ` لكى أتصل به وأسمع منه ، هذه تجربة شخصية مع الرجل والتى تكررت مع كثيرين غيرى فى قيامه بمتابعة أعمالهم والاتصال بهم ومنحهم خبراته العريضة بلا أدنى مقابل ..إنه رجل يعشق المهنة ويقدمها على نفسه قبله على جبينك أيها الرائع ستدوم سيرتك طالما كان لدينا ` نظر` .
بقلم الدكتور / سامح حسان
مجلة روز اليوسف سبتمبر 2010
البهجورى يرسم ويكتب محيى الدين اللباد
- أرسمه فى صفحته وفى بيته ` المصور ` الذى عودنا أن نرى خطوطه البسيطة التى تخاطب الطفل والشاب لأن أبحاثه فى تبسيط الخط مدرسة خاصة إسمها ( نظر ) أو ( نظرية ) لها ( كشكول رسم ) وكأنه طبيب عيون يريد تهذيب عين القارئ على متعة تناسخ وتزاوج الخط ويقول ( بول كليه ) أحد أعلام فن الرسم فى العالم منذ قرن كامل أن يتحول الخط إلى موسيقى لأن ( كليه ) klee كان موسيقيا فى بداية حياته وعازفاً للكمان أراد أن يتحول إلى رسام فأصبحت نوتة الموسيقار بخطوطها الأربعة هى لغته الجديدة وأجمل لوحاته هى الآلآت الموسيقية كأنها تعزف بالبصر بدلاً من الأذن لأن العين الناظرة الواعية بقراءة الرسم واللوحة والتمثال خوفا من تحويل القراء إلى كفيفين لا يستطيعون فهم المعرض والمتحف ولا يستطيعون التمييز بين الجمال والقبح . لذلك أصبحت ريادة محيى الدين اللباد هى أساس مدرسة كاملة ليست لتعليم الطفل فقط ولكنها لتهذيب رؤية الكبار بما يسمونه الفنون التشكيلية . - عرفته وأنا أحاضر فى ندوة ثقافية فى مقتبل العمر وكان لا يزال طالبا فى العام الدراسى الأول لكلية الفنون الجميلة .. لمحته فى نهاية القاعة عملاقاً يتابع كلماتى فشعرت بالهيبة والمسئولية وكأنى أتنبأ بأن الطالب ليس عاديا وسيكون له شأن كبير فى عالم الفنون الجميلة ، لذلك حسبت كلماتى وخطوطى على السبورة بالتكامل الصحيح حتى لا أقع فى خطأ فى كلمة أو رسم يحاسبنى عليها بعد الندوة هذا الطالب العملاق فى الطول وفى القيمة وكانت عويناته الزجاجية واسعة أكثر مما كنت أراها بالعين المجردة . حسبته يضاعف من رؤيته لأشكال الندوة التى أناقشها أمام الجمهور لا بأس به يريد أن يعرف أكثر عن فن الكاريكاتير الذى كنت مازلت أبدأ فيه اتجاهاً جديداً وكأنى أرجو الطالب محيى الدين اللباد أن يوافقنى على كل نقطة توضيح أو موقف أو نتيجة أصل إليها . - وفى سنوات قليلة وجدته معى فى غرفة الرسم فى روزاليوسف ثم صباح الخير ثم كتب دار المعارف ومجلة ماجد وسمير ثم أخيراً فى بيتنا الكبير دار الهلال متزعماً اتجاهه فى تبسيط الخطوط وتوظيفها مع منهج سياسى متقدم كمناضل جديد بالريشة . - ومن خلال مؤلفاته العديدة التى تعتمد على فن الرسم أصبح المتعمق الدارس لفن الكتاب مع فن الملصق من ( نظر ) إلى ( كشكول ) إلى فنون الطفل وفن الأرجوز والرسم المتحركة والسينما وأصبح معه زميل نابه هو ابنه أحمد اللباد الذى أرسله لى ذات صيف إلى باريس فى زيارة ممتعة ، سمعت صوته ذات صباح ليقول لى : عندى ملصق للناقد الكبير د.لويس عوض وتكريمه فى المجلس الأعلى للفنون والآداب ما رأيك أن ترسمه بدلا منى لأنك أكثر تخصصاً فى فن البورترية . ثم هاتفنى مرة أخرى لألتقى بالدكتور ثروت عكاشة فى منزله بالمعادى لاختيار عدة دراسات كاريكاتورية لوجهه فى كتابة الكبير ` فارس الحصان الأبيض ` وفى مرة أخرى طلب منى أن أرسم بورترية له على غلاف كتاب دراسى عنه . - هذا هو تلميذى الذى أصبح أستاذى يرشدنى إلى طريق الفن الذى اشتركنا فى مشواره الطويل .. لم أفهم رحيله وأنا فى الطائرة من باريس وأمامى رثاء له بريشة حلمى التونى فى الصحيفة .
جورج البهجورى
مجلة المصور - سبتمبر 2010
اللباد ( الكبير ) صانع الكتب وفيلسوف المطابع
- إن اللباد كان يمثل نسيجاً وحده، فهو كان أحد أبناء هذا الجيل العظيم الذى أنشأ مدرسة جديدة فى فن الكاريكاتير، وفى التصوير.. - أن اللباد كان له مذاق خاص فى التعبير بالكاريكاتير يقوم على سلامة الفطرة والمفاجأة وتعميق المعنى.. رجل ينتمى لجيل من الناس حملوا للوطن محبة واعتزاز ودافعوا عنه عبر الفن والسلوك والمواقف بكل ما هو نبيل، وتحملوا فى سبيل مواقفهم الكثير فهم الأبناء الذين دفعوا الثمن نتيجة لهزيمة يونيو 1967 . - سوف يظل اللباد فيما قدمه وأبدعه، وفى اختياره لطريقة عيشه أحد النماذج التى سوف تبقى فى ضمير من عرفه إنساناً وعرفه فناناً، فليرحمه الله .
القاص الكبير/ سعيد الكفراوى
الشروق - 8/ 9/ 2010
فى وداع معلم كبير
- فقدت مصر برحيل الأستاذ المبدع محيى الدين اللباج ، أحد صناع وعيها المعاصرين الكبار ، وواحد من أعمدة حداثتها الجديدة فى النظر والإدراك البصرى ، وأحد المؤسسين الثقات لمنظورها الجمالى المعاصر .
- لم يكن الأستاذ اللباد مجرد رسام للكاريكاتير كغيره من الرسامين ، ولا مصمم أغلفة وكتب وحسب ، وإنما كان صاحب رؤية متماسكة للكون والناس والوجود والحياة ، تكره الزيف والاصطناع ، وتتحاز للحق والحقيقة ، وتدافع - بقوة المثال والموقف والإنجاز فى الواقع - عما تؤمن به من أفكار وقيم نبيلة ، مصدرها ومالها هذا الشعب وهذا الوطن ، بسماتهما الطيبة الخالدة ، على الرغم من كل ما شاب هذه السمات من تشوه وتشوش فى العقود الصعبة الأخيرة .
- ينتسب محيى الدين اللباد ، وكذلك الرعيل المتألق من الرسامين ، الذين تزاملوا فى ` روزاليوسف ` و ` صباح الخير ` : ` عبد السميع - زهدى - جاهين - حجازى - البهجورى - بهجت - رجائى - الليثى .. إلخ ` ، إلى سلالة المبدعين العظام ، الذين تركوا بصمتهم القوية على روح مصر ووجدانها الحى فى عصر ` البحث عن الذات ` الوطنية والقومية : محمود مختار ، أحمد عثمان ، راغب عياد ، أدهم وسيف وانلى ، حسين بيكار وغيرهم كثيرين ، ممن أثروا الروح المصرية ، وعملوا على استنهاض الوعى الوطنى بالمكونات الثقافية المتميزة ، والتكوين الحضارى النفيس ، وسعوا ، ضمن كوكبة من الرواد الأفذاذ ، فى مجالات الفن والفكر والعلم والمعرفة ، إلى بناء منظومة ` القوة الناعمة ` المصرية ، التى بسطت مصر ، غيرها ، تأثيرها الثقافى فى المنطقة بأثرها ، لعقود طويلة ممتدة .
- وإذ تطور فن ` الكاريكاتير ` فى مصر ، باستمرار ، فى اتجاه المزيد من ` الراديكالية ` والمنحنى الانتقادى ، والتعبير الدائم عن الهموم الوطنية والشعبية ، فلم يكن اللباد يقبل بأن يكون مجرد ` كاريكاتيرست ` بالمعنى المبتذل ، أى ذلك الذى يكتفى بدور المهرج و ` النكتى ` ومضحك القارئ أو المتفرج ، بل منح هذا الفن البليغ الراقى مستوى جديداً من التعبير والكشف ، يقوم على التلخيص والتركيز والاستخلاص : تلخيص الخطوط وتركيز الفكرة واستخلاص المغزى ، وهى عملية مشتركة وجدلية ، لابد أن يبذل فيها المتفرج جهدا ، وأن يعمل فيها فكره ، للتواصل مع الفنان وتلقى رسالته ، الممنوحة له بغير تعالم أو التواء أو تقعر .
- واختار اللباد أن يوجه خالص جهده إلى مهمة صعبة ، وجليلة ـ تفرد وحده ، تقريبا ، بالاجتهاد والإبداع فيها ، وهذه المهمة هى محاولة إزالة ما يمكن تسميته بـ ` الغشاوة البصرية ` ، عن عيون المصريين وأبصارهم وبصيرتهم ، وتكوين رأى عام معاد للقبح ومضاد لما يجرح الأعين ويسيئ إلى الأفئدة ، بعد سنين طويلة ، استكان فيها بصر المصريين إلى منظومة فجة من العشوائيات البصرية ، مؤذية وفاسدة ، طبعت الذوق العام السائد بالتسطيح والتلوث والفظاظة .
- وقد احتاج اللباد مع هذا الوضع المزرى ، لأن يؤسس مدرسة غير تقليدية ، فصولها ورق الصحف والمجلات والكتب ، وتلاميذها مئات الآلاف من القراء المحبين ، من مختلف الطبقات ومستويات التعليم والأعمار ، وعبر مجموعة من الدراسات جمعها فى عدد من الكتب المبهرة ، شكلا وموضوعا : ( مجموعة ` نظر ` ، كشكول الرسام ، لغة بدون كلمات ، حكاية الكتاب ، أصل الحكاية ، .. وغيرها ) علم الناس ، فى فصولها غير المسبوقة ، كيف يستخدمون حواسهم استخداما جديدا ، وكيف ينظرون إلى الأشياء عبر منظور بكر طازج ، يرى فى الاعتيادى الجامد ، الجديد المبتكر ، ويستخلص من اليومى التقليدى ، آيات الجمال التائه عن البصيرة المعطلة والرؤية الغائمة الكليلة ، ويستمد من البيت والناس والشجر والمدينة الكالحة الفقيرة ، التى تضج بالأصوات والزحام والركام ، وسائر العناصر التى تبدو بلا ميزة خاصة ، ملامح مترابطة لأشياء غنية مبهرة ، إن أحسسنا بها ، سنرى الوجود أكثر إنسانية ، وأعمق وأثرى مما يبدو عليه للوهلة الأولى .
- وفى هذا الوجود ` اللبادى ` المبهر ، يصبح للـ ` تى شيرت ` البسيط الذى درجنا على ارتدائه عوضا عن التألق المتكلف فى الملبس والسلوك ، ولإعلانات الطريق التى طالما رأيناها بلا مبالاة ، والعلامات التجارية التى تمر أمام أعيننا مرور الكرام ، ونوع الخط ، وانسيابية الحرف ، وغيرها من المفردات البسيطة ، دلالات رمزية وثقافية هامة ، يؤهلنا التعرف عليها ، والدربة على التعامل معها ، إلى النظر لها من منظور آخر ، أكثر عمقا وأغنى مضمونا ، وأقدر على ربط الجزئيات التى تواجهنا جميعا طوال اليوم بدون أن ندرى ما يجمع شظاياها معاً ، وعلى أن ندرك كنه العلاقات العضوية بين مكوناتها ، وأن نفهم ، من ورائها وحدة الوجود بجميع مقوماته المادية والمعنوية ، ونتذوق ، ربما للمرة الأولى طعم الحياة المنفتحة المستبشرة العارفة المتأملة .
- ورغم كل ما تقدم فإن فضيلة اللباد الكبير ، الأساسية ، هو أنه صانع كتب من طراز بديع ونادر ، ليس على المستوى المحلى أو الأقليمى وحسب ، وإنما على المستوى العالمى ، وتشهد بذلك الجوائز الرفيعة التى نالها فى مهرجانات الكتب الدولية التى شارك بها ، وتفوق فيها ، بإبداعه الأصيل ، على مبدعين آخرين كبار يمتلكون أضعاف ماتوفر له من إمكانات للعمل ، وقدرات تقنية ، وتسهيلات فى الحركة ، فهو خلق من كتبنا الرديئة ، ومن مجموعة الأوراق المبتذلة ، التى نعرفها ، وطالما نفرنا ، ونفرت أجيالنا المتعاقبة منها ، متعة بصرية وعقلية وروحية نادرة ، يصبح معها تصفحها ، وقراءة متنها ، والتمعن فى مضمونها ، مصدرا للسعادة ومنبعا للفهم ، ومعينا على رؤية الحقائق الضائعة ، فى عجيج الحياة ووسط زحامها ، وفى حمى اللهاث اللاواعى بين أروقتها .
- وهكذا ، فكمصمم للصحف والمجلات وأغلفة الكتب ، أضفى اللباد على المشروعات التى أنجزها رشاقة وسموا ملحوظين ، لكنه أبدع بشكل خاص فى تصميمه لكتب الأطفال التى حوت بجانب الفائدة المؤكدة ، متعة ضافية ، تتجدد فى كل مرة تطالعها فيها ، ولازلت أحتفظ فى مكتبى ، وبالحرص الواجب على أى كنز غال ، بـ ` كتاب ` ثمين ، مكون من اثنتى عشر صفحة ليس غير ، فضلا عن غلافه المقوى ، مقاسه غير مسبوق : ( تسع سنتيمترات مربعة فقط ! ) ، رسم صفحاته ، اللباد الكبير ، اسمه ` البيت ` ، عن نص بديع للقاص السورى زكريا تامر ، أعتبره ، على صغر حجمه ، من أقوى وأبلغ ماكتب ورسم وطبع عن ` القضية الفلسطينية ` ، طوال تاريخها الممتد :
- ` الدجاجة لها بيت - بيت الدجاجة اسمه القن !. الأرنب له بيت - بيت الأرنب يقال له الجحر . الحصان له بيت - بيت يسمى الإسطبل . السمكة لها بيت - بيت السمكة فى البحار والأنهار . القط يحب التجوال فى الشوارع ، لكنه يملك بيتا يحبه ويفخربه - العصفور له بيت - بيت العصفور يدعى العش . كل إنسان له بيت - البيت هو المكان الذى يمنح الإنسان الطمأنينه والسعادة . الفلسطينى لا بيت له . والخيام والبيوت التى يحيا فيها ليست بيوت الفلسطينى ، أين بيت الفلسطينى ؟! . بيت الفلسطينى فى فلسطين . الفلسطينى لا يحيا اليوم فى بيته . بيت الفلسطينى يحيا فيه عدو الفلسطينى . كيف يستعيد الفلسطينى بيته ؟ . بالسلاح وحده يستعيد الفلسطينى بيته . سيعود الفلسطينى إلى بيته . بيت الفلسطينى للفلسطينى ` .
- غير أن أعظم ما أهدانا اللباد الكبير ، عائلته المتميزة ، وعلى رأسها العزيزين : د . مصطفى اللباد الأكاديمى المرموق ، وأحمد اللباد ، الفنان ومصمم الأغلفة المبدع ، وهما الوارثان الواعيان لتراث الأب الجميل ، والذى نتمنى أن نراه ، ما نشر منه ومالم ينشر ، بجهدهما ، متاحا لنا ولأجيالنا من بعده .
- وإذا كان راحلنا الكبير ، محيى الدين اللباد ، قد رحل فى لحظة فارقة من لحظات مصر وشعبها ، فنحن مدينون له ، ولرفاقه المعطائين من نبلاء هذه الأمة ، بأنه كان واحدا من البنائين المبرزين ، سعى قدر ما وسعته الطاقة ، لكى يصبح هذا الوطن ، كما كان يحلم الجد الرائد العظيم ، رفاعه رافع الطهطاوى ، ` محلا للسعادة المشتركة ` ، فلهما ولجميع أضرابهما الشكر والعرفان .
أحمد بهاء الدين شعبان
مجلة أخبار الأدب - سبتمبر 2010
صانع الكتب
- يكبرنى اللباد بعام واحد فقط .. لكن يبدو أن جسمه الضخم وصلعته ونظارته كانت توهمنى أنه أكبر منى بكثير ، ولا أعرف لماذا تأخر تعرفى على محيى فلا أتذكر أنى قابلته فى أول التحاقى بالعمل فى روزاليوسف ومن المحتمل كان يعمل فى مكان آخر فمحى بدأ يرسم وينشر رسومه وهو مازال طالبا فى كلية الفنون وعمل بمجلات أطفال كثيرة المهم ما أتذكره أننى لم أحاول أن أصادقه مثلما صادقت رؤوف عباد وعادل بطراوى و إسماعيل دياب مثلا فقد كان باقى رسامى روزاليوسف بالنسبة لى هم أساتذة وكنت أعد محيى اللباد واحد منهم .
- ولا أتذكر كيف دعانى محيى إلى مرسمه الذى كان يتخذه فى منزل والده القديم فيما يعرف بمنطقة أرض النعام .. وعندما دخلت المرسم استقبلنى رجل عجوز بشوش الوجه و صعد بى إلى الدور الذى يقع فيه المكتب ... و أتذكر أن الدور الأرضى كان مليئا بأشياء كثيرة لم أتبينها ولكنى بعد أن وصلت لمكتبه فى الدور الأول كان المكتب مرتباً نظيفا كل الأشياء عليه توحى لك بأن النظام هو سيد هذا المكان فكلما احتاج محيى أن يرينى شيئا كان يستطيع أن يجده بسهولة شديدة ... بعد أن شربنا القهوة المغلية سألته هوه أنت يا محيى مواليد كام وفاجأنى تماما أنه يكبرنى فقط بعام واحد وقهقهت فابتسم وقال ما يضحكك فقلت لآنى من الظاهر أنى قدرت عمرك طول الوقت بعشر سنوات تسبقنى فى المولد ويمكن ده بسبب ضخامة حجمك وطولك الفارع و صلعتك اللامعة .. وضحكنا سوياً .. لكننى ومن يومها أصبحت أرجو فى محيى شخصيا يسعدنى معرفته وصداقته التى دامت سنين طويلة حتى تركنا فجأة دون أن نحاول الاتصال ببعضنا يمكن لستة شهور قبل رحيله .. وهكذا الدنيا .
- كان لسكن محيى فى مصر الجديدة وسكنى أنا فى الهرم سبباً لعدم لقاءنا بكثرة لكن لنا لقاء سنوى بالأمر فى تحكيم مسابقة الصحفيين للكاريكاتير وكنا وقتها نأخذ الأمر بجدية شديدة اعتقد أنه كان السبب فى ذلك فهو لا يرضخ لأسباب غير فنية فى تحديد الفائز بمعنى أنه لا يترك للعواطف فرصة تزحزحه عن المستوى الفنى المطلوب فى المسابقة وفى آخر هذه المسابقات عرضت عليه أن نمنح الجائزة لزميل شاب كان قد مات فجأه لنمنح القيمة النقدية للجائزة لعائلته لكن قال فى حسم أحنا ندفع لأسرته من جيوبنا أو أن جمعية الكاريكاتير تتولى هذا أما المسابقة فإنه لابد أن يحكمها توفر صفات فنية أساسية تكون منهجا فى اختيار الفائز وكان اختياره طبقا لما قرره .
- فاجئنا اللباد بباب جديد فى مجلة صباح الخير التى يتغنى باسمها الطير باسم نظر وكان شعار الباب إن عشقنا فعذرنا .. أن فى وجهنا نظر كان الباب جديداً فى كل شئ بدأ من توضبيه المبتكر بأعمدته ذات الخط الرأسى السميك أو الرسوم المصاحبة ودقتها فى التعبير عما يريد قوله وكانت جدة هذا الباب فى انه يمسك بتلابيب أشياء صغيرة أو أشياء قد تبدو تافهة لا تلفت النظر لكنه بمعلومات جديدة ودقيقة يقدمها لك فى شكل يدعوك للقراءة والانتظار لما سيقدمه بعد أسبوع وعندما أصدر هذا الباب مجمعاً فى كتابه الأول نظر اندهشنا لأننا أعتدنا قراءته وكأننا نطالعه من قبل على حلقات فى مجلة صباح الخير .. وأضاف اللباد إلى معارفنا ما اطلق عليه الألبوم وبالطبع بعد الإعجاب الشديد بالكتاب توالى نظر حتى وصل إلى أربع كتب تطوف بك حول كل الأشياء والمعانى والكتب والمعارض والأشياء الصغيرة والتى نستعملها طوال عمرنا ولا نعرف عنها شيئاً .
- هذا كله .. عن اللباد صانع الكتب وهو اللقب الذى كان يحبه ويقول عنه أنه أمنيته وحلمه الكبير .. وهو لم يكن صانعاً للكتب فقط بل أيضا صانع لمجلات وجرائد برؤية خاصة يحلم بها وقد لا يجد من يستوعبها ويتحمس لها وكانت له تجربة عشت جزءاً منها فى جريدة الشعب التى كان يصدرها حزب العمل وفى منتصف الثمانينات تولى رئاسة تحريرها الأستاذ عادل حسين وطلب من صديقه اللباد أن يصنع ماكيتاً جديداً للجريدة وصدمه اللباد بشكل جديد تماما على شكل الجرائد .
كان الماكيت يقتضى أن كل صفحتين هما صفحتا مجلة تعامل المادة فيها على الاتصال بين الصفحتين حتى أن العنوان ممكن أن يكون له جزء على الصفحة المقابلة وظل محيى يدرب المشرفين الفنين على هذا الماكيت وتنفيذه فترة لكن لم يستوعب الكثير من القراء أو العاملين فى الجريدة هذا الماكيت الذى كان جديداً تماماً .. فمحى عندما يطلب منه عمل يحاول دائماً أن يكون مبتكراً ولا يرضى بالأشياء العادية أو المعتاد ... وكان الماكيت الجديد يلزمنى بتغيير مساحة الرسم التى اعتدت عليها أكثر من أربع سنوات من المساحة المستطيلة أو المربعة التى أحب أن ارسم فيها إلى مساحة أخرى طويلة ووضع كاريكاتيرى فى الصفحة الأولى كما طلب منه لكنه وضعه بجوار اسم الجريدة بإحساس كبير بأهمية الكاريكاتير التى قد تفوق كثير من الأخبار ورضخت للتصميم الجديد ولم أفكر أن أكلمه لكى يغير مساحتى ووضعها بل كنت أحاول الدفاع عن الشكل الجديد للجريدة لأنى أعرف مدى ما تجشمه محيى فى ابتكار هذا الشكل وللأسف بعد شهرين أو ثلاثة رجعت الجريدة لشكلها القديم ولم يعر محيى هذا اهتماما لأنه أحس أنه عمل ما يريد وليس ما يريدون .
- بالطبع لم يشدنى فى اللباد كونه صانع للكتب أو توضيب المجلات والجرائد ولا رسومه لكتب الأطفال رغم أنها كانت كتباً رائعة وجديدة فى شكلها وحجمها ورسمها أيضاً لكن أول ما شدنى هو كاريكاتير محيى الدين اللباد والتى كان يوقعها باسم اللباد فقد كان له شخصياته المميزة بمساحات سوداء كبيرة فى الغالب لا تزغزغ القارئ لكنها تخاطب عقله و لم يهتم محيى طوال عمره بأن يكون كاريكاتيره منتظم الظهور فهو يرسم فقط ما يريد بالشكل الذى يراه هو وكانت مؤسسة روزاليوسف و المشرف الفنى العام عليها الفنان الكبير حسن فؤاد مكتشف كل رسامى الكاريكاتير حتى وفاته يترك لكل رسام حرية رسم ما يريد هو فقط كان يطلب من الرسام أن يعمل له شوية نكت ظريفة ... وهذه الحرية التى كانت يعطيها مسئولى روزاليوسف مكنت هذا الفريق الكبير من رسامى الكاريكاتير - وصل عددنا إلى 15 رسام كاريكاتير فى بعض الأوقات - أن يتنوع إنتاجنا وريشنا وتعدد رؤانا وإن كان يجمعنا دائماً هدف واحد هو الوطن وفقراء هذا الوطن .....
- ومحيى اللباد واحد من جهابذة الكتابة عن زملائه رسامى الكاريكاتير الراحلين وكنت أتمنى أن يكتب أو يستمر فى الكتابة عن الرسامين الموجودين على قيد الحياة حتى ولو لم ينشرها ... كان محيى مؤرخاً جيداً وناقداً فنياً لا يشق له غبار يمسك بناصية الكلمة ويضعها فى مكانها الصحيح ويزيد كل خط يتعرض له بميزان من ذهب وللأسف لم نلحق سوى نجمة رسامين كتب عنهم فى مجلة الهلال ومجلة الكاريكاتير .
- ومن الغريب أن يكتب اللباد كتب هى تى شيرت ولغة بدون كلمات - 30 سؤالا - وحكاية الكتاب وملاحظات وأخيراً كشكول الرسام الحائز على جائزة التفاحة الذهبية من براتسلافا وجائزة الأوكتوجون من فرنسا كما ترجم للفرنسية والألمانية والهولندية وذلك فضلا عن مجموعة نظر والتى توالى صدورها 1987 - 1991 - 2003- 2005 ..... لكنه لم يجمع أعماله فى الكاريكاتورية وهى كثيرة فى أكثر من كتاب وحتى الآن لا أعرف السبب وأيضاً لم أسأله هذا السؤال لآن كل رسامى الكاريكاتير المصريين للأسف لم يحاولوا جمع أعمالهم فى كتب إلا قلة نادرة و محيى جمع بعض رسومه فى الطبعة العربية لـ لوموند ديبلوماتيك وضمها فى كتاب 1 - رسم و أكثر والذى يضم فى اغلبه رؤية سياسية ناضجة جداً ومعبرة جداً وبسيطة جداً لكل قضايا العربية وقضايا العالم من حولنا ولم يكرر ذلك أو يهتم بجمع ما قبلها فى أكثر من كتاب محيى اللباد هذا الفنان العبقرى لم ينل تكريم الدولة ولم يرشحه أحد لأى من جوائزها الثقافية وهو كأغلب رسامى الكاريكاتير الذين لم يحصلوا على أى نوع من التكريم رغم أم الكاريكاتير هو من أصعب الفنون التشكيلية وواحد من أهم الأدوات الصحفية .
جمعه فرحات
أخبار الأدب - سبتمبر 2010
ترك بصمه متميزه فى الإخراج الصحافى وكتب الأطفال - أخذ بيد الفن التشكيلى إلى كتابات الكتب
- دشن محيى الدين اللباد ملامح مهمة وأساسية فى فن الإخراج الصحافى ، وأعتمد فيها على التواؤم والانسجام بين مقومات الرسم والفن التشكيلى وفنون الطباعة والجرافيك ، فتعامل مع المطبوعة الصحافية من منظور اللوحة التشكيلية الذى يعنى بجماليات الخط واللون والفراغ والمساحة . كما أولى العنصر البصرى دورا مهما فى جذب القارئ والمتلقى ، وفى تنويع جماليات التسويق . كما يعد الفنان الراحل من أكثر الذين أسهموا فى تطوير أجندة التصميمات الدعائية فى مصر وإكسابها شكلا جماليا مميزا . - تشرب اللباد الفن وهو طفل صغير ، فقد ولد فى عام 1940 بالقاهرة فى حى مصر القديمة ، أحد الأحياء التى تتمتع برائحة ترائية نفاذة ، ونبغ فى الرسم ، وفى تقليد صور الأشياء وخاصة البيوت والحيوانات والنباتات ، وأصبح رساما محترفا للكاريكاتير وهو فى المرحلة الثانوية . وبعد تخرجه فى كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1962 عمل رساما للكاريكاتير فى مجلتى ` روزاليوسف ` و ` صباح الخير ` ونشرت رسوماته كذلك فى صحف ومجلات عربية أخرى كثيرة . كما عمل فى تلك الآونة رساما ومؤلفا لكتب الأطفال فى ` دار المعارف ` وفى مجلة ` سندباد ` التى أصدرتها الدار .. وشارك فى ما بعد فى تأسيس عدد من المجلات المتخصصة ودور النشر .. وفى عام 1968 ، أصبح مديرا للتحرير ومديرا فنيا لمجلة ` سمير ` الخاصة بالأطفال .. كما شارك فى تأسيس دار ` الفتى العربى ` للنشر ، عام 1974 . - عن هذا المشوار وأجواء الطفولة يروى اللباد بروح فنان الكاريكاتير الساخر قائلا : ` عندما كنت صغيرا ، كنا نسكن بقرب جامع السلطان حسن ، وكان الترام الذى يمر فى الشارع الكبير - عندما يدور بجوار الجامع - يصدر صوتا عظيما وكان سائق الترام عندى أعظم وأهم رجل فى العالم ، لأنه يقود هذا الوحش العملاق المهيب - وظللت أتمنى أن أصبح سائق ترام عندما أكبر . ولكنى لم أتمكن من أن أكون سائق ترام ، بل لم أستطع حتى أن أتعلم قيادة السيارات .. لكنى تعلمت الرسم وأصبحت مجرد رسام ` . - احترف اللباد منذ منتصف الستينات فن الجرافيك وعمل مصمما ومديرا فنيا للجرافيك وهو مصمم مشروع ` كتاب فى جريدة ` وظل يشرف على إصداره لمدة أربع سنوات ، كما شارك فى تأسيس عدد من دور النشر الخاصة بكتب الأطفال فى مصر ولبنان ، وله عدة مؤلفات للكبار والصغار صدرت ترجمات لبعضها إلى عدد من اللغات الأوروبية والفارسية واليابانية ، ونال عن بعضها جوائز عربية وعالمية ، كما شارك فى الكثير من المعارض ولجان التحكيم فى الكاريكاتير الدولية من أبرز الجوائز التى نالها جائزة التفاحة الذهبية عام 1989 من بينالى براتسلافا لرسوم كتب الأطفال فى سلوفاكيا عن كتابه ( كشكول الرسام ) ، وترجم الكتاب إلى عدة لغات . كما نال عن الكتاب نفسه جائزة الأكتوجون الفرنسية ، وصدرت منه طبعات باللغات الفرنسية والألمانية والهولندية ، وهو عبارة عن بعض ذكريات بصرية من طفولة الرسام يوجهها إلى كبار ، وبدافع من خبرته واكتشافاته عندما كبر وصار رساما محترفا وصانعا للكتب ، يعود فيوجهها بإيقاعات وامضة للصغار . - ترك محيى الدين اللباد للمكتبة العربية مجموعة من الأبحاث والدراسات اللافتة ، سواء فى مجال الكتابة للأطفال ، أو فى تناول تاريخ وظواهر الفنون البصرية .. كما كان له حضوره النقدى اللافت وخاصة فى تناول الأعمال الفنية وإضاءتها للمتلقى المشاهد بإيقاع يجمع بين العمق والسلاسة ، وخفة الدم والروح فى الوقت نفسه . - ومن أهم إصداراته سلسلة كتب بعنوان ` نظر ` تعد مرجعا مهما لمتذوقى الفن التشكيلى والرسوم الكاريكاتورية وفنون الجرافيك المعاصرة فى مصر والعالم العربى والعالم بأسره . ويذكر للباد أنه كان أول من اقترح إنشاء متحف للكاريكاتور فى مصر ، يوثق ويعنى بعرض وحفظ الرسوم المطبوعة ، وتصميم الصحف والكتب وكل ما هو نادر فى هذا المجال .. وظل يتابع الفكرة بحماس ودأب ، إلى أن تحققت على يد الفنان محمد عبلة ، وافتتح أول متحف للكاريكاتور المصرى ، قبل عدة سنوات بمدينة الفيوم ، بجوار بحيرة قارون التاريخية الشهيرة .
جمال القصاص
جريدة الشرق الأوسط - سبتمبر 2010
` الشيخشاب ` صانع الكتب . طفل صغير بعقل كبير وريشة مبدعة .. هكذا تعامل اللباد مع العالم
- لكل منا سيرة لا تنقطع ، تجعل له عمر جديد بعد وفاته ، فماذا لو تحولت هذه السيرة إلى ملحمة أو إلى ما يشبه سيرة الأبطال ، سنكتشف وقتها أننا نعيش داخل ذاكرة هذا الإنسان . - الفنان محيى الدين اللباد ، الذى رحل عن عالمنا الأسبوع الماضى ، ترك لنا سيرة تشبه الهلالية ، فكل فنان وكل صحفى ، كل شاب أو طفل يراه برؤية مختلفة ، وله معه تجارب مختلفة ، ولكن السؤال كيف رأى اللباد العالم ؟ - إن اللباد كان يرى العالم كطفل صغير بعقل كبير وريشة مبدعة ، لذلك كان متعدد المواهب واستطاع توصيل رؤيته بأكثر من أسلوب سواء من خلال الكاريكاتير أو الرسوم أو الإخراج الصحفى ، وحتى من خلال الخط العربى الذى احترم خصوصيته والإبداع فى رسم حروفه . - لكن كل هذه الإبداعات تجمعها مظلة البساطة والتلقائية فى الخط ، فلقد توصل اللباد إلى أن الأساس هو الخط ، وهو أفضل أداة فنية لتوصيل الفكرة أو الرسالة البصرية للرائى . - جاء إيمانه بقوة ` الحظ ` من ارتباطه فى مرحلة الطفولة برسوم الإعلانات والملصقات الدعائية والماركات وتلك على علب الكبريت .. إلخ ، حيث خاطبت طفولته التى لم تملئ بعد بكل هذا الكم من التفاصيل والعلاقات المتشابكة ، والتى لا يساعده على إدراك أو تقبل أعمال ولوحات الكبار ، إنما اعتمدت على المعلومة السهلة والبسيطة ، وكان لشخصية `ميشلان ` أشهر ماركة إطار سيارات بالعالم عظيم الأثر ، حيث تخيله كأنه هارب من قصص الأطفال وكان يمنحه إحساسا بالمرح ، وحتى صور الملك فاروق التى كان يرى فيه فرح ومرح رغم تألقه ، أيضا التعويذة السحرية حسب وصفه لشعار كولونيا الخمس خمسات ، لذلك درس فن الجرافيك أو الحفر بكلية الفنون الجميلة ، وقبل تخرجه عام 1962 كان قد عين كرسام بمؤسسة روزاليوسف . - من الصعب تقسيم حياة محيى الدين اللباد إلى مراحل فنية محددة ، فلم يستطع اللباد نفسه أن يقسم أو يختار مجالا واحدا للعمل فيه ، لأنه يتقن كل اتجاه قام به ، وهى السمة الثانية المميزة لأعماله ، فبعد بصمته الفنية يأتى الإتقان الشديد من واقع فهمه لأصول وقواعد كل فن يقدمه ، جاءت بداية اللباد بروزاليوسف قوية وواضحة فأضاف لها وأضافت له ، ففى ذاك الوقت كانت الرسوم والإتجاه الغربى فى الفن هو المسيطر ، وهو مالم يستسيغه اللباد واتجه نحو الفن الغربى ، فجاء إخراجه الصحفى مميزا من حيث شكل الصفحة والموتيفات العربية المستخدمة . - أيضا كانت رسوماته للكاريكاتير متميزة من حيث نقدها السياسى اللازع وكذلك طريقة الرسم واستعمال الخط ، فالخط عند اللباد كما قال عنه شيخ النقاد كمال الجويلى ` يغزل على الورق ` فكان رفيعا جدا ويحافظ فيه على اهتزازته الخفيفة التى تمنحه العفوية والتلقائية ، كما يوحى بالطاقة الحركية الكامنة فيه فيعطيه الإستمرارية ، متأثرا بأسلوب المدرسة الفرنسية فى الرسم ، فيرتبط بالذاكرة البصرية للرائى ، فكان يحرص على توصيل رسائل بصرية خاصة لإنماء الذوق والحس الجمالى . - من أهم ما قدمه اللباد عبر صفحات مجلة ` صباح الخير ` باب ` نظر ` أغسطس 1985 ، والذى قدمه تحت شعار ( إن عشقنا فعذرنا . ططم .. إن فى وجهنا نظر ) من شعر بشارة الخورى وغناء موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب . - من خلال هذا الباب الأسبوعى استطاع اللباد ان يقدم موضوعات عديدة وملاحظات مميزة من الحياة اليومية والمتوجهة للعين ، مثل الإعلانات والملصقات والملابس والماركات وأنواع الخطوط العربية ، وكذلك أرشيف للكاريكاتير العالمى والعربى وتقديم للتشيليين ، كما قدم لفنون الدول العربية أيضا وثقافتهم . - قدم صاروخان وتاج والليثى وعبد السميع وشافال الفرنسى ، والمصمم الأمريكى جون لانجدون وهو متخصص فى تصميم الكلمات ولا يستخدم سوى حروف الطباعة الشائعة .. المتابع لأعمال اللباد يشعر ويرى تأثره الواضح بالفن الإسلامى من حيث رشاقة الخطوط وبساطة اللون ، فلم يكن مشغولا باللون بل كان يلجأ إليه أحيانا ليوظفه ككتلة ، إيحاء بالثقل فى بعض المناطق من التكوين أو ربما نوع من الإثارة البصرية . - استطاع اللباد أيضا أن يصمم خطوطا عربية خاصة به تم إضافتها إلى مكتبة الخطوط العربية الرقمية ، مبرزا فيها جماليات الخط العربى ولكن بشكل حداثى ومبتكر بحيث يبتعد عن الخطوط التقليدية والتى ستوحى بأنه قد استسهل ولم يأت بجديد ، ومن أشهر الخطوط والتى نراها كثيرا عنوان المجلة الأدبية النقدية الشهيرة ` أدب ونقد ` . - فى عام 1993 قام بتصميم مجلة أسماها ` و ` وجعل فيها كل واو العطف بعناوين المجلة مكبرة بشكل مبالغ فيه . - أما فى كتابه ` ملاحظات ` الذى نشره انطلاقات من نجاح باب ` نظر ` الذى جمعه فى 4 ألبومات مصورة لاقت نجاحا وانتشارا ، فلقد قدم خمسين موضوعا أو بالأحرى ملاحظة ، أغلبها لا تهتم بالشكل وحده ، بل ما وراء الشكل والغرض منه . - حتى الإمضاءات المختلفة لعدد من السياسيين والفنانين والأدباء ، التى تتغير مع الوقت والخبرات ، مما يتسبب فى مشاكل بالبنوك ، أهم ما فى هذا الكتاب هو الثراء فى الصور والرسومات المختارة بدقة والتى تعبر أكثر من الكلمت القليلة التى تحوطه . أما أشهر كتبه وهو ` كشكول الرسام ` والذى نال جائزة التفاحة الذهبية من بينالى براتسلافا الدولى لرسوم كتب الأطفال ، وكذلك جائزة الأوكتوجون كما ترجم للفرنسية والألمانية والهولندية ، وهو الذكريات البصرية للباد فى طفولته .
تغريد الصبان
روزاليوسف - 12/ 9/ 2010
رحيل آخر أسطوات الرسم فى مصر . محيى الدين اللباد يغلق ` كشكول الرسام `
- قفزت فى ذهنى دلالة تلك الحكاية وأنا أستعيد مشروع محيى الدين اللباد ودوره فى الثقافة المصرية إجمالا ، وهو دور قام على جملة من الأسس ، الأساس الرئيسى فى تقديرى : يرتبط باشتغاله على ما كان يسميه ` الحفاظ على الأرشيف الدماغ ` ، قاصدا بذلك ما كانت تختزيه الذاكرة البصرية من علامات ، فقد اعتقد منذ البداية أن كل ما أنجزة فى حياته يرتبط بقوة ملاحظته واشتغاله على ما أختزنته ذاكرته من قصص وعلامات بصرية ، تحولت فيما بعد إلى ` موتيفات ` تشكيلية وجدت لها مكانا بارزا فى ثقافتنا المعاصرة ، فاللباد لم يكن يفضل من بين الألقاب التى حملها إلا لقب ` صانع الكتب ` ولكى يصل إلى هذا اللقب قطع أشواطا فى مجالات أخرى تميز فيها جميعا ، لكنه بقى وفيا لخطواته الأولى التى قادته للعمل مع أسطوات ` جيل الأربعينيات ` ، ففى خلال سنوات دراسته فى كلية الفنون الجميلة 1957 - 1962 عمل رساما للكاريكاتير ، ثم التحق رساماً بروزاليوسف وصباح الخير قبل أن ينهى دراسته بالكلية التى تعرف فيها على الأستاذ الذى رسم مسارا واضحا لحياته ، وهذا الأستاذ هو الفنان حسين بيكار الذى خلق فيه الرغبة للعمل فى صناعة الكتب واحتراف مهنة التصميم الجرافيكى ، إلى جانب رغبة أخرى ارتبطت بالاشتغال على رسوم وكتب الأطفال ، وهى رغبة ظلت ملازمة له طوال حياته .
- ومن داخل مصنع بيكار فى مؤسسة ` دار المعارف ` بداية الستينات عمل اللباد فى مجلة ` سندباد ` التى كان يرأس تحريرها محمد سعيد العريان ويشرف بيكار على إخراجها ورسم صفحاتها وظل اللباد طوال حياته مدينا لتلك التجربة التى شكل منها ` خميرة معرفته ` فى المجال الذى تميز فيه ، وقدم بخلاف مساهماته كرسام رؤى نقدية وتربوية متميزة تتعلق بخطورة تلقى الطفل العربى لنماذج تعليمية وتربوية ليست ذات صلة بتراثه ، وحذر من أن تسهم تلك النماذج فى مسخ الهوية العربية ولذلك لم يكن عمل فى تأسيس دار الفتى العربى فى العام 1974 إلى جوار كتيبة من الكتاب والرسامين تقدمهم الكاتب الراحل الكبير عبد الفتاح الجمل إلى محاولة عملية لتطبيق تلك القناعات فى سوق القراءة فى العالم العربى بأمل مواجهة نماذج ` ميكى ماوس وتان تان وغيرها من الشخصيات الكارتونية ، وفى حقيقة الأمر يبدو إيمان اللباد العروبى حاضرا فى تفاصيل أخرى وسمت تجربته إذ كان شديد الإصرار على التبشير بمواهب الفنان العربى لا سيما رسامى الكاريكاتير ومصممى الكتب فمن خلال مقالاته جرى التعرف على أعمال البحرينى خالد الهاشمى والأردنى عماد حجاج والفنان الراحل ناجى العلى ، الذى رثاه الراحل فى دراسة شهيرة نشرت فى كتابة ` نظر الجزء الثانى ` وهى الدراسة التى قدمت لمعرض أعمال العلى فى القاهرة .
- وإلى جانب الانفتاح العروبى فى روح اللباد وشغفه برسوم الأطفال كان شغوفا بعالم آخر هو ` الرسم الكاريكاتيرى ` والرسم الصحفى واعترف اللباد مرارا بأنه مدين لمدرسة ` روزاليوسف ` أو مدرسة الهواء الطلق التى التحق بها ليجاور فنانين وكتابا كباراً بحجم أحمد بهاء الدين وإحسان عبد القدوس وصلاح حافظ وفتحى غانم وكامل زهيرى وحسن فؤاد وصلاح جاهين وأحمد حجازى وزهدى العدوى وبهجت عثمان وغيرهم ، غير أن إحساسه بفضل حسن فؤاد ظل قائما حتى إنه اعتبره أحد أساتذته المباشرين ، كما عبر عن ذلك عمليا فى الكتاب الذى أصدره بعنوان ` حسن فؤاد نهر الحب والحياة ` كما سجل فى مؤلفاته سيما سلسلة ` نظر ` الكثير من الخبرات المتعلقة بتجربته كرسام كاريكاتير ، بالإضافة إلى خبرة أخرى تتعلق بقراءته لتاريخ الكاريكاتير العربى إجملا وموقعه من حركة فن الكاريكاتير فى العالم ، وشدد اللباد فى كتاباته كلها على مسائل تتعلق بحرية التعبير وأهمية توفير فضاء لحرية رسام الكاريكاتير العربى وقاوم بشدة التصورات التى تنظر إلى الرسم الكاريكاتيرى فى الصحافة العربية باعتباره ` نكتة مرسومة ` إذ ظل منحازا للرسم باعتباره ` وجهة زظر ` .
- وقد شبه الناقد ` د .على الراعى ` فى كتابه ` عن الكاريكاتير والأغانى والإذاعة ` نظرة الفنان اللباد الثورية لفن الكاريكاتير .. بنظرة الأديب برنارد شو لفن الكوميديا فى المسرح .. حيث رأى اللباد أننا : ` نميل إلى تصوير الحمق والحمقى ، ونسعى إلى عرض نوادرهم على الأنظار فى مختلف أشكال التعبير : الرسم ، والحكاية والكرتون . ويلاحظ أننا بهذا الاهتمام نرفع عن أنفسنا الاتهام بأننا قد نكون - بدورنا - حمقى ، ولكننا لا نريد أن نعترف بهذا .. الواقع أننا كلنا حمقى ولا مجال للتفضيل بيننا وبين غيرنا فى هذا المجال .. وكذا قال برنارد شو : لا مجال للمفاضلة بيم من يظهرون على خشبة المسرح ومن يجلسون فى القاعة .. كلنا حمقى وكلنا ذوو عيوب ، وهكذا أصبحت الكوميديا والكاريكاتير أكثر إنسانية وأقرب إلى القلوب .
- وتكشف رسوم الكاريكاتير التى نشرها اللباد فى كتابيه ` كشكول الرسام ` و 100 رسم وأكثر عن السمات الأسلوبية التى تميزه عن مجايليه من الرسامين الكبار ، وفى اعتقادى أن الرسوم التى قدمها فى الطبعة العربية من ` اللوموند دبوماتيك ` ، كانت الأكثر تعبيرا عن نظرته ` العولمية ` لهموم الإنسان المعاصر ، كما أشار إلى ذلك عن جدارة الصحفى اللبنانى الراحل سمير قصير فى تقديمه للرسوم ، لافتا النظر إلى ` غلبة روح الرسام الصحفى على منجز اللباد فى هذا المجال ` ، كما شدد قصير على سمة أخرى لا ترتبط فقط بقدرة اللباد الفائقة على التعامل مع ` مراكز الأرشيف البصرى ` وإنما أيضا فى ` تحوير ` النماذج الغربية ورموز الذاكرة الأمريكية و ` استملاكها ` فى فعل ، كما يمنحه ` لذة مضاعفة ` كما أشار قصير وعلى خلاف مجايليه كذلك انتبه اللباد مبكرا إلى سمة ` المعاصرة ` عبر سعيه للتعامل مع آلة الكمبيوتر فهو لم يكن عدوا للتجديد التكنولوجى ، كما لفت قصير إلى ذلك ، وإنما سعى أيضا إلى ` ترويض الآلة وربما كان أول رسام تناول رموز لغة الكمبيوتر فى الرسوم الساخرة العربية .
- وتقود إشارة قصير الذكية إلى تناول الأساس الثانى لتجربة اللباد ومشروعه الفنى ، وهو أساس النظر إلى الهوية العربية كهوية ` منفتحة ` وليست هوية مغلقة ، فعلى الرغم من سعيه الدؤوب إلى مواجهة كل أشكال ` المسخ ` الغربى فى الرسوم والعلامات البصرية ( راجع مقالاته فى نظر وهى تضئ هذا الجانب بشدة ) إلا أنه بالمقابل لم يكن من هؤلاء المتشنجين المرضى بـ ` الغرب ` إذ ظلت كتاباته ورسومه وتصميماته تشير بوضوح إلى قدرته على العمل بمسام مفتوحة ودون أدنى شعور بالضآلة أو القزمية أمام الفنان الغربى ، وقد أثبتت الجوائز العديدة التى نالها فى مهرجانات عالمية دليلا على فرادة مشروعه وتميزه على الصعيد العالمى ، ومن ثم كانت كتابات اللباد عن ` هوية الحرف العربى والعلامات البصرية العربية وسعيه إلى إعادة استخدام ` الموتيفات التراثية ` وعصرنتها تنطلق من إحساس بـ ` الثقة أكثر من أى شئ آخر . حتى إننى أعده من التنويريين العظام فى ثقافتنا المعاصرة ، فهو فى مجاله أقرب ما يكون إلى رفاعة الطهطاوى وطه حسين فى مجالهما فقد قادته أول رحلة عمل إلى أوروبا أوائل السبعينيات لصيغة ممارسة نظرية وعملية عن العلاقة مع الفن الغربى ، تقوم على اكتشاف تراثنا الفنى ومتابعة النماذج المحترمة فى أوروبا بدون تعصب كما كان يقول بسخرية ` عشت وكأننى أرتدى عمامة صغيرة و ` برنيطة فى الوقت نفسه ` .
د .على الراعى
مجلة الأهرام العربى - سبتمبر 2010
محيى اللباد .. رب الريشة والقلم
- ظل محيي اللباد ينتظر موعد صدور العدد الأول من مجلة ` سندباد ` . قرأ إعلانا متقشفا عن قرب صدورها في جريدة الأهرام . عندما صدرت وشاهد عددها الأول ، اعتبر المجلة رسالة شخصية تلقاها من محرر المجلة الفنان الراحل بيكار . أدرك منذ ذلك الوقت أنه منذور للفن. الفن ولا شيء آخر، وجعلته المجلة يكشتف رسالته : ` الفن المبهج لأنه متسق ومقنع وحقيقي ` . وهكذا ومنذ طفولته سار اللباد علي درب هذه الكلمات الثلاث في تعريفه للفن ، أن يكون متسقا ومقنعا وحقيقيا ` .. ثلاث كلمات تصلح لكي نصف بها تجربته الثرية والغنية .
- لكن من هو اللباد؟ هل هو صانع كتب؟ أم رسام كاريكاتور؟ أم مؤلف كتب للأطفال؟ أم مصمّم جرافيك؟ كان يرفض أن يُسجن في خانة واحدة ، معتبراً أن تلك المجالات يكمّل بعضها البعض الآخر . براعته في الفن توازي براعته في الكتابة ، وقلّما يحدث ذلك مع فنانين ورسامي كاريكاتور . حتي إن ناقداً مثل علي الراعي وصفه بأنّه `رب الريشة والقلم` . كان مشروع اللباد الأساسي في كلّ ما كتب ورسم وصمّم `تربية الذوق` أو ` تثقيف العين ` . وهذا ما عكسه في مشروعه الكبير `نظر` ، وهي كلمة أخذها من قصيدة لبشارة الخوري ، غنّاها محمد عبد الوهاب : ` إن عشقنا فعذرنا أنّ في وجهنا نظر ` . حتي عندما كان يشعر أنه يحرث في أرض بور ، لم يكن محيي الدين اللباد يفقد الأمل . اتجه بالكتابة إلي الأطفال باعتبارهم الجيل القادم . ف ` معظم الرسائل البصرية المحلية تفتقر أساساً إلي المعني ، بما يحوّلها في الأغلب إلي رسائل مفككة غير مترابطة ` ، كما كان يقول . ` الطفل الذي يتلقي علامات الاتصال السائدة الآن ، يجعلني أفكر كثيراً في كيفية بنائه لذاكرته البصرية ، وما لها عليه من تأثير سلبي في مراحل متقدمة من عمره `. من هنا ، كان اهتمامه بتقديم كتب غير قصصية للأطفال ` حكايات بالكلمة والصورة والرسم ` . قدّم اكتشافات رسّام وصانع كتب عجوز لقرّائه الصغار ، علي اعتبار أنّهم قد يقومون برحلته نفسها في الحياة . وعن القضية الفلسطينية أنجز ` 30سؤالاً ` ، وفي ` لغة من دون كلمات` ، تتبّع العلامات والإشارات المرسومة علي الورق والحيطان . أما في ` نظر ` الذي صدرت منه خمسة أجزاء ، فجمع أعمالاً ونشاطات تتوجه إلي العين تحديداً. اهتم بلغة البصر التي أصبحت ` اللغة الإنسانية العالمية التي يمكن أن يتواصل بها الناس علي اختلاف لغاتهم الشفاهية والمكتوبة ، وهذه اللغة تحتاج إليها البلاد حيث تنتشر الأمية مثل بلادنا?` . هذا ما كتبه في مقدمة العدد الأول من `نظر ` .
- يتجلي هاجسه هذا أيضاً في رسومه الكاريكاتوريّة : هي رسوم ضربات قاسية تخلو في معظمها من التعليق ، تعتمد علي إدراك المفارقة عبر النظر من دون حاجة إلي الكلام . وإذا اضطر إلي أن يكتب شيئاً ، يبدو تعليقه خاطفاً ، لا يقصد أن يسمعه أحد . لا يمكن أن ننسي مثلاً يوم قدّم رؤية جديدة للجنيه المصري ، إذ رسم أربعة مواطنين واقفين أمام المسجد الموجود في صورة الجنيه الأول يقول : ` حسنة صغيرة تمنع بلاوي كبيرة ` ، ويتبعه الثاني قائلاً : ` عشانا عليك يا رب ` ، وتتوالي التعليقات : ` الكريم لا يضام ، يجعل بيت المحسنين عمار ` دائماً الجملة المكثفة ، حاملة المعاني ، تلك التي تجبرك علي الضحك من دون افتعال?.
- كاريكاتورات اللباد أقرب ما تكون ، حسب علي الراعي ، إلي نظرة برنارد شو إلي فن الكوميديا : `? نميل إلي تصوير الحماقة والحمقي ، ونسعي إلي عرض نوادرهم علي الأنظار في مختلف أشكال التعبير : الرسم ، والمسرح ، والحكاية والكرتون . ويلاحظ أننا بهذا الاهتمام نرفع عن أنفسنا الاتهام بأننا قد نكون بدورنا حمقي ، لكنّنا لا نريد أن نعترف بهذا (...) الواقع أننا كلنا حمقي ولا مجال للتفضيل بيننا وبين غيرنا في هذا المجال?` .
- ما فعله اللباد في الكاريكاتور فعله أيضاً في مجال تصميم أغلفة الكتب . قبله ، كان الناشرون يهتمون بمحتوي الكتاب ، وكانت التصميمات الداخلية والغلاف تأتي في المرتبة الثانية . عندما خاض اللباد مجال تصميم الكتب ، قلب الموازين ، من خلال صناعة أغلفة كتب يمكن اعتبارها نصاً بصرياً موازياً للنص المكتوب . لكنه نصّ مكثّف وموحي ، يمهّد للكتاب ، ولا يفضح سره أو يكشف شفرته . يلتقط من النص مفردات تبدو عابرة ، لكنها هي النص نفسه ، ولعلّ بين الأمثلة الأكثر تعبيراً عن ذلك زجاجة الكوكا كولا علي غلاف رواية ` اللجنة ` لصنع الله إبراهيم .
- شُغل اللباد بسؤال الهوية في مجمل أعماله ، بموازاة اقتناعاته السياسيّة وخياراته الفكريّة . اشتغل علي الجماليات المنسية في الفنون العربية?: اختار الخط العربي نموذجاً للجمال ، وضع شخصية علاء الدين في مقابل شخصيات المانغا اليابانيّة ، مثل مازينجر العظيم ، وتنبّه إلي الرسوم الشعبية البدائية علي جدران البيوت الطينية في الريف ، وإلي أبطالنا المنسيين مثل الظاهر بيبرس ، وإلي مفردات البيئة العربية . من كتبه الجميلة ، واحد يحمل عنوان ` تي شيرت ` ، يتأمل فيه الرسوم المطبوعة علي القمصان القطنية التي يرتديها الشبان ، وكلها رسوم أجنبية . هنا يقدم اقتراحات لكي ` يصبح تاريخنا علي صدورنا ` بدلاً من التقليد الأعمي ومن دون ابتذال . وهكذا كان يمكن أن يسخر من إعلان نشرته جريدة ` الأهرام ` لمصلحة ` هيئة الكتاب المصرية ` تدعو المؤلفين العرب إلي استحداث شخصيات عربية ` ميكي ماوس `... كأن كل شخصيات الحيوانات المرسومة للأطفال اسمها ` ميكي ماوس ` أو أنّ هناك تكنيكاً اسمه تكنيك ` ميكي ماوس ` .
- يلاحظ الراحل في أحد الحوارات الصحافية : ` الشخصيات الكرتونية الذائعة الصيت التي انتشرت في أنحاء العالم ، لم تقرر سلفاً ، ولم تصمم كشخصيات ` وطنية ` أو ` عالمية ` لتكتسح وطناً أو دولة . فقد نالت كل الشخصيات المرموقة شهرتها وذيوعها عن طريق الاختيار الحر المباشر للجمهور ، ولم يكن أحد ممن ابتطكروا أو صمّموا شخصيات مثل ` ميكي ماوس ` يعلم مقدماً بالنجاح الساحق الذي ستحقّقه تلك الشخصيات?. ما زلنا نفكّر في موضوع مثل الشخصيات الكرتونية وغيره من الموضوعات بطريقة ` التعيين ` ، لا بطريقة ` الانتخاب المباشر الحر ` .
- هذا الدفاع عن الهويّة جعله يكتب أكثر من مرة ، موضحاً الفرق بين الرسم العربي والآخر الأجنبي : ` إنّنا نكتب من اليمين إلي الشمال . وبالتالي ، نرسم ونتفرج من اليمين إلي الشمال . واكتشفت أن أهل الغرب يرسمون صورهم ويتفرجون عليها من الشمال إلي اليمين ، وبالتالي فإن الرسم الموفق بالنسبة إلينا هو ذلك الرسم الذي يكون مدخل الفرجة علي يمينه ` .
- لكن كيف استطاع اللباد أن يصل إلي تميّزه ربما لأنّه لم يحلم إلا بأن يكون فناناً . لم تكن عائلته تخطط لهذا الأمر أو تتوقعه ، حتي إنّه اضطر شاباً تحت ضغط منها إلي لالتحاق بكلية الطب لدراسة طب الأسنان ، قبل أن يتركها في العام الجامعي الأول . لم يستطع الاستمرار لأنه كان قد حدد طريقه وميوله منذ الطفولة . هكذا التحق ب` كلية الفنون الجميلة ` في القاهرة عام1957 ، وعمل رساماً في مجلتي ` روز اليوسف ` و ` صباح الخير ` ، قبل أن ينهي دراسته الجامعية عام 1962 . التشكيلي وفنان الجرافيك والرسام المصري الشهير ولد عام 1940 في حي المغربلين في القاهرة القديمة . كان طفلاً وحيداً لأهله بعدما توفي إخوته الخمسة . والده الأزهري ينحدر من قرية شباس الشهداء في مركز دسوق ، في محافظة كفر الشيخ . ومع نشأته في بيت لم يكن يوجد فيه إلا كتب الفقة والدين إلا أن ` العلامات البصرية ` كانت ذات تأثير كبير عليه ، فالفن لا يوجد فقط داخل اللوحة وإنما في أشياء كثيرة : ` زجاجة كوكاكولا .. علبة كبريت .. ماركة سجائر .. أفيش سينما .. مانشيت جريدة .. إلخ . فهذه الأعمال تحفر نوعا من العلامات في الذاكرة ، فعندما نري علامة ترجع الي سنة 1940 لا نتذكر المنتج فقط وإنما ستعود ذاكرتنا إلي فترةالأربعينيات كلها?` .
- كانت مناهج دراسة الفن في كلية الفنون الجميلة كلها غربية ، صفحات قليلة تتحدث عن الفن الإسلامي والخط العربي ، ولكن سافر إلي ألمانيا تحديدا للتدريب في أعقاب ثورة الطلبة اكتشف أن هناك حالة من التمرد والرغبة في رفض أي شيء ، أدرك من خلال هذا التمرد أنه يمنحنا ` فانتازيا الهدم ` ولا يوجد لدينا شيء مستقر أو ناضج وخاصة في مجال الفن باعتبار أننا لم نصل إلي هذه المرحلة التي نحن بها ، وحتي الآن كلنا تجريبيون بكل شيوخنا وبالكاد مازلنا نضع اللبنات الأولي ، فاحتاج لسنوات لكي يتخلص من تأثير الحضارة الغربية عليه . وهكذا كما يقول ` بدأت? بمراجعة التكوين الغربي والأدوات الغربية وبدأت في اكتشاف الخط العربي الذي كان ينظر له باعتباره ` حاجة من بتاعة المشايخ ` وبدأت في بحث واكتشاف تراثنا الفني وأتابع في نفس الوقت النماذج المحترمة في أوروبا بدون تعصب لأننا لابد أن نعرف كل شيء في سياقه بدون ثنائيات الأصالة والمعاصرة والذات والموضوع ... إلخ هذه الثنائيات الغريبة . وهكذا تكونت وكأنني أرتدي عمامة صغيرة و` برنيطة ` في نفس الوقت ` !
- وهكذا اكتشف ذاته وتفرده .... واكشف أيضا أن الفن العظيم لابد أن يكون مخلصا لثلاث قيم : الاتساق والإقناع .. والحقيقة ` !.
محمد شعير
أخبار الأدب - سبتمبر 2010
` كشكول الرسام ` يفارق صاحبه .. وداعا محيى الدين اللباد
- حكى لنا اللباد عن نشأته وبدايات تكوينه فى سلسلة ` البيت الكبير ` التى نشرتها جريدة ` البديل ` فى رمضان 2008 ، وقال : أنا انتمى لعائلة قادمة من الريف ، سكنت منطقة المغربلين ، ولم تقدم لى أسرتى مساحة كبيرة فيما يتعلق باللعب بالشارع ، وإن كان والدى الذى عمل أستاذا فى الفقه بجامعة الأزهر قد قدم لى شيئا آخر ، حينما صحبنى معه إلى سور الأزبكية لشراء طوابع البريد ، حينها بدأت أتردد على السور لأشترى مجلات الأدب والشعر والكاريكاتير والرسم الأجنبية . - ونتيجة لهذا التعلق الذى نشأ بين اللباد وبين المجلات والرسوم ، آثر فى شبابه أن يغلب رغبته الخاصة فى دخول كلية ` الفنون الجميلة ` على رغبة أسرته فى دخوله كلية الطب ، على الرغم من حالة الانكسار التى أصابت والده بسبب هذه الرغبة ، وفى الكلية لم يكتف بدراسة الفن الغربى الذى تقتصر عليه الدراسة ، بل سعى بنفسه لاكتشاف الفن البصرى العربى بجمالياته وخطوطه ورموزه وشخصياته ، وربما دفعه أيضا للاهتمام بالفن البصرى العربى ، عدم رضاه عن الرسوم الأجنبية القديمة التى كانت تعتمد عليها صحف تلك الفترة ومنها : ( الزمان والناس والملايين والأهرام وغيرها .. ) ، وقدر للفنان الشاب الموهوب أن يعين بـ ` مجلة روزاليوسف ` قبل أشهر من تخرجه عام 1962 ، ومنها لينطلق إلى إنجاز التصميم الأساسى للكثير من الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية وسلاسل الكتب فى عدد من البلدان العربية والأوروبية ، إلى جانب إنجازه فى الكاريكاتير السياسى والاجتماعى ورسوم وكتب الأطفال ، وهكذا أصبح محيى اللباد أشهر مصمم أغلفة مصرى ، بل صاحب بصمة خاصة فى فن تصميم أغلفة الكتب فى العالم . محطاته المهمة - قبل رحيله ، كان يرسم اللباد الطبعة العربية من صحيفة ` لومند ديبلوماتيك ` الصادرة عن دار النهار ببيروت ، وقد شارك فى تأسيس ` دار الفتى العربى ` المتخصصة فى نشر كتب الأطفال ، كما شارك فى عمل سلسلة كتب أطفال صدرت عن دار المعارف ، وعمل بمجلات ` روزاليوسف ` و ` صباح الخير ` وألف عددا من كتب الأطفال والكبار منها : ` كشكول الرسام 1988 ` ، و ` ملاحظات 2005 ` ، و ( مائة رسم وأكثر ) ، وسلسلة كتب عنوانها ( نظر ) مستلهما فيه بيت الشعر الذى كتبه بشارة الخورى .. ` إن عشقنا فعذرنا أن فى وجهنا نظر ` . - وقد ترجمت كتبه إلى الفرنسية والإنجليزية والفارسية واليابانية والإسبانية والإيطالية ، كما أنه شارك فى الكثير من المعارض المتخصصة فى الكاريكاتير ورسوم الكتب والتصميم الجرافيكى ، وقام بتصميم والإشراف على عدة ورش فنية للأطفال والشباب منها ورشة ` مجاورة ` بمرسمه بمصر الجديدة فى 2004 ، ومشروع اليونسكو ( كتاب فى جريدة ) عام 2007 ، وكرم فى كثير من معارض كتب الأطفال عن كتبه التى عنى فيها بإعادة الاعتبار الى القيمة الجمالية لكتب الأطفال ، ونال عن كتابه ( كشكول الرسام ) جائزة النفاحة الذهبية عام 1989 ، من بينالى براتسلافا لرسوم كتب الأطفال فى سلوفاكيا . تبادله الضرب مع نعمان عاشور - حينما جلس محيى اللباد بجانب الفنان جمعة فرحات ووسط رواد وأعضاء ` جمعية الكاريكاتير ` الذين استقبلوه بتصفيق حاد ، فى ندوة عقدت له فى شهر أكتوبر من عام 2008 ، آثر اللباد أن يعود بسنوات عمره إلى الوراء ، وخاصة واقعة تبادله الضرب مع الكاتب المسرحى الكبير نعمان عاشور ، وقال : ` كنت أشارك فى مجلة للأطفال كانت تصدر عن جريدة الجمهورية باسم ` الكروان ` وكان يرأس تحريرها الكاتب نعمان عاشور ، وحدث سوء فهم وخلاف بيننا حول رسوم الكارتون التى كانت تصدر هدية مع المجلة ، ولم يكن هو على علم بها ، لحظتها ضربنا بعضنا بعضا بالصحف ، فقد كنا صغيرين وبنحل المشاكل باليد ` ، وفى هذه الندوة برر اللباد غياب مجلات الكاريكاتير عن الساحة الثقافية بأن طبيعتها التى تعد ضد السائد والمألوف لا تسمح لها بالاستمرار . تحفظات على تصميمه لغلاف كتاب إبراهين أصلان - عقب صدور مجموعة الروائى إبراهيم أصلان القصصية ` حجرتين وصالة ` عن دار الشروق ، أبدى عدد من المثقفين والقراء تحفظاتهم حول الغلاف الذى أهداه اللباد لأصلان ، بعضهم استغرب طريقة التصميم ، وبعضهم اعترض على كتابه اسم أصلان بخط صغير ، لكن أصلان لم بستجب لهذه التحفظات ، بل إنه رفض الحديث مع اللباد بشأنها ، أولا أن أصلان رأى أنها تحفظات غير مؤثرة ، وثانيا لأنه بالرغم من أهمية الغلاف بالنسبة للكتاب ، إلا أن أصلان يراهن فى النهاية على قيمة الكتاب ، وثالثا للعلاقة القديمة التى جمعت بين الرجلين ، يحكى أصلان : كان تعارفنا قديما ، حتى قبل أن يصمم أغلفة كتبى التى أعادت دار ` الشروق ` إصدارها ، مع إعادة طباعتها فى الشروق أخبرتهم برغبتى فى أن يقوم محيى اللباد بتصميم أغلفتها لأنه كان محبا لشغلى ، إلى جانب كونه أهم رواد تصميم وتجديد الغلاف فى العالم العربى ، وبالفعل قام بتصميم أغلفة كتبى رافضا أن يتقاضى أى أجر عليها ، واعتبرها هدية . عصمت داوستاشى : خاطب الطفل الصغير بداخلنا - إنسان عزيز على جدا وهو علاقة بارزة بحياتنا الفنية ليس فقط كرسام وصانع كتب إنما كإنسان رائع جدا ، سجل اسمه فى تاريخ الفن والصحافة وأغلفة الكتب كانت فريدة مثل مجموعة كتب ` نظر ` وهو باب بصباح الخير ، أهم ما يميزه فى وقته أنه كان يوظف الفن المصرى والرسوم إلى توجهات اجتماعية فكانت تعنيه الناس بالدرجة الأولى فكان يمزج ما بين أعمال هو يبتكرها وموتيفات من التراث فكان بمثابة المعلم والأستاذ بطريقة غير مباشرة ، بحيث تتعلم الناس من رسوماته . - كتب الأطفال : الطفل عند محيى ليس فقط الطفل الصغير الذى نعرفه إنما هو الطفل الصغير بداخلنا جميعا فهو يخاطب الطفل بداخل الكبار أيضا لذلك كانت أعماله لها طابع فريد وخاص كما أنه فى كل عمل له كأنه شيخ كتاب الرسامين والفنانين المهتمين برسوم الحياة ، أخرج لى رسوماتى فى كتاب ` القبر ` لإبراهيم الكومى الليبى . كمال الجويلى : خطوطه كأنه يغزل على الورق - كان زميلا عزيزا هو الفنان الأول والأشهر والأكبر لكتب الأطفال وله بصمة مميزة ، فما يميزه شفافيته الشديدة وروح الإبداع عنده تمثل رؤية الطفل فكانت أعماله محببة للأطفال وتجعله محبا للرسم ، كانت لديه قدرة كبيرة على التبسيط الإبداعى فكان أسلوبه الفنى كأسلوب طه حسين الأدبى وهو السهل الممتنع والعميق ، خسارة كبيرة للفن ، فكان مثل صلاح جاهين يطلع على الأعمال الفنية العالمية فكان موسوعى الرؤية والثقافة فمن تحليلى لأعماله كان يعتمد على الخط الرفيع وكأنه يغزل على الورق فليس كاريكاتيراً وليس Sillns Tnation فلقد هضم كل اتجاهات الرواد مثل صاروخان ، لكنه لم يقلد أحدا . عن رسومه الكاريكاتيرية كان يستطيع تقمص روح الطفولة لذلك انجذب إليه الأطفال والكبار ولم يتنازل يوما عن الحس الجمالى وكان الخط الرفيع المتمكن أساسياً وكأنه يمسك بخيط يتحرك به على الورق . مصطفى حسين : كان يرسم كطفل كبير - كان من الفنانين المتميزين خاصة إخراج الأعمال الفنية ورسوم الأطفال وله بصة فنية وأسلوب خاص وتلقائية محمودة فيها إحساس طفولى جميل ، وهوكشخص كان طفلاً كبيراً ، وعن رسومه الكاريكاتيرية التى كان يقدمها أسبوعيا بمجلة المصور فى الفترة الأخيرة ، كانت له شخصية فنية خاصة ومنفردة ولن أبالغ إذا قلت إنه كان مدرسة فنية خاصة . محمد عمر : كتاباته أرشيف للرسامين - الأستاذ اللباد من وجهة نظر رسامى الكاريكاتير هو المؤرخ الأول والموثق الأول لحركة الكاريكاتير محليا وعالميا على صفحات صباح الخير فى باب ` نظر ` فى أوائل السبعينيات وصاحب أسلوب وخط مبسط ومميز يختلف عن باقى رسامى الكاريكاتير منذ بدايته ، وكانت كتاباته عن حركة الكاريكاتير العالمية وتطورها بمثابة أرشيف لكل الرسامين ليعرفوا أين هم من حركة الكاريكاتير العالمية . - نبوغه فى أدب الأطفال والكتب التى أصدرها فى الحقب الماضية كانت نموذجاً يحتذى به ، ولقد عمل كقوميسيير بمهرجانات الكاريكاتير العالمية وعمل فترة بجريدة لوموند الفرنسية بالطبعة العربية ببيروت . - لقد خسرنا ريشة مبدعة وقلماً ناقداً بغياب الأستاذ اللباد فغياب ريشته ينتقص من قدرة جناح الكاريكاتير على التحليق .. كان لديه اهتمام بخصوصية الحرف العربى وكان له دور فى إخراج كلمة ` أدب ونقد ` عنوان المجلة النقدية الشهيرة وإخراجها فنياً وصبغة الروح العربية عليها من خلال جماليات الخط العربى وتميزه فى مواجهة سطوة الحروف الديجيتال وعمل مستشارا فنيا لدار ` منى عبد العظيم ` . محمد عبلة : كان أسطى للكاريكاتير - اللباد أهم علامة بالكاريكاتير والإخراج الصحفى وأغلفة الكتب وتصميم البوسترات وكان مدرسة ، وله أفضال كثيرة على حين وقوفه بجانبى وأنا أؤسس متحف الكاريكاتير ، حيث أهدانى أعمالاً أصلية له ومن مقتنياته الخاصة أعمال لعبد السميع ونبيل السلمى ، وقيمته أنه مبتكر وهو أكثر ما يميزه واجتهاده فى تقديم لما هو غير مألوف فكان دائماً فى طليعة المبدعين ، فكان يدعو من خلال الكاريكاتير إلى التأمل والتفكير . - أيضا كان يملك أصول المهنة فكان ` أسطى ` وحريصاً على نقطة الاتقان فى كل أعماله فكان يحترم أصول وقواعد المهنة فهو بحق خسارة كبيرة لأن الكثير من الناس ينتظرون أعماله ، فضلا عن إثرائه للمكتبة العربية بالعديد من الكتب التى تعتبر بمثابة مراجع لكل المهتمين والباحثين . فى أول لقاء بيننا ظننت أنه يكبرنى بعدة أعوام لكنى فوجئت أنه يكبرنى بعام واحد فقط ، فهو شخص متواضع وثقافته موسوعية وأعتبره عقل الكاريكاتير المنظم وله مدارك واسعة بهذا الفن وكان على اتصال قوى بفن الكاريكاتير العالمى . - محيى الدين اللباد اهتم فى كتاباته بتفاصيل بسيطة من حياتنا ، لكنها عميقة وذات علامة وتحمل معانى كبيرة مثلا كتصميم طابع بريدى الذى يضعه فى سياق التأريخ لأمة مما يوجه نظرنا لتفاصيل لا نلحظها بحياتنا اليومية . - ما يؤلمنى أنه لم يجمع أعماله فى كتاب خاص وهى مشكلة كبار المبدعين دائما ، رغم أن المؤسسات الصحفية العالمية تهتم بمبدعيها وتنتج لهم كتبا عن أعمالهم وحياتهم ، بحيث تكون مرجعاً لكل المهتمين والدارسين فهو شخص متعدد المواهب وكان يسعد بلقب ` صانع الكتب ` أكثر من رسام الكاريكاتير ومن أهم كتبه كتابه عن الفنان حسن فؤاد . - تتسم أعماله بالإتقان والتميز والاجتهاد .
مى أبو زيد - تغريد الصبان
مجلة روزاليوسف - سبتمبر 2010
`لكن الموت ليس طريقة مثلى للغياب ` . وأنا اتلقى نبأ وفاة الفنان التشكيلى الكبير محيى الدين اللباد، على الأقل أجلت نوبة الكآبة التى تدخلنى كلما علمت برحيل قامة إبداعية ، لم تعر حضورها وتفردها لشخص آخر . الأديب الكبير إبراهيم أصلان سماه `أحد الأيام الحزينة` ، ربما لأنه تذكر أن اليوم الذى غيب `فيلسوف المطابع ` يشبه إلى حد كبير، يوم رحل الناقد فاروق عبد القادر، ومن بعده الشاعر محمد عفيفى مطر، فالمفكر المستنير نصر حامد أبوزيد ، ثم الكاتب محمد عبد السلام العمرى، وقبلهم مؤرخ الدراما التليفزيونية الكاتب والسيناريت أسامة أنور عكاشة، فضلا عن قامات فكرية وأدبية وعربية أخرى كالمفكر المغربى عابد الجابرى، والكاتب الجزائرى الطاهر وطار، والكاتب والناقد السعودى غازى القصيبى، كلهم خلال هذا العام الذى تتنافس شهوره فى قتامتها، لكن الربع الأخير منه أعلن عن نفسه برحيل `اللباد الكبير` تاركا حياة على الورق . فى المبتدأ طبقا للباد الأبن رحل فنان الكاريكاتير والجرافيك الكبير `بعد صراع قصير مع المرض` ، أما الرحلة الأطول فكانت مع الفن وحده ، حيث بدأ الفنان المولود عام 1940 لأسرة رفيعة الشان فى القاهرة القديمة، حياته الفنية منذ الصغر وبوصوله إلى مرحلة الثانوية العامة كان قد صار بالفعل فناناً محترفا، قبل أن يتخرج فى كلية الفنون الجميلة عام 1962، والتى كان التحاقه بها `فضيحة كبيرة` بالنسبة للأسرة ذات الأصول الريفية : `لم تشجعنى الأسرة، ولكنها أيضا لم تقمعنى` . ومنذ تخرجه عمل اللباد رساما للكاريكاتير فى مجلتى روز اليوسف وصباح الخير، وتوالى نشر رسوماته فى الصحف والدوريات العربية المختلفة . ويعد اللباد أحد أشهر مصممى أغلفة الكتب وكان يعتمد فيها على استخدام عناصر فنية من التراث الشعبى العربى، وقد عمل منذ منتصف الستينيات مصمما ومديرا فنيا للجرافيك وشارك فى تأسيس عدد من دور النشر الخاصة بكتب الأطفال فى مصر ولبنان وله عدة مؤلفات للكبار والصغار ترجم بعضها إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والإيطالية والألمانية والفارسية واليابانية ونال عن بعضها جوائز عربية وعالمية وشارك فى الكثير من معارض الكاريكاتير الدولية والتحكيم فيها . فى وجهنا نظر لكن أشهر وأهم أعماله على الإطلاق هى سلسلة `نظر` ، التى تعد مرجعا لمتذوقى الفن التشكيلى والرسوم الكاريكاتيرية وفنون الجرافيك المعاصرة فى مصر والعالم العربى والعالم بأسره، وقد استلهم الفنان اسمها من بيت الشعر الذى كتبه الأخطل الصغير `بشارة الخورى` .. `إن عشقنا فعذرنا أن فى وجهنا نظر` ، وهذا الكتاب وصفه الفنان عصمت داوستاشى بأنه كتاب مهم فريد، معتبرا إياه الأول من نوعه فى المكتبة العربية، وأنه مدرسة متكاملة تفيد الفنان التشكيلى كما تفيد المتذوق للفن، والمثقف بصفة عامة لما يحتويه من معلومات شاملة فى الحياة، رغم واجهته التخصصية فى فن الرسم، لذا أوصى داوستاشى بأن يكون فى مكتبة أى إنسان، بل ونصح من ليس لديه مكتبة بأن يبدأ بهذا الكتاب، الذى يحتوى على كم هائل من الرسوم من أنحاء الدنيا مقدمة بتعليق من الفنان محيى الدين اللباد فى شكل أدبى رفيع . أما كتابة البديع والمهم `كشكول الرسام` فقد حاز جائزة التفاحة الذهبية لبينالى براتسلافا الدولى لرسوم كتب الأطفال، وجائزة `الأوكتوجون` المركز الدولى لدراسات أدب الطفولة فى فرنسا، كما أختير ضمن أفضل عشرة كتب عربية للأطفال، وصدرت منه طبعات باللغة الفرنسية والهولندية والألمانية، وهو صادر عن دار الشروق، فضلا عن كتب وأعمال أخرى من بينها : ` 30 سؤالا، لغة بدون كلمات، تى شيرت، حكاية الكتاب، 100 رسم وأكثر، وملاحظات، وغيرها .. وقد كرم اللباد فى كثير من معارض كتب الأطفال عن كتبه التى عنى فيها بإعادة الاعتبار إلى القيمة الجمالية لكتب الأطفال . وهو يعتبر الفنان الراحل حسين بيكار السبب فى عمله بكتب الأطفال، حيث منحه الفرصة للعمل فى هذا المجال فى دار المعارف. كما يعتبره اللباد مؤسس فن كتب الاطفال المرسومة فى مصر، حيث بدأه عام 1946 بكتابيه اللذين يصفهما اللباد بأنهما من أجمل الكتب على مستوى العالم ( على بابا وأبوصير وأبوقير ، وكامل الكيلانى ، دار المعارف، 1946 ) ، واللذين أثرا على الأجيال التالية التى كانت تستقى معرفتها بالفن من المصادر المحلية والعالمية ومن بينها اللباد . تورط وانسحاب ورغم كل هذا التورط فى الفن والكتابة والصحافة، إلا أن اللباد كان طوال الوقت بعيدا عن أضواء الإعلام، وكان يؤكد أن هذا ليس اختيارا لكنه `فاشل` مع الإعلام، رافضا أن يعتبر ذلك انسحابا من الحياة، ومؤكدا أنه حصل على حقه كفنان ورسام للكاريكاتير وصانع الكتب و`زيادة` . لكن الفنان الكبير حلمى التونى كان له رأى أخر، فهو يؤكد أن اللباد لم يلق التقدير الذى يستحقه كـ`صانع للكتب`، كما كان يحلو له أن يسمى نفسه، وأن التقدير الذى لقيه فى وطنه لم يكن كافياً، فجعله هذا يتجه إلى المسابقات فى الخارج، فى أوروبا وفرنسا خصوصا . وقال التونى `إن غياب التقدير المناسب للباد الذى وصفه بأنه كان فنانا من طراز خاص قد أورثه مرارة شديدة، حيث شعر بأنه كان ملفوظا من وطنه ` . وأضاف : `ربما لأنه كان متقدما على هذا الوطن من حيث المستوى الحضارى، وأهم معالم هذا التقدم الحضارى كانت فى الإتقان الشديد، الذى تميز به محيى ، ويفتقده المجتمع بشدة` ، وهذا على حد وصفه `سبب تخلفنا` . وأرجع التونى سبب الأمراض المتفرقة التى أصيب بها اللباد إلى سوء الحالة النفسية له، وأنه كان غضبان وحزينا، مما أورثه حدة المزاج الناتجة عن سعيه للاكتمال، هذا الذى لا يجد منه أى مقدار حوله . ` لا أعرف ما الذى يمكن أن يفعل لتكريم محيى اللباد..` تساءل التونى، واستطرد قائلا : إن التكريم الوحيد قد يكون فى إنشاء مؤسسة تعليمية، معهدا أو كلية، تقوم على إعداد صناع الكتب، مستنكرا غياب مثل هذه المؤسسة حتى الآن فى بلد يعود تاريخ النشر فيه لعشرات السنين ويزيد تعداده على الثمانين مليون مواطن . وأوضح التونى أن هذه ربما تكون مناسبة للإنتباه إلى هذا النقص `الفاضح` فى مجال صناعة الكتب والفن المطبوع، وهو الفن الذى أخلص له الفنان الراحل وكرس له حياته، وكان أحد قلائل وربما الوحيد الذى تخصص فى الفن المطبوع للصحف والمجلات وكان يرفض استخدام اللوحات أو الذهاب للمعارض التشكيلية، لأنها - كما يروى التونى عن اللباد - لا مكان لها فى مجتمعاتنا . الكاتب والرسام فى السنوات الأخيرة السابقة على رحيله قرر اللباد التوقف عن العمل فى تصميم أغلفة الكتب، لكنها محبة الفن وحساسية الكاتب والرسام معا جعلته يستثنى من هذا القرار الأديب الكبير إبراهيم أصلان، وكان قد صمم له قبل ذلك غلاف رواية `وردية ليل` فى طبعتها الأولى عن دار شرقيات، ثم طبعة `عصافير النيل` التى نشرتها الهيئة العامة لقصور الثقافة، وعندما تعاقد أصلان مع دار الشروق على طباعة كل أعماله، ومن بينها الأعمال السابقة، كان اللباد قد توقف عن تصميم الأغلفة، لكن أصلان طلب من الدار أن تعرض عليه تصميم أعماله ربما يقبل، وبالفعل تحمس الفنان محيى اللباد للفكرة، وزاد على ذلك أن رفض تقاضى أى مقابل من الدار نظير قيامه بأعمال إبراهيم أصلان، واعتبرها إهداء للكاتب، لتخرج كل أعمال أصلان السابقة والتالية وصولا إلى عمله الأحدث `حجرتان وصالة` بمشاركة اللباد . وللمفارقة كان هذا الغلاف الأخير فى حياة الفنان والأحدث بالنسبة للكاتب، فى الجزء الأكبر منه عبارة عن صفحة وفيات، كما كان غريبا ومغايرا لكل أعماله التى صممها لصاحب `عصافير النيل` . يقول أصلان: ` كان ذا صيغة مغايرة وبه درجة عالية من التجريد، لم تعرفها باقى الأعمال وقد أربك هذا البعض لكن محيى لم يكن الفنان الذى يجوز التعقيب عليه، وقد كان هو الأبعد نظراً حيث لاقى الغلاف إعجاب الكثيرين` . أصلان الذى يكتب الآن رواية جديدة للأسف لن يرسم غلافها اللباد يقول إن هذا شىء لا يستوعبه حتى هذه اللحظة: `يكفى أنه لم يكن يصمم أغلفة لكاتب سواى فى هذا الوقت، وبرغبة وبمحبة حقيقيتين، وبلا مقابل، أظنه تقديراً كبيرا من قامة أكبر مثل اللباد` . ويضيف: `لم نلتق إلا مرات قلائل، رغم ذلك كانت تجمعنا علاقة ود وتقدير، فأنا أعرف قامته كأحد الرواد فى فن تصميم الكتاب، وكمثقف وطنى صاحب وجهة نظر فنية، وهو من جانبه كان حريصا على متابعة كل أعمالى، ولم يحدث أن نشرت أى عمل بما فى ذلك الأعمال المتفرقة فى جريدة أو مجلة دون أن يهاتفنى ليحدثنى بشأنها، ولو كان على سفر يفعل هذا عندما يعود` . ويزيد قائلا: جعلنى هذا أطمئن إلى أنه واحد من القلائل الذين على البعد يعرفون عالمى جيدا، لذا كنت حريصا على معرفة رأيه فى أى عمل، خاصة إذا كنت أشعر نحوه بشىء من القلق` . نسيج اللباد أما القاص الكبير سعيد الكفراوى فقال إن اللباد كان يعكس معانى كثيرة، سواء فى الحياة العامة أو الفنون، وأضاف أنه يعرف الفنان الراحل منذ أواخر الستينيات وأنه كان صاحب شخصية آسرة، تتصف بالحنو ومحبة الأخرين، ويتمتع بصدر رحب لقبول الآخر، والتعامل معه، فكان الجميع يسعد بالتحاور معه والإصغاء لما يقول .. وعلى المستوى الفنى قال الكفراوى إن اللباد كان يمثل نسيجا وحده فهو، كان أحد أبناء هذا الجيل `العظيم` ، الذى أنشأ مدرسة جديدة فى فن الكاريكاتير، وفى التصوير واضاف : أن اللباد كان له مذاق خاص فى التعبير بالكاريكاتير، يقوم على سلامة الفطرة ، والمفاجأة، وتعميق المعنى . وتابع قائلا : هذا رجل ينتمى لجيل من الناس حملوا للوطن محبة واعتزازا ودافعوا عنه عبر الفن والسلوك والمواقف بكل ما هو نبيل، وتحملوا فى سبيل مواقفهم الكثير فهم الأبناء الذين دفعوا الثمن نتيجة لهزيمة يونيو (حزيران) 67 . وأردف قائلا: يظل محيى اللباد فيما قدمه وأبدعه، وفى اختياره لطريقة عيشه أحد النماذج التى سوف تبقى فى ضميره من عرفه إنساناً وعرفه فنانا، فليرحمه الله .
بقلم / عزه حسين
الشروق -سبتمبر 2010
- من الفنانين المتميزين فى إخراج الأعمال الفنية ورسوم الأطفال بتلقائية وإحساس طفولى جميل.. كان مدرسة فنية خاصة فى رسومه الكاريكاتيرية التى يقدمها بمجلة المصور .
رسام الكاريكاتير / مصطفى حسين
روزاليوسف - 6/ 9/ 2010
- المؤرخ الأول والموثق الأول لحركة الكاريكاتير محلياً وعالمياً فهو أرشيف لكل الرسامين ليعرفوا أين هم من حركة الكاريكاتير العالمية.. عمل كقوميسير بمهرجانات الكاريكاتير العالمية.. وعمل مستشاراً فنياً لدار ( منى عبد العظيم ) .
محمد عمر
روزاليوسف - 6/ 9/ 2010
- كان أسطى للكاريكاتير.. أهم علامه بالكاريكاتير وأغلفة الكتب وتصميم البوسترات.. وقف جانبى وأنا أؤسس متحف الكاريكاتير حيث أهدانى أعمالاً أصليه له ومن مقتنياته الخاصة أعمال لعبد السميع ونبيل السلمى.. - إثرائه للمكتبه العربية بالعديد من الكتب التى تعتبر بمثابة مراجع لكل المهمين والباحثين. - أهتم فى كتاباته بتفاصيل بسيطة فى حياتنا لكنها عميقة وتحمل معانى كبيرة ويوجه نظرنا لتفاصيل حياتيه حقيقية تاريخية .
الفنان التشكيلى/ محمد عبله
روزاليوسف - 6/ 9/ 2010
غياب التشكيلى المصرى.. صاحب (نظر) خسرته صناعة الكتاب العربى
- مات صانع الكتب الجميلة محيى الدين اللباد الذى شيعت جنازته إلى مدافن العائلة فى القاهرة أمس. واللباد يصعب اختصار منجزة فى مهنة واحدة، فهو صحافى ورسام كاريكاتير ومصمم جرافيكى بارز، لكن الأكيد أن غيابه خسارة كبيرة لصناعة الكتاب العربى، فوجود اسمه على غلاف كتاب كان يعتبر أبرز علامات جودته. ولد اللباد فى القاهرة فى عام 1940 ودرس التصوير فى كلية الفنون الجميلة نهاية الخمسينات ليلتحق بعدها للكاريكاتور، لكن انضمامه إلى كتيبة رسامى مجلة `صباح الخير` مثل علامة تحول فى مسيرته، إذ مكنته من دخول مدرسة الرسامين الكبار، أمثال عبد السميع وزهدى العدوى وأحمد حجازى وبهجت عثمان وصلاح جاهين وجورج البهجورى. انطلق اللباد من `مدرسة الهواء الطلق` كما سماها الصحافى الراحل كامل زهيرى وخرج إلى مساره الثانى كمتخصص فى رسوم كتب الأطفال، إذا عمل رساماً فى مجلة `سندباد` التى كانت تصدرها دار `المعارف` برعاية الرسام المعلم حسين بيكار. وفى عام 1968، أصبح مديراً للتحرير ومديراً فنياً لمجلة `سمير`، وكذلك شارك فى تأسيس دور نشر مصرية وعربية عدة، لكنه ظل يحمل اعتزازاً خاصاً بتجربته فى تأسيس دار `الفتى العربى` فى السبعينات ودار `شرقيات` نهاية الثمانينات وعلى رغم صعوبة تلخيص مسيرته إلا أن اللافت حرص صاحبها الأكبر على تنمية الوعى بالثقافة البصرية، فصاغ فى مؤلفاته تعبير `الذاكرة المصورة ` وعمل مبكراً على لفت النظر إلى العلامات التجارية الشائعة والتعامل معها باعتبارها `موتيفات` فنية شاعت فى الكثير من تصميماته للكتب والملصقات الدعائية التى ارتبطت بمناسبات ثقافية. وفى رحلته الطويلة نظر اللباد إلى نفسه دائماً بصفته مصوراً يرسم لوحات تعلق على الجدران ولها وظيفتها التطبيقية لكن من دون الاعتداء على القيمة الجمالية .
- واعتبر اللباد مواجهة ` التشوه البصرى` فى الشارع المصرى قضية عمره، ملاحظاً أن شيوع العلامات البصرية الموفقة والذكية فى مجتمع ما يعد دليلاً إلى وفرة القدرة إلى إنتاج الرمز واستخلاص ما يرمز إليه والعكس منتهياً إلى الإقرار بان الشائع حالياً يؤكد اننا نعيش عصر `الخيبة المسجلة` .
- ولم تكن مهنة `الغرافيكى` التى أحبها اللباد على حساب عشقه الأول للكاريكاتور الذى بالإضافة إلى إبداعاته شديدة التمييز فيه، سعى أيضاً إلى كتابة تاريخه عربياً وعالمياً فى مجموعة مؤلفاته، لا سيما `نظر` و`كشكول الرسام`، إذ اهتم فى الأول الذى تصدرته بيت شعر لبشارة الخورى (الأخطل الصغير) `إن عشقنا فعذرنا أن فى وجهنا نظر`، بتصحيح ما فى ذلك التاريخ من مغالطات، والأهم إعادة الاعتبار إلى `الكاريكاتور` كفن بعد أن حاول كثيرون اختزاله فى معنى `النكتة` وهو الهاجس الذى شغله فى المؤلف الثانى، كما كان أول من اقترح إنشاء متحف للكاريكاتور فى مصر . ولعل الميزة الرئيسية فى كتابات اللباد كمؤرخ لهذا الفن النادر سعيه الدائم إلى ربط الصورة المنتجة بالسياق التاريخى والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حتى إنه اعتبر `الفراغ الكاريكاتورى` الذى عاشته مصر فى ربع القرن الأخير أدى إلى ظهور ما كان يسميه `الفكاهة النكوصية` .
وأهتم اللباد على نحو لم يشاركه فيه فنان مصرى آخر بأمرين، الأول هو التعريف بإنتاج رسامى الكاريكاتور العرب وتقديمهم فى الزوايا الصحافية التى أتيح له تحريرها . إذ قدم ناجى العلى ويوسف عبدلكى وعلى فرزات ومحمد الزاةى ومؤيد نعمة وقاسى وعماد محجوب وخالد الهاشمى وغيرهم ممن لمعوا فى الصحافة العربية. أما الأمر الثانى فهو الانشغال برسوم ومؤلفات الأطفال. وفى هذا السياق حاز الراحل جوائز محلية ودولية وعاش حياته منشغلاً بمدى تعبير الكتب الغربية المقدمة للطفل العربى عن قيم ثقافية لها حضورها فى الثقافة الغربية. ولم يكن هذا الإنشغال دليلاً على إيمان صاحبه بـ `هوية مغلقة` بقدر سعيد إلى تأسيس `هوية عربية منفتحة` وهو أمر ظل فى حاجة إلى ما كان يسميه `تكافؤ الفرص`. وفى سياق هذا العى أعطى اللباد فى أعماله كرسام ومصمم مساحة كبيرة لحضور الموتيفات التراثية سواء كانت رسوماً شعبية أو موتيفات مصدرها `الحرف العربى` الذى نظر إليه دائماً كمصدر لا غنى عنه لأى فنان . كما كرس الكثير من وقته لكتابة دراسات مهمة حول سيرة الكتاب العربى المصور للأطفال، واستبدل نماذج (بات مان وسوبر مان) بأبطال السير الشعبية العربية مثل أبى زيد الهلالى والظاهر بيبرس .
لا يمكن خلال التعريف بمنجز محيى الدين اللباد ألا يتوقف المرء أمام صفة لازمته وهى انفتاحه الذكى على الكتاب والرسامين من الأجيال الجديدة، وهو انفتاح جرى التعبير عنه فى واحد من مؤلفاته الأخيرة وهو `يوميات المجاورة / نظر 4`، ودون فيه تجربته فى التعامل مع رسامين وكتاب شباب أجتمع بهم فى ورشة عمل كسرت أساليب التعلم من طريق التلقين وراهن فيها على `فضيلة الحوار` وهى فضيلة لازمته حتى النهاية .
سيد محمود
الحياه - 6/ 9/ 2010
اللباد.. الرسام الطفل - 100 كلمة
- ( من أنجب لم يمت ) محى اللباد ترك لحياتنا المصرية والعربية أثرين كبيرين: الأول هو فنه الجميل، والثانى هو أبنه الفنان أحمد محى اللباد . - ثقافة اللباد واسعة ومتنوعة وعميقة وخطوطة جمعت السخرية المره والثقافة الثريه والفلسفه المتأملة والأرتباط بالواقع الاجتماعى والسياسى فى تركيبه واحده.. ولذلك فإن عالم الكاريكاتير سيفقد برحيله ركناً أساسياً من أركانه نأمل أن نعوضه بأبنه أحمد وبتلاميذه الذين ينتشرون فى الصحافة العربية، أولئك الذين هم كأستاذهم ( فى وجههم نظر ) .
حلمى سالم
الأهالى - 8/ 9/ 2010
اللباد .. محارب ضد القبح
- إن عشقنا فعذرنا أن فى وجهنا نظر .. لم أفهم ما يقصده الشاعر بشارة الخورى من هذا البيت حق الفهم إلا عندما وجدته على كتاب اسمه ` نظر ` ، ورغم أننى كنت قد اطلعت على معظم ما فيه فى مجلة ` صباح الخير ` من قبل ، فإننى كنت حريصا على شرائه رغم صعوبة البحث وقلة النسخ المعروضة .. عرفت من هذا الكتاب الرائع الذى صار سلسلة فيما بعد أن النظر ليس حاسة سلبية وإنما هو خالق ثان إيجابى للمشهد ، النظر من الممكن أن يتربى ، عرفت أن القبح يولد وينمو بداخلنا كالغول والتنين ويلتهم روحنا وضميرنا من الداخل بواسطة التربية البصرية الخاطئة التى نعيش فيها ، التلوث البصرى يغتال الروح والضمير والعاطفة والحب والتأمل والإبداع .. اللباد الذى رحل عن عالمنا القبيح أمس كان فنانا بدرجة محارب عنيد ، محارب للقبح المستفز الذى يحبط بنا ويحتل خلايانا ويسكن نخاعنا ، كانت تستفزه شعارات الانتخابات الساذجة ورسومات مدرسى الرسم الفاشلة ولافتات الإعلانات الصادمة وواجهات المحال الركيكة وألوان العمارات الفاقعة وملابس النساء الملخبطة ، كان على يقين من أن كل هذا التلوث البصرى لابد أن يفرز مواطنا مريضاً سلبياً وعدوانياً ، يخاصم الجمال ، ويكره الفن والحياة والبهجة . - لم يكن اللباد رساماً للكاريكاتير فقط ، بل كان معلماً أصيلا لفن التذوق البصرى والجرافيك ، كان ثوريا فى لغته البسيطة السلسة وخطوطه المميزة المتفردة الصديقة ، كان ضد أن تألف العين وتتآلف مع القبح ، ألف سلسلة كتب رائعة : ` نظر ` و ` كشكول الرسام ` و ` تى شيرت ` التى أرجو أن تعيد طبعها مكتبة الأسرة ، كان يخلق من العادى إبهاراً ودهشة ، تذكرة الترام ومسحوق الغسيل وعلبة الكبريت وإعلان ميشلان وصورة سوبرمان والحرف العربى وطابع البريد وزجاجة الكوكاكولا وعلب السجائر .. إلخ ، كنز من التراث البصرى الذى بشكل وجداننا ، ناقشه وحلله وشرحه ولفت النظر إليه عبقرى اسمه محيى الدين اللباد . - شبه الناقد د. على الراعى - نقلا عم مصمم الجرافيك حاتم عرفة - نظرة الفنان اللباد الثورية لفن الكاريكاتير بنظرة الأديب ` برنارد شو ` لفن الكوميديا فى المسرح .. حيث رأى اللباد أننا : ` نميل إلى تصوير الحمق والحمقى ، ونسعى إلى عرض نوادرهم على الأنظار فى مختلف أشكال التعبير : الرسم ، والمسرح ، والحكاية والكرتون ، ويلاحظ أننا بهذا الاهتمام نرفع عن أنفسنا الاتهام بأننا قد نكون - بدورنا - حمقى ، ولكننا لا نريد أن نعترف بهذا ، الواقع أننا كلنا حمقى ولا مجال للتفصيل بيننا وبين غيرنا فى هذا المجال ` ، وهكذا أصبحت الكوميديا والكاريكاتير أكثر إنسانية وأقرب إلى القلوب . - يقول اللباد : ` اعتبار أن الفن هو فقط الموجود داخل البراويز هو سذاجة واستهتار بالتفاصيل . فليست الأعمال الكبرى فقط هى التى تؤثر فى الناس ووجدانهم وإنما - وعلى العكس تماما - فالإنسان يتأثر جدا بالعلامات البصرية ، والتى ضربت لك أمثلة عليها : زجاجة كوكاكولا .. علبة كبريت ماركة سجائر .. أفيش سينما .. مانشيت جريدة .. إلخ فهذه الأعمال تحفر نوعا من العلامات فى الذاكرة ` ، ويقول : ` هناك مقولة مهمة للفنان النحات ( محمود مختار ) يقول فيها إن العملة النقدية هى قطعة النحت التى تصل للرجل الفقير الذى لا تتاح له فرصة مشاهدة المعارض الفنية ولا يحضر إلى المدينة لرؤية التماثيل ، ولابد أن تتضمن هذه القطعة قدرا من احترام العقل والمنطق واحتواء رسالة إنسانية ، لأن هذا بينى - ودون أن يعى الناس - منطق بلد كامل ` .
د. خالد منتصر
جريدة المصرى اليوم - سبتمبر 2010
مكان اللباد
- ذهبت مع صديقى عبده جبير وأخى سامى السيوى لزيارة محيى اللباد ، كان ذلك فى أول الثمانينات ، لقاء عمل ، وكنا أنا وأخى مجرد صحبة ، وأتذكر أن البيت كان قريبا من سراى القبة ، كنت شغوفا جدا بالتعرف على هذا الفنان الكبير الذى كنت منبهرا بموهبته الكبيرة ، وكنت احتفظ معى فى ايطاليا بكتابة الصغير عن البيت . ( كل كائن له بيت ، الطائر والسمكة ، حتى الثعلب له بيت يعود إليه ، لماذا لا يملك الطفل الفلسطينى بيتا ) كان النص بديعا للروائى السورى زكريا تامر والسؤال حاسما وموجعا . والجميل أن ما رسمه اللباد كان بعيدا تماما عما تعودناه من رسوم تناصر قضايا وتوضيح مواقف . - وكان القطع الصغير للكتاب يجعله رفيقا أليفا فى كل مكان . كنت سعيدا للغاية بأنى سوف التقى بهذا الفنان الكبير . جلسنا فى صالة واسعة فارغة تقريبا بها فقط مائدة وحولها مراسى صغيرة . ورأيته يهبط سلما فى آخر الصالة . هذا الفراغ الواسع الفارغ كان مدهشا ، لم يكن خاليا كان رحبا ومتسقا ، حاولت بعد ذلك عندما أصبح لى بيت يخصنى ان أعيد صياغة حالة الفراغ الأليف ، فسرعان ما تراكمت الكراكيب واختنق المكان ظل هذا الانطباع عن محيى اللباد قائما فى ذاكرتى ، عملاق رشيق ، فى فضاء واسع ولكنه محكم جدا ، صوته ونظرته تعيد نظم تكوينه وحضوره ليصبح مشدودا وثاقبا ، أعتقد أن الرجل كان يختار مكانه ويصيغه وفقا لنظام روحه ، لكل عنصر وظيقته بلا زيادة ، نعم هو الأسطى الذى ينسق ادواته ويختار مواقعها بعناية ، بين يديه ستشعر بأنك فى أمان بالفعل ، وهكذا كان انطباعى ايضا عندما ذهبت إلى اتيليه اللباد فى المطرية . وبعد ذلك عندما كنت اذهب إليه فى مصر الجديدة . أماكن اللباد والأشياء التى تضمها وطريقة نظمها ، كانت شاهدا على روح هذا الفنان الكبير فعلا ، الكبير فكرا وعملا وانتاجا ، والكبير موقفا من العالم ومن الناس لم يكن يعرفنى آنذاك ولكنه قابلنى بابتسامة مطمئنة ، وكانت نظرته خليطا من الود والفضول حول هوية من يحادثه ، عندما مات رضوان الكاشف جمع الاصدقاء كل ما كتب عن رضوان وكتبه رضوان وذهبت به الى محيى اللباد وقلت له نريد ان تساعدنا فى اخراج الكتاب ، فوافق ، ثم نظر الى الأوراق ، وقال لى ستكررون نفس الخطأ الذى وقعنا فيه عندما رحل عنا حسن فؤاد ، جمعنا كل شئ ، ولم نفكر فى الكتاب وقيمته بعد ذلك ، نصحنى بالعودة إلى الأوراق وتأملها ثانية ، لأن ليس كل ماكتب من باب التقدير جديرا بالنشر ، كان له كل الحق كانت تلك البصيرة النافذة للرجل تعلمنى الكثير ، ففى كل مرة التقيت به فيها ، نقل الى ذلك الهاجس العلمى عن الحرفة ومتطلبات العمل وكيف يمكن الاحتفاظ بالنوعية وتخليصها من كل ما يهددها وخاصة الحماس الزائد ، فى مكان آخر وقفت مع اللباد ، فى ميدان طلعت حرب ، بين الكثير من المثقفين والفنانين ، كنا نرفع صورا لفنانين كبار ونهاتف مطالبين بالتغيير ، ورأيت محيى اللباد خارج مكانه ، كان واقفا وسطنا ، بقامته العملاقة ، تسرب الى نفسى الشعور بالأمان الذى كان يشع منه فى مكانه الحميم ، وشعرت وقتها بفخر من هذا البلد الذى يضم بين ابنائه كيان موهوب نادر اسمه محيى اللباد .
عادل السيوى
جريدة الأخبار - سبتمبر 2010
تجسيد لفن الغلاف
- استطاع اللباد نقل صناعة وإخراج الكتاب فنيا إلى مستوى مختلف ، وعبر التجربة التى خضناها معا فى ` شرقيات ` فى بداية التسعينات بدأ الكتاب الابداعى يأخذ شكلا اكثر تمايزا واختلافا مع محيى ، فالرجل لعب دورا فى استقلال فن صناعة الغلاف والاعتراف بع فنا مستقلا له حركته الخاصة . قبل اللباد كان غلاف الكتاب الابداعى مجرد صورة مرسومة ويحتل العنوان احد اركانها لكن مع اللباد ومن بعده اصبح غلاف الكتاب الابداعى شيئا مختلفا . - عبر التيمات البسيطة التى كان يستخدمها مستلهما تراثنا العربى الإسلامى بشكل متعدد المستويات والأشياء اليومية البسيطة كان يصنع لوحة فنية تتواشج مع النص المكتوب ، الذى كان يقرأه جيدا فلم يكن ابدا يعامل مع النص بخفة أو باستسهال كان يقرأ النص جيدا قبل أن يبدأ العمل فى الغلاف . - كان اللباد ايضا يهتم بالمواقف كصانع للعمل ، فعبر تجربة ` شرقيات ` كانت صورة المؤلف تحتل الغلاف الخلفى بأكمله إيمانا منه بأهمية معرفة القارئ لشكل الكاتب الذى يقرأ له وأيضا استخدام امكانياته فى اللعب بصورة فوتوغرافية عادية لتصبح جزءا من العمل الفنى الذى يصنعه ونسميه غلافا .
حسنى سليمان
جريدة الأخبار - سبتمبر 2010
..القديس محى اللباد
- كان الفنان التشكيلى محى اللباد يصدر فى فنه عن نزعة تربوية، ليس من الزاوية الأخلاقية فحسب، إنما إلى ذلك وربما قبل ذلك من الزاوية الجمالية ذلك أن الجمال فى رؤيته للحياة يعنى الأخلاق، يعنى أرتقاء مستوى الإنسانية، فالإنسان متى شعر بالجمال يرتقى إحساسه بكل الأشياء ويدرك قيمة القيمة لقد كان محيى اللباد كتلة من الشعور بالمسئولية كانت تؤهله لأن يكون قديساً أو قطباً صوفياً صاحب ( عهد ) يلتزمه مريدوه. - ومن الواضح أن تربيته الدينية كابن لأحد علماء الأزهر الشريف كانت شفافة صافية مبرأة من الكذب والتدليس والغش والادعاء وما إلى ذلك من طباع ذميمة يغرسها الآباء فى الأبناء حيث دأبنا نحن المصريين على التجمل فى نظر عيالنا لنخفى عنهم سوءاتنا فى سلوكنا المعوج خارج البيت، متوهمين أن عيالنا سوف يصدقون أننا أطهار لانرتشى ولانسرق ولانكذب ولا ندلس فى سبيل أن نوفر لهم حياة رغدة مكذوبة من أساسها، وقد ترتكب الجرائم فى سبيل منصب مرموق!! - لقد شرفت بأن عرفت اللباد منذ كان طالباً بكلية الفنون الجميلة ضمن مجموعة من أبناء جيلنا الطيبين الأبرار.. فكان دائماً أبداً ذلك الشاب المتميز بالنقاء، الدوغرى، العملى، الممتلىء بمضمون أخلاقى تحت المضمون الفنى الثقافى العام، ينضح به سلوكه الشخصى، تشخصه خطوطه، ويظهر فى شدة حذره المبكر من ( اللون ) و (التلوين) و(التلون) وما قد يسببه من حجب للحقيقة. - إن عشقه ( للأبيض والأسود ) لم يكن عبثاً ولا عجزاً عن لغة اللون أو كرهاً لها، بل كان عشقاً لمبدأ الحسم فى تحديد المواقف والأشياء والمشاعر دونما لبس أو ميوعة أو مراوحة ثم إنه كان قادراً على تخليق الألوان من الظلال. ففى ضوء منظوره تتعدد درجات الضوء والظل بألوان خاصة نابعة من التكوين الذاتى للصورة الفنية، سيما أنه كان بارعاً فى اختيار زاوية الرؤية، والتقاط المنظور منها حتى وإن كان ضئيلاً محدود المساحة، إلا أنه منظور على نظرية سبعة أثمان جبل الجليد العائم، حيث تكون الطرطوفة البارزة من الجبل على سطح الموج محملة بثقل الجبل الغاطس، بل تكون دالة عليه بأعمق مما لو غطسنا لاختباره. - هكذا الصورة فى منظور الفنان محى اللباد، الجزء المنظور منها ربما كان تفصيلة واحدة بل ربما جزءاً من تفصيلة : لكنها بفضل الزاوية التى اختارها الفنان لمنظوره- تعطينا أعمق الإحساس ببقية تفاصيل الصورة الكلية الغائبة أو الغاطسة فى الظل . - ومن هنا كانت الرسوم الكاريكاتورية التى يرسمها محى اللباد لمجلة ( المصور) ولغيرها من صحف العالم العربى لاتعتبر نكته بالمعنى الدقيق للنكته إلا لصاحب العين الذكية التى تجيد قراءة الصور، إنما هى تبعث البسمه البهيجة على الشفاه بخطوطها البلاغية الخالية من الثرثرة، المبرأة من الرغبة فى التنكيت بمعنى الإضحاك لتفريغ شحنة الغضب على الأوضاع المرذولة، المبرأة كذلك من ألعاب الذكاء، ومن شبهة التعالى على المتلقى. - غير أن المتأمل فى الصورة بوعى سرعان ما تتضح له النكتة الحقيقية، النكتة بمعنى الفكرة اللماحة التى تبهج عند اكتشافها فى طوايا صورة فنية . - إلى ذلك فإحساس محى اللباد باللون كان راقياً، وكان هو خبيراً فى استقطابه وتخليقه من بعضه البعض بقدر خبرته فى الجدل الخلاق مع اللوحات التشكيلية لغيره من الفنانين، والجدل مع الأشياء البسيطة والظواهر الفولكلورية وقد ظهر كل ذلك فى رسمه لأغلفة الكتب لقد أسس مدرسة ذات ذوق رفيع فى تصميم الأغلفة والكتب والمجلات. ويعتبر ابنه الفنان أحمد اللباد أبكر وأنجب خريجى هذه المدرسة. - فلئن كان اللباد الأبن مدرسة قائمة بذاتها جعلت من الغلاف عملاً فنياً موازياً لما يتضمنه الكتاب فإن الفضل عائد بالضرورة إلى الأصل الذى كان ينبوعاً لاينضب. - لقد أنفق محيى اللباد جهوداً مضنية وسنوات من عمر فتوته فى محاولات دءوبة لتثقيف العين، وتنشيط الذاكرة البصرية لقرائه، وإحياء الحس الجمالى عند من افتقده وتنميته عند الأطفال الذين كتب ورسم لهم الكثير والكثير. كان يعلمنا ( النظر ) من أجل اكتشاف الجمال، وكان هو نفسه أحد أسطع مصادر الجمال فى حياتنا الثقافية، كلها ولسوف يبقى هكذا حتى بعد صعوده إلى الرفيق الأعلى.. ندعو الله أن يسكنه فسيح جناته.
خيرى شلبى
الأسبوع
كان يستنشق اللوحات والصور.. الرسام الذى تمنى أن يصبح سائق ترام
- وهو صغير، كان يؤمن بأن سائق الترام يعتبر أهم رجل فى العالم، ولم لا؟. إذا كان يستطيع قيادة ذلك الوحش العملاق الذى يمر بضجيجه وأسطوريته فى شارعهم قرب جامع السلطان حسن . - لذلك تمنى أن يصبح مثل بطله، سائق الترام عندما يكبر ، ولكنه لم يستطع تحقيق حلمه، لم يستطع حتى تعلم قيادة السيارات، وشاء القدر أن يتعلم الرسم، فيصير ( مجرد رسام) .. ولم يحزن لأن مهنته أتاحت له أن يرسم نفسه وهو يسوق الترام، والرسمه طبعت بكتاب حاز جوائز عالمية. - إن تأملات محيى اللباد فى حد ذاتها تستحق التأمل، وذلك عندما تقلب صفحات كتابه ( ملاحظات ) فرغم أنه كتاب نظرى إلى حد ما، إلا أنك سوف تجد زوايا جديدة لرؤية بعض المشاهد التى تقابلك بشكل يومى، زوايا التقطتها عين صانع كتب، وشرحت تاريخها وأسباب اختراعها مثل المشربية، وتعتبر أحد أشكال التراث الهندسى الهائل الذى ورثه المهندسون العرب عن أسلافهم المصريين والعراقيين، لتساعدهم فى ابتكار عمارة إسلامية فريدة تميزت بالنقوش والزخارف، سماها الأجانب (أرابيسك). - من الكتب المهمة التى قدمها الفنان (حكاية كتاب) ورغم أنه جاء بشكل مبسط وصفحات قليلة، إلا أنه يستطيع منافسة مراجع علمية كبيرة تناولت نفس الموضوع، وكيف لا ؟ فمؤلفه صانع كتب.. وهو كتاب (باين من عنوانه)، حيث يحكى قصة تطور الكتاب منذ كان مجرد لفافة بردى إلى أن أصبح إلكترونيا مدمجاً فى قرص ليزر، وهو ككل أعمال اللباد، مدعم بمجموعة هائلة دالة من الصور التى توضح كيفية هذا التطور، من البردى إلى رق الغزال، مروراً بالورق والكتاب الملفوف، وإسهام شعوب العالم الأسيوى فى محاولات الوصول إلى شكل سوى للكتاب، ثم شرح تفصيلى لعملية النسج وتطورها، والطباعة بالخشب المحفور، حتى الوصول إلى أول آلة طباعة، التى اخترعها (جوتنبرج) عام 1450 باستلهام تصميم آلات عصر الزيتون والعنب الشائعة فى الريف الأوروبى آنذاك، ثم كيفية تطور الأمر إلى المطابع العملاقة، إلى أن تنبأ بالجدل القائم هذه الأيام حول المنافسة بين الكتاب الورقى ونظيره الإلكترونى. - ولأن العاشق دائماً مايستغرق فيما يحب حتى آخر المدى، لم يمل اللباد من البحث والتأمل فى العلامات والصور والأشكال، وجاء كتابه ( لغة بدون كلمات ، العلامات، الإشارة، الرمز ) ليطلعنا بسلاسة على العلامات القديمة التى كانت لها معنى لغوى فى حقب بعيدة، وكيف رسم إنسان ما قبل التاريخ حياته وصور مشاعره، فكان ينقش ما يعبر عن فرحته بانتصاره على الحيوانات البرية مثلاً ، أو يحكى بالصورة شعوره بالخوف منها، ثم يشرح الكاتب كيف تحولت هذه الصور إلى لغة للكتابة على غرار الحروف الهيروغليفية، والهيراطيقية، وينتقل بنا إلى لغة التخاطب عن طريق إشارات الأيدى والوجه. - حكايات مكتوبة ومرسومة، سواء فى كتب ألفها أو صمم أغلفتها، ستظل باقية تخلد أسم صاحبها، ولكنها بالطبع لن تعوض أصدقاءه حضوره الإنسانى، سيفتقدون صاحبهم الرائق، ذا الطلة الحلوة، خاصة وأن هذا العام شهد رحيل الكثير من رموز الثقافة العربية دفعة واحدة، وبشكل غير مسبوق فى تاريخ العرب تقريباً . - نظرة إلى هذه الكتب، نعرف منها كيف كان الرجل راهباً فى محراب الكلمة والصورة، نظرة تفسر لنا ما هى طبيعة النقلة التى أحدثها محيى اللباد فى صناعة الكتاب، وترينا كيف أن الحياة دون تأمل .. هى حياة عابرة، ولا معنى لها .
هشام أصلان
الشروق- 8/ 9/ 2010
كشكول اللباد بين صندوق الدنيا وصناعة الكتاب!
- أنا من جيل ` التراكمات والثورة ` !
- قصة طويلة من العشق مع الكتاب !
- الكشكول حصاد رحلة طويلة مع الصحافة والكتب !
- فنان الكاريكاتير محيى الدين اللباد برسوماته المميزة للأطفال خاصة فى مجال الكتب، فضلاً عن موهبته الخاصة بالكاريكاتير، والتى يعكس فيها نظراته النافذة الساخرة إلى الحياة والناس، وما يجرى فى العالم من تناقضات تثير الابتسام بقدر ما تثير الحزن والبكاء..
- وبقدر ما عانى هذا الفنان فى طفولته من غياب الحس الجمالى فى ذلك الوقت فى مطبوعات مجلات الأطفال، بقدر حرصه الآن على الجانب البصرى فى مطبوعات الأطفال التى يتولى رسمها وإخراجها بحيث تغرس الحس الجمالى فى أطفال جيلنا الحالى، فأصبح ذلك الهدف رسالة يحملها هذا الفنان المتميز فى أعماقه ، ويقوم بتجسيد مفاهيمه تلك فى كل ما يرسم أو يخرج من أغلفة ومطبوعات.
- وكان نبع الفنان والذى لا ينضب هو صندوق الدنيا بكل ما فيه من عجائب وغرائب ومفارقات، ليقدم فى نهاية وجبة متكاملة لأطفالنا، أكبادنا التى تمشى على الأرض، تنمى فيهم الحس الجمالى، بجانب ما تقدمه لهم من معرفة ثقافية عميقة.
- كشكول اللباد
- اللباد من مواليد الأربعينيات جيل ` التراكمات الثقافية`.. الجيل الذى نشأ على ثقافة تذوق الشعر، وتشرب الطرب الأصيل والموشحات، والانتماء الوطنى، والخطوط العربية الجميلة بكل أشكالها، جيل الأرابيسك، والأحلام الرومانسية، وتذوق جماليات الفن والحياة بعيداً عن هدير هذا العصر وصخبه واندفاعه!
ويعود الفنان محيى الدين اللباد بالذاكرة إلى الأربعينات، فترة الطفولة،
وكيف أثرت المطبوعات بجميع أشكالها فى وجدانه كفنان، وكره بعضها وأحب بعضها وتأثر به، واهتم منذ الصغر بصناعة الكتاب، واعتبره كائنا حيا.
- يفصل اللباد ذلك فيقول:
` مازلت أتذكر الكآبة ، التى كانت تثيرها فى نفسى، طفل الأربعينيات، مجلات الأطفال مثل البلبل والكتكوت ومجلة بابا شارو للأطفال، رسوم برنى مع نصوص الشاعر الشعبى بيرم التونسى للأطفال التى كانت مطبوعة بالألوان الأربعة على طريقة طباعة الصحف اليومية الفاخرة ، وقد افتقدت إلى الحس الجمالى فى تلك المطبوعات سواء كان ذلك بسبب نوعية الورق وحروف الطباعة، أو الإخراج، والصور والرسوم والغلاف، ولا أنسى رائحة البنزين النفاذة التى كانت تبدو فى بعض المجلات الشهيرة مثل ` التحرير`و` الرسالة الجديدة` و` الاثنين والدنيا` وغيرها .
- لذلك كنت أحب المطبوعة أو أكرهها بسبب مادتها وشكلها وملمسها ورائحتها: كل هذا معا.
- ويضيف اللباد:
` ومن بين ذكرياتى الجميلة عن عالم كتب الأطفال ومطبوعاتهم، أتذكر مؤلفات ` كامل كيلانى ` بكل مافيها من جمال فى الشكل أو المضمون، فلن أنسى رسوم أغلفة تلك القصص المشوقة، وكيف أنسى مثلا لوحة بيكار للصوص على غلاف قصة `على بابا` ولوحة غلاف قصة ´عمرون شاه` ، بل كنت أحسد أحد زملائى فى المدرسة المحمدية الابتدائية لأنه كان يسكن بشارع حسن الأكبر نفس الشارع الذى كانت تقع فيه مكتبة الكيلانى، فكنت أكلفه بشراء بعض كتبها وأنقده ثمنها !`.
- `وبعد سنوات أشرقت علينا مجلة` سندباد`(1952)بطباعة الأوفست الملون، والورق الخشن الذى ارتبط بدار المعارف، وبرسوم الفنان الكبير حسين بيكار، والرسامة الروسية ` شهر زاد` ورسوم كمال الملاخ، وموريللى، وزهدى، فكانت مجلة سندباد بحق نقلة كبرى فى حياة الجيل الذى أنتمى إليه`.
- القاهرى الأول
- و` اللباد` القاهرى الأول فى أسرته، النازحة من الريف، ولد فى حى القلعة بجوار مسجد السلطان حسن، وبعد أن صنع كتابه الأول وهو لم يزل فى سن الخامسة، حيث جمع مجموعة من الأوراق البيضاء وغلفها، وشبكها بخيط وإبرة، وأخذ يقلبه بين يديه بفرحة غامرة ويضعه تحت وسادته كحلم جميل يأمل أن يتحقق ذات يوم.
- وعندما شب عن الطوق التحق بكلية الفنون الجميلة قسم التصوير عله يحقق حلمه فى مجال صناعة الكتب، وتخرج عام1962. وأثناء دراسته بالكلية حانت له فرصة رسم وتأليف وإخراج أول كتاب له وهو كتابه`ملكة الجزر` عام 1960عن دار المعارف.- ولتنوع عمله رساما للكاريكاتير بمجلة صباح الخير، وكاتبا للأطفال، ومصمما، أحس أن تعدد الاهتمامات جعلته ممزقا إلى أن تعدى الثلاثين من العمر، فقرر جمع كل هذه المواهب فى سلة واحدة ، لتتكامل الموهبة الفكرية الواحدة، ومن هنا بدأ اللباد صفحة جديدة من نشاطه الصحفى والفنى يجمع بين الرسم والكتابة، والاخراج الفنى، ولكن اهتمامه الأول ظل فى كتب الأطفال.
- وعن مكوناته الفنية فى مطالع شبابه وتأثره بالعمل الصحفى يذكر اللباد أن تأثره بدأ فى بداية الخمسينيات بمجلة ` روز اليوسف `، وبكبار الأساتذة فيها مثل رسوم عبد السميع بالأسود والأحمر على الغلاف: مصطفى النحاس وسراج الدين وزعماء الأحزاب يقفزون وينزلقون ويسقطون وهم يشوحون بأيديهم مثل أطفال يؤدون مشهداً تمثيلياً ساذجا, وقد بهرته تلك القدرة الفنية على تصوير زعماء مصر ورجال سياستها بسراويلهم المتهدلة المرسومة بخطوط ثقيلة مفعمة بالحبر الصينى الأسود.
- وكان من بين تلك الرسوم الكاريكاتيرية شخصية ` المصرى أفندى` ذلك الرجل القصير القامة المطربش الذى يحمل بيده مسبحة وتبدو ملامحه الطيبة خلف نظارة سميكة تصوره كموظف حكومى تقليدى. ويرى اللباد أن هناك رباطاً وثيقا يستقر عنده فى اللاوعى منذ الأربعينيات يؤاخى بين` المصرى أفندى` وبين الرجل المركب من إطارات السيارات ` ميشلان` والذى كانت عيناه أو نظارته زوجا من الإطارات.
- ويتساءل اللباد: ` ألا يمكن أن يكون هناك توءم ثالث لهذين الرجلين الصغيرين الأحمقين، صاحبى الملامح الدائرية ؟ ألا يمكن أن يكون النموذج النمطى الثالث هو ` زغلول أفندى` أو` الأستاذ زغلول` الذى رسمته منذ أوائل الستينيات بملامحه المميزة، بشاربه الكث الذى يغطى أنفه وفمه، وينظارته الطبية الغليظة التى تحجب حاجبيه الكثيفين ، وطبيعته السلبية التى تجعله رجلاً قليل الحيلة لا يملك الخروج من عزلته ووحدته، ولا يجد أمامه وسيلة سوى الحديث المستمر مع نفسه؟!`.
- الإخراج الصحفى
يعترف اللباد بأنه تأثر فى الاخراج الصحفى بفن الاخراج عند عبد الغنى أبو العينين لمجلة روز اليوسف: ` ذلك المعمار القوى للإخراج، بالمساحات الواسعة، والإطارات الحمراء العريضة المتحدية، وذلك الإحساس بالغ الحداثة بمفردات ` التيبوغرافيا ` وتفاصيلها الدقيقة، وبالفراغ والامتلاء، وتزامنت `روزاليوسف أبو العينين ` مع أغلفة ورسوم الفنان حسن فؤاد لمؤلفات الكتاب اليساريين التى ربطت فى اعماقى بين الجمال الجرافيكى والاتجاه اليسارى، ثم جاءت مفاجأة مجلة `صباح الخير` بأفكارها الجديدة علينا فى السياسة والثقافة والفن، ورسومها المدهشة المغايرة لتلك التى سبق وقدمتها مجلات` الإثنين` و` المصور` و` أخر ساعة `. فجاءت صباح الخير بالأبواب المبتكرة، والكاريكاتير الجديد، والإخراج الفنى المدهش طبعت بالأوفست الملون على ورق غير مصقول`.
- ويذكر اللباد أنه تردد على سور الأزبكية فى تلك الحقبة فطالع المجلات الأوروبية والأمريكية التى أعطته نقلة فنية جديدة بما تقدمه من تطور فنى مدهش: ` وكم تأثرت فى حقبة الستينيات بمجلة ` بولندا` الرائعة التى تميزت بالجدة والذكاء الفنى، ومنها تعرفت على التصميم الجرافيكى البولندى فى الملصقات والكتب، وقد ساعدنى ذلك على التأثر بهذا اللون الفريد الذى فضلته على الجرافيك الأوروبى المحافظ`.
- الجائزة
- وحينما فاز اللباد بجائزة التفاحة الذهبية فى` بينالى براتسلافا` لرسوم كتب الاطفال عام 1989 ليكون أول رسام عربى يفوز بها، أصبح مهموما، بعد أن وصم بالاحتراف، وكم تزداد همومه وهويمارس عمله الفنى وفى أعماقه رغبة الفنان فى التحدى والإجادة والإتقان.
- ويعترف اللباد بفضل أساتذته الكبار الذين تعلم منهم الكثير: عبد السميع - صلاح جاهين - عبد الغنى أبو العينين- حسن فؤاد- صاروخان- حسين بيكار وغيرهم ممن تعلم منهم الاخلاص والصدق والتجديد المستمر.
- وينعى على الجيل الحالى افتقاده الأساتذة الكبار بعد أن أصبح الشعار السائد هو` اخطف واجر` وبعد أن أصبحت معانى الاتقان والاجادة غائبة، وينادى اللباد بضرورة عودة دور الأستاذ القدوة، وضرورة عودة قدسية العمل الفنى واحترامه حتى نسترد الأمل الغائب فى عودة الفن الجميل.
- الأسطى صانع الكتب
- كانت بداية جديدة لمحيى الدين اللباد، حين بدأ عمله يجمع بين الكتابة والرسم والإخراج.
- وقد تحقق هذا متجليا فى بابه : ` نظر` الذى جمعه فى كتابين أو ألبومين كما يسميهما، وذلك فى عامى1986و1992.
- وقد ظهر له أيضا كتابه للأطفال` كشكول الرسام` عام 1988، الذى يذكرك بكشاكيل المدرسة القديمة بغلافه المصقول، ونقوشه العتيقة المنمقة ومن نفس نوع الكتب، صدر له بعدها ` لغة بدون كلمات` و` تى شيرت`، وكل هذه الكتب تتضمن معلومات عامة قيمة عن كل ما يهم الناس حول الفنون البصرية:
- معلومات عن الخط العربى وتقنياته الجمالية، معلومات عن ` التى شيرت` وإمكانية استغلاله فى الدعاية، معلومة عن` الحناء` واستخداماتها المختلفة فى التجميل، معلومة عن الوردة البلدى وجمال استدارتها، معلومات عن رسامى الكاريكاتير وأعمالهم النادرة فى مصر والخارج، وغيرها من المعلومات التى تحس بين طياتها بالصوت والرائحة والحياة المتجددة بكل سحرها وعبقها! وبالفعل كانت` كشاكيل` اللباد حصاد تجارب هذا الفنان المبدع التى استوحاها من صندوق الدنيا بكل ما يحفل به من عجائب وغرائب وتناقضات ليقدم لنا هذا العمل الفنى فى إطار مسيرته الطويلة وعشقة الموصول لذلك الحبيب الساحر: الكتاب!
بقلم : نجوى صالح
مجلة الهلال أغسطس 1998
محيى اللباد .. ظلاله .. لأجيال قادمة
ارتبط فنان الكاريكاتير محيى الدين اللباد برسوماته المميزة للأطفال خاصة فى مجال الكتب ، فضلا عن موهبته الخاصة بالكاريكاتير ، والتى يعكس فيها نظراته النافذة الساخرة الى الحياة والناس ، وما يجرى فى العالم من تناقضات تثير الابتسامة بقدر ما تثير الحزن والبكاء وبقدر ما عانى هذا الفنان فى طفولته غياب الحس الجمالى فى ذلك الوقت فى مطبوعات مجلات الأطفال ، بقدر حرصه الآن على الجانب البصرى فى مطبوعات الأطفال التى يتولى رسمها وإخراجها بحيث تغرس الحس الجمالى فى أطفال جيلنا الحالى ، فأصبح ذلك الهدف رسالة يحملها هذا الفنان المتميز فى أعماقه ، ويقوم بتجسيد مفاهيمه تلك فى كل ما يرسم أو يخرج من أغلفة ومطبوعات . حين قرأت خبر وفاة محيى الدين اللباد .. الصديق مازلت أذكر تلك الطلة الفريدة التى كان يتميز بها .. فأنت تخاله من ضخامته وتلك النظرة الحانية .. شجرة فريدة وارفة الظلال .. مهموم بمشروعة الخاص .. الطباعة للطفل وهو يتعلق بالعلم والتطور التكنولوجى والفيسيولوجى لهذا البرعم الصغير . - ثم هو نفسه طفل أمام عالمه الفنى وقد عشق حلمه الطفولى صندوق الدنيا وحققه فى كتبه التى نشر بعضاً منها فى ( دار الشروق ) والتى حازت على العديد من الجوائز العالمية حين اختلط ( العلم ) بـ ( الحلم ) أفرز هذا الكيان الفنى لمحيى اللباد . وقد نشرت فى مجلة الهلال موضوعاً صحفياً سنة 1998 .. قد يلقى بعض الضوء على انجاز هذا الفنان فى حياته ، الممتدة فى تربية وثقافة أجيال قادمة .. ولن ينحسر عنها بوفاته .
- محيى اللباد وداعاً بين صندوق الدنيا وصناعة الكتاب ! أنا من جيل ( التراكمات والثورة ) ! قصة طويلة من العشق مع الكتاب ! الكشكول حصاد رحلة طويلة مع الصحافة والكتب وكان نبع الفنان والذى لا ينضب هو صندوق الدنيا بكل ما فيه من عجائب وغرائب ومفارقات ، ليقدم فى النهاية وجبة متكاملة لأطفالنا ، أكبادنا التى تمشى على الأرض ، تنمى فيهم الحس الجمالى ، بجانب ما تقدمه لهم من معرفة ثقافية عميقة . اللباد من مواليد الأربعينات جيل ( التراكمات الثقافية ) الجيل الذى نشأ على ثقافة تذوق الشعر ، وتشرب الطرب الأصيل والموشحات والانتماء الوطنى والخطوط العربية الجميلة بكل أشكالها ، جيل الأرابيسك والأحلام الرومانسية ، وتذوق جماليات الفن والحياة بعيداً عن هدير هذا العصر وصخبه واندفاعه ! ويعود الفنان محيى الدين اللباد بالذاكرة الى الأربعينات ، فترة الطفولة ، وكيف أثرت المطبوعات بجميع أشكالها فى وجدانه كفنان ، وكره بعضها وأحب بعضها وتأثر به ، واهتم منذ الصغر بصناعة الكتاب ، واعتبره كائناً حياً . يفصل اللباد ذلك فيقول : ` مازلت أتذكر الكآبة ، التى كانت تثيرها فى نفسى ، طفل الأربعينات ، مجلات الأطفال مثل البلبل والكتكوت ومجلة بابا شاور للأطفال ، رسوم برنى مع نصوص الشاعر الشعبى بيرم التونسى للأطفال التى كانت مطبوعة بالألوان الأربعة على طريقة طباعة الصحف اليومية الفاخرة ، وقد افتقدت إلى الحس الجمالى فى تلك المطبوعات سواء كان ذلك بسبب نوعية الورق وحروف الطباعة ، أو الإخراج والصور والرسوم والغلاف ، ولا أنسى رائحة البنزين النفاذة التى كانت تبدو فى بعض المجلات الشهيرة مثل ( التحرير ) و ( الرسالة الجديدة ) و ( الاثنين والدنيا ) وغيرها . لذلك كنت أحب المطبوعة أو أكرهها بسبب مادتها وشكلها وملمسها ورائحتها : كل هذا معاً ` . ويضيف اللباد : ` ومن بين ذكرياتى الجميلة عن عالم كتب الأطفال ومطبوعاتهم ، أتذكر مؤلفات ( كامل كيلانى ) بكل ما فيها من جمال فى الشكل أو المضمون ، فلن أنسى رسوم أغلفة تلك القصص المشوقة ، وكيف أنسى مثلا لوحة بيكار للصوص على غلاف قصة ( على بابا ) ولوحة غلاف قصة ( عمرون شاه ) بل كنت أحسد أحد زملائى فى المدرسة المحمدية الإبتدائية لأنه كان يسكن بشارع حسن الأكبر نفس الشارع الذى كانت تقع فيه مكتبة الكيلانى ، فكنت أكلفه بشراء بعض كتبها وأنقده ثمنها ! ` . وبعد سنوات أشرقت علينا مجلة ( سندباد ) عام 1952 بطباعة الأوفست الملون ، والورق الخشن الذى ارتبط بدار المعارف ، وبرسوم الفنان الكبير حسين بيكار ، والرسامة الروسية ( شهرزاد ) ورسوم كمال الملاخ ، وموريليى ، وزهدى ، فكانت مجلة سندباد بحق نقلة كبرى فى حياة الجيل الذى أنتمى إليه . - القاهرى الأول واللباد القاهرى الأول فى أسرته ، النازحة من الريف ، ولد فى حى القلعة بجوار مسجد السلطان حسن ، بعد أن صنع كتابه الأول وهو لم يزل فى سن الخامسة ، حيث جمع مجموعة من الأوراق البيضاء وغلفها ، وشبكها بخيط وإبرة ، وأخذ يقلبه بين يديه بفرحة غامرة ويضعه تحت وسادته كحلم جميل يأمل أن يتحقق ذات يوم . وعندما شب عن الطوق التحق بكلية الفنون الجميلة قسم التصوير عله يحقق حلمه فى مجال صناعة الكتب ، وتخرج عام 1962 . وأثناء دراسته بالكلية حانت له فرصة رسم وتأليف وإخراج أول كتاب له وهو كتابه ( ملكة الجزر ) عام 1960 عن دار المعارف . ولتنوع عمله رساما للكاريكاتير بمجلة صباح الخير ، وكاتبا للأطفال ، ومصمما ، أحس أن تعدد الاهتمامات جعلته ممزقاً إلى أن تعدى الثلاثين من العمر ، فقرر جمع كل هذه المواهب فى سلة واحدة ، لتتكامل الموهبة الفكرية الواحدة ، ومن هنا بدأ اللباد صفحة جديدة من نشاطه الصحفى والفنى يجمع بين الرسم والكتابة والإخراج الفنى ، ولكن اهتمامه الأول ظل فى كتب الأطفال . وعن مكوناته الفنية فى مطالع شبابه وتأثره بالعمل الصحفى يذكر اللباد أن تأثره بدأ فى بداية الخمسينات بمجلة ( روزاليوسف ) وبكبار الأساتذة فيها مثل رسوم عبد السميع بالأسود والأحمر على الغلاف : مصطفى النحاس وسراج الدين وزعماء الأحزاب يقفزون وينزلقون ويسقطون وهم يشوحون بأيديهم مثل أطفال يؤدون مشهداً تمثيليا ساذجاً ، وقد بهرته تلك القدرة الفنية على تصوير زعماء مصر ورجال سياستها بسراويلهم المتهدلة المرسومة بخطوط ثقيلة مفعمة بالحبر الصينى الأسود .. وكان من بين تلك الرسوم الكاريكاتيرية شخصية ( المصرى أفندى ) ذلك الرجل القصير القامة المطربش الذى يحمل بيده مسبحة وتبدو ملامحه الطيبة خلف نظارة سميكة تصوره كموظف حكومى تقليدى ، ويرى اللباد أن هناك رباطاً وثيقاً يستقر عنده فى اللا وعى منذ الأربعينات يؤاخى بين ( المصرى أفندى ) وبين الرجل المركب من إطارات السيارات ( ميشلان ) والذى كانت عيناه أو نظارته زوجاً من الإطارات . ويتساءل اللباد : ( ألا يمكن أن يكون هناك توءم ثالث لهذين الرجلين الصغيرين الأحمقين ، صاحبى الملامح الدائرية ؟ ألا يمكن أن يكون النموذج النمطى الثالث هو ( زغلول أفندى ) أو ( الأستاذ زغلول ) الذى رسمته منذ أوائل الستينات بملامحه المميزة ، بشاربه الكث الذى يغطى أنفه وفمه ، وبنظارته الطبية الغليظة التى تحجب حاجبيه الكثيفين ، وطبيعته السلبية التى تجعله رجلا قليل الحيلة لا يملك الخروج من عزلته ووحدته ، ولا يجد أمامه وسيلة سوى الحديث المستمر مع نفسه ؟! - الإخراج الصحفى يعترف اللباد بأنه تأثر فى الإخراج الصحفى بفن الإخراج عند عبد الغنى أبو العينين لمجلة روزاليوسف : ` ذلك المعمار القوى للإخراج ، بالمساحات الواسعة ، والإطارات الحمراء العريضة المتحدية ، وذلك الإحساس بالغ الحداثة بمفردات ( التيبوغرافيا ) وتفاصيلها الدقيقة ، وبالفراغ والامتلاء ، وتزامنت ( روزاليوسف أبو العينين ) مع أغلفة ورسوم الفنان حسن فؤاد لمؤلفات الكتاب اليساريين التى ربطت فى أعماقى بين الجمال الجرافيكى والاتجاه اليسارى ، ثم جاءت مفاجأة مجلة ( صباح الخير ) بأفكارها الجديدة علينا فى السياسة والثقافة والفن ورسومها المدهشة المغايرة لتلك التى سبق وقدمتها مجلات ( الاثنين ) و ( المصور ) و ( آخر ساعة ) فجاءت صباح الخير بالأبواب المبتكرة ، والكاريكاتير الجديد والإخراج الفنى المدهش طبعت بالأوفست الملون على ورق غير مصقوق ` . ويذكر اللباد أنه تردد على سور الأزبكية فى تلك الحقبة فطالع المجلات الأوروبية والأمريكية التى أعطته نقلة فنية جديدة بما تقدمه من تطور فنى مدهش : ` وكم تأثرت فى حقبة الستينات بمجلة ( بولندا ) الرائعة التى تميزت بالجدة والذكاء الفنى ومنها تعرفت على التصميم الجرافيكى البولندى فى الملصقات والكتب ، وقد ساعدنى ذلك على التأثر بهذا اللون الفريد الذى فضلته على الجرافيك الأوروبى المحافظ ` . - الجائزة وحينما فاز اللباد بجائزة التفاحة الذهبية فى ( بينالى براتسلافا ) لرسوم كتب الأطفال عام 1989 ليكون ( أول رسام عربى يفوز بها ، أصبح مهموماً ، بعد أن وصم بالاحتراف ، وكم تزداد همومه وهو يمارس عمله الفنى وفى أعماقه رغبة الفنان فى التحدى والإجادة والاتقان . ويعترف اللباد بفضل أساتذته الكبار الذين تعلم منهم الكثير : عبد السميع ـ صلاح جاهين ـ عبد الغنى أبو العينين ـ حسن فؤاد ـ صاروخان ـ حسين بيكار وغيرهم ممن تعلم منهم الإخلاص والصدق والتجديد المستمر . وينعى على الجيل الحالى افتقاده الأساتذة الكبار بعد أن أصبح الشعار السائد هو ( اخطف واجر ) وبعد أن أصبحت معانى الاتقان والاجادة غائبة ، وينادى اللباد بضرورة عودة دور الأستاذ القدوة ، وضرورة عودة قدسية العمل الفنى واحترامه حتى نسترد الأمل الغائب فى عودة الفن الجميل .
بقلم / نجوى صالح
جريدة القاهرة سبتمبر 2010
المعلم الذى رسم الصباح
- فى كل مرة كان يضيق فيها بيومه ، كان يطلق ساقية الطويلتين ويفتح شباكا للغد .. يصنع كتبا للأطفال ويؤسس مجلات لهم ويرسم حكايات بالصورة والكلمة .. فى كل مرة كان العالم يتراجع أو يضيق كان اللباد يبتكر افقا ويقيم ورشا تدريبية لفن الجرافيك لعشرات الفنانين والصحفيين من مختلف بلاد العالم .. احترف اللباد فتح النوافذ من خلال صناعة الكتاب وكان كتاب ` نظر ` والذى صدر منه 4 أعداد ، واحد من أهم الكتب المصورة ليس فقط فى خطوطه وحكاياته وألوانه ولكن فى مشروعه المشغول ببناء الذاكرة البصرية .
- لكن اللباد مات مكتئبا ، غاضبا من العالم .. سنوات طويلة داهمه الاكتئاب رغم أن مشروعه الجمالى محكوم بالأمل .. حمل على كتفيه العريضتين مسئولية ` تربية الذوق ` ، ` وتثقيف العين ` و مجابهة ` الرداءة ` ، ` والأمية البصرية ` .. خطوط عفوية تلقائية تشبه خطوط الأطفال ، ألوان فاقعة وأشكال ورسومات تستند على خصوصية شعبية .. أختار أبطال رسومه من الحكايات الشعبية الظاهر بيبرس ، عنترة ، أبوزيد الهلالى وحرص دائما على ` هوية رسوماته ` .
- لماذا يصاب نجوم الكوميديا بالاكتئاب ؟ ولماذا معظم رسامى الكاريكاتير هم أكثر الفنانين المرشحين ايضا للاكتئاب .. كان صلاح جاهين وكان بهجت عثمان ، وحجازى ، ومحيى اللباد !
- فى فرنسا اطلقوا عليه ` صانع الكتب ` وفى بلغاريا حصل على ` التفاحة الذهبية ` 1989 ليتصدر أهم فنانى العالم فى ` الجرافيك ` وتصميم الأغلفة .. لكن محيى اللباد ليس فقط ` صانع الكتب ` رغم عشرات الكتب التى أصدرها ، وليس فقط ` رسام كاريكاتير ` رغم تجربته الكبيرة فى صباح الخير والعديد من الجرائد والمجلات وليس فقط ` فنان جرافيك ` أو مصمم أغلفة ولكنه المعلم صاحب ` النظر ` و ` الرؤية ` و ` المشروع ` وصاحب الأحلام والطموحات التى عاش من أجل أن يحققها .. وحققها .
عبلة الروينى
جريدة الأخبار - سبتمبر 2010
محى الدين اللباد .. المشروع والإبداع
- لم يكن مجرد فنان جرافيكى مبدع شديد الإخلاص والإتقان لفنه، أو مجرد رسام كاريكاتير متميز مهموم بقضايا الوطن والتحرر ذى نكهة فطرية لاذعة، أو مصمم من طراز فريد لأغلفة الكتب، أو أستاذ فى الإخراج الصحفى المبتكر، أو رسام وكاتب لقصص الأطفال ومؤلف للكتب التربوية عن فقه اللغة البصرية وجمالياتها، بل كان مشروعا ثقافيا متكاملاً يمشى على قدميه، وما كل تلك المجالات إلا حقول وبساتين فى هذا المشروع!
حسب اللباد أنه رحل واقفاً فى شموخ الكبار
بعد أن ترك تراثاً خصباً من الفن والفكر
- محيى الدين اللباد الذى رحل عن عالمنا أوائل سبتمبر الماضى عن سبعين عاما كان ابنا للحلم بتغيير الوعى والذوق لدى أهل وطنه والأوطان العربية، ومن ثم : الحلم ببناء ذائقة جديدة لهم، يرتبط فيها الجمال بإيقاظ الوعى السياسى بعوامل التخلف والقهر من أجل تغييرها أو تجاوزها، ويتكون لديهم من خلالها حس نقدى يمهد الطريق أمامهم للمشاركة فى التغيير، لا مجرد التنفيس عما تمتلئ به صدورهم من ضغوط قاهرة، ولأن وسائله هى من صميم لغة الفن البصرية، فقد كان من الضرورى أن يعرفوا مفردات هذه اللغة، من أشكال وخطوط ومساحات وألوان وإيقاعات، وتوازن وتكامل، لكن كل ذلك لم يصل إلى وجدانهم وذائقتهم البصرية من خلال قيم الفن الأوروبى التى تربى عليها كل دارسى الفن طوال القرن الماضى وحتى الآن، وحاولوا بثها فى وعى الأجيال المتتالية بغير جدوى، لأنها شديدة عزفتها مجموعة الكمان بالتحاور مع الفرقة بأكملها. وفى المقطع وان عاتبتك ابقى اهوانى/ وان جاوبتك ابقى انسانى يعود اللحن إلى مقام الراست المصرى. وفى المقطع `بس افتكرنى ولو بنظرة ` يتغير الإيقاع إلى البمب، ثم يعود للوحدة الكبيرة مرة أخرى بداية من المقطع ` ياللى ناسينى كده بالمرة / صافينى `، وتختتم الأغنية بالمقطع ` مرة وجافينى مرة ` على نفس الإيقاع وفى نغمات مقام الحجاز كار كرد، بقفلة تامة أى ارتكاز آخر حرف فى آخر كلمة من المقطع الأخير على نغمة أساس المقام وهى نغمة `دو `، ويلاحظ أن الأغنية اختتمت بغناء المطرب دون أى تذييل موسيقى بعد غنائه.
- كلمات الأغنية التى وضعها سمير محجوب لم تكن منفصلة عن روح العصر آنذاك ولكنها كانت مناسبة له.
- محمد الموجى ملحن الأغنية وضع لنا غاية فى الثراء اللحنى تنوع فيه بين عدة مقامات كانت حسب ظهورها فى الأغنية كالتالى `حجاز كاركرد - راست مصرى- نوأثر - حجاز كار`، ومجموعة من الإيقاعات الشرقية التقليدية مثل الوحدة الكبيرة، والبمب، والتقسيمة، إلى جانب إيقاع السامبا البرازيلى، وبعض الإيقاعات المبتكرة التى تحمل بصمة الموجى، علماً بأن هذه الأغنية لحنها الموجى فى بداياته، ولكنه بهذا اللحن الثرى المحبوك الجريء، المازج بين موسيقى الشرق والغرب، استطاع أن يفسح لنفسه مكانا وسط عمالقة التلحين آنذاك.
- الفرقة الموسيقية جمعت بين آلالات الشرقية كالقانون، والناى، والرق، وبين آلات غربية كالساكسفون، والبراس سكشن، وهى مجموعة النفخ النحاسى كالترومبيت، والترومبون، والأوكرديون، والبنجز، ومجموعة الكمان وغلب على دورها التنفيذ الموسيقى، وإن كانت هناك ملامح للتوزيع الموسيقى تمثلت فى تدعيم صوت آلة الساكسفون بآلات البراس سكشن فى المقدمة الموسيقية، والتحاور بين مجموعة الكمان والفرقة الموسيقية.
- غناء عبد الحليم حافظ أخذ شكلا بسيطا مبتعدا عن أى تكلف صوتى، أو زخرفى غنائى، وكان هذا الأسلوب فى الغناء جديدا على أذن المستمع آنذاك، ولكنه أصبح تيارا بعد ذلك يقتدى به العديد من المطربين .
- الاختلاف عن قيم الفنون المصرية والعربية والشرقية عامة، تلك التى لا تزال موصولة بالذاكرة الجمعية لأبناء منطقتنا بتاريخها الحضارى، ولا تزال أثارها ماثلة فى فنون التراث والفنون الشعبية بكل تجلياتها، من هنا كرس طاقته للبحث عن جذور هذه الفنون وعن جمالياتها، وللبحث - كذلك -عن علاماتها البصرية المتداولة بين الناس فى الماضى والحاضر، تلك العلامات التى تمتلىء بها دور العبادة من زخارف وأنماط معمارية، وتتجلى عبر الأشياء البسيطة كأدوات مستعملة أو طوابع بريد أو أوراق نقدية أو صور تذكارية أو إعلانات أفلام قديمة أو علامات تجارية لبعض المنتجات التى نسيها الزمن ..
- باختصار : عن كل ما يبعث الحنين إلى ماض تكونت فيه ذاكرتنا البصرية، بحس جمالى وقر فى النفوس وتجذر لكنه انقطع عن مسار العصر.
-هذه هى الملامح العريضة لمشروعه التنويرى الذى كرس حياته من أجله، وكانت كتبه المتوالية أوعية تتفاعل فوق صفحاتها عناصره، بدءا من كتاب `نظر ` بأجزائه الأربعة، وقد اتخذ اسمه من بيت شعر للأخطل الصغير تغنى به عبد الوهاب وهو : إن عشقنا فعذرنا أن فى وجهنا نظر !.. وأطل من خلاله على وجوه شتى للفن واللغة البصرية، وعلى شذرات من تجربته الذاتية فى الفن والحياة، ثم تتابعت بعده كتبه: كشكول الرسام، لغة بدون كلمات، 30 سؤالاً، حكاية الكتاب، تى شيرت ..كما كانت رسومه الكاريكاتيرية طريقة لبناء الوعى السياسى والاجتماعى والنقدى لقرائه بمجلة صباح الخير وغيرها من المجلات والصحف المصرية والعربية منذ الستينيات، لكنها قبل ذلك وبعده -أعمال تشكيلية حريفة المذاق ضارية التعبير متفردة الخطوط فى استقامتها ومبالغاتها المدهشة والذكية والطفولية معا، وهى لا تسعى لاستدرار الضحكات بقدر سعيها لإحداث المفارقة وإثارة التساؤلات فى أذهان القراء حتى يصبحوا منغمسين فى الحدث وأسئلته ومتورطين فى البحث عن إجابات لها، وبذلك يصبحون شركاء لا مستهلكين سلبيين لمجرد التسلية .
- وفى كتب الأطفال كان مهموماً بتأصيل حس وطنى وقومى فى نفوسهم، وبالرغم من نزعته العقلانية الواضحة فى كل أعماله، فقد كان بوسعه أن يتقمص روح الطفل،أو - بالأحرى -أن يطلق سراح الطفل الكامن بداخله، بتلقائيته وشقاوته وبراءته وفطرته الذكية، ولقد جاهد طويلاً للوصول إلى هذه الحالة، فقد بدأ تجاربه الصحفية فى رسوم الأطفال وهو طالب بكلية الفنون الجميلة أواخر الخمسينيات، وكان مثله الأعلى آنذاك هو الفنان الكبير حسين بيكار من خلال رسومه بمجلة سندباد، التى كان يلتهم صفحاتها طفلا فى ساعات قليلة، ثم يظل بقية أيام الأسبوع ينتظر صدور العدد التالى على أحر من الجمر، وكان بيكار آنذاك أستاذا ورئيسا لقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، ولعل إصرار `محيى`على الالتحاق بها عام 1957 ثم بقسم التصوير تحديدا، كان بدافع التتلمذ على يديه، ما جعله يتجزأ ويخذل والده الشيخ الأزهرى المحافظ الذى كان يعده ليكون طبيب أسنان، وجعله يلتحق فعلا بكلية الطب لهذا الغرض،غير أن صاحبنا فضل أن يضحى بعام دراسى بها كى يلتحق بكلية الفنون الجميلة، واستمرت علاقته بالأستاذ حتى بعد أن استقال من الكلية واحتراف العمل بصحيفة الأخبار رساما وناقدا، وأظن أنه كان لذلك أثره على محيى بعد تخرجه حين قرر العمل بالصحافة وهجر التصوير.
- جمعنى باللباد أتيلييه الدراسة بنفس القسم ونفس الكلية طوال خمس سنوات ( 1957 - 1962 ) كما جمعنا نفس الحلم بتحقيق مشروع متكامل للفن والثقافة والتغيير، والحق أننا لم نكن وحدنا فى هذا الحلم بل كان يجمع معنا عددا من طلبة دفعتنا والدفعة السابقة عليها والدفعتين التاليتين لها ممن أصبحوا فيما بعد أسماء معروفة ومؤثرة فى مجالات الفن والأدب والصحافة والنقد، فلم يكن همنا الأول هو النجاح .
- والتفوق الأكاديمى لتحقيق طموح شخصى، بل كان شاغلنا الأساسى هو نهضة الوطن وتحريره من قيود الكبت والرجعية - متطلعين نحو شعوب حققت انتصارها على مثل هذه القيود، وكان من بين هذه الأسماء من دفعتنا ( 1962 ) : مكرم حنين، جميل شفيق، إسماعيل دياب، زهران سلامة، عبد الغفار شديد، مصطفى فاضل، ومن الدفعة السابقة علينا (1963) : نبيل تاج، مصطفى رمزى، عدلى رزق الله، محمد حمام ( المغنى النوبى وكان طالبا بقسم العمارة)، ومن الدفعتين اللاحقتين : الدسوقى فهمى، جودة خليفة، محمد حجى، محمود بقشيش ومودى حكيم، فيما تفرغ آخرون لفن التصوير وحده وانضم بعضهم إلى هيئة التدريس بالكلية مثل صبرى منصور، نذير نبعة، حسن عبد الفتاح، مصطفى الفقى وغيرهم .
-البعض منا استطاع المزاوجة بين أنشطة مختلفة مثل التصوير والصحافة أو التصوير والنقد، أو التصوير ورسوم الأطفال، أو التصوير والعمل الثقافى أو العمل السياسى أو العمل الوظيفى، لكن الثمن الذى دفعه كل منا كان سنين طويلة تسربت من العمر بعيداً عن ممارسة الفن قبل أن يلحق به لاهثاً فيما بعد محاولة تعويض ما فات.. أما اللباد فكان أكثرنا جرأة وحسما منذ تخرجه فى تحديد مساره ومصيره، فقرر الالتحاق بمجلة صباح الخير كرسام كاريكاتير، وابتعد نهائيا وإلى الأبد عن تخصصه وهو التصوير، ليمارس تخصصا آخر لم يدرسه أكاديميا وهو الجرافيك، مستثمرا ما اكتسبه بعد ذلك من ثقافة ومهارات تقنية عدة فى عمله الصحفى، لكن المحرك الأساسى له بلا شك كان موهبته الابتكارية الفذة فى كل مجال عمل به، وطبيعته المخلصة إلى حد العبادة لإتقان كل ما يقوم به كى يبلغ الحد الأقصى من الجودة، فأصبح بعد ذلك هو المصمم الأول لأغلفة الكتب، وأحد المعدودين فى تصميم الرؤية الإخراجية الأولى للصحف والمجلات، ومن أكثر المشتغلين بكتب الأطفال شهرة بالوطن العربى، وفى تأسيس دور النشر والمجلات المعنية بها، مثل دار الفتى العربى بلبنان ومجلة العربى الصغير بالكويت ودار المستقبل العربى بمصر ومجلة كروان بالقاهرة التى تعثر صدورها عن دار التحرير بعد أن اكتملت الأعداد التجريبية منها، هذا فوق بصمته اللافتة فى رسوم الكاريكاتير.. ويمكن القول إنه أسس من خلال ذلك كله مدرسة تربت عليها أجيال من الفنانين الشبان وتشكل وعيهم على هديها.
- كنت فى بداية مشوارنا مع الفن بعد تخرجنا أندهش لقدرته على هذه التضحية بما يمتلكه من مهارة فى فن التصوير الزيتى كانت أثناء الدراسة تنم عن مشروع مصور كبير ذى أسلوب مبتكر وقوى التعبير، فوق إجادته للقواعد الأكاديمية اللازمة لتأسيس أى فنان، حتى علمت متأخرا -بعد قراءتى لتجربته الذاتية - أن ذلك جاء نتيجة لقناعة مبكرة لديه بأن منهج التصوير الذى كنا ندرسه بالكلية - وهو مستنسخ من مناهج الأكاديميات الأوروبية - كان وسيظل غريبا على ذائقة شعبنا وسبب عزلة الفن عن المجتمع .
- باستثناء شريحة ضيقة جداً من الذواقة للفن العربى، وباستثناء - كذلك - عدد قليل من الفنانين المصريين استطاعوا شق طريقهم الخاص بعيداً عن جماليات هذا الفن وقريبا إلى الروح الخاصة لشعبنا وتراثنا وبيئتنا.. وكان اللباد يدرك أن دوره ينبغى أن يكون فى منطقة التأثير والتفاعل المباشر مع الجمهور، ليس بواسطة الكاريكاتير فحسب، بل من خلال البحث عن العلاقات والشفرات الجمالية المغروسة فى الوجدان الشعبى، فراح ينقب عن الرسوم الشعبية، للسير والملاحم فى المكتبات والأسواق، بل ساقه البحث عنها أحيانا إلى تتبع بعضها فى دول عربية وغربية حتى مكتبة الكونجرس ودولة اليابان، كما كان يبحث عن رسوم الوشم والرسوم فوق الجدران فى مناسبات الحج وغيرها، وعن رسوم الكتب التراثية مثل أعمال الفنانين `الواسطى وبهزاد ` وارتباطها بالنصوص المكتوبة.
ولأنه كان مهموما بالبحث عن وسائط جماهيرية جديدة للارتقاء بالذائقة الجمالية للمواطنين، لفت نظره انتشار القمصان الشبابية ` تى شيرت` وقد امتلأت بكتابات بحروف لاتينية غريبة عن ثقافتنا وأذواقنا، ما دفعه لتأليف كتاب بعنوان ` تى شيرت` دعا من خلاله إلى إحلال رسوم وكتابات عربية محل الأجنبية، متطلعا نحو غرس الذوق المصرى والعربى الأصيل فى نفوس الأجيال الجديدة، وإلى أن تكون ملامح الفنون الشعبية وعلامات الحياة اليومية مصادر إلهام للمصممين كى تصبح تصميماتهم جزءا من الذاكرة الجمعية للأجيال.
- ولعل مما كان يغذى لديه الحس بجماليات التراث والحياة الشعبية هو ما اختزنته ذاكرته من مشاهد طفولته فى حى الخليفة، حيث ولد عام 1940 بمنزل قريب من جامع السلطان حسن بميدان القلعة، وظلت تلك المشاهد تراود خياله طوال حياته، مسترجعا فى رسومه علاماتها البصرية البسيطة فى المبانى وزخارف المساجد والأسبلة وعربات الكارو وعربات الترام رقم 4 المفتوح من الجانبين وغير ذلك، ومضيفا إليها بخط يده تعليقات خاصة تعبيرا عن حنينه لذلك الزمن.
-هكذا كان يزاوج فى رسومه بين النص المرسوم والنص المكتوب، مقتفيا آثار السلف من الفنانين القدماء ومستعيرا بعض سماتهم التشكيلية مثل التسطيح والصراحة الخطية واللونية، والاستغناء عن المنظور الهندسى ثلاثى الأبعاد ..ومستعيرا- كذلك- سمات الفطرة الساذجة البادية على ملامح الوجوه وحركة الأجسام، وسمات التفاصيل التى سجلها قدامى الفنانين فى كتبهم عن الحياة اليومية داخل الأماكن المغلقة وفى الهواء الطلق، دون مبالاه بالنسب الواقعية بين العناصر، إنما يبالى أكثر بالأهمية الرمزية والتعبيرية لكل عنصر فى اللوحة.
- لكن اللباد كان يريد أن يعدل الهرم المقلوب فى مناهج الدراسة الفنية، الذى يبدأفى كليات الفنون من حيث انتهى الفن الأوروبى، ويحاول الرواد الموهوبون أن يصلوا بشق الأنفس عبر تجاربهم الفنية إلى سمات الفن المصرى أو الشرقى.. فلماذا لا يبدأ هو من النقطة العكسية، أى من التراث والبيئة والذاكرة البصرية الممتدة عبر التاريخ، ليصل فى النهاية إلى العالمية؟.. وهذا ما حققه بالفعل، حيث حظيت بعض كتبه وأعماله باستقبال حافل فى أوساط الفن العالمى المعنية بالطفولة، وحازت عدة جوائز منها : جائزة التفاحة الذهبية لبينالى براتسلافا الدولى لرسوم الأطفال وجائزة `الاكتوجون` وهى المركز الدولى لدراسات أدب الطفولة بفرنسا، وترجمت بعض كتبه إلى عدة لغات أوروبية مثل الفرنسية والإنجليزية والهولندية وإلى لغات أخرى كالفارسية واليابانية، وتم اختياره عضوا ببعض لجان التحكيم فى مسابقات خاصة بهذا المجال فى عدد من المحافل الدولية، كما اختير كتابه `كشكول الرسام` ضمن أفضل عشرة كتب عربية للأطفال .
- والحق أن `مشروع` اللباد لم يأت من فراغ، بل هو إفراز طبيعى لثقافة جيل كامل فى الستينيات جمع أبناءه الحلم بمستقبل أفضل للوطن، فإن تلك الأسماء التى ذكرناها من دفعته بالكلية وممن سبقها ولحق بها، كانت تتلاقى وتتفاعل مع نظرائها فى مجالات الأدب والشعر والرواية والقصة القصيرة والموسيقى والسياسة والنقد، ومن بينهم: عبد الرحمن الأبنودى وسيد حجاب وسيد خميس وخيرى شلبى وسعيد الكفراوى وصلاح عيسى وجمال الغيطانى وجميل عطية ومحمد روميش وغيرهم، وقد جمعت بينهم وبين التشكيليين مشروعات أدبية وفنية، كما جمعت بينهم حجرات بينهم البدروم والسطوح والشقق الفقيرة والمقاهى والأرصفة.. وأخيرا المعتقلات والزنازين فى حب الوطن والعمل على تقدمه، ثم وحدت بينهم هزيمة 1967 ولو بالإحباط المشترك بعد أن أفاقوا من وهم كبير .
- من جانب آخر كان عمله بمؤسسة روز اليوسف - وتحديداً مجلة صباح الخير - ذا تأثير بالغ فى بلورة مشروعه، إذ كانت تلك المؤسسة بحق مدرسة فكرية وفنية تربت فيها أجيال من المبدعين كتابا وفنانين وصحفيين، على أيدى أساتذة عظام، لم يدرك اللباد بعضهم مثل إحسان عبد القدوس وأحمد بهاء الدين وفتحى غانم حيث انتقلوا لقيادة مؤسسات صحيفة أخرى قبل التحاقه بروز اليوسف، لكنه لحق ببعض رموز هذا الجيل ومن تلاه أمثال حسن فؤاد وعبد الغنى أبو العينين وعبد الرحمن الشرقاوى ومصطفى محمود وصلاح حافظ ومحمود المراغى وعدلى فهيم وعبد الله الطوخى ولويس جريس وصولا إلى علاء الديب وعبد الفتاح رزق وأحمد هاشم الشريف وجميعهم يتوزعون بين الأدب والفن والسياسة ..
-كما لحق بالرسامين صلاح جاهين وزهدى والليثى وبهجت وحجازى والبهجورى ورجائى وجمال كامل ومأمون، وتزامل مع آخرين منهم محمد حجى وإيهاب شاكر وناجى كامل وجمعة فرحات ودياب ومودى حكيم وعبد العال وغيرهم..وقد تأسست دعائم تلك المدرسة على العلاقة الجدلية بين التنوير والمتعة، بين الفكر والبسمة، بين ثقافة الشعب وثقافة النخبة.. وبالرغم من السمات الجامعة والقواسم المشتركة بينهم فقد كان لكل منهم سماته المميزة ومشروعه الجمالى والفكرى المبتكر: فنانا أو أديباً أو مفكرا أو صحافيا.. لذا كان الطريق مفتوحا بينهم وبين كل مستويات القراء، ومفتوحاً من ناحية أخرى - أمام `اللباد ` لاستيعاب كل أسرار مطبخ العمل الصحفى رسما وتحريرا وإخراجاً وطباعة، خاصة فى مجال الرؤية الإخراجية التى كان أبو العينين أستاذها ورائدها، ومنه تعلم اللباد فكرة `النص البصرى` للمطبوعة، والوظيفة الجمالية للخط العربى بأسلوب مبتكر، والعلاقة التكاملية بين الرسم والنص المكتوب، ولقد كتب مرارا عن فضل كل من حسن فؤاد وأبو العينين عليه فى هذا المجال، واستعنت شخصيا بالكثير مما كتب فى كتابى `أبو العينين ` .
-غير أنه - مع الوقت - أدرك أن مهمته أكبر من أن تنحصر فى عمله كرسام للكاريكاتير بصباح الخير، حتى بعد أن أصبح له باب خاص بعنوان ` نظر ` وشعاره `إن عشقنا فعذرنا `، مقتنعا بأن عليه طرق مجالات فنية أخرى ترتبط بكتب الأطفال من ناحية، وبأغلفة الكتب والتصميم الطباعى من ناحية أخرى، وقد استطاع توظيف مخزونه الثرى من لغة العلامات البصرية وكتب التراث والمخطوطات العربية القديمة، وكذلك توظيف معرفته بفنون الجرافيك الحديثة فى العالم، من أجل امتلاك أسلوب مميز لتصميماته ورؤاه الفنية، حتى رأى من الضرورى تأسيس مكتب خاص يمارس هذا الدور من خلاله، وهو الذى تحول مع الوقت إلى ورشة عمل يؤمها الفنانون الشبان الذين تتلمذوا على فنه وأفكاره خلال السنوات العشر الأخيرة على الأقل من حياته .
- لكن، ومثل أغلب الفنانين والمثقفين الذين يتجاوز حلمهم إمكانات واقعهم، توقف فى السنوات الأخيرة عن مواصلة مشروعه بنفس الدأب والحماس القديم، ولا سيما مع ارتفاع معدل القبح وتدهور مستويات الذوق والتعليم والثقافة،فوق عدم حصوله على التقدير المعنوى الجدير به فيما يرى أنصاف الموهوبين والمتسلقين نجوما يحوزون أعلى الجوائز، فضلا عن أنه كان بطبعه عزوفاً عن الإعلام والظهور.
- لهذا أظن أنه قد مات معنويا قبل موته المادى بسنوات.. ولعلها لم تعد حالة استثنائية بين المبدعين أصحاب المشاريع والأحلام الكبرى من أمثاله، لكن حسبه أنه رحل واقفا فى شموخ الكبار بدون أن يبدو ضعيفا أو منحنيا تاركا ولدين يواصلان مسيرته: د. مصطفى اللباد الباحث الأكاديمى المعروف، وأحمد اللباد فنان الجرافيك الذى يسير على درب أبيه.. وفوق ذلك تاركا تراثا خصبا من الفن والفكر والرؤى الرائدة .
عز الدين نجيب
الهلال - أكتوبر 2010
محى الدين اللباد .. شيخى الأكبر
-أستميح -فى البداية -الأخوة الحاضرين فى أن تكون مشاركتى مقروءة فرارا من الارتجال فى هذا اللقاء الذى ترهبته، وترهبت تداعياته العاطفية على. وأنا أعترف بأنى ارتبك فى هذه الحفلات، فما بالى وموضوع هذا الاحتشاد هو أبى وصديقى، الذى أتحايل يومياً منذ فقدته لمحاولة تصديق أو تبرير تلك الصدمة، فاعذرونى أرجوكم إن التبست كلماتى .
- بعد الموت تحضر لك الذاكرة شريطاً منقحاً عن الراحل، يبدو لك - لو تسرعت فى الحكم - وكأنه قد رتب كيفما اتفق، شذرات من أزمنة شتى يتنقل فيها الراحل بحرية متغيراً فى عمره وهيئته ومزاجه وتعبيراته، وتبدو ملونة بلفحات غير واقعية.. ولتزيد الذكرى عليك المراوغة تغطى المشاهد بحاجز شفاف يراوح الصوت، وتتمايل على سطحه مياه كثيفة تحجب أحياناً، وتفسر أحياناً أخرى. وتحاول أنت أن تقبض على قوام لتلك الرؤى متحسراً عليها وهى تتداعى - فى كل مرة - من بين أصابعك.
- بين الأصدقاء، ووسط الرفاق يتخلق القوام متماسكاً أكثر للذكرى، ويكمل المحبون لبعضهم البناء.
-فشكراً جزيلا لجريدة `السفير` و `النادى الثقافى العربى` و `محترف الزاوية`. -ولا أعتقد أنه كانت هنالك مناسبة أكثر ملائمة - وهو الذى طالما افتخر بلقب `صانع الكتب` من معرض كتاب عربى، وبالأخص فى بيروت، المدينة التى أحبها وآمن بقدراتها ليجتمع محبو وأصحاب محيى الدين اللباد حول سيرته .
- حسدتُ الأستاذ `عباس بيضون` بشدة على تشبيهه - فى مقاله الآسر بجريدة `السفير` - لموت اللباد بـ `هوىً شجرة استوائية `، وغرت منه لأنى لم أصل -أبداً لذلك النفاذ فى تعبيرى عن فقده، فأنا لم أفقده فقط كأب : حنون ، مستوعب، قادر وواسع الأفق، بل خسرته كصديق : متفهم، ناصح وأمين أبداً. وفقدته - أيضا - بفداحة خسارة المهنى لشيخ مهنته الأكبر والحبيب.
- فى كل لقاءاتنا كنت أتحرك بمشاعرى بين الابن المعجب، والصديق المنبهر برفيقه الأجدر، والمريد الذى لا يريد للوقت أن يمر فى صحبة شيخه .
-فعللً يا أستاذ `بيضون ` كان ` هوى شجرة استوائية ` ولى أن أقول أن ذلك الدوى الذى هزنى على المستوى الشخصى قد خلخل - كذلك - كيان معارفه وتباعه ومتابعيه .
- لم يعد المشهد كما كان اختفت الشجرة العملاقة. وأصبح الضوء اللطيف الذى يتلاعب بظلال الغصون ساطعاً لا يطاق. وفقدنا علامتنا الكبيرة التى كنا ننطلق من عندها مرتحلين أو إليها عائدين. صار المكان موحشاً وبات- يا للحسرة - يشبه كل الأماكن .
- رسم اللباد وألف للكبار والصغار، وترجم، ورسم الكاريكاتير، وصمم الكتب والجرائد والمجلات، وخلق حروف الطباعة الحديثة، وبحث وناقش، وأقام المعارض وورش العمل، وعرض، وحاضر، وعرف بالآخرين فى كتاباته وكتبه ولقاءاته.
- عمل وارتاح، سافر وعاد، حزن وفرح، وكسب وفقد.. ولم أره فى حياته بتفاصيلها البسيطة، ولا فى عمله على الوسائط العديدة التى تحقق فيها وحقق أفكاره، ولا فى مواقفه الاجتماعية أو السياسية إلا واحداً، شخصا واحداً، هو نفسه بذات الانحيازات المبدئية الفنية والأخلاقية والعقائدية.
- ياله من نموذج كأب.. وياله من مثال كأستاذ .
- وسأظل ممتنا وحامداً لتلك الفرصة النادرة التى أتاحت لى القرب الطويل من ذلك الرجل.
- `الشىء الوحيد الذى أخافه هو الموت`، هكذا صرح اللباد الشجاع للنهاية عدة مرات.أفهم الآن تماماً ذلك الخوف، فأنت من طرحت على نفسك طوال الوقت مهمة عداوة العدم أسست بدأب وصبر وتراكم مشروعاً كبيراً. وبشكل منهجى وببصيرة ذكية نفاذة كسبت أراضى شاسعة لصالح ثقافتنا وثقتنا فى تراثنا وفى قدراتنا وأنفسنا، بدون عنصرية المقهور الذى يتعامى عن احترام منجزات الثقافات الأخرى، أو الذى ينهار تحت أقدامها.
- وكما أردت لأعمالك ستظل الكتب الموجهه لليافعين مثل : ` كشكول الرسام ` و`ملاحظات ` و `تى شيرت ` و`حكاية الكتاب`، أو `البيت` و `الفيل يجد عمل ` و `بيت صغير للورقة البيضاء` و `من القلب للقلب` وعشرات الكتب والملصقات التى لا يتسع الوقت هنا لذكرها وكذلك الموجهة للكبار كألبومات `نظر` بأجزائه الأربعة التى ضمت مقالاتك اللماحة وغير المسبوقة عن الفنون البصرية المحلية والعالمية. وكتاب الكاريكاتير `مائة رسم وأكتر ` وآلاف الرسوم الكاريكاتيرية المنشورة والتصميمات التحريرية المتنوعة للمطبوعات فى مصر والعالم العربى .
- ستظل تحرضنا على الرؤية من زوايا مختلفة، وعلى عدم الارتكان للدارج السهل وعلى مراجعه الثابت المكرر، وعلى النفاذ للجوهر ومحبة الإبداع الحقيقى بدون تقديس أو تسليم للسائد، وعلى مواجهه النتائج المتعجلة الأولى ومواجهه الادعاء والاستنساخ والتبعية والرقاعة والتنطع الفكرى والفنى .
- نقلت لنا- عبر أعمالك - بصوت خفيض ولكنه عميق وواثق رسائل تدفعنا لنتفاعل مع العالم بصرامة فى احترام العمل والتفرد والاختلاف، وبشكل أكثر حناناً وتفاؤلاً بالمستقبل.
- فى عز أزماتك كنت أراك مستبشراً، تنظر للأمام.ولأنك سخى كنت تعبر بامتنان عن كرم الحياة معك، وتذكر بتواضع أنها قد أعطتك بما قد يزيد. وكنت تتساءل دوماً عن أنك يا ترى هل قد قدمت لها ما يليق وما يستحق؟
- أقول لك إن الشجعان الحالمين يذهبون لحفر جدول أو نهر.. وأنت ذهبت وحفرت بحراً.
أحمد اللباد
2011/1/12 - أخبار الأدب
فى ذكرى محيي الدين اللباد صانع الكتب ورب الريشة والقلم
تختلف نظرتنا للحياة باختلاف الزاوية التى ننظر منها إليها.. ولأن نظرة الفنان للحياة أعمق من غيره فهى أشبه بمشاهد منفصلة بما تحويه من جمال أو قبح، ثورة غضب وتأمل.. كلها مشاعر تستنفر ريشته لتسجلها.. وكلما كانت خطوطها عفوية يغلفها الصدق.. كانت أكثر إبداعاً.. ومن أكثر إبداعاً من طفل ضل حلمه بداية الطريق، من قيادة الترام إلى قيادة الريشة ليطلق عليه أبناء جيله `رب الريشة`.. هو الفنان الراحل محيى الدين اللباد، أحد أهم أقطاب فن الكاريكاتير فى مصر فى الفترة التى عمل بها بمجلتيّ روزاليوسف وصباح الخير الذى تمر هذه الأيام ذكرى وفاته.. نرصد من خلالها حياته الحافلة بعدة ألقاب استحقها عن جدارة.
كشكول `اللباد` طفلاً
`رب الريشة` لم يكن لقبه الأول الذى منحه له الناقد الأدبى الراحل د.على الراعى وإنما لقب أيضاً بلقب `صانع الكتب`، إيمانه بالذاكرة البصرية للإنسان جعله يحفظ صوراً من حياته فى كشكوله الخاص `كشكول الرسام` وقسمها إلى تذكارات صغيرة عن تذاكر الترام وبطاقات البريد العتيقة التى قد تبدو ساذجة فى نظر البعض، لكنها تحيى الذاكرة وتبث الحياة فى الأيام الماضية، وهل الأهرامات وأبو الهول إلا تذكارات من زمن بعيد، حتى حلمه القديم لم ينسه فى فصول كشكوله، فقد سجل حلم الطفولة بالعمل كسائق للترام ـ ذلك الوحش العملاق المهيب ـ، وعن فقدان الحلم والتحول إلى مجرد رسام يمكنه أن يرسم نفسه كسائق ترام كما تمنى طويلاً، وحكايته مع مجلات الأطفال برسومها الجميلة ولهفة انتظارها، وسؤاله كأى طفل فى عمره: منْ أين تأتى الحكايات؟، عن دفترٍ سريٍّ أحمر جميل اللون والملمس، ذى رائحة طيبة. أراد اللباد صغيراً أن يكتب به الحكايا ويرسمها؛ ولكنه لم يفعل إلا عندما كبر، فكتب ورسم وطبع ذلك فى كتب، طابع البريد، وأصدقاء المراسلة وبطاقات تحمل معالم البلاد القادمة منها، العالم السحرى الذى صوره اللباد برسومه.
برنارد شو العرب
د.على الراعى لم يتوقف عند وصفه بـ`رب الريشة والقلم`، بل وشبه فى كتابه `عن الكاريكاتير والأغانى والإذاعة` بأن نظرة الفنان اللباد
الثورية لفن الكاريكاتير بنظرة الأديب برنارد شو لفن الكوميديا فى المسرح، إذ رأى اللباد ميلنا إلى تصوير الحمق والحمقى، ونسعى إلى عرض نوادرهم على الأنظار فى مختلف أشكال التعبير: الرسـم، والمسـرح، والحكاية والكرتون، ويلاحظ أننا بهذا الاهتمام نرفع عن أنفسنا الاتهام بأننا قد نكون بدورنا حمقى.
سر إبداع `اللباد` أنه حافظ على الطفل بداخله يكتب ويرسم ويعبر عن نفسه بشتى وظهر اهتمامه ذلك فى العديد من الكتب التى ألفها ورسمها للطفل وتحديداً فى مقدمة كتابه `ملاحظات` إذ حمل عبارة واضحة `إنه كتاب خاص بالصغار أساساً، لكنى أعلم أنهم (بطيبة القلب المعروفة عنهم) سيتسامحون، ويسمحون للكبار باقتراضه لقراءته`.
إشارات اللباد البصرية
وعن لقاءه الأول به يقول د.سامح حسان فى أحد مقالاته `كنت قد تعرفت عليه للمرة الأولى منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما فى منزل جدى، ففى أحد أكوام الجرائد والمجلات التى تملأ حجرته لفتت نظرى مجلة ضمت رسوما شديدة الغرابة والاختلاف عما اعتدت رؤيته، رسوماً ذات أفكار ساحرة لايصاحبها سوى تعليق ذى كلمات قليلة مجموعة ببنط صغير، كانت المجلة هى `صباح الخير` وكان الموضوع يتناول الكاريكاتير الغربى بقلم محيى الدين اللباد، منذ ذلك التاريخ وعلى مدار سنوات طويلة وأنا أتتبعه، وكنت من المحظوظين من عدة دول عربية قام باختيارهم اللباد للمشاركة فى إعداده لورشة عمل تابعة لليونيسكو خاصة بإخراج كتب للأطفال ستقام لمدة شهر فى بيروت، كان الرجل يتنقل بسهولة بين مناطق متعددة من رسوم كاريكاتورية وتصميم أغلفة الكتب والجرائد والمجلات وكذلك رسوم للأطفال، وكان ذا بصمة واضحة فيمكنك التقاط أعماله بسهولة وهى أعمال ستتداخل فيها كل الخبرات السابقة فتظهر بصورة فريدة.
يذكر أن محيى الدين اللباد ولد بمدينة القاهرة عام 1940م، عمل رساماً للكاريكاتير أثناء دراسته الثانوية، ثم درس التصوير الزيتى بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة والتحق رساماً بمجلتى `روز اليوسف` و`صباح الخير` قبل أن يتخرج من الجامعة عام 1960م. عقب تخرجه عمل رساماً ومؤلفاً لكتب الأطفال فى `دار المعارف` بمجلة `السندباد` التى أصدرتها الدار. عمل منذ منتصف الستينيات مصمماً ومديراً فنياً للجرافيك، وشارك فى تأسيس عدد من دور النشر الخاصة بكتب الأطفال فى مصر ولبنان، وصمم العديد من الصحف والمجلات العربية، والملصقات الثقافية، وأغلفة الكتب التى كان يعتمد فيها على استخدام عناصر فنية من التراث الشعبى العربي. كما شارك كعضو لجنة تحكيم فى عدد من مسابقات ومعارض الكاريكاتير المحلية والدولية. له عدة مؤلفات للكبار والصغار أشهرها سلسة كتب من أربعة أجزاء بعنوان `نظر` والتى تُعَدُّ مرجعاً فى الفن التشكيلى ورسوم الكاريكاتير وفنون الجرافيك المعاصرة فى مصر والعالم العربي، بجانب العديد من الكتب الأخرى مثل `تى شيرت`، `لغة بدون كلمات`، `حكاية الكتاب من لفافة البردى إلى قرص الليزر`، و`كشكول الرسام` - الذى بين أيدينا الآن. لُقب بصانع الكتب، وترجمت كتبه إلى اللغات الفرنسية، والإنجليزية، والإسبانية، والإيطالية، والألمانية، والفارسية، واليابانية. ونال عن بعضها جوائز عربية وعالمية. توقفت يداه عن خط الحروف والإمساك بفرشاة الرسم فى الرابع من سبتمبر عام 2010.
مروة مظلوم
روز اليوسف 2016/9/5
محيى الدين اللباد وكرته الذهبية
- فاز رسام الأطفال الكبير` محيي الدين اللباد ` ` بالكرة الذهبية ` فى بينالى يوغسلافيا لرسوم الأطفال 1988 ، ولقد حدث منذ سنوات أن أجريت معه حواراً .. لكن حالت بعض الظروف دون نشره ، رغم أهميته ، وفائدته للقارئ .
- ثم جاءت ` الكرة الذهبية ` لتسعدنا ، وتدفعنا هذه السعادة الطارئة إلى تحيته ، وتحيته هى أن ننصت إلى كلماته فى مجال أعطاه ولا يزال يعطيه أفضل ما عنده .
- وهذا نص الحوار:
- أصبح مصطلح ` الأزمة ` مصاحبا لكل حديث، لذا ما كدنا نتناول موضوع رسوم الأطفال ومجلات الأطفال فى عالمنا العربى مع الفنان ` محى الدين اللباد ` حتى ظهر المصطلح متربعا على مجمل الحوار .
- كان السؤال الأول الذى وجهته إليه حول مجلة الأطفال التجريبية المسماه ` ياسين وياسمين ` وقام بإخراجها ، والاشتراك فى رسومها ، وطبع منها عدد واحد ، ووقفت عند حدود البحث المعملى، وعندما أبديت الشك فى جدوى ما حدث، خالفنى الرأى وقال : لدى وجهة نظر مخالفة . أنا لا تشغلنى فكرة ` التأثير و ` الاتصال ` بالأجيال الحالية ! ليس هذا اختيارا ، ولكنه نتيجة حتمية لملابسات الواقع الثقافى والتربوى ، حيث الانتشار المروع لكل قيم المجتمع الاستهلاكى الهابطة ، وتأثيرها الفادح فى بناء الطفل ، ففى كل مجال لابد أن تلتقى بالوجه القبيح لتلك القيم ، فى نظام التعليم ، الخدمات العامة ، ظروف الأسرة ، المجلات الرديئة .. إلخ .. فليس بغريب إذا أن يرى فنانو الأطفال أنهم صاروا هامشاً غير مؤثرين فنياًّ ، ولم يبق أمامهم غير هامش واحد هو هامش المهنة نفسها وأفراد المهنة !!
- إن مجلة ` ياسين وياسمين ` والتى صدرت بالتعاون بين المركز القومى لثقافة الطفل والورشة التجريبية العربية لكتب الأطفال بالقاهرة ، مجلة تجريبية ، استهدفت التحريض لعمل مجلات أطفال ذات مستوى جيد ، لأعمار من سن الرابعة حتى السابعة.
- تساءلت مندهشا ألم يكن من الأسهل تقديم نماذج غير مطبوعة وغير مكلفة ، بدلا من إنفاق بضعة آلاف على نسخة يتيمة ..؟
- فأجاب : إن هذا يفرق كثيراً عند المسئولين ، إن الرسميين موظفون غير متخصصين غالبا، ومن هنا فإن إقناعهم لا يتم عن طريق المكاتبات ، ولكن عن طريق نماذج واضحة محددة ، بالإضافة إلى ما هو أهم من ذلك وهو اكتشاف الإمكانات الفنية .
- قلت : وماذا وجدتها؟
قال: قليلة بل تكاد تكون نادرة ليس فى مصر فقط ، ولكن فى العالم العربى أيضا ، دعك من مجلاتنا ، تصور مثلا أن أكثر مجالات الأطفال انتشارا فى العالم العربى مجلة ردئية اسمها `ماجد `. 64 صفحة بالألوان وبخمسة عشر قرشا ] لست أدرى ثمنها الآن [ أى أقل من تكلفة نقلها ، وعلى الرغم من هذا الانتشار الواسع فإنها خالية من التجريب الخلاق وتنتمى إلى ركام المجلات المنتشرة والتى تعبر عن غياب العقل أساسا.
- قلت : ألا تظهر أعداد متزايدة من رسامى الأطفال العرب الذين يحصل بعضهم كما حدث معك على جوائز دولية ؟
- قال : موضوع الجوائز لا قيمة له عندى . فهى مشروطة باعتبارات قد يدخل المستوى الفنى فيها ، إلا أنه ليس العنصر الحاسم ، يحدث كثيراً فى المسابقات الدولية ، وبشكل عام فإن أحكامها النقدية تختلف عن أحكامنا ، فقد تجذبهم غرابة الأعمال بالنسبة لما اعتادوه من نماذج الرسامين الأوروبيين ، لهذا لا أعير موضوع الجوائز أى اعتبار.
- قلت : هل ترى أن قدر الفنان الجاد فى العالم العربى ، الانتظار الدائم لقرار صناع القرار أم أن الأمر ، فى معظمه ، بيده ؟
- قال : الواقع أن كل الطرق : للحل وضد الحل ، موجودة ، ومختلطة ! .. لقد لمست خلال تجربتى الطويلة فى هذه ` المهنة ` .. أنه قد حدث تطور بها أكثر من وهم التأثير فى الطفل . لقد أسسنا - على سبيل المثال - فى بيروت دار الفتى العربى، وكان للإنجازات التقنية لتلك الدار تأثير كبير على عديد من مجالات الأطفال فى عديد من الدول العربية ، وفى المهنة العربية بشكل عام ، ولقد كانت سببا فى إقبال العديد من الفنانين المتميزين ، للمشاركة فى كتب الأطفال.
- قلت : إن ` المهنة`- على حد تعبيرك- قد ضمت عديداً من غير المتخصصين. !!
- قال : لا أعترف بالتخصص ! .. إن هذا التصور قد نشأ من الاعتقاد الخاطئ بأن هناك نوعاً واحداً من الرسم للأطفال..أى ` الكرتون`. إن قناعتى هى أن الرسم للأطفال يجب أن يكون متنوعا، ومهمة المدير الفنى أن يختار الأسلوب الفنى المناسب للنص، وبالمناسبة فإن وظيفة المدير الفنى لم تطرح بحجمها الحقيقى حتى الآن .
- إن الطفل ليس بالتفاهة ، والهشاشة التى تجعلنا نتصور أن نسجنه فى قالب . إن الطفل يستطيع استيعاب تنوع الرسوم،والأساليب، والموضوعات إنه حر فى التلقى والإرسال ، لهذا فأنا ضد برمجة الطفل، أو وضعه فى الحضانة التى تضمن بقاءه صالحا من وجهة نظر المسئولين ، ومسخا من وجهة نظر الحقيقة .
- أى باختصار مواطن بلا أحلام فى التغيير ، أو مراجعة الواقع ، ومن هنا فلا أعمال مرسومة أو مكتوبة تلمس الطفل من الداخل بما فيها جنونه ! .. إن الدعوة إلى التخصص فى رسوم الأطفال لا أستسيغها . أن يتخصص الناشر فهذا مفهوم ، أما أن يتخصص رسام الأطفال فلا أفهمه أو أقبله ! إن الدعوة إلى الرسوم النمطية هى دعوة تنحاز لها ، وتتبناها ، أصلاً ، دور النشر التجارية ، أما بالنسبة لى فأنا لا أحب للفنان أن يغير جلده.
- هناك من الرسامين من يتصور أنه لكى يكون رساما للأطفال فعليه أن يستعيد منهم الطفولة ! .. هذا الرسام يخون نفسه مرتين الأولى : هى تجاهل طفولته الشخصية .. والثانية :اصطناع أسلوب يتسق مع المواصفات التجارية التى تناسب الأطفال المبرمجين!! وفى رأيي أن أي فنان متمكن يستطيع أن يرسم بأسلوبه للأطفال. على أن يختار من النصوص ما يتناسب مع أسلوبه الفنى .
- وقدم لى الفنان` اللباد` رسوما للفنان اليمنى` فؤاد الفتيح ` بنفس الأسلوب الفنى المعروف به ، كما شاهدت رسوماً للفنانة الفطرية ` شلبية ` التى قدمت رسوماً لكتاب للأطفال بنفس أسلوبها وبنفس الخامة التى تفضلها وهى الباتيك ، ورسوما أخرى للفنانة الفلسطينية ` ليلي الشوا` بنفس أسلوبها الفنى .. وهكذا.
- قلت مداعباً: أن الرسوم التى رأيناها فى ورشتك الفنية لا تصلح للأطفال المبرمجين !
- قال: لابد من احترام جنون الطفل !.. إن الطفل المبرمج يفضل رسم الموضوعات المدرسية المرضى عنها ، أى للموضوعات التى تعوق نمو التعبير عنده ، وتعطل الحاسة النقدية ، ويصبح الطريق الوحيد المتاح له هو أن يكون رساما ` بروبا جندا ` ، لقد تورطنا فى ذلك ونحن صغار ، لكن بعد أن كبرنا اكتشفنا النتائج السيئة ، ليس فقط علينا ، بل على أطفالنا الذين يتلقفون قيم المجتمع الاستهلاكى.
- إننا نعيش فى مجتمع التبعية ، والانبهار بكل ما هو قادم من الغرب ، إننا لا ننكر بالطبع ارتفاع مستوى التقنية الأوروبية ، لكن علينا أيضاً أن نعترف بما هو أهل للاعتراف ، أعنى التصوير والجرافيك العربى الإسلامى، والذى قدم للأجيال الحديثة بصورة مشوهة .. أى تقديم اللوحات بمعزل عن مخطوطها خوفاً من اتهامها بالتوضيحية .. بعد أن صارت الرسوم التوضيحية فكرة ينظر إليها باستخفاف ، ووضعها فى المرتبة الدنيا من بين الرسوم الملونة الأخرى ...
- ` فالواسطى ` مرتبط فى أذهاننا بلوحاته الملونة ، ولقد شاهدت فى المكتبة الوطنية فى ` باريس ` تلك الرسوم الملونة ضمن مخطوطات كتاب . ولقد شاهدت المخطوط لكتاب ` الحيوان للجاحظ ` فى مكتبة ` الفاتيكان ` ويضم الكتاب أكثر من أربعين حيواناً وطائراً . ويقدم هذا الكتاب للرسام العربى حلولا جديدة ، بدلا من حلول ` والت ديزنى` و` تومان جيرى ` .
- لو عدنا إلى منابعنا لا كتشاف الكنوز ، ولست أدعو إلى عودة ناقلة بل متأملة ودراسة . أذكر .. عندما سافرت إلى أوروبا لأول مرة ، وشاهدت فى ألمانيا الأشجار الجافة السوداء فى تقاطعها مع المسطحات الثلجية أصابتنى الدهشة ، فقد كنا نظن أن رسوم الأشجار على هذا النحو الذى ذكرته مجرد ابتكارات أسلوبية ، وليست نقلاً عن الطبيعة .
- تصور.. مثلاً فن الخط لا يدرس فى الكليات الفنية ، والأجيال الجديدة لا تعرف شيئاً عن ` العود ` و` التقاسيم ` وغير ذلك من فنون المكان الذى ننتمى إليه .. لهذا فأنا أقوم الآن بعمل مشروع لإعادة نشر عدد من المخطوطات المصورة العربية.
بقلم : محمود بقشيش
مجلة الهلال : نوفمبر 1988
|