عفت موسى ناجى
تواصل الابداع
- الفنانة الكبيرة عفت ناجى ( 1905) احدى رائدات فن التصوير المصرى المعاصر، متميزة لرحلتها الابداعية لمدة ما يزيد عن نصف قرن، كرسامة وملونة متفردة، ولمكانتها الرائدة فى مسار حركة الفن الحديث بمصر التى مضى عليها ما يزيد عن ثمانين عاماً منذ افتتاح مدرسة الفنون الجميلة 1908 وتخرج منها الرعيل الاول.. وقتها كانت عفت ناجى فى مدرسة لا تقل اهميتها عن مدرسة الفنون المصرية وكان شقيقها الكبير هو محمد ناجى رائد فن التصوير المصرى الحديث ومؤسس أتيليه القاهرة والموجه الاول لموهبة عفت ناجى المبكرة والتى كانت موزعة بين الموسيقى والتمثيل والشعر، لتستقر فى الفنون الجميلة رسامة تألقت بعد زواجها من سعد الخادم عميد دراسات الفنون الشعبية المصرية والذى افادها كثيراً خاصة وأن شقيقها ناجى كان أول من نادى بضرورة الاهتمام بالفنون الشعبية فى خطابه الذى القاه فى مؤتمر الفنون الشعبية بمدينة براج فى أكتوبر 1928 … وقد تبنت عفت ناجى استلهام الفن الشعبى بأساطيره وعالمه المثير كما تلقت الفنانة الكبيرة دراسات فنية حره واكاديمية فى كل من مصر وايطاليا وفرنسا وابدعت اعمالا رائدة وقد اقتنى متحف الفن الحديث بالقاهرة عام 1928 احدى لوحاتها كأول عمل فنى لفنانة مصرية يدخل هذا المتحف تحت رقم 13 . - إن هذا التنوع والثراء فى أدائها وأساليبها التقنية يرجع الى رؤيتها وثقافتها الشمولية فقد اهتمت بالتراث الانسانى وخاصة عمق الابداع المصرى والعربى القديم .. فرسمت ولونت عبر الريف المصرى وربوع اوروبا كامتداد ابداعى لهذا التراث العظيم . - وعندما بدأت رؤيتها الفنية ودراستها تتجه الى المخطوطات القديمة وكتب التعاويذ واساطير الحكايات والغاز الحياة . اكتسبت اعمالها ذلك التوهج الرائع بفعل قوة السحر الابداعية الكامنة فى الروح الاصيلة لهذه الفنانة التى تفخر بها مصر .
عصمت داوستاشى
عفت .. وضوء الموسيقى
-الفنانة عفت موسى ناجى الشهيرة بـ`عفت ناجى` المولودة فى مدينة الاسكندرية فى 12 ابريل عام 1905 والتى رحلت فى 4 من شهر أكتوبر عام 1994، درست الموسيقى واللغات والأدب والرياضيات وغيرها فى منزل أسرتها كعادة الأسر فى بدايات القرن العشرين درست فن التصوير الجدارى `الفريسك` بأكاديمية الفنون الجميلة بروما عام 1948، كما درست فن الرسم والتلوين على يد أخيها الفنان محمد ناجى، وأيضاً الفنان اندريه لوت كانت متفرغة للفن طوال حياتها عاشت فى القاهرة والاسكندرية وإيطاليا وفرنسا وأقامت معارض خاصة كثيرة منذ عام 1948 حتى وفاتها، واقيمت لها معارض تكريم متعددة بعد ذلك بدول إيطاليا - سويسرا، وشاركت فى معظم المعارض المحلية منذ عام 1928، كما شاركت فى معارض دولية منها : بينالى فينسيا عام 1954 - بينالى ساو باولو بالبرازيل 1954- بينالى الإسكندرية ومرة أخرى فى بينالى ساو باولو 1963، أقامت على نفقتها الخاصة بقرية `انتيكولى كورادو` عام 1946 حصلت على منحة تفرغ منذ عام 1963 حتى 1992، واختيرت ضمن الفنانين لرحلة نظمتها جمعية محبى الفنون الجميلة لتسجيل المرحلة الثانية للعمل فى السد العالى والنوبة عام 1964، أصدرت لها جولييت آدم كتابها الأول وبه أشعارها ورسومها ومناظر بمنطقة وادى `شفروز ` 1923 كتبت العديد من الدراسات الفنية فى الصحف المصرية والأجنبية كما كتبت العديد من المقطوعات الموسيقية وعزفت لها فى الإذاعة المصرية.. حصلت على العديد من الجوائز العالمية نذكر منها جائزة `بينالى فينيسيا `عام 1954، ولها مقتنيات خاصة `الملكة فريدة - والأميرة طوسون` ومقتنيات رسمية بالمتحف المصرى للفن الحديث، كما أهدت لوحتها ` برج الثور` إلى المنظمة الدولية لرعاية الطفولة `اليونيسيف بنيويورك عام 1969، بعد وفاة الفنانة عفت ناجى كان لى شرف تحويل منزلها بكوبرى القبة إلى متحف تحت مسمى `متحف عفت وسعد الخادم` وافتتح المتحف بعد أن أعد على مستوى يليق بأعمالها الفنية وأعمال زوجها الفنان سعد الخادم، وأصبح المتحف منارة رائعة للفنون والثقافة، وقبل وفاتها كان لى حظ زيارتها فى منزلها الخاص بالإسكندرية وأهدتنى بعض دواوينها الشعرية باللغة الفرنسية، وكانت مفاجأة لى عندما علمت منها انها ألفت قطعاً موسيقية، وتمنيت أن أسمعها ولم يسعفنا الوقت، يقول عنها الفنان عصمت داوستاشى الصديق الملازم لها على مدى عقود قبل وفاتها: الفنانة الكبيرة عفت ناجى `1905 ` إحدى رائدات فن التصوير المعاصر متميزة لرحلتها الإبداعية لمدة ما يزيد على نصف قرن كرسامة وملونة متفردة، ومكانتها الرائدة فى مسار حركة الفن الحديث بمصر التى مضى عليها ما يزيد على ثمانين عاماً منذ افتتاح مدرسة الفنون الجميلة 1908 وتخرج فيها الرعيل الأول وقتها كانت عفت ناجى فى مدرسة لا تقل أهميتها عن مدرسة الفنون المصرية، وكان شقيقها الكبير هو محمد ناجى رائد فن التصوير الحديث ومؤسس اتيلييه القاهرة والموجه الأول لموهبة عفت ناجى المبكرة التى كانت موزعة بين الموسيقى والتمثيل والشعر لتستقر فى الفنون الجميلة رسامة تألقت بعد زواجها من سعد الخادم عميد دراسات الفنون الشعبية المصرية الذى أفادها كثيراً، الفنانة عفت ناجى فنانة متميزة وفريدة ومبدعة ومفكرة، وهى حالة شديدة الخصوصية فى الحركة الفنية المصرية والعربية كونها مفكرة فى الفن وليست ممارسة له فقط مبدعة شاملة شاعرة - مؤلفة موسيقى- تشكيلية بالإضافة لثقافتها ورؤيتها الثاقبة وإبداعها المتجدد اعتمدت على مرجعية تراثية شديدة العمق رافدها زوجها الفنان سعد الخادم الذى كمنت فيه جينات التراث الشعبى بأكمله فكان موسوعة تراثية موثقة فعمقت ثقافتها وغاصت فى فلسفة فنوننا الشعبية وبحثت وتدارست الأبعاد النفسية والمقومات الاجتماعية والعادات والتقاليد التى أسهمت فى ثراء الفن الشعبى وتألقه فاختارت مفرداتها كجين حى مكنون فيه خلاصة إبداعات الناس بالفطرة علاوة على ذلك قدرتها على صياغة ومعالجة أسطحها الفنية وفراغها الكونى التى حولته من ثنائى الأبعاد إلى ثلاثى الأبعاد، وكانت الأعمال الفنية المركبة سمة من سمات حداثتها فى الفن، وتعتبر عفت ناجى أول فنانة فى الحركة الفنية المصرية حولت الأشكال المرسومة إلى أشكال لها قوام على السطح ثم بنت المفردات والعناصر الشعبية وبرزت على السطح بشكل ملحوظ ثم جاء بناء الهيكل العام للوحة كهوية تؤكد ذات الفكرة التى تنبثق من قلب اللوحة، تمردت كثيراً على أعمالها وتوافق تمردها مع معدلات سرعة الابتكار عندها فانتجت أعمالاً فنية غير مسبوقة جعلتها رائدة وأساتذة اثرت فى أجيال عديدة مازالت تثرى الحركة الفنية حتى الآن،عندما كنت أتأمل عفت ناجى قبل وفاتها بمنزلها بالإسكندرية كانت مريضة، ولكن حيويتها لم تتوقف وعينها الصغيرتان اللتان كادتا تختفيان بين ثنايا جلدها ولكن كم المشاعر والصدق صادر منها كأشعة ليزرية تحتضن الكون وتعانق الناس وتذوب فى التراث وتبحث تحت القشر عن كنوز الجوهر.. رحلت عفت ناجى ولكنها كل يوم تكبر وتتعاظم بإبداعها الذى ملأته بروحها ومشاعرها وحنانها وأفكارها إذن فهى تعيش معنا وفينا.
د . أحمد نوار
2010/12/7 - الوطنى اليوم
إذا كان الفنانون (راغب عياد ومحمد ناجى ومحمود سعيد وحامد ندا والجزار وغيرهم قد نهلوا من جماليات الفن المصرى القديم) والموروث الشعبى يستلهمون منه أفكار موضوعاتهم الفنية من أجل تعميق رؤاهم وتأصيل تجاربهم الابداعية كل حسب اتجاهه واسلوبه.. فإن الفنانة القديرة `عفت ناجى` مضت على الطريق نفسه وأن لم تسلك منهاجهم الفكرى والفنى - تنتقى مصادر وحيها من المخطوطات الشعبية القديمة. المتمثلة فى الرسوم التوضيحية الخاصة بعلم الميكانيكا والرياضيات والكيمياء والتنجيم والفلك والزخارف الموجودة على الملابس القديمة والكتابات العربية الغامضة التى لها علاقة بالسحر والشعوذة، وأيضاً من النوبة ومشروع السد العالى بأسوان.. لتشكل منها جميعاً مفردات لغتها التشكيلية بعد أن تقوم بإجراء التعديلات والتحويرات اللازمة فى سلسلة من المحاولات الدائبة للرسوم الاولية أو التخطيطات البسيطة المنفذة بالقلم الحبر أو الرصاص.. بما يتفق ومسعاها الرامى الى خلق اشكال فنية جديدة تتسم بالتعبير الأصيل والرؤية المعاصرة. وقد انجزت الفنانة فى هذا المجال سلسلة لوحات الابراج (الحمل والثور والدلو والعذراء) ومجموعة (النوبة والسد العالى) وهى أعمال تقوم فى معالجتها على فكرة تجميع عناصر مختلفة ومتناقضة من الاشكال باستخدام خامات ومواد مثل: قصاصات ورق المجلات والجرائد والكتب والخشب ونسيج الأقمشة وجلد التماسيح والصبغات وألوان البلاستيك والدوكو واللاكيه والعجائن والمواد اللاصقة.. بعضها منفذ باسلوب (الكولاج) والبعض الآخر (مُجسم) ذي طابع معمارى: مسطحات خشبية ذات احجام ومستويات مختلفة، وتكوينات زخرفية هندسية وألوان شعبية، وعناصر رمزية.. كلاهما يجمع بين بساطة الشكل وجمال التصميم وعمق الرؤية وطرافة الموضوع الشعبى والحسى الفانتازي العفوي هذه الاعمال الفنية التى نراها على صورتها النهائية بهذا الشكل المتميز، سبقتها مرحلة اعداد استغرقت وقتاً وجهداً وعملاً وتأملاً من خلال الدراسات السريعة (الاسكتشات) التى نقلتها عن المخطوطات القديمة وفنون التراث والفن الشعبى، ثم اختيار نماذج منها لاجراء نوع من التعديل والتحوير عليها لابتكار أنموذج جديد يمكن أن يكون رمزاً، أو تصوراً لفكرة ما، أو تصميم مبدئى، وحين يصل الشكل أو الفكرة المفترضة حسبما تريدها الفنانة فى عقلها الى النتيجة المرجوة تختار منها مايناسب تكويناتها، التى يتم تنفيذها فى مرحلتها الأخيرة باستخدام الوسائط المتعددة سواء بتقنية (الكولاج) او بتقنية التجميع، وهى تقنيات اعتاد استخدامها فنانو (الداد الجديدة أو البوب) فى الخمسينات والستينات ببراعة - لكن اسلوب `عفت ناجى` فى هذا المجال لايقل براعة أيضاً لأنها عشقت التقاليد الشعبية والعمل اليدوى الذى توارثته الأجيال عن طريق الحرفيين.. ولأنها كما ترى `أن التجميع لعناصر مختلفة ليس بجديد فقد مارسه قدماء المصريين`.. ولإدراكها هذه القيمة كان دافعها للابداع والاستمرار المتجدد على الدوام. إن مصادر الابداع التراثية متنوعة، وعلى من يريد أن يحدد له مصدراً ينتقى منه مفردات لغته التشكيلية أو يستلهم منه أفكار موضوعاته وتكويناته عليه أن يجتهد كثيراً في قراءة هذا المصدر تاريخياً وبصرياً، وأن يعرف ماذا يريد على وجه التحديد منه حتى لايقع فى شرك التقليد الأعمى أو الاستنساخ الرديء، وبالقاء نظرة تأملية على التخطيطات الأولية التى سجلتها فى كراسة الاسكتش أو على الورق العادي وتتبع مراحلها من الألف الى الياء. سوف ندرك كيف يولد العمل الفني فى قلب وعقل الفنان أولاً ثم كيف يكتمل نموه على سطح اللوحة أثناء العملية الابداعية.. جدير بالذكر أن نشير إلى أن الرسوم المبدئية أو (المسودات) التى سجلتها الفنانة خلال مرحلة الاعداد للعمل الفنى، ليس من الضرورى أن تكون كلها صالحة للاستفادة منها. قد يكون بعضها، وقد يكون البعض الآخر محفزاً أو موحياً لأعمال مستقبلية.
د. رضا عبد السلام
من كتاب الرسم المصرى المعاصر
عفت ناجى والموسيقى
- شرفت بكتابة مقدمة متواضعة لكتاب ` الرائدة عفت وتلميذها عصمت ` للفنان والناقد السفير يسرى القويضى ، صدر عام 2012 دار ايزيس للثقافة والإبداع وجاء اهداء الكاتب ` إلى جيل الشباب ثورة 25 يناير 2011 الذين أحيوا الأمل ، واستنهضوا عزيمة الشعب للمضى نحو مستقبل واعد مشرق بإذن الله أهدى هذا الكتاب ` ويضم هذا الكتاب المهم الرائع ثمانية فصول تبدأ من الطفولة، والنشأة ، وحتى الأعوام الأخيرة فى حياة الفنانة ، لذا أوقعه فى عدة محاور أولها كون عفت ناجى شاعرة ومؤلفة موسيقى وأديبة، فالمرجعية الأدبية والموسيقية أعطت للفنانة تميزاً وعمقاً مختلفاً ومتفرداً قبل أن تتحول وتتجه إلى ممارسة فن التصوير فى بداية الخمسينيات من القرن العشرين، وكان حظى سعيداً عندما أهدتنى ديوانا باللغة الفرنسية أثناء زيارتى لها بمرسمها قبل وفاتها بزمن قليل، المحور الثانى هو العلاقة الوطيدة التى تنامت بين الفنانة عفت ناجى والفنان عصمت داوستاشى ، والتى حفزت الكاتب الفنان يسرى القويضى على كتابه هذا النص المهم جدا والموثق بمصادر أصيلة فاستدعاء ذاكرة تاريخ الفن من خلال التوثيق العلمى يعد منهجا مضيئا لمسيرة تطور الفنون على مر التاريخ ، و الفنان المبدع عصمت داوستاشى الفنان المبدع والمفكر تكمن فيه مجموعة من المواهب والصفات النبيلة التى حرضته لإعمال العقل فى تحقيق إنجاز توثيقى ضخم، استعان به المؤلف والفنان يسرى القويضى ليكشف لنا عن أهم القضايا التى تحتاج للتأمل والدراسة والتأريخ ، واخترت جانب التأليف الموسيقى للفنانة الرائدة والمتفردة عفت ناجى، لأهميته لدى القارىء من نواح ثقافية وتاريخية ، ويقول عنها الكاتب تحت عنوان` النشاط الأدبى والموسيقى` كانت عفت ناجى تكتب الشعر وتؤلف الموسيقى وتعزفها، وكثيراً ماكانت تنظم حفلات لمعارفها وعائلات أصدقائها ، تقدم خلالها أشعاراً وتمثيليات مستقاة من الأحداث التاريخية أو من روائع الأدب العالمى، كل هذا مصحوباً بالموسيقى، وكانت تساعدها فى ذلك صديقاتها بنات الفن الأسبانى المقيم بالأسكندرية ` خوان سانتيز juan sintes ` الذى اشتهر برسومه الكاريكاتيرية، ومن مؤلفاتها الموسيقية أقيمت لها حفل يوم الجمعة 29 مايو عام 1936 بمجمع الفنون ` أتيليه ` بالأسكندرية وضم الحفل هذه المؤلفات ` بالقارب - حاملة الماء - تقاسيم بتلون ` مهوند ` للبيان منفرد - سماعى يوسف باشا ` مهوند ` - حلم - ومن المؤلفات الشعبية الذكر - ياالحنة ياالحنة - مولد النبى - وجننتينى يابنت يابيضة - أنشودة الرعاة - لحن مصرى وغناء الصعيد - أناشيد وطنية - عيد ` .. وهذا الجانب الابداعى للفنانة عفت ناجى لايعرفه الكثيرين، والفنانة عفت ناجى مدرسة فنية خالصة فتحت نوافذ للكثيرين من الفنانين على مدى عقود متصلة وهى من رواد الحركة الفنية المصرية باتجاهها المتفرد والقائم على جذور ثقافية مصرية وشعبية خالصة، استطاعت أن تؤسس مكانتها الإبداعية فى تاريخ الحركة الفنية المصرية والعربية ، واستطاعت بعمق رؤيتها الفنية والفكرية أن تضع للأجيال أسساً جديدة للفن ، وكيفية استلهام ابداعها من ثراء الفن الشعبى المصرى بعلم وابداع ذى ملامح وشخصية فنية مصرية بكل المقاييس.
أ.د أحمد نوار
الأخبار 20-2-2017
السحر الفنى فى عصر العلم (عفت ناجى 1905-1994)
- من ذا الذى يتحدث عن السحر فى عصر العلم؟!
- روبين جورج كولنجوود، الناقد الفنى الانجليزى هو الذى يتحدث عن `الفن والسحر` عن الشكل المرسوم أو المنحوت الذى له قوة سحرية، تشعل المشاهد بتأثيرها الفعال. روجر فراى.. أيضا تحدث `الشكل ذى الدلالة` المتسم بالحيوية الذاتية والطاقة الكامنة المشعة. وغيرهم كثيرون من أصحاب `المدرسة الشكلية` فى النقد الفنى. شاركهم الرأى فنانون كبار مثل: هنرى مور - نحات القرن - حين ذكر `الشكل الحيوى` الذى نسستجيب له بفطرتنا منذ فجر البشرية. وضرب مثلا بمسلسلة تماثيله الشهيرة.. عن المرأة المضطجعة.
- إلا أن فنانتنا الكبيرة: عفت ناجى إستطاعت أن تكشف جوانب أخرى، من ذلك السحر الذى يضفى على لوحاتها `طاقة انفعالية مشعة` تثير المتلقى وتجذبه.. وتغمره بجو من `التوتر الجمالى` قضت حياتها الزاخرة ولا شاغل لها سوى الرسم والموسيقى. ثم تفرغت تماما للرسم بعد أن صورت زهور حديقتها بالاسكندرية، فى لوحة اقتناها متحف الفن الحديث سنة 1928. ومن الجدير بالذكر أن تلك اللوحة تحمل الرقم 13 فى قائمة المقتنيات، مما يبين أن الفنانة من رواد الحركة التشكيلية الحديثة فى مصر. كما أنها الشقيقة الصغرى للمصور الرائد: محمد ناجى `1881/1956`. الذى حولت الدولة مرسمه إلى متحف خلف فندق مينا هاوس بالقاهرة.
- حين نتحدث عن الجانب السحرى فى الفن، لا نقصد المعنى الشعبى الشائع بين السذج والبسطاء. الذين يثقبون عرائس الورق ليلحقوا الضرر بخصومهم. إنما نشير إلى ذلك `الشىء` الآسر.. الذى يؤثر فى المتلقى ويحرك مشاعره وانفعالاته وأفكاره.. ويرفع من قدره وقدرته على مواجهة الحياة. الذواقة العارفون الاذكياء، يقتنون هذه الأعمال الفنية `الساحرة` يستمدون منها الثقة.. والراحة والسعادة.. والفكر المتجدد.
- .. تحولت `التعاويذ فى عصر العلم والتكنولوجيان إلى لوحات وتماثيل واوان وموضوعات فنية جميلة. وأصبح الحد الفاصل بين `الفن` و`اللا فن` هو القدر الذى يتضمنه العمل من الطاقة الانفعالية.. والحيوية.. أى `السحر` خاضت عفت ناجى طريقا طويلا حتى بلغت هذا التمكن الثقافى والحرفى، الذى أتاح لها إطلاق موهبتها وتجسيد خيالها، فى سلسلة لوحات `الابراج.. ومجموعة `النوبة وأسوان` التى جمعت فيها بين الرسم والنحت. فهى تستخدم من العناصر الشكلية والخامات المادية، ما ترى أنه يجسد أفكارها وخيالها`، على مسطحات الخشب.. أو الورق.. أو النسيج، بوسائط قد تكون الخيوط والرمل والمسامير.. أو الصبغات وألوان البلاستيك والدوكو.. أو ألوان الزيت التى كانت تستخدمها فى فجر شبابها، أو الأوراق الملصقة المستمدة من الصحف والمجلات أو المخطوطات الأثرية العتيقة.
- هذا التآلف بين الاشكال والخامات، المصبوب فى `قالب` محكم، يخلع على لوحات عفت نوعاً من `الحضور` بمعنى الاشعاع الموحى للأفكار. بعض تلك العناصر الشكلية موجود فى المخطوطات القديمة التى تتحدث عن السحر فى الأيام الغابرة. الأمر الذى غمر إبداع الفنانة بجو شاعرى... وطابع شرقى خالص لا يغفل عنه المتلقى. يجتذب البصر والبصيرة معا.. ثم يطلق العنان للتأمل يهيم بالخيال حيثما شاء. يتمكن من نفوسنا فيفيض عليها ويحركها.. بل يغيرها، بما يمكن من `طاقة` و`حيوية`. كتلك التى تكمن فى فنون القبائل البدائية المعاصرة وإنسان ما قبل التاريخ.. حيث تتخذ الفنون وظيفة عملية، شأنها شأن السهم والرمح والفأس.
- لكن.. لا ينبغى أن نتحدث عن فن عفت ناجى، منفصلا عن التأثير البالغ للأستاذ سعد الخادم، منذ زواجهما سنة 1954، من حيث الفكر الفلسفى وأسلوب الإبداع. فالخادم كما هو معروف، عمدة الفنون الشعبية بما فيها من رموز تمتد جذورها ومعانيها وأشكالها فى أعماق التاريخ السحيق. وضع 17 مؤلفا وأشرف على 30 رسالة جامعية منها 11 دكتوراه، جميعها عن الفنون الشعبية. أدت ثقافته الموضوعية إلى ما يشبه الانقلاب فى أسلوب الفنانة. صحبها فى مطلع الستينات إلى بلاد النوبة قبل أن تغرقها مياه السد العالى، حيث شاهدت البيوت التقليدية وأساليبها المعيارية متباينة المسطحات، والخوارنقات والمجمعات شبيهة عرائس المسجد.. والتصميمات الاصيلة والألوان الصريحة على أطباق القش المعلقة على الجدران.
- عادت من النوبة حينذاك ليشاركها سعد فى سلسلة لوحاتها الخشبية المسرحية الشهيرة. كان يضع تصميمات البارز والغائر ويشرف على تنفيذها، ثم تتناولها عفت بالرسم والتلوين واستلهام الرموز السحرية والأنماط الشعبية. وما لبثت أن استبدلت بالخشب خامات بلاستيكية.. ومضت قدما فى إبداعها الفريد.
- استفادت كثيرا من خبراتها الموسيقية فى ابداع الرباعيات والسباعيات. تلك التى اكتسبتها من أساتذة متخصصين فى باريس `1922/1927` أتقنت العزف على البيانو وأقيمت لها الحفلات فى `اتيليه الإسكندرية` حيث حضرت هدى شعراوى وبثت الاذاعة ما ألفته `1937` ولا تخفى علينا الوشائج الحميمة بين كل من التراكيب الموسيقية والشكلية فى الابداع التجريدى الذى تنحو إليه عفت ناجى. فالتصميم الفنى من حيث الشكل والقوام والقالب.. والترابط الجمالى.. والايقاع والتوافق.. والبناء العام، تلك الجوانب `الاستطيقية` التى أتقنتها عفت موسيقيا فى شبابها، انعكست على تشكيلاتها المصورة منذ أن تعرفت على الفنون الشرقية عامة والشعبية والإسلامية خاصة. إدراكها الجمالى للقالب الفنى والتركيب المثير الجذاب أتاح لأعمالها أن تتشح بهذا الثوب الخلاب، بالرغم من أنها فى الآونة الأخرة، لا تمثل أى كائنات.. أو عناصر روائية من الطبيعة المحيطة.
- .. فى فيلا كبيرة على شاطىء ترعة المحمودية بحى محرم بك فى الاسكندرية، ولدت عفت ناجى. فى زمن كان الهدوء الشامل يضرب خيامه فى حديقتها الفسيحة، العامرة بالوان الازهار والثمار. تسلقت أشجار التين وهى بعد فى الرابعة من عمرها. تأملت الورود وطاردت الفراشات والطيور. كم راقبت شقيقها محمد ناجى، وهو يرسم روائعه وكم صحبها والدها - مدير الجمرك - لتملأ عينيها بمشهد البحر والسفن فى الميناء. لم تكد تشب عن الطوق حتى انقطعت عن مدرسة `ميردى ديو` واستكملت تعليمها العام على يد المدرسين الخصوصيين. وتتابعت رحلاتها إلى أوروبا مع والدها. وحين تبين شقيقها تفتح مواهبها، زودها بألوان الزيت والجواش والأقلام والفراجين، وصاحبها من حين لآخر إلى الصعيد حيث كنوز الفن الفرعونى. وبدأ مشوار الرسم جنبا إلى جنب مع مشوار الموسيقى الذى لم يكتمل. وفى روما (1947/1950).. حيث كان شقيقها مديرا للأكاديمية المصرية. عمقت دراستها لأصول الرسم الجدارى `الفريسك` واتخذ ابداعها مكانه فى المعارض الجماعية فى مدينة الاسكندرية، زهور وأشجار.. ووجوه واطفال وفلاحات، من قرية `أبو حمص`.. حيث الأرض والمنتجع الريفى.
- اتسم إبداعها قبل عام 1954، بطابع تقليدى يدخل فيما يسمى `مدرسة باريس` وسط بين الاكاديمية والانطباعية، مع تأثيرهين للفن الفرعونى. اقتصرت موضوعاتها على الحياة المحدودة من حولها. اقتنت الملكة فريدة بعض أعمالها فى تلك الفترة، واكتست جدران مستشفى المبرة للاطفال بثلاث لوحات جدارية استلهمت موضوعاتها من رسوم `الاوستراكا` - وهى شظايا صخرية كان المصريون القدامى يرسمون عليها صورا كاريكاتورية تنطوى على الحكمة.. كالذئب يرعى الغنم.. أو الفئران تتدبر كيف تعلق الجرس فى عنق القط. أما زول معارضها الفردية فكان فى `قاعة علاء الدين` بالقاهرة `1948`. كما انشغلت بتصميم الملابس والديكورات لبعض المسرحيات الكلاسيكية، الامر الذى أتاح لها التعرف على أسس الفن الرومانى واليونانى، وهما من الجذور البعيدة للفن الإسلامى كما نعلم.
- فى فجر الستينات، طرأ تغيير شامل على فن عفت ناجى. بعد أن قضت عشر سنوات طوال `1954/1964` بين صفحات الكتب والمخطوطات القديمة، بعضها فى دار الكتب، لكن الجانب الاكبر منها كان يملكه طبيب فرنسى فى الاسكندرية، حيث شاهدت نماذج نادرة من الرسوم السحرية.. والاشكال التوضيحية لعلوم الفلك والميكانيكا والرياضيات والطبيعة والجغرافيا، بالاضافة إلى مجموعة ملابس تاريخية وشظايا فخار يونانية ورومانية وقبطية واسلامية. ساعات وأيام وشهور، قضتها بصحبة زوجها وأستاذها سعد الخادم مع النحت الإسلامى على الحجر.. والرموز الفينيقية المستمدة من أشكال النبات والحيوان، وهى الأصول التى نشأت منها الكتابة العربية. وتخطيطات سريعة ذات `قيمة سحرية` وطاقة انفعالية مشعة فتجلت لعينيها المنابع التى نهل منها فنانون أوربيون كبار مثل: السويسرى بول كيلى `1879/1940` والاسبانى `جوان ميرو` `المولود 1893` كما عاينت على صفحات المجلدات المجلدات المملوكية، والتخطيطات والزخارف الاولية التى انبثقت منها التوريقات الإسلامية والأرابيسك، فأدركت أن تلك الروائع لم تنشأ من فراغ، إنما يختفى خلفها فنانون مؤمنون.. أعدوها وأبدعوها بانفعال قوى وعقيدة عميقة الجذور، فبقيت تهز مشاعرنا حتى اليوم.
- لمست عفت ناجى جذور الفن الإسلامى قبل أن تنمو وتكتمل وتتخذ زينتها فى القصور والمساجد. أدركت كيف لعب دوره فى الحياة جنبا إلى جنب مع العلوم والآداب، وتشبعت بالاصول التى اثرت على الفنون الشعبية. هكذا نما ابداعها الجديد فى أرض خصبة من التراث، مع استخدامها خامات وأساليب العصر. ولو أننا أمعنا البصر فى لوحاتها الأخيرة، لأمسكنا بالخيط الذى يربطها بالمخطوطات القديمة، التى استعارت بعض عناصرها التشكيلية وأدخلتها فى تكويناتها كلغة فنية. فأكسبت إبداعها `أصالة` و`قواما عربيا` و`قالبا` تهفو إليه نفوسنا.. وتستجيب فكرتنا لأشكاله وألوانه وتراكيبه. و`حيوية` و`جاذبية` تثير فينا نوعا من `التوتر الجمالى` و`المعنوى` البعيدين عن التوتر الموضوعى البسيط نحو العناصر المقروءة.
- ... من ذلك النمط الإبداعى المثير، سلسلة لوحات الابراج `الحمل` و`الثور` و`الدلو` و`العذراء` وغيرها. فهى غاية فى الرقة والدماثة. تخاطبنا بنعومة البلاستيك.. وانسياب الخيوط.. وخشونة الرمل.. ودغدغة الدبابيس.. نشعر معها أننا فى بلاد الشرق. فى بيتنا القديم الدافىء.. الحافل بالذكريات والقصص والاساطير. لمست الفنانة فى تلك السلسلة `جوهر` التراث وليس مظهره المعنى والمغزى وليس السطح. فجاء ابداعها مستنفرا للانفعال.. والفكر.. والتأمل فى جو شاعرى.. نسجته التوافقات اللونية... والتراكيب الشكلية.. وإيقاعات تضبط كل هذا فى قالب متكامل. نعود فنذكر على الفور كيف استفادت الفنانة من تآليفها الموسيقية، إذ أن أسس الجمال واحدة فى كل الفنون.
- فى هذا السياق.. انتقت أحيانا بعض العناصر الزخرفية من الأبواب القديمة، والخشب المخروط من مبسم الترجيلة `الشيشة` وأشكال العرائس، فلصقتها مع تشكيلاتها على طريق الفن الجماهيرى `بوب أرت` واستكملت البناء بالتلوين والتصميم والملامس والتوزيع، فمنحتها `قالبا` جديدا. وتعتبر من هذه الزاوية أول من طرق أسلوب الفن الجماهيرى بطابع مصرى خالص. بل إنها أعطت لهذا الأسلوب شكلا وتهذيبا وقواما، بينما كان يسود أوربا فى الستينيات بشكل فج، لمجرد الاحتجاج على الأساليب التجريدية الخاوية.
- وفى رأينا.. أن لوحات عفت ناجى تتميز بأنها مشغولة بعناية. تتضمن طاقة انفعالية مشعة.. وحيوية ساحرة.
- قدرت الدولة عطاءها فمنحتها التفرغ منذ 1973. و`التفرغ الفنى` من الانجازات الكبرى لوزارة الثقافة فى عصرها الذهبى فى الستينات. فهو مساندة مادية وأدبية للحركة الثقافية، بالرغم من كل السلبيات التى تؤخذ عليه الآن. وللفنانة سجل حافل بالجوائز والميداليات والمقتنيات. لكنها مع ذلك بعيدة عن الضوء الساطع الذى يغمر من هم أقل منها شأنا. يكمن السبب فى اقتصارها على المعارض الجماعية دون الفردية.. وانصرافها إلى الدرس والبحث والتجربة.. والتجول فى طول البلاد وعرضها حيث الآثار القديمة والتراث الشعبى. كما أنها ليست أستاذة فى كلية فنية، الأمر الذى لا يجتذب أجهزة الأعلام وأقلام الكتاب لتتبع لا يحتذب أجهزة الإعلام وأقلام الكتاب لتتبع ابداعها وتحليله. إذ أن معظم المعنيين بشئون الفن فى العالم الثالث، يجدون ثمة علاقة بين وظيفة الفنان وإبداعه. غير أن مقاييس `علم الجمال` لا صلة لها بالمركز الاجتماعى للفنان. وقد يكون معظم الفن ليس بفنان على الإطلاق.
- فالفن: صنعة وموهبة. أما الصنعة فتعلمها الكلية الفنية.. وأما الموهبة.. فلا يعلمها إلا الله.
- أمضت عفت سنى عمرها سنى عمرها مستهدفة التعبير الجمالى عن حياتنا الإنسانية . وهى لا تقل فى رأينا عن أى فنان عالمى، توافرت له وسائل ابراز الرسالة التى يحملها. إبداعها ذو طابع `شمولى`.. يتضمن طاقات انفعالية تخاطب البشر فى كل مكان. وهذا هو طابع الأعمال الرفيعة الوحدات السحرية التى تشبعت بها واستعارتها أحيانا، من الأحجبة والمخطوطات العتيقة والفنون الشعبية، تحتوى طاقة انفعالية هائلة أودعها الفنان القديم وحداته، فبقيت مشعة تستجيب لها بفطرتنا وليس هذا بكلام غيبى.. بالحقيقة أساء إليها السطحيون حتى أفسدوا علينا تذوقها. تشكيلاتها من النوع `الراوى` أى الذى يروى فى صمت وغموض حكايات قديمة وحكما.. تخطر على بالنا فور التأمل والمعايشة. فالفارق بين الفن الجيد والفن الردىء يكمن فى أن الأول `يقول`.. والثانى `لا يقول` إنها حين تستعير `العنصر التراثى` تضعه فى بيئة شكلية يتعايش معها، وتمنحه النضارة والبريق الذى كان عليهما.. حين ابتدعه الفنان القديم أول مرة. فالفن ليس ابتكارا كاملا بلا تاريخ بل إن الابتكار الكامل ليس بفن على الإطلاق - هكذا قال: جان برتليمى، أستاذ أساتذة علم الجمال. ونحن نرى رأيه ونلاحظه فى جميع الروائع العالمية المعترف بها.
- .. حين تمارس الفنانة ابداعها بقص الأوراق ولصقها.. لا تعد تصميمات مسبقة، بل تستخدم المقص كأنه قلم وريشة والوان. ترسم أشكالا هندسية أحيانا، تعيد إلى أذهاننا نكهة فنون البدائيين. تستند فى تصميماتها إلى مفاهيم `القطاع الذهبى`... أى العلاقات الرياضية الجمالية. لا تعمد إلى الحسابات المرصودة على طريقة `الفن البصرى` - أوب أرت بل تعول على الالهام الذاتى فى تحقيق الاتزان. وهو ما توصل إليه المصريون القدماء بحسابات علمية.. وحساسية مرهفة لقوانين الطبيعة.. تتجه ببساطة إلى `جمال الشكل الموحى` بالمضامين والمعانى، إذ أن بعض الأشكال رمزى بطبيعته، لا يدركه إلا الفنانون المطبوعون أمثال عفت ناجى.
- حين تفكر الفنانة تكون وحدات تفكيرها `تشبيهية` مستمدة من عناصر الحياة من حولها. لكنها حين تضعها على اللوحات، تتخذ `قالبا` معبرا.. ذا شخصية مستقلة تختلف عن الواقع الفوتوغرافى الذى يراه غير الفنانين.. تدخل فى `اطار` الأمر الذى يخرج بها من نطاق `الانطباعية` إلى الأسلوب `الانشائى` أو `المعمارى` ويعتبر الرسام الفرنسى: جورج سورا `1859/1892` من الأمثلة الفريدة لانسلاخ الأسلوب المعمارى من الانطباعية.
- بهذه الطريقة، تستلهم عفت ناجى `جوهر الشكل` فى التراث: الفرعونى والقبطى والإسلامى. ليس الشكل السطحى للوجوه والعيون السطحى للوجوه والعيون وحركات الأيدى والارجل. `جوهر الشكل` من حيث هو `اتزان رياضى محسوس`. الشكل من حيث هو: اثارة وايحاء وفلسفة.. يختلف باختلاف العصور والاماكن. الشكل من حيث هو `وعاء المضمون` ليس شكلا من أجل الشكل على طريقة التجريد بين السطحيين.. فهى فنانة مفكرة.. مثقفة.. مصرية أولا وأخيرا.
- `التراث يجرى فى دمائنا` هكذا قال شقيقها: محمد ناجى فى مؤتمر براغ للفنون الشعبية سنة 1928. واستطاع: سعد الخادم، أن يجعلنا نلمس هذا التراث من خلال مؤلفاته وبحوثه العديدة. استندت زوجته بقوة إلى هذا التراث فى ابداعها، فحققت ما نسميه `الجانب الروحى الشرقى` فى فننا الحديث. جرى التراث فى دمائها.. حتى أنها تلون أشكالها محددة بطريقة الرش `سبراى`. بأن تفرع أشكالها على هيئة فتحات فى الورق، ثم تستنسخ عددا من اللوحات قد تغير فى ألوانها وتراكيبها. وهو أمر لا يؤثر على قيمة ابداعها، فقد سبقها إليه مصورون كبار مثل الفرنسى: فرنان ليجيه `1881/1955` ويقال إن زوجته واصلت الاستنساخ بعد وفاته، فلم يقلل ذلك من قيمة ابداعه.
- عفت ناجى داعية أيضا إلى نهضة فنية جمالية، تزيح عن بلادنا القبح المتفشى فى شوارعنا وعمائرنا وأثاثاتنا، ويشكل خليطا متنافرا لا ينتمى إلى تراثنا بأى حال. ولا يلبى حاجاتنا المادية والروحية. تدعو إلى انشاء مركز ثقافى مصرى فى `اتيليه الاسكندرية` يضم كل التخصصات الفنية من عمارة ونحت ورسم ونسيج وأثاث.. الخ وعلى نسق `مدرسة العمارة والتصميم الفنى` الألمانية المعروفة باسم `باوهاوس`.. التى أسسها المهندس: جروبيوس 1919، ثم نقلت من `فيمار` إلى `شتوتجارت` سنة 1969، حيث تندمج الفنون الجميلة بالفنون التطبيقية، بهدف ابداع `طراز عملى جميل` يشمل كل ما يحيط بالإنسان من أدوات. إلا أن دعوة عفت ناجى ليست تقليدا للـ `باوهاوس`.
- `باوهاوس` ليست اختراعا المانيا.. بل إحياء لما كان موجودا فى جميع بلاد العالم عبر العصور. حين كان قصر الحاكم ملحقا به `ورشة فنية` تقوم على تلبية رغبات السادة. ابتدع هذا التنظيم المصريون القدماء. كان مهندسو الفراعنة: بناة الاهرامات والمقابر والقصور، يشرفون على تلك `المراكز الفنية` لإنجاز التماثيل والرسوم والاثاث والأدوات بأنواعها. بل إن بعض هؤلاء المهندسين كانوا نحاتين أيضا. لذلك نشأ ما يسمى بالأسلوب أو `الطراز`، الذى نستطيع أن نتبين فوارقه على اختلاف العصور الفرعونية.
- الباوهاوس هو `فن الجماعة المتناسقة` فى العصور القديمة، بعد أن طورته العقلية الأوروبية بالوسائل التكنولوجية الحديثة. أحياء لأسلوب كان يسود العالم قبل أن ينفصل الفنان عن المجتمع. كان من بين أساتذة تلك المدرسة: فاسيلى كانديفسكى.. مبتدع الفن التجريدى وبول كيلى. وخضع انتاجهما للعقلية الأوروبية قلبا وقالبا ملبيا متطلبات الإنسان الأوروبى ماديا وروحيا. أما عفت ناجى فتدعو إلى إحياء النظم الفنية الجماعية من أجل الإنسان المصرى، استنادا إلى تراثنا العريق. تدعو الى الخروج من عصر المقاولين الاميين.. والدخول فى عصر التخطيط والتربية الإنسانية.
- عفت ناجى ليست فنانة أصيلة فقط بل إنها أيضا مبشرة بوجه جديد جميل لمصر. والفنانون فى أنحاء العالم رسل ثقافة، يظهر منهم كثير ولا يبقى سوى القليل. فالتاريخ بارد العواطف.. لا يتأثر بالدعاية والثراء والوظيفة. والحضارة البشرية لا تتقدم إلا بالحق... بعد أن يتحول إلى مظهر مادى ملموس والفن كالعلم.. لا يبقى منه إلا ما تثبت صلاحيته للحياة. لا يعيش.. إلا إذا كان قويا.. متكيفا مع البيئة التى يوجد فيها..
بقلم : د./ مختار العطار
( من كتاب رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر- الجزء الأول )
|