فى ذكرى تحرير العريش .. مصطفى بكير يتذكر : عندما حكم على اليهود بالإعدام
- فنان تشكيلى ولد من رحم سيناء بأحد السهول التى تضمها جبالها واستنشق أول أنفاسه من هوائها وتطلع فى أول حياته لسمائها وخطا خطواته الأولى بين سهولها وتسلق نخيلها .. عكف منذ نعومة أظافره يتأمل مدارات الألوان وتداخلات الخطوط لتخرج لوحاته تعزف موسيقى مصرية يتناغم فيها التراث الشعبى مع البيئة الصحراوية وتتوالى الانفعالات .
- وحكاية فناننا مصطفى بكير ليست فقط حكاية فنان تشكيلى أثرى الحركة التشكيلية بفنه إنما هى حكاية الحركة الوطنية والثقافية والفنية فى سيناء العربية التى أصابت إسرائيل بالجنون وضربت المطارات والأهداف الحيوية تحت الاحتلال، حكاية الهامة المصرية العالية التى لم تسقط ولم تنكس أبدا.. وقد وضعته لوحاته وإنجازاته فى مصاف الفنانين ليسجل المركز العاشر فى موسوعة عظماء مصر فى القرن العشرين .
* التقينا به فى ذكرى تحرير العريش ليستعيد ذكرياته .
* بداية فنان :
- يحكى بكير : ولدت فى منتصف فبراير عام 1941 لوالد طبيعة عمله فى قوات حرس الحدود المصرية وهو دائم الترحال بين المحافظات الحدودية مما جعلني أتعايش مع الطبيعة فى ربوع مصر وأعشق جمالها. عشقى للطبيعة جعلني أتأثر بها وتمنيت أن أتعامل معها وأسجل تاريخها وتقلباتها عبر الزمان وسيناء من البيئات البدوية الصحراوية القاسية التى لها طعم خاص .
- بدأت رحلتي مع الألوان والفرشاة مع بداية المرحلة الثانوية وعقب تأهلي للطريق الجامعى اخترت كلية الفنون الجميلة رغم أن مجموعى بالثانوية كان يؤهلنى لأى كلية اختارها لكنى كتبت الثلاث رغبات فنون جميلة واجتزت امتحان القدرات ليتم قبولي ضمن 40 طالبا من 5 آلاف طالب ليتحقق الحلم بالتحاقي بالكلية عام 1961رغم إنها كانت حديثة العهد فى سيناء ولا يعرفها الكثيرون وأصبحت أول خريج من أبناء سيناء يتعامل مع الفرشاة والألوان .
-عملت فى نفس الوقت كرسام صحفى فى مجلة صباح الخير منذ السنة الأولى لى بالكلية.. وكنت أساعد يوسف فرانسيس ودياب مأمون وناجى كامل الليثى، وكلهم لهم أفضال على، وكان هذا يساعدنى كثيراً فى المعيشة وفى نفس العام أيضا فزت بتصميم شعار محافظة سيناء وبدأت أشترك فى المعارض الفنية
* رحلة كفاح وطنية : ويضيف :
- رحلتى الحقيقية مع الفن بدأت بعد نكسة يونيو1967 حيث تأثرت بالأحداث ومرارة الاحتلال الذى عكر صفو حياتنا وعبرت الطبيعة عن غضبها وكان الجرح عميقا ومصر تئن ولا وقت للعتاب أو الحساب وكان لابد أن تتفجر المشاعر وكانت أول لوحاتى `الصمود ` وهى لوحة حاولت فيها أن أبرز صمود الإنسان والمكان من خلال تناسق الألوان .
- سألته عن دوره السياسي فى هذه الفترة يقول مصطفى بكير :
- حضرت معركة 1967 وكان لى دور يشهد له الجميع، اليهود دخلوا، عذبوا الناس، جوعهم، لكن المقاومة الشعبية أذاقتهم الأمرين حتى قال ديان وقتها : لقد طعنا بخنجر مسموم فى ظهورنا هم أبناء سيناء !
- كنت واحدا من مجاهدى منظمة سيناء العربية التى قامت بضرب المطارات والأهداف العسكرية الحيوية فى سيناء، وفى أحد الأيام جاءنى بعض الأصدقاء وقالوا : الليلة سوف يهاجم اليهود البيت ويأخذونك، وهربونى إلى فلسطين ببطاقة هوية مزيفة ثم إلى الأردن وبالفعل الصهاينة هاجموا منزلنا وأخذوا كل لوحاتى - 24 لوحة هى مشروع تخرجى - وتركوا لوحة واحدة ` حاملة الجرة ` بعدما كسروها وداس عليها الجنود بأحذيتهم .
- وهناك جاءنى ستة عروض للعمل فى العديد من الدول العربية فى ذلك الوقت لكننى أصررت على العودة إلى مصر لمواصلة الكفاح واشتغلت مع وزارة الدفاع فى الشئون المعنوية، كنت موجها سياسيا، ثم دخلت قطاع الحرب النفسية، وكنت ناجحا جدا، وعملت من داخل منظمة سيناء العربية رسائل إلى مجاهدينا فى شمال سيناء، كان معى عطية أحمد سالم وعطية سلام، كنا نسجل الرسائل فى المخابرات الحربية المصرية، ونذيعها عبر إذاعة صوت العرب بعنوان : الشعب فى سيناء، مع الإذاعي حلمى البلك وكانت تتضمن شفرات إلى المجاهدين بمهام عسكرية خاصة ، حرقوا معسكرات ودبابات، مطار العريس ضربوه أكثر من مرة، هناك معسكرات فى وادى العريش فجرت أكثر من 500 مرة، ولذلك حكمت إسرائيل علينا بالإعدام غيابيا .
* التحرير :
- ويبتسم هنا قائلا : عام 1973 حقق خير أجناد الأرض جيش مصر الباسل ملتحما مع الشعب بصرخة الله اكبر المدوية.. حقق جيش مصر انتصارات أكتوبر المجادة وتم تحرير سيناء وارتفعت أعلام مصر خفاقة عالية وعادت الكرامة والعزة لشعب مصر والشعب العربى وهنا أقمت معرضي على إنقاص خط بارليف بمدينة القنطرة شرق وتناولته أجهزة الإعلام العالمية المقروءة والمسموعة والمرئية حيث جسدت فيه انتصارات قواتنا وعودة سيناء إلى أحضان الوطن الأم مصر وتحرير وتعمير سيناء وأفراح العودة والانتصار.. ثم قمت مع اللواء محمد عبد المنعم القرمانى محافظ سيناء فى ذلك الوقت بتسلم مدينة القنطرة شرق ومدينة رأس سدر ومدينة أبو رديس فى جنوب سيناء ونجلية وبئر العبد من العدو الإسرائيلي حيث تم تعييني فى ذلك الوقت مديرا للعلاقات العامة والإعلام وعشنا فى مدينة القنطرة شرق التى كانت تسمى مدينة الأشباح، وأعددنا أنفسنا لتسلم مدينة العريش الذى حدث فى 25 مايو 1979 بموجب اتفاقية السلام .
* مشوار فنى كبير .. أما عن أعماله فقد قال :
- رسمت حوالى 5 آلاف لوحة عن سيناء ولكننى دائما ما أشعر أنها مجرد بداية، مازلت أذهب إلى البادية.. أعيش هناك.. الغنى، مازلت ذلك الصبى الذى ينبهر بألوان البرق الخاطفة قبل السيل. تناولت فى لوحاتى موضوعات البيئة فكانت لوحة `بحيرة البردويل` ولوحة `البحر` ولوحة `الصيادين` ولوحة `السماك` وترجمت الأحداث التاريخية فى بعض اللوحات حيث رسمت لوحة `الفتح الإسلامي` والبادية وظهرت فى لوحة ` حاملة الجرة ` ولوحة ` موناليزا من سيناء ` ولوحة `راعية الغنم` ولوحة ` البيت البدوى ` ولوحة الهجن البدوية الأصلية` .
- ويقول :
- الفن لغة التحاور المشتركة بين الشعوب.. لذا كنت حريصا على التعبير عن حلم العرب فى السلام من خلال لوحاتى فرسمت لوحة `التضامن العربى` كتعبير عن تضامن الشعب المصرى والعربى مع القضية الفلسطينية حيث الجنديان فى قلب اللوحة وفى الأفق كانت فلسطين حيث الدبابات بجانب المبانى والمسجد الأقصى بقبته الذهبية وأيضا لوحة `التكامل ` التى عبرت بها عن وحدة الشعب المصرى والسودانى .
- أقمت 43 معرضا خاصا عدا المعارض الجماعية فى مصر وموسكو ورومانيا وتنزانيا وبلجيكا والولايات المتحدة وروما ويسعدنى وجود العديد من اللوحات التى رسمتها تعبيرا عن الطبيعة السيناوية الخلابة والحياة البدوية الفريدة كمقتنيات فى المتاحف الدولية والسفارات العربية والأجنبية والبنوك العالمية والقرى السياحية والهيئات والوزارات المحلية والعالمية.
شيماء محمود
الكواكب - الأربعاء 29/ 5/ 2012