ماهر رائف رائد فن الحفر الحديث
- عن حياتنا رحل الفنان الكبير د. أحمد ماهر رائف ( 74 عاما ) مغتربا بعد رحيله إلى ألمانيا ثم الى الولايات المتحدة الأمريكية رحل فى أوائل شهر رمضان ودفن فى مدافن المسلمين وفناننا الراحل الكبير رائد من رواد الفن المصرى المعاصر وتخرج فى كلية الفنون الجميلة 1950 وحصل أيضا على ليسانس الآداب جامعة القاهرة 1954 ودبلوم الطباعة بأكاديمية الفنون بدسلدورف بالمانيا 1961 ودكتوراه فى الفلسفة وتاريخ الفن وعلم الجمال من جامعة كولونيا بألمانيا 1972 وعمل فى ألمانيا لمدة 12 عاما ثم رحل إلى أمريكا ، وقد شغل وظيفة معيد بعد تخرجه من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة ثم مدرسا وأستاذا ورئيس قسم الحفر بفنون الإسكندرية بعد أن أسسه الفنان د. عبد الله جوهر والفنانة د. مريم عبد العليم وتتلمذ على يديه مجموعة من فنانى الحفر فى الإسكندرية منهم د.فاروق شحاته ود.عطية حسين ود.محمود عبد الله والراحل الفنان سعيد العدوى ومجموعة فنانى الإسكندرية فى فن الحفر .
- والفنان د. احمد ماهر رائف عمل وكيلا لكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية واهتم بالتراث والخط العربى فى تشكيلات وإبداعات من خلال فن الجرافيك وحصل على العديد من الجوائز واسهم بدور رائد فى فن الحفر والحركة التشكيلية بالداخل والخارج وفى الحركة المصرية الفنية المعاصرة ، كما فى عالم الفن ومن مؤسسى جماعة الفن المعاصر 1944 مع الفنانين حامد ندا وعبد الهادى الجزار وكمال يوسف ومحمد خليل درس الفن فى إيطاليا وفرنسا وألمانيا وشارك فى المؤتمرات بالداخل والخارج وعرض أعماله وشارك فى العديد من المعارض حيث اسلوبة وتميزه فى فن الحفر بأسلوبا تجريديا متميزا لما اسهم وشارك فى الارتقاء بالفن التشكيلى ،وأستاذ الأجيال متعاقبة ،ومن مؤلفاته (الأسس الجمالية للكتابة العربية لابن فعلة 1975 وقد حقق الفنان جوائز عديدة جائزة عبد العليم 54 وجائزة مختار لاولى فى نفس العام وحصل على وسام ونوط الامتياز من الطبقة الأولى ( 88 ) وجائزة الأوسكار من ألمانيا ( 89 ) وجائزة بينالى الإسكندرية لعدة سنوات وجائزة الشرف من جامعة الإسكندرية ( 91 ) وقد توفى الفقيد العزيز ( 5 سبتمبر 99 ) بعد رحيل زوجته سمية بخمسين يوما ، وكان الفنان د. أحمد ماهر رائف أحد رواد فن الحفر وتاريخ الحركة التشكيلية المصرية المعاصرة .
- وقد اقتنت العديد من المؤسسات والمتاحف أعمال الفنان الرائد . كما اقتنت مؤسسة أندلسية أعماله وستقوم بطبعها فى كتاب يمثل مراحله الفنية كما أن هناك مجموعة لمحمد رشيد .
فاروق شحاته
أحمد ماهر رائف .. التصوف البصرى .. والتجريدية الحروفية
- هو فنان وفيلسوف وصوفى متأمل.. قضى حياته فى الدرس والبحث والتعبير مجسدا افكاره فى مساحة عميقة جعلت له مكانة كبيرة فى الابداع المصرى المعاصر.. وقد امتدت بدرامية شديدة فى ملحمة طويلة..فقد درس بالفنون الجميلة ودرس الفلسفة بكلية الاداب.. وبدا تشخيصيا وانتقل الى التجريدية الحروفية وانتهي تشخيصيا حيث انجذب لسحر الصورة مرة اخري .. الفنان احمد ماهر رائف احد الرموز الكبار فى فن الحفر الحديث. وقد تنقل فى اماكن عديدة.. ولد بشبرا وقضي طفولته بحي المعادي وانتقل الي الاسكندرية ودرس بألمانيا واستقر به الحال مقيما مع ابنه بالولايات المتحدة الامريكية حتى نهاية رحلته مع الحياة.
النيل والطفولة .
- ولد رائف فى عام 1926ونشأ فى أسرة دينية محبة للفن فكان جده عالما من علماء الازهر الشريف اما والده فكان مدرسا وفنانا تشكيليا زميلا للرواد الكبار : يوسف كامل واحمد صبري وراغب عياد وقد نهل من هذا المنهل مما اثر فى مراحله الفنية ونظرته للفن.
- وفى بداية الطفولة انتقلت الاسرة الى حى المعادى فى جنوب القاهرة علي الضفة الشرقية للنيل والذي تميز بالخضرة الظلية من الاشجار .. وتعود رائف ان يتامل الحقول ويمتلئ بالوان الزهور والنوار ويمتع روحه بمشاهد النيل وصور الصيادين.. ومن هنا كان ينقل تلك المشاهد يملأ بها هوامش كراساته وكتبه بمثابة مذكرات مرسومة.
- وكان رائف واحدا من اعضاء جماعة الفن المعاصر التي اسسها المربي حسين يوسف امين من تلاميذه بالتعليم الثانوي عام 1945 والذين اصبحوا فيما بعد فنانين مرموقين وكان معه : عبد الهادي الجزار وحامد ندا وسمير رافع وابراهيم مسعودة ومحمود خليل وكمال يوسف وسالم عبد الله حبشي.
- وارتكز اعضاؤها في موضوعاتهم علي الخرافات الشعبية حيث استطاعوا ان يتوصلوا الي ما وراء الظواهر الشعبية في الحياة اليومية وانماط السلوك وان يرجعوها الي العقل الباطن الجمعي .
- وهنا اتجه رائف الي التعبيرية في موضوعات خشنة وقاسية باساليب حوشية الطابع وميتافيزيقية القالب والمعني وينتقل الي ايقاع رمزي غلب عليه التلخيص في المشخصات كما في لوحة `السماكين - زيت علي توال -1948 -1949 `ولوحة ` عجلة الميلاد `زيت علي توال -1949` .
- وبعد حصوله علي التوجيهية ` الثانوية العامة ` التحق بكلية الفنون الجميلة وتخرج فيها عام 1950 ....واتسمت اعماله بالواقعية في مشروع التخرج و كان موضوعه ` علي شاطئ النيل ` وقد اختاره لمعايشته الشديدة وتأملاته للنيل منذ طفولته .. كما في لوحة `الصيادين - رسم بالقلم الرصاص - 1950 ` وصور فيها هؤلاء الذين يصنعون ملحمة الامل والعمل من جذب المراكب بالحبال علي المرسي وتبدو هنا شاعرية الاضواء والظلال.
الفلسفة ومرسم الأقصر
- وفي عام 1952 .. بعد عامين من تخرج رائف في الفنون الجميلة التحق بكلية الاداب قسم الفلسفة، كما اوفدته الفنون الجميلة الي بعثة داخلية في مرسم الاقصر هناك حيث ابدع الاجداد تراثا ممتدا هذا مع تأملاته في الفن الشعبي والعمارة التلقائية ومناظر الريف هناك.
- فامتزجت رؤاه بين الكلمة والصورة وتعانق الفكر مع الفن ..
- كما نري في`الكوميديا الإنسانية- 1952 ` التي تختلط فيها الملهاة بالمأساة.
- وتجسد لوحة ` المولعين بالكهوف- تصوير -1953 ` ايقاعا سيرياليا يفيض بعمق التعبير الدرامي الشعبي. أما لوحة ` امراة واناء الصبار- مجموعة الاقصر -1953-الوان باستيل ` والتي صور فيها امراة جالسة في حالة انتظار تحتضن اناء ضخما مزروعا بالصباروسط المقابر ..وقد غلب علي هذه الفترة مساحة من الحس التشاؤمي.
- وينتمي لتلك المجموعة ` بورتريه لسيدة نوبية - فحم علي ورق - 1953 ` وهو يقترب في ألوانه من الاصفر اليانع والاحمر الهندي والأخضر الزيتوني ويبدو عالمه التعبيري معادلا لعالمه الفلسفي والروحي.. لكن بدات النزعة التشاؤمية للفنان رائف تخف بالتدريج وامتزج فيها الفكر الفلسفي بروح النبض الشعبي مع الموروث الفرعوني.
- وقدم لوحات تميزت ببلاغة التصميم الجرافيكي يدخل فيها التصوير الفوتوغرافي والرسم والتلوين والاحماض والشاشات الحريرية.
البعثة إلي ألمانيا
- وفي عام 1956 سافر أحمد ماهر رائف الي المانيا في بعثة دراسية حتي عام 1961 في اكاديميات دوسلدورف وفوبرتال وعاد أستاذا بالفنون الجميلة. وتمثل هذه المرحلة أهمية كبيرة والتي قدم من خلالها العديد من التجارب التي اينعت وابدعت العشرات من النسخ الطباعية بطريقة الليتوجراف من أسطح الحجر والطباعة البارزة من خلال أسطح خشبية ذات مساحات كبيرة.
- ولقد واكبت أعمال رائف منجزات ثورة 1952مستجيبة للتحولات الاجتماعية والتطور الذي شهده الشعب وعبرت في جانب منها عن احلامها وتطلعاتها مثلما نري في لوحة ` التقدم في عهد الثورة - متحف الفن الحديث - 1969 - زيت علي أبلكاش `.
- وايضا لوحة ` العمل في الحقل- زيت علي سيلوتكس.. ولوحة السد العالي التي بدت عبارة عن مجموعة مثلثات ناشئة عن تقاطع خطوط هندسية ودوائر ميكانيكية .
هو والتجريدية الحروفية
- ولا شك أن أعمال الفنان ماهر رائف في مرحلته الحروفية تمثل قيمة كبيرة في الفن المصري المعاصر.. وفي فن الجرافيك علي وجه الخصوص جعلت منه رائدا لهذا الاتجاه الذي جمع بين التجريد والتعبير وبين تداخل الحروف مع المساحات والخطوط وذلك بفكره الفلسفي في الفنون الاسلامية والانتقال بها الي حالة معاصرة تنتمي للحداثة.
- وقد وصل الي التجريد الخالص الذي نري انه نوع من التصوف الفني وجاءت تلك الاعمال بدءا من عام 1967 والتي بدأ يحقق فيها أعماله بحروف لاتينية وعربية وحتي الرموز الفرعونية والكتابات المختلفة.
- وهنا تظهر الخطوط الحروفية دون اللجوء لمدلولها اللفظي فتارة يزاوج بين الحروف والمساحات اللونية وتارة يخفيها في ثنايا التأثيرات والمساحات الملونة وتارة يبرزها ويؤكدها .
- وبدءا من عام 1975 إلي عام 1992 كانت رسالة الدكتوراة التي أعدها الفنان أحمد ماهر رائف بجامعة كولونيا بقسم تاريخ الفن للدراسات الشرقية وحقق العلاقة بين الهندسة والفلسفة عند ابن مقلة وإقليدس.
- ومن هنا جاءت دعوته لإقامة منهجاً يقوم علي استلهام الخطوط العربية والتراث الإسلامي للبحث عن القالب الإنساني في تأمل فلسفي وعلمي متصوف .
- واتخذ لنفسه أسلوباً اتبعه لتطبيق أفكاره ونشر مبادئه بعد أن اعتلي منصب رئاسة القسم بكلية الفنون بالاسكندرية.
- ولكن فناننا احمد رائف عاد من جديد الي سحر الصورة او التصوير التشخيصي في عام 1993وحتي عام 1999 وذلك اثناء اقامته بامريكا فلجأ إلي التصوير من خلال أقلام حبر ملونة ذات أحبار مائية .
- وقد رحل فناننا الكبير ماهر في 5 سبتمبر من عام 1999 في اوائل شهر رمضان .. بعد رحيل زوجته السيدة سمية بخمسين يوما كما يقول الفنان فاروق شحاتة ودفن في مقابر المسلمين هناك.
- والأجمل ان جاءت خلاصة تجربة ماهر رائف العميقة في الابداع تأكيدا علي معني الفن وقد عاد الي سحر الصورة ذات الايقاع التشخيصى وهو الذي يقول: `إن اعتبار الصورة المشخصة أي الصورة المضاهية للشيء المصور أشد دلالة علي المعني من الكلمة المكتوبة فهي تحمل معناها في ذاتها فلا تلجأ إلي ترجمة هذا المعني إلي لغة أخري إذا جاءت لغة هذه الكلمة المكتوبة..الأمر الذي يحدث في لغات البشر جميعاً القديم منها والجديد` .
- سلام علي الفنان احمد ماهر رائف بعمق ما أضاف للإبداع المصري الحديث في فن التصوير وفن الجرافيك`.
بقلم : صلاح بيصار
جريدة القاهرة