محمد محمد صبرى
محمد صبرى … رائد فن الباستيل الذى تفوق فيه فصار لايباريه أحد
- هذا الفنان الذى احترم فنه فأعطاه من وقته وجهده وحافظ على شخصيته الفنية على مدى تاريخه الفنى هذا الفنان الرائد الذى عبر بفرشاته عن الجمال فى كل مكان ذهب اليه فكان يرى مالا يراه سواه.
- وبعيون الفنان رأينا ما يراه هو الفنان المصرى الوحيد الذى حظى بعضوية اقدم واعرق أكاديميات العالم وهى الأكاديمية الملكية بسان فرناندو بمدريد، فكان بين عظماء الفنانين لمكانته الفنية وليس هذا فحسب من تكريم بل انه عين عضوا أكاديميا مدى الحياة بالأكاديمية الملكية بسان كارلوس فى فالنسيا بأسبانيا .
- وإنه لشرف لمصر أن يكون هذا الفنان من يمثلنا بالخارج لما لفنه من بصمه مصرية عريقة تعكس حضارة المصريين المتدة عبر الآف السينين .
- وفى هذا المعرض الكبير الذى يقيمه بالمركز الثقافى القومى ` دار الأوبرا المصرية ` بقاعة الفنون التشكيلية يملأنا الامل والسعادة لأستضافة هذا الفنان الكبير الذى يحظى بحب وأعجاب الملايين من المتذوقين والفنانين .
- تحيه للفنان محمد صبرى .. على دوره الكبير فى أثراء الحركة التشكيلية فى مصر
د. سمير فرج
- أسلوب الفنان المبدع يبدأ بالواقعية وللواقعية أساليب واتجاهات متعددة فى الفن والأدب سواء فكل ما تراه العين يعكسه حتماً العقل ويحيله الى شكل مبتكر ومن هذه الاتجاهات نذكر الواقعية التسجيلية (الأكاديمية ) التى يمارسونها بين جدران المراسم المغلقة بمدارس الفنون حيث تطمس المواهب وتفسد كل محاولة للكشف عن قدرات الفنان الذاتية وهناك الواقعية التحليلية (العلمية) وهى منبثقة من الأولى بعد الخروج من ظلام المراسم لمواجهة الطبيعة مع الأضواء و الهواء لمعالجة الألوان التى توصلوا الى معرفتها بعد تحليل النور الى ألوانة الأصلية ومن نتائج هذه الدراسة عرفت نظرية التكامل فى الألوان فأغرت لفيفاً من المصورين الفرنسيين الى الخروج الى الهواء الطلق وانتظروا مثلما ترى فى قوس قزح وكما تشاهد من خلال منشور من البللور ومن الذين خرجوا فى غابات بلدة (فونتانبلو) وقرية باربيزون التى تقع عند طرقها يتشدون الضوء وحرية التعبير فعرفوا بالتأثريين .
- وفن محمد صبرى هو من النوع المنتمى الى الواقعية التأثرية التى لا تعرف زيفاً أو خداعاً ونجده يصدق حسه على لوحات تمثل الأحياء الشعبية والمناظر الطبيعية فى القاهرة القديمة وأسوان وفى الأقاليم الأسبانية والمغربية مستخدماً ألوان الباستيل التى ملك زمامها وسيطر عليها ليحقق أغراضه فى تشكيل القيم الجمالية التى ينشدها بغير عناء أو تردد أو غموض .
- وينفرد محمد صبرى من بين زملائه الفنانين المصرين المعاصرين بالتصوير بالباستيل الذى يسميه البعض جزافاً (طباشير) وهو تشبيه خاطىء ولا يجوز الخلط بينهما قولاً أو استعمالاً والفرق بينهما كالفرق بين الألوان المائية و ألوان الجواش وألوان الإكريليك وجميعها تذاب فى الماء عند استعمالها ولايمكن قبول الزعم بانها متشابهة .
- وحرية التعبير عند الفنان محمد صبرى ترفض الوصاية أو الرقابة أو الالزام لأنها حرية تنم عن الالتزام وصدق التعبير عن مشاعره وانفعالاته واحاسيسة وإرادته المتسامية شأنه فى ذلك شأن كل فنان حر يعرف كيف يتحدث باللغة التى يجيدها ويفضلها ويلتزم بها.. بدون إلزام أو خضوع لما يفرض عيله أو انصياع لنزوات طارئة .
- نعم لقد أحب محمد صبرى الباستيل ووجد فيه الأداة التى تعينه على تحقيق ذاته ولكنه لم يترك التصوير بالألوان الزيتية أو الألوان المائية وعلى الرغم من اختلاف طبيعة هذه المواد ومتطلبات العمل بكل منها إلا أنه استطاع أن يعكس على لوحاته مشاعره وتاثره بجمال ما يراه فيحيله حينا الى ألوان هادئة بلمسات رقيقة.. وبثقة وبإحكام وبغير تردد... وحيناً آخر يحيله على لوحاته صراعاً عنيفاً بين الأضواء الساطعة و الظلال القاتمة ومابينهما من انعكاسات... وعلى لوحات أخرى تشاهد الألوان كالهواء المشبع بالماء او السماء بغير حساب
صدقى الجباخنجى
.. بعد أول معرض أقامه عام 1950
- محمد صبرى : طه حسين اختارنى عضوا بالمعهد المصرى بمدريد قبل افتتاحه
- فنان قدير ينتمى إلى الجيل الثانى فى الحركة الفنية المصرية له بصمات فى رسم المنظر الذى كان يحترفه كموضوع بألوان الباستيل والتى كانت محترفة كخامة وتفوق على نفسه فى التعامل معها حتى لقبوه فى أوروبا بأستاذ الباستيل وحظى البورتريه -الصورة الشخصية بجانب من اهتمامه ، ليرسم العديد من الشخصيات العالمية وكذلك شخصيات البيئة المصرية من البسطاء ، يعمل بحماس الشباب وهو الفنان الذى دخل عامه التسعين منذ شهور .
- رحلة إبداع وعطاء حافلة بالأحداث الفنية بين القاهرة والأقصر وإسبانيا ولندن والمغرب وسلطنة عمان والبحرين بدأت فى بولاق أبو العلا حيث كانت نشأتى فى هذا الحى العريق 21 من ديسمبر عام 1917 خلف مسجد أبو العلا مباشرة وبدأت دراستى الابتدائية فى مدرسة عباس بالسبتية أواسط العشرينيات وكنت مجداً فى دراستى وكانت مكافأتى كتب أجنبية ملونة ومطبوعة طباعة فاخرة وكنت أنقلها حرفياً بألوانها وخطوطها ليعجب برسومى مدرس الرسم ليضمنى إلى جماعة الرسم بعد أن علق هذه الرسومات على جدران المدرسة ونصحنى بالاطلاع على كتاب ` الرسم التوضيحى ` للفنان محمد يوسف همام وكان مديراً لإدارة الفنون الجميلة ثم أمين عام جمعية محبى الفنون الجميلة وكان الكتاب يحوى رسوماً للوجوه والمناظر لكبار الفنانين وكذلك التشريح والمنظور وكل ما يتعلق بالرسم وقد أفاده هذا الكتاب إفادة جليلة والتحقت بمدرسة الفنون التطبيقية فى أوائل الثلاثينيات فى قسم الزخرفة وقد كانت الدراسة قسماً أول يمنح الدبلوم وقسم ثانياً يمنح المؤهل العالى، ودرس على يد محمد عزت مصطفى وحسنى خليل وأحمد راغب وسعيد الصدر وزاملت المثال فتحى محمود وعبد السلام أحمد لأتخرج فيها عام 1937على قمة الدفعة ولم أحصل على البعثة المقررة ليرشحنى الفنان محمد حسن مدير عام إدارة الفنون الجميلة آنذاك للعمل فى متحف التعليم وكان مديره أحمد عطية الله والتحقت بقسم التصوير مع صلاح يوسف وكامل مصطفى وكان يقع هذا المتحف على النيل فى الجزيرة مكان نقابة المعلمين حالياً وكنت أخرج على الشاطئ لأرسم وأقمت أول معارضى عام 1943 بعد تخرجى بستة أعوام فى جولدنبرج بقصر النيل ويزور معرضى الفنان الكبير الرائد أحمد صبرى والفنان حسين بيكار وأعجبا بأعمالى وعرضا أن أدرس فى القسم الحر بكلية الفنون الجميلة الذى كانا يعملان فيه ، ولم أجد غضاضة فى ذلك لأعود طالباً مرة أخرى وأتيحت لى فرصة كبيرة للممارسة والتفوق وتقام أول مسابقة للقسم الحر بنظام مشروع التخرج فى الكلية بعده سنوات من التحاقى ومن يجتازها يحصل على منحة لمرسم الأقصر وقدمت كروكيات ودراسات لموضوع النحاسين 16 دراسة بالخامات المتنوعة ليطلب منى أساتذتى تنفيذ المشروع بالكلية عام 1948 وقد كانت اللجنة المحكمة تضم يوسف كامل وكان مدير الكلية وراغب عياد وأحمد صبرى وكبار الفنانين وحصلت على المركز الأول والبعثة الداخلية لمرسم الأقصر فى هذه الفترة وأثناء دراستى فى القسم الحر عملت أميناً لمكتبة كلية الفنون التطبيقية واقترحت أن أقوم بالتدريس ورفضت ، لأن ذلك كان مقصوراً على العائدين من البعثات الخارجية وتسلمت المكتبة وجعلت منها مجالاً للدراسة فى تاريخ الفن والتصميم ولم أترك نفسى للممارسة دون دراسة فأتقنت فن تصنيف المكتبات بعد دراستى فى الجامعة الشعبية الكائنة بجوار قصر الدوبارة بجاردن سيتى وكانت تدرس أيضاً التصوير والفنون والآداب والتاريخ .
- أثناء وجودى فى مكتبة الفنون التطبيقية جمعت بعض طلاب الكلية وكونت بهم فرقة قمت بتدريس الرسم لها بعد موافقة الكلية التى أتاحت لى الخامات ومتطلبات ذلك وكان من بين طلابى فى هذه الفرقة رمزى مصطفى ومحمد طه حسين وهما من نجوم الفن التشكيلى حالياً .
الجائزة الأولى
-فى أول اشتراك له فى مسابقات الفن فاز الفنان محمد صبرى بالمركز الأول ليحصل على الميدالية الذهبية فى المهرجان الفنى الكبير الذى أقامته وزارة المعارف العمومية عام 1948 حصلت على هذه الميدالية وهو العام الذى حصلت فيه على الجائزة الأولى فى القسم الحر بكلية الفنون الجميلة وبالتالى حصلت على منحة الأقصر والتى زاملت فيها المثال عبد البديع عبد الحى وسعد المنصورى وكانت فترة غزيرة بالنهل والإبداع بزيارة المقابر والمدن الفرعونية : هابو والكرنك ومعبد الأقصر والرامسيوم كنت أرسم فى هذه الأماكن طوال النهار وأرسم الوجوه والأشخاص فى المرسم ليلاً وكنت أقضى فترة الشتاء فى الأقصر والصيف فى حوش قدم بالقاهرة القديمة والتى كانت بالنسبة لى فرصة لرسم الحوارى والشوارع والمبانى القديمة والتاريخية والمساجد وقد ساعدتنى هذه الفترة فى التصاقى بالحارة الشعبية وقد جمعت أعمالى فى هذه الفترة لأقيم بها معرضاً عام 1950.
- كان هذا المعرض نقطة تحول فى حياة محمد صبرى لقد زارنى فى هذا المعرض شخص دلف متسائلاً أين صاحب المعرض الفنان / أحمد صبرى ؟ فأجبته إنه معرض محمد صبرى وليس أحمد صبرى فحينما عرف أنى محمد صبرى قال لى : إن الناقد الفرنسى ` مارييل ` كتب عنك بشكل رائع وأشاد بأعمالك وقد كان فى مصر فى هذه الفترة نقاد أجانب إلى جوار المصريين وكان يلقى على مسامع د. طه حسين آنذاك النقد وما يجرى من أحداث حيث كان وزيراً للمعارف، وزار شخص آخر المعرض متسائلاً عن عملى ومؤهلاتى ، وقد كان هذا الشخص هو مدير مكتب وزير المعارف لتحدث المفاجأة للفنان محمد صبرى حينما هاتفه مكتب د.طه حسين ليزف إلىً خبر ترشيحى من قبلَهِ للسفر فى بعثة لإسبانيا عضواً بالمعهد المصرى فى مدريد والذى سيفتتحه د.طه حسين أوائل الخمسينيات وهو أول معهد ثقافى فنى يقام فى أوروبا وضمت البعثة 16 دارساً لأوائل كليات الجامعات المختلفة ليرافقنى فى الرحلة على ظهر المركب إلى مدريد د. أحمد هيكل وزير الثقافة الأسبق ود. محمود مكى رئيس قسم الإسبانى والأدب العربى بجامعة القاهرة والتحقت فى هذه الأثناء بكلية سان فرناندو زميلاً للفنان عباس شهدى ومجموعة من خريجى الفنون التطبيقية وكل زملائى من الفنون الجميلة فشد من أزرى بإنسانيته المعهودة قائلاً : يا صبرى لا تحمل هماً عملك وأخلاقك تسانداك وقد كانت نصيحة غالية منحتنى دفعة قوية لاقتحام هذا العالم ومع الدراسة بأكاديمية سان فرناندو كانت علاقاتى طيبة بأساتذتى الذين رشحونى لعمل معرض لأعمالى بموافقة وتشجيع د. محمد عبد الهادى أبو ريدة مدير المعهد المصرى والمستشار الثقافى آنذاك لتتم إقامة المعرض فى مايو عام 1951 وأنا لا أزال طالباً بالكلية وذلك بالمتحف القومى للفن الحديث ضم أعمالاً رسمتها فى مصر وأخرى فى مدريد وقدمنى فى ` كتالوج ` المعرض مدير المتحف وهو من كبار النقاد فى إسبانيا آنذاك وكان هذا المعرض هو أول معرض مصرى يقام فى مدريد .
-عدت من هذه البعثة بعد حصولى على درجة الأستاذية من كلية سان فرناندو لأقوم بالتدريس فى كلية الفنون التطبيقية فى الفترة من عام 1953 وحتى عام 1959 وقد كان من تلاميذى فى هذه الفترة عمر النجدى وصالح رضا . وأول معارضى بعد العودة أقمته عام 1953 فى أتيلييه القاهرة وافتتحه السفير الإسبانى بالقاهرة وزوجته ومؤنس نجل د. طه حسين.
- الذى لا يعرفه الكثيرون أن الفنان محمد صبرى درس الترميم - ترميم اللوحات على أعلى مستوى فى منحة لكلية سان فرناندو وقد كانت دراسته على يد كبار أساتذة الترميم فى العالم .
- لقد قمت مع زملائى بترميم أعمال للفنانين جويا وفيلاسكيز والجريكو وكان ذلك عامى 1955، 1956 فى تلك الفترة أقمت معرضاً بتطوان بالمغرب وكان أول معرض مصرى يقام هناك وقد أشادت به الصحافة المغربية والإسبانية ثم تلاه معرض فى الرباط عام 1958 أشادت به الصحف والنقاد المغاربة والفرنسيون وقد جاءتنى دعوة لإقامة معرض فى باريس لكن الظروف كانت غير مواتية فقد كانت العلاقات المصرية الفرنسية آنذاك متدهورة .
وسام فارس
-عُينت عضواً فنياً بمعهد الدراسات الإسلامية بمدريد عام 1959 وكان د. حسين مؤنس مديراً له ومستشاراً ثقافياً ود. محمود مكى وكيلاً للمعهد وملحقاً ثقافياً وقد كانت هذه الفترة ثرية بالنسبة لى، حيث اندمجت فى الحركة الفنية الإسبانية فى معارضها وأنشطتها الفنية لأحصل على وسام الاستحقاق بدرجة فارس عام 1961 وأحصل على الجائزة الأولى فى التصوير فى صالون الخريف بمدريد عام 1964 وقد أخترت فيما بعد عضو لجنة التحكيم فى هذا الصالون فى دورته السادسة والأربعين عام 1978 .
رحلة الأندلس
-أثناء عمل محمد صبرى كعضو فنى بالمعهد كلفته وزارة المعارف المصرية بالسفر فى رحلة إلى الأندلس لرسم الآثار الإسلامية فيها..
زرت قرطبة وأشبيلية وغرناطة وملقة ورمضة ورسمت الجامع الكبير وقصر الحمراء وقصر أشبيلية وكل أثار الأندلس فى ثلاثين لوحة بألوان الباستيل والتى أدهشت د. حسين مؤنس ليقيم بها معرضاً فى قاعة جويا أكبر قاعات العرض فى مدريد عام 1961 وقد لاقى إقبالاً كبيراً تلاه معرض فى لندن عام 1962 لقبت فيه ` أستاذ الباستيل ` من قبل نقاد الفن هناك، وفى نفس العام أقمت معرضاً فى روما بقاعة كانتس افتتحه د. نجيب هاشم سفير مصر فى روما والذى كلفنى برحلة الأندلس إبان توليه منصب وزير المعارف ، وقد كتبت عن المعرض جريدة ` الفاتيكان أوبزورفا توريو رومانو ` وهى المرة الأولى التى تكتب فيها هذه الجريدة عن معرض خاص حيث أنها لا تكتب إلا عن المتاحف العالمية ، وقد شهدت هذه الفترة انتشار لأعمالى من خلال تلك المعارض التى أقمتها فى لشبونة بالبرتغال عام 1960 أقتنى منه أحد أعمالى لمتحف لشبونة وكذلك فى فرانكفورت أقمت معرضاً عام 1962 أشادت به معظم الصحف الألمانية.
- يعود الفنان محمد صبرى إلى مصر عام 1965 لتتلقفه أرض الجنوب فى أسوان .
- شاهدت على الواقع المرحلة الثانية لبناء السد العالى عام 1966 ضمن وفد من الفنانين ضم صدقى الجباخنجى والحسين فوزى وعليا صبرى وكانت الرحلة دعوة من وزير السد العالى صدقى سليمان من خلال جمعية محبى الفنون الجميلة ، عدة أسابيع قضاها الوفد يرسمون ليل نهار مواقع السد العالى ليقام معرض ناجح بهذه الأعمال بعد العودة ، من ضمن هذه الأعمال لوحة كبيرة بالألوان الزيتية رسمتها للسد العالى احتفضت بها ، وقتها كان مجلس السوفييت الأعلى فى زيارة لمجلس الأمة المصرى الذى أراد أن يرد هدية السوفييت التى كانت عملاً فنياً بعمل فنى فاختار د.ثروت عكاشة وزير الثقافة آنذاك هذه اللوحة ليهديها باسم مصر لمجلس السوفييت الأعلى .
معرض بقرار جمهورى
- دعوة رسمية تلقيتها من إسبانيا لإقامة معرض شرفى خاص ضمن المعرض العام فى مدريد وهو معرض كبير يقام فى حديقة `روتيرو` بقصر فيلاسكيز وذلك عام 1967 وقد كان السفر وقتها ممنوعاً ، وحينما عرف المسئولون فى مصر أنها دعوة رسمية وتتكفل بها الجهة الداعية صدر قرار جمهورى بالسفر حيث يمثل فيها الفنان مصر لأقيم معرضاً لأعمالى بقاعة الشرف وافتتحه ملك إسبانيا وسفير مصر فى مدريد وكان معرضاً ناجحاً بكل المقاييس رشحت من خلاله لأصبح عضواً أكاديمياً فى أكاديمية سان فرناندو بمدريد والتى تشرف على الحركة الفنية فى إسبانيا إلى جوار كبار أساتذة الفن هناك لأكون أول عربى يحصل على هذه العضوية.
- وفى عام 1965 عملت مديراً للمعارض فى وزارة العلاقات الثقافية الخارجية المنشأة حديثاً والتى لم تستمر لظروف مالية، لأنتقل بعدها مستشاراً فنياً للهيئة العامة للفنون بوزارة الثقافة وكانت حلقة اتصال بين الوزارة والفنانين .. فى عام 1972 اخترت عضواً أكاديمياً مدى الحياة بالأكاديمية الملكية سان كارلوس كما أقامت وزارة الثقافة الإسبانية معرضاً شاملاً للوحات الباستيل التى رسمتها تجول فى متاحف 9 محافظات فى الفترة من أكتوبر 1979 وحتى يونيو 1980 وقد أصدرت الوزارة كتالوجاً خاصاً عن حياتى الفنية وملصقاً كبيراً بالألوان تقديراً وتكريماً وهذا المعرض الأول من نوعه لفنان مصرى وعربى ، كما اخترت ضيف شرف فى المعرض العام للفنون الجميلة الذى أقيم فى قصر البللور بمدريد تحت رعاية ملك إسبانيا عام 1976 .
الأحداث الوطنية
- شغلت الأحداث الوطنية فناننا محمد صبرى وأشعلت حماسه فى عام 1956 ومن خلال دعوة لمعرض أعلنها كمال الملاخ للتعبيرعن معركة بورسعيد قمت برسم لوحة بالألوان الزيتية بلغت مساحتها 60 ×80 سم وطاف المعرض مختلف البلدان وانتهى المعرض واختارت وزارة الخارجية اللوحة لأكتشف أنها تاهت بعد ذلك ، وقد طرحت جمعية محبى الفنون الجميلة إقامة معرض عن المعركة فى عام 1957 فرسمت لوحة تعدى طولها المترين شاركت بها فى هذا المعرض الذى افتتحه كمال الدين حسين نائب رئيس الجمهورية ، وكان يشرف على بعض الوزارات من ضمنها وزارة الثقافة ، وقد أعجبته اللوحة وأمر باقتنائها لتزين مكتبة فى وزارة التربية والتعليم وظلت مع تعاقب الوزراء وكنت أزورها كل فترة لأكتشف أنها نقلت إلى مكتب الوكيل ثم مدير الإدارة ليصيبها التلف من جراء دهان المكان ، وخوفاً على اللوحة استعرتها بصعوبة بالغة لتنضم إلى معرض أقمته فى قاعة السلام بالزمالك عام 1984 ثم قمت بإهدائها إلى متحف الفن المصرى الحديث بعد انتهاء المعرض … وعن العبور العظيم فى السادس من أكتوبر رسمت لوحة أهديتها لرئيس الجمهورية ويقتنيها قصر عابدين ورسمت خطاب السلام الذى ألقاه الزعيم جمال عبد الناصر فى الأمم المتحدة ولوحة أخرى ` توقيع اتفاقية القاهرة ` عام 1971 وهى تضم مجموعة من القادة العرب وقد تعدى طولها المترين ونصف المتر .
- يرى الفنان محمد صبرى أن الإضاءة والعمارة القديمة فى القرى الإسبانية التى رسمها تشابه بعض قرانا وأماكننا الأثرية فى القاهرة والمغرب .
- إننى أعايش المكان بكل جوانبه فحينما أرسم فى إسبانيا كنت أرسم وكأننى واحد من أهلها على حد قول النقاد هناك، وكذلك المغرب أتأقلم مع المكان وأعايشه معايشة كاملة وأترجمه بمشاعرى وأحاسيسى حتى ينتهى إلى العمل الذى يحمل مناخ وبيئة المكان شكلاً وروحاً .
- الضوء يشدنى فى المكان الذى يقع عليه اختيارى لرسمه، فأنا أمر على المكان عدة مرات حتى أختار التوقيت المناسب الذى يعطينى شخصية المكان والزمان ، وما يحملان من عناصر والضوء يحدد ويجسد العمل وهو الذى يكشف الشكل واللون .
- وفى الستينات فى الأندلس كان الجو مفتوحا وكنت أعمل فى مناخ من الراحة كرسم اللوحة مباشرة من الطبيعة لكن فى مصر من الصعب أن أجلس وأرسم فى مكان ما فأقوم برسم `الاسكتش` باللون والأماكن الأثرية لابد من رسمها بدقة حيث تفاصيلها الدقيقة ، فكنت أرسم اللوحة من خلال اسكتش بالألوان والتفاصيل أرسمها بالقلم الرصاص من خلال المعايشة أستطيع تجسيدها على أى مسطح .
- العديد والعديد من الجوائز والأوسمة حصل عليها الفنان محمد صبرى وكذلك شهادات التقدير .
- حصلت على تقدير من الرئيس السادات عن لوحة رسمتها لملكة إسبانيا وقد أهديت لملك و ملكة إسبانيا أثناء زيارتهما لمصر وحصلت على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى رائداً لفن الباستيل عام 1974 ووسام الملكة إيزابيل الذى منحه لى ملك إسبانيا تقديراً لفنى كما حصلت على ميدالية ودبلوم الأكاديمية الملكية سان فرناندو بمدريد باعتبارى عضواً بها وقامت وزارة الثقافة المصرية بتكريمى عام 1955 ومنحة وزير الثقافة شهادة ودرعاً للدور الرائد والعطاء الفنى ، وحصلت على جائزة الدولة التقديرية فى الفنون عام 1977 .
- وأخيراً رشحتنى جامعات المنصورة وحلوان والمنيا لنيل جائزة مبارك فى الفنون وهى أعلى جوائز الدولة فى مصر .
د. محمد الناصر
نصف الدنيا - يونيو 2007
محمد صبرى .. رائد فن الباستيل
- اهتم الفنان محمد صبرى رائد فن الباستيل بالإضاءات الطبيعية التى ترسلها أشعة الشمس لتعزف هى الأخرى ألحاناً إيقاعية رقيقة .
- لقد استطاع صبرى تصوير العلاقة الحميمة بين الناس والمكان، وأضاف للوحة حركة وحياة وإيقاعاً من خلال توزيع البائعين والمشترين والمارة فنراهم وكأنك تسمع أحاديثهم . وتبدأ الصعود بعينيك لتعيش داخل الحارة ... تنتقل من حوارات بشرية إلى حوارات معمارية .. حوائط تجاور حوائط تضم بداخلها ذكرى لأناس طيبين .عمارات مطرزة جميلة يحتفى الفنان بكل تفاصيلها فيبرز جمال الشرفات التى ترمى بظلالها على ما تحتها لتؤكد الجمال المعمارى وروعته حين ينعكس عليها الضوء، ويذيد اهتمام الفنان بتفاصيل الأبواب والنوافذ العتيقة ، والذى نجح فى أظهار حالة القدم بالألوان البنية والصفراء والظلال والاهتمام بالتفاصيل من بواكى وزخارف ، ومشربيات تجعلك تعيد تجوالك مرات ومرات بين هذا السحر الدافئ ، الذى ترجمه الفنان فى أعمال كثيرة مرتبطة بالريف المصرى ، والعمال والحرف اليدوية والنيل ومناظر من المدن المغربية أيضاً ودائما يكون الضوء عنصراً أساسياً فى التشكيل، ووجود الضوء يأتى محاوراً للسكون ، ويقوم بدور قوى فى تجسيد الكتلة وتأكيد العمق.. يسقط على المئذنة فتشكل كتلة عملاقة يجملها الظل الذى يختبئ بين الفتحات والنوافذ فتحس بنهوض الكتلة كالسهم الذى يشق زرقة السماء الصافية .
- فى كل أعمال الفنان المبدع محمد صبرى تجد العديد من الحوارات الجمالية بين ظل وضوء ولون ، وتلاحم وتآلف للمفردات والعناصر التى تشعرنا بنبض الحياة وقيمتها وأصالتها.. وحتى الأعمال التى تناولها بالأندلس أحس بها لارتباطها بالروح العربية والجو الشرقى فهو لا يصور ما يعجبه فقط، ولكن ما يتعايش معه ويحس بحميمية تجاهه .
د. سامى البلشى
الأذاعة والتليفزيون - 2009
فنان من زمن جميل
- أمضيت أوقاتا ممتعة فى الأسبوع الماضى داخل ` لوحات لها تاريخ ` وهو اسم المعرض الذى أقامه الفنان الكبير محمد صبرى رائد فن الرسم بمادة الباستيل فى مصر حيث يقدم 30 لوحة تمثل مراحل مختلفة من حياته الفنية منذ تخرجه بقسم التصوير بكلية الفنون التطبيقية عام 1937 .
- والفنان محمد صبرى ` 91 عاما ` لمن لا يعرفه حصل على جائزة الدولة التقديرية فى عام 1997 تتويجا لرحلة عطاء كبيرة حصل خلالها على عدة مؤهلات علمية رفيعة كان آخرها درجة الأستاذية فى التصوير من كلية الفنون الجميلة ` بسان فرناندو ` بمدريد عام 1952وهى تعادل درجة الدكتوراه من الجامعات المصرية وبعدها حصل على الدبلوم فى الدراسات الاسبانية من كلية الآداب جامعة مدريد وكان ذلك فى عام 1956 وتقلد العديد من المناصب الأكاديمية بجانب قيامه بالتدريس فى كليات الفنون التطبيقية إلى أن استقر به المقام أستاذا غير متفرغ بكلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان .
- وقد حصل الفنان الكبير محمد صبرى على العديد من الجوائز المحلية والعالمية ونال أيضا العديد من شهادات التقدير والتكريم لعل من أهمها لوحة بناء السد العالى التى أهداها مجلس الأمة عام 1970 باسم مصر إلى مجلس السوفيت الأعلى آنذاك ثم كان تقدير الرئيس حسنى مبارك له عن لوحة العبور العظيم عام 1983 ثم تقرر تعيينه عضوا فى المجالس القومية المتخصصة فى شعبة الفنون تقديرا لنبوغه فى مجال الفنون التشكيلية .
- ويعد هذا الفنان القدير أحد أهم رموزنا فى مجال الرسم حيث استخدم جميع خامات التصوير فى صناعة لوحاته بداية من القلم الرصاص ومرورا بالفحم والألوان المائية والزيتية إلى ان تخصص فى استخدام مادة الباستيل وقد سعت إليه المتاحف العالمية لأقتناء أعماله فمثلا استحوذت أسبانيا على نصيب الأسد فى عدد ما تضمه متاحفها من مقتنياته وتأتى من بعدها روما وانجلترا بجانب متحف الفنون الجميلة العريق بالرباط بالمغرب الشقيق .
- وكل من زار المتحف القومى للفن الحديث فى القاهرة أو شاهد متحف قصر ` عابدين ` لابد ان يسترعى انتباهه كيف بدأ محمد صبرى فى أوائل الأربعينيات معالجة مشاكلنا الاجتماعية فى لوحاته ثم اتجه لطرح وجهة نظره فى عاداتنا وتقاليدنا لدرجة تشعرك بواقعية وصدق هذا الفنان القدير الذى كان يحمل فكر له ملامحه وسماته الخاصة كمصور مرهف الحس ودقيق المشاعر وحساس فى ألوانه إلى حد كبير وحذر فى تنسيقها على حد تعبير ناقدنا الكبير الراحل صدقى الجباخنجى الذى كان لى شرف تنمية موهبتى فى كيفية النقد التشكيلى من خـلال مقالاته الرائعة فى جـريدة `الجمهورية` حيث تعلمت منه كيف يستخدم الناقد أدواته ومفرداته فى قراءة أى عمل فنى تشكيلى تقع عيناه عليه ثم تتابعت بقية خطواتى كناقد محترف فى شتى المجالات بعد تخرجى فى أكاديمية الفنون - المعهد العالى للفنون المسرحية - فى عصره الذهبى حيث درست على أيدى أساتذة كبار مثل رمزى مصطفى وعبد السلام الشريف وسعد المنصورى وغيرهم من كبار فنانينا فى هذا المجال حيث تعلمنا أن الناقد الفنى لابد أن يكون دارسا لكل الفنون التى تدخل فى البناء الدرامى للأعمال المسرحية والسينمائية والتليفزيونية .
- وقد ساعدتنى هذه الدراسة على الإلمام الكامل بأعمال معظم فنانينا التشكيليين وفى مقدمتهم محمد صبرى الذى يعد أبو الواقعية فى التصوير مثلما كان نعمان عاشور هو أبو الواقعية فى المسرح المصرى فالفارق بين هذا وذاك أن صبرى غاص بريشته بين هموم أهله وناسه وعبر عنها بألوانه داخل الريف وفى المدن بينما فعل نفس الشئ نعمان بقلمه عندما نزل إلى قاع المجتمع وعاش مع الناس اللى تحت فكل منهما كان تعبيرا صادقا عن ضمير أمته وفقا لوجهة نظره من خلال الفن الذى يعتنقه ويترجمه بفكره وحسه ومشاعره التى تذوب عشقا فى تراب وطنه.
- اننى اكتب تلك السطور السريعة عن فنان من زمن جميل لايزال رغم تقدم سنه قادرا على العطاء ولابد من الاستفادة بخبرته الطويلة فى مجال الفنون التشكيلية بصورة أكبر وأشمل تخرج من نطاق التدريس بكليات الفنون التطبيقية لتتسع إلى رحاب أوسع فمثلا كيف لا تستفيد مكتبة الاسكندرية بعطاء الرجل كمحاضر وكصاحب رصيد ضخم من الأعمال الفنية ينبغى أن يعرض بعضها داخل المكتبة وينبغى أيضا أن تقام له بمناسبة عامه الـ 91 احتفالية خاصة تصاحبها ندوات لتعريف الأجيال الجديدة بواحد من أهم فنانينا فى التصوير بأسلوب الباستيل .
مجدى عبد العزيز
الأخبار - 2009
! أصدق لوحة فى `حياة ` محفوظ
- فى نهاية عام 1988ومطلع عام 1989 كان الفنان التشكيلى محمد صبرى على موعد كل صباح مع أديب مصر العالمى نجيب محفوظ .. يلتقيان فى مقهى على بابا المطل على ميدان التحرير ليرسم صبرى أديبنا بناء على اتفاق بينهما ويطلب من إدارة المطعم الذى كان يجلس فيه محفوظ مع حرافيشه حتى يتم وضع اللوحة، وكان محفوظ يواظب على الحضور من بيته فى العجوزة يومياً على قدميه ليعبر كوبرى الجلاء وكوبرى قصر النيل حتى يصل إلى ميدان التحرير، وكان صبرى وهو يرسم لوحته بألوان الباستيل والتى تشع منها ملامح الذات للأديب الذى ما إن شاهد اللوحة بعد انتهائها حتى صاح معجباً : أنا كنت فاكر أنها اسكتش !، وقال لراسمها : دى أصدق لوحة رسمت لى فى حياتى، ثم سجل إعجابه على الركن الأيمن أسفل اللوحة بكلمات ( تحية إعجاب وتقدير وشكر للفنان محمد صبرى - المخلص نجيب محفوظ 26 -1- 1989) .
- ومن الجدير بالذكر أن الفنان القدير محمد صبرى بعد رحلته الطويلة مع الفن وقيمته العلمية والفنية العالية لم يحصل حتى الآن على جائزة النيل رغم ترشيح أكثر من جهة له ومنهم كلية الفنون التطبيقية ونقابة الفنانين التشكيليين .
نجوى العشرى
جريدة الأهرام - 9 /1 /2012
عندما يمنح `صبرى` الحياة للألوان
-فى الفترة من أكتوبر 1979 إلى يونيو1980 أقامت وزارة الثقافة الإسبانية معرضاً شاملاً للوحات الباستيل للفنان المصرى `محمد صبرى` تجول فى متاحف 9 مقاطعات إسبانية، كما طبعت كتالوجا خاصا عن حياته الفنية، وطبعت لوحاته تكريما له، واعترافا بمكانته بين كبار الفنانين العالميين، فهو الملقب بـ`رائد فن الباستيل`، وهو المصرى الوحيد الذى كان عضوا فى أعرق وأقدم أكاديمية لفن الرسم، وهى `أكاديمية سان فرناندو` فى مدريد، كما منح عضوية `الأكاديمية الملكية` فى فالنسيا مدى الحياة.
- تميز `صبرى` فى لوحاته بالعلاقات الجمالية بين الظل والضوء واللون، ومنح اللوحات صفة الحميمية والحياة، فقد كان يرسم ما يشعر بوجود علاقة إنسانية بين تفاصيله وشخصيته المصرية الأصيلة حتى فى لوحاته عن الأندلس، التى اهتم فيها بنقل أدق التفاصيل بعد أن حولها إلى كائن حى.
- اهتم `صبرى` برسم الجرف والمهن المصرية الصميمة، ومنها لوحة `طارق النحاس`، التى رسمها عام 1948على مساحة 85 سنتيمترا فى 65 سنتيمترا، وفيها جعل الظل والضوء لا ينفصلان عن عمل `طارق النحاس`، الذى كأنه اقتطع من الحياة ليظهر بخطوط وألوان `صبرى` بمفرده، دليل على تفرد هذا الحرفى الماهر، كما أظهر ملابسه المصرية الصميمة، الجلابية والصديرى، واهتم بإظهار قوة يديه وتفاصيلهما، ورسم عينيه مرتكزتين على العمل كأنه فى حالة عشق مع عمله.
- ولد `محمد محمد صبرى` فى ديسمبر عام 1917فى القاهرة، وحصل على دبلوم الفنون التطبيقية، ثم التحق بالقسم الحر فى كلية الفنون الجميلة، وحصل على درجة الأستاذية من كلية الفنون الجميلة فى مدريد عام 1952، وعمل خبيراً فنياً فى المعهد المصرى للدراسات الإسلامية فى مدريد، وأقام معارض فنية فى إسبانيا والمغرب وألمانيا وإيطاليا وفرنسا.
المصرى اليوم -الخميس 18/ 4/ 2013
محمد صبرى رحلة إبداع وعطاء مع الطبيعة والأحداث
بدأ عامه السادس والتسعين منذ شهور محمد صبرى رحلة إبداع وعطاء مع الطبيعة والأحداث
رحلة الفنان محمد صبرى هى رحلة إبداع وعطاء حافلة بالأحداث الفنية بين القاهرة والأقصر وإسبانيا ولندن والمغرب وسلطنة عمان والبحرين، بدأت فى بولاق أبو العلا حيث ولد فى هذا الحى العريق فى 21 ديسمبر عام 1917 خلف مسجد أبو العلا مباشرة ويبدأ دراسته الابتدائية فى مدرسة عباس بالسبتية أواسط العشرينيات.
كان مجداً فى دراسته وكانت مكافأته كتبا اجنبية ملونة ومطبوعة طباعة فاخرة وكان ينقلها حرفياً بألوانها وخطوطها ليعجب برسومه مدرس الرسم ليضمه إلى جماعة الرسم بعد أن علق هذه الرسومات على جدران المدرسة ونصحه بالاطلاع على كتاب `الرسم التوضيحي` للفنان محمد يوسف همام وكان مديراً لإدارة الفنون الجميلة ثم أمين عام جمعية محبى الفنون الجميلة وكان الكتاب يحوى رسوماً للوجوه والمناظر لكبار الفنانين وكذلك التشريح والمنظور وكل ما يتعلق بالرسم وقد أفاده هذا الكتاب إفادة جليلة وهو لا يزال طالباً فى الابتدائية ليختار محمد صبرى بها أوائل الثلاثينات فى قسم الزخرفة وقد كانت الدراسة قسما أول يمنح الدبلوم وقسما ثانياً يمنح المؤهل العالي، ودرس على يد محمد عزت مصطفى وحسنى خليل وأحمد راغب وسعيد الصدر وزامل المثال فتحى محمود وعبد السلام أحمد ليتخرج فيها عام 1937 على قمة دفعته ولم يحصل على البعثة المقررة ليرشحه الفنان محمد حسن مدير عام إدارة الفنون الجميلة آنذاك للعمل فى متحف التعليم وكان مديره أحمد عطية الله وليلتحق بقسم التصوير مع صلاح يوسف وكامل مصطفى وكان يقع هذا المتحف على النيل فى الجزيرة مكان نقابة المعلمين حالياً وكان يخرج على الشاطئ ليرسم ليقيم الفنان محمد صبرى أول معارضه عام 1943 بعد تخرجه بستة أعوام فى جولدنبرج بقصر النيل ويزور معرضه الفنان الكبير الرائد أحمد صبرى والفنان حسين بيكار وأعجبوا بأعماله وعرضوا عليه أن يدرس فى القسم الحر بكلية الفنون الجميلة الذى كانا يعملان فيه، ولم يجد غضاضة فى ذلك ليعود طالباً مرة أخرى وأتيحت له فرصة كبيرة للممارسة والتفوق وتقام أو مسابقة للقسم الحر بنظام مشروع التخرج فى الكلية بعد 5 سنوات من التحاقه ومن يجتازها يحصل على منحة لمرسم الأقصر ويقدم الفنان محمد صبرى كروكيات ودراسات لموضوع النحاسين 16 دراسة بالخامات المتنوعة ليطلب منه أساتذته تنفيذ المشروع بالكلية عام 1948 وقد كانت اللجنة المحكمة تضم يوسف كامل وكان مدير الكلية وراغب عياد وأحمد صبرى وكبار الفنانين ويحصل فناننا على المركز الأول والبعثة الداخلية لمرسم الأقصر فى هذه الفترة وأثناء درسته فى القسم الحر انتقل محمد صبرى من متحف التعليم ليعمل أميناً لمكتبة كلية الفنون التطبيقية واقترح أن يقوم بالتدريس ورفض لأن ذلك كان مقصوراً على العائدين من البعثات الخارجية وتسلم المكتبة ليجعل منها للدراسة فى تاريخ الفن والتصميم ولم يترك نفسه للممارسة دون دراسة فأتقن فن تصنيف المكتبات بعد دراسته فى الجامعة الشعبية الكائنة بجوار قصر الدوبارة بجاردن سيتى وكانت تدرس أيضاً التصوير والفنون والآداب والتاريخ. وأثناء وجود الفنان محمد صبرى فى عمله بمكتبة الفنون التطبيقية جمع بعض طلاب الكلية وكون بهم فرقة يقوم بتدريس الرسم لها بعد موافقة الكلية التى أتاحت له الخامات ومتطلبات ذلك وكان من بين طلابه فى هذه الفرقة رمزى مصطفى ومحمد طه حسين وهما من نجوم الفن التشكيلى حالياً.
الجائزة الأولى
فى أول اشتراك له فى مسابقات الفن فاز الفنان محمد صبرى بالمركز الأول ليحصل على الميدالية الذهبية فى المهرجان الفنى الكبير الذى أقامته وزارة المعارف العمومية عام 1948 وهو العام الذى حصل فيه على الجائزة الأولى فى القسم الحر بكلية الفنون الجميلة يحصل على منحة الأقصر والتى زامل فيها المثال عبد البديع عبد الحى وسعد المنصورى وكانت فترة غزيرة بالنهل والإبداع بزيارة المقابر والمدن الفرعونية هابو والكرنك ومعبد الأقصر والرامسيوم كان يرسم فى هذه الأماكن طوال النهار ويرسم الوجوه والأشخاص فى المرسم ليلاً وكان يقضى فترة الشتاء فى الأقصر والصيف فى حوش قدم بالقاهرة القديمة والتى كانت بالنسبة له فرصة لرسم الحوارى والشوارع والمبانى القديمة والتاريخية والمساجد وقد ساعدته هذه الفترة فى التصاقه بالحارة الشعبية وقد جمع أعماله فى هذه الفترة ليقيم بها معرضاً عام 1950.
نقطة تحول
كان هذا المعرض نقطة تحول فى حياة محمد صبرى فقد زاره فيه شخص دلف متسائلا:ً أين صاحب المعرض الفنان أحمد صبري؟ فأجابه بأنه معرض محمد صبرى وليس أحمد صبرى فحينما عرف أنه محمد صبرى قال له: إن الناقد الفرنسى `مارييل` كتب عنك بشكل رائع وأشاد بأعمالك وقد كان فى مصر فى هذه الفترة نقاد أجانب إلى جوار المصريين وكان يلقى على مسامع د. طه حسين آنذاك النقد وما يجرى من أحداث حيث كان وزيراً للمعارف، وزار شخص آخر المعرض متسائلاً عن عمله ومؤهلاته وقد كان هذا الشخص هو مدير مكتب وزير المعارف لتحدث المفاجأة للفنان محمد صبرى حينما هاتفه مكتب د. طه حسين ليزف إليه خبر ترشيحه من قبله للسفر فى بعثة لإسبانيا عضواً بالمعهد المصرى فى مدريد والذى سيفتتحه د. طه حسين أوائل الخمسينيات وهو أول معهد ثقافى فنى يقام فى أوروبا وضمت البعثة 16 دارساً لأوائل كليات الجامعات المختلفة . يعود فناننا محمد صبرى من هذه البعثة بعد حصوله على درجة الأستاذية من كلية سان فرناندو ليقوم بالتدريس فى كلية الفنون التطبيقية فى الفترة من عام 1953 وحتى عام 1959 وقد كان من تلاميذه فى هذه الفترة عمر النجدى وصالح رضا. وأول معارضه بعد العودة أقامه عام 1953 فى أتيليه القاهرة وافتحه السفير الإسبانى بالقاهرة وزوجة ونجل د. طه حسين.
دراسة الترميم
الذى لا يعرفه الكثيرون أن الفنان محمد صبرى درس الترميم ـ ترميم اللوحات على أعلى مستوى فى منحة لكلية سان فرناندو وقد كانت دراسته على يد كبار أساتذة الترميم فى العالم وقد قام مع زملائه بترميم أعمال للفنانين جويا وفيلا سكيز والجريكو وكان ذلك عامى 1955، 1956. فى تلك الفترة أقام الفنان معرضاً بتطوان بالمغرب وكان أول معرض مصرى يقام هناك وقد أشادت به الصحافة المغربية والإسبانية ثم معرضاً فى الرباط عام 1958 أشادت به الصحف والنقاد المغاربة والفرنسيون وقد جاءته دعوة لإقامة معرض فى باريس لكن الظروف كانت غير مواتية فقد كانت العلاقات المصرية الفرنسية آنذاك متدهورة. وعين الفنان محمد صبرى عضواً فنياً بمعهد الدراسات الإسلامية بمدريد عام 1959 وكان د. حسين مؤنس مديراً له ومستشاراً ثقافياً ود. محمود مكى وكيلاً للمعهد وملحقاً ثقافياً وقد كانت هذه الفترة ثرية بالنسبة لفناننا حيث اندمج فى الحركة الفنية الإسبانية فى معارضها وأنشطتها الفنية ليحصل على وسام الاستحقاق بدرجة فارس عام 1961 ويحصل على الجائزة الأولى فى التصوير فى صالون الخريف بمدريد عام 1964 وقد اختير فيما بعد عضو لجنة التحكيم فى هذا الصالون فى دورته السادسة والأربعين عام 1978.
رحلة الأندلس
أثناء عمل محمد صبرى متعه الله بالصحة كعضو فنى بالمعهد كلفته وزارة المعارف المصرية بالسفر فى رحلة إلى الأندلس لرسم الآثار الإسلامية فيها ليزور قرطبة وأشبيلية وغرناطة وملقة ورمضة ليرسم الجامع الكبير وقصر الحمراء وقصر أشبيلية وكل آثار الأندلس فى ثلاثين لوحة بألوان الباستيل والتى أدهشت د. حسين مؤنس ليقيم بها معرضاً فى قاعة جويا أكبر قاعات العرض فى مدريد عام 1961وقد لاقى إقبالاً كبيراً تلاه معرض فى لندن عام 1962 لقب فيه `أستاذ الباستيل` من قبل نقاد الفن هناك، وفى نفس العام أقام معرضاً فى روما بقاعة `كانتس` افتتحه د. نجيب هاشم سفير مصر فى روما والذى كلفه برحلة الأندلس إبان توليه منصب وزير المعارف، وقد كتبت عن المعرض جريدة `الفاتيكان أوبزورفا توريو رومانو` وهى المرة الأولى التى تكتب فيها هذه الجريدة عن معرض خاص حيث أنها لا تكتب إلا عن المتاحف العالمية، وقد شهدت هذه الفترة انتشار لأعمال الفنان محمد صبرى من خلال تلك المعارض التى أقامها : فى لشبونة بالبرتغال عام 1960 اقتنى منه أحد أعماله لمتحف لشبونة وكذلك فى فرانكفورت أقام معرضاً عام 1962 أشادت به معظم الصحف الألمانية.
ويعود الفنان محمد صبرى إلى مصر عام 1965 لتتلقفه أرض الجنوب فى أسوان ليشاهد على الواقع المرحلة الثانية لبناء السد العالى عام 1966 ضمن وفد من الفنانين ضم صدقى الجباخنجى والحسين فوزى وعليا صبرى وكانت الرحلة دعوة من وزير السد العالى صدقى سليمان من خلال جمعية محبى الفنون الجميلة، عدة أسابيع قضاها الوفد يرسمون ليل نهار مواقع السد العالى ليقام معرض ناجح بهذه الأعمال بعد العودة، من ضمن هذه الأعمال لوحة كبيرة بالألوان الزيتية رسمها محمد صبرى للسد العالى احتفظ بها لنفسه، وقتها كان مجلس السوفييت الأعلى فى زيارة لمجلس الأمة المصرى الذى أراد أن يرد هدية السوفييت التى كانت عملاً فنياً بعمل فنى فاختار د. ثروت عكاشة وزير الثقافة آنذاك هذه اللوحة ليهديها باسم مصر لمجلس السوفييت الأعلى.
معرض بقرار جمهوري
دعوة رسمية تلقاها الفنان من إسبانيا لإقامة معرض شرفى خاص ضمن المعرض العام فى مدريد وهو معرض كبير يقام فى حديقة `روتيرو` بقصر فيلاسكيز وذلك عام 1967 وقد كان السفر وقتها ممنوعاً، وحينما عرف المسئولون فى مصر أنها دعوة رسمية وتتكفل بها الجهة الداعية صدر قرار جمهورى بالسفر حيث يمثل فيها الفنان مصر ليقيم معرضاً لأعماله بقاعة الشرف ويفتتحه ملك إسبانيا وسفير مصر فى مدريد وكان معرضاً ناجحاً بكل المقاييس رشح من خلاله ليصبح عضواً أكاديمياً فى أكاديمية سان فرناندو بمدريد والتى تشرف على الحركة الفنية فى إسبانيا إلى جوار كبار أساتذة الفن هناك ليكون أول عربى يحصل على هذه العضوية.
فى هذه الفترة ـ عام 1965 عمل الفنان محمد صبرى مديراً للمعارض فى وزارة العلاقات الثقافية الخارجية المنشأة حديثاً والتى لم تستمر لظروف مالية، لينتقل بعدها مستشاراً فنياً للهيئة العامة للفنون بوزارة الثقافة وكان حلقة اتصال بين الوزارة والفنانين.
فى عام 1972 اختير الفنان عضواً أكاديمياً مدى الحياة بالأكاديمية الملكية سان كارلوس كما أقامت وزارة الثقافة الإسبانية معرضاً شاملاً للوحات الباستيل التى أبدعها تجّول فى متاحف 9محافظات فى الفترة من اكتوبر 1979 وحتى يونيو 1980 وقد أصدرت الوزارة كتالوجاً خاصاً عن حياته الفنية وملصقاً كبيراً بالألوان تقديراً وتكريماً لمكانته الفنية وهذا المعرض الأول من نوعه لفنان مصرى وعربي، كما اختير الفنان ضيف شرف فى المعرض العام للفنون الجميلة الذى أقيم فى قصر البللور بمدريد تحت رعاية ملك إسبانيا عام 1976.
الأحداث الوطنية
شغلت الأحداث الوطنية فناننا محمد صبرى وأشعلت حماسه ففى عام 1956 ومن خلال دعوة لمعرض أعلنها كمال الملاخ للتعبير عن معركة بورسعيد ليرسم لوحة بالألوان الزيتية بلغت مساحتها 60 × 80 سم وطاف المعرض مختلف البلدان وانتهى المعرض واختارت وزارة الخارجية اللوحة ليكتشف الفنان أنها تاهت بعد ذلك، وقد طرحت جمعية محبى الفنون الجميلة إقامة معرض عن المعركة فى عام 1957 فرسم محمد صبرى لوحة تعدى طولها المترين شارك بها فى هذا المعرض الذى افتتحه كمال الدين حسين نائب رئيس الجمهورية، وكان يشرف على بعض الوزارات من ضمنها وزارة الثقافة، وقد أعجبته اللوحة وأمر باقتنائها لتزين مكتبه فى وزارة التربية والتعليم وظلت مع تعاقب الوزراء وكان الفنان يزورها كل فترة ليكتشف أنها نقلت إلى مكتب الوكيل ثم مدير الإدارة ليصيبها التلف من جراء دهان المكان، وخوفاً على اللوحة استعارها الفنان بصعوبة بالغة لتنضم إلى معرض أقامه فى قاعة السلام بالزمالك عام 1984 ليقوم بإهدائها إلى متحف الفن المصرى الحديث بعد انتهاء المعرض.
وعن العبور العظيم فى السادس من أكتوبر رسم الفنان محمد صبرى لوحة أهداها لرئيس الجمهورية ويقتنيها قصر عابدين ورسم خطاب السلام الذى ألقاه الزعيم جمال عبد الناصر فى الأمم المتحدة ولوحة أخرى `توقيع اتفاقية القاهرة` عام 1971 وهى تضم مجموعة من القادة العرب وقد تعدى طولها المترين ونصف المتر.
وعن الطقوس الخاصة بالرسم يقول الفنان : فى الستينات فى الأندلس كان الجو مفتوحا وكنت أعمل فى مناخ من الراحة كرسم اللوحة مباشرة من الطبيعة لكن فى مصر من الصعب أن أجلس وأرسم فى مكان ما فأقوم برسم `الاسكتش` باللون والأماكن الأثرية لابد من رسمها بدقة حيث تفاصيلها الدقيقة، فكنت أرسم اللوحة من خلال اسكتش بالألوان والتفاصيل أرسمها بالقلم الرصاص من خلال المعايشة أستطيع تجسيدها على أى مسطح.
العديد والعديد من الجوائز والأوسمة حصل عليها الفنان محمد صبرى وكذلك شهادات التقدير فقد حصل على تقدير من الرئيس السادات عن لوحة رسمها لملكة إسبانيا وقد أهديت لملك وملكة إسبانيا أثناء زيارتهما لمصر وحصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى رائداً لفن الباستيل عام 1974 ووسام الملكة إيزابيل الذى منحه له ملك إسبانيا تقديراً لفنه كما حصل على ميدالية ودبلوم الأكاديمية الملكية سان فرناندو بمدريد باعتباره عضواً بها.
وقامت وزارة الثقافة المصرية بتكريم الفنان محمد صبرى عام 1995 ومنحه وزير الثقافة شهادة ودرعاً للدور الرائد والعطاء الفنى للفنان، وحصل على جائزة الدولة التقديرية فى الفنون عام 1997.
وأخيراً رشحته جامعة المنيا لنيل جائزة النيل فى الفنون وهى أعلى جوائز الدولة فى مصر.
د. محمد الناصر
جريدة الأهرام 2014
بمناسبة بلوغه 100 عام مصر تحتفل بـ ` أستاذ الباستيل ` محمد صبرى
- هذا العام يكمل الفنان الكبير محمد صبرى عامه المئة ، فقد ولد فى 21 ديسمبر من عام 1917 وعاش رحلة عطاء حافلة بالابداع والأحداث الفنية على مدى سنوات عمرة المديد .. تحتفى به كلية الفنون التطبيقية التى تخرج فيها عام 1937 على قمة دفعته من خلال معرض لأعماله افتتح منذ ايام بقاعة العرض بالكلية .
لقب فى اوروبا بأستاذ الباستيل حيث اشتهر وارتبط بهذه الخامة والتى كانت محترفة ، وتفوق على نفسه فى التعامل معها واشتهر برسم المنظر الذى كان محترفه كموضوع وحظى البورتريه - الصورة الشخصية - بجانب من اهتمامة . ليرسم العديد من الشخصيات العالمية وكذلك شخصيات البيئة المصرية من البسطاء .
رحلة إبداع وعطاء حافلة بالأحداث الفنية بين القاهرة والأقصر وإسبانيا ولندن والمغرب وسلطنة عمان والبحرين ، بدأت فى بولاق أبو العلا حيث كانت النشأة فى هذا الحى العريق ، ليلتحق محمد صبرى بمدرسة الفنون التطبيقية أوائل الثلاثينيات فى قسم الزخرفة ، وقد كانت الدراسة قسما أول يمنح الدبلوم وقسما ثانياً يمنح المؤهل العالى ، ودرس على يد محمد عزت مصطفى وحسنى خليل وأحمد راغب وسعيد الصدر ليتخرج فيها عام 1937 ، ويقيم أول معارضه عام 1943 بعد تخرجه بسته أعوام فى جولدنبرج بقصر النيل ، ويزور معرضه الفنان الكبير الرائد أحمد صبرى والفنان حسين بيكار اللذان أعجبا بأعماله وعرضا عليه أن يدرس فى القسم الحر بكلية الفنون الجميلة الذى كانا يعملان به ، ولم يجد غضاضة فى ذلك ليعود طالباً مرة أخرى . وأتيحت له فرصة كبيرة للممارسة والتفوق ، وتقام أول مسابقة للقسم الحر بنظام مشروع فى الكلية بعد 5 سنوات من التحاقه . ويقدم الفنان محمد صبرى كروكيات ودراسات لموضوع النحاسين 16 دراسة بالخامات المتنوعة ، ليطلب من أساتذته تنفيذ المشروع بالكلية عام 1948 . وقد كانت اللجنة المحكمة تضم يوسف كامل وكان مدير الكلية وراغب عياد وأحمد صبرى وكبار الفنانين ويحصل فناننا على المركز الأول والبعثة الداخلية لمرسم .
وفى أول اشتراك له فى مسابقات الفن فاز الفنان محمد صبرى بالمركز الأول ليحصل على الميدالية الذهبية فى المهرجان الفنى الكبير الذى أقامته وزارة المعارف العمومية عام 1948، وهو العام الذى حصل فيه على الجائزة الأولى فى القسم الحر بكلية الفنون الجميلة يحصل على منحة الأقصر ، فكان يقضى فترة الشتاء فى الأقصر والصيف فى حوش قدم بالقاهرة القديمة والتى كانت بالنسبة له فرصة لرسم الحوارى والشوارع والمبانى القديمة والتاريخية والمساجد وساعدته هذه الفترة فى التصاقه بالحارة الشعبية وقد جمع أعماله فى هذه الفترة ليقيم بها معرضاً عام 1950.
كان هذا المعرض نقطة تحول فى حياة محمد صبرى ، فقد زاره شخص متسائلاً عن عمله ومؤهلاته ، وقد كان هذا الشخص هو مدير مكتب وزير المعارف لتحدث المفاجأة للفنان محمد صبرى حينما هاتفه مكتب د. طه حسين ليزف إليه خبر ترشيحه من قبله للسفر فى بعثة لأسبانيا عضواً بالمعهد المصرى فى مدريد والذى سيفتتحه د. طه حسين أوائل الخمسينات ، وهو أول معهد ثقافى فنى يقام فى أوروبا وضمت البعثة 16 دارساً لأوائل كليات الجامعات المختلفة والتحق فى هذه الأثناء بكلية سان فرناندو ورشحة أساتذته لعمل معرض لأعماله وأقيم فى مايو عام 1951 وهو لايزال طالباً بالكلية وذلك بالمتحف القومى للفن الحديث ، ضم أعمالا رسمها فى مصر وأخرى فى مدريد ، وقدمه فى ` كتالوج ` المعرض مدير المتحف وهو من كبار النقاد فى إسبانيا آنذاك وكان هذا المعرض هو أول معرض مصرى يقام فى مدريد .
يعود فناننا محمد صبرى من هذه البعثة بعد حصوله على درجة الاستاذية من كلية سان فرناندو ليقوم بالتدريس فى كلية الفنون التطبيقية فى الفترة من عام 1953 وحتى عام 1959 ، وأول معارضه بعد العودة أقامه عام 1953 فى أتيليه القاهرة وافتحه السفير الإسبانى بالقاهرة وزوجة ونجل د. طه حسين .
دراسة الترميم
والذى لا يعرفه الكثيرون أن الفنان محمد صبرى درس الترميم ، ترميم اللوحات فى منحة لكلية سان فرناندو وقد كانت دراسته على يد كبار أساتذة الترميم فى العالم ، وقام مع زملائه بترميم أعمال للفنانين ` جويا ` و ` فيلا سكيز ` و ` الجريكو ` وكان ذلك عامى 1955، 1956 فى تلك الفترة أقام الفنان معرضاً بتطوان بالمغرب وكان أول معرض مصرى يقام هناك . ثم معرضاً فى الرباط عام 1958 أشادت به الصحف والنقاذ المغاربة والفرنسيون .
وعين الفنان محمد صبرى عضواً فنياً بمعهد الدراسات الاسلامية بمدريد عام 1959 ، وكان د . حسين مؤنس مديراً له ومستشاراً ثقافياً ود. محمود مكى وكيلاً للمعهد وملحقاً ثقافياً ، وكانت هذه الفترة ثرية بالنسبة لفناننا حيث اندمج فى الحركة الفنية الإسبانية فى معارضها وأنشطتها الفنية ليحصل على وسام الاستحقاق بدرجة فارس عام 1961 والجائزة الأولى فى التصوير فى صالون الخريف بمدريد عام 1964 وقد اختير فيما بعد عضو لجنة التحكيم فى هذا الصالون فى دورته السادسة والأربعين عام 1978.
أثناء عمل محمد صبرى كعضو فنى بالمعهد كلفته وزارة المعارف المصرية بالسفر فى رحلة إلى الأندلس لرسم الآثار الإسلامية فيها ليزور قرطبة وأشبيلية وغرناطة وملقة ورمضة ، ويرسم الجامع الكبير وقصر الحمراء وقصر أشبيلية وكل آثار الأندلس فى ثلاثين لوحة بألوان الباستيل ، ليقيم بها معرضاً فى قاعة جويا أكبر قاعات العرض فى مدريد عام 1961 وقد لاقى إقبالاً كبيراً تلاه معرض فى لندن عام 1962 لقب فيه `أستاذ الباستيل `من قبل نفاذ الفن هناك وفى نفس العام أقام معرضاً فى روما بقاعة ` كانتس ` افتتحة د. نجيب هاشم سفير مصر فى روما والذى كلفه برحلة الاندلس إبان توليه منصب وزير المعارف ، وكتبت عن المعرض جريدة ` الفاتيكان ` أوبزورفا توريو رومانو ` وشهدت هذه الفترة انتشارا لأعمال الفنان محمد صبرى من خلال تلك المعارض التى أقامها : فى لشبونة بالبرتغال عام 1960 حيث اقتنى منه أحد أعماله لمتحف لشبونة ، وكذلك فى فرانكفورت أقام معرضاً عام 1962 أشادت به معظم الصحف الألمانية .
بناء السد
ويعود الفنان محمد صبرى إلى مصر عام 1965 لتتلقفه أرض الجنوب فى أسوان ليشاهد على الواقع المرحلة الثانية لبناء السد العالى عام 1966 ضمن وفد من الفنانين ضم صدقى الجباخنجى والحسين فوزى وعليا صبرى ، عدة أسابيع قضاها الوفد يرسمون ليل نهار مواقع السد العالى ليقام معرض ناجح بهذه الأعمال بعد العودة ، من ضمن هذه الأعمال لوحة كبيرة بالألوان الزيتية رسمها محمد صبرى للسد العالى ، وقتها كان مجلس السوفييت الأعلى فى زيارة لمجلس الأمة المصرى الذى أراد أن يرد هدية السوفييت التى كانت عملاً فنياً بعمل فنى فاختار د. ثروت عكاشة وزير الثقافة آنذاك هذه اللوحة ليهديها باسم مصر لمجلس السوفييت الأعلى .
دعوة رسمية تلقاها الفنان من إسبانيا لإقامة معرض شرفى خاص ضمن المعرض العام فى مدريد . وهو معرض كبير يقام فى حديقة ` روتيرو ` بقصر فيلاسكيز وذلك عام 1967 ليقيم معرضاً لأعماله بقاعة الشرف ويفتتحه ملك أسبانيا وسفير مصر فى مدريد ، وكان معرضاً ناحجاً بكل المقاييس رشح من خلاله ليصبح عضواً أكاديمياً فى أكاديمية سان فرناندو بمدريد والتى تشرف على الحركة الفنية فى إسبانيا الى جوار كبار أساتذة الفن هناك ليكون أول عربى يحصل على هذه العضوية .
وفى عام 1972 اختير الفنان عضواً أكاديمياً مدى الحياة بالأكاديمية الملكية سان كارلوس ، كما أقامت وزارة الثقافة الإسبانية معرضاً شاملا ًللوحات الباستيل التى أبدعها تجول فى متاحف 9 محافظات فى الفترة من أكتوبر 1979 وحتى يونيو 1980، وقد أصدرت الوزارة كتالوجاً خاصاً عن حياته الفنية وملصقاً كبيراً بالألوان تقديراً وتكريماً لمكانته الفنية وهذا المعرض الأول من نوعه لفنان مصرى وعربى ، كما اختير الفنان ضيف شرف فى المعرض العام للفنون الجميلة الذى أقيم فى قصر البللور بمدريد تحت رعاية ملك إسبانيا عام 1976 .
شغلت الأحداث الوطنية فناننا محمد صبرى وأشعلت حماسه ففى عام 1956 رسم معركة بورسعيد فى لوحة بالألوان الزيتية بلغت مساحتها 60×80 سم ضمها معرض طاف مختلف البلدان . ورسم محمد صبرى لوحة تعدى طولها المترين شارك بها فى هذا المعرض الذى افتتحه كمال الدين حسين نائب رئيس الجمهورية ، وكان يشرف على بعض الوزارات من ضمنها وزارة الثقافة ، وقد أعجبته اللوحة وأمر باقتنائها لتزين مكتبه فى وزارة التربية والتعليم ليصيبها التلف ، وخوفاً على اللوحة استعارها الفنان لتنضم إلى معرض أقامة قى قاعة السلام بالزمالك عام 1984 ليقوم بإهدائها إلى متحف الفن المصرى الحديث بعد انتهاء المعرض .
وعن العبور فى السادس من أكتوبر رسم الفنان محمد صبرى لوحة أهداها لرئيس الجمهورية ويقتنيها قصر عابدين ورسم خطاب السلام الذى ألقاه الزعيم جمال عبد الناصر فى الأمم المتحدة ولوحة أخرى ` توقيع اتفاقية القاهرة ` عام 1971 وهى تضم مجموعة من القادة العرب وقد تعدى طولها المترين ونصف المتر .
الضوء يشد الفنان محمد صبرى فى المكان الذى يقع عليه اختياره لرسمه ، فهو يمر على المكان عدة مرات حتى يختار التوقيت المناسب الذى يعطيه شخصية المكان والزمان ، وما يحملان من عناصر والضوء يحدد ويجسد العمل وهو الذى يكتشف الشكل واللون .
العديد والعديد من الجوائز والأوسمة حصل عليها الفنان محمد صبرى وكذلك شهادات التقدير فقد حصل على تقدير من الرئيس السادات عن لوحة رسمها لملكة إسبانيا وقد أهديت لملك وملكة إسبانيا أثناء زيارتهما لمصر وحصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى رائداً لفن الباستيل عام 1974 ووسام الملكة إيزابيل الذى منحة له ملك إسبانيا تقديراً لفنه كما حصل على ميدالية ودبلوم الأكاديمية الملكية سان فرناندو بمدريد باعتباره عضواً بها .
وقامت وزارة الثقافة المصرية بتكريم الفنان محمد صبرى عام 1995 ومنحه وزير الثقافة شهادة ودرعاً للدور الرائد والعطاء الفنى للفنان ، وحصل على جائزة الدولة التقديرية فى الفنون عام 1997 .
رحلة طويلة ومشوار فنى مشرّف يستحق تتويجه بأعلى جوائز الدولة حيث رشحتة هذا العام جامعة المنيا وأتيليه القاهرة ونقابة الفنانين التشكيليين لنيل جائزة النيل فى الفنون وهى أعلى جوائز الدولة فى مصر .
د/ محمد الناصر
نصف الدنيا : 28-4-2017
محمد صبرى .. روح القاهرة الفاطمية وسحر الاندلس
- تعد أعمال الفنان محمد صبرى بمثابة الذاكرة المرئية لقاهرة المعز التاريخية .. صورها بأبوابها وبواباتها وتفاصيل المكان هناك .. ومع القاهرة الفاطمية صور فى عشرات اللوحات زمن الوصل بالاندلس هذا مع لوحات ومباهج الحياة اليومية بمصر المحروسة فى الريف والحضر .. وقد جاء معرضه بقاعة الفنون التشكيلية بالفنون التطبيقية حيث كان طالبا وما زال استاذا بها .. تأكيدا لعمق لمسته وهو يمثل العلامة الثانية بعد أستاذه أحمد صبرى فى لوحة الباستيل التى جعل منها أيقونة فنه وجعلت منه رائدا لها بامتداد رحلته مع الإبداع والتى تمتد لاكثر من 75 عاماً .
فى بولاق ابو العلا .. هذا الحى الشعبى العريق الذى شهد مولده فى ديسمبر 1917 .. عاش محمد صبرى بمنزل الاسرة فى رحاب جامع السلطان ابو العلا والذى سمى الحى باسمه .. يطل من (( التراسينة )) بالدور الاول على المقام .. فيطالع جموع النساء يتوحدون فى كتلة واحدة مع شبابيك الضريح .. يأتين حاملات القرابين من النذور .
وفى مولد السلطان وقبل الليلة الكبيرة بأربعين يوماً .. تطلف البهجة فى كل مكان .. ويطالع ويتأمل ويسمع ويرى ألوانا شتى من البيارق والاعلام والزينات .. تحف بموكب الخليفة ومشايخ الطرق الصوفية بارديتهم البيضاء وشاراتهم الخضراء والحمراء .. مع شتى النداءات والهتافات والاغانى والاذكار والاوردة .
وفى مدرسة عباس الابتدائية الاميرية .. كان محمد صبرى يملأ كراسة الرسم بكل ما يراه .. فتزين صفحاتها فى النهاية حجرة الناظر لتكون اول معرض له وهو فى العاشرة .
وبدأ نشاطه فى الحركة الفنية بالاشتراك بلوحتين فى معرض صالون القاهرة الذى تنظمة جمعية محى الفنون الجميلة وكان يرأسها محمد محمود خليل بك ، اشترك وهو مازال طالبا بالفنون التطبيقية كما حرص على المشاركة فى هذا الصالون لعدة سنوات بجانب اعمال رواد الفنون الجميلة الاوائل : محمد حسن وراغب عياد واحمد صبرى ومحمود سعيد مع الفنانين الأجانب المقيمين بمصر .. مما زاد ثقته بقدراته الفنية . وفى عام 1937 تخرج صبرى وكان الأول على دفعتها واقام اول معرض خاص لاعماله عام 1943 بقاعة جولدنبرج بشارع قصر النيل وعندما زاره الفنان الرائد احمد صبرى اعجب بأعماله ودعاه ليلتحق بالقسم الحر المنشأ حديثا فى ذلك الوقت بكلية الفنون الجميلة تحت اشرافه وقد لبى دعوته فى نفس العام .
النحاسون
وفى هذه الأثناءاقامت كلية الفنون الجميلة مسابقة فنية والفائز فيها يمنح بعثة لمدة عامين بمرسم الأقصر .. تقدم صبرى بلوحة النحاسين وهى صرحية ضخمة ومعها 16 دراسة للوجوه والاشخاص بحركاتهم المختلفة وقد برهن فيها على انه فنان بارع فى توزيع الضوء فى تكوين رصين متكامل تذكرنا اضواؤه الملتهبة والوانه الدافئة بسحر الأضواء والظلال الهولندى رمبرانت أشهر من روض الضوء فى الفضاء التصويرى .
وفاز محمد صبرى ببعثة مرسم الاقصر وكان يقضى الشتاء هناك .. أما الصيف فيقضية بالقاهرة فى منزل اثرى بحارة (( حوش قدم )) بين التراث الاسلامى والحياة الشعبية .
عالم من النور
تنتمى أعمال الفنان محمد صبرى للواقعية التعبيرية والتأثيرية فى نفس الوقت والتى تمتد فى لمسات قصيرة .. تجسد بالنور سحر الأشياء فى لوحات تمثل الأحياء الشعبية والمناظر الطبيعية فى القاهرة وأسوان وفى الأقاليم الأسبانية والمغربية أيضا خلال زياراته للمغرب .. مستخدما الوان الباستيل التى ملك زمامها وسيطر عليها .
وقد صور صبرى القاهرة الفاطمية فى اكثر من 200 لوحة .. تعد بمثابة الذاكرة التشكيلية لقاهرة المعز بأبوابها وبواباتها : باب النصر وباب الفتوح وبوابة المتولى .. مع سحر الابهاء والممرات والدرج الشاعرى .. وهذا النسق الفريد من الكوى والمنافذ والاقواس مع المشربيات وجمال المعمار الذى يمثل جزءا من شخصية مصر .. من الاقمر والازهر والجامع الازرق والسلطان حسن مع الخيامية والغورية ودرب التبانة بالقلعة .. كل هذا بحركة البشر ودنيا الناس .
زمان الوصل
وعلى الجانب الاخر صور فناننا صبرى فى لوحاته عمق الزمن الجميل .. زمن الوصل بالاندلس مسكونا بالنور والبهاء والشراق .. ينقل فى لوحاته : قصر الحمراء فى غرناطة والجامع الكبير فى قرطبة وبرج الذهب والقصبة فى ملقا والكوبرى العربى فى رونده والقرى الصغيرة التى تبدو فى معمارها اشبه بالارابيسك والتى تمثل درسا فى المنظور وزوايا ومثالية النسب واناقة التكوين .. تحية الى محمد صبرى بعمق لمسته التى تغنى للحياة وتتحدى الزمن .
صلاح بيصار
القاهرة : 2017/6/13
|