ألفونس لويس
- يذكرنى هذا الفنان بالكثير من تراث الحضارات الأولى، خاصة فى بابل وآشور والفن القبطى فى مصر، ويؤكد إحساسنا بذلك ما يلجأ إليه من النحت البارز( بعيداً عن النحت المجسم الدائرى) فوق شرائح غليظة من الأخشاب القديمة ، التى تبدو وكأنها أثرية أو مما يلفظه البحر من عوارض السفن الغارقة، يتركها الفنان (بعبلها) وبتآكلها وخشونتها وتشققاتها، لتبدو الأشكال المنحوته فيها جزءا من ماض عتيق أو حضارة منقرضة.
- إنه يستعيد - غالباً - أشكالاً من حضارات وعصور قديمة، مثل الهرم والسفينة والبوابات الأثرية ورموز الكنائس والمساجد، ووجوه أقنعة الفيوم .. وسُقاطات الأبواب على شكل حلقات حديدية ... إلخ. فينتزعنا من الزمن الذى نعيش فيه الآن، ويأخذنا إلى عوالم بعيدة أقرب إلى الأساطير عناصره منحوته بحس فطرى/ بدائى واضح، وتظل موصولة بالذاكرة التاريخية والوجدانية للهوية المصرية .. ومع ذلك فإنه يعكس بها بعداً حداثياً يرتبط - خاصة - بفنون ما بعد الحداثة، خاصة فيما يتعلق بإضفاء الاحترام على الأشكال الفطرية والعشوائية والبيئية، والأشياء المندثرة التى تبدو بلا قيمة، فتستمد قيمتها من حس الفنان بوضعها فى تضاد مباشر مع مظاهر التمدن الميكانيكى والتحضر الشكل المنافى لروح الإنسان .. إن الإنسان - إذن - هو كلمة السر الرابطة بين سلسلة الحضارات المتعاقبة والفنان الموهوب هو من يقتنص هذا السر حتى من بين ركام المخلفات المستهلكة والعشوائية الملقاة بلا قيمة .. إنه هنا لا يرد الاعتبار إلى الأشياء .. بل إلى الإنسان .. وفى ذات الوقت هو يوجه انتقاداً إلى مظاهر الحضارة المادية الرأسمالية، التى غابت عنها روح الإنسان، فلم تصل حقيقة إلى الجوهر الذى تتطلع إليه مسيرة التقدم .. وهو الإنسانية.
بقلم الناقد:عز الدين نجيب
من كتاب (الفنان المصرى وسؤال الهوية بين الحداثة والتبعية)