`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
مدحت شفيق

ـ مدحت شفيق مصور مكين قادر على محو العالم المرئى من المخزون البصرى وقادر على إعادة تركيب ذلك العالم المرئى وفق آنساق تلتقى مع بعضها البعض على جسور من الزمن ، وعلى مساحة من الأسطورة ، وعلى مسافة من تلك الغنائيات الحزينة للقديم ، وعلى علامات تحمل برهان الرؤية المنغمة الألوان الطيفه وعلى نقاط ارتكاز تحفل بالإيقاع المتوازن لعناصر الصورة من زواياها الأربع ،... وعلى معاير من الضوء الملون وقد ربطت الأزمان ، والمساحات والمسافات والعلامات ، بحزام من خطوط الوصل بين عناصر التكوين ، بحيث جعلت الصورة متجلية على نحو من تلك الأبهة الفياضة للعريق بعليه الجميلة ، وللحكى البصرى الذى يذكرنا بتلك الحوائط القدسية فى مصرنا القديمة ، بذلك التهشير الذى يذكرنا بأن تاريخا قد مر من هنا ، وطبع رسما لكفيه ، وخرائطا محكمة التدقيق للموروث ، وللمحبوب ، وللمتواتر.
ـ يقدم لنا مدحت شفيق عالما غير قابل للرصد المعتاد وللجمال السردى ، وللمنطقى فهو اقرب ما يكون الى ( مابعد التعبيرية ) وربما ايضا الى لحظة التجلى فهناك بقايا هرمية و بقايا من نحل الوادى وبقايا من عربات اليد وبقايا لوجوه الفيوم وتهشيرات زمنية و رقائق من الألوان دافئة ممسوحة بالارجوانى وصدام متعجل من الة الرسم على السطح الورقى و احصنة من نوع قدسى الطابع و اهلة غامضة فى مراكز التجميع على السطح الملون و بقايا من معلقات الطقس المثلثى عالم تقرأه العين من اليمين الى اليسار أو العكس مثلما كانت حوائط الرسوم والحفر الغائرات فى مصر القديمة أو من اعلى الى اسفل والعكس فنتذكر ثلاثينيات راغب عياد ونتذكر اشعار الحزن الملون على قماشات حامد ندى فى ساحة الخمسينيات مع ان البحر الابيض قد شحذها فى رسوم مدحت شفيق وهشرها برطوبة الشمال وسحب فوق سطوحها ملاءات شفافة اللون من تراث تلك الثقافات البعيدة .
ـ عاش مدحت شفيق فى ميلان فى نصف الشمال الايطالى العريق ثم انه مازال هناك يعب من ذلك البحر الفياض فى رحاب العالم ولكنه ظل ممسكا بمجدافه النيلى ، بطاقة تعارف ، وبطاقة هوية .
أحمد فؤاد سليم


- معرضيين فنيين بالعاصمة للفنان المصرى ` مدحت شفيق ` والمقيم بإيطاليا وبالتحديد فى فيرونا Verona وريجيو إيميليا يعبر فيهما عن خلق وإبداع وتكوين البيئة الفرعونية .
- كيف يعيد الفنان مدحت شفيق خلق وإبداع وتطوير حضارة أخرى وعصر مختلف ..؟
- لقد عبر الفنان فى أعماله الفنية عن إعادة بناء وتكوين مدينة ؟ تلك المدينة نشأت من الذهن بداخله ولكن ليس بها شىء من الذى لابد أن نجده فى أى مدينة أخرى .. هل هى مدينة الأحلام ؟ لا بل إنها مدينة نشأت أثناء مروره بحلم قد تألفت فيه عناصر متعددة ناتجة عن حالة من الضيق النفسى أو الهيجان الحسى .
- وهاهو مهندس أو صاحب مشروع الأحلام يخرج من مخروط الظلام ثم يبدوا ببطىء حاملاً وراءه تاريخ مكون أيضاً من الشموس والحروف المصرية القديمة وعبق التاريخ والأساطير .
- ويقدم صاحب البشرة الزيتونية اللون المحترقة من تأثير أشعة شمس أفريقيا ، إنه الفنان المصرى `مدحت شفيق` المولود عام 1956م بالبدارى فى صعيد مصر وهذا التاريخ يبعد عن عهد الفراعنة ومع ذلك استطاع شفيق أن يحييهم من جديد بحسه الفنى وإبداعاته الفنية .
- ومن جهة أخرى من يدرى أنه بعد استكماله لذلك العمل الفنى ذو الرقى الهندسى الرفيع والذى تتسم به أعماله الفنية يتمنى أن يستمر حبيساً للأبد داخل نفس الرحلة الإبداعية .
- ومن أعماله الفنية قيامه بتطوير وإحياء قصر الأقوياء Palazzo Forti وقد استلهم الفنان ذلك التطوير من المفردات الفنية مثل المدينة والعطور وأبواب سمرقند ( Samarcanda ) وأبواب الفردوس والقارب والحضارة السومرية والمدينة ذات المحراب المقدس .. وقد انعكس ذلك على تنظيم وتجديد القصر المذكور .
- وتم فى ذلك العمل استخدام خامات عديدة مثل الجبس وقطع القطن والأباريق المصنوعة من الزجاج والفخار وأوراق الذهب وأجزاء كبيرة من الملح والخشب والقماش وقطع من العجين ومسحوق الصبغ والشاش .
- إن الفنان ` مدحت شفيق ` يتميز بأنه رسام ذو عبقرية وموهبه فذه بالإضافة إلى أنه فنان نادر وعظيم .
- ويندهش كل زائر من المنظر الشامل للمعرض وأكثر ما يثيرنا أن مدينة فيرونا Verona المقيم فيها الفنان قد احتلت مكانه فنية مرموقة فى العشر سنوات الماضية .
- وتجدر الإشارة إلى الفنان `جيورجيو كورتينوفا` حيث أنه استطاع أن يقدم تفصيلاً للجمال دون تحفظ ، والجمال ليس هو الذى نراه فقط ولكن أيضاً الذى نلمسه ونشعر به .
- وبإقامة الفنان `مدحت شفيق` فى كلاً من فيرونا وريجيو إيميليا متنقلاً بينهم وعدم إستقراره فى مكان ثابت أصبح عنوانه على كلاً منهما يعرف بأنه لفترة مؤقتة .
- إن الفنان ` مدحت شفيق ` قد أعاد إحياء وتطوير حضارة وعصر مختلف وثقافات عربية وأخرى تنتمى لعصر النهضة ويمزج القديم بالحديث والرمز مع الأسطورة .. وبالضبط هذا هو الإحساس الذى ينتقل إلى زائر المعرض :
- إن زائر لمعرض `شفيق` يشعر فيه وكأنه محمول فوق سحابه تتجول به فى كل جزء من أجزاء السوق المصرية والسومرية والعربية والإغريقية وبين أعمدة المعابد والقصور الملكية الفخمة هنا وهناك وتتغير الأماكن بإستمرار ولكن التجول والسفر لا ينتهى أبداً .
- لكن من يكون ومن أين يأتى هذا الفنان الذى استطاع أن يكشف النقاب عن خبايا وأسرار القرن الواحد والعشرين ؟
- إن حياة هذا الفنان بسيطة وعادية .. فقد ولد فى ` البدارى ` وعندما أتم العشرون عاماً انتقل إلى ميلانو والتحق بأكاديمية بريرا وهناك درس فن الرسم وفن رسم المشاهد وتصويرها ..
- وقد كرم `مدحت شفيق` فى عام 1995م عندما دعى لتمثيل مصر فى بينالى فينيسيا الجناح الخاص به بالأسد الذهبى عن الدولة .
- ومنذ ذلك الحين انشغل شفيق بالأعمال التى تهدف إلى إعادة كتابة وإحياء التاريخ وتفسير الحضارات القديمة والحديثة وتتنوع أعماله ما بين الرسم والنحت مستخدماً مواد فنية متعددة .. ولتوضيح عمله الفنى لابد من استخدام مصطلحات فنية غير عادية .
- وهنا يكمن الخيال والتطور والإلهام والقدرة الإبداعية والتى تأتى من الداخل وتستطيع أن تجعل من الحرفى فنان وتحول الحديد والصمغ والشاش والجبس وأى مواد أخرى إلى الذهب .
- وأخيراً نستطيع أن نقول احتمالية تقديم عمل فنى متمثل فى حلم يرقص على الحصان على سحابه .
بقلم الناقد الفنى الإيطالى/ سيباستيانو جراسو

حوار مع الفنان المصرى المهاجر مدحت شفيق
- سافر إلى ميلانو لأول مرة وهو لا يزال برعما أخضراً ` 20 عاما ` واستقر بها طيلة حياته ، يعتبر` الملحمة ` واستدعاء الأساطير الإنسانية العتيقة نوعا من التواصل الحضارى وجسراً بين الماضى والحاضر.
- مصر تعيش الآن لحظات فارقة بالغة الخطورة ... إنها تصنع الديمقراطية .. إنها حياة شديدة الديناميكية .. لدينا قوة نقدية هائلة للواقع !
- يستطيع التشكيليون المصريين الآن إفراز فن هائل يعبر عن حالة الزخم .
- مدحت شفيق فنان شديد الرهافة .. مظهره هادئ .. باسم .. يمتلك نظرة عميقة للتاريخ والتراث الإنسانى العالمى، من الطريف أن نجد لغته المصرية قد امتزجت باللكنة الايطالية المتميزة مما جعله يكرر اعتذاره الشديد والرقيق لعدم نقاء لغته العربية ، عشق الفن التشكيلى ودرسه بعناية بإيطاليا فى مجالات التصوير والديكور والمسرح والسينما .. ودرس بعناية تاريخ الفن والتاريخ الإنسانى ، مارس التجارب الفنية بصدر متسع ورحابه فكر وبلا قيود مجرباً أساليب وخامات شديدة التباين والتنوع وطرق مجالات مختلفة من نحت وتصوير وتجهيز فى الفراغ وأعمال مركبة .
- عشق الإنسانية والحضارات الممتدة عبر قرون طويلة مضت ، المصرية القديمة - الصينية - الأوربية - الأمريكية ، قرأ الفلسفة فتح رئتيه لاستـنشاق رحيق الفكر الإنسانى فى أمنا الأرض .. عبر عن كل تلك الذخائر والمكونات الشديدة الثراء فى معرضه الحالى تحت عنوان ` الملحمة ` بجاليرى مصر .
- زرت معرضه واستقبلنا الفنان الشاب محمد طلعت مدير القاعة بترحاب وبالتأمل للوحات وعمل التجهيز فى الفراغ ` الانستشلن`، وجدت تجسيد واقعى لاسم المعرض ` الملحمة ` أو Epic والملحمة هى عدة أعمال أسطورية مطولة تتلاحم فيها السير والأحداث الكبرى والبطولات عبر مرور سنوات طوال .. ما يقدمه مدحت شفيق الآن هو استدعاء ذهنى ووجدانى لتلك الحالات الإنسانية برؤية يغلب عليها ` التجريد ` و` السرد ` و ` التسجيل التاريخى ` قالب تشكيلى حيث النصوص المنحوتة على الأحجار - والتى تسمى ` المخربشات ` أى كتابات بلغات لا نفهمها كانت تنقش على الأحجار أثناء سفر رحلات التجارة عبر بلدان العالم القديم كطريق البخور ، تحولت هذه النصوص إلى إحدى مفرداته التشكيلية تقف جنبا إلى جنب مع خرافة الأسطورة وجماليتها الأدبية أما أدواته التشكيلية فكانت تقنية الكولاج وتضفير كل الخامات المتواجدة فى الطبيعة من خيش و أقمشة وكتان وورق مقوى وشاش وأصباغ وزجاج مصنوع يدويا وعجائن ورق معاد التصنيع .
- أعمال مدحت شفيق تسبر أغوار الأحاسيس ولا تنطق بصوت عالى فهى مجموعة من المشاعر والرغبات والشجن يستحضرها الحنين إلى وطنه البعيد .. مصر يقول شفيق : ` نحن نعيش فى عصر كلنا فيه هائمون واقعيا وفكريا ` ملاحم هى مجموعة من الأعمال مدفوعة بالحنين لأيام الصيف بالأسكندرية ، هى تتعلق بنظرة الغرب إلى الشرق فى كل رحلة خيالية أو حقيقية ، فهى محفورة بعمق وإحترام لهذه الأرض البعيدة وحضارة المتوسط .
- طبقة فوق طبقة يأخذنا شفيق فى رحلة إلى الزمن الماضى آخذاً معه حنين بألوانه الزاهية والورق المصنوع يدويا وورق الذهب والحرير والشاش كلها خامات الشرق وبها تبدأ الرحلة .
- نتجول خلال متاهة الواقع والخيال بدون أجوبة ` لا توجد إجابات ` هو يقول : ` لا توجد حقيقة مطلقة ` هو يفكك الواقع من خلال إدراك الأشخاص فى بيئتهم الأكثر حميمية ويدخلنا إلى عالمهم ، نحصل على لمحة عميقة من خلال نافذة مضيئة تسمح لنا بالنظر إلى الداخل لنصبح جزء منه ، النافذة هنا ترمز إلى الحياة ، إطارها يجمع الآمال والرغبات والمخاوف على أرضه البعيدة فى عمل غنى بطبقاته وبنائه ، دراما شاعرية تنساب طائرة فوق المدن العتيقة بأسواقها الشعبية بموالدها وبحياة الريف التى تنساب كمياه النهر ، همهمات تستلهم أبعادها من أحاسيس حب فياض للآخرين ، زادها شجن الحياة وجمالها والإنبهار أمام معجزة الوجود ، لتوثيق موروث ضارباً بجذوره فى التاريخ ، فهنا شيئا من الغنائيات والجنائزيات والفلكيات والأعياد والمواسم .
- ملاحم يفكك الحنين النابض والمؤلم أحياناً للوطن ويعيد تركيبه ، من خلال طبقاته المحكومة بحرص من خلال الرمز ندخل درامياً إلى عالم مدحت شفيق .
- يقول الفنان عن نفسه : أنا من مواليد 1/1/1966 أسيوط - قرية البدارى وعشت بها حتى عمر 5 سنوات ونصف ، تخرجت من الأورمان الثانوية النموذجية ، وهذه المدرسة علمتنى الفن والمسرح لقد أخذت المركز الثانى فى التمثيل على مستوى الجمهورية فتعلمت فعلاً الفن والنحت والمسرح ، ودرست أيضاً المسرح العالمى وقمنا بعمل مسرحية عالمية بالمدرسة الثانوية ، ثم اتجهت لدراسة التجارة فى تجارة أسيوط لمدة سنة واحدة وأيضاً نجحت وكان أخى رأفت فى إيطاليا يدرس هندسة هناك فسافرت لأخى فى ميلانو عام 1986 ودرست 4 سنوات التصوير ثم 4 سنوات ديكور ومسرح وسينما ، فى أكاديمية بيريرا وهى من أكبر أكاديميات إيطاليا وعندما سافرت لإيطاليا كان عمرى 20 عاماً .
- ماذا تعلمت من دراسة فن ` التصوير ` ؟
- دراسة التصوير علمتنى كيفية استخدام الخامات والاستفادة من التقنيات واستخدام الورق والقماش والخيش فلا يوجد شكل تقليدى للكنفس - فان جوخ - جوجان - مونك.
- وأما جوهر اللوحة تكمن فى العقل الباطن الذى يتكلم أى البعد الميتافيزيقى ، دراسة فن التصوير أعطتنى الهوية الديناميكية التى كنت أفتقدها .
- وماذا استفدت من دراسة الديكور للمسرح والسينما؟
- تعلمت الاستفادة من الفراغ وكيف أتعامل معه ، أنا أعمل حلول فى فراغ أو فضاء معين مثل العلبة الإيطالية وما أقدمه من حلول جمالية ودرامية .
- حدثنا عن حياتك الاجتماعية ؟
- عشت طيلة حياتى فى ميلانو ، زوجتى إيطالية اسمها سيلفانا تُدرسّ تاريخ الفن فى المدارس الإعدادية ، ابنتى الوحيدة ماريا درست آداب ولغات وتعمل رئيس تحرير مجلة مهمة وهى عمرها الآن 26 سنة.
أوضح لى من وجهة نظرك الفارق بين سنوغرافيا وانستليشن؟
- سنوغرافيا : تحويل حالة ` أدبية إلى حالة شكلية ` محسوسة ، أى تحويل مجموعة من الأفكار إلى واقع ملموس ومُعاش وممكن التفاعل معه.
- وأتفاعل مع مبانى معمارية لها تاريخ وأحاول عمل لغة تشكيلية بينى وبين هذا .
- انستليشن : تواصل بين القديم واللحظة الأنية أو الحاضر .
- آخذ روحه القديمة وأضعها فى ثوب مُعاصر أى أجعله حياً ، العقل الباطن يكون مجال مُعاش ومجسد أى واقع يمكن تحسسه .
- سنوغرافيا : مسجون للفكرة لمخرج أو مؤلف الفيلم أو المسرح وأنت ملتزم بها .
- انستليشن : أنت حُر تماماً وتتفاعل مع المكان وفراغاته وتقدم الحلول .
- هل تستطيع أن تقارن بين دراسة الفن فى إيطاليا وبين دراسة الفن فى بقية القارة الأوربية ؟
- لاأستطيع الإجابة على هذا السؤال فليس لدى معلومات كافية ، ولكن أوروبا بصفة عامة لديهم تواصل حضارى ليس لديهم فجوة حضارية كالتى عشناها فى مصر .
- ماذا تقصد بالفجوة الحضارية ؟
- فترة الاحتلال العثمانى أى فترة ما قبل عصر التنوير ومحمد على ، أما فى أوروبا تسلسل حضارى : عصر النهضة الثورة الفرنسية .. الخ ، نحن أبناء ` الأجورا ` حسب التعبير الأغريقى أى نحن أبناء الساحة أو الميدان
- ولكن نحن لدينا الساحة أيضاً .. إنه ميدان التحرير؟
- نعم ولكن جرى محاولات لتشويه الموقف أو المشهد .
- هل تستطيع عمل مقارنة بين دراسة الفنون الجميلة بإيطاليا والدول الأوروبية الأخرى ومن وجهة أخرى بين دراسة الفنون بإيطاليا ومصر ؟
- لا أستطيع لأننى لم أدرس بهذه الكليات الأخرى ولكن فى إيطاليا درسنا موناليزا - انجر - جوجان - وغيرهم ، حسب معلوماتى البسيطة أن إيطاليا هى الدولة الأوروبية الوحيدة التى تدرس القواعد الأكاديمية الكلاسيكية للفنون أما فى كليات الفنون الجميلة بمصر ، فوجدت فيها مثلما حدث معى فى الثمانينيات وهى تجارب الانفتاح على جميع الثقافات فى العالم أجمع .
- كيف ترى الفن فى إيطاليا الآن ؟
- لديه تسلسل جميل وفعال ومرتبط بتقاليد القارة القديمة التى بنت أمريكا بمعنى فيه اعتداد بالنفس ` والحداثة ` وليس هناك ` تهجين ` الذى تفقد فيه هويتك !
- ولكن هناك انتقادات توجه لبينالى فينيسيا ولكونه فاقدا الهوية وانساق وراء هيمنة العولمة الامريكية ونفوذها المادى الضخم ؟
- زمان كان ` جان كليير كان الكلوبتير ` ` أى القومسيير ` لبينالى فينسيا ، وكان وقتها بينالى فينسيا رائع ، وقد شاركت فيه بعمل تحت مسمى ` أنا والآخر ` ، أما الفترة الأخيرة فلا أدرى ماذا أصاب بينالى فينسيا وأعتقد أن بينالى فينسيا وقع تحت تأثير الهيمنة الأمريكية وسيطر عليه رأس المال الأمريكى العملاق كرعاة وممولين واستطاع الأمريكان طى معظم دور الفن فى أوروبا وفقا للأيدولوجية الأمريكية ونظام العولمة حسب المنظور الأمريكى ! إنها حركة زاحفة لصنع نظام واحد عالمى ، وأوروبا لا تنساق ورائهم إنها لعبة تهد وتبنى فى نفس اللحظة ، ممكن يطلع السماء ثم يهوى إلى الأرض .
- مراسم القصر كيف تراها وما تعليقك عليها ؟
- مشروع هايل بصراحة حاجة رائعة .. إنها فرصة لمصر ممكن تعمل أرشيف تاريخى لفنانى مصر والشرق الأوسط والعالم ... أى فنان فى العالم يتمنى أن يظل بالأقصر ويعمل إنتاج فنى ويهديه لمصر ، ممكن فنانين فى العالم من المشاهير يحبوا مصر ويتركوا أعمالهم مجاناً حباً فى مصر التاريخ والآثار والحضارة .. مجتمع الأقصر شئ مذهل !
- لماذا لم تتبنى فكرة استقدام فنانين شباب من مصر وتقديمهم فى إيطاليا ؟
- أنا بيتى مفتوح والاستوديو الخاص بى مفتوح لأصدقائى الفنانين المصريين !
- أنا لا أقصد أصدقائك المصريين أقصد تبنى شباب مصريين وجدت فيهم موهبة حقيقية ؟
- أنا إنسان غير منظم ليس لدى العلاقات والتنظيم والإعداد للفن ، دعنى أضرب لك مثال : الموقع الأليكترونى الخاص بى كان هايل ومنظم حتى عام 2008 ثم توفى منظم الموقع ومن ساعتها الموقع الالكترونى ملخبط.
- ما مشاريع المستقبل ؟
- أنا لا أخطط للمستقبل ، أنا كان عندى فى يوميى 10، 19 مايو 2012 معرض فى ميلانو والآخر فى تورينو وكمان عندى تمثال 13 طن من مرمر كرارا سيتم افتتاح معرضه بعده فأنا ليس لى مدير أعمال ولكنى لى جاليرست ويتعامل مع مجموعة معينة .
- هل يسهل على فنان مصرى الدخول لهذا الجاليرست ؟
- لايستطيع ولكن هذا ممكن عن طريق الدولة المصرية من خلال المؤسسات !
- ينفر الكثير من الشباب التعامل مع المؤسسة المصرية الفنية نظراً للبيروقراطية والمجاملات .. الخ ويفضلون بيع أعمالهم فى الخارج مباشرة !
- وإذا كنت تقصد تسويق الأعمال التشكيلية إلى أوروبا هذا ليس صعباً ، فقط على الشاب المصرى الدخول والتواصل مع الجاليريات عبر الإنترنت ، وهذا ليس عيباً بالعكس ده كده بيجيب ليهم دخل يعنى مكسب لانهم بياخذوا نسبه من المبيعات .
- ما رأيك فى الفن التشكيلى المصرى ؟
- ليس حاضراً وللأسف مشاريعى ومشاغلى أنا خارج الدائرة ولا أدرى شيئاً ، الآن يصنع التاريخ فى مصر 25 يناير ثورة عظيمة ومتغيرات كثيرة وأحداث متسارعة وإصرار على الديمقراطية قوة نقدية للواقع وفيه حياة شديدة الديناميكية وتفاعل الفنانين معه يعطى ثراء وقوة وحرارة للفن المقدم عكس أوروبا التى أصابها التشبع .
- رسالتى فى الفن التشكيلى كلمة هادئة إحساس شاعرى البحث عن المعنى للحياة والمعنى القدسى (الروحانى حتى بالمفهوم العلمانى) .. النور الروحى .
- الفنان المتدين والغير متدين ، هل تدين الفنان له تأثير على فنه ؟ وعطاؤه .
- أو بمعنى آخر فى عصر النهضة الإيطالية مثلاً كان هناك توجه دينى كنسى واضح للغاية ، من وجهة نظرك هل أثر ذلك فى مسار الفن ؟
- نعم ولكن الفنان كان حُر ومتمرد ورسم الرجل والمرأة عاريان فى قلب الكنيسة ورأينا مايكل أنجلو ودافنشى اصرا على تحررهما فى التعبير .
- معرضك الحالى هنا فى جاليرى مصر .. ما رسالتك التى تريد إيصالها ؟ الملحمة
- رسالة تواصل من الشرق للغرب ومن الغرب للشرق أنا كمصرى وأنا صغير السن كنت أتمنى لمصر كل ما تستحقه عندما أنظر لتاريخها العتيق العريق ومصر لا تستحق مطلقاً البهدلة الحالية ، نعم نحن فى مرحلة ولادة جديدة وعلينا ننتبه للهمجيات الداخلة التى تحاول أن تفرض واقع جديد ، علينا التيقظ ، الآن اصعب مرحلة تمر بها مصر وأنا متفاءل لمستقبل مصر.
بقلم : أيمن حامد
مجلة الخيال : ( العدد 30 ) سبتمبر 2012
معادلة العطاء لتلمس حكمة الحياة
- فى معادلات التناظر بين التجريدي الخالص والتعبيري الحر ، جاءت إشارات `كاسيرر` لتعلي الفن كلغة للتعبير وفلسفة لتفسير الواقع والحقائق الجوهر الضمني ، وترجمة بالحدس وبالصور الحسية لا بالفكر ، كما يفعل الحالم الذي يسطر صياغاته وأبعاده الصورية ، دائماً ما ينسج الفنان الأيقوني `مدحت شفيق` براح روحي ذاتي نابع من وجدانه الداخلي والإفصاح عن ذلك العالم الآخر الذي يقع خلف عالمنا المرئي ، للنبش في جمال الحياة والدوائر الفلكية اللانهائية ، لتلمس دروب التسامي ، والتعبير عن المقدس السامي الذي يقبض علي الحقائق عبر تحرير الذات واستحضار المشاعر ، واستنهاض نواميس الروح ( لتمثيل ما يجيش في النفس تمثيلا عينيا مشخصا - والكشف عن حقيقة الموجود) فالفن تقرير حقيقة وهبة مقدسة نمت من ( العالم الحسي - عالم المثل) لتأكيد إنسانية الإنسان وتحرير الذات المبدعة والسعي دوماً لرتسيخ الهوية الوطنية والقيم الأخلاقية ، ليبرح بذلك الفن كملاذ للحرية الإبداعية ، وظاهرة إنسانية معقدة ذات تعبير إبداعي عن أفكار ومشاعر.
- غاليري `أرم` `ومصر` والتجسير الحضاري والثقافي:
-( في رحاب غاليري `إرم Errm ` بقيادة الأستاذ محمد السعوى وفى ظل شراكة وتعاون فني ثري مع غاليري `مصرMisr ` برعاية الأستاذ محمد طلعت) شهدت العاصمة `الرياض` افتتاح معرض `رحيل ODYSSEY ` للفنان المصري العالمي `مدحت شفيق` والذي يستمر حتي 31 مارس 2025 ، بتواجد لافت لشخصيات أميرية مرموقة وجمهور وفناني المملكة العربية السعودية وضيوفها وكوكبة من المدعوين وحضور الأميرة أضوي بنت آل سعود والأمير فهد بن سعد آل سعود ، السيد طه بن عبد الله القويز ، الدكتورة وفاء الرشيد ، المهندس عبد الله بن جوهر ، السيد محمد الشيتي ، المهندس محمد الشريف والأستاذة كوثر العطية0
- وعبر حراكها الفني والتنموية المتصاعدة التي تسعي للارتقاء بالمشهد الثقافي ، وتحديث محتوي الفنون البصرية بقاعات العرض السعودية ، ينطلق غاليري `إرم` في إطار شاحذية الموسم الفني الجديد بأعمال أحد أهم القامات الفنية بغرض توثيق تجربة الرواد وتصدير الأطروحات الفنية التي تزاوج بين الخبرة والتجديد ، وفتح نوافذ الإبداعات التي تؤطر وتحتفي بالثراء الفني المفاهيمي المعاصر ، وتناقش ديمومة التأثير المتبادل بين الخبرات والتجارب والتناغم بين الأجيال والثقافات وتبادل وجهات النظر في الموضوعات لبناء العلاقات وتقوية الروابط وتبادل الأفكار ، (فالتواصلية الفنية والثقافية والفكرية) هي دينامية الجماعات الفنية ووسيلة تبادلية المعارف والخبرات بغرض التطور والنمو وتخصيب المداخل الفنية بما يصب في مصلحة المسار الإبداعي ذاته ويدعم الثراء الثقافي السعودي المعاصر ويؤهل للحضور في مجالات الثقافة والفنون البصرية محلياً وعالمياً.
- `مدحت شفيق` الإرتحال وتلمس حكمة الحياة (بين الذات والإتصال بالمحيط):
- ولد الفنان المصري `مدحت شفيق` في مدينة البداري بمحافظة أسيوط في مصر عام 1956م ، ثم انتقل إلي `ميلان` في نصف الشمال الإيطالي العريق بإيطاليا منذ عام 1976م ليحصل علي الدبلومة في الرسم وتصميم الديكور من أكاديمية ` بريرا` للفنون الجميلة في إيطاليا لتتوالي لاحقاً مشاركاته وحضوره الفني بفاعلية في العديد من المعارض الفنية في إيطاليا وخارجها في أوائل الثمانينيات لتحتفي مسيرته بالعديد من الجوائز مثل : جائزة بينالي القاهرة الدولي الثامن للفنون القاهرة مصر 2001م ، جائزة النيل الكبري ببينالي القاهرة الدولي التاسع مصر 1995م ، جائزة الأسد الذهبي للأمم جناح مصر في بينالي فينيسيا بإيطاليا 1995م ، الجائزة الدولية الخامسة عشرة بوغاتي سيغا لنتيني نوفا - ميلانيزي إيطاليا 1990م.
- ولديه عدد من المقتنيات لدي مركز الدراسات وأرشيف التواصل بجامعة بارما بإيطاليا - وجاليري دارتي موديرنا أكيلي فورتي ، فيرونا ، إيطاليا - متحف الفن الحديث والمعاصر بالقاهرة - متحف الفن الحديث والمعاصر بالاتسو ريسو ، باليرمو إيطاليا - متحف النحت في الهواء الطلق ، جيبيلينا بإيطاليا - متحف النحت في الهواء الطلق باركو إيدروسكالو ، ميلانو إيطاليا - متحف الفن المعاصر ، بالاتسو ديلي بابيس سيينا ، إيطاليا - متحف في موشن كاستيلو دي سان بيترو بياتشينزا إيطاليا.
- وانعطف الفنان مبكراً علي (الرحلة أو الترحال المفتوح والتنقل الزمكاني) (من مصر إلي إيطاليا) حامل معه هوية وعادات وتقاليد وممسكا بمجدافه النيلي ، وبطاقة هويته ، وتشبث بجينات شرقية ومخزون من مواد بصرية سحيقة ومنهج مغاير لما دأب عليه أقرانه ، للالتحام مع ثقافة فنية جديدة وجغرافيا وزمانية شحذته للانخراط بها والتأسيس لفسيفساء فكرية وتشكيلية لا متناهية الأطراف توسع من الرؤية الشخصية له وتكسبه تجارب جديدة ذات آفق واسعة لفهم العالم وتقبل التنوع والاختلاف بين الشعوب عبر لغة عالمية قادرة علي تجاوز الحواجز اللغوية والجغرافية بما يسهل نقل رسائل عميقة والفهم العميق للثقافات المختلفة بشكل أعمق ويعزز من روح التسامح والتعاون بين مختلف المجتمعات فالفن هو جسر رابط بين الأفراد في خلفياتهم الثقافية أو الاجتماعية ورابط لذاكرة يستند لها الفرد والمجتمع لبناء الفكر والمعرفة والموقف الاجتماعى 0
- وذلك في توازن بصري يجمع (الذاكرة والهوية والثقافة والفكرة) لطرح مادة إبداعية لها تلقائيتها انطلاقا من علامات بصرية مسجلة وشكل فني موجز بليغ يعتمد علي الإيجاز والمباشراتية مع الطبيعة والاندماج الكلي بها كمصور مكين قادر علي محو العالم المرئي من المخزون البصري عبر التعامل بشكل مباشر مع المواد والوسائط الأساسية التي تكونها كالتراب والحجر توازياً مع وسائط تعبيرية موحية قادرة علي إعادة تركيب العالم المرئي وفق أنساق خاصة من جسور الذاكرة والزمن والميثولوجي الأسطوري ، والأساطير والقصص من أجل فهم الطبيعة والعلاقة بين البشر وفتح نوافذ حية علي حقائق سر الحياة في تخلي عن كل صور التقليد واحتفاظ الأثر الفني بقيمته لذاته وليس لمضاهاته للواقع عبر طليعة فكرية تنتهج التحولات الجذرية في قوالب الفن بتبنيهم مفهوماً جديداً للشكل وللعمق وذلك علي مستوي البناء الأيدويولوجي والفنون البصرية ليسطر `مدحت شفيق` لنفسه طريقة أسلوبية تؤطر تمثيل قوي للحقيقة أكثر مما يمكن العثور عليه في الواقع المحسوس فالإفصاح بكامل الشئ يعريه عن جمالياته وبلاغته البصرية لتنحو أعماله من مجرد (التسجيل) لتجربه مرئية إلي (رؤي مستحدثة للواقع) تفرزها المخيلة المحلقة للفنان كنتاج للتوغل في أغوار ذلك العالم واستخراج ما ينطوي عليه من حقائق وقيم والتنقيب عما يتضمنه من طاقات روحانية تستثير بدورها العواطف والوجدان مدعومة بتأثيرات ومعالجات تقنية ومشحونة بعنفوان التعبير والنبض الحيوي والخيال والانفتاح علي المحيط المجتمعي والواقع السوسيوثقافي للمجتمع الذي يعيش فيه الفنان والقدرة علي الجمع بين العاطفة والذكاء في إشارات موجزة لتتجلي بصيرة الفنان الثاقبة في اختياراته لمفرداته وطرحها في أنساق ومواقف لتوحي بدلالات ومعان ووظائف أخري تعزز قيم (المشاعر الروحية - والانتماء في مواجهة قوي العولمة - والتعبير عن الهوية) كمظهر بصرى محفز للبحث عن المعاصرة والذاتية وإعادة تعريف آثارها التقليدية والاجتماعية وتحليل العلاقة بين الإنسان والمساحات المحيطة به.
- `الأركيولوجية الذاتية` والسرد القصصى الإنسانى :
- لم ترتكل الأطروحات الفنية للفنان `مدحت شفيق` لتصدير عوالم فنية وتجليات ذات جماليات سردية استهلاكية ، منطقية متعارف عليها ، بل انطلقت من منهجية بحثية وجهد إبداعي رصين ينبش في وقائع الأحداث والوثائق التاريخية وقراءتها مجدداً بشكل مختلف عن شئ غير معروف ودراسة لموروثات الحضارات الإنسانية وحياة الشعوب القديمة لتأتي `المقاربات الإيستيمولوجية` ومناهج البحث في التاريخ والتراث والأركيولوجيا وإبراز الروابط والتقاطعات فيما بينهما ، والنبش في أهم الإشكاليات ومستجدات البحث الأثري والتاريخي (فالتراث هو إرث الماضي والموروث التاريخي من قيم وحضارة مادية ومعنوية - والتاريخ باعتباره العلم الذي يدرس الإنسان في تفاعلاته مع المحيط الذي عاش فيه ومع بني جنسه مع العمل علي رصد مستوي إنتاجه المادي والمعنوي كسجل زمني يسجل التراث) كروافد تؤسس لعلاقة حداثية بين المصادر النصية ومصادر مادية للتاريخ لاكتشاف ملامح تسمو بالإبداع الفني.
- ففي سعيه الدائم للبحث عن (أركيولوجيته الذاتية) بدأ `مدحت شفيق` بالتاريخ المصري وانتهي بسرد قصة الانسانية جمعاء ليقدم رسالة عالمية عن التسامح المتبادل والفهم المشترك لتتمايز الهياكل الفلسفية `لمدحت شفيق` بذكاء متوقد في استخدام وسائط التعبير وتجريدات فكرية شديدة العاطفة تبوح بالمضامين في تنظيم رمزي متماسك الأطراف عن طريق عمليات الاندماج والتكثيف والإزاحة والتعويض والتي تعكس شغف مولع بالحداثة نحو ترجمة الملامح التكوينية للعمل عبر (عطاء وحس يعضدان توليد استرسال بصري وتأليفات فلسفية يتحول فيها الفنان إلي رحاب المتخيل وتأسيس صدي للعالم والواقع المعتاد وإتقانه الفني المصطبغ `بمعادلة العطاء` كفنان شرقي يمتلك فجر الضمير والوجودية والقدرات الخاصة نحو (الرحيل مع النفس - وللنفس) ، (وهو ما يفسر محاولات الفنان تحقيق ما هو حداثي غير مباشر في عمله الفني وما هو متعلق بحدود مقدمته الخفية) الأمر الذى يجتر الجمهور الملتقي كي يدخل إلي قلب ساحته الفنية.
- فالتراث يحمل بين طياته الهوية بكل أبعادها الفلسفية ، والاجتماعية ، والأيديولوجية ، ومصدر الرؤي والأفكار والتصورات عن الكون والحضارة وهو ما يتطلب من الفنان قدر رحب من التأمل والتحليل والفهم العميق لتراثه والتنقيب في صيغة البصرية وقيمة الجمالية ومضمونه الفكري ورموزه الفنية وتأليفاته البنائية ومجموع وسائطه وأدواته دون أن يكون ذلك بمثابة عائق لأفكار ورسائل الفنان وذاتيته وشخصيته الدامغة التي تنعكس من خلال تجربته التشكيلية لتصدير اطروحات فنية تتسق والعصرانية وتطلعات الحاضر لتصبح تلك `الأركيولوجية الذاتية` بمثابة نقطة إنطلاق وارتكازية لصياغات وتشكيل أساسه الموروث والعمق الحضاري للفنان للاكتساء بالهوية وإيجاد خصوصية وبصمة أسلوبية في محيط فني تشابهت فيه الأشكال وتدشين لحكي بصري وتصورات فكرية تتوازي مع تلك الحوائط القدسية في الموروثات الكنيزة التي اتسمت بالروحانية والخلود مستعرضاً تأملات عميقة في مضمون أعماله الفنية في محاولات استثمار الهوية الثقافية والتراثية بقالب إبداعي يعكس التجدد والتحول ويصبح الفنان جسراً يربط بين الماضي والحاضر ويسهم في تعزيز الوعي بالثقافة المنطقة والتراث الشرقى .
- ما بين البعد القدسي والشحنات الانفعالية والغنائية:
- وفي محاولات تفسير (النور والتوهج والتسامي والجلال والمقدس) التي تطفو علي سطح شروحاته الفنية نتلمس تجسيداً لوعي حسي بالأبعاد الفضائية والاحتشادات اللونية والشكلية المكثفة والبنائيات المفعمة بالمقدس الذي يتجلي من صعيد آخر غير صعيد الحقائق الطبيعية وكل طاقي غير قابل للإدراك لتصبح بذلك قوي عجيبة مثيرة للإجلال ونوعا من القوة الخفية المسئولة عن كل سعادة وبهجة فالمقدس يعني تحديداً أن الإنسان ليس كائناً ملقي به وحيداً في المتكون الكوني بل لعالمه تناسق ومعني ولوجوده غاية لتنبري تأليفاته المفاهيمية كإشراقات تؤسس لوجهات فكرية ومضمون الحقيقة وتلاقح بين الشكل والفكرة وطرح رؤية للعالم (والتي لا تنتمي الي تطبيقات المنهجيات الكلاسيكية الاتباعية والمنظور الأكاديمي أو طرق التجسيم النمطية والتراصف بين الأشكال والمساحات أو طرق الخداعيات البصرية) (بل تجسيد ينطلق من الإشراق والنورانية - وبصيرة متعالقة مع معارف وقيم والبعد الاستحضاري لدوران الأحداث لاستحضار جماليات مشتتة عبر هوية متناثرة تستقطب الفنان لتجميعها وبناء الإناء المكسور وتدشين العمق الحضاري).
- ولكونها الراسم الرئيسي للشكلانية والمعزز الروحي للعمل تأتي النورانية بالنسبة `لمدحت شفيق` (كمعني) وليست (مادة) هي (نور النفس والبصيرة) وواحة المتصوف مرشد للعقل البشري إلي الحقيقة (أكثر من سطحية الفاتح والداكن) شفرة ترتقي من مجرد تسيطر العمق وتجسيد الكتل الي نحت وتشكيل قدس الأقداس ودلالة للأنساق والقيم المتسامية والمؤكد كفعل اليقين وناتج ذلك التأمل الذي يدلل علي تثقف ودراية بالغة وتصوف ينطلق من رؤية روحية تغوص في عوالم ما وراء المرء والحقيقي والباطن وتنطلق من تحليل النواظم والافتراقات الجمالية التي يعبر عنها الفنان في فنه واستعراض التأثيرات الأساسية التاريخية والميثولوجية التي قادت توجيهاته الفنية.
- وكأحد أهم النابهين والنابغين الملهمين للأجيال الشابة تمايزت أعمال `مدحت شفيق` تشكيل عناصره بجملة مواد ووسائط بيئية شديدة الخصوصية عبر مواد طبيعية كالقطن والورق والأقمشة المصبوغة وقطع الخشب فيما تشكل مساحيق الأصباغ والأكريليك والجص والفحم وأوراق الذهب أجزاء من عملية بديعة لإنتاج أعمال فنية تتسم بالقوة والرهافة معاً في تأليفات فنية لها إيقاعاتها وخطوطها التي تنسجم مع الألوان مثلا الترابية والألوان الباردة والساخنة (فمن الأزرق إلي الأصفر والأخضر الي الأحمر والبرتقالي) تختلف البيئة والطبيعة والعلامات ومدلولاتها الرمزية والتعبيرية حسب الضمني والفكرة المقصودة مع توظيف الشخوص والملامح والعناصر والخامات لتتقمص كلها الدور المرجو منها لإيصال المعني ومدلوله لتتأسس المتعة البصرية في سرد تفاصيل مستوحاة فى ذلك البيئة واللغة البصرية حرفا وملامح وتشكيلا للوسائط وجغرافيا الألوان وتداخلاتها الرمزى
- الذاكرة الجمعية وبناء الوزن الذاتى الحضارى:
- تحمل أعمال `مدحت شفيق` رؤي فلسفية وفنية ليست مجرد يوميات شخصية للفنان بل انعكاس للذاكرة الجمعية باعتبارها الجمع الرمزى لذاكرات الأفراد وتأسيس لهوية المجتمع وضمان سيرورته باعتبارها الأرضية التي يستند إليها الفنان والمجتمع لبناء الفكر والمعارف والمواقف وأيضا هي منظومات القيم وأنماط التفكير وضابط السلوك الفردي والاجتماعي والمرتكز الذي تقوم عليه فكرة التوثيق وكما يراها عالم الإجتماع الفرنسى `موريس هالبواكس` بأنها نهجية تعتبر أن عملية التذكر الفردية لا يمكن أن تنشأ إلا ضمن إطار اجتماعي معين ويربط الذاكرة الجمعية والذكريات الشخصية للفرد بالمجتمع الذي ينتمي إليه فذكريات الأفراد متمركزة ضمن المنظومة الاجتماعية كنتاج لتفاعل الفرد مع محيطه الاجتماعي بحكم الصيرورة والحوار مع الآخرين وتذكر أحداث مشتركة ومترسخة بالتذاكر ومتعارف عليها بالتثاقف.
- والذاكرة الجمعية ليست قيماً مطلقة تجريدية فحسب بل قيم إنسانية حضارية تهدف إلي السمو بمكانة الإنسان الفرد والمجتمع باعتبارها مكوناً حضارياً يسعي نحو إيصال البشرية أفرادا ً وجماعات إلي مراتب عليا من الكمال الإنساني لأنها تحمل في داخلها عناصر حيوية وتصورات ومفاهيم محفزة لعمليات النشاط في الميادين المختلفة فحيوية الراهن وفعالية المجتمع هي البيئة المواتية والتى تقدم ضمانات أكثر وضوحا ً لكى تمارس عناصر ومفردات الذاكرة الجماعية دورها الإيجابى والمطلوب في اللحظة التاريخية وذلك لأن هذه الحيوية والفعالية تحول دون الاستغراق الشكلي والفوقى فى التعامل مع مفردات الذاكرة الجماعية.
- لذا يسعى الفنان نحو ربط حاضر الأمة بماضيها المجيد وعدم إلغاء ذاكرة الأمة الجمعية من الوجود وتعطيل آثارها الاجتماعية والحضارية عبر معالجات تكشف عن تلك المراوغة في استدعاء أفكار طليعية في التعبير والصياغة الحداثية التي هي عبارة عن هيئة تصويرية ناضجة مع التأكيد علي عنصر المفاجأة في صياغة العناصر والتكوين وتوظيف مفردات غير نمطية أو بديهية اصطلاحية في عرض الموضوعات وتأكيد البداهة الإبداعية من خلال الدفع بالمبالغات والتحريفات التى تحرر الصياغة الشكلية من وزنها وتخلصها من قوي الجاذبية والبعد عن الصياغات والتكوينات التي تتسم بالمباشرة وسهولة التلقي وتكثيف المعاني الفكرية المحملة بسمات وعلامات معقدة يستطيع المشاهد أن يستنشقها.
بقلم : د./حسان صبحى
جريدة : القاهرة ( العدد 1289 ) 1-4-2025
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث