- إن المنحوتة هى تماثل لما ينبغى أن يكون فهى بذات صفاتها الحجرية قد تكون نقيضاً للمرئى ، وقد تكون برهاناً لغير المرئى فى صور العقل .
- يحبسنا ( أرمن أجوب ) داخل حجوم الجسم الحجرى ، حتى يظل غير المرئى عصياً علينا ، بل وغامضاً بفعل مخاتلة الدلالات لبعضها .
- فها هو ينحت لنا فى جسد الحجر المعتم كمثل البازلت ، هذا الذى من شأنه أن يجسد لنا المستتر فى الوعى ليس من صدفة نتلقاها فى منحوتات ( أرمن أجوب ) وإنما هى دهشة المخزون فى جسد الحجر .
- فى منحوتاته نرى رهافة كالشعر المقفى وإيقاعات كمثل مقامية شرقية ، وحوافاً قاطاعات كمثل حد السكين ، وحكمة منصوفة مغلولة فى جلالها ، وجسداً حجرياً مشدوداً ومغرقاً فى حنيات الدوائر ، ومسامية تتجلى فى أعيننا كمثل ما هى فى الجلد البشرى .
- ينحت ( أرمن أجوب ) الفراغ وكأنه يمسك الفضاء ويجمد المكان فى وضعة متزمنة ، فكأن الفراغ هو بذاته جسد النحت الخالص ، وليست هى الحجوم الحجرية .
- من هاهنا يتحد الأرضى بالسماوى ، والحسى بالعقلى ، وباختصار يبدأ فعل الأسطورة . لهذا فنحن حين نتأمل المنحوتة الحجرية نصطدم بإيماءات من الجنس المنزه ، وبإشارات مبتغاها التقية الصوفية فوق سطح الحجر .
- حين نتأمل الء طباق البيضاوية الحجرية ، وتمفصل الحواف وتجاوزها ، ثم امتدادها حتى التلاشى فوق سطح الحجر ، سوف نلتقى وجهاً لوجه أمام تلك الصورة الإفتراضية التى أرادها ( أرمن أجوب ) صورة ( الامرائى ) الذى يكرس امتيازاً ( للمثالية ) فى المنحوتة الحجرية ، من حيث هى إيقاع ، ومن حيث هى جسر يعيدنا الى الأصل البدائى ، كونها دلالة للنقاوة الأولى .
- إن ( أرمن أجوب ) لا ينتج لنا فى منحوتاته الحجرية طبيعة بحد ذاتها ، وإنما ينتج لنا الطبيعة الثانية ، طبيعة تم نقلها مرتين : مرة من ذاك المجتمع الذى تماهت فى نسيجه ، ومرة من قبل المبدع الذى كشف الحجاب عنها ، وجلب حضورها علنا .
- ثمة فى حجريات ( أجوب ) روحانية تذكرنا بروحانيات ( برانكوزى ) وغريزة كمثل غريزة الخليات البدائية عند ( أرمن ) وشاعرية كمثل تلك التى يدعونا إليها ( ميلوتى ) ، وجسدانية كمثل أسمنتيات ( ستاسيولى ) ثم هنالك طبع من تلك الطاقة المنصوفة التى تدهشنا فى منحوتات البازلت الفرعونية .
- مزيج صانع لتلك الوجودية التى أعطت الصدقية لأرمن أجوب فى منحوتاته الحجرية .ومع ذلك فنحن نراه فناناً فردانيا متوحداً فى الحجر . يملك تلك القدرة الجزافية التى تجعلنا نتوق الى خامة الحجر ، وكأنه جزء من طبيعتنا اليومية . نتحسس حجريات أجوب المنغمة خلسة خشية أن تنغرس فيها أصابعنا ، أو تنطبع عليها آثارنا ، أو أن تجفل الحجريات وتتوجع من ثقلنا .
- هكذا هى رهيفة تحمل رخصة التعبير البشرى ، وصفات المطبوع فى العقل الفاعل .
أحمد فؤاد سليم