- يرى الطفل العالم كما يحسه ويشعره ويتخيله، ويهيم فيه ويجسده تصويريا فى ` فانتازيا ` حية، تتجمد حينما يتعلم تدريجيا كيف يعقل الأشياء بالمنطق والتحليل والقياس، وكيف يبصرها بعيداً عن`العاطفة`.
ومع النمو والنضج والتعليم ينكمش هذا العالم الخصب من الوجود الباطنى اللاشعورى وينسحب إلى أغوار النفس ليحل محله على السطح الوعى الظاهرى العقلانى.
- والفن باعتباره أحد أشكال المعرفة الإنسانية الكبرى بتجاوزه مراحل الأنظمة البصرية والأسلوبية المقننة لثقافات ومجتمعات تاريخية إلى الممارسة الراهنة لما يسمى`بالتعبير عن الذات` قد أتاح ظهور ذلك العالم الباطنى اللاشعورى من جديد إلى المسطح التصويرى ليحتله كاملا بعد أن كان لا يمكن تقصيه سوى فى بعض الآثار العفوية فى خلفيات الأعمال.
- أصبح الفراغ التصويرى الذى كانت تحكمه إرادة واعية وقصد عبر التاريخ الطويل للفن، مجالا لإسقاط المدركات اللاشعورية والدوافع التلقائية حيث تتشكل وفق نظام يختلف عن القواعد المدرسية التى تحكم المنتج الفنى لما قبل التزثيرية. لم يعد يجسد التفكير الخطى التتابعى المنطقى الذى يركز عناصره ويميزها ويحددها بل اصبح طفوا إلى السطح للمخزون اللاشعورى برؤاه المتعددة وشفراته ورموزه.
- والأعمال التى نعانيها فى هذا المعرض تتحول فيها الأشياء التى نعرفها كمدركات عقلية إلى بقع لونية ومسارات فرشاة وتدرجات من العتمة والنصوع… تتحول إلى علامات لا تحكمها علاقاتها فى الواقع بل تحكمها ضرورات المسطح بفعل الطاقة الكامنة فى اللاشعور وتوجهها التقنية المكتسبة والمخزونة كخبرة لتصنع فى النهاية هذا النسيج التصويرى .
- العالم هنا عالم حسى لا يتحدد فيه موضوع وخلفية (مفهوم كلاسيكى) لكن السطح التصويرى نفسه هو الموضوع والخلفية وما بينهما ليس أمام وخلف وإنما أعلى (وعى) وأسفل ( لا وعى) حيث تتحدد قدرة تكثيف الشعور فى سيطرة أحدهما على الآخر أو امتزاجهما للمدى الذى يشيع فيه النظام المستبطن فى الشكل الذى يبدو وكما لو كان عشوائيا.
- التقنية الفنية هنا تقليدية (زيت على توال) تعكس التقاليد المدرسية والأكاديمية فى الممارسة وبناء العمل، ورغم ذلك فليس هناك القصد ولا التحكم الواعى وأمامنا ذلك الدفق العاطفى للألوان والمساحات والخطوط والأشكال والملامس `فانتازيا` احتفالية بالطبيعة والإنسان والأشياء.
مجدى قناوى