محمد رزق محمد رزق
- لقد كانت مفاجأة حقا لزوار معرض الفنان/ محمد رزق عندما شاهدوا هذا الوعى الناضج والسيطرة على تقنية التصوير أسلوبا واداء فهو يقفز قفزة جريئة متخطيا كل ابعاد التشخيصية ليستقر فوق ساحة التجريد بفرشاة بالغة اللماحية، وبحس شديد الرهافة والشاعرية .
- ولقد اختار الفنان الطريق الصعب بارتياده هذه التجربة التى تحتاج إلى بلاغة تشكيلية فائقة لكى تعوض ما ينقصها من مشهيات التشخيص ومرغبات السرد الأدبى اذ لم يسبق هذه التجربة أية مقدمات تمهد لها أو على الاقل لم يسبق لنا أن تعرفنا عليها من خلال القليل النادر الذى كان يقدمه فى المعارض الجماعية .. ولهذا كانت المفاجأة شديدة ومؤثرة .
- ويقول محمد رزق وهو يقدم نفسه : الفنان يوحى بفكرة ولكنه لا يعين كلية عن الفكرة، إن الطبيعة والاشياء والكائنات فى المجال من حولنا لا تفرض شكلا معينا بل توحى بشكل معين وهذه الرؤية المتحررة تفتح امام الفنان ابوابا من التعامل مع الصورة بلغة التشكيل وفى كل عمل فنى شقان .. شق واضح والاخر خفى يعبر عنه الفنان عن طريق الحلم ، عن طريق الشعر هنا ينتهى كلام الفنان ليفسح لنا المجال لتفهم أعماله وتذوقها على ضوء فلسفته ورؤيته .. فالطبيعة من حولنا حقيقة زاخرة بالمشاهد والمرئيات .. وهى ملك لكل صاحب بصر وبصيرة .. والفنان من حقه أن يتقبلها كما هى دون مناقشة أو تحريف.. ومن حقه أيضا ان يستعيد منها كلمة السر التى يفتح بها مغاليق نفسه ليغترف منها كنوزا لا تنصب من الرؤى والتعبيرات الحية ويفرزها بلغة الشعر كما يقول .
- ولكن ما هى لغة الشعر هذه؟؟ أليست ذلك الشوق الظامىء للنشوة التى تتولد من تفاعل الفنان بما حوله من مكونات الكون؟؟.. وما هى مكونات الكون؟؟ .. أليست نتيجة تلك المواجهة الحادة بين فاعل ومفعول وسالب وموجب ؟؟ أليست الحياة تنقل دائم من السكون الى الحركة وبالعكس؟؟ أليست ذلك الحوار الهادىء احيانا والصاخب احيانا اخرى بين المتناقضات؟؟
- من هذا القانون الأزلى يستمد الفنان موضوعاته ويترجمها بلغة الشكل فهو يقف عند نقطة الوسط بين عقلانية مفرطة وانفعالية جياشة .. ملتزما بقانون التعادلية الذى لا يسمح بالشطط والانقياد للانفعالات العاطفية الهوجاء، ولا بالعبودية الكاملة لمنطق العقل وصرامة الرياضيات .. ولهذا فهو يخضع لوحاته اساسا لتقسيم رياضى بالغ الاحكام والاتزان ، ونظام هندسى تكتنفه سكونية غامرة ثم لا يلبث ان يثير هندسياته بشتى المثيرات التى ترفع درجة حرارة اللوحة وتزيد من ايقاع نبضها .. وذلك بما يضيفه على السطح الاملس من ملامس لها شهيق وزفير أو بما يبئه فيها من لمسات مرتعشة أو منطلقة أو متفجرة تخترق اللوحة مثل اختراق الشهاب فى الظلام أو اختراق صوت الرعد لسكون الليل .
حسين بيكار
جريدة الاخبار 1984
- يعد الفنان محمد رزق من الفنانين الذين اقتنعوا بالاتجاه التجريدى، وليس التجريدية عنده هى انصياع كامل لهذه المدرسة بقدر ما هى إلتقاط ( كادرات ) معينة من الحياة اليومية ثم ابرازها والتعبير عنها ، فهو قام بالتعبير فى عدة لوحات عن البحر بموجاته التى اضفى الفنان عليها من عند ياته تجربته الثقافية .
- فالتجريد عند محمد رزق هو المستوحى من الحياة التى عاشها الفنان وسط اقرانه وتأملها جيداً وهضمها ثم عاد ليعبر عنها باسلوبه وقدرته على تغير الواقع المرئى الى أعمال فنية تصويرية ناجحة .
- وتبدو قدرة محمد رزق فى الاستمرار فى هذا الاتجاه دون الحياد عنه على أنه يقدم من حين لآخر بالاتجاه الى تقنيات جديدة دون الانصراف الى الابهار وتركيز المشاهد بؤرة ضوء التجريد .
عادل ثابت
محمد رزق يبحث عن المعنى فى اللون
- جاء معرض الفنان محمد رزق ليؤكد وفاءه للتجريد كاتجاه فنى ، وطريق صعب لا يتمتع بجماهيرية، رغم بداياته التى كانت تعكس منحى تشخيصى، لذلك يقول: الفنان يوحى بفكرة، ولكنه لا يعبر كلية عن الفكرة، إن الطبيعة والأشياء والكائنات فى المجال من حولنا لا تعرض شكلا معينا، بل توحى بشكل معين، وهذه الرؤية المتحررة تفتح أكا الفنان أبواباً من التعامل مع الصورة بلغة التشكيل.
- لأن كل عمل فنى هو وليد عصره، والعصر فى معظم الأحوال - هو المنبع الأصيل لعواطفنا الفردية، ومن ثم فإن كل مرحلة ثقافية تنتج الفن الذى ينتمى إليها والذى يستحيل أن يتكرر، وما محاولة ما أو جهد لإحياء مبادئ فن زمن مضى إلا وكان المنتج مسخا شوهها .
- إنه من المحال علينا أن نحيا بنفس الطريقة التى عاش بها الأقدمون من قبلنا، لذلك انتخب محمد رزق (1939) أسلوبا وطريقة للتعبير عن رؤاه وثقافته الموسوعية، وانخراطه فى الحياة الثقافية، اختار التجريد سبيلا، ليكشف عن تماس مع منطلقات الفنان المعاصر، الذى سعى إلى إحياء لغة الفن البصرى من مساحة ولون وخط، بلغة تتجاوز الغنائية، لصالح صراع شرعى للألوان على مسطح لوحاته، بل ظل وفيا لاتجاه رغم عدم شعبية التجريد كطريق فنى .
- يلتقى محمد رزق مع كاندنسكى، ويختلف معه نسبيا فى طريقة التناول، فاللوحة التى جاء بها كاندنسكى اشتقت وجودها من مصدر ( ظاهر ) هو الموسيقى بنظامها الإيقاعى المجرد، ومصدر باطن هو الدين من زاوية التصوف، وإذا كان النغم المسموع هو وسيط الموسيقى إلى عالم الروح ، فإن اللون هو الوسيط المرئى للفن البصرى . فيما يقول رزق : وفى كل عمل فنى شقان : شق واضح ، والآخر خفى يعبر عنه الفنان عن طريق الحلم ، عن طريق لغة الشعر .
- وكان كاندنسكى قد ذهب إلى إنشاء معجم خاص به لدلالة الألوان ، فهو يشبه اللون الأزرق بآله الأرغن الكنسية ، بينما يمثل اللون الأخضر بالنغمات الوسطى لآلة الكمان ويشبه اللون الأبيض بالوقفات فى الموسيقى ، وهى مساحات مشحونة بالترقب انتظارا لمجئ صوت الموسيقى ، كما خرج كاندنسكى بأوصافه للون عن إطار الموسيقى إلى الأخلاق أو المجتمع ، فيصف اللون الأحمر بأنه لون مادى ونرجسى وبرجوازى !
- وبقدر احترام كاندنسكى للون الأزرق فهو لا يتعاطف مع اللون الأصفر ويراه دنيويا ، عاجزا أن يعبر عن المعانى العميقة .
- لذلك لجأ محمد رزق إلى الألوان الصريحة، والتناول الواضح الخالص على مسطح اللوحة، فى تجل للخط ، ليقترب من التجريد الهندسى ، فى أغلب لوحاته فى المعرض، ويختلف عن لوحة الفنان فاروق حسنى التجريدية الذى يعتمد على المساحة والأداء العضوى للألوان، فيما نرى فى لوحة ( رزق ) عنفران اللون، لدرجة أننا نكاد نسمع صدى ارتطام الألوان ببعضها - وإن كان رزق يصف هذه الحالة بالشعر - خاصة عندما يدخل اللون الأحمر إلى ساحة الأزرق ومواجهة الأصفر .
- وعلى الرغم من اتجاه رزق إلى التجريد الهندسى، الذى يحتاج إلى درجة من درجات الوعى ، والحسابات واليقظة، إلا أنه يقول : عملية الإبداع عندى هى رحلة تخيلية، إلى هدف لا أستطيع التنبؤ به، ولكنى أعرفه فوراً عندما يجد العمل الفنى طريقه لإنهاء نفسه فالمفاجآت على السطح التصويرى عندى لا تخضع لتدخل خارجى بقدر ما تخضع لضرورة مفترضة من داخل العمل ذاته، وهنا يتفق مع ( كاندنسكى) فى مبدأ الضرورة الداخلية ليرجع ويقول : الأعمال التجريدية مثلها مثل الموسيقى البحتة، هى أقرب الأعمال الفنية جميعاً إلى جوهر `المعنى الفنى ` الخالص، وأقدرها على التعبير عن فن الصورة الخالية من كل مادة.
سيد هويدى
مجلة الخيال - مايو 2010
|