عادل محمد المصرى
ـ هو إبن الإسكندرية ولد بها - اللون البنى ومشتقاته هو لون الصدا وهو يعنى كل ما هو قديم فهو يرسم الأشكال الأزلية باللون البنى إمعانا فى جذبنا نحو القديم ولكن سرعان ما نفاجأ عندما نسير معه ـ فى لوحاته بأننا فى عصر يقصده الفنان تجتمع فيه عناصر متعددة يكون منها عالمه الخاص وشخصيته الفنية فهو لم يلتق بالمصادفة بخط الأفق أو بأمواج البحر فهى بيئته التى ترعرع فيها والتى ترسبت عناصرها فى أعماقه على ضفاف البحر العظيم .
- تتشكل أمواج البحر وتتكسر وتتحول الى اشكال منشورية أو بللورية أحيانا وتتحول غيوم الشتاء الى كتله ضخمة ذات وجود قوى أحيانا بيضاء وأحيانا سوداء داكنة بينما تسبح فى البحر دائما كتل وأشكال وأحصنه وبقايا سفن وتاريخ بعيد وخط الأفق الداكن يدفن معه كثيرا من الأسرار البعيدة .
- جمع الفنان بين حرية الخلق والتمكن التكنيكى والفهم لثقافة الثغر ولم يكتف بالمظاهر الخارجية لمعطيات المكان ووظيفتها فى خلق عالم خاص ومزج بين عناصر من التاريخ القديم بتناول حديث وهذا ما جعل من ذلك الفنان واحدا من ألمع فنانى الأسكندرية عن جدارة .
مكرم حنين
الأهرام 21 / 8 / 1992
- أهتم الفنان بخياله وأطلق له العنان فيما يختص بقضايا الإنسان المعاصر يحس من يشاهد لوحاته أنها فعلاً تأملات لما وراء الطبيعة الشخوص فيها محاطة بعالم مجرد من مظاهر الحياة المعاصرة بماديتها الوجوه والأردية والألوان التى إستخدمها والجو الذى ينتشر بين زوايا اللوحة الأربعة يصور الإنسان وكأنه يحاول الهرب من هذا الحصار المخيف والمجهول وقد أستخدم رموزاً للتعبير عن تصوره لعالم المجهول وسر الحياه فكانت رموزه الهرمية والتى تتجمع من القاعدة العريضة على الأرض الدافئة تتركز فى اللون الأبيض الشفاف يزيد تركيزه عند قمة الهرم التى تنطلق إلى السماء .
ليلى القبانى
- عادل المصرى مصور تشدك وتستقطبك رقة معالجاته التصويرية .. للعناصر والأشكال الصلبة الحادة الزوايا تصبح أكثر طراوة حيث تلين على سطح قماش التصوير كما فى لوحة ` الساعات اللينة ` لدالى ، ولكن صحراوات المصرى ليس فيها شئ من السريالية إنها لحظة سقوط الزمن فى حتمية لانهائية .
- تتحول سطوحه إلى حقل تجارب لكل تقنيات الشكل .. الأشكال الكروية المجردة والهرمية والأسطوانية تتعايش فى حوار مع عناصر الطبيعة حيث يصبح التاريخ واقعاً معايشاً ويتداخل الواقع مع الحلم مع عجينة اللون الطرية يغلفها غشاء السخرية الرقيقة ، إنها فعلاً لألوان رائعة فى وقتها ... وهكذا تكون الذكريات والأحلام ... الخلود والحاضر يتحدان إلى الأبد على سطح قماش الرسم ليد تعرف كيف تصور .
ناقدة فنية /سيلفيا كوينى ساسى
- عادل المصرى بميتافيزيقيته التى تحملنا على محفات ناعمة الى عوالم أشبه بالرؤى والأحلام وأصداء تأتى فى أفاق سحيقة تتمتم بكلام أشبه بالطلاسم والاحاجى ولكنه يخاطب اللاشعور ويمس الأعماق.
الناقد الفنان / حسين بيكار
الأخبار 21 / 3 / 1980
عادل المصرى وتحولات الكون من جوف الأرض
- رحيل الفنان الدكتور عادل المصرى عن دنيانا بعد رحلة عطاء فنية طويلة وقد عرفته عن قرب، بساطة روح فى نفس زكية يعادلها عمق فى التفكير وبحث دءوب عن المعادل التشكيلى فى نسيج حيرة الفنان المتفكر، وهذه محاولة لكى أوفيه بعض حقه فى العالم الذى شغله وأبدع فيه بعد مرور أكثر من عام على رحيله.
- أمسك المايسترو الفنان بعصاه ونظر من منصة عين السمكة، أشار إلى طرف فتحركت الآلات الوترية يقدم لها (سواره) لينتهى إلى قرار (بيكاسو) ، و(براك) و(ميرو).
- وأشار إلى طرف آخر فتحركت الآلات النحاسية تردد فى عفويتها ما وضعه (جوجان) و(فان جوخ) و(روسو)، لتصل إلى قرار المجموعة النحاسية عند (ماتيس) و(دوران) و(دفى) و(شاجال).
- المايسترو فى هذه الليلة التى ستطول لأكثر من قرن لم يقدم سيمفونية الكون، أو سوناتا القمر.. ولكنه سيقدم كونشرتو الجذور، ففيها تبادلية بين الجموع الأوركسترالية، وبين الآلات المفردة المتميزة.. متميزة بالجموع، وجموع متميزة بحضور الأفراد، ففى وسط القاعة تجلس الآلات الخشبية يتقدمها (سيزان) بالفلوت، وتجييه أبوا وكلارنيت (كاندينكسى) و(مندريان).. ومن بعيد نسمع همس (كلى).
- وتصور أن المايسترو قد قرر ذات ليلة تقديم هذا الكونشرتو من جوف غواصة (جول فيرن).. وقرر أن يغوص بها فى بؤرة جوف الأرض.
- بدأ يتأمل ولكن لم يخنقه الضيق كمايسترو (دالى) الذى دفع فى عصبية قشرة البيضة ليخرج.. أو كما يقول إلى العالم الجديد، ولكنه قرر أن يجلس جلسة مفكر (رودان)، وبدلا من أن ينظر كاسفا، نظر متطلعا إلى حركة سطح البيضة من داخل هذا الرحم، وتصور أن هذا الطفل معجزة (عيسوية).. لا تتكلم فى المهد فقط، ولكن تتفكر فى قلب الجوف الذى ابتلع أسرار هذه البحيرة الساحرة.. البحر الأبيض.. من شرقية، وغربية، وإلى عربية، وحديثة.
- حساسية الخامة الحضارية
- قلة من الفنانين هى التى دفعت بمكونات الأرض من جوفها، تحركت فى أناة فاكتشفت أن مجرد اهتزاز الأنامل فى هذا الجوف يخل بالنظام الكونى من الداخل إلى الخارج.
- أدركت حساسية الخامة الحضارية فمرنت يدها، ولونها وكتلتها على أن تخرج ممراتها بحساب دقيق، وحركة محسوبة.
- الكرة تنشق فى أعمال الراحل، الفنان عادل المصرى فلا تحسبنها الكرة الهندسية المعروفة، أو رمزا ساذجا لتفاحة آدم تدفع من كونها لسعة ضوء مبهر، ولا تأخذنك أيضا مشاعر طقسية تربط بينها وبين لسعات ضوء عصر النهضة المعبرة عن هبوط المسيح أو صعوده، ولا يأخذك خيال علمى فتذهب باحثا عن النواه وإنشطارها.. فهو من العلم أيضا أنى، ولا تستسلم لمشاعر قومية تحدثك عن التراكيب الهندسية، أو تيسر لنفسك المهمة فتقول: إنها لعبة تشريح طريفة.
- فلسفة الضوء
- لقد تواصلت الدراما بكل هذا، ولكنها تجردت فاكتشفت الأبعد، أو ما هو حق، والحق تراكيب مدروسة مدركة وغير مدركة.
- فلسفة الضوء تمثل موقفا مهما فى أعمال الفنان (المصرى).
- ينشغل الفنان بشكل الكرة متفردة أو متداخلة، تضيق الكرة بالجدران فتنشطر أحيانا لتقذف بالضوء كتلا فى قاع أو قمة الهرم اللغز، وربما الحكمة المبكرة، وقد تنشطر أحيانا آخرى لتولد عدة كرات تسقط على المساحة علامة استفهام هادئة بدرجات لونية ضوئية، وقد تستقر الكرة على القاعدة ببعض اليقين، ولكن يظل يطاردها لغز الهرم المبتور.. يفتت قشرتها بشرخ الموت النافذ.. فمن عرف السر؟
- ولا يقبل الفنان التفاؤل الساذج.. يشطر الكرة إلى ثلاث ويدعها سابحة فى الفضاء الأبيض.. ولكن ما يلبث أن يبتلعها الثقب الأسود لتضمر واهنة فى حجم الفولة، وفى قاع المساحة القاتمة نشهد كتلة هرمية مبتورة الرأس، واهنة الجدران.. هل هى بقايا الوجود؟
توزيع الأدوار مذهل .. مشحون بالحوار.
- العنصر البشرى
الحوار البشرى فى أعمال الفنان عادل غير مكشوف للظاهر.. إنه فن من عالم التفكير فى جوف الأرض المليئة بالأسرار.. العنصر البشرى فى أعماله لا يواجهك فليس لديه ما يفصح عنه كما فى نظرات أعمال عصر النهضة الواضحة أو عصر التأثيرية الحالمة. أو عصر التجريدية المحددة، الرأس تبدو من الخلف، والوجه جانبى، وكتلة الجسد نحت (كلسة الزمن) فشحنه بالكثير.
- ومن لك بجيولوجى بإمكانه تفتيت دورات نفوس وحوادث الملايين فى هذا الأثر؟
- والأثر يأخذه الفنان من وجه امرأة فى تمثال فرعونى من الأسرة 12، يثبته على قاعدة، كعادته أو عادة أن يصبح التعبير هو رسوخ الرؤية الحية للفنان، يخفى الملامح ويغيب العيون الباحثة فى بحر مثبت فى كتلة قاعدة هرم.. قاعدة زاقوره.. قاعدة برج بابل.. وربما قاعدة مئذنة ابن طولون، الكف البيضاء تخرج من باطن الكتلة بلونها، وفى اتجاهها تحمل الكرة، علامة الخلود أو علامة الوحدة الزمانية لما ربط قديم الحضارة بحديثها، ومن الخلف يتم التحاور، اللون الكتلة، بين شعر المرأة وقبة كروية.
- إنها أيضا دورة هذا الكائن (الكلسى).. من التراب يأتى وإليه يعود.
- الحوار مع شيريكو وبرانكوزى
- وقد يقول قائل.. إننى المح جسرا بين طيبة المصرية، وطيبة اليونانية، من مفتاح الحياة إلى (السانتور)، أو بين إسكندرية بطليموس، وروما (دى شيريكو) خاصة فى الوجوه والكتل البشرية.
- وأقول لك.. ولم لا؟ ولكن عليك أيضا أن تلمح جسرا آخر خاصة فى الأعمال الحفرية للفنان بين مكونات الحرف الصينى، والحرف المسمارى، وفراغات الحرف العربى.
- الحالة الأولى المصرية اليونانية خدعتك لبساطتها، والحالة الثانية الصينية، المسمارية، العربية، غابت عنك لغورها.
- ومن عناصر الفنان الحية.. عنصر الطائر، تحاور فيه مع الفنان برانكوزى. ولكن برانكوزى النحات جاء طائره تصويريا كقط السريالى (تويان) الذى اسماه الصاعقة، بينما جاء طائر الفنان عادل المصرى نحتيا، فى التكوين الجمعى للطيور يقدم أربعة طيور، واحد شامخ يهم بالطيران فيحيط ساحة اللوحة بجناحيه ويقسمها كالمايسترو إلى مستوى أعلى يمسك بزمام التكوين برغم الفضاء المتسع، تتحاور معه ثلاثة طيور متعطشة فى مستوى القاعدة وفى التكوين الفردى للطيور يكتفى الفنان بحوار رفة الأجنحة البيضاء يبث الظلال فى حماية جدار المسرح الذى يخفى درامية الكواليس.. لقد أعطاه الفنان لحظة حرية وراحة إلى حين باختيارات لونية شفافة من حيرة التساؤل.
- واترك تنويعة ألحان الطيور وأعود إلى السكونية النحتية فى العناصر البشرية.. إنها مقولة موجزة.. حكمة فى كلمات تقول الزمن يجدد الآمال، ويقرب المنية ولكنه يباعد الأمنية ليخلق الجديد، وهكذا تتوالى التحولات لتردد قول المعرى: الناس صنفان موتى فى حياتهم.. وآخرون ببطن الأرض أحياء..
- عقد الفنان من سكونية (الأموات الأحياء) جلسة حوار وأنطقهم من الباطن.
- اللون التحولى
- يستوقفنا اللون عند الفنان عادل المصرى.. يستخدم كل الألوان وكل المشتقات يصعب التحدث عن تنافر لونى، فالتوليد يحكمه التحول (ميتامور فوزيز) أيضا. تخرج الألوان من ثقيلها إلى ضعيفها أو العكس.. أليست جميعا من أصل واحد؟
- ولا أقول كما يقول العلم إنها جميعا من اللون الأبيض، لأن الفنان جعل كل الألوان أصولاً لها فروع، وأيضا كل الفروع لها أصول، الاستحضار اللونى عنده له ملمس خاص من عدة عصور، التقطته عين (مرتوية بالعطش).. ملمس اللون من جيوتو إلى رفائيل اللاتينى، وثقل اللون الفلمنكى من (فرميير) إلى (رامبرانت) وخفة اللون الفرنسى من (بوشيه) إلى (ماتيس)، وسخونة اللون الأسبانى من (جويا) إلى (ميرو).. جموع فى أوركسترا الظاهر ويصعب تعداد أعضاء أوركسترا الباطن فى جوف حركتنا الحضارية.
- وكنت أشاغب الفنان الصديق الراحل فأسأل.. وماذا بعد؟
- ابتسامته الطفولية النقية كانت تقول.. كل هذا الكون المشحون، وكل هذه العوالم، وعلامات الاستفهام والتعجب، ألا تحتاج إلى إجابات وإجابات.. ومنها تخرج تساؤلات وتساؤلات.. لأعمال الفنان عادل فروع وفروع، ولكل فرع قدرة عطاء، وكل عطاء فيه (تساؤل وتحولات). ومادامت قاعدة المايسترو مليئة بالأسرار، ستظل جوفته باقية قادرة على العطاء، فالمصدر فى أعماله هو التحولات كشجرة (البوابات) فى قصة (الأمير الصغير) لأنطوان دى سانت أكزبيرى، التى لا تتوقف عن النمو وشغل المساحات.
- الفنان الراحل الكبير سيظل من أبناء الشطر الثانى من البيت العلائى: وآخرون ببطن الأرض أحياء..
بقلم: د./ محمد المهدى
مجلة : إبداع (العدد 1) يناير2007
|