تماثيل تتحدى الزمن وقواعد التشريح
- إبداعات معرض `محمد السداوى ` تعزف على أوتار الحجارة الجيرية والنحت بلغات مختلفة يجيد التعامل بها وتسخيرها لتقديم أنماط من حياتنا المصرية فى تشكيلات موجزة على طريقة ` ما قل ودل ` .
- تخلى الفنان بجرأة عن الأطر والقوالب التقليدية وابتعد عن قواعد التشريح المتفق عليها فأعماله ترفع شعار التمرد والتحرر من المألوف والبعد عن قواعد التشريح المتعارف عليها كما تنتمى للعديد من الأساليب والاتجاهات عبر أحقاب زمنية مختلفة منها ما يقترب من الفن المصرى القديم وأخرى تسير على خطى الفن الأشورى الرومانى أو البيزنطى لكنها فى النهاية تعكس وجهة نظر مصرية حديثة تماثيلة تحاكى الشكل الإنسانى وتحترق مشاكله وهمومه فى بساطة وتلقائية التزم فيها بمثالية النسب وقوة التعبير الرومانسى أو التأثيرى أو عندما تنتمى أعماله للتجريد البحت .
- سطوحه تتفاوت بين الناعم والخشن لتأكيد الفارق الكبير بين الخير والشر ، الحقيقة والخداع ، الغموض والوضوح وليس الغرض منها - فقط - تحقيق الشكل الجمالى أو إبراز الطابع الهندسى وعلاقة الكتلة بالفراغ .
- ` مجدى السداوى ` من خريجى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية له مشاركات دائه فى الحركة الفنية وتم اقتناء أعماله بالعديد من المؤسسات والمراكز الثقافية .
- هذا ويمتد معرضه المقام حاليا بمركز محمود سعيد للمتاحف أسبوعا أخر كما تقول مديرته شادية رشاد ليكون خير ختام لموسم ثرى بأنشطته المتنوعة .
ثريا درويش
جريدة الأخبار 2005
` الكائنات ` و ` الطبيعة ` لهما حديث مختلف فى أعماله بالإسكندرية ` السداوى ` .. نحات ` السهل الممتنع ` !
- تحت رعاية د. أحمد نوار رئيس قطاع الفنون التشكيلية افتتح الفنان محسن شعلان رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض ` معرض الفنان محمد مجدى السداوى ` بعنوان ` موضوعات من صميم الحياة ` وذلك بمركز محمود سعيد للمتاحف ، كما شهد المعرض العديد من الفنانين التشكيليين الذين أشادوا بأعمال الفنان الإبداعية والنحتية .
- فلحظة أن يفصح العمل النحتى عن مكنونة الداخلى فى يسر ومباشرة ، ينفعل به المشاهد ، ويتجاوز عن متابعة التفاصيل ، وقد نجد أن التمثال فاض بمحتواه وتجاوب معه المتلقى فى آلفة بالغة .
- وهذا يوضح لنا السمات الغالبة لمجمل أعمال الفنان مجدى السداوى التى تبدو كجمل موجزة بليغة، قد تبعد أحيانا عن واقعية النسب وقواعد التشريح لكنها تقترب من قوة الأداء والتأثير .
- وقد يرى البعض أن هذا الفنان ربما لا يبدو من السهل أن نصنفه وفقاً للاتجاهات الفنية السائدة أو العصور الزمنية المتلاحقة فطرقاته ومعالجته للأحجار إنما تعكس وجدانا متواصلا زاخراً بالخيال والإبداع ويبدو مجدى السداوى فى بعض أعماله رومانسيا تارة يميل إلى التأثيرية تارة أخرى وإلى التجريدية مروراً بأنماط عديدة من صور التجريد .
- أيضا يبدو مجدى السداوى فى أعماله متأثراً بالنحت المصرى القديم فى بساطته ومثالية نسبة، وقد تقترب خطوطه من الفن الأشورى وفنون ما بين النهرين فى معالجته للفورم، ثم هو متلامس مع فنون النحت الإغريقية والرومانية والبيزنطية، وهو فى النهاية متواصل مع فن النحت الحديث، وما بعد الحداثة .
- إن أعمال هذا الفنان تمثل نسيجا شديد الخصوصية تلتقى فيه اتجاهات فنية ومراحل زمنية متعددة وكأنها أرواح هائمة من أزمان بعيدة ومدائن قاصية تتناسخ وتحل فى وجدانه وتسكن فيه وله ويلعب الفنان بملمس سطوح أعماله النحتية ما بين النعومة الفائقة والخشونة الزائدة، وهى عند كل ملمس تشير إلى أمر مختلف، فهى تصور الخير والشر، الحقيقة والخداع ، الصراحة والغموض ، وهذا يعنى أن الفنان ذو أبعاد تعبيرية، وليست مجرد زخارف تجميلية . ومن الأعمال النحتية المعروضة الطائر ` أبو قردان` الذى قال عنه مجدى السداوى إنه من المعروف أن الطيور تخاف الإنسان وتهرب من الأصوات العالية ، لكن هذا الطائر فى سعيه للرزق لا يهاب الإنسان ولا تزعجه الأصوات العالية لآلات حرث الأرض ، ويمرح وراء المحاريث التى تقلب الأرض غير مبال بصوت الضجيج الذى حوله فأنها فرصته فى الحصول على غذاء فى سهولة ويسر ، فالمحراث يقلب الأرض فيظهر ما فى جوفها من ديدان وحشرات وحبوب يلتقطها فى إصرار على الحياة وطلب الرزق .
- ويؤكد السداوى أنه قام بنحت هذا الطائر كمثال لكسر قهر الخوف من أجل السعى وراء الرزق .
- أما العمل النحتى الثانى فهو عبارة عن القطة والسمكة وهو مشهد متكرر حيث يجلس الصياد لصيد السمك على الصخور ومن ورائهم تقف القطط متحفزة لعلها تحصل على سمكة شهية صغيرة لا يكترث بها الصياد فيلقيها لهم، والسمكة ما زالت تثن فى النقاط أنفاسها خارج الماء وهى تجاهد للهروب ثم نجد حلقات متصلة من الآلام حتى تلقى نهايتها وكذلك الإنسان يخرج إلى الحياة ويرى سلسلة لا نهاية لها من الآلم تدهمه فإن هرب من دوامة يدخل فى الأخرى حتى يفارق الحياة .
- وهذا ما قصدته من صراع ` القطة والسمكة ` فالسمكة هى الإنسان والقط والصياد هو سلسلة الآلام .
- وهناك عمل يسمى ` طيور الحرية ` ونرى فيه مبالغة فى الاختزال والتبسيط حيث تتلاصق الحمامتان وتندمج الأجنحة والأرجل فى بناء نحتى واحد وتنطلقان برأسيهما فى توحد وكأنهما سهم ماضى انطلق بشق ذلك الفضاء العريض .
- وفى تعامله وحواره مع الأحجار يقول الفنان إنه يضع الحجر بصورته الأولية أمامه ثم يظل أياماً يبحث من حوله ويستمع حديث كل زاوية من زواياه وقد يفرض على الشكل الطبيعى للحجر عملا معينا ولا شئ سواه وقد تغلب على فكرة غائرة وفى عمق وجدانه ولا يطاوعه الحجر ويقف جامدا متجهما لا يعى ما أريد فيقسو عليه بالطرق والإزالة ألوان من الصراع والقهر المتبادل ما بين الفنان والخامة للوصول إلى تلك اللحظة العبقرية حين يتوحد الاثنان ويولد عمل جديد من خلال جملة حوارية موصولة كمشهد ترويض الخيول البرية وكل طرف يؤكد قوته فى جنوح للعنف والتحدى وعدم الامتثال يمارسه كل من الطرفين فى البداية ، ثم تبدأ الملاينة والقبول المتبادل كالفارس والمروض والفرس البرية .
- ففى معالجة الفنان للكتلة والفراغ يبدو وكأنه قد تمكن من خامته وامتلك نواصيها يقول النحات السداوى أبدأ عملى بما أسميه ` كشف الحجر ` وذلك من خلال طرقات خفيفة شاملة فالصلابة والهشاشة من صلب تكوينه وقد لا تبدو ظاهرة للعين لأول وهلة وقد تعلمت أن أكون حريصاً ومتأنيا فأبدأ بأدواتى القوية الحادة وكلما بدا العمل فى الظهور استخدام الأدوات الأصغر حجما والأكثر دقة وهكذا والأحجار غالبا ما تكون أكثر ملائمة لأشكال النحت المصمتة لعدم تمام تجانس مكوناتها وقابليتها للتهشم إلا أن حرفية الفنان وخبرته مكنته من إيجاد تزاوج ما بين الكتلة والفراغ أعطتنا أعماله رقة وواقعية متزايدة وسمحت بتخلل الضوء مما أضفى لمسات من الظل والضوء أثرت أعماله ، ولو نظرنا إلى عمله النحتى ` غزلان الصحارى ` سنرى كيف عالج الفنان قرون الغزال محدثة فراغا نصف دائرى وارتكزت الأرجل على القاعدة تاركة فراغا شبه المستطيل ، وفراغا ثالثا ما بين القرنين خلق بذلك علاقة بين أنصاف الدوائر وأشباه المستطيلات مما جعل العمل متماسكاً ومتزناً على الرغم من رقته البالغة .
أمانى عبد المتعال
مجلة صباح الخير 2005