النقاء وشفافية الألوان فى منحوتات زجاجية
- ينفرد الزجاج بأبعاد تشكيلية تختلف عن أى خامة أخرى وذلك لما يحمل من درجات السطوع والنقاء وشفافية الألوان.. وهو أيضاً من أكثر المواد إثارة بالنسبة للمثال أو المبدع المولع بالحجوم والأشكال والمجسمات.. من تلك المادة التى تتميز بالسحر الكونى .
- ولقد جاء معرض الفنانة الشابة ياسمينة حيدر `منحوتات زجاجية` تأكيدا على معانى هذا الفن وقد أقيم بمركز الجزيرة للفنون بالزمالك وقدمت من خلاله 13 قطعة نحتية تنوعت فى أحجامها وطرق الأداء .
- وياسمينة حصلت على الدكتوراه فى تاريخ هذا الفن فى كلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية.. وهى تقول : خامة الزجاج تحمل الغموض بين ماهو مرئى وماهو ملموس فى آفاق واشراقات من الشفافية مع العتامة وتغير ألوانه خاصة والنظر من خلاله يبدو أشبه بالنظر من خلال النفس الرقيقة التى يسكنها الضوء .. ومادة الزجاج غنية فى التجريب والتطوير فى فن النحت واستحداث أساليب وطرق جديدة لها قيمتها الفكرية والفنية الحقيقية .
- وقد عرف الزجاج فى الفن المصرى القديم من خلال الفصوص الزجاجية التى تزين القلائد والطلاءات الزجاجية الموجودة على تماثيل صغيرة مصنوعة من الخزف وجدت فى مقبرة الملك نارمر وترجع إلى عصر الأسرة الأولى .
- كما تم العثور على بقايا أقدم مصانع الزجاج فى العالم فى طيبة والتى ترجع إلى عهد الملك امنحتب الثالث ` 1337- 1360 ق.م ` وغيرها .
الزجاج والفراعنة
- وقد استخدم قدماء المصريين الزجاج لصناعة أدوات مختلفة .. كالأوانى والتماثيل الصغيرة والحلى بطرق تشكيلية مختلفة كالتشكيل بالصهر فى القوالب والتشكيل المباشر .
- ويعد البورتريه الخاص بالملك امنحتب الثانى والموجود حاليا بمتحف كورننج بالولايات المتحدة الأمريكية أقدم النحت الزجاجى الذى عرف حتى الآن فى العالم وقد تم تشكيله بصهر الزجاج الأزرق فى قالب حرارى.
- أما فى العصر الحديث فلاشك أن الفنان زكريا الخنانى وزوجته الفنانة عايدة عبد الكريم قد بعثا هذا الفن من جديد فى مصر.. وعملا على إعادة تقديم واحياء تشكيل الزجاج فى القاهرة فى القرن العشرين بإستخدام التكنولوجيا المصرية القديمة وعجينة الزجاج عندما بدأ هذا الإتجاه عام 1965 وأعمالهما يضمها متحف `فن الزجاج والعجائن المصرية ` والكائن بمنطقة الجيزة .
أنيق وجديد
- وقد جاءت أعمال الفنانة ياسمينة من داخل معرضها بمركز الجزيرة .. مستخدمة وسائل تكنولوجية مختلفة من صب وصهر الزجاج والنحت المباشر .. وهى تمثل حالة تعبيرية خاصة.. فى غنائيات من وحى الماء.. والطبيعة فى هدوئها وشاعريتها .. وغضبها وصخبها وقد استفادت من امكانيات الزجاج كحالة تتميز بالشفافية والرهافة والنقاء .. وقدمت عالماً جمع بين التجريد والتشخيص وبين التعبيرية الرمزية والحسية والروحية .
- فى منحوته الاعصار والتى شكلتها لمسة ياسمينة فكل ايقاع حلزونى `بريمة` من الأخضر العشبى الشفاف قدمت خلاله منحوته رمزيه لهدير الإعصار وما يخلفه من آثار .. جاءت فى أشكال هندسية مكعبة على القاعدة الداكنة بالرمادى.. وهنا تميز التشكيل بحوارية لونية بين الأخضر والرمادى وبين الإيقاع الهندسى الصارم فى القاعدة والموجات القوسية التى تمثلت فى التشكيل ذاته.
- وقد استغلت ياسمينة امكانية الزجاج التعبيرية كخامة تتميز بالنقاء والشفافية وشاعرية اللون .. ومزجت أشكالها فى حوارات مع الأحجار الصلبة فجاءت الأعمال مسكونة بالتعبير من الرهافة والقوة والصلابة.. وتنوعت الألوان من الأبيض الشفاف إلى الأخضر والبنفسجى والأسود والوردى الهادىء .
- كما قدمت فى منحوتتها `الشاطىء المهجور` قارباً بالأخضر السندسى على صخرة صلبة سوداء .. حوارا بين النعومة والرشاقة والانسياب وبين الخشونة والقوة والصلابة المتمثلة فى الشاطىء.
- أيضاً قدمت مجموعة من الوجوه الصغيرة فى ألوان عديدة هامسة وفى تشكيلها للكرة قدمت تكونيا لكرة سوداء .. على تشكيل تلقائى ملون شفاف.. جاءت تأكيدا على سحر الخامة وسحر التناول .
- وياسمينة حيدر حاصلة على الدكتوراه فى النحت المباشر فى الزجاج فى كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 2009 ودرست فى أكاديمية كرارا للفنون الجميلة بجامعة بيزا بإيطاليا من خلال منحة لمدة عامين بين عامى 2006، 2008. - وشاركت فى العديد من المعارض الفنية وورش العمل فى مصر وألمانيا وإيطاليا وتركيا وقامت بتنفيذ أعمال ميدانية من النحت الزجاجى فى ايطاليا ومصر وهى تعمل حاليا كمدرس لفن النحت فى كلية الفنون الجميلة كما تعمل نائب مدير مركز الفنون بمكتبة الاسكندرية .
- تحية إلى أناقة التعبير .. ورهافة التشكيل فى منحوتات من الزجاج .
صلاح بيصار
مجلة حواء - 4/ 12/ 2010
النحت على الزجاج يخاطب العقل والمشاعر
- موهبتها وإصرارها وعشقها للابتكار كلها عوامل تضافرت مع نشأتها فى بيئة حاضنة للإبداع لتشكل فنانة من طراز خاص جدا..
- أناملها الذهبية داعبت فقرات البيانو منذ نعومة أظافرها فعزفت أعزب الألحان، ثم دفعها عشقها للفن إلى سبر أغوار مجال آخر تماما هو النحت على الزجاج فأبهرت كل العيون التى طالعت أعمالها.. وأصبحت مجسماتها ضمن مقتنيات أهم المتاحف والمعاهد الفنية فى العالم ..
- إنها عاشقة الزجاج الدكتورة ياسمينة حيدر الاستاذة بكلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية التى تمتلك من التنوع الثقافى والثراء الفكرى والإبداع الفنى ما يستحق التوقف عنده للتعرف على نموذج ناجح جدا للفتاة المصرية التى استطاعت بالإصرار والإرادة أن تشكل جسراً فنيا يربط بين مصر والعالم.
- `أكتوبر` التقت مع الفنانة الدكتورة ياسمينه حيدر فى حوار خاص تكشف من خلاله عن أسرار فن النحت على الزجاج، وتقدم روشتة العلاج لاستعادة التاريخ العريق والسجل الناصع لمصر وللإسكندرية تحديدا مع هذا الفن الجميل والنادر.
* قدراتك الفنية العالية والمتنوعة تستدعى العودة إلى فترة تكوينك الأولى الأسرة والعائلة والعوامل الأخرى - التى صنعت ياسمينة حيدر؟
- لقد نشأت فى أسرة مصرية متفتحة،عائلة سكندرية لها جذور إيطالية وتركية، تقدر التنوع والتفاهم واحترام الثقافات المختلفة والتمسك بالقيم الإنسانية النبيلة وبمبادئ الخير .
- وفى ظل عمل أمى بتدريس الموسيقى، انجذب شعورى وعقلى لذلك العالم المجرد التى تتشابك خواصه بين الواقع والخيال؟ وكونى طفلة وحيدة، تنعم بالهدوء والخصوصية ظلت أناملى تلعب على البيانو وتكتشف التشكيل بالألوان والمواد البسيطة كالصلصال والجبس وفى ذلك الوقت كانت تعيش معنا فى المنزل جدتى لأمى وهى إيطالية الجنسية وقد تعلمت منها أشياء كثيرة منها الطهى والتفصيل والتريكو والكورشيه بالإضافة إلى الرسم والتطريز على القماش إلى أن أتممت سن العاشرة وقررت والدتى إلحاقى بكونسيرفاتورا موسيقى الإسكندرية الخاص لدراسة العزف الكلاسيكى على آله البيانو بجانب ممارستى للرياضة ودراسة اللغات على التوازى مع دراستى بكلية النصر للبنات الإنجليزية التى حصلت منها على شهادة الثانوية العامة فى القسم العلمى عام 1955.
- ورغم تفوقى فى العزف والأداء الموسيقى فإننى خالفت ظنون أساتذتى وأخترت الالتحاق بكلية الفنون الجميلة لرغبتى فى اكتشاف عالم الفنون التشكيلية عن قرب، وخلال المرحلة الإعدادية بالكلية، حصلت على دبلوم العزف الكلاسيكى المنفرد على البيانو من المدرسة الملكية للموسيقى بانجلترا من خلال كونسيرفاتوار موسيقى الإسكندرية، وقد اكتشف أساتذتى بالكلية موهبتى فى فن النحت حيث تخصصت فى قسمه العام اللاحق لأتفوق فى دراسته واتخرج عام 2000 بترتيب الأولى على الدفعة وأتعين بوظيفة معيدة لتتوالى السنون وأتخصص فى مجال نادر وهو النحت الزجاجى وأحصل فيه على درجة دكتوراه الفلسفة بتقدير امتياز عام 2009 .
غموض الزجاج
* النحت على الزجاج تخصص صعب ونادر فما هو الدافع وراء اختيارك لهذا التخصص؟ وهل من الممكن أن نتعرف أكثر على هذه المادة وأسرارها ؟ من أكثر المواد إثارة بالنسبة للفنان المهتم بالأشكال والمجسمات هى مادة الزجاج، تلك المادة المتفردة التى تجسد الإثارة فيما تحمله من معانى الغموض بين ما هو مرئى وما هو ملموس فى حالات شفافيته وإعتامه وتغير ألوانه .
-فالنظر من خلاله مثل النظر من خلال النفس الرقيقة التى يسكنها الضوء وينعكس منها ليكون طاقات طبيعية ترتقى بقيمة العمل الفنى ومغزاه.. وينفرد الزجاج بثراء أساليب تشكيلة وبتنوع صفاته الطبيعية التى تقربه من المعادن فى صهره وصبه فى القوالب الحرارية والمعدنية وصفات أخرى تقربه من السوائل اللزجة مما يميزه بخاصية تشكيله المباشر فى حالته الساخنه، كما يمكن تشكيله أيضاً بالأساليب المباشرة فى حالته الباردة باستخدام بعض تقنيات تتماثل مع تقنيات نحت الأحجار الصلبة التى تتيح للفنان إبداع أعمال ضخمة الحجم وتطويع صفاته الطبيعية والميكانيكية لتتناسب مع تشكيل النحت المرتبط بالعمارة والعرض فى الهواء الطلق .
- كما يمتاز أيضا بثراء خصائصه البصرية من حيث الشفافية والاعتام وتفاعل المادة مع اللون والضوء وبالتالى التفاعل مع البيئة المحيطة .
* اكتشفت أبعادا تشكيلية خاصة بالنحت المباشر على الزجاج ما هى نوعية هذه الاكتشافات؟ وهل هى مسجلة باسمك؟
-قمت بعمل مسح شامل لاستخدامات هذه المادة فى مصر فوجدت أن بعض الفنانين يستخدمونها فى حدود تقنيات الصهر والصلب والبعض الآخر يستخدمونها فى بعض من الفنون التشكيلية القائمة على تقنيات الصهر وهى غير منتشرة، وبنظره متوسعة فى العالم وجدت فى أمريكا أن الفنانين يتبعون تقنيات تشكيل الزجاج الساخن من خلال عمليات النفخ التى تتيح للفنان إنتاج أعمال صغيرة الحجم ويصعب عليهم إمكانية تطويع المادة لتنفيذ أعمال ميدانية وصرحية كبيرة الحجم .
- أما فى أوروبا فوجدت أن لديهم نفس المشكلة وهى العجز عن إنتاج أعمال نحتية كبيرة الحجم باستثناء بعض الدول كإيطاليا وفرنسا وعلى رأسهم تأتى جمهورية التشيك والتى تعتبر الدولة الأكثر تميزا فى إنتاج الأعمال الزجاجية على المستويين الساخن والبارد واستطاعوا من خلال تسخير التكنولوجيا والعلم أن ينتجوا أشكالا ذات أحجام كبيرة جدا ولكن عن طريق الصب.
- وأصبح لدى مشكلتين الأولى هى كيفية تطوير هذه المادة لكى تعود إلى مصر الريادة فى فن الزجاج فالإسكندرية كانت أشهر مدرسة فى العهد الرومانى فى هذا الفن والأعمال المصرية القديمة متواجدة الآن فى كل المتاحف المتميزة والمشهورة فى العالم، والمشكلة الأخرى هى عدم وجود إمكانيات تكنولوجية فى مصر تتيح لى القدرة على إنتاج أحجام كبيرة عن طريق الصب كما هو متاح فى الغرب .
- وهنا تفتق ذهنى إلى محاولة إنتاج أعمال كبيرة الحجم عن طريق النحت آخذه فى الاعتبار الصعوبة التى حتما سأواجهها وأنا أقوم بهذه العملية لأن الزجاج ذراته غير منتظمة، وبالتالى النحت عليه محفوف بالمخاطر، فكان لابد من دراسة وتحليل المادة من الناحية الكيميائية والفيزيائية ودراسة تكنولوجيا تصنيعه والبحث والتطوير فى التقنيات المستخدمة وأبتكر وأضيف عليها تقنيات جديدة لكى أصل فى النهاية إلى مرحلة السيطرة على المادة والقدرة على الحصول على أفضل نتائج ممكنة وبالفعل نجحت فى الوصول إلى الهدف المنشود وإنتاج أعمال صرحية كبيرة الحجم عن طريق النحت الأول مرة على مستوى العالم .
- وقد سجلت تجاربى السابقة برسالتين : الماجستير ثم الدكتوراه التى تم تنفيذ الجوانب التطبيقية منها فى إيطاليا وألمانيا وتركيا .
* وماذا عن الأدوات التى تستخدمينها فى نحت الأعمال الزجاجية وهل هناك أخطار من الممكن أن تواجهك أثناء العمل ؟
- استخدم أدوات القطع المحملة بحبيبات الماس من خلال ماكينات كهربائية أو ماكينات تعمل بضخ الهواء بالإضافة إلى المناشير والصاروخ الكهربائى وبالتأكيد هناك أخطار تواجهنى أثناء النحت منها الغبار المتطاير الناتج عن عمليات القطع وهو ضار جدا على الصحة ومن يتعرض له بشكل مباشر يصاب بمرض السليكوزيس المسبب لتيبس الرئة والأخطر من ذلك هو ارتفاع درجة حرارة الزجاج أثناء عملية النحت مما يؤدى إلى انفجار العمل وبالتالى تحدث إصابات وأضرار جسدية نتيجة التعامل الخاطئ مع الزجاج، بالإضافة إلى أن التردد العالى للآلات المستخدمة فى النحت تسبب التهاب أعصاب اليد.
سمبوزيوم الإسكندرية
* منذ أيام انتهت فعاليات سمبوزيوم الإسكندرية الدولى الذى أقيم فى مكتبة الإسكندرية وكنت أنت القوميسير العام له، عرفينا أكثر على الجديد الذى قدمه السمبوزيوم هذا العام وما هى الاعمال التى لفتت نظر الجمهور؟
- قد تم اختيارى لإدارة هذه الدورة فى عام 2010 لتبنى فكرة التشكيل المجسم والنحت فى الزجاج كتجربة رائدة من نوعها، فيعتبر الملتقى الأول من نوعه فى مصر والشرق الأوسط بما يقدمه هذا العام فى التشكيل المجسم باستخدام مادة الزجاج كمادة تشكيلية أساسية يبدع منها الفنانون أعمالاً فنية مبتكرة من المجسمات والنحت الزجاجى باستخدام تقنيات تشكيل الزجاج المختلفة، كالنفخ والصب والتجميع والحفر والنحت المباشر .
- استمر المعرض حتى 21 أغسطس 2010 ثم انتقلت الأعمال إلى أماكن مختلفة بالمكتبة لتصبح من ضمن مجموعة المقتنيات الفنية الدائمة للمكتبة وقد جمع الملتقى نخبة من الفنانين - 16 فناناً - من مصر وإيطاليا واليونان وقبرص وجمهورية التشيك، كل ذو خبرة مختلفة وقد قمت بالتجهيز لهذا الملتقى على مدار عام كامل بدءا من اختيار الفنانين الأجانب والمصريين وهى عملية صعبة نظرا لندرتهم الشديدة فى هذا المجال، ثم التواصل معهم لاختيار أعمالهم القابلة للتنفيذ ثم تجهيز متطلباتهم وأخيرا العمل معهم لتنفيذ الأعمال الفنية فى ورشة عمل السمبوزيوم خلال شهر يونيو 2010 .
- وقد كانت الإسكندرية خلال العام القديم فى الحضارتين الفرعونية والرومانية هى أهم مركز لصناعة وتشكيل الزجاج، حيث انتشر منها للعالم حتى تطورت صناعته وفنون تشكيليه بشكل مذهل، وهذا الملتقى يعيد للإسكندرية فرصة تقديم ذلك الفن الذى تباعد وتغير وتطور عبر العصور المتتالية..كما يكشف هذا الملتقى عن جوانب إبداعية جديدة تتيح للفنان إبداع أعمال مختلفة تتناسب مع التشكيل المرتبط بالبيئة المحيطة وتكشف لنا أبعاداً تعبيرية فريدة .
* فى متحف المركز القومى للفنون المسرحية والموسيقى والفنون الشعبية بالقاهرة يوجد لك تمثالان من أعمالك أحدهما للفنانة أمينة رزق والآخر لنجيب سرور لماذا اخترت هاتين الشخصيتين تحديدا، وهل التمثالان من الزجاج ؟
- التمثالان من لدائن البولى استر والمنهى سطحهما على شكل سبيكة البرونز، وقد قمت بتنفيذهما عام 2001 بناء على ترشيحى من المسئول على مشروع تنفيذهما بصفتى أجيد فن البورتريه. وقد استمتعت بتلك التجربة حيث قمت بعمل بورتريه الفنان نجيب سرور بالرجوع إلى بعض صوره النادرة فى مرحلة عمرية متوسطة تعكس ملامح شخصيته وتجسمه، وقمت بعمل بورتريه الفنانة أمينة رزق بالرجوع إلى بعض صورها ومشاهدة بعض الأفلام والمسرحيات لأمثلها أيضا فى مرحلة عمرية متوسطة بكل ما تحمله من معانى العمق الإنسانى والجذب والتألق وتفرد التعبير .
- من هم أساتذتك فى هذا المجال وبمن تأثرت من الفنانين سواء من مصر أو من الخارج؟
- بما أننى فى مجالات النحت الزجاجى أجمع بين تخصصين يندر اجتماعهما وهما فن النحت وفن الزجاج، فقد تتلمذت فى فن النحت على يد أساتذة الفنون الجميلة بالإسكندرية وعلى وجه الخصوص الأستاذ الدكتور جابر حجازى والذى أشرف على رسالتى فى مرحلة الدكتوراه مع الأستاذ الدكتور محمد سالم بمصر والبروفيسير بيير جورجو بالوكى بإيطاليا.
-أما فى فن الزجاج، فقد اعتمدت على المراجع العلمية فى دراستى وتأثرت فنيا بالبروفيسير اليونانى كوستاس فاروتسوس وهو أشهر من ينفذ أعمالا صرحية من النحت المعمارى والبيئى من الزجاج والبروفيسير التشيكى ستانيسلاف ليبنسكى الذى يعد أبا فنانى الزجاج فى العالم.
مخاطبة العقل
* ما الفرق بين النحت الزجاجى والنحت الرخامى والجرانيتى والخشبى؟ وأيهم أصعب؟ وهل جربت العمل بهذه الخامات؟
- لقد تخصصت فى النحت العام قبل أن أتخصص فى النحت الزجاجى، فاعمل بجميع الخامات والمواد وكل له معطياته التشكيلية التى يجب أن يحترمها الفنان ويوظفها حسب خصائصها، وفى بعض الأحيان أقوم بدمج الزجاج مع مواد مختلفة من الأحجار والمعادن وبدون تحيز لمادة الزجاج التى أعشقها حقا، يعتبر هو الأصعب فى التعامل مع خصائصه التى تتطلب دراسة متعمقة لكيمياء وفيزياء الزجاج حتى يتمكن الفنان من السيطرة على المادة ويدرك خطورة التعامل المباشر معها لأنها مادة لا تحتمل الخطأ ولا تخضع للتصويب.
- ففى تشكيل ونحت الزجاج، نرى أن التكنولوجيا تؤثر تأثيرا مباشراً على توجهات الفن مثلما تؤثر قضايا الفلسفة والاجتماع، وتتعاظم عمليات الإبداع الفنى بتطويع أساليب التشكيل والدراسة العلمية للمادة والنحت الزجاجى يتأثر فى شفافيته ولونه بطبيعة تكوينه وطرق تشكيله وعوامل البيئة المحيطة المنعكسة عليه، كذلك يؤثر العمل نفسه على البيئة المحيطة والمتلقى بشكل مباشر، فيعكس أبعادا تعبيرية ومفاهيم ثقافية تخاطب العقل أو الشعور أو كليهما، فيتأثر المتلقى بطاقات متعددة منبعثة من تلاقى الجسم ثلاثى الأبعاد مع البيئة المحيطة، وهو له ملامس مختلفة، ويشتت أو يعكس الضوء والألوان التى تستخدم فى إثارة انفعالات مختلفة .
* ما رأيك فى `موضات` النحت الجديدة كالنحت على الجليد والرمال ؟
- هو نوع من النحت الممتع فى خامات مؤقتة ليست مستديمة، له بعد ثقافى واجتماعى مشوق، فيجتمع فى ملتقاياته الفنانون المحترفون والهواة وفى بعض الأحيان يقوم على العمل الجماعى مما يخلق روحا جميلة للجماعة والفريق.
ماذا عن `الورقة المنسدلة ` التى تزين أحد أهم الميادين فى اقليم توسكانا فى بلدة سيينا بشمال إيطاليا ؟
- `الورقة المنسدلة ` هى أول عمل ميدانى لى من النحت الزجاجى، وهى النحت الميدانى كبير الحجم الوحيد لى بأوروبا ويليها عمل `الإعصار` بالإسكندرية .
وتم إقامة `الورقة المنسدلة ` فى منتزة الكيانتى الطبيعية للنحت بشمال غرب إيطاليا فى بلده سيينا Siena، والتى شهدت تجارب فنية متميزة فى النحت البيئى .
- وتعد `الورقة المنسدلة ` عملا نحتيا تجريديا من الزجاج، ونشأت الفكرة من شكل ورقة شجرة البلوط، رمز القوة والبقاء، وهى تتكئ على قاعدة من رخام البورتورو Portoro المستخرج من بورتوفينيرى portovenere بإيطاليا. ويؤكد التباين بين لون الزجاج الفيروزى نصف الشفاف وبين لون الرخام الأسود الذى يتخلله عروقاً من اللون الذهبى المشاعر الغامضة والمثيرة فى اللون الأسود الذى يحمل الشكل الزجاجى بلونه الباعث للهدوء والتجدد والتأمل مما يحمله من إيقاعات موسمية للأشجار والبيئة المحيطة، والتى تنعكس فى جسم النحت الزجاجى لإيجاد حوار متناغم بين الفن والطبيعة .
* وماذا عن الإعصار الذى تقتنيه الآن مكتبة الإسكندرية ؟
- عمل `الإعصار` الذى قمت بتنفيذه فى سمبوزيوم مكتبة الإسكندرية هذا العام، نحت فى 550 كيلو جراما من زجاج جير الصودا المصفح، ويعتبر هو الأول من نوعه فى مصر حيث إنه عمل صرحى ميدانى يصلح للعرض فى الهواء الطلق ويتفاعل مع البيئة المحيطة، منفذ عن طريق النحت المباشر فى الزجاج المصفح، وهى تقنية نادرة فى العالم بسبب صعوبة ممارستها وخطورتها..فيعرض هذا العمل إمكانيات تشكيلية فريدة لمادة الزجاج ليجعل منها مادة تشكيلية لها مكانتها فى فن النحت لتفتح أفاقا جديدة فى عالم الإبداع التشكيلى المستحدث
* ما الفرق بين المتلقى العربى والمتلقى الأجنبى للمنحوتات الزجاجية سواء من الناحية الفنية أو المادية ؟
- النحت الزجاجى معروف فى أوروبا وأمريكا وشرق آسيا على أنه فن نادر وله قيمة فنية ومادية كبيرة ويندر استيعاب تلك القيمة المادية فى بعض الأحيان لدى المتلقى العربى بسبب عدم الاعتياد عليه على الرغم من أنه يقدر تماما القيمة الفنية للعمل، والمتلقى الأجنبى يعمل بجهد على نشر قيمة العمل الفنية وتقديم كل تجربة فى مجالها الصحيح لإعطائها حجمها الحقيقى فى الحركة الفنية والثقافية .
* هل تشعرين بالحزن أو الإحباط لعدم معرفة الكثيرين بهذا الفن أو بنجومه ؟
- عملى يقترن بالكثير من الجهد والمعاناة الفكرية والجسدية مما يتطلب التمتع بصفة الجلد والإصرار الذى لا يجتمع أبدا مع الإحباط. وقد أشعر فى بعض الأحيان بالحزن عندما لا يلاقى العمل التقدير الفعلى ولكنى تعلمت منذ مولدى أن أعمل للقيمة الحقيقية قبل أن أعمل للشهرة أو الكسب.. ومتعة الفنان التشكيلى الحقيقية هى ممارسة عمله الذى يحس تجاهه بالولع عندما تولد تجاربه من عالم الخيال ويجلبها إلى عالم الحقيقة ليعمل على تجسيد أفكاره فى أشكال تعبر عن مفاهيم حضارية وثقافية معينة وتبعث طاقات تؤثر بشكل مباشر على حيوية الإنسان وفكرة والبيئة المحيطة وبالتالى تؤثر على المجتمع وتقوم على توجيه أداء الفرد وإثرائه .
- ولا شك أن هذه المتعة تكتمل بالاطمئنان والاستقرار والتجدد عندما يلاقى الفنان دعم المجتمع من حوله فى تتويج وتنمية نجاحه.
وليد عباس
2010/10/10 - مجلة أكتوبر