نساء نرمين همام .. بين التضرع والمقاومة
- فى المنطقة التى تقع بين التصوير الفوتوغرافى، والرسم، تحفر نرمين همام منطقة عملها بدأب وبإخلاص، حيث لا يمكن تحديد من الأصل الصورة الفوتوغرافية أم الصورة المرسومة، ولكن مع تتابع رؤية العين لأعمال نرمين يختفى هذا السؤال لصالح أسئلة أخرى أكثر عمقاً.
- `آناكرونى` هو عنوان المعرض الأحدث لنرمين والمقام حاليا بجاليرى سفر خان،عادة ما تختار نرمين عناوين غير معتادة لمعرضها، فمن `إسكاتون` - كلمة توراتية قديمة تعنى الخروج- إلى ميتانويا ` - مصطلح له علاقة بالأمراض النفسية إلى `آناكرونى` والتى تعنى التناقض بين وقوع الأحداث وترتيبهم .
- `آناكرونى` يمكن اعتباره معرضا هادئ بالمقارنة مع معرض نرمين الأخير بالقاهرة `ميتانويا ` 2010 والذى كان نتيجة لتجربة قامت بها نرمين داخل احدى المصحات النفسية المصرية حيث مكثت حوالى عشر شهور مع المرضى واستطاعت تصويرهم خلال حياتهم اليومية، لتنتج اعمالا عنيفة توضح قسوة الحياة فى تلك المؤسسات وهو ما أدى إلى اعتراض مسئولى وزارة الصحة إلى ايقاف عرض 30 % من أعمال المعرض نظرا لكونها ` تشوه ` حياة المرضى - ومن قبله `إسكاتون` الذى رصدت فيه نرمين العلاقات المخفية بين جمهور المصطافين على الشاطئ، وامتاز بألوانه القوية، وتعرضه لاشكال من العلاقات التى بدت مفاجأة للكثير .
- هذه المرة تذهب نرمين إلى منطقة جديدة أشبه بالحلم ، ربما بالكابوس، هذه المرة لا توجد الكثير من التفاصيل للجرى وراءها، هناك صحراء ممتدة، واحيانا صحراء وبحر، أسطح ممتدة، مفتوحة، ربما تبرز بعض الارتفاعات فى الصحراء لكنها تبقى شاسعة الاتساع، وهناك امرأة تلتف فى وشاح طويل يغطيها كلها، لا يظهر منها شئ، وفى نهاية الوشاح الطويل تظهر امرأة أخرى تلتف بنفس الطريقة فى طرف الوشاح الآخر، هناك رياح أيضا تبدو أحيانا كما لو كانت تحاول اقتلاع احداهما عن الأخرى، واحيانا تبدو كما لو كانت احداهما تحاول الفرار من الأخرى التى تتمسك بها بقوة الوشاح الممتد بينهما، واحيانا كما لو كانت الرياح قد اقتلعت احدى المرأتين، بينهما الأخرى تقاوم الاقتلاع وتتمسك بالبقاء متكورة على الأرض، وأحيانا أخرى تبدو كما لو كانت فى حالة ابتهال وتضرع ، حالة صوفية تبتعد عن الاجواء الكابوسية فى لوحات أخرى ، لتصبح أشبه بحالة امتزاج صوفية .
- شكل المرأة الملتفة بالوشاح والتى تتعرض للرياح، ربما تستدعى تمثال محمود مختار `الخماسين`، لكن فى حالة مختار تبدو المرأة ذات العباءة المنتفخة وكأنها تقاوم الرياح وترغب فى مواصلة طريقها، بينما نساء نرمين يبدون فى مواجهة أقدار كابوسية، ربما لا تفلح معها المقاومة .
-ألوان اللوحات الرمادية، والوردية المفتوحة تسقط الإحساس بالزمن، لنصبح أمام حالة سرمدية من المواجهة، والرغبة فى الهروب، أو من الاستسلام والتبتل اللانهائى .
- هل تقرأ نرمين فى عملها الأخير حالة أنثوية تبدو فيها المرأة داخل سجن الوشاح، وتواجه أقدارا لا تمتلك القدرة على مقاومتها، هل تصنع حالة إنسانية عامة يبدو فى العالم كابوسا نحن غير قادرين حتى على رؤية تفاصيله، وليس أمامنا إلا محاولة الامتزاج فيه يفتح هدوء اللوحات الباب أمام قراءات متعددة للوحات التى تساعدنا على استنباط تفاصيل أكثر عمقا.
- المعرض كان تجربة مشتركة بين نرمين والراقصة والمصممة كريمة منصور ، وابنه نرمين الراقصة الشابة ليلة جريس، فى صحراء الفيوم، حيث قامت نرمين بتصميم الشكل العام وبتصويرهما، لتصبح هذه النواة الأولى للمعرض تواصل نرمين مسيرتها الفنية التى تحاول عبرها رصد النتائج غير المتوقعة للتفاعل الانسانى فى أشكاله المختلفة .
محمد فرج
أخبار الأدب - 8 /4 / 2012
معرض فى لندن يرصد ملامح مصر بعد الثورة
* أعمال نرمين همام تجمع بين التصوير الفوتوغرافى والرسم ..
- يقدم معرض الفنانة المصرية نرمين همام فى لندن مجموعة من اللوحات التى تجمع بين التصوير الفوتوغرافى والرسم ، استوحتها من ثورة 25 كانون الثانى ( يناير ) 2011.
- ويحمل المعرض اسم ` القاهرة سنة أولى `، وتعبر لوحاته عن حالة مصر فى هذه المرحلة، كما عايشتها الفنانة وتفاعلت معها ففى العام التالى للثورة المصرية، أنتجت همام مجموعة فنية مكونة من خمس لوحات، جمعت فيها بين التصوير الفوتوغرافى والرسم علماً أنها التقطت 70 ألف صورة فوتوغرافية لأحداث ميدان التحرير والأحياء المحيطة به فى بداية الثورة .
- وتقول همام : `أحاول من خلال هذا المعرض استحضار الانسجام والأمل، فالفنان فى كل مكان، يستجيب ويتفاعل مع ما يحدث حوله من قضايا ، وهذه اللوحات نتاج طبيعى لوجودى فى مصر وقت اندلاع الثورة التى أعادت تشكيل بلادى ` .
- وتضيف :` لم أنجز من قبل هذا الكم من اللوحات فى وقت قصير، مثلما حدث هذه المرة، ولا أعتقد أن كثيرين يمكنهم إنجاز ذلك أيضاً،إلا أننى كنت استجبت سريعاً لمشاعرى وتفاعلت معها،فالأحداث فى مصر كانت تسير بوتيرة سريعة، وفى كل يوم كان الحال مختلفاً،فيوماً تشعر باليأس من تحسن الأوضاع واليوم التالى تتفاءل`.
- حرصت همام يومياً على الخروج لالتقاط الصور ورصد ما يدور فى الشارع، وكانت عدستها تراقب الجيش والشعب، ورصدت مواقف المصريين وملامحهم، وهم يحمون بعضهم بعضاً .لكنها توقفت عن النزول إلى الشارع بعد وقوع المواجهات الدامية بين الجيش والشعب، واتخذت من مواقع الانترنت مصدراً للحصول على الصور والأحداث التى تريدها.
- تقول : `كل فنان مصرى جسد أحداث الثورة فى أعماله الفنية كما شعر بها، وعالجها بطريقته الخاصة،فهناك من قدمها بصورة صريحة واضحة فى أعماله، وأخرون قدموها بصورة ضمنية.أيضاً هناك من لم يجسدها حتى الآن، لكن قطعاً سيفعل فى المستقبل`.
- وتشير فى كلامها إلى موقع `سى أن أن ` الالكترونى العربى إلى أن أعمالها الفنية كانت تحت المراقبة الحكومية فى ظل نظام حسنى مبارك، نتيجة استياء النظام السابق من تسليطها الضوء فى أحد معارضها على الوضع داخل أحد المصحات النفسية التى تديرها الحكومية .
- وتنتظر همام ما سيسفر عنه الوضع الجديد لمصر، وهل سيعطى النظام التعبير الفنى مزيداً من الحرية أم سيقمعها، كما تأمل أن تكون فكرة الديموقراطية قد تغيرت ويتاح المجال أمام الجميع للتعبير عن مشاعرهم بحرية وأكدت أن ليس فى مصر الآن هامش للحرية .
جريدة الحياة - 18/ 8/ 2012