نبيله فؤاد أندراوس
(( جمال الطبيعة فى لوحات نبيلة أندراوس ))
- معايشة الواقع والإحساس بنبض الطبيعة أحد أهم الأسس التى يقوم عليها العمل الفنى ويحاول الفنان إبراز ملامح ذلك الجمال برؤيته الذاتية.. فيظهر وحدة التكوين وتناغمه كما نراها فى لوحات الفنانة نبيلة أندراوس التى استطاعت أن تسجلها نابضة بمشاعر كلها صدق فى حب مصر .. من خلال معرضها المقام حالياً فى قاعة الفنون بالمركز الروسى للعلوم والثقافة .. ويستمر حتى 26 فبراير الجارى . - يشاهد جمهور القاهرة المعرض الثانى لأحدث أعمال الفنانة نبيلة أندراوس تحت عنوان ` مصر التى أحبها ` الذى يحتوى على مجموعة لوحات بألوان الزيت تمثل سحر وجمال وعذوبة الطبيعة المصرية ونيلها العظيم وشمسها الدافئة .. وقد استطاعت الفنانة أن تسجل الطبيعة على سطوح لوحاتها بألوانها الشفافة .. حيث هدوء البيئة المصرية المرسومة كالمبانى الريفية والقوارب على سطح مياه النيل ..والمساحات الخضراء الدافئة مع مساحات من اللون الأبيض والأزرق التى تعبر عن صفاء سماء مصر وعمق حضارتها . - نلمس فى لوحات الفنانة نبيلة أندراوس توزيع المساحات اللونية وتناغم الخطوط وما تصنفه على أعمالها من عذوبة وشاعرية تعبر عن أصالة حبها للطبيعة الرحبة وبراعتها فى استعمال ألوانها . - وعن الرؤية الفنية بالنسبة للفنانة فقد أثبتت قدرة فائقة من خلال جرأتها فى استعمالها للألوان الشفافة التى اختلطت فى أعماقها .. فأبدعتها فى لوحات تمزج بين الخيال والواقع .. فجاءت أكثر تعبيراً عن طبيعة البيئة المصرية لتحقيق الجمع بين سحر وجمال الطبيعة .. وقيم الجمال فى الفن حيث لا تهتم بالتفاصيل قدر اهتمامها بالمساحات اللونية المريحة لنفس الإنسان . - لقد استطاعت الفنانة نبيلة أندراوس أن تعبر عن واقع الحياة المصرية فى تكوينات محكمة.. تصوغها بأسلوب تلقائى محبب حيث طبيعة الألوان الشفافة ذات اللمسة الواحدة بالألوان الطازجة . - ومن خلال لوحاتها يتجول المشاهد بين طبيعة البيئة وعذوبة ومتعة الألوان التى تعطى موسيقى ساحرة من خلال إحساسنا بأرضنا وعبق تراثنا وتاريخنا فى كل مكان .
جريدة وطنى فبراير 2006
(( مصر .. التى فى خاطرها ))
- شهدت قاعة الفنون بمتحف أحمد شوقى مؤخراً معرضاً فنياً .. كنا فى أشد الحاجة إليه .. جاء فى موعده وتوقيته.. ليؤكد أن شعب مصر نسيج واحد .. ولن يفرط فى وحدته الوطنية .. رغم كل المحاولات اليائسة . المعرض بعنوان `مصر التى فى خاطرى ` للفنانة الأصيلة نبيلة أندراوس التى حولته بلوحاتها لغنيوة مصرية جميلة تسبح بعشق بلادنا عراقتها وبطولاتها ، أناسها ورجالها ، عاداتها وتقاليدها ، بيوتها وأشجارها .. لكنها أبقت على المرأة بطلة متوجة لأعمالها ومفرداتها البيئية لتفانيها فى أداء كل أدوارها وتحت أى ظرف من الظروف . - تميزت لوحاتها بالصدق والحيوية .. صاغتها خلال بالته لونية مشرقة يغلب عليه دفء وضوء شمس بلادنا .. وتعتمد على الأخضر بدرجاته ، الأزرق والبنى والأصفر فى تزاوج رائع وهى تلك الألوان الأساسية التى تتشكل منها عناصر الحياة المصرية ببساطتها وتلقائيتها . - الجميل أنها المرة الثالثة التى تقيم فيها نبيلة أندراوس معرضاً بنفس المعنى والمضمون وأيضاً تحت عنوان واحد `مصر التى أحبها ` .
ثريا درويش
جريدة الأخبار يونيو 2006
(( مصر التى أحبها )) .. لنبيلة
- `مصر التى أحبها ` .. هو المعرض الثانى للفنانة نبيلة أندراوس ، وقام بافتتاحه أخيراً مدير المركز الروسى بقاعة شايكوفسكى بالمركز الروسى للعلوم والثقافة ، تصف الفنانة من خلال معرضها أروع أماكن مصر التى تصورها من خلال ريشتها الزيتية بأسلوب منفرد يجمع بين التعبيرية والتأثيرية تضفى عليه حاستها الشعرية الشخصية . وقد أبدعت هذه المجموعة خلال رحلاتها الخلوية إلى ريف وصعيد مصر ومدن شرم الشيخ والإسكندرية .
مجلة نصف الدنيا مارس 2006
استلهام الطبيعة فى الفن التشكيلى نبيلة أندراوس ( نموذجاً )
- تعد الفنانة نبيلة أندراوس واحدة من الفنانات التشكيليات اللائى برزن على الساحة الفنية فى السنوات الأخيرة مع قدوم القرن الحادى والعشرين . - وعلى الرغم من ظهورها - على الساحة الفنية التشكيلية - مؤخراً إلا أنها أثبتت عبر ريشتها غير عادى فى استلهام الطبيعة والموروث الشعبى والريف المصرى الجميل ، والبحر والسماء ، وبيئة الفلاح ، والبيئة الساحلية والصحراوية .. - وفى معرضها الأخير الذى أقيم فى المركز الثقافى الروسى بالقاهرة تستطيع أن تحلق فى أجواء لوحاتها وترحل عبر جنات وأرفه الظلال ، استطاعت الفنانة بريشتها استخدام تراكيب اللون الواحد على اختلاف درجاته لإبراز جمال الطبيعة الفاتنة . - لعبت الألوان : الأخضر ( بدرجاته ) والأزرق ( بدرجاته ) والبنى (بدرجاته) والأصفر ( بدرجاته ) مكانة بارزة فى جميع لوحاتها وقد عبرت أصدق تعبير عن الطبيعة الفاتنة ، وكيف يتعامل بعض البشر معها . - عرضت نبيلة أندراوس فى عدة معارض سابقة على سبيل المثال : المعرض السنوى للمركز الروسى للعلوم والثقافة الخاص بمدرسة إيفان بيليبين للفنون الجميلة فى ديسمبر 2004 . - وفى المعرض السنوى للقسم الحر بالفنون الجميلة بالزمالك فى مايو 2005 وفى المعرض الجماعى السنوى بقاعة ( دروب ) بالقاهرة فى أغسطس وسبتمبر 2005 . - كما عرضت بشكل خاص فى معارضها ( مصر التى أحبها ) للوحات الزيتية فى قاعة إيوارث جاليرى بالجامعة الأمريكية سبتمبر 2005 . - وفى معرض يوم لقاء الخريجين السنوى بالجامعة الأمريكية فى ديسمبر 2005 وقد عرضت أيضاً فى بريطانيا وأمريكا وكندا . - وحين أدعوك لرحلة قصيرة بين لوحات نبيلة أندراوس فإنها دعوة للمتعة والتأمل وأعمال الفكر والتحليق عبر أجواء الريف والبحر فى حضن الطبيعة . - رسمت الفنانة الحقول والأشجار والزهور والطيور والبيوت الطينية البسيطة والحيوانات التى ترعى فى الحقول الشاسعة واستطاعت الفنانة أن تتجاوز الواقع بآلامه وقسوته وإحباطاته وتخلق لذاتها ، ولنا ، عالماً رائعاً من هدوء وجمال وخيال . - إن لوحات الفنانة تأخذنا من أنفسنا رغماً عنا لنستغرق فى عالم أسمى وأرحب وأجمل وأكثر خيراً وأماناً .. هذا العالم الذى يعيش بداخل الفنانة وتعشقه فتسقطه عبر ريشتها وزيتها وتدرج ألوانها وتكاملها فوق اللوحة . إن عالم الفنانة يعيش داخلها وهى تعيش فيه أيضاً فى علاقة تبادلية لا انفصام بينهما . المرأة بين الوحدة والمسئولية معا - إنها تتوحد بالطبيعة وتستأنس بها ودائما ما نرى المرأة وحيدة فى لوحاتها .. أليس فى ذلك ما يدعو للدهشة والتأمل وطرح الأسئلة ؟ - هل الفنانة تعبر عن حالة ذاتية خاصة بها فتسقطها من دواخلها فوق اللوحة ؟ أم الفنانة تعبر عن شعور المرأة بالوحدة والاغتراب ؟ فلا تجد ملاذاً لها إلا حضن الطبيعة تستلقى فيه باحثة عن الدفء الأسمى عبر الشمس والهواء والجمال الذى خلقه رب الكون ؟ - إن المرأة فى لوحات نبيلة أندراوس امرأة صابرة راضية مستكينة وعاملة حمولة أو متحملة للمسئوليات .. - فى إحدى اللوحات التى أدهشتنى وأعجبتنى استشعرت خلالها وضع الفلاحة المصرية ( لوحة الفلاحة فوق الحمار) تلك اللوحة التى كانت فيها الفلاحة تحمل طفلها بيدها تسنده إلى صدرها. وبيدها الأخرى كانت تسند أحمالاً من الخبز فوق رأسها وأمامها بين فخذيها لفائف أخرى تحملها والأحمال جميعها فوق حمار يسير فى مساحات شاسعة لا نهاية لها.. وفى لوحة (حاملة الخبز) ترى الفتاة قد رفعت قفصاً كبيرا من الخبز تشعر برأسها تنوء أسفله وقد عكس اللون الأبيض فوق الرصيف والشارع الفارغ والظل المتعامد حالة حر الظهيرة وتوهجها واختفاء البشر من الشوارع إلا هذه المرأة الوحيدة التى تكافح من أجل لقمة العيش الحلال ! - هل هى صدفة ؟ لا أعتقد .. إنها حالة الفنانة التى تعيشها وتتوحد معها وتشعر بها لذا تعكسها بصدق وإخلاص وتقع فى نفس المتلقى ( المشاهد ) بذات الصدق الذى تناولته ريشة الفنانة التى جسدت البساطة فى أجمل صورها.. البساطة فى التعبير - إن لوحات نبيلة لوحات بسيطة لكنها من هذا النوع الذى يمثل السهل الممتنع ، إنها أقرب للتصوير الفوتوغرافى كما أنها فى بساطتها ليست بحاجة لأن ترهق المشاهد فى البحث عن دلالات خفية فى نفس الفنانة .. - فاللوحة التى نرى فيها الطفل الذى وقف بجوار بقرته أمام بيته الواقع فى وسط الحقول ليس بحاجة للتدليل على كفاح الفلاح المصرى منذ نعومة أظافره أو خشونة يده منذ طفولتها ، هذه المعجونة بتراب الأرض الزعفران التى ينتمى إليها ويرتبط بجذورها .. إن لوحات الفنانة ليست سريالية ولا تجريدية تجهد الذهن وتتعب المتلقى فى البحث عن دلالات إنها تقع فى النفس موقع السحر والتوحد . عادات الريف - تعكس اللوحات أيضاً عادات ريفية فهذه لوحة لامرأة تغسل فى إناء واسع بشكل بدائى على جسر النهر بجوارها طفلها وعنزتها وإناء آخر يفيض بأكداس الملابس التى لم تغسل بعد أو لعلها غسلتها منذ حين . - إنها امرأة وحيدة مكافحة تحمل مسئولية المنزل ( التنظيف كمثال ) وتربية طفلها ( الساكن لجوارها بعيدا عن الحضانات والدادات ) والاكتفاء الذاتى بتربية الطيور والحيوانات للتوفير المعاشى أو لزيادة الدخل ، إنها أيضاً امرأة أخرى وحيدة . وهذه اللوحة للدجاج فى ساحة المنزل قبل أن تغزوه ( أنفلونزا الطيور ) فمن المعروف أن الفلاحات تسهمن فى زيادة الدخل الاقتصادى للأسرة بتربية الدواجن فى المنزل . - وهذه لوحة أخرى لامرأة أخرى تنخل الدقيق وتجهزه للعجين ثم الخبز البيتى لتناول اللقمة النظيفة الحلال المعجونة بعرق الصبر والكفاح ، وهذه لوحة للسوق الشعبى وعربات فوقها الخضروات تملكها امرأة وحيدة تبيع فى عز الظهيرة وتغطى بضاعتها بمظلة واقية من حرارة الشمس . - اللوحات جميعا معبرة ورائعة وجادة وملتزمة وتعكس الوضع الاجتماعى والاقتصادى للكفاح المصرى فى عمق الريف كل لوحة بحاجة لقراءة متأملة ومجموع اللوحات يشكل فسيفساء مصرية أصيلة .
د. أميمة منير جادو
المحيط الثقافى 2006
القيم الاجتماعية كما تعكسها الفنون التشكيلية نبيلة أندراوس .. نموذجاً
- تعتبر الفنون بشكل عام دالة حضارة ودالة قيم وسمو ورقى وجمال .. إن تنمية القيم الجمالية هى تنمية للقيم الأخلاقية بالدرجة الأولى . - لست من أنصار ` الفن للفن ` لكنى من أنصار ` الفن للقيم ولتربية الوجدان `هذا الفن الذى يسمو بالروح فيبثها أشواق الملائكة هو الفن الحقيقى . فإذا كنا نؤمن بأن الله - سبحانه وتعالى - هو المبدع الأعظم وهو أروع فنان ، فإننا سوف نؤمن بأن الفن العظيم والفن الحقيقى هو ما يرتقى بالقيم الجمالية والوجدانية بل والأخلاقية لدى الإنسان . حيث أن الإنسان كل مركب متكامل . وهو فى كليته هذه أكبر من مجموع أجزائه وان الفنان المبدع هو خليفة الله على أرضه وكما يقال فى الحديث الشريف : ` إن الله جميل يحب الجمال ` .. - إن نظرية الفن للفن على الإطلاق ، تقتل فينا فى كثير من الأحيان قيم الجمال وقيم الأخلاق وقيم التربية التى نشأنا عليها ولا سيما فى الثقافة العربية التى تستمد مجموع قيمها من الدين الإسلامى والمسيحى بكل ما تنطوى عليه الأديان من سمو القيم ونبل الهدف ومشروعية السلوك . - ولعله قد يبدو من المدهش عنوان المقال لأول وهلة .. فما معنى القيم الأخلاقية التى تعكسها الفنون التشكيلية . - والمقال كما يتضح من عنوانه يركز على الفنون التشكيلية ويركز تحديدا على فن الرسم من بين سائر الفنون التشكيلة . - ولعل الذى دفعنى لكتابة هذا المقال الذى تمتزج فيه القيمة الاجتماعية بالقيمة الجمالية هو ما فرضته لوحات الفنانة نبيلة أندراوس نفسها من مضامين قيميه جمالية واجتماعية وأخلاقية . إن المقال هو الذى كتبنى فى الواقع أو كتب نفسه دونما تعمد لذلك . - فعندما أتاحت لى الأقدار زيارة معرض الفنانة نبيلة أندراوس فى المركز الثقافى الروسى بالقاهرة منذ فترة بسيطة ، إنما كانت الزيارة بالصدفة البحتة ، أعنى أننى لم أذهب بناءً على دعوة خاصة أو حتى قرأت خبراً فى جريدة، فالحقيقة إنها الصدفة ، ولم أكن قد سمعت عن هذه الفنانة المبدعة الموهوبة من قبل، حقاً كانت أول مرة، ورب صدفة خير من ميعاد . - وعندما طالعت اللوحات التى امتدت على بهو واسع فوق الجدران تغطيها على مستويين ، أدهشنى جمال الفن بداية.. هكذا يفعل الفن الجميل والأصيل فى المتلقى ، إنه يبثه قيماً لا مرئية ويسمو بوجدانه ويرتقى بمشاعره على الفور ليسبح فى دنيا من جمال داخل اللوحات ويحلق معها دون أن يدرى ، فيدخل عوالم اللوحة وعوالم الفنانة الأصيلة التى صورت بريشتها ما ينعكس داخلها ممتزجا مع الواقع الذى تنفعل له فى جدلية فنية تحاوريه حتى تسقط ألوانها وظلالها عبر الريشة المعبرة والموهبة المتمكنة لتصور لقطة ما، هذه اللقطة هى التى نقف أمامها فى حالة تتأرجح ما بين الانبهار والتوحد مع عوالم الفنانة داخل اللوحة . - هذا هو الانطباع المبدئى الذى يخرج به أى مشاهد لديه بعض قيم الرقى الشعورى وقيم السمو الوجدانى التى تستشعر الجمال الذى ينعكس عبر قيم فنية وجمالية وتشكيلية تعكسها لوحات الفنانة الموهوبة نبيلة أندراوس . - كيف نقرأ قيم اللوحة الفنية ؟ - إن المشاهد المتأمل قليلاً للوحات تستوقفه التشكيلات المختلفة التى تكون موضوعين كل لوحة على حده.. إن اختلاف اهتمامات المتلقين يؤدى بالتالى إلى اختلاف الرؤية التالية للوحة.. بمعنى آخر إذا كانت اللوحات فى الرؤية الأولى .. تعكس قيما جمالية واضحة، فإنها فى الرؤية التالية تعكس قيماً اجتماعية واضحة أيضاً ، ولعل فى هذا يكمن سر جمال لوحات الفنانة نبيلة أندراوس . - أما الرؤية الثالثة للوحة فهى تحليل موضوع اللوحة نفسه وهذا ما سنتحدث عنه بشيء من التفصيل لأنه موضوع مقالنا . - وهكذا تعكس اللوحة التعبيرية الفنية قيماً اجتماعية بداخل القيم الجمالية الأصلية وتتجاوز ذلك إلى طرح تأصيل ثقافى لمضمون هذه القيم الاجتماعية فى مجتمع بعينه وكأنها تصوير للواقع الاجتماعى والأخلاقى أو تعرية له فى أحد أو بعض جوانبه . - هذا هو بالضبط ما حدث لى عندما وقفت فى حرم الجمال أتأمل اللوحات ، وسرعان ما غلبتنى طبيعتى البحثية وثقافتى الأكاديمية حتى كدت أتجمد أمام كل لوحة وأغيب فى تفاصيلها منفصلة تماماً عن واقع المكان وواقع الناس حولى بينما أسبح فى أجواء اللوحة وأقرأ قيمها الجمالية مع تناسق الألوان وتدرجها ودلالاتها ثم أغوص أكثر وأكثر فأكتشف تلك القيم الاجتماعية عبر الموضوع الذى تتحدث عنه كل لوحة ثم تتماذج ذاتى وعقلى وفكرى مع أشكاليات اللوحة وتشكيلاتها فاستقرئ منها الخلفيات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية لهذه القيم الاجتماعية بداخل القيم الجمالية التى تعكسها اللوحات وسنتحدث عن هذا بشيء من التفصيل عبر تحليل مضمون الموضوع التشكيلى لبعض نماذج لوحات الفنانة نبيلة أندراوس ، بما يتناسب مع مقالنا وجهة النشر . نماذج تحليل موضوعات بعض اللوحات - أولاً : القيم الجمالية : نستلهم الفنانة قيمها الجمالية فى لوحاتها من لوحة المبدع الأعظم والفنان الأروع (الله) حيث نستلهم من جماليات الكون ( فضاءاته وحقوله وأشجاره وليله ونهاره وشروقه وغروبه وبيوته وطيوره وحيواناته وأنهاره وبحاره وترعه .... الخ) .. جماليات اللوحة الفنية ومادتها ومن تزاوج المواد معا وتآلفها يتكون موضوعها . - كما استطاعت الفنانة بريشتها عبر تراكيب اللون الواحد على اختلاف درجاته أن تبرز جمال الطبيعة الفتانة فقد استخدمت كل الألوان مع توظيف كل لون بما يناسبه فى مكانه ، ولعبت الألوان : ( الأخضر ) بدرجاته، و ( الأزرق ) بدرجاته و ( البنى ) بدرجاته ، و (الأصفر) بدرجاته، مكانة بارزة فى جميع لوحاتها وقد عبرت أصدق تعبير عن الطبيعة الفاتنة الرائعة وكيف يتعامل معها بعض البشر . - ثانياً : قيم البساطة فى التعبير : - لعل بساطة اللوحات مستمدة من بساطة روح الفنانة نفسها ، وهذه البساطة المعبرة هى بساطة ( السهل الممتنع) وهى قيم (الصدق) فى محاكاة الطبيعة وفى استلهامها أيضاً ، هذا ( الصدق الفنى ) الرائع الذى يشعر المتلقى بالبساطة لكنه من الصعب أن يصورها إلا الفنان الذى يملك بالإضافة لموهبته قيمة أخرى هى ( إتقان العمل) فاللوحات فى مجموعها متقنة الصناعة بشكل لافت للنظر وكأنها جزء حى نابض من الطبيعة ذاتها . - إن المرتحل عبر لوحات الفنانة فى جولة سياحية قصيرة طويلة ، قريبة بعيدة ، إنه لابد أن يعود من هذه الرحلة مشبعا بقيم المتعة الفنية والروحية وقيم التأمل الجمالى وقيم إعمال الفكر فضلاً عن التحليق عبر أجواء الريف والبحر فى حضن الطبيعة وبعض البشر قاطنى هذه المناطق . - ثالثاً : قيم تجاوز الواقع المادى إلى الخيال والحلم : - رسمت الفنانة البيئة الريفية والبيئة الساحلية فى أكثر لوحاتها ، فصورت الحقول والأشجار والزهور والطيور والبيوت الطينية البسيطة فى الريف والحيوانات التى ترعى فى الحقول الشاسعة فى مصرنا الغالية -هبة النيل - فعكست بذلك الواقع البيئى الاجتماعى الذى تتميز به مصر ، متجاوزة هذا الواقع بآلامه وقسوته وإحباطاته وفقره فى الإمكانيات محلقة فى عالم أكثر اخضراراً وإشراقاً ورحابة ، عالماً مشمساً فقد عكست الضوء والظلال فى أكثر لوحاتها فصورته عالماً رائعا من هدوء وجمال وخيال وأمان . - مثال : لوحة المرأة الوحيدة أمام بيتها الطينى تجلس القرفصاء : - إن امرأة هذه اللوحة تجلس فى الظل كما لو كانت فى حالة انتظار أو راحة ، انتظار الأمل ، أو الراحة من مشقة عمل استعدادا لمشقة عمل جديد أخر . - رابعاً : بعض القيم الاجتماعية فى المجتمع المصرى : - فى محاولة لاستقراء واستنطاق اللوحات نجد أن كثيراً من اللوحات تفصح عن نفسها فى بساطة ويسر وجمال لتعكس مجموعة من القيم الاجتماعية فى المجتمع المصرى . - كما يمكن ملاحظة إن ` المرأة ` تحتل النصيب الأعظم فى بطولة لوحات نبيلة أندراوس فعلى سبيل المثال : 1- نموذج لوحة الفلاحة فوق الحمار : - فى هذه اللوحة الرائعة نشاهد متعة تصوير قيم المسئولية الاجتماعية لدى المرأة الريفية فهى تركب حماراً وتحمل طفلها بيدها تسنده إلى صدرها ، وبيدها الأخرى تسند أحمالاً من الخبز فوق رأسها وأمامها بين فخديها لفائف أخرى تحملها وترافقها رحلتها وكل هذه الأحمال فوق حمار يبدو من اللوحة أنه يسير فى مساحات شاسعة كأن لا نهاية لها ! - وتبدو الفلاحة وحيدة مما يعكس وحدة الفلاحة المصرية بشكل ما ، لكنها مع طفلها مما يعكس قيمة الأمومة بوضوح إن الفلاحة تمثل بجدارة هذه القيمة لأنها ( أم ) يرافقها طفلها فى كل مكان تذهب إليه : فى الحقل وفى البيت وفى مشاويرها ، لذا نلاحظ أن الطفل أكثر ارتباطاً بأمه فى البيئة الريفية بدرجة أكبر من نظيره فى المدينة ، إنها تتحمل مسؤولية تربيته مهما تحملت من مسؤوليات أخرى ولا تعهد به للحضانات كما تفعل الأم العاملة، كما تتأكد فى هذا السياق الاجتماعى قيم اتساع خبرات طفل الريف الذى يتعامل مع الكثير من مفردات البيئة فى الحقول وبين الطيور والحيوانات أكثر من طفل المدينة فى الشقة الضيقة المحدودة . - كما تؤكد هذه اللوحة على قيم تحمل المرأة الريفية للمسئولية إنها تسير وحدها أو برفقة طفلها فى مساحات شاسعة بين الحقول حتى تصل لهدفها أياً كان هذا الهدف ربما كانت ذاهبة للسوق أو عائدة للمنزل . أو فى زيارة لقضاء بعض حوائجها ... الخ . كما أن الحمار لم يزل أحد الحيوانات المساعدة للإنسان كوسيلة انتقال ، إن هناك فى قاع الريف فى الصعيد خاصة - لم تزل القرى معزولة ولم تزل هناك صعوبة فى المواصلات حتى على مستوى ( السيارة الأجرة بالنفر ) إنها غير متوفرة فى كثير من القرى . - إن استنطاق اللوحة يعكس بعض القيم الاقتصادية داخل القيم الاجتماعية داخل القيم الجمالية. والمرأة فى الريف من أبرز النساء العاملات المكافحات إن اللوحة تبرز قيم ( كفاح المرأة المصرية ) ومما يعزز من تفسيرنا هذا المثال التالى . 2- نموذج لوحة حاملة الخبز : - نشاهد فى هذه اللوحة فتاة بسيطة للغاية نستدل على ذلك من بلوزتها وبنطلونها بألوانهما الباهتة وبشكل فضفاض عليه كأنها شحذتهما لأنهما ليسا مقاسها . ونرى الفتاة وهى تحمل قفصاً كبيراً من الخبز تشعر وكأن رأسها تنوء أسفله وهى وحيدة فى اللوحة، وقد عكس اللون الأبيض الناصع فوق الرصيف والشارع الفارغ وظل الفتاة المتعامد معها حالة حر الظهيرة والقيظ الشديد وتوهج درجة الحرارة فى فصل الصيف ووقت القيلولة ، واختفاء البشر تماماً من الشارع الطويل إلا هذه المرأة الوحيدة التى تكافح من أجل لقمة العيش الحلال وتبدو فتاة شابة صغيرة. إن اللوحات أيضاً تعلى من قدر قيمة ( الشرف ) عند المرأة عندما تكابد حلالاً . - والسؤال الذى يطرح نفسه علينا عند استقراء اللوحتين السابقتين : هل هى الصدفة التى جعلت الفنانة ترسم نموذجين لامرأتين مصريتين فى موقعين وحالتين مختلفتين لكنهما تجسدان قيمة واحدة وتعكس رمزاً حال المرأة المصرية سواء فى الريف أو المدينة تلك التى تحكمها قيم الكفاح والمسئولية وتبدو كأنها وحيدة .. لماذا لم يظهر الرجل فى لوحات نبيلة أندراوس بجوار المرأة ؟ كما فى اللوحات الفرعونية ؟ لم أشاهد فى أى من لوحاتها ؟ - هل هو انعكاس حقيقى لقيم الانفصالية الاجتماعية بين الرجل والمرأة أو تخلى الرجل عن دوره من حيث مساندة المرأة أو لعله البعد والجفوة التى حدثت بينهما بسبب كثرة المسئوليات فصارت هى فى واد وهو فى واد أخر ؟ - إن اللوحات تعكس قيماً اجتماعية غاية فى الأهمية وغاية فى الخطورة.. لقد ظل هذا السؤال يفرض نفسه على كلما تجولت بين اللوحات حتى النموذج الثالث . 3- نموذج لوحة المرأة التى تجلس فى خلوة على شاطئ البحر : - إنها نموذج أيضاً يصور المرأة وحيدة ولا ندرى هل تجلس وحيدة يائسة ، أم تتأمل البحر وأمواجه فى خلوة مع الذات، إنها تبدو مع الغروب وبهتان الألوان وامتداد البحر الشاسع أمامها وقد عقدت يديها إلى ركبتيها وكأنها مستسلمة يائسة لا تنتظر أى أمل قادم .. إنها قيم الهدوء والاسترخاء والأمان والتأمل فى حضن الطبيعة مع الخالق العظيم . 4- نموذج لوحة المرأة الريفية أمام الغسيل : وتؤكد هذه اللوحة - والتالية أيضاً- ما ذهبنا إليه فى تحليلنا السابق . ففى تلك اللوحة تجلس امرأة تغسل فى إناء واسع بشكل بدائى ( طشت غسيل ) على جسر الترعة خلفها وبجوارها طفلها يلهو وعنزتها وإناء أخر يفيض بأكداس الملابس التى لم تغسل بعد وإناء أخر وضعت فيه الغسيل النظيف التى انتهت منه منذ حين .. - إن اللوحة تؤكد عدة قيم اجتماعية منها : - قيم كفاح المرأة الريفية : - تحمل مسئولية المنزل، قيامها بأدوارها الطبيعية ( تربية الطفل - تربية الحيوانات والطيور - التنظيف ) . - قيم الزمن : - إن اللوحة تمثل عناصر الزمن الثلاثة الماضى والحاضر والمستقبل عبر عملية الغسيل ذاتها ( هناك غسيل انتهت منه بالفعل - هناك مازالت تقوم به - هناك ما هو ينتظر دوره ) فالصورة بالغة الدلالة . - القيم الاقتصادية الفقيرة : - ويرمز إليه الإناء الذى لم تزل تغسل فيه المرأة (الطشت) أى غياب الغسالة الكهربائية ، بالإضافة لاستثمار تربية الدواجن فى المنزل للمساعدة على الحياة ، إن الريفيين عادة لا يشترون دواجنهم أو حيواناتهم مثل أهل المدن وتؤكد فكرة هذه اللوحة نموذجاً للوحة أخرى مستقلة لمجموعة دواجن فى حظيرة تمرح وتلتقط الحب . 5- نموذج لوحة المرأة الريفية تجهز للخبز : - إنها مثل سابقتها وإن اختلفت حالة المسئولية عن التنظيف فهى الإعداد للخبز وتجهيز الدقيق للخبيز . - إن هذه اللوحة تصور امرأة - أيضاً وحيدة - تنخل الدقيق فى المنخل التقليدى الذى يسقط منه ذرات الدقيق الناعم إلى الإناء الأسفل منه الأوسع ، وبجوارها إناء آخر فيه بعض الدقيق الذى تسحب منه لتنخله ، إنها قامت بجزء من المهمة وبقى بعضها ، إنها تجلس فى حالة عمل منهمكة بملابس البيت المعفرة بالدقيق وقد انعكس لون الدقيق الأبيض على ملابسها فعفرها بجوارها سلم خشبى وإناء وزلعة لبن وخلفها حائط يرتكن إليه السلم ونلحظ إن عملية النخل جميعها فوق حصيرة طبيعية من ( السمر الأصفر) التراثى وليس النايلون الحديث المصنوع من اللدائن البترولية ، إن حصيرة الفلاحة لم تزل تلك التقليدية من النباتات . - إن الإشارة لوجود هذه الحصيرة فى اللوحة من الخامة الأصلية النباتية إنما هو تأكيد على قيم الأصالة، وقيم التراث دون استبداله فى أغلب البيئات الريفية والحرص عليه ، وقد تكون مجرد رمز للأصالة كما أن استقراء اللوحة يمدنا بقيمة أخرى هى ( الحرص على النعمة ) وتقديسها حيث يمثل الطحين النعمة - إنها لا تنخل على الأرض مباشرة حتى لا يتطاير رذاذ الدقيق ثم يُداس عليه بالأقدام ، حيث يقدس الفلاح ( النعمة ) كقيمة بحد ذاتها بل ويقسم عليها . - كما تمدنا بقيمة ( الادخار والحرص على عدم تضييع أقل القليل ) إنها حتماً ستجمعه وربما قدمته للدواجن أو عجنته ببعض بقايا طعام البيت لطيورها . - إن المتأمل للوحة يستطيع استقراء ثلاثية عناصر الزمن أيضاً مثل اللوحة السابقة ( الماضى - الحاضر- المستقبل). - وختاماً : فإن المقال لا يتسع لذكر جميع قراءاتنا للوحات الفنانة الموهوبة المبدعة ( نبيلة أندراوس )، لكنها بشكل عام لوحات معبرة رائعة جميلة جادة ملتزمة وتمثل حقاً انعكاساً صريحاً لقيم المجتمع المصرى بخاصة فى الريف ، وتمثل حالة متميزة حيث تعكس قيم المجتمع الجمالية والاجتماعية والدينية .. فالكفاح لدى المرأة يعكس قيمة دينية وتشاركيه ويعكس قيمة (الصبر) وقيمة (العمل) وقيمة (المسئولية ) وقيمة (الأمانة) وقيم الشرف والأمومة و.... الخ . - إن مجموع اللوحات فى قراءة متأملة واعية عميقة يعكس فسيفساء مصرية أصيلة وبانوراما تحلق عبر الجمال فوق الواقع وقسوته فى عالم من خيال وخصوبة وحلم عذب جميل .
د. أميمة منير جادو
باحثة بالمركز القومى للبحوث التربوية والتنمية
|